أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى ملو - نماذج من الفهم الخاطيء للإسلام















المزيد.....

نماذج من الفهم الخاطيء للإسلام


مصطفى ملو

الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 22:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"إلى روح الدكتور المتنور الشهيد فرج فودة الذي قال في أحد إهداءته ما معناه:
أهدي هذا العمل إلى الأطفال الذين منعهم آباؤهم من حضور عيد ميلاد ابني,الذي قالوا عنه إنه ابن كافر,إلى هؤلاء الأطفال الذين سيفهمون يوما ما أقول"
هذه نماذج من واقع الحال لست أنا من ابتكرها أو اخترعها من تلقاء نفسي,إنما هي نماذج حية تتحدث عن نفسها بنفسها,أما مهمتي أنا فلا تتعدى نقلها للقاريء كما هي مع تعليق طفيف,أمثلة صارخة لما نعانيه من تخلف و تقهقر على مختلف الأصعدة,تخلف ليس مرده إلى الدين في حد ذاته,بل إلى الفهم الخاطيء لهذا الدين الذي أنزله الله رحمة للعالمين ورأفة بالإنسان وليس دعوة للتنافس والتطاول في البنيان.
* النموذج الأول:مسجد فخم بالجبس والرخام وقرية منكوبة,عطشانة,سكناها أكواخ من طين.
هذا النموذج الصارخ من قرية بالجنوب الشرقي,حيث أقدم واحد ممن يسمونهم بالمحسنين ببناء مسجد فخم,استثمر فيه أموالا طائلة و زينه بمختلف أنواع الزليج و القرميد و الجبس و الرخام و توجه بصومعة تتراءى على بعد كيلومترات,إلى هنا ليس في "الطجين ما يحترق",لكن المشكلة تبدأ عندما تولي وجهك قبل المشرق أو المغرب وعلى بعد أمتار من "المسجد الفاخر",فثمة الكارثة.
أكواخ مهترئة,متآكلة آيلة للسقوط و الوقوع على رؤوس أصحابها في أي لحظة,ملاكها فقراء,معدمون,بؤساء,يحمدون الله ويشكرون هذا "المحسن" ليس لأنه بنى لهم مسجدا بالمواصفات التي سبق ذكرها,فهم وأجدادهم ظلوا لعقود يؤدون صلواتهم في مسجد بسيط,وبالتالي فهم لا يرون ضرورة لكل هذا التبذير والإسراف-الذي ما أنزل الله به من سلطان-,لبناء "المسجد العظمة",ولكنهم مع ذلك يشكرون "المحسن" لأنه شيد لهم مأوى يأوون إليه في حالة وقوع فيضانات طوفانية غالبا ما تجرف معها كل شيء,وغالبا ما تدمر أكواخهم البئيسة,لذلك فهم يرون في المسجد الجديد مأوى آمنا في حالة الخطر أكثر منه مكانا للتعبد,لأن هاجسهم الأول و شغلهم الشاغل هو الفيضانات المدمرة و ليس المكان الذي يقيمون فيه الصلاة.
القرية لا يتعدى تعداد سكانها 200 فرد,منازلها لا تفوق الثلاثين,المسجد لا يقصده إلا عشرة شيوخ على الأكثر هم آخر من بقي بالقرية,أما الشباب فهجرهم التهميش والإقصاء,في يوم الجمعة قد يرتفع عدد المصلين إلى 15 أو 20 مصليا لا أكثر,لماذا إذن هذا التبذير وهذا الإسراف في بناء هذا المسجد مع أن هناك مشاريع أكثر أهمية من شأنها أن تعيد الحياة والأمل لهذه القرية الفقيرة,التي كانت ذات زمان جنة خلد تنبعث من حقولها رائحة الكامون والحناء,رائحة تخترق أنوف الزوار والسياح والعائدين من السوق على بعد كيلومترات,نخيلها يشق السماء و يحجب بكثافاته كل القرية,أم اليوم,أما اليوم,فأرض جرداء,جدباء,قاحلة,لا تسمن ولا تغني من جوع,لا يستقبلك فيها سوى المئذنة التي تبدو أنها لن تعوض تلك النخلة العملاقة التي عمرت لسنين و التي تعتبر رمز القرية,فأين وضع هذا المحسن عقله؟
البؤس سقط أو أسقط في غرام مع هذه القرية ومع غيرها الكثير,ومع ذلك ف"المحسنون" المتنافسون في بناء المساجد التي أصبحت موضة بهذه المناطق المعدمة,أعميت أبصارهم وغشيت عقولهم ضبابة العنتريات والتنافس غير المجدي و التطاول في بنيان المساجد معتقدين أن ذلك هو جوهر الدين,أغلب هؤلاء المحسنين من العاملين بأوربا المهجرين إليها منذ أمد بعيد,وعوض أن يشيدوا مشاريع من شأنها أن تجنب شباب هذه القرى نفس المصير الذي تعرضوا له من تهجير و تغريب,لم يجدوا أفضل من بناء المساجد التي لن تحل أبسط مشاكل هؤلاء الشباب و حتى الشيوخ.
في فصل الصيف سكان قريتنا يعانون الأمرين للحصول على شربة ماء,ويضطرون في سبيل ذلك للتنقل لكيلومترات,يحصل ذلك مع مياه الشرب التي كثيرا ما يتحول لونها إلى أشبه بمشروب غازي,فما بالك بمن أراد الاغتسال من الجنابة ثم التوجه إلى المسجد الفاخر للصلاة,أنى له أن يحصل على كمية الماء الكافية لذلك؟
سؤال لم يضعه صديقنا المحسن في الحسبان,إذ رأى أن كل ما ينقص القرية هو مسجد بالرخام والثرايا والزرابي من صنع تركي,ذاك ما أوصله إليه عقله و تفكيره,أما نحن فلنا بديل آخر نرى أنه الأولى والأهم,فما هو هذا البديل؟
*البديل:هذا بديل واحد وليس كل البدائل التي يوجد منها العشرات.
كان على صاحبنا المحسن عوض الإقدام على بناء مسجد بالمواصفات التي سبق سردها,والذي لم تكن هذه القرية المعوزة في حاجة إليه,حيث تتوفر على مسجد صلت فيه أجيال وأجيال وبإمكانه الصمود لأجيال و أجيال أخرى,كان عليه بدل ذلك إصلاح بئر القبيلة الذي لا يحتاج سوى لمضخة كهربائية لا يتعدى ثمنها 5000 درهم على الأكثر,وبناء صهريج لتجميع المياه وإصلاح خطارة القرية, أو إنشاء سد تحويلي (أكوي) لتحويل مياه الفيض التي تضع سدى لسقي حقول القرية,وبذلك يكون قد أسدى خدمة جليلة لهذه القرية وأهلها وبهيمتها ونخلها,يعيد لهم الحياة جميعا,وبملغ مالي لن يتجاوز200000 درهم كأكبر تقدير,عكس "المسجد التحفة" الذي "استثمرت" فيه ملايين الدراهم,رغم أنه لن يروي عطش العطشى ولن يشبع جوع الجياع و لن ينتج لفتا و لا جزرا,كان بالإمكان تشييد حجرات دراسية لفائدة تلامذة القرية الذين يتهددهم الموت في كل آن و حين تحت حجرات مدرسية أو الأصح أكواخ لا تصلح حتى لتكون زريبة للأغنام,وتزويد هؤلاء التلاميذ الفقراء باللوازم المدرسية و لا أبالغ إذا قلت إن المبلغ الموظف في بناء المسجد يكفي لإعالة و التكفل بأطفال هذه القرية إلى حين بلوغهم الجامعة,ولذلك يكونوا قد سلموا من مخالب الجهل و الأمية التي سقط فيها "محسننا الكريم".
فيا محسنين ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء,وقبل أن تتسارعوا وتتصارعوا في بناء الجمادات وتزيينها والتفاخر بذلك,سارعوا وتنافسوا على بناء مخلوقات الله الحساسة من إنسان وحيوان وزرع,واعلموا أن الله سبحانه وتعالى لم يشترط لقبول الصلاة أن تتم في مسجد فاخر بالقرميد و الجبس والرخام,فلما كل هذا الإسراف والتبذير والتعسير وهذه الهلوسة والمرض الذي أصبح يغزو هذه المناطق الفلاة وهذه الفيافي التي يعاني فيها عبيد الله كل صنوف العذاب للحصول على جرعة ماء في رحلة الشتاء والصيف؟ثم تقدمون أنتم على التعالي في بناء المآذن,كأن كل ما ينقص كل هؤلاء الفقراء البؤساء هي المآذن الشاهقة؟
والحق يقال,أن هؤلاء في أمس الحاجة إلى الآبار الغارقة لجلب مياه يسدون بها عطشهم,فهل من فاهم و متفهم مجيب؟
الشيء الوحيد ربما الذي يمكن أن يشفع لهذا" المحسن" وأمثاله,فهمهم الخاطيء للدين,أو لنقل فهمهم للإسلام بهذه الطريقة,باعتبار أنهم لا يعتبرون فهمهم ذاك خاطئا,هو أن أغلبهم لم تطأ قدامه المدرسة,ومع ذلك فاستخدام العقل واجب على كل مسلم ومسلمة,وبالعقل نتمكن من تمييز الأولويات.
لكن الإشكال هنا هو عندما يصبح هذا الفهم الخاطيء أو الأصح الاستخدام الخاطيء والمتعمد للدين هو التوجه الأساسي للنسق السياسي الحاكم برمته,فكلنا نعلم أن أول ما تم القيام به في مناطق منكوبة كأنفكو هو بناء المسجد,وكأن المسجد هو ما سيحل معضلة وفيات الأطفال والحوامل والشيوخ بسبب البرد القارس,في حين أن الحل يكمن في بناء المستشفيات وتعبيد الطرقات وتوفير سيارات الإسعاف,وغيرها من الإجراءات التي من شأنها تمكين الإنسان من أن يعيش حياته الدنيوية في ظل الكرامة التي نص عليها الله سبحانه وتعالى ورسوله(ص) في أكثر من موضع,في حين يعمل الفاهمون للدين خطأ أو الأصح المتعمدون للفهم الخاطيء تخدير الناس بأمور أخروية حتى ينسون أمورهم الدنيوية,لينفردوا هم أي أولئك المفتين بالخيرات والثروات,في حين ينشغل البؤساء بالعالم الآخر,منتظرين,منتظرين,منتظرين...



#مصطفى_ملو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -إميضريسطين-
- متى -تفيقون- بأن الشعب-عاق أو فاق-؟
- جميعا من أجل إلغاء الاحتفال بما يسمى-ذكرى تقديم وثيقة المطال ...
- ردا على العثماني بخصوص -المرجعية الإسلامية-
- من أجل الأرض والإنسان الأمازيغيين
- توضيحات هامة عن الأقلية والأغلبية
- ردا على -إنهم يبايعون ويصلون للعلم الأمازيغي بدل العلم الوطن ...
- لهذه الأسباب سيفوز الخليفة على عصيد
- القذافي من مجرم ضد الإنسانية إلى بطل من وجهة نظر إنسانية.
- ما مدى مصداقية استطلاعات الرأي -الإليكترونية-؟
- تناقضات حزب العدالة والتنمية الإسلاموي
- دمشقيو المغرب
- عندما تصبح مهمة الصحافة هي التحريض وإثارة الفتنة؛-
- غرائب واستفهامات حول الثورة الليبية
- العلمانية أولا والديمقراطية ثانيا


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى ملو - نماذج من الفهم الخاطيء للإسلام