أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عصام سحمراني - قانا.. مجزرة منسية من جنوب لبنان














المزيد.....

قانا.. مجزرة منسية من جنوب لبنان


عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)


الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 23:08
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


في ذكرى مجزرة قانا الأولى 18 نيسان 1996 التي ارتكبها الصهاينة بحق مدنيين لبنانيين التجأوا إلى مقر قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة في بلدة قانا- قضاء صور

شريط من الأحزان، يمرّ متناهي البطء في روحه. يقلب الأحزان في طبقاتها اللامتناهية، فيتنقل بين جرح، وموت، وإعاقة، وصدمة، ومصيبة كبرى، وانفجارات لا تحصى؛ كأعداد الجبناء من أبناء أمته، التي لبست كل عبارات الهزيمة دفعة واحدة، فاستبدلتها دفعة واحدة أيضاً عند أول سوق منحطّ، يبيع صنوف الكماليات الأميركية؛ أجراساً، وكرات قدم وسلة، وتماثيل، ولوحات، وساعات ذهبية، وملابس داخلية وخارجية تفضح عريّاً كاملاً من كلّ ما كان لهم، وكان مقدّراً له أن يزول، في ظلّ غبائهم الهجين المزمن، وجبنهم الموروث.

ينتقل بينها جميعاً؛ بين تشتيت وطن، وشتات خريطة وأراض وشعب، وحقول يابسة وحرائق تصهر الأفراح في الأجواء والأنواء... ومن التراب، وإلى التراب يعود.

تمرّ الخيالات داخل روحه، تنتقل من العينين نحو القلب، فتذيب ما تبقى من غشاوة رقيقة كملح رشّ فوق جرح. لاسعة ومحرقة تلك الخيالات تنبعث كنيران من فم تنين أسطوري يحوّل الخضار هشيماً، والنقاء تلوثاً، والنعيم جحيماً. لاسعة كأنفاس خيبات الأمل تسقط في رئتيه متلاحقة ثقيلة، كحفارة آبار تعتاد الأذن على ضجيجها التراتبي، فيكبر الضجيج، ويكبر الورم داخل الروح وهو صامت صمت الإنفجار قبل انفجاره وبعده.

تمرّ بطيئة تلك الآلام، فلا يملك إلا أن يراقب خبثها المزعج يحمل أمّه وأباه واخوته الثلاثة بأطراف توزعت في كل اتجاه. أطراف لأناس، كانت لهم يوماً ما أجسام صغيرة وضخمة، وأحلام صغيرة وكبيرة، وذكريات حلوة ومرّة، وكلام رزين وعنيف وثائر وهادئ، وحبّ وكره وضمير و.. حياة.

حياة ليست كحياة الذين يعرفهم من الأموات، يتجول يوماً بعد يوم بأفكاره بعيداً في أعماقهم، فيرى اختلافهم. هم صاروا مثلهم الآن في حياتهم، وفي موتهم أيضاً. حياة ميتة! هل هو تناقض إذاً أن يكون الموت وجه الحياة الآخر؟ أم إنّ الحياة هي الوجه الآخر للموت؟

لا يملك حلاً، فالبعض يموت، والبعض يحيا. والبعض يعيش ميتاً، كحال الملايين من البؤساء في كلّ مكان فوق تلك القشرة المتلونة بآلاف الألوان، كنفوس حكامهم ومالكيهم.

تلك ثلاثة وجوه لم يلحظ أحد رابعاً لها سواه، يجرّبه، ويعيشه يوماً بيوم، ينقله بين آلاف الوجوه غير المعلومة الشكل، والأجسام العفنة المثقوبة حتى العظام والتراب والطمي والطين ورطوبة ما فوق الإنصهار الحراري الغارق في الأعماق.

وجه آخر يموت فيه، فيتنقل حياً نحو عوالم مختلفة من المساواة، فلا يتكلف عناء الصعود إلى القشرة ليعيش فوقها كما يعيش الآخرون حكاماً ومحكومين، كادحين غائيين.. وغائيين غير كادحين، ثوّارا طالما الثورة تخدم مصالحهم، فإن توقفت توقّفوا، واقتتلوا، ليعودوا كما بدأوا... غائيين.

لا يؤلمه كلّ ذلك، فهي حياة ودورة حياة يعيشها منذ ذلك النهار. هل كان نهاراً مشؤوماً أم ما بعده كان كذلك؟

مشؤوم بتجارتهم به، وبعائلته، وتباكيهم اليوميّ عليهم. مشؤوم بحياة كانت عائلته لا تملك سواها فأحاطت خيوط المؤامرات والدناءة المالية المتوحشة بأنفاسها فقتلتها بيد، واغتالت موتها بأخرى.

هل يموت الميت مرتين؟ يموت نعم لكن أحداً لا يشعر بميتاته المتلاحقة، كتكالب المتكالبين حول كل شيء فوق تلك القشرة الهشة. فلا أحد يسمع الأموات، كي يدرك موتهم اليومي، لا على أيدي، بل على أفواه وأفعال تجار الكلام المتكالبين نحو منعهم من الحياة في الحياة، والموت في الموت.

قانا.. لقد نسوا. كلّهم نسوا ما كان لك يومها. نسوك كما نسوك لأجيال قبل أن يحلّ في ربوعك الموت المتجول بأدوات صهيونية وبأرضية هزيمة عربية. دعيهم يا قانا فليتكلموا ما شاءوا ولم يضحّ ويدافع عن كرامة أبنائك المتلحفين بعباءة الشرعية الدولية سوى نفر قليل تحوّل إلى شوكة في أعناقهم السمينة التي تخفي ما تخفيه من أحقاد.

سنوات تحوّل خلالها إلى مخلوق غريب يستوطن تراب قانا والمئات من الأطراف البشرية يغوص فيها يوماً بعد يوم ويعتادها. يتنقل بين الأموات ليتعرف على وجوه قتلة عائلته الحقيقيين. أولئك المختبئين خلف أسوار المال والحقد. ولن يموت قبل أن يتعرف بهم ويقتص من موتهم كما اقتصوا من حياة عائلته.

فالموت قد يكون رحمة أحياناً.



#عصام_سحمراني (هاشتاغ)       Essam_Sahmarani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة عليهن... ولهن
- لا قانون في ليبيا للحدّ من تعدد الزوجات
- ترويض الجمهور بين السياسي ورجل الدين
- عبرة لبنانية لجيوش تقتل شعوبها
- معضلة السلفيين
- استقالة الأسد وخيارات المواجهة
- المحكمة الدولية لا ريب فيها
- نكبة علمانية في بيروت
- أوباما وبن لادن.. وسلفيو البلاد العربية
- إستهلاك لبناني.. للقضايا
- دعابة أميركية اسمها المعونة لمصر
- حقيقة البحرين بعيداً عن قنوات تدّعيها
- للثورة مجدداً في ليبيا
- يد ممدودة
- في حلب وغربها.. من لبنان
- ثورتنا اللبنانية البطيئة.. وما يجدر بها هذا
- إسقاط النظام في لبنان يتطلب إسقاطه... لا مطالبته!
- المعارضة البحرينية وقد انقلبت مقاومة
- للمتظاهر التعزير.. فماذا للمفتين به!؟
- شاورما ورفاق وحملات سياسية في ليل بيروت


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عصام سحمراني - قانا.. مجزرة منسية من جنوب لبنان