أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هيثم الحلي الحسيني - الهوية العربية بين الترف وجدلية الضرورة















المزيد.....

الهوية العربية بين الترف وجدلية الضرورة


هيثم الحلي الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 14:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لقد جلب انتباهي, واستغرق استغرابي, مقال بعنوان "ماهي هوية العراق", نشر في الحوار المتمدن, لكاتبه جمشيد ابراهيم, قد اطلعت عليه مصادفة, وقد اثار اضطراب الرأي فيه, الحاجة الملحة للمداخلة معه, وعلى الأصوب مع الفكرة والشبهة التي يثيرها, وفق مقتضيات الحوار الهادئ المتمدن.
والمقال بإيجاز, أن العراق وسائر الأقطار العربية, لا يجوز لها أن تحمل ما تدعيه بالهوية العربية, بسبب وجود أقوام أخرى فيها من غير العرب, ولا يحمل المقال شيئا آخر, يستدعي القارئ لأن يراجعه, أو يتحمل عناء البحث عنه, فهو مجرد عزف على الوتر النشاز.
وقد سبق أن نشرت مقالا يقارب الموضوع, في موقع الجديدة, أسميته بالنسخة العراقية, لدعوة الأخوين المصريين, مصطفى وأحمد أمين, والعنوان يفصح عن موضوعه, لكنه قارب العنوان من مدخلات تأريخية وإجتماعية وثقافية, وربما كان تنبؤا مبكرا للتحول الإيجابي, الذي يشهده الخطاب السياسي والثقافي العراقي, وضروراته الملحة, التي تتماهى ومصالح الوطنية والإستراتيجية العليا, وبذا فإن المقالين سيتكاملان, معا في دراسة تلامس المنهجية.
وقد يكون الرد على المقال متأخرا, لكن المرحلة وإفرازاتها الإيجابية, بعد أن وعى الجميع, في العراق وسائر الأقطار العربية, حتمية الهوية والإنتماء, والتي تنسجم بين ما أثبته الربيع العربي, من تواصل بين شعوب هذه الأمة, وامتداد في مصائرها وتطلعاتها, فهي تستجيب لبعضها طوعا وذاتيا, مهما تباعدت المسافات, وبدت الى الآخر, وكأنها لا رابطة بينها, فكانت صرخة البوعزيزي في تونس, تسمع أصداءها في تعز اليمنية, قبل بنغازي ليبيا, والى قلب القاهرة, وسائر الأرض العربية.
ومن ثم أصداء الخطاب العراقي السياسي الجديد, الذي كانت مفرداته ذات الصلة بموضوع الدراسة, الى أيام قريبة, تعد من "التابوهات" المحرمة, فأصبحت بلسان الزعماء جميعا, بصرف النظر عن أعراقهم, ما يسهل النطق بها, والتباري في الإفصاح عنها, مثل الهوية العربية, والإنتماء العربي, والأمة العربية, والحاضنة العربية, ومن ثم التاريخ والإنسان, والحاضر والمستقبل, والمصالح والتعاون والتضامن والعمل المشترك, وفي كلها العربي والعربية.
فالجميع قد وعى هذه الضرورة, من معطيات المصلحة الوطنية, والمرتكز الإستراتيجي, ومستقبل الإنسان, وخاصة بعد إحتضان بغداد العروبة لقمة العرب, في هذا الزمن الصعب, حيث شمس الأمة آفلة, وهي تصبو لتشرق في سماء ملبدة الغيوم.
فالبلدان في عالم اليوم, لا تحيا في عزلة, ودون تكتلات كبرى, تتولى مصالحها الإقتصادية والتنموية, وتستجيب بسياساتها لدواعي عالم الرقمية والمعلوماتية, والتواصل السماوي المفتوح, والإعلام بلا حدود, لتنسجم ومتطلبات شعوبها, فهي تبحث عن مشتركات وروابط, قد تكون مفترضة, لتقيم تلك التجمعات, على أسس سياسية وإقتصادية, بينما المجموعة العربية, بتكوينات شعوبها, ومشتركاتها غير المحدودة, مهيئة دون ريب, لتستجيب لهذه الحاجات, فالوطن العربية, موزعى فيه الثروات, بين زراعية ومائية ومعدنية وبشرية وثقافية, وجيوستراتيجية, مما يجعلها مهيئة لهذه الضرورة.
ولقد علمتني سنوات العمل العلمي والبحثي والتدريسي, تحت سقف الحرم الجامعي, وبين رحابه, أن المجاهرة بنقد الرأي المتداعي, وتصويبه وتقويمه, هو واجب مقدس, مهما تطلب من تحد, وأفرز من نتائج وأثار, وعليه فان التحليل المتضمن في المقال, أقل ما يقال فيه, أنه يفتقد الى التأصيل العلمي, والى المنهجية البحثية, سواء التأريخية أو التحليلية الإستقرائية أو المنطقية, وسواء بالعقل أو النقل, بما توصل اليه, من غرائب الإستنتاج غير الرصين, والذي يخالف الحقيقة التأريخية والحضارية والثقافية, ثم السكانية الديموغرافية, وحتى الأنسنية الأنثروبولوجية.
أقول هل سينسحب هذا التصور, لكاتب المقال, على بلدان العالم جمعاء, التي تحتضن أعراقا مختلفة اللغات والثقافات, لكنها تحتفظ بهويتها الحضارية الأم, مثل جمهوريات "الإتحاد الروسي" مثلا, الذي يقطنه عشرون بالمائة من السكان المسلمين, ثم بنسب كبيرة أخرى, من غير القومية الروسية, لكن هويتها الثقافية والحضارية والتأريخية, هي الروسية ولا جدال في ذلك.
فهذه البلاد وشعوبها, تتغنى بابن الفخار الروسي, الشاعر الكبير بوشكن, وبابن القرية الروسية, الشاعر الدافئ يسينين, وبعمالقة الأدب والثقافة الروسية, من طبقات غوغل, وتولستوي, وديستويفسكي, وبقاداتها وأبطالها, من طبقات المارشال كوتوزوف واليانوف, وبعلمائها من طبقة الفيزيائي بابوف, التي تصر الهوية الروسية, لتفاخر به ماركوني بريطانيا, وكذا بموسيقى جايكوفسكي, بل وحتى بأديب مبدع مثل رسول حمزاتوف, الذي يفصح اسمه عنه, لكنه بحسب جميع الأدبيات الروسية والسوفيتية, هو روسي بثقافته وانتمائه, وكذا الفنان الأذري مسلم مقامايف, الذي يعد نتاج للثقافة الروسية, بصرف النظر عن عرقه ولونه, بينما يحاول الكاتب, أن يجعل ما يباين اللون, بين السوداني واللبناني, حجة لمقولته, مع ما يجمعمهما بالهوية العربية, وما يبعد النموذج الأول عن الهوية الروسية.
ولم يتغير التمسك بالهوية, حتى في ظل الشيوعية, التي قد لا تنسجم ايديولوجيا مع عنوانها, لكنها تعاملت معها من معطيات الضرورة, حتى أضافت لقوافل الإبداع, قامات الأجيال السوفيتية, فكان كاكارين وميكايان وكوركي وتولستوي الثاني وسواهم, وتحفظت على الهوية الروسية, فكانت توحد الثقافة بلغتها, وبقرار سياسي رفيع, لعموم الجمهوريات السوفيتية الخمسة عشر, بما فيها غير الروسية, وحتى غير السلافية, وثم استمرت الهوية ذاتها, بقامات أجيال روسيا الحديثة, فالدولة تتغير, والنظام السياسي يتحول, تأتي زعامات وتغادر غيرها, لكن الهوية ثابت, بعنوانها الثقافي والحضاري وحتى الإنسان., حتى يذكر التاريخ, أن الزعيم السوفيتي ستالين, وهو جورجي غير روسي, قد رفع نخب النصر في الحرب العالمية, لشرف "الشعب الروسي العظيم", رافضا التمنعات الأيديولوجية, كونه يعي هوية بلده, والتي كانت هي سر انتصاره, على النازية الألمانية.
وكي لا نبعد كثيرا, فهل سنسقط عنوان إقليم كردستان مثلا, من الهوية الثقافية والحضارية الكردية, ونبدّل إسمه, وهو بما يعنيه, "بلاد أو أرض الكرد", كون شعبه فيه نسبة غير قليلة من غير الكرد, وهذا ما لا يدعو اليه عاقل, اليس الإحتفال بنيروز, والتخليد لكاوا الحداد, والتغني بالأمجاد الكردية, وجمالياتها في الأداب والثقافة, والتمسك بالكلمة والحرف الكردي, والتفاخر بقامات العلم والثقافة والأدب, بل وحتى رجالات النظال السياسي والتحرري, من طبقات الزعيم الحفيد والبارزاني وبابان وسواهم, وتقديمهم وتعريفهم للأجيال, هي تعبير عن الهوية الكردية, لهذه البقعة من الوطن.
الحل كل الحل, أن نتحرر عن عقدنا, وأن نشفى عن أمراضنا, فالعروبة والهوية العربية, هي ليست سقما, وليست ابتلاءا أو تهديدا, فضلا انها ليست عرقا أو نسبا, كما هي سواها من الأمم, فهي انتماء لأرض وحضارة وثقافة, ومشاركة في التاريخ والجغرافية, ووحدة للماضي والمستقبل والحاضر, دون أكثر, والعروبة لم تكن يوما انتسابا بالدم, بل هي مواطنة في ظل الدولة العربية, وهي انتماء فكري ثقافي, كون اللغة اداة الثقافة, ولهذا كانت العروبة, على مر التاريخ, تستوعب الداخلين فيها, فيعدّون عربا مستعربين, دون تمييز بمن سبقهم اليها, واليوم نصف الشعب العربي من هذا الانتماء, في مغارب الوطن الكبير ومشارقه, فهم عرب بالثقافة والمواطنة, فضلا عن القرابة.
حتى أن الحضارة العربية الاسلامية, وهي عقيدتها "الاسلام", بينما ثقافتها "العربية", للعرب وغيرهم, وكأن العروبة والثقافة العربية, هي إطار الحضارة, وأن العقيدة موضوعها وجسدها, فجميع أدبيات الغرب تطلق صفة "العربي", تعميما على مجمل عناصر الثقافة العربية الاسلامية, مع علمها انها ليست للجميع بالصفتين معا, فمنهم غير العربي, ومنهم غير المسلم, لكن جميع الأدبيات, تذكر العالم العربي ابن سينا, والعالم العربي الرازي, كون الجميع نتاج لتلك الثقافة, ودونك كتاب زيغريد هونكة, الموسوم "شمس العرب تشرق على الغرب".
فهذه الهوية التأريخية الحضارية, قد احتضنت المسلمين من غير العرب, وكذا العرب من غير المسلمين, وكذا من غير العرب وغير المسلمين, فكان منهم العلماء والأعلام والقادة والرجال الأفذاذ, دون أن يلتفت أحد الى هذه العقدة الحديثة التكوين, وقد شكلت هذه الهوية, الثقافة والإطار للحضارة العربية الإسلامية, حيث أمدتها بعامل اللغة والإدراك والقيم, والقدرة الفاعلة لإستيعاب العقيدة, فكان لها الدور الإنساني الكبير, في النقل الحضاري العلمي والفكري, عبر البحر المتوسط, بين الجذب والإضطلاع بمسؤولية الحفظ الحضاري, عند مراحل الإقبال, والتصدير والنقل شمالا, في مراحل الإدبار, فضلا عن تشريقها شرقا, بما أثبته التأريخ والواقع, لتنقل شعوبا من البداوة الى التحضر والرقي, وكما قال شاعر العرب الأكبر, جواهري العراق:
نحن الذين أعرنا الكون بهجته لكنما الدهر إقبال وإدبار
ان الهوية العربية, محل تمسك واع, وهي شرف وضرورة, لكل من وطئ تراب هذا الوطن العربي الكبير, وارتاحت به أجساد أجداده, من المحيط الى الخليج, أيا كان انتسابه وجذره العرقي, فهو بذلك وفق جميع المقاييس, وطن, وإن عبّر عنه في أدبيات غريبة بالعالم, لدواع النقل اللغوي للمفردة فحسب, وهو شعب, وهو أمة, وقد يكون شعوبا, لا غضاضة, لانه بصيغة المفرد قد يفيد الجمع, وبالعكس, وهو ما قد يعبر عنه حتى لأبناء البلد الواحد.
ولا دخلية لذلك بالمفهوم السياسي والإيديولوجي للقومية, فهو خارج المقصد, بما قد يحمله, من معان غير مقبولة, يرفضها العربي قبل سواه, وأنا شاكر للكاتب ما أفصح عنه, لأنه قد فسح للآخر, فرصة ومساحة, للكلمة الصادقة .

* دهيثم الحلي الحسيني
باحث في الدراسات الإستراتيجية
ومتخصص في التراث العلمي
[email protected]



#هيثم_الحلي_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هيثم الحلي الحسيني - الهوية العربية بين الترف وجدلية الضرورة