أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية















المزيد.....


محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3695 - 2012 / 4 / 11 - 18:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية

" مصائر الثورة الاشتراكية العالمية يتقرر هنا في روسيا " لقد أعلن فلاديمير لينين هذا الإعلان التاريخي الخطير في الثاني من آذار مارس 1919 لدى افتتاحه الإجتماع الأول للأممية الثالثة الشيوعية. لقد أثبت التاريخ أن لينين كان قد تجاوز حدود عبقريته بهذا الإعلان فقرأ ما لم يكن يُقرأ. قرأ نجاح الثورة العالمية تبعاً لنجاح ثورة البلاشفة الاشتراكية في روسيا وكان محقاً في ذلك، لكن كيف لنا أن نصدق بأنه كان يقرأ فشل ثورة أكتوبر في عبور الاشتراكية بعد جيل كامل أو 34 عاماً تحديداً وقد انقلبت قيادة الحزب في اجتماعها في سبتمبر ايلول 1953 على مقررات هيأة الحزب العامة وألغتها جملة وتفصيلاً !!؟ انقلبت على الثورة الاشتراكية بعد أن كانت الثورة مع بداية النصف الثاني للقرن العشرين بقيادة ستالين قد بلغت السماك وأخذت تدق بقوة أبواب مراكز الرأسمالية العالمية في الغرب وتنجح في تفكيك محيطاتها لتسد دورة الانتاج الرأسمالي فيها ويطرح بالتالي النظام الرأسمالي على مستوى العالم في مزبلة التاريخ.

كانت البورجوازية الروسية الهشة طرية العود قد رفضت أن تستكمل شوط الثورة البورجوازية بقيادة البلاشفة فتحالفت مع القوى الرجعية وفلول القيصرية وأعلنت الحرب على البلاشفة مستهدفة أبادتهم في مارس آذار 1918. إلتف العمال والفلاحون الفقراء والجنود المكدودون في الحرب الاستعمارية الكبرى حول البلاشفة وكانت نتيجة الحرب الأهلية أن تحقق في مارس آذار 1919 نهاية أي دور تاريخي للبورجوازية الروسية نتيجة لهزيمتها الساحقة مما حدا بالبلاشفة بقيادة لينين إلى تحويل انتفاضة أكتوبر إلى ثورة اشتراكية كما جاء في إعلان لينين للأممية الثالثة واعتبار روسيا مركز الثورة الاشتراكية العالمية التي كان كارل ماركس وفردريك إنجلز قد استشرفاها في العام 1847. تأكدت حقيقة إعلان لينين عندما استدعت البورجوازية الروسية المهزومة جيوش أربع عشرة دولة أجنبية لتخوض حربها على الأراضي الروسية في إبادة الشيوعيين البلاشفة ورُدّت كل هذه الجيوش الجرارة على أعقابها خائبة مهزومة في العام 1921 ومنها أكثر من جيش لبريطانيا وجيوش من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وهي الدول الرأسمالية المتقدمة فكان هذا هو الرد القاطع والمفحم على كل ادعاءات الذين يزعمون بأن الثورة الاشتراكية كانت قد سبقت أوانها في روسيا وكانت مجرد مغامرة لينينية.

في الثامن من مارس آذار 1921 عُقد المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي البولشفي وكان ذلك المؤتمر بحق أهم مؤتمرات الحزب حيث تقررت فيه الأسس السياسية والاقتصادية للنظام السوفياتي الاشتراكي. قرر المؤتمر باقتراح من لينين منع التكتلات في الحزب فالحزب الماركسي محدد الهوية بكل تفاصيلها الدقيقة والتشطبر يميناً أو يساراً لا يعني سوى التخلي عن الماركسية بكل محدداتها. وكان القرار موجهاً تحديداً ضد الكتلة التي عمل تروتسكي على تشكيلها من الفوضويين في الحزب باسم " المعارضة اليسارية " ــ لم يمتثل تروتسكي للقرار خاصة وأن لينين لم يعد قادراً على المتابعة بسبب المرض ــ وتقرر بناء الاشتراكية في دولة واحدة هي الاتحاد السوفياتي باشراف الحزب المباشر وليس بإيلاء مسؤولية التنمية الاقتصادية لنقابات العمال كما طالب تروتسكي معارضاً بناء الاشتراكية في بلد واحد، كما رفض الحزب نظرية " الثورة الدائمة " التي كانت تعني تصدير الثورة إلى خارج الحدود. في ذلك المؤتمر التاريخي ظهر جليّا أن تروتسكي كان قد انضم إلى حزب البلاشفة في سبتمبر ايلول 1917 قبل ثورة أكتوبر بأسابيع قليلة فقط مستهدفاً إزاحة لينين عن قيادة الحزب ليحل محله. مقررات المؤتمر العاشر للحزب ألحقت بتروتسكي وكتلته اليسارية هزيمة كبرى إلا أنه مع ذلك لم ينثنِ عن متابعة هدفه الذاتي وهو الحلول محل لينين واقتناص مركز رئيس الحزب الشيوعي والدولة السوفياتية. السياسات والمبادئ التي عرفت فيما بعد باللينينية كانت بصورة رئيسية هي مقررات المؤتمر العاشر للحزب في العام 1921. من هنا يمكن معرفة تحذير لينين لقادة الحزب من أن يسمحوا بوصول تروتسكي إلى قيادة الحزب كما جاء في رسالته إلى المؤتمر العام الثاني عشر للحزب المعروفة ب "وصية لينين". لقد مثلت اللينينية خارطة طريق عبور الاشتراكية التي لم يرسم منها كارل ماركس وفردريك إنجلز خطاً ذا شأن باستثناء لزوم عبور الاشتراكية في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا، الخارطة التي اعتبرها ستالين متراسه الأخير عليه أن يدافع عنه بكل قواه الاستثنائية، ومن هنا فقط يمكن فهم عدائه لتروتسكي والتروتسكية.

النجاحات الهائلة التي تتعدى كل حدود معروفة وحققها الحزب بقيادة ستالين منذ 1922 حينما كانت الشعوب السوفياتية تبيت على الطوى بفعل الحروب المتواصلة كما وصف لينين، وحين ترك لينين إدارة الدولة والحزب لستالين ليقوم بتطبيق " الخطة الإقتصادية الجديدة ـ النيب " المتراجعة عن التطبيق الاشتراكي بفعل الفقر وضعف قوى الانتاج، منذ ذلك الحين وحتى العام 1952 حين انعقاد المؤتمر التاسع عشر للحزب، بدءاً بتجاوز الخطة الاقتصادية الجديدة وعودة الإنتاج في روسيا إلى ما كان عليه قبل الحرب في العام 1926 ، وبرنامج التصنيع الكثيف 1928ـ 38 الذي نقل الاتحاد السوفياتي من دولة متخلفة إلى دولة في مقدمة الدول الصناعية، وتحويل الزراعة من الزراعات الفردية إلى الزراعة التعاونية 1929ـ31 ، ورد العدوان الهتلري وإلحاق هزيمة ساحقة بألمانيا النازية المزودة بالموارد المادية والبشرية لكل القارة الأوروبية 1941ـ 45، وإعادة الإعمار1946 ـ 51 الذي أذهل كل المراقبين بمختلف مشاربهم ومنهم غورباتشوف؛ كل ذلك تحقق بنفس لينين والاسترشاد باللينينية كما كان يؤكد ستالين على الدوام حتى في نوفمبر 52 قبل رحيله بأربعة شهور فقط حين أكد أنه هو نفسه ليس أكثر من تلميذ للينين.

أعداء الإشتراكية الكثيرون من كل صنف ولون يقفزون عن كل هذه النجاحات العظيمة بكل المقاييس تحت حجة واهية تقول أن ستالين كان دكتاتورا طاغية قتل الكثيرين من قادة الحزب والألوف من أبناء الشعب. لن نسأل هؤلاء الأعداء كيف يرون الطغيان والتقتيل يساعدان في التنمية الهائلة السريعة، لنسألهم فقط عن التعويذة التي استخدمها الدكتاتور الطاغية ستالين ليحقق تنمية تتعدى كل المعايير حتى الحديثة منها وينقل بلاداً على مساحة قارتين من حالة التخلف والفقر الشديد إلى احتلال مركز متقدم بين الدول الصناعية المتقدمة خلال 16 سنة فقط رغم تطويقه ومحاصرته من قبل أعداء يتحكمون بمصائر العالم !؟ ـ هذا سؤال ليس لدى أعداء الاشتراكية وأعداء ستالين أي جواب عليه!!
أجاب تشيرتشل على هذا السؤال فقال محتفياً بذكرى ميلاد ستالين الثمانين في 21 ديسمبر 1959 بعد ست سنوات من رحيله إيفاءً منه لبعض الدين لستالين على الشعوب البريطانية باعتراف تشيرتشل والملك جورج السادس خلال الحرب، قال .. " كان من حظ روسيا الكبير أنها حظيت في أصعب ظروف مرت بها بقيادة قائد عبقري عظيم هو يوسف فيساريونوفتش ستالين، أعظم شخصية في ذلك الزمان .. كان ذا جبروت خارق وتأثير عظيم على شعبه والدكتاتور الأعظم، استلم روسيا معدمة وتركها دولة نووية ". وهكذا يعزو تشيرتشل التطور الهائل في الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين إلى عبقرية ستالين وجبروته ودكتاتوريته وحب الشعب له. لعلنا نوافق تشيرتشل على توصيف ستالين خاصة وأنه كان الناطق الرسمي التنفيذي لدولة دكتاتورية البروليتاريا، لكننا نتحفظ على نسبة كل التقدم الذي تقدمه الاتحاد ىالسوفياتي خلال فترة 16 عاماً لخصائص فرد بعينه فقط مهما كان جبروته وكانت عبقريته. الرجل الثاني بعد تشيرتشل الذي حاول تفسير تلك التعويذة التي استخدمها ستالين ليحقيق كل ذلك التقدم هو ميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي. فعندما تحقق غورباتشوف من عجزه الفاضح في تحقيق أدنى تقدم في أحوال الاتحاد السوفياتي في العام 1985 حالما انتخب رئيساً للحزب والدولة، لم يجد تفسيراً لتلك التعويذة كما في مقدمة كتابه "البريسترويكا" سوى الخديعة، أي أن لينين وستالين كانا قد خدعا الشعوب السوفياتية بأنهما سيبنيان الجنة على الأرض فصدقتهما الشعوب وبحماس لا نظير له أبلت في العمل والبناء فتحقق ما تحقق فيما يتعدى كل التصورات.
نحن نرى أن غورباتشوف أقرب إلى تفسير التعويذة من القائد البريطاني التاريخي ونستون تشيرتشل فالمسألة تتعدى القدرات الفردية مهما تعاظمت تلك القدرات. إنه ولا شك سحر استحضره لينين وستالين وسحرا به الشعوب السوفياتية فأنجزت ما أنجزت، وإلا فمن كان يصدق أن شعوباً غير مسحورة تتزاحم وتتراص وراء قائدها لتقدم أكثر من 25 مليوناً من خيرة أبنائها ضحايا على مذبح الحرية ضد العدوان النازي!؟ إنه ولا شك سحر، وسحر كلي القدرات. ما فات غورباتشوف رغم كل قدراته الكبيرة في المخادعة البورجوازية هو أن سحر المخادعة يبطل فعله خلال لحظات معدودة وليس كلي القدرات كما برهن سحر لينين وستالين. سحر لينين وستالين هو ذاته سحر ماركس وإنجلز وهو السحر الوحيد الذي كشف عن ميكانزمات الحياة البشرية بل وعن ميكانزمات الحركة في الطبيعة. لغورباتشوف أن يسميه سحر الخديعة، أما نحن الشيوعيين البلاشفة فنسميه باسمه الحقيقي وهو سحر الطبيعة أو قانون الطبيعة، قانون المادية الديالكتيكية الذي هو الحقيقة المطلقة ويحكم صيرورة الطبيعة بكافة أشيائها.
ما كان ستالين بكل عبقريتة وصلابته وإنكاره للذات ليبني الدولة السوفياتية العظيمة المختلفة عن سائر الدول لو لم يمتلك سحر الماركسية الساحر. من لم يدرس تفاصيل الحرب الوطنية السوفياتية ضد النازية لا يمكنه أن يدرك عظمة الدولة السوفياتية عديمة النظائر. ثلاث دول عظمى هي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لم تحارب طيلة الحرب 1939 – 45 سوى إيطاليا بينما الاتحاد السوفياتي وحده حارب ألمانيا النازية وسحقها والتي قوتها الحربية كانت تساوي عشرة أمثال قوة ايطاليا بل ومعها جيوش أوروبية من مختلف الجنسيات بما فيها الفرنسية. الطاقة الهائلة التي فجرتها الدولة السوفياتية خلال الحرب من شأنها أن تخرس كل الألسنة الحاقدة عاجزة عن تفسيرها. بنى الاتحاد السوفياتي خلال الحرب زهاء 150 ألف طائرة خسر منها 102 ألف طائرة وحوالي 70 ألف دبابة خسر منها 50 ألفاً ومئات ألوف المدافع، كما خسر 10 ملايين جندي وبقي لديه 6.5 مليون جنديا في نهاية الحرب، وخسر من المدنيين حوالي 15 مليون وظلت مصانعه وراء الأورال تعمل بكامل طاقتها وكانت ترمي في ساحات القتال حتى مبكراً في العام 43 أسلحة تفوق الأسلحة الألمانية كماً ونوعاً. أي دولة تلك التي تتحمل كل هذه الخسائر الهائلة حسب كل المقاييس ورغم ذلك تبقى وتنتصر !!؟ هذه هي المؤشرات على طبيعة تلك الدولة الفريدة التي بناها ستالين، تلك الدولة التي لم ترتجف هلعاً حين اتخذت القيادة أمراً بإفراغ العاصمة موسكو وكانت الجيوش النازية بملايينها الثلاث المدججة بأحدث أنواع الأسلحة تحيط بموسكو على بعد عشرات الكيلومترات ومع ذلك خطب ستالين أمام اللجنة المركزية في مساء 6 أكتوبر 41 مهدداً يقول .. " أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً !! ". ثم خطب في الصباح التالي مستعرضاً بعض الوحدات العسكرية إحتفاء بالذكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر ليؤكد أن النصر سيكون للسوفيات الذين حاربوا جيوش أربع عشرة دولة أجنبية في العام 1918 وقد فقدوا ثلاثة أرباع البلاد للمتدخلين ومع ذلك لم يحبطوا وانتصروا مستلهمين روح لينين العظيم. الخوارق التي اجترحتها الدولة السوفياتية عبر الحرب جعلت مختلف شعوب العالم وخاصة في أوروبا تميل بأفئدتها إلى النظام السوفياتي الستاليني، وهذا ما لاحظه ونستون تشيرتشل على شعوب بريطانيا ونقله لستالين في ممؤتمر يالطا يناير 45 وكان موضع إقرار من الرئيس الأميركي روزفلت. الديموقراطية السوفياتية لم توازها أية ديموقراطية أخرى في العالم، والدلالة القاطعة في هذا الأمر هو أن حقوق الطفل وحقوق المرأة وهم الضعفاء دائما من الجنس البشري كانت مثار إعجاب جميع زوار الاتحاد السوفياتي. تلك هي الديموقراطية الحقيقية وليست الديموقراطية الصوتية الجوفاء وبلا معنى حقيقي في المجتمعات الطبقية.

كل دارس مدقق للمشروع اللينيني في عبور مرحلة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي يتوجب عليه أن يتوقف عند محطتين مفصليتين على طريق العبور الاشتراكي. المحطة الأولى تمثلت بالمؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي السوفياتي (البولشفي) في العام 1921 حيث تقررت الأسس الاقتصادية والسياسية التي تقوم عليها دولة دكتاتورية البروليتاريا السوفياتية ولعب لينين دوراً رئيسياً وبارزاً في وضعها وتقريرها وهو ما أطلق عليه منذ ذلك الحين اسم "اللينينية"، وبرز يوسف ستالين كأشد الحريصين والأمناء على تطبيقها. والمحطة الثانية تمثلت بالمؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي (غير البولشفي) في العام 1952 حيث تقررت خواتيم العبور الاشتراكي نحو الشيوعية وقد لعب ستالين دوراً منفرداً في تقريرها وتجسدت تلك القرارات في منحيين. الأول وهو توجيه الاقتصاد السوفياتي نحو الإنتاج الكثيف للصناعات الخفيفة والمنتوجات الاستهلاكية تحت راية رفع مستوى الحياة للشعوب السوفياتية التي عانت كثيراً بسبب الحرب الوحشية وإعادة الإعمار 1946 – 51، والمنحى الثاني هو محو الجزء الأهم والأعرض من طبقة البورجوازية الوضيعة وهو الفلاحون الكولخوزيون الذين ما زالوا ينتجون الإنتاج المادي الوحيد في المجتمع الاشتراكي السوفياتي محتفظاً بالروح البورجوازية . الفلاحون الروس الفقراء كانوا مع الثورة الاشتراكية قبل أن تملّكهم الثورة أراض يعملون فيها لإنتاج معاشهم وانقلبوا ضد الثورة بعدذاك.

الشروع بعبور الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي قضى بتصفية طبقة الفلاحين الأغنياء (الكولاك) فيما بين 1929 – 31 بعد أن أخذوا يقاومون الثورة من خلال تجويع العمال وحرمانهم من الغذاء عن طريق إحراق المحاصيل وقتل الماشية، مثلما اقتضت أيضاً خواتيم العبور تصفية الفلاحين الكولخوزيين في العام 1951 ولكن ليس عن طريق القوة والقمع كما طالب الرجل الثاني في الحزب وزير الخارجية فياتشسلاف مولوتوف بل عن طريق توجيه الاقتصاد لمصلحة العمال دون الفلاحين وهو ما قرره ستالين وتقررت عليه الخطة الخماسية التي أقرها المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في نوفمبر 1952. ليس ثمة أدنى شك في أن وقوف الدارسين لتاريخ القرن العشرين وأثر المشروع اللينيني فيه يلزم أن يكون طويلاً في محطة المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي وقد تقرر فيه نفي صفة البولشفية من اسمه وهو ما أشّر على تحول نوعي في مسار الثورة الاشتراكية. لكن لماذا لم يتوقف أحد من المؤرخين لأحداث القرن العشرين أو المراجعين لتطور المشروع اللينيني عند هذه المحطة توقف الباحث والمدقق؟ لماذا لم يصل الشيوعيين في الأطراف ولا حتى في المركز شيء عن أهمية المؤتمر وانتقال العمل الشيوعي نقلة ثورية لمرحلة جديدة في عبور الاشتراكية تقتضي فيما تقتضي تسعير الصراع الطبقي ضد أعداء جدد مختلفين كان يلزم تحديدهم بكل وضوح وتسليط الضوء الكاشف عليهم كيلا تخطأهم العين ألا وهم البورجوازية الوضيعة، الفلاحون والعسكر والعاملون في أجهزة الدولة؟ لماذا لم يردد الصوت المنبعث من قاعات المؤتمر وأعمال المؤتمر صدىً لأي تسعير للصراع الطبقي ضد البورجوازية الوضيعة وخاصة الفلاحون رغم إلغاء صفة البولشفية من اسم الحزب دلالة على إنهاء تحالف البروليتاريا مع الفلاحين؟ هذا هو السؤال الفيصل الكبير.


الإجابة على هذا السؤال الفيصل الكبير تستدرج سؤالاً استدلالياً وهو .. لماذا لم تأخذ أي من مقررات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب طريقها للتنفيذ؟ كيف يجوز للقيادة التي انتخبتها الهيئة العامة للحزب من أجل تنفيذ مقرراتها تحديداً أن تتجاهل تلك المقررات بل وتلغيها كما هو معروف في اجتماع اللجنة المركزية في سبتمبر ايلول 1953؟ ـ ما هو معروف في مختلف الأنظمة والقوانين أن مقررات الهيئة العامة للحزب ولأية منظمة عامة كالشركات لا تلغيها سوى الهيئة العامة نفسها في اجتماع تالٍ لها، ولا يجوز بحال من الأحوال للجنة المركزية للحزب أو مجلس الإدارة للشركة أن يلغي تلك المقررات وهم المنتخبون أصلاً لا لغرض آخر سوى لتنفيذ تلك المقررات. ليس لأحد مهما كان عظيم الثقة بقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي سوى اعتبار إنقلاب اللجنة المركزية على الحزب ومقرراتة في اجتماعها في سبتمبر ايلول 1953 ليس أقل من خيانة للحزب وللإشتراكية. بمقدار ما كانت قرارات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في العام 1952 ستحقق قفزة نوعية على طريق عبور الاشتراكية بمقدار ما كان تعطيلها قد مثل رجوعاً عن الاشتراكية. جرى الإنقلاب بحجة أن توجيه الاقتصاد السوفياتي نحو الصناعات الخفيفة الاستهلاكية فيه تعريض لأمن الوطن للأخطار ولذلك يتوجب الاستمرار في التصنيع الثقيل ـ وكأن الهيئة العامة للحزب وستالين على رأسها لم تأخذ في اعتبارها الأمن الوطني، وحتى لو كان ذلك صحيحاً فذلك ليس من صلاحيات اللجنة المركزية النظر فيه. كما يلاحظ أن الحجة تنطلق من العسكرة فكانت الصناعات الثقيلة مجرد غطاء للخيانة حيث تحولت كل مقدرات الدولة للصناعات العسكرية وليس للصناعات التقيلة وقد حرمت القطاعات المدنية من أية توظيفات جديدة. في ذلك الاجتماع المشؤوم الذي سيتوقف عنده التاريخ طويلاً كمحطة لم تواز فجائعيتها أي محطة أخرى في تاريخ البشرية تم تنحية جيورجي مالنكوف الذي لم يوافق على إلغاء الخطة الخمسية ليحل محله نيكيتا خروشتشوف فكان هذا العلج الرئيس (1954 – 1964) هو نبت الخيانة، فهو من قام بتسويد صفحة ستالين الوضيئة مفخرة البولشفية في خطابه السري فبراير شباط 1956، وبانقلاب عسكري على الحزب وطرد جميع البلاشفة الذين صوتوا على إعفائه من أمانة الحزب، طردهم من المكتب السياسي في يونيو حزيران 1957. وعندما تحقق هذا العلج حقاً من خيانته واعترف أنه كان قد أخطأ بحق ستالين وشرع في التراجع قام بقية الخونة الذين أتوا به بخلعه بانقلاب عسكري آخر ففي الصيف ضيعت اللبن كما يقول المثل.

ما كان لأولئك الخونة أن يعبثوا بسياسات الحزب وإلغاء مقرراته بوجود ستالين بما امتلك من يقظة ثورية ونفوذ حاسم في الحزب وفي الدولة لذلك بدأ هؤلاء انقلابهم بالتخلص من ستالين باغتياله بالسم. يؤكد الرفيق الأمين لستالين فياتشسلاف مولوتوف أن بيريا ومالنكوف وخروشتشوف كانوا من المتآمرين على حياة ستالين. وقد تفاخر بيريا لمولوتوف بالقول بكل وقاحة .." يكفي أنني خلصتكم من ستالين !! ". ثمة مائة بينة وبينة تؤكد تسميم بيريا لستالين وهو ما أكدته لجنة أميركية روسية تشكلت خصيصاً في العام 2003 للتحقيق في موت ستالين وانتهت إلى التأكيد أن ستالين مات مسموما بسم الجرذان (Warfarin) الذي يمكن خلطه بالشراب دون تغيير في الطعم وفي الرائحة. وللمحقق أن يتساءل هنا .. لماذا سارع خروشتشوف إلى إعدام بيريا حال تسلمه السلطة بدون محاكمة علنية كما تقتضي القوانين السوفياتية مرعية التنفيذ!؟ لم يسبق أن حوكم عضو قيادة في غير محاكمة علنية بحضور منوبي وكالات الأنباء والسفارات الغربية باستثناء محاكمة بيريا. لم يعد لدينا أية شكوك في أن الزمرة الخائنة في قيادة الحزب قد عملت على اغتيال عظيم الشيوعيين البلاشفة مفخرة الانسانية العظمى يوسف فيساريونوفتش ستالين. لم يعطِ الإنسانية أي قائد آخر مثلما أعطاها ستالين مجسداً الماركسية اللينينية على الأرض. السلم العالمي وحقوق الإنسان في حماية الأمم التحدة وحقوق العمال المكتسبة في النصف الثاني من القرن العشرين والتحرر القومي والاستقلال لعشرات الدول في الربع الثالث من القرن المنصرم كما الديموقراطية البورجوازية محل فخار الليبراليين هي جميعها بالأخير من آثار تحقيق الماركسية اللينينية على الأرض من فعل ستالين. ما زال شبح ستالين يبعث الرعب في البورجوازية الوضيعة فلا تملك سوى أن تحرش كلابها للنباح دون انقطاع على الشبح الذي لا يتراجع بفعل النباح.

نحن نستعرض كل هذه الحقائق التاريخية مستهدفين التمييز بين من هم ماركسيون حقيقيون وغيرهم من الماركسيين الزائفين وهو ما سنهنى به في مقالتنا التالية، لكننا مع ذلك لا يجوز أن ننتهي هنا دون التعرض إلى حقيقتين هامتين جداً في هذا السياق ..
الحقيقة الأولى وهي أن هناك قاعدة ذهبية في العلوم الماركسية تقول أن التاريخ يكتبه الصراع الطبقي، وعليه فإن كل الجدل الدائر حول أسباب انهيار المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية إنما هو جدل بيزنطي طالما أنه لا ينطلق بداية من الصراع الطبقي في المجتمع السوفياتي وبناء عليه يمكن التقوّل بمختلف التقوّلات.
والحقيقة الثانية وتندرج في " تقوّل " يقول أن تخوّف ستالين الزائد عن حده من أخطار الصراع الطبقي على مصائر المشروع اللينيني إنقلب إلى ضده !! ففي المناقشات الحامية حول المسائل الاقتصادية في الاشتراكية السوفياتية في الندوة الحزبية في العام 1950 كشف ستالين عن مخططاته في تسعير الصراع الطبقي ضد البورجوازية الوضيعة بدءاً بأهم شرائحها وهي الفلاحون. جاءت الخطة الخمسية المقرّة في المؤتمر العام التاسع عشر للحزب 1952 وفق هذا المخطط. لكن ستالين ونظراً لتخوفه من خطورة مثل هذا الصراع على الثورة، وهو ما عبّر عنه في الندوة، أراد أن يمرر خطته بتصفية طبقة الفلاحين بغير الصوت العالي المدوي للصراع الطبقي. لعلّي لا أمتنع عن التقوّل هنا بأن تسعير الصراع الطبقي لو دوّى صوته عالياً في ردهات المؤتمر التاسع عشر وعلّقت أهداف الخطة الخمسية بكل جلاء ووضوح بهدف تصفية طبقة الفلاحين لما تمكنت عصابة خروشتشوف من الانقلاب على مقررات المؤتمر بصورة عامة وعلى الخطة الخمسية بصورة خاصة وانقلب في العام 57 إلى نصير قوي للفلاحين ومن أجل ذلك طرد البلاشفة من الحزب. لو تم تنفيذ تلك الخطة الخمسية القاضية برفع مستوى حياة البروليتاريا السوفياتية بصورة ملموسة لاستحالت الردة على الاشتراكية. ولنا أن نتساءل عمّا قاله تقرير الأمين العام للحزب عن المنجزات الاقتصادية في المؤتمر العشرين !؟ أحسب أن ليس هناك منجزات ليكون هناك تقرير !! لم يصدر عن المؤتمر غير الشتائم على ستالين كما أتذكر!!

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
- شهادة الشيوعيين
- الجمود العقائدي
- لماذا يغير المثقفون قناعتهم
- الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
- لينين باقٍ في التاريخ
- الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
- رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
- شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
- عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
- مواجهة مع أحد المرتدين
- نهاية إقتصاد السوق
- رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي
- ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
- العمل الشيوعي في عالم خارج التاريخ
- في نقد الإشتراكية السوفياتية
- من الديموقراطية إلى الشيوعية
- خيانة الاشتراكية وانهيار الإتحاد السوفياتي
- دور النقد في انهيار الرأسمالية
- المثقفون وسقوط التاريخ


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية