أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هشام محمد الحرك - مركز قديم لتجارة النحاس والفخار اهتم به السومريون والفراعنة















المزيد.....


مركز قديم لتجارة النحاس والفخار اهتم به السومريون والفراعنة


هشام محمد الحرك

الحوار المتمدن-العدد: 1087 - 2005 / 1 / 23 - 10:27
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


مركز قديم لتجارة النحاس والفخار اهتم به السومريون والفراعنة
تقديم الباحث السوري : هشام محمد الحرك
الكاتبة : امتثال النقيب
يبدو أن عمان حتى أواخر الألف الثالث ق.م كانت على صلة بمراكز أخرى من منطقة الخليج والدليل على هذه الدرجة من الاتصالات بعيدة المدى، قطع الفخار الموجودة في عدة مواقع في السلطنة، والتي تبين صلات مع غرب إيران ومستويات باربار في البحرين، وحتى الآن لم يفرز أي موقع خليجي آخر مواد قابلة للمقارنة ليفسر وجود شبكة بهذا الاتساع من الاتصالات يوحي بها
هذا الفخار، نعمت بها عمان في أوقات قديمة في تلك الفترة. وكانت التجارة بوجه خاص السبب في هذا التركيز الجلي في العلاقات التجارية، وفي عمان، كان أساس التجارة قائما على بحث القدماء عن الحجارة المتينة لبناء المساكن والمقابر، والنحاس الذي يعتبر أحد أهم العناصر في اقتصادياتها، وكانت تشارك فيه مواقع أخرى تقع في هيلي في العين في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ورد في النقوش السومرية القديمة المتعلقة بالتجارة ونقل البضائع عبارة “قارب ماجان” وهو ذو صلة بأسطورة ونظام العالم الذي يعلن فيه أحد الآلهة في الأساطير القديمة أنه “أرسى قارب دلمون إلى الأرض محملاً، وحمل قارب ماجان إلى السماء”. ويجب اعتبار هذا الأمر على أنه إظهار للرخاء الاستثنائي المجلوب لكلا المكانين، كما تشهد على ذلك الشحنات الثقيلة التي تحملها سفنها، كما يمكن الإشارة إلى نوع القارب الذي كان مستخدماً في النقل من مجان والأسواق التي كانت تتعامل معها، وكذلك دلمون (البحرين)، وربما المدن الهندية، وربما سومر ذاتها، وعلى ضوء تاريخ عمان اللاحق من الانشغال في البحر والتجارة البحرية، يعتقد أن (المجانيين) كانوا بحارة مشهورين.
وهنا نتكلم عن نوع معين من القوارب، حيث أنتجت عمان نوعاً واحداً من القوارب على الأقل يمكن أن يكون غريبا عليها في القدم، وهو “القارب المخيط” أي المخيطة ألواحه معاً من دون استخدام المسامير، والمستخدم على نطاق واسع في المياه العمانية حتى هذا اليوم. وسيتطلب هذا التوضيح أيضاً أن يمثل قارب دلمون المشار إليه في النص ذاته نوعاً محدداً. ولا يوجد أي دليل على ذلك، مع أن الرسوم التي على الأختام تظهر أنواعاً من القوارب المستخدمة والتي يمكن أن يكون قد نشأ منها العديد في إطار تجارة الخليج.
ولعل الذي جذب التجار والبحارة إلى عمان في فجر الأسر الحاكمة وما بعده هو الطلب على النحاس المتوفر بكميات صناعية ويستخرج بسهولة نسبياً، ويعتقد أن الإشارات في النصوص القديمة إلى “جبل النحاس” كانت تشير إلى ماجان حيث إن عمان مخلدة لدى زوارها الأوائل بسبب الجبال العالية التي تشكل ميزة لافتة. وهذا الافتراض موجود في آراء معظم العلماء، لكن ليس هنالك من شك في أن عمان كانت مصدراً مهماً للنحاس في القديم. والمناطق التي استخرج منها لا تزال مرئية. ولحقيقة أن النحاس العماني يحتوي على تركيز عال نسبياً من الزرنيخ (الموجود أيضاً في مشغولات بلاد ما بين النهرين من النحاس).
وفي مناطق منظومة وادي الجزي في شمال عمان الغنية بالنحاس مسابك وورش واسعة تم العمل فيها منذ الألف الثالث ق.م. والمشاغل السطحية التي ترى اليوم يعود تاريخها إلى الأزمنة الإسلامية وفي مراحل كانت فيها عمان حاضرة مشهورة. وتوجد بالإضافة لذلك، مشاغل واسعة من الألف الثالث في وادي عندام، ووادي إبراء. ويبدو أن الجماعات التي وجدت هناك كانت تعتمد على استغلال مصادر النحاس. وقد سبقت الإشارة إلى الدمار الذي أحدثه الصهر على هذا النطاق في الغابات، وبخاصة على أشجار السنط التي كانت تنمو نمواً واسعاً على سفوح جبال عمان.
ولا يعرف شيء دقيق جداً عن الآلية الفعلية لتجارة الألف الثالث ق.م في النحاس في منطقة الخليج. ولا كيف كان التنقيب عن النحاس يتم، ولا عن طبيعة الأنظمة والاتفاقيات التي نظمت تجارة النحاس في ذلك الحين، ولا نعرف في ما إذا أقيمت شراكات من التجار السومريين والعمانين في عمان على غرار مواقع متقدمة أخرى في ثقافتهم، أو في ما إذا كان التجار العمانيون أنفسهم قد سافروا في الخليج إلى دلمون وسومر وأقاموا شراكة مع تجارها.
ولا يعرف حالياً سوى اسم ملك واحد فقط من ملوك ماجان، وهو “مانيوم” الذي يشتهر فقط بأنه هزم نارام سن، حفيد ووريث سرجون الأكادي العظيم. ولقد ظل يخلط أحياناً بين مانيوم، ومينا الموحد المزعوم للمملكتين المصريتين لكن مينا عاش قبل ألف عام من مانيون. وكان نارام سن قد واجه ثورة عامة في إمبراطوريته حين تولى السلطة. وعلى ما يبدو واضحاً كانت تجارة النحاس تستحق شن حملة كبيرة، وإقامة خطوط إمداد موسعة توسيعاً عظيماً، من أكاد إلى خليج ماجان.
وعثر في البحرين بعيداً عن الشاطئ من موقع قلعة البحرين، على قطع نحاس وبقايا سبائك كاملة توحي بأن الخام قد استورد من عمان إلى البحرين وصهر في سبائك قبل إرساله إلى سومر. وفي مشاغل المدن الصغيرة تحول وتصنع إلى أدوات وآنية تجار وأسلحة وتماثيل وقرابين وترصيع وزينة أثاث وآلاف الاستخدامات الأخرى المختلفة لمعدن ساعد على تحويل جماعات العصر الحجري الحديث إلى سكان مدن متحضرين في الألف الثاني ق.م وما بعده. وبالمزج مع القصدير يتحول النحاس إلى برونز ذي حافة أقسى، إيذاناً بعصر جديد في تطور الألف الثاني والثالث، هو العصر البرونزي في التسمية التي أطلقها علماء الآثار في القرن العشرين وفي وقت مبكر من الألف الثالث، وفي ازدهار مدن ما بين النهرين كانت عمان مزدهرة أيضاً تضم سكاناً من حجم معتبر، عاش بعضهم في مدن حصينة ذات تطور معماري وشخصية متميزة عن المراكز المدنية الأخرى في الخليج في الألف الثالث ق.م.
ومن الصيغ المعمارية في عمان القديمة أبراج المراقبة التي كانت على أكثر احتمال مراكز مراقبة تحمي المستوطنات الصغيرة ضد الغزاة. ويبدو أنها كانت تحتوي على آبار الماء التي يفترض أنها قامت على حمايتها، وأنها وفرت الحماية للقرويين في حالة الهجوم. وأكثرها شهرة في عبري وبات. وهذه الأبراج هي الأصل المباشر للبرج القائم في نزوى، والذي بني في القرن الثامن عشر بالتصميم الذي هو عليه الآن وبذلك فإن لها تاريخاً لا يقل عن 5000 عام.
وخلافاً لذلك جاءت قطع فخار غير مسبوقة لكنها قديمة جداً من حفريات غير مسجلة لقبر قي شمال عمان. وهذه القطع مستمدة من إناء مزود بصنبور، وهو من الفخار الأحمر الخشن المطلي باللون الأسود، وهو مهم بسبب زينته التي توحي بصلات مع أراض أخرى وخاصة إيران، ربما في وقت متأخر بحدود الألف الرابع ق.م. وللزينة التي على القطعة أهمية خاصة، حيث إنها تبين مجموعة من الراقصين يداً بيد، على منظر أرضي تسوده ثلاثة مثلثات تبدو كأنها أهرامات، وهي بالتأكيد ليست كذلك. ولعل المقصود في الحقيقة أنها تمثل جبالاً، ربما سلسلة الجبال العمانية الوسطى العظيمة، (الجبل الأخضر). والملاحظ أن ذلك الرمز من الراقصين متشابكي الأيدي يظهر في عيلام، ومصر، والأزمنة السابقة على عصر الأسر الحاكمة، بينما العنصران من راقصين وجبال متحدة تكررا في الفخار المصري المتأخر من عهد الأسر.
وتتضح السمة المميزة في الشخصية العمانية في القدم أبعد من ذلك في العمارة الجنائزية لسكانها القدامى. وتشترك عمان في الممارسة واسعة الانتشار في بناء روابي القبور، لكن قبورها مختلفة عن تلك التي في البحرين والعربية السعودية على سبيل المثال. وإحدى المجموعات شبيهة بتلك المعروفة في أم النار في أبوظبي، وكما هو معلوم فإن قبور ام النار قد انتشرت بشكل واسع في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي عمان وحتى الساحل الشمالي، حيث توجد عدة أمثلة لهذه القبور الضخمة الشبيهة بخلية النحل، والمبنية عامة على سطح الأرض، وأحياناً تكون فردية وفي أغلب الأحيان تكون على شكل مجموعات، كما أن تجمعها مشهور في الصيغة الشبيهة بخلية النحل الموجودة في بات، وكل واحد من تلك القبور يشكل مدفنا جماعيا لعشيرة أو مجموعة أسر، وكان مستخدماً لفترة طويلة من الزمن يمثل عملية إعادة الدفن من عدة أجيال، والقبور هي هنا صروح تشهد على ازدهار عمان وتأثرها بثقافة أم النار في أوائل الألف الثالث ق.م، إذ حتى كقبور جماعية لابد وأنها قد تطلبت قدراً هائلاً من المواد والجهد. وكانت القبور صروحاً بارزة بصورة جديرة بالملاحظة، حيث إنها كانت مغلفة بطابوق من الحجر الأبيض المشكل بمهارة، ومركب على محيط شكلها الشبيه بخلية النحل. وحتى الآن لم يعثر على أي منها سليماً، إذ تعرضت للنهب منذ القدم.
النوع الثاني من القبور في هذه الفترة مميز جداً، فهو عبارة عن رجم من الحجارة بارتفاع ستة أمتار أو أكثر، وتوجد هذه القبور على قمم التلال وبنيت كما هو واضح بقصد متعمد لإقامتها مقابل خط الأفق وربما بقصد تزويد سكانها بمنظر سار، وفي هذا الأمر تعيد إلى الأذهان “بيوت ملايين السنين” المصرية.
ولكن كان هناك نشاط جماعي أقدم في عمان ترك آثاره في السجل الأثري. فقد عثر في رأس الحمراء ليس بعيداً عن العاصمة مسقط بالقرب من القرم، على دليل يؤكد وجود جماعات صيد سمك قديمة جداً. وعلى أقنان الجبال المتعددة التي تميز الخط الساحلي، في عمان عثر على مدافن صيادي سمك يعود تاريخها إلى الألف السادس ق.م.
وكانت الأوضاع في ذلك الوقت من الزمان بدائية جداً، وكان لابد للجماعات أن تبدي مظهراً متوحشاً بصورة جلية، ومع ذلك فإن القبور كلها جيدة التشكيل، ولقد عثر على أدوات زينة وأسلحة إلى جانب قرابين من الحيوانات. ولقد انتعشت جماعات رأس الحمراء قبل اختراع الفخار حيث إنها استمرت في صيد السمك في المياه العمانية حتى نهاية الألف الرابع ق.م، والذي لابد وأنه كان شحيحاً بالفعل. كما عثر على الساحل إلى الجنوب من مسقط على آثار توحي بوجود رحالة هارابا، أو على الأقل من قوم كانوا على قدر كاف من الصلة بشعب وادي السند كي يكونوا قد حصلوا على فخارهم.
ولا ينبغي الاعتقاد بأن بلداً بهذا الاتساع مثل عمان، ويتمتع بالماء والأرض الخصبة، قد هجر كلياً فهذا من غير المحتمل أبداً، ولكن الظروف الاقتصادية المتغيرة في الخليج لم تتحمل إشاعة مجتمعات سكانية مدنية كبيرة. وفي حالة مدن الخليج العليا، نجد أن تلك التي في البحرين والبرية الرئيسية لم تهاجر فعلياً إلا أن تعداد سكانها قد هبط إلى مستوى منخفض.
والوضع عموماً مبهم، ففي عمان من المحتمل أن يكون السكان قد ارتدوا على علاقة أوثق بالأرض والعيش في قرى، أو حتى في جماعات متنقلة تركت خلفها بعض الآثار الممكن التعرف إليها. ومن المؤمل أن التنقيب سوف يكشف عما يمكن أن يوجد من أدلة على الاستيطان السكاني في معظم الألف الثاني وكثير من الأول. لكن حتى الآن لا يوجد إلا القليل مما يستند إليه.
عاد الازدهار مرة أخرى إلى عمان بعد فترة ركود حين برز أقصى جنوب البلاد، المنطقة المسماة ظفار اليوم، كأحد المصادر الرئيسية لتوريد العطور والتوابل، وبصفة خاصة البخور. وكانت قد أرسلت حملات من مصر على الأقل في وقت مبكر بحدود الألف الثالث ق.م بحثاً عن البخور. وأبحرت مثل هذه الحملات عبر البحر الأحمر إلى أراضي بونت، والتي كان يطلق عليها أحياناً أرض الله في النقوش المصرية التي تدون تلك الرحلات. وكان المصريون يحرقون كميات كبيرة من العطور في احتفالاتهم الدينية والرسمية. وتبين فجوة مشهورة في معبد حيشوش أو (حتشبسوت) الجنائزي في الدير البحري حلة متجهة إلى بونت، عادت لاحقاً بملكة بونت قصيرة القامة زائرة رسمية، وإن كانت بتقاطيع غير مقبولة، إلى ملكة مصر نظيرتها في الهيبة والجلال، وإن كانت بكل جلاء أكثر جمالاً.
كان افتقار بلاد ما بين النهرين النسبي الواضح إلى الاهتمام بالبخور يعني أن مصادر الإمداد في جنوب شرق الجزيرة العربية لم تستغل من قبل قوى بلاد ما بين النهرين. وحتى الآن لا يوجد دليل على أن المصريين ذهبوا بأنفسهم إلى هناك. ومن الممكن أنهم حصلوا على إمداداتهم من وسطاء، حيث إن المصريين أنفسهم لا يبدو عليهم أنهم احترموا حرفة التجارة ؛ ولكن تنامي القوى الأوروبية مثل اليونان ومن بعدها روما، واللتين برزتا في أواخر الألف الأول ق.م، جلبت معها زيادة هائلة في الطلب وبالتالي الحاجة إلى العثور على مصادر إمداد دائمة ويمكن الاعتماد عليها.
وكانت اليونان، وروما، وممالك ما بعد الإسكندر تستهلك كميات هائلة من البخور وكانت محاريب الآلهة جميعها مكللة به على الدوام. واعتاد الأباطرة وهيئات المدينة على حد سواء السعي إلى تكريم آلهتهم المختارة باستهلاك المزيد من العبير الثمين. وهكذا فإن الإسكندر ذاته في حياته الخاصة مشهور بورعه. وحين كان أميراً شاباً عوتب على إهداره البخور من قبل معلمه الأول، واحتفظ بالذكرى في عقله، وحين فتح العالم أرسل إليه كمية كبيرة من البخور لا تقدر بثمن محذراً إياه بأن لا يكون شحيحا.
وأضاف مذهب الرفاهية في روما، وفي عالم ما بعد الإسكندر المزيد من الطلب على العطور العربية. ومن خلال استخدامها كعطور ومراهم، استطاع المواطنون الأثرياء الذين يتوقع أن تكون أنوفهم حساسة، جعل الحياة مقبولة ومحتملة في مدينة مكتظة كريهة الرائحة مثل روما. كل هذا كان يعني ازدهاراً لا مثيل له بالنسبة للجزيرة العربية، أكثر مصادر العطور ضماناً وأيسرها بلوغاً، لتلبية هذه العادات والمعتقدات. وسرعان ما نمت الممالك في جنوب الجزيرة التي كان مبرر وجودها الوحيد زراعة وتسويق وتوزيع البخور. وبدأت القوافل المعتمدة على الجمال التي أثبتت وجودها الآن لأول مرة (وإن كانت قد أدخلت إلى الصحراء حوالي الألف الرابع ق.م حتى وإن لم تكن مدجنة) بالتحرك مع خطي العرض في الجزيرة العربية بمحاذاة شاطئ البحر الأحمر وشواطئ الخليج. وعند نقاط بمحاذاة الطريق كانت تجبى المكوس على قوافل الجمال. وأدى توفير الطعام والخدمات لسيد القافلة ورجاله إلى نشوء جماعات دائمة عاشت بصورة استثنائية في الغالب على هذه التجارة. وتطورت محطات تلك القوافل إلى مدن تجارية كبيرة في الجزيرة العربية، وتلك التي في الغرب مثل مكة كانت لاحقاً ستمارس دوراً هائلاً في تاريخ العالم حين شهدت مولد الإسلام في القرن السابع الميلادي.
وسرعان ما دخلت ثروات الجزيرة العربية في الأساطير الأوروبية حيث لا تنسى كلية أبداً. وأحصت كتب مثل “الجزيرة العربية المحظوظة” و”الجزيرة العربية السعيدة” وثرواتها من الراتنجات التي تستمد من الأشجار والتي يمكن أن يقال بصدق إن ثرواتهم نمت على أغصانها. ومع تداول شائعات ثروات الجزيرة العربية بدأت طموحات الأوروبيين خاصة أولئك الذين في روما وإمبراطوريتها الحليفة في التركيز على الجزيرة العربية بهدف السيطرة على ممالكها، إن لم يكن إخضاعها، حيث بدت أنها قد احتوت على الكثير من ثروة العالم، ففي ذلك العصر كما هو الحال اليوم، بنيت ثروة الجزيرة العربية أساساً على اقتصاد السلعة الواحدة، السلعة التي كانت فريدة في مقدارها وسهولة بلوغها. وفي ذلك الزمان، كانت مصادر الجزيرة العربية محط حسد العالم وهدفاً للاستحواذ من جانب القوى، واستمتعت عمان بثروة كبيرة، وكانت مدن في ظفار واسعة الحجم والثراء.
هناك آثار من الماضي البعيد تظهر ثراء عمان الفريد ألا هي منحوتات الصخور، هو أيضاً ثراء مختلف يميزها عن جاراتها الخليجيات، إذ إن شرق الجزيرة العربية عموماً لديه القليل من ممارسة النحت على الصخر وإن كان أمراً موجوداً في شمال وغرب الجزيرة العربية من أقدم أزمنة العصر الحجري الحديث.
وتوزيع النحت على الصخور في الجزيرة العربية وما وراءها مثير للاهتمام والإيحاء. وعمان أوضح مثال لتلك الظاهرة. أما في الغرب فقد سرى إلى الصحراء الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية وإلى المناطق الساحلية للبحر الأحمر، مخترقاً في بعض الأحيان إلى بعد كبير في الداخل. ويظهر بكميات كبيرة في أنظمة الأودية في الصحراء المصرية الشرقية. وتوجد رسومات على الصخور في أشكال مختلفة. ويبدو أن بعض المواضيع مشتركة بين عدة مناطق، وإن فصل بينها مسافات بعيدة.
ولقد كان الرحالة والعالم وينكلر أول من حاول تحليل منحوتات الصخور تحليلاَ علمياً مستخدماً تلك التي في وادي الحمامات بمصر، إعمال التسلسل التاريخي على الرسومات التي فحصها. وتبعه في ذلك العالم أناتي الذي نشر العديد من الأمثلة من مخزون جنوب غربي الجزيرة العربية، وكلاهما اعتقد أنه بمقدوره اكتشاف أساليب متعددة من الرسومات التي من خلال الدليل الداخلي للملابس، والأسلحة، والسلوك موضوع النقش، إلى جانب تكرار عناصر الكتابة التصويرية المألوفة من مضامين أخرى جعلت نسبة تدريج زمني لها ممكناً. وأي محاولة مثل هذه لتطبيق التسلسل الزمني كانت بالضرورة تعميمية على نطاق واسع، واعتمدت كثيراً على تكوين تواليات أساليب مجموعات الرسومات المختلفة. ومحاولة تحديد تاريخ النحت على الصخور محاولة محفوفة بالصعوبة، ويمكن أن يتيح اللوح القابل، شرط تفسيره تفسيراً صحيحاً، إجراء الفرضية بأن الرسم المسقط فوق رسم آخر أحدث من الرسم الذي يترادف عليه. كما أن غشاء العتق في الصخرة التي يقع عليها الرسمان اعتبر ذات يوم أنه مؤشر موثوق على العمر، لكنه غير موثوق به حيث إن الرياح السائدة التي تواصل تغيير سطح الصخرة بذرات الرمال تبني أكثر أغشية العتق إقناعا بقدم العهد، وبسرعة نسبية.
وتظهر الوحوش العظيمة ذات القرون مراراً في هذه الرسومات. كما رسمت القطط والأسود الجبلية، وربما النمور، وكلها استوطنت عمان في الماضي. وفي أحد المشاهد الدرامية صورت قطة ضخمة وهي تلتهم رجلاً صغيراً. وتبدو منحوتة جميلة تبين محارباً بخوذة عالية التاج، أو ريشة على رأسه مشابهة كثيراً للأسلوب المعروف في إيران. وإحدى أكثر المجموعات جدارة بالملاحظة، والتي توجد في عمان هي الموجودة على صخرة كولمان في مناطق الداخل جنوب جبل عبري، ومنحوت على هذه الصخرة بمهارة أربعة أشكال عظيمة أكبرها يزيد طوله على المترين.
وأحد الأشخاص، وهو الشخص المركزي في المجموعة المكونة من ثلاثة يرتدي قلنسوة مبسطة، وله ملامح قوقازية واضحة، ويقف إلى جانبه شخص ضخم زنجي الملامح.
وهذه المجموعة المحيرة من الرسومات غير مسبوقة، كما هو الحال في أسلوب عرضها أيضاً، فنحوت التجويف الدقيقة لم تكن من بين التقنيات المعتادة لفناني الصخور في عمان أو أي مكان آخر في الجزيرة العربية.
يظهر الحصان في عدد من النحوت، بما في ذلك مشاهد الصراع الحماسية، حيث يشهر المحاربون سيوفهم الصغيرة على الدوام. وهذه ترتبط في بعض الأحيان بنقوش من عصر ما قبل الإسلام بالخط العربي الجنوبي مما يسمح بتحديد تاريخها التقريبي بالقرن الأول الميلادي. وكما يمكن أن يتوقع، فإن الحصان وقد وصل متأخراً قليلاً إلى هذا الجزء من الجزيرة العربية. ويكثر تمثيل الإبل من نحو 2000 عام خلت حين أصبحت هذه جزءاً مألوفاً من الاقتصاد.
ومواقع النحوت ملحوظة جداً وبصورة متكررة، وطبيعي أن يوجد العديد منها في الملاجئ الصخرية تحت سقوف صخرية، وفي أماكن يسهل بلوغها عموماً. وبعضها منحوت في أماكن عالية على واجهة جرف الوادي مما يثير التخمين حول الكيفية التي عمل بها الفنان في مواضع على هذا القدر من الصعوبة، ويعيد إلى الأذهان الصعوبات التي فرضتها على الفنانين بعض الأماكن المتعذر بلوغها، التي اختارها فنانو الكهوف في الأزمنة الحجرية القديمة 000.10 سنة أو يزيد قبل المثال العماني.
ويحتمل أن تكون الآثار العمانية غنية جداً، فالمستوطنات فيها مستقرة منذ أمد بعيد، ويمكن أن تمسك بواحد أو اثنين من مفاتيح فهم أكبر لمنطقة الخليج في القدم. ولقد خمن بعض مؤرخي القسم الأول من هذا القرن أن السومريين أنفسهم نشأوا في عمان، ويوحي اهتمام شعوب بلاد ما بين النهرين بالجبال أن أصلهم من بلاد جبلية، وتبدو عمان مكاناً مناسباً. ولا يوجد دليل حتى الآن يدعم هذه الفكرة، لكن قيل ما فيه الكفاية بشأن الأصول الجنوبية الممكنة للسومريين من دون رفض تخمين معقول بشأن موطنهم الأصلي. ومع ذلك لا بد من القول إن السومريين قد أدركوا منذ وقت قديم جداً أن عمان كانت غنية بالنحاس فإذا كانت حقاً وطنهم أو قريباً منه، فإنهم بالتأكيد تذكروها من هذه الحقيقة وحدها. فبأي طريقة أخرى كان لهم أن يعرفوا بوجود النحاس هناك، على الأقل مع حلول نهاية الألف الرابع ق.م ؟ ولربما تجيب السنوات القادمة عن هذا السؤال كما أجابت السنوات الماضية عن الكثير من الأسئلة الأخرى.
كانت معظم المجتمعات التي عاشت على الجانب الغربي من الخليج معنية بشكل أو بآخر بتطور أو إدارة أو إمداد تجارة دلمون التي كان عنصرها الرئيسي تنجيم النحاس وتحويله. وأخذت حينئذ الآلهة بالخفوت من هذه الرواية ليحل محلها في ذلك الوقت رجال الأعمال الدلمونيون السومريون الذين يستغلون الأسواق العالمية، ويسعون إلى اتصالات جديدة على أمل كسب آلمينا شريفة.
* مدير عام دائرة المتاحف والآثار في أم القيوين



#هشام_محمد_الحرك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانترنت منظومة عصبية لكوكب الارض
- ملف عن الزلزال في آسيا
- هل يصبح النشر الإلكتروني بديلا للكتاب المطبوع ووسيلة للتخلص ...
- الصحافة الإلكترونية وتحطيم علاقات إنتاج النشر
- اللغة المقدسة التي تكلم بها آدم
- الولايات المتحدة، حالة زائلة تتصادم مع التاريخ
- كيف ساهمت الصورة الفوتوغرافية في انشاء الدولة العبرية
- أسرار تقنيات المعالجات الحديثة
- أهم مشاكل الصحافة الالكترونية
- البيان الأممي ضد الإرهاب- و 3000 توقيع ........... على ماذا ...
- الوثيقة العربية للإنترنت
- التقدم النانو تكنولوجي - أفضل أداء بأقل جهد و قيمة
- بناء موقع الويب WEB_SITE
- المولود : وصاية امريكية ... المباركون : كل الأمم وعلى رأسهم ...
- بداية النهاية لطغاة العالم
- زيارة تجارية إلكترونية
- الانترنت شريان التواصل
- المعلوماتية قوة هادرة
- المعلوماتية دفع جديد للتاريخ
- الإدارة هي الأساس


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هشام محمد الحرك - مركز قديم لتجارة النحاس والفخار اهتم به السومريون والفراعنة