غياث نعيسة المناضل الاشتراكي من اليسار الثوري السوري في حوار مفتوح حول : اطروحات حول اليسار و الثورة ... السورية


غياث نعيسة
الحوار المتمدن - العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 17:38
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 78 - سيكون مع الاستاذ غياث نعيسة المناضل الاشتراكي من اليسار الثوري السوري حول : اطروحات حول اليسار و الثورة ... السورية .

 

بعض من الاطروحات التالية كانت مثار حوار قبل وقت غير بعيد، ما أريد عرضه هو عدد من الافكار تتناول قضية الثورة و في سوريا خصوصا و النظام الذي تعمل على اسقاطه و ما تعيد طرحه من قضايا اليسار المتعلقة بها، و تأتي التفاصيل في الحوار لاحقا لإغنائها. و في كل الاحوال فان موقفنا من قضية الثورة في سوريا سبق ان عرض في العديد من مقالاتنا و يتجلى خاصة في الوثيقة البرنامجية لتيار اليسار الثوري التي صدرت في اوائل ت1 /أكتوبر من العام الفائت باسم البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سوريا و ايضا في جريدته الخط الامامي، و نعتقد أن هذا كله يمكن أن يشكل مادة دسمة للحوار .
1
تقوم كل اشكال الحكم السياسية على قدمين، الاولى حاجتها الى نوع ما من الشرعية و اقناع و قبول السكان(او قطاع كبير منهم) بها. وهي تستند الى غطاء ايديولوجي يدعي انها ، اي شرعيتها، تنبع اما من صناديق الانتخاب او "الشرعية الثورية" او "الالهية" او غيرها. و القدم الثانية لأنظمة الحكم هي الاكراه و اللجوء للقوة لفرض الخضوع او الطاعة على السكان المتمردين على السلطة.
2
تعبر الانظمة السياسية عن المصالح العامة و التاريخية للطبقات السائدة التي تمثلها ، و لكنها ليست صورة في مرأة لهذه الطبقات بل تمتلك نوعا ما من الاستقلالية. و هذه الاستقلالية هي اكبر في المجتمعات ذات التكوين الطبقي الهش حيث تلعب فيها الدولة دورا اساسيا في قدرتها على الهندسة الاجتماعية و الاقتصادية (الطبقية) للمجتمعات المعنية.
3
رغم أن الانظمة الدكتاتورية (الاوليغارشية) على شاكلة النظام السوري تعبر عن المصالح العامة للطبقات المالكة ، لكنها في الوقت نفسه لا تسمح بالتعبير السياسي المستقل عنها و تحد الى درجة كبيرة من هامش الاختلاف عنها الى حد انعدامه. والانظمة التي تضيف لاستبدادها صفة الشمولية كما هو حال النظام السوري تعمل على تأطير المجتمع سياسيا و اجتماعيا و ايديولوجيا و اقتصاديا بشكل يخدم حصرا استمرار بقائها في الحكم و لا شيء اخر.
4
هذا النوع الاخير من الانظمة عصي على الاصلاح و يمتلك نزوعا داخليا ، في حال تعرضه الى تهديد في بقائه، الى الدفع نحو حروب داخلية (و حرب اهلية) بحيث يجعل من سقوطها يعني سقوط و تفكك الدولة نفسها بكل مؤسساتها الاساسية.
5
في حقبة الحرب الباردة ، سمح وجود الاتحاد السوفياتي و الدول المسماة "اشتراكية" بوجود هامش للمناورة للأنظمة الدكتاتورية "الوطنية" التي اسبغ على العديد منها صفة الاشتراكية ...الخ. لكن انهيار الاتحاد السوفياتي و دول اوربا الشرقية يجعل من العالم كله فضاء معولم للنظام الرأسمالي العالمي . و بالتالي فان الصراعات او التنافس بين الدول هما صراع و تنافس يدوران بين دول رأسمالية حول مصالح اقتصادية او جيو سياسية . و الهامش المتبقي من الاستقلالية لكل دولة في هذا النظام الرأسمالي العالمي يعتمد على اهمية موقع الدولة المعنية فيه اقتصاديا و سياسيا و عسكريا.
6
لا يفيد شيئا توصيف النظام السوري الحاكم بالممانع او العميل، فهذا لا يساعد على فهم طبيعته و ممارساته ، انه كلام انشائي فارغ. لأن نظام الطغمة في سوريا نظام استبدادي ذو صفات شمولية يتحكم في بلد لا تمتلك ثروات طبيعية كبيرة ،سوى قليل من النفط، لكنه بلد، و خصوصا بوجود الدولة الصهيونية بصفتها كلب حراسة (اضافة للسعودية و دول الخليج) للمصالح الامبريالية و خاصة الامريكية في المنطقة، يتميز بموقع جيو استراتيجي متميز. لقد فعل النظام السوري كل ما في وسعه لتعزيز موقعه الاقليمي استنادا على هذه الميزة الجيو استراتيجية من اجل تعزيز سطوته الداخلية و توسيع نفوذه الاقليمي خدمة للمصالح الطبقية التي يعبر عنها، و خاصة خدمة لبقائه و استمراره في الحكم. و ليست دوافعه الحقيقية هي ما يدعيه من الدفاع عن المصالح القومية للامة العربية و القضية الفلسطينية (كذا). هذا الأمر يفسر أيضا كل تقلبات سياساته الاقليمية و محاولات اخضاعه لأي طرف فلسطيني او لبناني يحاول الاستقلال عنه (ان كان من اليمين او اليسار).
و الحال، فان الحامل الحقيقي للمهمات القومية للثورة في المنطقة (تحرير الجولان و فلسطين...) هي الطبقات الشعبية التي عليها في سيرورتها الثورية المستمرة الاطاحة بكل هذه الأنظمة المستبدة والفاسدة و منها النظام الحاكم في سوريا، فالثورات الجارية مهماتها مركبة :سياسية و قومية و اجتماعية، على اليسار الثوري ان لا يتقاعس عن لعب الدور الرئيس فيها.

7
الثورة السورية ثورة شعبية، فالقوى الاجتماعية المحركة لها هي شرائح الكادحين و المفقرين و المهمشين، لذلك تتميز الثورة السورية بكونها ثورة اجتماعية، بغض النظر عن وعي الجماهير بذلك أم لا. هذا الواقع يعتمد على قراءة واضحة للخريطة الجغرافية للاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من عام و ايضا على قراءة الخريطة الاجتماعية للشرائح المشاركة فيها.
و انطلاقا من ذلك فان الوحشية التي يمارسها النظام المستبد بحق المناطق الثائرة هي من القسوة لدرجة انه يعبر من خلالها عن رعبه من الطاقات الثورية لهذه الشرائح الكادحة المستمرة في الثورة رغم التضحيات المذهلة التي تقدمها، و هي تفضح احتقاره لهذه الشرائح التي يعتبرها من "الرعاع" التي تواجه سلطته و قواته العسكرية و الأمنية و ميليشياته بكل شجاعة نادرة. والأمر نفسه بخصوص الفتور البارز لمواقف حتى الدول "المعادية " للنظام فموقفها الفاتر انما ينبع من خشيتها من الكمون الاجتماعي الواضح للسيرورة الثورية الجارية، بل أن هذه الدول و القوى الإقليمية و الدولية اصبحت تحبذ انهاك النظام و المجتمع او شكل ما من الانتقال "المنظم" في سوريا، و المبادرات الدولية و اخرها مبادرة كوفي عنان تأتي في هذا السياق.
القسم الاكبر من المعارضة السورية و بعض اليسار يتجاهل او ينفي هذه الطبيعة الاجتماعية للثورة السورية ،فمعظم أطرافها يدعو الى نظام ديمقراطي ليبرالي و آخرون يتحدثون عن ثورات على مراحل.

8
الثورات لا تحتاج الى قوى سياسية جماهيرية ثورية لاندلاعها فهي في اغلب الحالات تنطلق بشكل عفوي، و لكن تجارب الثورات تؤكد لنا أن محصلة هذه الثورات يحدده الى حد كبير وجود وبناء القوى المذكورة من عدمه.
تخرج بعض الأصوات لتقول أن هذا أمر ليس وقته الأن، و أن مهمة بناء هذه القوى الثورية يأتي لاحقا بعد سقوط النظام، لكن هذه الحجة تعني ،في أحسن الاحوال، من منظور خبرات التجارب السياسية و الاجتماعية لثورات عصرنا، أن علينا الانخراط بالثورة و التوقف على حافة انتصارها.
و اخرون يقولون أن وعي الجماهير الان ، اعتمادا على الشعارات و المطالب المطروحة في الحراك، لا تسمح بأكثر من الدعوة الى اسقاط النظام او الدخول بالتفاوض معه لمرحلة انتقالية من اجل انتقال ديمقراطي فحسب.
و الحال، فان وعي الجماهير المباشر لا يتغير جذريا تلقائيا، فهذه الجماهير – بل و المثقفين المعارضين- رغم التحول الحاصل في وعيهم من خلال السيرورة الثورية، فانهم يحملون معهم تركة الماضي أو كما يقول ماركس : " ان تقاليد الاجيال الغابرة تجثم كالكابوس على نفس الأحياء"، اذ لا يتحول الحس المشترك الى وعي سياسي – طبقي- الا من خلال الممارسة النظرية و اختبارها في الواقع، و هذا يتطلب قيام قوى ثورية جماهيرية واضحة الاستراتيجية بخلاف القائلين بتأجيل الامر الى زمن قادم بعد الثورة.
في حال غياب الممارسة النظرية السياسية للجماهير بسبب غياب القوى الثورية الجماهيرية، فان الجماهير الثورية تبدع شعاراتها التي تعبر عن وعيها المباشر و هو ما نلاحظه في اللافتات العديدة للمظاهرات في سوريا: الشعب يريد اسقاط النظام، الشعب يريد اعدام الرئيس، ياالله ليس لنا غيرك.....و بالرغم مما يظهر من بساطة في هذه الشعارات الا انها تعبر عن وعي فذ بمسار الثورة و انعطافاتها و يعبر بشكل اخص عن عزيمة مذهلة مصرة على الاستمرار في ثورتها حتى تحقيق اهداف الثورة.
9
لا يعني تجذر وعي الجماهير الثوري في السيرورة الثورية بالضرورة انحيازها الواسع نحو اليسار ، كما لا يعني انزياحها نحو اليسار انها ستنضم حكما الى تلك القوى الاكثر جذرية من اليسار. و لكن تجارب الثورات اوضحت لنا ان غياب قوى يسارية ثورية جماهيرية افضى في كل الحالات الى اجهاض الثورات الاجتماعية ، بل و ادى، في نهاية المطاف، الى حدود دنيا من التغييرات السياسية او المكاسب الديمقراطية.
ثمة مفارقة هامة في الثورة السورية هي انه في حين تقوم الجماهير الثائرة ببناء هيئات تنظيمها الذاتي بل و اجنة لسلطة شعبية بديلة ، نجد أن كل القوى الثورية و منها بعض الاطراف اليسارية تنفر من هذه الهيئات القاعدية أو لا تعيرها الاهتمام اللازم، بقدر ما أنها تنغمس في صراعات جانبية وفي مؤتمرات اغلبها غير مفيدة او مضرة للثورة. مما يشير الى أن الجماهير الشعبية الثائرة بحسها المشترك ارقى بكثير من الكثير من المعارضة "الديمقراطية" السورية.
10
الثورة عمل جماهيري واسع و ليس عمل لنخبة ما، و الجماهير الواسعة الثائرة لها انتماءات اجتماعية و سياسية متنوعة ، فاحد شروط التحول الثوري هو التغلب على هذا التفاوت و التعدد و الاختلاف الاجتماعي و السياسي للشرائح الشعبية و توحيدها اجتماعيا وسياسيا ، و هذا يستلزم، في السيرورة الثورية، تشكيل جبهة متحدة ، بصفتها تحالف استراتيجي و ليس توافقات انتهازية او مساومات رخيصة .
يسمح بناء هذه الجبهة المتحدة بتوحيد صفوف الشرائح الشعبية و توحيد طاقاتها في النضالات من اجل انتصار الثورة و تحقيق اعمق التغييرات السياسية و الاجتماعية. و يمكن القول أن الاعلان في منتصف شباط /فبراير الماضي عن تشكيل ائتلاف "وطن" في سوريا يضم عددا من المجموعات و القوى(17 مجموعة حتى الآن) التي لأغلبها تواجد فاعل في الحراك الثوري انما يشكل نواة صلبة و هامة للجبهة المتحدة المنشودة.
11
ترتبط قضيتي وحدة وبناء اليسار الثوري و الجبهة المتحدة بمسألة مركزية للثورة، هي ضرورة تكوين استراتيجية ثورية لها.
يشبه غياب استراتيجية ثورية محاولة الملاحة في خضم الثورة بدون بوصلة أو بممارسة "عمياء"، ما نعتقد انه من الهام ان تتضمنه هكذا استراتيجية هو " مساعدة الجماهير في نضالها اليومي على أن تجد الرابط بين مطالبها الراهنة و بين البرنامج الاشتراكي. هذا الجسر يشمل مجموعة من المطالب الانتقالية التي تنطلق من الشروط الراهنة و الوعي الراهن لأوسع الشرائح الشعبية و يؤدي لا محالة الى هدف واحد هو ظفر الكادحين بالسلطة" اي الثورة الاجتماعية: الاشتراكية.
لقد قدم تيار اليسار الثوري في سوريا رؤيته لهذه الاستراتيجية في برنامجه الانتقالي المذكور اعلاه، و هي استراتيجية تغتني بتغيرات الوقائع و بالعمل المشترك بين كافة مكونات اليسار المنخرط في الثورة.
12
تدخل الثورة السورية في عامها الثاني، و تلفها مخاوف عديدة ، فالنظام ما يزال قائما بفضل الة القتل و الدمار التي يملكها و بربريته البشعة في قمعه للجماهير الثورية، فعدد الشهداء فاق العشرة الاف و الجرحى حوالي سبعين الفا و الذين اعتقلوا تجاوزوا المائتي الف، وباستثناء بعض المدن (و خاصة دمشق وحلب) فان النظام يحول سوريا الى خراب...... لكنه نظام ساقط في كل الاحوال و مهما بلغت وحشيته أو طال الوقت. القضية ليست بسقوطه ام لا ، بل كيف و بأي ثمن ؟ و ما هي طبيعة التغيير القادم على انقاضه؟.
لليسار الثوري دور كبير و مهمة عظيمة في الدفع نحو بناء قيادة جماهيرية ثورية بديلة للثورة ، من أجل انتصارها و تجذيرها سياسيا و اجتماعيا، فالثورة السورية من أهم الثورات في منطقتنا و تأثيرها يتجاوز حدود البلاد و المنطقة. لهذا فإنها بدأت تحوز على دعم و تضامن قوي من اليسار و الحركة العمالية العالمية النضالية، و للأسباب نفسها فأنها فضحت و عرت أطراف يسارية (انتهازية واصلاحية) تقف مع الدكتاتورية ضد الجماهير الشعبية الثائرة، بهذا المعنى فقد دفعت الثورة السورية الى اصطفافات جديدة في اوساط اليسار العربي و العالمي.
الاطروحات المذكورة تركز على بعض القضايا التي تجعل من توفرها او غيابها قضية حياة او موت في السيرورة الثورية التي نرى انها ستمتد على مدى سنوات طويلة ليس في سوريا فحسب ، بل في عموم المنطقة و ابعد منها .