أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - وَرَأَيْتُهَا














المزيد.....

وَرَأَيْتُهَا


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3695 - 2012 / 4 / 11 - 02:04
المحور: الادب والفن
    


ورأيتُها، في مغيبٍ لا يوصَفُ، تجدِّلُ حسرَتينِ على ضفَّةٍ ممنوحةٍ للسرابِ، على فخذِها غفا قمرٌ وغابةُ لُغةٍ وأغنياتٌ ناقصةٌ وبضعةُ أجيالٍ من مُحارِبينَ مُتْعَبينْ، تحنُّ إلى يديها القديمتينِ، تُخرِجانِ الشمسَ من محارتِها، تغربلانِ الليلَ من نجومِهِ، تحرسانِ أحلامَ البناتِ من سطوةِ جلاّدٍ مُحترِف، تعِدّانِ الحَبَّ للحَمَامِ الذي يأتي بالصباحِ في ريشِهِ وبالأغاني في مناقيرِهِ التي تصلحُ للغناءِ كذلكَ، رأيتُها، وكانت كلّما بكتْ، غيَّرَ نهرٌ مسارَهُ، وكلما ضحِكَتْ استقالَ شيطانٌ من مِهنته.

ورأيتُها، في مشهدٍ غيرِ ممكنٍ، تُرتِّبُ الحدائقَ في جُزُرٍ من خيالٍ عميقٍ كالخيالِ، تهدّئُ عاصفةً خائفة، وتزيلُ الغموضَ عن الكلام، كأنما خَرَجَتْ من غيمةٍ منذ قليلْ، ترتَدي بَلَداً أزرق ونهراً في معصمِها، وخبرٌ طازجٌ يتدلّى من أذنيها، عشرُ غزالاتٍ يَتْبَعنَها، وزغاليلُ بلونِ فَرَحٍ تهدُلُ حَولَها، في المشهَدِ حُنجُرةٌ خرساءَ، يصلّي لها اليتامى كي يدْعَكَ صوتُها الفراغَ فيهِم، بطقوسٍ غريبةٍ تتغيَّرُ كلَّ مرَّةٍ كيفما اقتضى اتجاهُ الرّيحِ، رأيتُها تصلّي، ويُصَلَّى لها.

ورأيتُها، وكانَ الحظُّ أنثى، وأنا صيدٌ يُعجِزُني الليلُ والخوفُ، نَجَوْتُ صُدْفةً، عندما رأيتُهُا، كانَت تُشبِهُني، في وَحْدَتِها تُشبِهُني، في رُعبِها من الذكرياتِ، تُشبِهُني، في تحطيم المرايا تشبِهُني، شيء واحدٌ كانَ يصنعُ عالماً من الفروقاتِ بيننا، كنتُ دائماً ظلَّ رغبتِها في الحياة.

ورأيتُها، مِثْلَ عاشِقةٍ تفكِّرُ فيمن تُحِبّْ، رأتْ سُمْرَتَها تصيرُ وهجاً لامعاً حينَ تذكُرُ لمسَةَ النايِ على خدِّها فتغلِقُ عينيها اللّوزيَّتين، وتسيلُ من أفكارِها الموسيقى، كحبالِ ضوءٍ على ظهرِ فجرٍ بألوانٍ باردةٍ وصعبةٍ على التذكُّرِ، بدا كلُّ شيءٍ مثلَ اختبارٍ لقدرةِ البشرِ على احتمالِ الجمالِ، وكانَ الوقتُ وحدَهُ يأتي بأحصنةٍ ملوَّنةٍ إلى المشهدِ، ويغيبُ يغيبُ، إلى أن يشكَّ الغيابُ في الحضور.

ورأيتُها، في وادٍ بعمقٍ لا يُرى، تهدهدُ ولداً بحجمٍ لا يُرى، يحملُ حُلُماً لا يُرى، ويحاولُ دائماً أن يصعدَ الحجارةَ الملساءَ للجبلِ العنيدِ، هو يرى النحلَ العملاقَ أعلى الوادي، ويرى قنّاصين وجمهوراً جاهزاً للتصفيق ينتظرُ، قدماه حافيتان وتنزّان دماً، وهو يصعدُ ويقعُ على ظهرِهِ من علوٍّ شاهقٍ، يستندُ إلى ذراعِهِ المخدوشةِ، وإلى ذكرى قديمةٍ لأبوين لا يُريان، ويقومُ ثانيةً، لم يمد له أحد يداً، ولم يفهم لماذا إلى الآن هو وحده في هذا الوادي بعد مرور جيوشٍ من الوقت، وحدَها، كانت تلمُّهُ كلّما تناثرَ في الخطاباتِ، وتعيدُ تركيبَهُ كحصّةِ أناشيدٍ لا تُقاوَمُ، مجرَّدُ قُبلةٍ، ويمتلئُ قلبُهُ بالفرسانِ الجاهزينْ.

ورأيتُها، تعلوْ كَسِربِ خيولٍ خرافيّةٍ خَرَجَتْ مِنْ حكايةٍ خُرافيَّةٍ تشربُ الألوانَ من إناءٍ سَماويٍّ بدأ بِهِ العالمُ، وتنتهي إليهِ الأرواحُ بعد اكتمالِها الدنيويّ، تصيرُ فَرَحاً، تصيرُ غضباً وكلامَ آلهة، تصيرُ ثدياً للحليبِ، وتصيرُ سيفَ قاضٍ لا يُجامِلُ، تصيرُ بِلاداً ومُعجِزَةَ امتلاء، تصيرُ خُبزاً يغيّرُ تاريخَ القمحِ في الميثيولوجيا، تصيرُ مرآةً وتصيرُ خجَلَ الفاتحينَ من المرايا، تصيرُ فولاذاً وتصيرُ قصباً للناياتِ، وفي كلِّ رملةٍ تخطو فوقَها، يحضُرُ عالَمٌ تشتهيهِ الفِضَّةُ فيتزوّجان.

رأيتُها، تمشي في نومي
رأيتُني، أمشي في نومِها

العاشر من نيسان 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
- ما لا يعرفه أطفال غزة
- توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي
- كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
- من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
- خضر عدنان، رجل مقابل دولة
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي
- قطعةُ حلوى في آخرِ الحكايةِ
- خائفة من الحرب
- رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال
- تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - وَرَأَيْتُهَا