أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - غالب محسن - مهاجرين وأنصار / خروج 2















المزيد.....

مهاجرين وأنصار / خروج 2


غالب محسن

الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 01:04
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 35

جدائلٌ تسبحُ في الواحاتْ
دفوفٌ وكفوفٌ وآهاتْ
وأكتافٌ مرصوصةٌ
للرقصات
والهتافات
للوطن والناس
لمن مات ومن عاش
شموعٌ وقداس
وشدّة ياس
شجونٌ في دندنةِ العودِ
و موّال
راح زمن الأبطالْ
مثلَ بشرةٍ بالحناء
مطرزةٌ حروفها
فوقَ الرمالْ


بدأت رحلة جديدة نحو المجهول عندما همس أحدهم " دعونا نصل الى قمة الجبل وعندها نبدأ التفكير ما العمل " . تبادلت العيون النظرات ، والعبرات . هكذا ولد حلم جديد ، في الخفاء . نعم يمكن النجاة لو وصلنا الى قمة الجبل . الآن أختفى اليأس ، والخوف ، تحت مظلة هذا الحلم .
ليس هناك من قوة تستطيع أن تتغلب على الأيمان وأن كان وهماً ، فمركز الأيمان هو اللاوعي . وهكذا ليس هناك من قوة تستطيع توحيد الناس مثلما يفعل الخوف .
بدأت الأيادي والأرجل بالزحف الى الأعلى ، والعيون تتلاقى ، تبحث عن عزيمة ضاعت . مع بداية ظهور أشعة الشمس ، تصاعدت الرغبة في النجاة ، يتسارع نبضك ، قبل خطواتك ، دقات قلبك وأنفاسك ، تتسابق مثل جيادٍ مذعورة . يتسلل الألم ، دون أستأذان ، من الرأس عبر الجسد حتى تكاد تنفجر الشرايين ، تثقل القدمين فلا تكادان تتحركان .

بخطى ثقيلة ، يستمر الزحف ، للنجاة كما ظننت ، أنت لا تدري ، نحو الهاوية تسير . فقبل أن تكتملَ أساريرُ فرحك ، بُقرب الوصولِ الى قمةِ الخلاص ، بدأ عويل البنادق ، مباغتاً ، من جديد ، وهذه المرة من فوق قمم الوهم .

هكذا كُنتَ سائراً الى حتفِك ، بثقةِ الحالم ، بينما كان " العدو" يتربيصُ بِكَ ، مُبتَسِماً .

" قلت لك لا تعود ، ألا تفهم . أنهم يلملمون بقاياكم ويلقون بهم في السجن " جاء صوت أخيك مرتجفاً وهو يصف تسارع تدهور الأوضاع في العام 1978 " أنت ما زلت في لندن لا تعد ، أبق في مكانك هكذا قال لي صديقك المخلص ناظم ، أبو رجاء ، أنت تعرفه فهو لا يُجامل " . لكن صوتك كان واثقاً مثل نبي " لا لا أنت الذي لا يفهم وتبدو مذعوراً مثل طفل أضاع أمه ، لستُ أنا من يهرب ، أتسمع ، وهذه ليست سوى وعكة خريفية ، سترى " . ثم يأتي أستدراك أقرب للعتاب " أسمع يا أخي : كيف يمكن لي العيش في الخارج ؟ هه : قل لي ؟ الوطن هو الماء والهواء ، أما الغربة فهي موت محتم ، لكن قبل الأجل " .
ثم جاء يوم الحساب .

مثل حلم أنسان فقير ، أنهار ذلك الأمل ، مع زخات الرصاص الأولى لكنه ، مع ذلك لم يتحول ، تماماً ، الى هباء ، بل صار غضباً عارماً ، كأنها الصحوة الأخيرة قبل الموت . لوهلة بدا وكأننا أزددنا عزيمة ، وبدأنا القتال ، وربما بشجاعة أيضاً ، للدفاع عن ذلك الحلم الذي تلاشى في تلك اللحظة مع دخان البنادق ، ولسان حالك يقول : اللعنة ، أن كنت ستموت فمت بشرف .
أصوات أنسانية ، نقية كالجنين ، ما زالت في نشوة الأيمان ، تنادي ، من داخل الروح ، يا بلادي لا تتركيني ، لكنها كانت مثل صيحات غريق لا يجيد العوم سرعان ما تلاشت بين هدير الأمواج وعويل الرياح .

كان الموقع الذي تحصنت خلفه جيداً نوعاً ما ، ومع مرور بعض الوقت منحك شعوراً " بالأمان " حتى أنك بدأت بالتركيز في التسديد على " العدو " بل ونجحت في تخويفهم ، فقد بدا وكأنه هجوماً لا دفاعاً وهذا ما لاحظه الرفيق الذي على يسارك " لو أصبنا أحداً منهم فسيقتلوننا جميعاً دون رحمة " . نظرت نحوه بتعجب ، لكن بتفهم ، دون أن ترد عليه فقد كان أصوات أطلاق الرصاص ، وضجيج الذكريات أعلى من همسات الرحمة تلك ، فضاعت ، هي الأخرى ، بين جنون البنادق و فقدان الأنسان ، لعقله .

عندما صرخ " بهاء طبابة " من جرّاء أصابته برصاصة مزقت أحشائه ، ألتفتنا جميعاً صوبه ، تجمدت للحظة ، فقد كانت صرخةً مدوّية ، أو هكذا بدت رغم الهلع وأزيز النيران ، مع أنه كان نحيفاً نوعاً ما . كان على يمينك ولم يكن بينك وبينه أكثر من بضعة أمتار ، هي المسافة بين الموت والحياة . الرصاص ينهمر ، كالمطر ، وصرخات ألمه ، هي ألمنا ، ممتزجاً بسيل من دماءه و دماءنا ، حتى تلون الصخر قانياً ، والبرد القارس صار لهيباً . ضاع الفكر وتشتت ، والهوى في القلب لم يبقى فيه سوى المرارة .

نظرات عيوننا الخائفة زادت من خوفه وآلامه وهو يحاول ، بيد مرتعشة ، تغطية أحشاءه الممزقة . تأوه البطل ، وكأنه أدرك عودة حالة الضعف واليأس في عيوننا من جهة وحجم أصابته البالغة . تأوه وتلوى ، مثل ليث جريح ، وهو يحاول أن يكتم صيحات الوجع . فجأة تغيرت ملامح وجهه ، نظر بحزم نحونا ، ثم الى السماء ، وبدا كأنه قد أتخذ قراره . وضع بندقيته ، المضرجة ، بشكل عمودي بين فخذيه ، كمن يحتضن عزيزاً للمرة الأخيرة قبل الفراق . أسند حنكه الى فوهتها ، كأنه يعانقها العناق الأخير ، ثم أطلق صرخة عظيمة ، أغمض عينيه ، كمن يحلم ، وضغط على الزناد . تطايرت أشلاء من رأسه مع نافورات من الدماء وأنتشرت في الفضاء ، كالنجوم .
هكذا أعاد لنا بهاء ، بأستشهاده ، عزيمة كانت مفقودة .

بدأنا بأطلاق الرصاص والصياح في نفس الوقت . كان صياحاً غير مفهوماً ، آ آ آ آ آ ، أووووو، ولم يخطر على بال أحد ونحن نقابل الموت ، وجهاً لوجه ، طلب العفو أوالمغفرة . أنه فزع الموت . وعلى الرغم من رباطة جأش بعضنا ألا أن المشهد بدا و كأنه نوعاً من هستيريا الخوف واليأس والدفاع الغريزي عن النفس أكثر مما هو دفاعاً عن فكر وقضية . سقط آخر وهو يصرخ ، فزاد صراخنا وأشتدت قبضاتنا على بنادقنا وكأننا نُكَبِّر : هذه هي النهاية ، النهاية ، النهاية .

وجاءت النهاية ، هكذا تصورت ، عندما أصابتك رصاصة هشمت عظام ساعدك الأيمن . من شدة رعب الموت لم تعرف وقتها أنك أُصبت ألا بعد أن شعرت بنوع من الدفئ يتسلل عبر ذراعك الى أسفل خاصرتك ، عندها أدركت أصابتك وعرفت ، وقتها ، لماذا لم تستطيع تحريك يدك كأن مسماراً دق فيها.

يدٌ مهشمة ، من غير بندقية ، وسط معركة ظالمة ،غير متكافئة غابت عنها الرحمة قبل الحكمة ، حينها نظرت الموت يُحَدِّقُ بك ، من جديد ، وجهاً لوجه .

صككت أسنانك : لا أيها الموت ، لم يحن الوقت بعد .


يتبع خروج 3


د . غالب محسن



#غالب_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنصار و مهاجرين / جزء 1
- تأملات في بيان الحزب الشيوعي حول الذكرى 78 لتأسيسه
- في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب رمو
- مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
- محنة العقل في التوحيد / جزء 2
- محنة العقل في التوحيد / جزء 1
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 3
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 2
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 1
- صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء / تأملات 25
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 4
- مقدمة في نقد تأويل التأويل // جزء 3
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 2
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 1
- الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي مع أطيب التحيات
- عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 2
- عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 1
- تأملات في تقييم الحركة الأنصارية / جزء 2
- نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 16 / تأملات في تقييم الحر ...
- التيار الديمقراطي بين الأمل وثقل العمل (2)


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - غالب محسن - مهاجرين وأنصار / خروج 2