أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 11














المزيد.....

من ذاكرة معتقل سابق 11


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1088 - 2005 / 1 / 24 - 12:36
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    



الشهيد عبد الرزاق أبازيد.....النسمة
عندما قابلت الدكتور سلطان أبا زيد في إحدى الدول الأوربية التي وصلتها هربا من الوطن, لامس بشخصه ثقب الذاكرة, فلقد ثارت في رأسي ذكرى الرفيق الشهيد عبد الرزاق أبا زيد , ربما تكون مساحة الذاكرة له ليست واسعة جدا , لأن اللقاء به, هناك , في سجن عدرا, كان قصيرا, لم يسمح له الموت وقتا يستطيع فيه أن يختار منا صديقا, يرتاح له ليسر له ما يمكننا أن نكتب عنه أكثر, ولم يسمح الموت أيضا لأحد منا أن يتخذه صديقا فتكون وشائجا تندمج فيها رائحة المكان و لونه عبر نبض المجموع يمّكننا من سرد حكايا مشتركة لنا كالشهيد رضا أو الشهيد أحمد مهدي, فلقد مر الشهيد علينا كنسمة ربيعية أنعشتنا لما لامست وجناتنا و أنوفنا , وأصابنا الأسى عندما غادرتنا, لكنها حجزت لها مكانها في ذاكراتنا لما حان الوقت لسردها والتأريخ لها بدأتها بالإهداء, ولكن عندما قرأت ما كتبت الأخت الزميلة فلورنس في الحوار المتمدن تعقيبا على إهدائي له ذاكراتي و ما أنشر على هذا الموقع مشكورا, عجلت على ذاكرتي ذاكرة للشهيد شكرا لها لإطرائها على ما أكتب, ولشعوري بمسؤولية نقل الأحداث الأخيرة للأيام الأخيرة من حياة إبن و حبيب وصديق لهم استكثر عليهم السجان أن يموت بينهم, هذا هو السجن الحقيقي الذي كنت قد أوردت في ذاكراتي وليس التعذيب الجسدي وفنونه. لا غرابة أن تقوم دولة ما بواسطة جهاز شرطتها أو أمنها في قمع معارضيها الطبقيين أو السياسيين, أو سجنهم أو تعذيبهم, فهذا ديدنها التاريخي, الغرابة بهذا الإيغال في القمع والتعذيب الذي طال الروح والنفس, الغلو في الحقد الطبقي والإجتماعي وأحيانا الطائفي ليطال الأهل و الأقارب والأصدقاء, كيف للرفيق سلطان أو للأخت فلورنس أن ينسوا هذه القسوة التي مورست بحق أرواحهم و أنفسهم عندما يحرمهم الجلاد أن يموت إبنهم بينهم بعد أن أنهكته آلات تعذيبهم, كيف ينسى أقارب الرهائن رهائنهم عن أبنائهم الملاحقون والذين قضوا في السجون كالشيخ الدرعاوي من عائلة المصري ولم يسمحوا لأبنائه المحجوزون كرهائن أن يحضروا جنازته, و كيف ينسى الآخرون, كيف أنسى ما اقترفه الجلاد فمزق أواصر العلائق الأسرية فبت أنا وزوجتي كالغرباء و أمثالي كثيرون, كيف أنسى ما أوغل الجلاد في حق الأسرة عندما تكون ابنتنا البكر وردة معاقة في إدراكاتها لتخلف في عواطفها بسبب اعتداء الجلاد على روحها من خلال إبعاد والدها وأمها عنها, جروحنا الجسدية قد اندملت فماذا نفعل مع جروح أرواحنا وأنفسنا؟, عبد الرزاق مات ولم يعد يشعر بآلام التعذيب, و وردة أيضا لا تدري ما أحاط بها وما يحيط, ولكن نحن, الأهل والأصحاب والرفاق كيف ينتهي الألم في أرواحنا؟ كيف ننسى؟ إنّ القهر الذي يعم روحك و وجدانك عندما تشعر بأنك عاجز أن تكون بالقرب من إبن أو أب أو حبيب أو عزيز عندما يلفظ أنفاسه الأخيرة, القهر الفظيع عندما عجزنا نحن رفاقه في السجن الصغير عن القيام بأي عمل أو إجراء يدفع السجان أن ينقل الرفيق العزيز الذي تتدهور صحته إلى حد الموت إلى المشفى فورا دون تأخير, واكتفينا بإضراب عن الطعام ليومين, إنها لذكرى ثقيلة, ومسؤولية ثقيلة أن تنقل هذه الأيام القليلة الثقيلة التي كنت شاهدا عليها من حياة الشهيد.
كانت أيامنا في سجن عدرا هادئة رتيبة عندما نقل الشهيد إلينا في يوم شتوي بارد, دخل برفقة السجان يحمل أمتعته المقتصرة على كيس بلاستيكي ما يدل على أن السجين محول من الفرع بعد حفلة تعذيب مضنية وإقامة ثقيلة أمضاها في زنازين الفرع النتنة, شاب أسمر نحيل كانت قد سيطرت عليه نوبة من سعال حاد متواصل, رافقه السجان إلى المهجع8 والذي يقع في آخر البناء حيث تتالى المهاجع ترتيبا كالتالي:المهجع2 , الذي يقيم فيه نزلاء الحزب الشيوعي-المكتب السياسي, ثم يليه مهجع4 , الذي يقيم فيه نزلاء حزب العمل الشيوعي وبعض من نزلاء البعث الديموقراطي, المهجع6 , الذي يقيم فيه نزلاء النقابات المهنية(المحامين و من ضمنهم المحامي عبد المجيد منجونة من الإتحاد الإشتراكي, و المهندسين و من ضمنهم المهندس الصديق سليم خير بيك) لم نكن نعلم أنه رفيقنا في الحزب إلا بعد أن استقر له الحال إلى جانب أحد الرفاق في البعث الديموقراطي في ذلك المهجع فأخبرنا بأن السجين الجديد هو رفيق لنا, ذهبنا إليه للسلام عليه كما درجت العادة هناك, كان منهكا من شدة السعال, لم يعطنا الموت فرصة للتعرف عليه كما تعودنا أن نتعرف في المواقف المشابهة, ولم يشبع فضولنا في معرفة المزيد عنه أو عن الأخبار التي يحملها عن السجن الكبير خارجا, بضعة أيام, كنا خلالها نطالب المفرزة الأمنية لنقله إلى المشفى دون نتيجة, ثم في إحدى الليالي استدعت المفرزة رفيقنا الدكتور فايز الفواز لعيادته لأنه قد دخل نوبة سعال حادة مع ارتفاع في الحرارة , فاقترح الرفيق نقله إلى المشفى فورا لكنهم تقاعسوا باتخاذ الإجراءات السريعة له, وعندما نقلوه في آخر المطاف بعد أخذ ورد, في طريقه إلى المشفى فارق الحياة. لن ننساك يا رفيقي عبد الرزاق, ولن ننسى كل رفاقنا الشهداء هناك



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 10من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 9
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية
- العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة
- من ذاكرة معتقل سابق 8
- ديموقراطية ناقصة ..ولكن
- كفانا تابو
- من ذاكرة معتقل سابق7
- إلى أين الرحيل ؟
- من ذاكرة معتقل سابق 6
- من ذاكرة معتقل سابق 5
- من ذاكرة معتقل سابق 3
- 4من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 1
- من ذاكرة معتقل سابق 2


المزيد.....




- الحكومة اليمنية تطالب الأمم المتحدة بإعادة النظر في التعامل ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعي ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: نحاول إعادة تشغيل مستشفى الأ ...
- الأمم المتحدة: توزيع مساعدات على نحو 14 ألف نازح حديث في الي ...
- خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا: انتقادات حقوقية ولندن تصر
- حملة -تطهير اجتماعي-.. الشرطة الفرنسية تزيل مخيما لمهاجرين و ...
- الأمم المتحدة تطلب فتح تحقيق دولي في المقابر الجماعية في مست ...
- أرقام صادمة.. اليونيسيف تحذر من مخاطر -الأسلحة المتفجرة- على ...
- أهالي الأسرى الإسرائيليين يحتجون في تل أبيب لإطلاق أبنائهم
- بدء أعمال لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان بمقر الجامعة الع ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 11