أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - سمفونية الفنون في مهرجان الجريد















المزيد.....

سمفونية الفنون في مهرجان الجريد


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 03:14
المحور: الادب والفن
    


سمفونية الفنون في مهرجان الجريد

كانت القصة حاضرة في المهرجان من خلال مسابقة تتبارى فيها الأديبات و الأدباء الشباب. تم اختياري لأكون ضمن لجنة التحكيم التي ضمنت أدباء ونقادا. من بينهم الأستاذة المغربية التونسية آمال اليملاحي التي ما إن تعرفت علي ، و شمت في رائحة بلدها الأصلي المغرب ،حتى شملتني بعنايتها، وأوحت لي بأننا نكون فريقا موحدا ومتضامنا لتقديم وجه مشرق للأدب المغربي ، ولم أخيب ظنها ، كما أنها لم تخيب ظني ...إنها امرأة حازمة يعول عليها. زوجها الأستاذ لزهر حشاني إنسان جنوبي ، يتمتع بأخلاق الجنوب ، ويحب المغاربة كثيرا ، يشتغل متفقدا " مفتشا" في التعليم، ومراسلا لصحيفة "المغرب" التونسية، وقد حضر إلى توزر لتغطية فعاليات المهرجان. ولم يفوت الفرصة لتخصيص بعض من الجريدة لي، بإعتباري ضيفا على المهرجان ، نفس الشيء فعله الأستاذ صالح السباعي الذي أجرى معي حوارا مطولا لصالح جريدته التونسية، وقد وعدني بأن يرسل لي نسخة من الجريدة حينما ينشر الحوار، أتمنى أن يفعل ذلك ، كان الرجل كريما معي، حتى أنه اقترح علي زيارة أخيه القاضي المقيم في مدينة القيروان.. أسعدتني الدعوة وكنت عازما على تلبيتها لولا ظروف طارئة حالت دون تحقيق ذلك .

بالإضافة إلى الأستاذ آمال اليملاحي ضمت لجنة التحكيم المبدعة بسمة البوعبدي التي سيرت جلسة الورشة القصصية ..امرأة رزينة تفرض عليك أن تعاملها باحترام ..لها تجربة روائية و قصصية محترمة وقد أهدت البعض من همومها الإبداعية ، من بين إصدارتها " اعترف الصمت" و "موسم التأنيث " هذه الرواية الجميلة ، التي جعلتني أحترم أكثر هذه الكاتبة ، لقد قرأت الرواية بحب ، و اكتشفت من خلالها روائية مقتدرة ، استطاعت أن تكشف الجغرافيا السرية للمرأة التونسية ، بأسلوب بديع و متمكن ، و بالمناسبة تكتب بسمة القصة القصيرة جدا ،..كانت بسمة طوال المهرجان تتلحف بصمتها ، حتى سميتها بيني و بين نفسي "المرأة الصامتة" ، لكنها خلال الورشة القصصية انفجر منها ينبوع الكلام.

ضمت اللجنة كذلك الدكتور محمد الغزالي الذي سيتطوع في المساء لينقلها أن الدكتور محمد البدوي والشاعرة نجاة بسيارته إلى عمق المدينة ويرافقنا في جولة جميلة سأتحدث عنها لا حقا.

من أعضاء لجنة التحكيم الأستاذ المباركي الذي كان يتمتع بنشاط ملحوظ خلال أيام المهرجان، ويفخر بكونه راعيا للأدباء الشباب، وقد قدم لي إصدارا حديدا يضم إبداعاتهم، وهو رجل تربية يفخر بمعارضته لقصيدة شوقي الشهير التي مطلعها:

قم للمعلم وفه التبجيلا كادا المعلم أن يكون رسولا

قرأ علي القصيدة التي نظمها كاملة، وهي طويلة جدا، لا أعرف إن كان الأستاذ المباركي يعرف أن شاعرا آخر اشتهر بفعل نفس الشيء، و هو ابراهيم طوقان وأن القصيدة تشبه إلى حد كبير قصيدة صديقنا المباركي..لا علينا..المهم أن هذا الرجل يلج القلب سريعا، وقد استمعت برفقته والحديث معه.

حين يتحدث الأدباء التونسيون عن السرد عموما و القصة القصيرة خصوصا يميزون التجربة المغربية في هذا المجال ، حتى أشعرني ذلك بكثير من الزهو ، أعرف اننا هنا في المغرب أولينا اهتماما كبيرا لهذا الجنس الأدبي الجميل ، و لكم يشعر المرء بالفخر حين يؤثي هذا الاهتمام أكله ، و رغم أني اومن بأن هذا النجاح قد تحقق بفضل تكاتف مجموعة من العوامل الذاتية و الموضوعية ، التي ساهمت في تبويء القصة المغربية مكانة متميزة ، فإنني أكاد أجزم أن رجلا واحدا يعود إليه الفضضل في ذلك ، إنه شيخنا و عميدنا و أستاذنا أحمد بوزفور ، الذي لم يكل و لم يمل منذ عقود و هو يراهن على جنس القصة القصيرة ، و يروج له ، كتب فيه إبداعا و نقدا و أسس مجموعة بحث تنصب عليه ، حتى أصبح مغريا للشباب للكتابة فيه ، كما أنه عرف برعايته للكتاب الشباب بتواضع قل نظيره ، و قد تشرفت شخصيا بتقديم مجموعتي القصصية الأولى ، و من مجاميع سندباد القصة المغربية ، صياد النعام ، و الغابر الظاهر و ققنس ، أما علامته النقدية المتميزة ، فقد وسمها ب "الزرافة المشتعلة".. الكتاب المغاربة يحبون هذا الرجل و يكرمونه و يعترفون له بالفضل ، بل يجتهدون في إغراقه بالألقاب ، فيرد بتواضعه الباذغ بأن " الألقاب لا تعبر عن الحقيقة ، و إنما تعبر عن المحبة ".. أستاذنا الفاضل إنها تعبر عن الاثنين معا ، الواقع و المحبة ، و دمت راعيا و محبا للقصة و القصاصين.

قرأ الأدباء الشباب علينا قصصهم تباعا. كنا ملزمين بالإصغاء لهم جميعا.. كنت أتمنى لو أنهم سلمونا النصوص وقرأناها كل على انفراد، لأن الأذن مخادعة، وقد لا تعطي للنص حقه، ومع ذلك استمعنا للنصوص التي كان أكثرها طويلا يتجاوز العشر صفحات أحدهم قرأ علينا كتابا كاملا، مما جعلنا نضطر لإتمام الورشة مساء ، خاصة حين حان وقت تناول وجبة الغداء. القصص متفاوتة جدا في مستواها. بعضها القليل جدا يمتلك الحدود الأدنى من فنية القصة، وقد تفوقت الفتيات في ذلك.. المستقبل للمرأة بلا ريب ليس في الأدب فقط وإنما في جميع المجالات هن المجتهدات في الفصول، وهن اللواتي يقرأن الكتب والمجلات،و هن اللواتي يحصلن عن منصب شغل بسرعة..إنه عصر المرأة يلوح في الأفق، فلتنتفضوا أيها الرجال قبل أن تجدوا أنفسكم مجبرين على تأسيس جمعيات للدفاع عن حقوق الرجل.

كانت أكثر القصص مكتوبة بنفس روائي، وضاجة بالشكوى والحزن.. أعجبني نصان لفتاتين كانا ناضجين، وهما بالفعل اللذان فازا بالجائزة الأولى والثانية فيما كانت الجائزة الثالثة من نصيب أديب، يعني رجلا، لقد أنقذ شرف الرجال من الاكتساح الناعم للجوائز في المهرجان الوطني للفنون والأدب بمدينة الجريد الجنونبية مدينة الشعر والشعراء.

بعد زوال كان موعدنا مع معرض تشكيلي للفنانة التشكيلية سهير بادي ، وهي وزيرة المرأة والأسرة في تونس. كان الاحتفاء بها كبيرا، وقد بدا على وجهها الكثير من الانتشاء بهذا الاهتمام الجميل، إنها امرأة شابة وجميلة وتتصرف بكثير من اللباقة وحسن الإصغاء، لوحاتها تتميز بكثير من الإشعاع والحركة ، تلتقط عينها الخبيرة أجسادا وأشكالا في حالة حركة، مركزة في ذلك على الانسان التونسي في عمق تقاليده. .تشعر وأنت تتملى اللوحات وكأن ما احتوت عليه من رسوم سيغادر الإطار الذي سجنته الفنانة فيه.إنه يوشك أن ينطلق بقوة وعنفوان. احتضن بهو ضريح أبي القاسم الشابي في نفس الأثناء معرضا آخر ، إنه معرض الكتاب الذي يقدم نفسه للزوار ،محتويا على كتبا مغربية من أجناس أدعية مختلفة قصة وشعرا ورواية ونقدا، من خلال هذا المعرض كنت حريصا على أن أقدم للأصدقاء التونسيين بعض آخر الاصدارات المغربية التي أتوفر عليها في مكتبتي. حملت معي من الدار البيضاء إلى توزر أكثر من مائة كتاب. نال صديقي عبد الدائم الشغوف بالأدب المغربي نصيبا منها وعرضت أكثرها في البهو ..أشعرني ذلك بكثير من الابتهاج، خاصة حينما لاحظت الإقبال الكبير للأدباء التونسيين على الكتب المغربية.. يسألون عن أصحابها الذين يعرفونهم ويتتبعون أخبارهم عبر شبكة الانترنيت، أو عبر المجلات المشرقية على الخصوص ، أما الكتاب الورقي فلا يصل إلا لماما.. كنت منشرحا ومزهوا وأنا أقدم نبذة عن هذا الكاتب أو تلك الشاعرة أو ذلك الناقد أو عن الحركة الأدبية الملفتة للانتباه في السنوات الأخيرة في المغرب الأقصى..وثقنا الحدث بكثير من الصور والكلمات. وزعت بعض الكتب على النقاد والصحفيين المهتمين وفي نهاية المعرض أهديت النسخ المتبقية لفرع توزر لاتحاد الكتاب التونسيين في شخص رئيسهم الشاعر شكري ميعادي، الذي ابتهج بالهدية وعبر عن امتنانه بذلك، لكن في حقيقة الأمر كنت أنا الممتن لهذا الاهتمام الكبير بالأدب المغربي، الذي أشعرني حقا بالفخر والاعتزاز.

تأخر انطلاق الجلسة المسائية مما كان سيتسبب في حرماننا من الجولة في حواري المدينة العتيقة لكن تواطؤا مكشوفا بيني وبين الشاعر شكري ميعادي يسر لنا أمر هذه الجولة الموعودة، وهكذا بعد حين تسللنا أنا والدكتور البدوي والشاعرة نجاة من القاعة ، يرافقنا الدكتور محمد الغزالي. استقللنا سيارة هذا الأخير وانطلقنا في طريقنا نحو عمق المدينة. هناك حيث توجد المباني العتيقة، وكل ما يغري النفس بالنظر والاستمتاع.. ركنا السيارة في مكان آمن ثم ترجلنا وخضنا بأقدامنا داخل حارات المدينة، الشوارع ضيقة، والجدران تتميز بنتوءاتها التي تشكل لوحة بديعة تمتد محتلة واجهات المباني. توقفنا عند مسجد كبير تعلوه صومعة هائلة تحاكي عمودا مخروطيا، يخترق الأجواء العالية. كانت المناسبة سانحة للحديث عن أمور ثقافية شتى أهمها كيف استطاع هذا النمط من البناء أن يجد له طريقا إلى هذا المكان في أعماق الصحراء، تحدثنا عن الفتح الإسلامي ، والحضارات التي تعاقبت على تونس منذ ذلك الحين.. الدكتور البدوي كعادته يجود علينا بمعلومات قيمة، ونحن ننصت إليه كطلاب مجتهدين ..تطوع الدكتور الغزالي كذلك ببعض المعلومات، فرغم أنه أقام في فرنسا مدة طويلة جدا، فإن ذاكرته لا زالت تحمل الكثير مما أثث به طفولته، في الزمن البعيد، أثار الدكتور البدوي انتباهنا إلى أبواب المنازالتي تتوفر على ثلاث قبضات حديدية، تستعمل في الدق عليها لكل من طرف الزوار.

شرح لنا الدكتور البدوي أن الأعلى للرجال والذي يوازيه على اليمين للنساء، والسفلي للأطفال ،ومن خلال الدق على أحدها يعرف من بداخل البيت جنس وعمر الطارق، فيفتحون الباب أو لا يفعلون ذلك. إنها طريقة ذكية، تذكر بظاهرة الحريم التي سادت لزمن طويل في تاريخنا العربي الإسلامي. المرأة لا تقابل الرجل، ولا تفتح له الأبواب. ليس هناك من هدف للقبضات الثلاث غير خوف محتمل من أن يقتحم رجل البيت على النساء في غياب الرجال. تداعت في خاطري الليالي، أقصد ليالي ألف ليلة وليلة ، المليئة بالأحداث السادرة في بعدها الاروتيكي، الذي يضع الجميع في قفص الاتهام ،فوسمت الثقافة العربية- نتيجة لذلك- بنوع من الحذر ، الذي قد يكون مبررا في كثير من الأحيان.

كان الهدوء سائدا والحركة منعدمة.. بين حين وآخر، يمر رجل أو امرأة، فيلقي علينا التحية ويمضي.. بعض الأزقة مسقوف، فذكرني ذلك بما اختزنته الذاكرة في ضواحي مدينة ورزازات المغربية، أخبرت أصدقائي بأن أهل ورزازات يحرصون على تسقيف بعض الأزقة ، خاصة في الدواوير أي المداشر لأن ذلك يجعل المكان محتملا في فصل الصيف الحار.. هذه الأزقة المسقوفة تسمح لتيار الهواء بأن يتدفق عبرها، فيلطف من درجة الحرارة. استبد المسجد وصومعته الشاهقة بألبابنا من جديد،واستفضنا في الحديث عنهما والتفطنا الكثير من الصور، وقد نالت أميرتنا المتوجة الحظوة في ذلك. هذه الصومعة بشكلها المخروطي البديع ذكرتني بقصة كتبتها ذات حالة إبداع. قصة ماكرة لكنها صادقة، إنها قصة قصيرة جدا تضمنتها مجموعتي "مظلة في قبر" وعنونتها بالصومعة:

الصومعة

من شقته في الطابق العلوي للعمارة، تطلع إلى الصومعة. .
للحظات تأمل شكلها، ثم عاد بنظره إلى داخل الغرفة. .
اصطدمت عيناه بصورة ” فرويد ” تزين غلاف كتاب. .
من موقعها في الرف، كانت تشرف على الصومعة، تتأملها بما يشبه الاستغراق. .
لفترة من الزمن، شرد ذهنه، ثم شقت ابتسامة طريقها نحو شفتيه..

عاد علينا حضور الدكتور محمد الغزالي بفائدة كبرى ونحن ونجوب الأزقة ونتطلع في المباني بدهشة السياح، صادفنا في طريقنا محلا كبيرا يعرض بضاعته ، المكونة من صناعات تقليدية متنوعة، فإذا بصاحب المحل له معرفة سابقة بالدكتور الغزالي. أخبرنا هذا الأخير أنه لم يلتق به منذ أكثر من عشرين سنة. تعانق الرجلان، وقدمنا الدكتور باحتفاء إلى صديقه. كان الرجل كذلك مقيما في فرنسا، وعاد إلى بلاده لإقامة هذا المشروع السياحي. المكان مرتب بعناية ومكون من ثلاث طبقات : أخذنا بأريحية في جولة في أرجائه. هناك اكتشفنا الكثير من الكنوز والتحف : الصناديق التقليدية ..الصواني، الزرابي ...أبواب، نوافذ..و أشياء أخرى.. ظهر الفرح على محيا الشاعرة ، وكأنها عبرت نحو الزمن الغابر من بوابة توزر السحرية، عبرت عن فرحتها بانتقالها كنحلة من مكان إلى آخر، وهي تجود بتعاليق محتفية بالمكان .. كانت طفلة حقيقية ، وقد فاجأها العالم بهدية غير منتظرة. أما أنا فكان الأمر بالنسبة لي عاديا جدا، لأن أغلب التحف رأيت مثلها في بلد المغرب. وهذا ما تأكد لي بالفعل حينما أخبرني صاحب المحل بأن أغلب بضائعه يستوردها من المغرب، وكان يتحدث عن مراكش وفاس ومكناس بكثير من الافتتان، جعلتني أكثر اعتزازا ببلدي ، وإن أخفيت ذلك. لكن المناسبة كانت سانحة لاحدثهم عن صناعة خشب العرعار بمدينة الصويرة الشاطئية، ووعدت الشاعرة بأن أرسل لها حقا/ صندوقا صغيرا بديع الصنع من خشب العرعار ، لتحفظ فيه بعضا من حليتها .


تتميز مدينة الصويرة الساحرة التي تبعد عن مدينة آكادير بما يتجاوز مائة كيلومتر بقليل، ونفس المسافة تقريبا تفصلها عن مدينة مراكش، ببهائها الاستثنائي. إنها مدينة شاعرية، تحرض على الخلق والإبداع، لذا يختارها الكثير ممن أصابته لوثة الفن للإقامة فيها، يتوجه إليها المبدعون من أوربا وأمريكا تحديدا. هناك يجدون الأجواء المناسبة للبوهيمية وتناول الكثير من السمك و أشياء أخرى تنشط في النفس حاسة الإبداع.. تشتهرمدينة الصويرة كذلك بالموسيقى "الكناوية" التي وجد لها الكثير من الموسيقيين نوعا من القرابة مع موسيقى "الجاز" الأمريكية ...الكناوي موسيقى إفريقية عميقة، وصاخبة ترجع أصولها إلى العمق الإفريقي البديع. نقلها معهم أولئك النازحون من أدغال إفريقيا وخاصة من "غانا" ليعبروا عن معاناتهم المتواصلة من جراء العبودية والقهر. .. أصبح لهذه الموسيقى مهرجانا سنويا ينظم في مدينة الصويرة، ويلقى إقبالا كبيرا من طرف الزوار المغاربة والسياح الأوربيين والأمريكيين.

ليلا انتقلنا إلى فندق فاخر. فندق "إدن كلوب" أو "نادي عدن" إن شئنا الترجمة.. كانت الأجواء مناسبة لإقامة حفل ساهر احتفاء بضيوف المهرجان، وكان الحفل أكثر من المتوقع.. للأسف لم أستمتع بكل فقرات البرنامج ، لأن لجنة تحكيم القصة أخذتني بعيدا للفصل النهائي في الأسماء، التي تستحق الجوائز الثلاثة الأولى . اعتمدنا طريقة التنقيط، بحيث كل عضو في اللجنة ينقط النصوص حسب جودتها، ثم جمعنا النقط، واخترنا بالترتيب من حصل على أعلى عدد من النقط. وكانت النتيجة كما توقعها أكثرنا، لأن المستوى كان متفاوتا بين المتبارين. عدت إلى قاعة الحفل، فصادف وجودي هناك انطلاق فقرة الحكواتي الشعبي "العروسي" الذي أبدع في تقديم لوحات فنية بديعة، تجمع ما بين الحكي والرقص والغناء. يتميز هذا الفنان الشاب بصوته الجهوري القوي، حتى أنه لا يستعمل مكبر الصوت في أدائه، إنه خفيف الظل وحيوي جدا.. لم أفهم لهجته التي بدت لي تغترف من عمق التراث التونسي، لكنني تفاعلت مع غنائه وحركاته ،التي بدت متقنة ومثيرة. كان الرجل مبدعا حقيقيا يوزع البهجة والفرح على الجمهور الذي يحتضنه باحتفاء واضح. ذكرتني هذه الأجواء بساحة جامع الفنا بمراكش. هذه الساحة الشهيرة، التي احتضنت منذ الزمن القديم أجواء الفرحة بشتى أنواعها يمتزج فيها الرقص بالغناء بالحركات البهلوانية بالشعوذة... هناك تعيش لحظات ليلية لا تنسى أبدا. الحلقات متناثرة هنا وهناك. يمكن أن تنضم إلى حلقة حكواتي، يجود بقصص ألف ليلة وليلة، وسيرة سيف بن ذي يزن، وسيرة عنترة، وغيرها من الحكايات الشعبة المغربية والعربية، وحين تمتلئ النفس حكيا، ما عليك سوى أن تتحرك بخطوات حالمة، لتنضم إلى حلقة أخرى أغلب منشطيها شباب يؤدون أغاني "ناس الغيوان" و"جيل جيلالة" وخاصة أغنية الغيوان الشهيرة "الصينية"، تسافر بك هذه الأغاني إلى أحضان الزمن الجميل. زمن السبعينات حين كانت هناك فورة إبداعية حقيقية تنسجم مع الأجواء السياسية والاجتماعية المضطربة، الفقر على أشده والقمع يكبت الأنفاس. فوجد الناس في الفن سبيلا للتفريج عن النفس.. ازدهر الغناء والمسرح، وانتشرت النكتة اللاذعة بشكل كبير، نكتة ذات نكهة سياسية واجتماعية بالخصوص.

تحدثت قليلا مع الفنان العروسي، الذي كان منشغلا برغبته في تنظيم مهرجان للحكواتيين في تونس، وكان معنيا جدا بحضور بعض الحكواتيين المغاربة،وطلب مني أن أساعد في تحقيق ذلك... وعدته بأنني سأفعل إن توصلت منه بالمطلوب عبر بريدي الالكتروني، بعد أن أخبرته بأن لدي أصدقاء في مراكش سيقومون بالأمر أحسن قيام، وفي البال الحكواتي بارز الذي انتشرت شهرته في الوطن وخارجه.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أحضان توزر مدينة أبي القاسم الشابي
- الطريق إلى توزر..مدينة أبي القاسم الشابي
- تونس..الإنسان والأدب والثورة
- سطوة الزمن في ديوان الشاعر التونسي محمد عمار شعابنية -ثلاثون ...
- استدعاء الشخصية الأدبية في -شوارد- للشاعر التونسي محمد بوحوش
- -طيف اللقاء- للشاعرة التونسية نجاة المازني أو عندما تشبه الش ...
- لغتيري للمغربية : رواية -ابن السماء - معنية ببنية العقل الخر ...
- العوفي و لغتيري يتحدثان لجريدة التجديد عن علاقة الأدب بالسيا ...
- الكتاب الشباب درع الاتحاد الواقي
- اندغام الذات في الطبيعة في -ابتهالات في العشق- للشاعر نورالد ...
- جمالية الحوار في - مطعم اللحم الآدمي - للقاص المغربي الحسن ب ...
- بلاغة الارتياب في -شبه لي- للشاعرالسوري سامي أحمد.
- غواية الرجل و فتنته في -رعشات- للقاصة سناء بلحور
- الاحتفاء بالتفاصيل في المجموعة القصصية -مملكة القطار- للقاص ...
- شطحات صوفية في -طيف نبي- للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس ...
- الفصل الأول من رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.
- حماقات السلمون أو حينما يعانق الشعر ابتهاجه
- بلاغة الصورة الشعرية في عتبات العناوين عند الشاعرة رشيدة بوز ...
- وحي ذاكرة الليل إصدار جدد للأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ. ...
- متعة أدب الرحلة في -من القلعة إلى جنوة- للكاتب المغربي شكيب ...


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - سمفونية الفنون في مهرجان الجريد