أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - الدور الذي لعبته جدتي














المزيد.....

الدور الذي لعبته جدتي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3700 - 2012 / 4 / 16 - 08:44
المحور: سيرة ذاتية
    


كان لجدتي عدة أمكنة مخصصة لها خصيصا للجلوس فيها من أول طلوع الشمس إلى غروبها وكأن الله قد خلق تلك الأمكنة من أجلها فقط لا غير,وبعد مماتها جلس في أمكنتها أناس كثيرون ولكن كل الذين جلسوا في أمكنة جدتي نشعر بأن منظرهم مقرفا ودمهم باردا ,وكثيرا ما أشعر حين أفكر بهذا الموضوع بأن جدتي مثل نجوم السينما العظام حيث هنالك أدوارا لعبها الممثلون لا يستطيع ممثل آخر أن يلعبها وكأنها خلقت من أجلهم فقط لا غير وعلى سبيل المثال وليس الحصر يقال بأن الدور الذي لعبه الفنان العربي محمود المليجي1910-1983م في فيلم (الأرض) لا يستطيع أي ممثل آخر أن يؤديه مهما كانت عنده من قدرات فنية,ويقال بأن الدور الذي لعبته أمينه رزق في فيلمها (دعاء الكروان) لا تستطيع ولا أي ممثلة أن تلعبه أو أن تؤديه بنفس الدقة والحرفية التي كانت عند أمينه رزق, ورفضت أم كلثوم بعد وفاة محمد القصبجي أن يجلس أي فنان آخر في المكان الذي كان يجلس فيه القصبجي خلف أم كلثوم ممسكاً بعوده يعزف عليه وهو يقود بالفرقة الموسيقية,وقالت :لا أستطيع أن أتخيل فنانا آخر جالسا في مكان القصبجي,وهنالك أغاني وألحان للمطربين ..و..و..إلخ.

وهنالك في حياتنا العامة أناس يلعبون أدوارا مميزة في حياتنا لا يستطيع أن يلعبها غيرهم,وفي كل منزل أمكنة مخصصة لجلوس كبار السن فيها ولا يقبلُ أحدٌ من أهل الدار أن يجلس فيها غيرهم,وكبار السن كانوا يرفضون أن يستبدلوا أمكنتهم مهما كانت العروض مغرية,فالحجر الكبير في فناء المنزل الذي كانت تجلس عليه جدتي في فصل الشتاء لا يمكن أن تستبدله بأي مقعد آخر وثير ومهما قدمنا لها من مُغريات كانت لا تستطيع أن تبيع الحجر حتى بالمال أو بالذهب,والغريب في الموضوع أننا لا نستطيع أن نتخيل ولو بقليلٍ من الصبر أي أحدٍ بعد وفاتهم قادرا على ملئ هذا الأمكنة,وكان لجدتي مكاناً مخصص في بيتنا لتجلس به حين تترك غرفتها القديمة وتأت إلينا وبعد مماتها لم نكن قادرين على أن نتصور ولو مجرد تصوير أن يجلس في مكانها أحد غيرها ليؤدي نفس الدور الذي كانت تؤديه جدتي حتى وهي صامتة دون أن تنبس ولا ببنت شفا,وقبل أن تموت حين كانت تغيب عن مكانها المخصص لها كنت أنا وأخواتي نحاول أن نقلدها وأن نجلس في مكانها وكنا على الأغلب نفشل فشلا ظاهرا ونسقط مع أول مشهد تمثيلي,وكان لها مكان آخر على باب الدار تجلس به قبل حلول الظلام بقليل على حافة البوابة الكبيرة لمنزلنا وحتى اليوم كلما شعرتُ بالملل أخرج قبل حلول الظلام للجلوس في مكانها ولكنني اضحك من نفسي كثيرا وأسخر منها لعدم قدرتي على تأدية الدور الذي كانت تؤديه,وكانت حين تصحو من النوم تبقى جالسة في غرفتها بعد صلاة الفجر تترقب طلوع الشمس عليها وكان منظرها وهي جالسة في فراشها عبارة عن تحفة فنية تعجز عن رسمها ريشة أعظم فنان على وجه الأرض.

وبرحيل جدتي تركت في حياتنا فراغا كبيرا,لقد كانت لها قيمة عظيمة لم نشعر بها إلا بعد مماتها,تركت في نفسنا أثرا كبيرا وتركت في قلوبنا حزنا عظيما,كانت عبارة عن بطلة حقيقية في كل المشاهد التي لعبتها في حياتنا كانت عبارة عن خير أنيس وخير جليس وكانت عبارة عن مشرفة نفسية وصحية على كافة أفراد الأسرة برحيلها أصبنا جميعنا بمرض الإكتئاب وحاولنا جاهدين أن نأت بممثلين يلعبون دورها على فرشتها الصغيرة في منزلنا عندما كانت تجلس معنا لتشاهد التلفاز وتخلط بين كل المسلسلات فكانت تتابع معنا الأفلام والمسلسلات وكانت كل الأفلام بالنسبة لها عبارة عن فيلم واحد لا تستطيع التميز بينهما وكنا نتندر عليها بالضحك وبالنكات خصوصا حين نقول لبعضنا(إنت مثل جدتي تخلط بين المسلسلات) لقد كانت سيدة عظيمة تركت لنا من طيفها صورا جميلة تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا عظيما, تركت الحجر الكبير وسط الدار وتركت فراشها وخزانتها وتركت العصا التي كانت تتكئ عليها والتي كانت أحيانا تضربنا بها,وكان الأطفال الصغار يختبئون وراء ظهرها حين يلاحقهم ولدا أكبر منهم أو حين تلاحق أمي أو زوجة عمي أو عمتي أحد أولادها, وظهرها الذي كنا نختبئ خلفه أتمنى اليوم لو يعود ذلك المكان وذلك الظهر لي لكي أختبئ خلفه من هم السنين ومن وجع الأيام ومن الخوف من الحياة المرعبة, فظهر جدتي وقدرته على فرض الهيمنة والقوة والسلطة لا يمكن أن نجد له بديلا ولو جئنا بأعتى نجوم السينما على الإطلاق, لقد كانت جدتي عبارة عن عود ثقاب يشتعل في وسط الظلام وكانت عبارة عن حاسة سادسة لنا بعد أن نفقد كل حواسنا,وكان بيتها دافئا يقيني برد الشتاء حين نفتقد للمحروقات,برحيلها تركتنا في فصل الصيف نعاني من الحرارة ومن التأزم,مكانها الآخر في قلوبنا اليوم ولا يستطيع أي إنسان آخر أن يملئ هذا المكان في صدورنا,هي في قلبنا رحمها الله وفي مخيلتنا وفي كل الأزمات نستذكرها برائحة طيبة,كانت جدتي ممثلة عظيمة وبارعة حتى وهي صامتة كانت تستحق عن جدارة جائزة(اوسكار) عن كل أدوارها التي لعبتها في حياتنا,وكانت في ساعات العصر تجلس أمام غرفتها لتستظل بجدار البيت من الشمس وكنا نجلس حولها ونلعب الشطرنج ونركض ونضرب بعضنا ونصرخ ونملئ المكان صراخا وضجيجا وكانت تصرخ أحيانا علينا لنسكت قليلا ولكن لا حياة لمن تنادي,ولو عادت إلى الحياة اليوم لاعتذرنا لها بكثير من الإجلال ولقلنا لها:لم نكن نشعرُ بقيمتك وبالأمكنة التي كنت تجلسين فيها إلا بعد رحيلك عنا رحمك الله.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة تجمع بين عدة وظائف
- جدتي رحمها الله
- الذين نحلم بهم لا يحلمون بنا
- كيف انتشر الإسلام حديثا؟
- 50تقسيم24
- مائدة الكتابة
- الحيوانات في السينما
- عذاب النار
- رائحة الطعام
- غوايتي
- الحديث النبوي مرفوض نحويا
- اكتشاف النجوم
- لآدم زوجة واحدة
- الاسلام والمسلمون
- باسم الله اقبل تحية حسن الصباح
- لمن تستمع فيرز في ساعات الصباح؟
- كل شيء نافع وضار
- الخالق والمخلوق
- ليلتي وحلم حياتي
- البدانة هي العدو الدائم


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - الدور الذي لعبته جدتي