نشاط الحزب الشيوعي الاسرائيلي بين العمال اليهود والعرب

بنيامين غونين

الحوار المتمدن-العدد: 1088 - 2005 / 1 / 24 - 12:56
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

للحزب الشيوعي لا توجد اية مصلحة او منفعة، سوى مصلحة الطبقة العاملة وجماهير الشعب المستغلة وافراد الطبقات في ضائقة من اليهود والعرب. وهذا المبدأ برز امام اعيننا قبل قيام دولة اسرائيل وبعد قيامها.

فيما يلي محاولة لفحص التجربة التي اكتُسبت في النضالات الطبقية اليهودية - العربية المشتركة، قبل قيام الدولة على ضوء السياسة الصهيونية الرجعية وسياسة فرق تسد الاستعمارية البريطانية، وكذلك من المهم وعلى ضوء التمييز اليوم التأكيد ان التعاون اليهودي العربي في اماكن العمل صمد في الامتحان على الرغم من التمييز والاحتلال، وامامنا عدة امثلة كمواد للتفكير لمواصلة نشاطاتنا الطبقية الاجتماعية المشتركة.

"الاستيطان الكيبوتسي خدمة للبرجوازية اليهودية"
لقد اقيمت الهستدروت العامة للعمال في 1920 ولقد شارك الشيوعيون في المؤتمر التأسيسي وخاضوا نقاشات جدية حول طابعها واهدافها وتركيبتها. واقيمت في عام 1922 في الهستدروت "كتلة العمال"، وهي اطار علني لنشاطات الحزب الشيوعي الفلسطيني، عارضت التعاون والشراكة مع طبقات اخرى وطالبت بحرب طبقات جدية وبفصل وظائف، أي فصل التنظيم المهني عن التنظيم العمومي، ورأت في الاستيطان الكيبوتسي بمثابة اوهام تخدم مصالح البرجوازية اليهودية – وهذا جاء في الانسكلوبيديا لعلوم المجتمع – مكتبة العمال.
وجرى نقاش في المؤتمر التأسيسي للهستدروت، حول طابع الهستدروت اليهودي العربي: هل ستكون هذه "هستدروت العمال العبريين"، او ستضم كذلك العمال العرب؟
وهل ستكون مهمتها انتاج "مصانع سوق"، او لشن "معركة طبقية"، ولقد ادعى طبنكين، من قادة الهستدروت ان عليها العمل باهتمام بالغ لشراء الاراضي وتقوية مجموعات العمل لان: "في بلادنا ليس الصراع الطبقي هو مركز الثقل"، وحتى يعاري من "هشومير هتسعير" في "مبام" اقترح "ان لا تكون الهستدروت المهنية على اساس الصراع الطبقي كما اقترح المندوبون الشيوعيون". وطالب الممثلون الشيوعيون باقامة هستدروت تمثل جميع عاملي البلاد، بدون فرق في الدين والقومية والآراء السياسية وان تكون حركة نضال طبقية واضحة. ولكن في المسائل الجوهرية هذه قرر المؤتمر الاول للهستدروت وداوم على ذلك على مدى سنوات طويلة، عدم شمل العمال العرب في الهستدروت وعدم قبول مبادئ النضال الطبقي. وقال حاييم ارلوزورف ممثل "مباي" في المؤتمر الثاني الذي عقد في عام 1926، "ان الصراع الطبقي هذا هو تشذيب خارجي ليس لنا".
لكن افكار الشيوعيين وان لم يكونوا حزب اغلبية جسدت وعكست الواقع وعلى الرغم من ان قادة الهستدروت طالبوا: "بعدم دمج العامل العربي في منظمتنا"، فقد شن عمال يهود وعرب نضالات مشتركة. وفي حيفا في مطلع سنوات العشرين عاش 24 الف عربي و 6 آلاف يهودي.
الاضراب الاول الذي كان في حيفا في 1922، شارك فيه 120 نجارا و 25 خياطا، طالبوا بيوم عمل من ثماني ساعات بدلا من 12-14 ساعة كما كان الوضع في حينه.
وطالبوا كذلك بزيادة في الأجور وبسبعة ايام عطلة سنوية، وبدفع اموال مقابل الايام المرضية وايام الاعياد وقد نجح الاضراب جزئيا، ونظمت "هستدروت عمال القطار والبريد والتلغراف"، التي اقيمت في 1919 اضرابات ونضالات من اجل تحسين شروط وظروف العمل والأجور في فترة الانتداب البريطاني، وانعكست وحدة النضال في معسكرات الجيش البريطاني التي كانت منتشرة في البلاد، ونظم فيها العمال اليهود والعرب اضرابات كبيرة وساهم الشيوعيون في ذلك بشكل كبير، وفي عام 1935 جرى اضراب عمال "شركة النفط العراقية"، واعتبر الاضراب الاهم وعنوان الاضرابات التي نظمها مجلس عمال حيفا، وتميز الاضراب بالتعاون اليهودي العربي بين العمال ولكن لم يكن هذا الاضراب الاول ففي عام 1933 اضرب عمال مصنع السجائر: "سئوليم – وجيه وخوري"، وضم 50 عاملا يهوديا وعربيا وانتهى بعد عشرة ايام بالنجاح، والاضراب العام لعمال الحكومة في نيسان 1946 تحول الى مظاهرة ضخمة من التعاون المشترك بين العمال اليهود والعرب على الرغم من التوتر الشديد الذي ساد في تلك الفترة.

"النضال الطبقي غير مقبول"!!
ان الاقتراحات المتكررة من الحزب الشيوعي الاسرائيلي لتحويل الهستدروت الى منظمة عامة لكل العمال في اسرائيل، رفضت في المؤتمرين السابع والثامن وقبلت في المؤتمر التاسع في عام 1960 لكن المشاركة الاولى للمندوبين العرب تحققت في المؤتمر العاشر في عام 1966.
ان قيادة الهستدروت لم تقبل فكرة النضال الطبقي وتبنت التوجه القومجي الصهيوني المتجسد في "سلام البيت" وبعد ذلك تحولت الى ختم مطاطي في أيدي الحكومات المختلفة.
وحتى تحت حكومة الليكود وكما قال سكرتير الهستدروت في حينه حاييم هبرفيلد، "فان الهستدروت كانت محكومة بموجب التزامات فرضت عليها من منطلق وحدة قومية"، ويشهد على ذلك من الماضي سكرتير الهستدروت في حيفا، ألموغي في كتابه: "في صلب القضية"، حيث قال: "لقد اعتقدوا في الحكومة والهستدروت في ذلك الوقت ان مصلحة الدولة وحركة العمل هي اضعاف الى حد ما لقوة العامل الاجير، (ص 157، من الكتاب).
ولكن هنا أيضًا انتصرت الافكار التي حملها الشيوعيون، والعمال لم يقبلوا دائما مواقف القيادة. وفي ذلك الكتاب يشرح الموغي، انه في حيفا في مطلع سنوات الخمسين، كان 500 مكان عمل لكن من تلك الاماكن العديد من مراكز القوى الاساسية: الميناء، واسطول التجار والقطار والبريد، وشركة الكهرباء، ومصافي البترول، وآتا و "دشنيم" وفولجان وفينتسيا، والسيطرة فيها كان المفتاح للسيطرة في الهستدروت. ولكن لسوء حظ الموغي غالبية لجان العمال في تلك الاماكن كانت تحت تأثير الشيوعيين و "مبام" وادعى انه تطلب الامر (3) سنوات لاقناع العمال انه من اجل "الهستدروت والدولة"، من المفضل لهم ان يصوتوا مع مرشحي "مباي". واساليب الاقناع لدى "كتائب هبوعيل" التابعة لألموغي كانت مشهورة بانها اساليب الملاحقة والضرب والفصل من العمل.
في البحث النهائي لايلي نحمياس، من قسم العلوم السياسية، في جامعة حيفا، حول تلك الفترة اقتبس على لسان تسفي بشان، من عمال مجلس عمال حيفا، انه: "بعد ذلك ارسلني الموغي الى "دشنيم وفوسفاتيم"، من اجل النضال ضد اللجنة برئاسة ابراهيم ليفنبراون، (لاحقًا، عضو مركز الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وعضو الكنيست من قبله) وخلال نصف سنة نجحنا في ادخال 200 عضو الى الحزب والتسلط على اللجنة.
وعن اضراب عمال البحرية الكبير قال الموغي: "كان لدي أساس للافتراض بأننا نقترب من امتحان قوة ينحرف بدرجة كبيرة عن النضال للتسلط على جمعية البحارة، وقالوا لي ان احد قادة المتمردين، نمرود ايشل، ومعه آخرون كانوا على علاقات وطيدة مع المنظمات المهنية الشيوعية وربما ان المتمردين لم ينتموا رسميا لاحزاب اليسار لكن مواقفهم كانت قريبة جدا وان لم تكن متطابقة مع مواقف التنظيمات النقابية الشيوعية".
ان تلك الاقوال تثبت ان الافكار التي عبرت عنها الشعارات التي رفعها الشيوعيون بالفعل كانت قريبة من كل اولئك الذين ناضلوا ضد الاستغلال ودفاعا عن العمال في هذه البلاد.

بدون مستغِلين ومستغَلين
ان انتقاداتنا ومنذ بداية الطريق ومع اقامة الهستدروت، ضد شركة العمال تثبت على انها صادقة وفي محلها على الرغم من ان الاهداف المعلنة كانت: "خلق مجتمع عمال حر بدون مستغلين ومستغلين ومن اجل مجتمع منتج واستهلاكي هدفه تحرير الطبقة العاملة من قيود الاستغلال ومن التجارة الخاصة منفلتة العقال"، وعمليا على ارض الواقع لم يكن لذلك أي غطاء. في الهستدروت سادت تلك القوانين الرأسمالية النابعة من طابعها الاستغلالي ومن السعي لجني الارباح وذلك هو تناقض المصالح والتناقض الطبقي بين العمل والرأسمال.
ان اتفاقيات العمل وُقّعت ووُضعت بعد مفاوضات بين الهستدروت والصناعيين كما في كل مصنع آخر، وبالذات فان الطلائعيين في عمليات "فصل العمال للنجاعة"، كانوا في "فولجان" و "نير" وهما مصنعان هستدروتيان. وإشفاء "سوليل بونيه" اشترط بفصل آلاف العمال. وكما في الماضي كذلك اليوم ومن خلال الالتصاق بقضايا العمال والاجيرين من كل الفئات فان الشيوعيين يعتبرون من قادة النضالات من اجل تحسين الاجور وشروط وظروف العمل، والنضالات تجري داخل وخارج الهستدروت، بموافقة قيادة الهستدروت او بمعارضتها.
وبما اننا نشارك ونقيم اطارات اضافية منها على سبيل المثال، "اللجنة المبادرة"، فان كتلتنا في الهستدروت تطلب وتستدعى للمساعدة في الاضرابات والمظاهرات الكبرى وفي سنوات الخمسين وفي نضالات عمال "آتا" ومسبنوت اسرائيل في سنوات السبعين يتذكرون نشاطات وفعاليات رفاقنا عمال "فولجان" و "ميجا" وعمال الاحراش العرب وعمال "تكستيل كيتان" في الناصرة، وعاملات دير حنا وديمونه وعمال البناء في ايلات، وعمال المصانع في "نون" و "ميخالي" كرمل وعمال البريد، وكذلك عمال المناطق المحتلة، الذين يعانون من تعسف ارباب العمل الاسرائيليين.
ان الانتخابات في 1994 احدثت تغييرات عميقة في قيادة الهستدروت، ونحن انضممنا الى الائتلاف، ليس من منطلق دعم سياسة الماضي وطبعا ليس من منطلق الموافقة سلفا لكل خطوات "الحكم الجديد"، وقررنا في حينه تشجيع الاتجاه للتغيير في اتفاقيات زيادة الغلاء ورفعها واتفاقيات الاجور واتفاقيات اطار قطرية. وطالبنا بتحقيق الشعار الذي رفعه في حينه رئيس الهستدروت حاييم رامون والمتجسد في ان العامل العربي لن يكون بعد درجة "ب" في الهستدروت. وطالبنا بالاعتراف بالنقابات المهنية الفلسطينية واقامة علاقات تضامن معها، وسوية مع ذلك عملنا ضد وانتقدنا "الاتفاقيات الخاصة"، والمس بالقيم الطبقية كمحاولة الغاء اول ايار وذلك لان الهستدروت لم تكن بالنسبة لنا قيادتها فقط، وهكذا الأمر اليوم، فان العمال هم الهستدروت وهم الذين يستطيعون تغييرها والنضال دفاعا عن حقوقهم ولكي يكون لهم حصن دفاعا عن حقوقهم. وكما في الماضي سنواصل الارشاد والتوجيه وزيادة تدخلنا في النضال العمالي اليهودي العربي.

#بنيامين_غونين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات