أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر عبد زيد - أطياف مدني صالح















المزيد.....



أطياف مدني صالح


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 13:35
المحور: الادب والفن
    


أطياف مدني صالح




( الأصعب ليس أن يموت المرء ، بل أن يموت الذين حوله ، كلهم ، ويبقى هو حيا ) ؟! . تولستوي



د- عامر عبد زيد( )

تصدير
يصف بورخس حال أفلاطون وهو يكتب المحاورات واصفا حال أستاذه سقراط :" لم يكن يعرف الصفحة الأخيرة وهو يكتب الصفحة الأولى كان يترك ذكاءه يهيم شاردا ...يخيل إلي أن هدفه الأساسي كان الوهم بأن سقراط مازال يرافقه على الرغم من أن سقراط ...( )يراودني إحساس أن أقتفي اثر بورخس وهو يقتفي اثر أفلاطون في تخيله أساتذته وكأنهم أطياف حاضرة تحيط به .أتخيل بأن مدني صالح يرافقني كطيف يحيط بي لكن من المؤلم والمحزن أن يدرك المرء ، بعد فوات الأوان أنه : (ليس بإمكانه أن ينهل من النبع مرتين)( ) فحين يغيض النبع ـ مرة وإلى الأبد ـ دون أن نغرف منه ؛ لا تتكشف الأسئلة الحارقة عن غياب سهولة الارتواء من النبع ؛ بل عن غياب الجدوى التي تضمر فقراً مخيفا ً ، وذهولا عن الانتباه لعابر هائل مر بنا وكما يقول النفري: ( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة ) لقد اتسعت الرؤية لدية ربما تكون حاصرته تلك التأويلات ، في هذه العوالم الخرساء ، وزمان النكوص ( لكم تخذل المرء سيماؤه ، ولكم يجهل الناس ما يعرفون ، وهل أنت ، إلا الذي جهلوه ؟!)( ) إلا انه بقى بكل عفته التي جعلته غريب في عالم يجهله وسلطة تتجاهله وحصار دفعه (أواخر أيام شيخوخته، إلى بيع بيته وأثاثه وسيارته وكتبه، لتـوفير لقمة الخبز لعائلته، ولكي يتجنب مذلة السؤال أو الوقوف مستجدياً في أبواب الحكام، فظل شامخاً زاهداً طاهراً!)( ) وهنا كان جلال الدين الرومي ( إن هذه الأرض ، وتلك السماء ، مزقتا قلبي بضيقهما ، فلا تفضح أمرنا أيها السراج ) يصف حالة وحال كل النوابت اللامنتمون والرومي مثالهم هذا الضيق الذي جعله يغادرنا يغادر هذه الدنيا الفانية،بعد مكابدة طويلة، وحياة صعبة ، وبعد معاناة مع المرض، وبعد مرارة الشعور بالإهمال وقلة الوفاء، فضلاً عن بشاعة الموت، وسط غياب العقل والمنطق، واغتيال الحقيقة والحق، في زمن اللامعقول.الذي تصفه تلك الصورة الشعرية البارزة ل "محمد الماغوط ": ( كل شيء في هذا العالم حزين ، رغم الممثلين الكوميديين ) الحزن كوميديا سوداء إلا إن الكشف الصوفي نجده في قول تولستوي: ( الأصعب ليس أن يموت المرء ، بل أن يموت الذين حوله ، كلهم ، ويبقى هو حيا ) ؟! . وأيضا للموت حسنات ليس قليلة يظهر بمقتضاها الموت ربما أفضل اختراع فردي للحياة، لأنه يجعلك تستبعد الوقوع في فخ التفكير بان شيئا ما يمكن أن تخسره. لقد اتجه إلية كما تصوره من درسهم يتجلى بهيئة مالك الحزين،مكسور الجناح! بسترة من قماش القطيفة الخضراء، وسروال بني اللون وقميص بدون ربطة عنق، ويتمايل في مشيته . تلك الخطوات التي كانت تجسد بداياتها في لحظة الولادة : كانت يوم ولد وترعرع في هيت المدينة في عام 1932 التي ولد فيها ولم يغادرها حتى مطلع شبابه ، ما جعلها تحول في الذاكرة الى صور متخيله ، وقد كانت في تلك الأيام البعيدة تعيش زمنها الجميل بيوت بسيطة حانية تتوسطها مئذنة عتيقة مائلة على النهر، في أرض يتحول فيها التراب والحجارة إلى خلايا حساسة ناطقة، وفي زمن باكورة العهد الجديد للدولة العراقية الحديثة وقيمها الجديدة الصاعدة ولد وتفتح هذا الشاب الخجول المنطوي على نفسه، والمتطلع للدنيا بانبهار وشغف من يحمل بين جوانحه حلماً أكبر من أفق البلدة وأبعد مما ترى عيناه. كانت المدرسة الابتدائية أعلى سقف للدراسة في هيت التي تبعد عن بغداد غرباً قرابة المائتي كيلو متر. ( )


المطلب الأول : صدمة الحداثة

يبدو إن مدني صالح كانت في تكونين المعرفي تصارع الحداثة والتراث إلى حد بعيد حتى تحققت لدية رؤية نقدية أصيلة في موقفه من التراث ومن الحداثة( أو الأخر) ويمكن متابعة هذه المحطات الفكرية الآتية :
1- التراث التاريخ والمكان وهي الذاكرة التي وصفها بورديو بقوله :"هذه التجربة الخرساء التي يؤمنها الحس العملي وكأنها تلقائية "وهذه الضروب من التعلم الأولى التي "تعامل الجسم معاملة ما ينبغي له أن يذكر المرء بما عليه أن يفعل " والتي وصفها بورديو ان الماضي "يظل حاضرا ويعمل في الاستعدادات التي أنتجها " ( ) التي تعبر عنها تلك الأيام البعيدة تعيش زمنها الجميل: رياض زهور وغيوم وطيور وأغان، وبساتين نخيل وتوت وبيوت بسيطة حانية تتوسطها مئذنة عتيقة مائلة على النهر، في أرض يتحول فيها التراب والحجارة إلى خلايا حساسة ناطقة، وفي زمن أوائل الثلاثينات . ورغم انه ارتحل عنها إلى الرمادي ؛ إلا انه يعود إلى هيت في العطل الصيفية وتضيق الحقيبة المدرسية بأحلامه وتطلعاته ينكب على كتب عتيقة عبقة بشذى الأسلاف تضم ترجمات من الفلسفة اليونانية القديمة ومن وضعيات الفلسفة العربية الإسلامية والفقه والطب والتداوي بالأعشاب، ومن النصوص التهويمية في التصوف والطرق الصوفية،تلك الأفكار التي سيبقى شيئا منها يرافقه في تكون ذاكرته التي ستغدو اعلي مستوى و قصديه تكون من : ذاكرة تذكر او تعرف معارف ، معتقدات ، احساسات، مرتبطة بالمجتمع وثقافته المهيمنة حتى سفره لندن والتي أنتجت كتابه عن (الوجود) .يبدو جليا اثر انتساب مدني إلى ذاكرة اكبر هي تنتمي الى الهوية .
2- لكن ثمة رافد أخر إلى جانب ذاكرة التراث أنها ذاكرة الحداثة التي سوف تدخل في جدلية مع التراث كانت البداية الأولى كانت في تلك البيئة الرحم الثقافي الأول للهوية المنزاحة دائما كانت تفرض عليه أن يتجه من اجل اكتشاف أخر أن يتجه شرقاً إلى مدينة الرمادي ليكمل المتوسطة والثانوية وهناك وجد مدرسيه الشاعرين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي اللذين جمعتهما ربما لآخر مرة ثانوية الرمادي حيث قرأه السياب الكثير من ( أزهار ذابلة )، والبياتي الكثير من( أباريق مهشمة) اللتين ستصيران في ذاكرته أزهاراً يانعة، وأباريق شفافة طافحة وتكون له معهما هموم جمالية ونقدية في المستقبل! يقول الاستاذ باسم عبد الحميد : (استناداً الى مذكراته هو التي صاغ بعضها في فصل بعنوان البداية والتجديد في كتابه هذا هو السياب ففي التهميد الاول للفصل يقول مدني صالح "لم نسمع بالبياتي قبل عام 1948 ولم نكن قد سمعنا بالسياب قبل مجيء هذا العام بالسياب الى الرمادي حاملاً ديوانه الاول "ازهار ذابلة" وكنا هناك فرأيناه وسمعناه يقرأ لنا من شعره وعرفناه وذلك يعني احتكاك مدني وهو طالب ثانوية بالسياب المدرس احتكاك اديب ناشئ بشاعر مجدد، ولكنه احتكاك متوجس فما زال مدني لا يؤمن يومها بالتجديد في حركة الشعر !!)( ) الصراع قوي والارتياب هو النتيجة التي وصفها مدني ذاته وهو يعبر عن تكون ذاكرته الأخير أي الذاكرة الشارحة وهي الطور الأخير. وهي ذلك التصور الذي يصنعه كل فرد لنفسه عن ذاكرته الخاصة ، والمعرفة الموجودة لديه عن هذه الذاكرة وهي ، من جهة أخرى ، ما يقال عنها ، انها أبعاد تحيل الى "نمط انتماء الفرد الى ماضيه " أي بناء صريح للهوية فالذاكرة الشارحة ذاكرة مطلوبة جلية "( )
3- إما كيف تكونت الذاكرة الشارحة التي كانت تخفي صراعا خفي في تكوينة المعرفي في قسم الفلسفة في بغداد و بعد أن أنهى دراسته بتفوق في كلية الآداب ذهب إلى إنجلترا ليدرس في جامعة كمبردج الفلسفة.
أ‌- تحول كبير في موقفه المعرفي حيث ميله الحداثوي برز على حساب تكوينه التراثي اذ هيم علية الخطاب العقلانية التجريبية وقد تجلت في موضوع أطروحته عن ابن طفيل( )وقصته الشهيرة حي بن يقظان التي حاول أن يوفق فيها بين الفلسفة والدين! (واسم بطلها الإنسان (الحي) بن (اليقظان) يحمل دلالة على الحياة مع اليقظة والوعي وفلسفة الإنسان بذاته ولذاته حتى ولو عبر ذات أخرى مثالية!).
ب‌- إلا انه أيضا كان مهتم بالشعر العربي الحديث في بيروت، وأخذ يكتب لمجلة شعر ويعقد صداقات مع بعض شعرائها.
ت‌- إلا أن هنا سو نكتشف موقفا مبدئيا نقديا اتجاه الأخر المستعمر الثقافة الكونيالية التي تجلت في نفي أي اثر لإطراف من اثر على الفكر الغربي اذ كان مدني صالح يقول : " أن رواية حي بن يقظان كان لها أثر كبير على الرواية الإنجليزية والأوروبية، وما حكاية روبنسن كروسو إلا من بعض أصدائها، بل أن طرزان وأفلامه هي من وهج هذه الرواية التي كان أثرها كألف ليلة وليلة على الرواية الغربية. " لم يرق لإستاذه في كمبريدج هكذا تجلت المركزية الأوربية في سلوك الأستاذ الشرف إذ مع توغله في دراسته ومناقشاته أخذت تبرز خلافاته مع أستاذه المشرف ولم يعد يقبل ما يقترح عليه من تغييرات أو تعديلات على أطروحته متلمساً لديه تعصباً ضد الفلاسفة المسلمين كما وجد اللجنة المشرفة على مناقشته تقف مع أستاذه ضده، فألقى كل شيء خلفه وخرج من الجامعة دون أن يحصل على الدكتوراه! ( )
ث‌- وهنا ظهر الميل النقدي لكن الحداثوي التجريبي الذي خلق قطيعة مع الموروث بطابعة الساكن وأقام علاقة نقدية اتجاه الموروث واتجاه الأخر من خلال كشف أثارهما غير المحمودة على الواقع العراقي وهذا ما تكشف له بعد عاد إلى بغداد عين مدرساً في كلية الآداب لمادة الفلسفة ووجد طلابه وزملاؤه لديه من العلم ما يؤهله ليكون في مركز قيادة فكرية متميزة. إلا انه أيضا انفتح على الفضاء العمومي عب الكتابة التي كان في اخر مسيرتها كتابه "بعد خراب الفلسفة"( ) وبحوثاً عن الفارابي والغزالي وعن الوجودية والتصوف، و"ابن طفيل.. قضايا ومواقف" وفي العودة إلى طروحات مدني الفلسفية ودراساته لفلاسفة من أمثال الفارابي وبن رشد نجد إنه ينطلق من فلسفة مادية وإن كان بالطبع لا يلتزم بالقوانين الجدلية التي اكتشفها ماركس أو قام بتصحيحها وقلبها عما كانت عليه لدى هيجل، لذا يمكن القول إنه مفكر مادي يتبنى قوانين موضوعية وعلمية في تفسير ظواهر الكون والوجود وإنه في رؤيته للتاريخ وتفسيره لأحداثه ومسيرته تقدمي فهو يؤمن بالتجديد والتطور ويقف مع المظلومين ضد الجائرين والمستغلين!( )
4- شهادات :التي عكست الجانب العملي من معرفته أو اتقيا التواصل الاجتماعي اذ يعد الكاتب الراحل مدني صالح من اول المشتغلين والمهتمين بالفلسفة في العراق الحديث، لكنها كرس جهده كلياً فيما بعد للنقد والكتابة في الصحف اليومية، والمجلات العراقية والعربية خاصة مجلة "الآداب"، وهي كتابات كانت تثير سجالاً واسعاً للآراء المطروحة فيها، وحدتها أحياناً.( ) وقد جاءت الشهادات بالاتي :
كان مدني صالح غريبا يرى نفسه في مرايا غريبة ، فهو من النوع الذي لا يسهر ، ولا يثرثر ، ولا يكثر الكلام ، ولا يدخن ، وكان قد ترك التدخين منذ سنة 1984 بعد نصف قرن كان يدخن خلالها سبعين سيكارة في اليوم الواحد ، وأحيانا تصل إلى الثمانين ... ومدني لا يشارك في الاحتفالات ، والمناسبات ، ولا يحضر فرحا ، ولا مجلس فاتحة ، ولا يحضر مؤتمرات الثقافة ، ومهرجانات الشعر والأدب ، وكان يعدها نوعا من التدافع على الموائد ، والطناجر ، والخواشيق .. وأنا أعرف عنه أنه لم يشرب الماء طوال حياته إلا من بيته .. وفي سنوات عمره الأخيرة لم أره يوما يشرب شايا ، أو قهوة ، أو ماء ، ولا يأكل أبدا خارج بيته .. وفي إحدى المرات دعي ليناقش أطروحة دراسية في جامعة الكوفة ، وذهب صباحا ، وبعد الانتهاء من المناقشة ، أحضروا الموائد ، لكنه امتنع عن حضورها وعاد إلى بغداد مساء من دون أن يتناول شيئا من الطعام .. وهو يعد البصل والثوم جزء لا يتجزأ من صحة الإنسان ، وعنده فلسفته الخاصة في البطيخ ، ويعتز كثيرا بالصورة الكاريكتورية التي رسمها له علي المندلاوي .( )
وفي هذه العزلة يفيض علينا عبد الإله الصائغ بالوصف فيقول (صالح ولم يحسن العزف إلا على أوتاره ... أوتار مدني صالح. صوفيا كان لا يعرف الكره أو الحقد ولا يذكر الناس إلا بالخير محب لكل من حوله بسيط بساطة أهل الريف وطيب طيبة ارض العراق كريما كان مثل نخل العراق ! لم يكن مدني صالح يوما منبريا إحتفائيا لا يميل إلى الحضور والمشاركة في المهرجانات العامة والرسمية ولا حتى المؤتمرات والندوات العلمية لكنه كان اجتماعيا يستأنس بالصحبة وبخاصة مع أقرانه من الأساتذة والمقربين من طلابه كانت غرفته الخاصة في كلية الآداب ملتقى لكل هؤلاء يتبادلون فيها هموم الفكر والثقافة وشجون المعاش والسياسة وكثيرا ما كان يطول بهم المقام إلى نهايات الدوام الرسمي فيستكملون حواراتهم على طريقة المشائين سيرا على الأقدام ولساعات طويلة في شوارع بغداد الصاخبة وخاصة مع طلابه يحدثهم عن أشياء عاشها وشهدها وعن شخصيات عرفها وعاشرها يحدثهم عن علي الوردي ومساجلاته الفكرية عن السياب والبياتي عن نوري جعفر وقيس النوري ومتعب مناف السامرائي يحدثهم عن النجف وأهلها وزعاماتها الدينية حديث عارف بشعابها مثلما يحدثنا عن طويريج وهيت وعن أسماء لم يسمعوا بها ولم يروها عن الدرستنية وقندي والكبانية عن السيد حسين وضياء الخطيب ومدرسته الفاروقية وعن البلبل اللبيب صديق طفولته عبد الباقي السيد نوري يحدثهم عن بغداد وحاراتها القديمة عن شارع الرشيد ومجده القديم وعن المجالس البغدادية ! )( )
يبدو ان هذه الغربة ليس من الناس بل من غربة تحيلنا الى موقف معرفي لدى مدني صالح وهذا ما وصفه احد تلاميذه بالقول :( في محاضراته داخل الدرس الجامعي لم يكن الأمر يختلف؛ فقد كان الحوار سيد الأساليب ذاك الذي كان يلجأ إليه مدني صالح معنا نحن الطلاب، كان أسلوبه مثمراً ومعطاء ناهيك عن لذَّته المعرفية والأسلوبية والجمالية. ليس التمرُّد الأسلوبي هو الوحيد في خطاب مدني صالح الفلسفي؛ فقد كان التمرُّد سمة وجودية في فكره، كان ضد الظلم المجتمعي المتفشي بين الناس، وضد غش السياسيين والمُصلحين الاجتماعيين، ناهيك عن موقفه النقدي الجذري من الدُّعاة. بدا موقفه النقدي من النُّخب المثقَّفة في المجتمع العراقي واضحاً؛ فهذه النُّخب هي المسئولة عن فساد الواقع بسبب فساد سرائرها. .لذلك، كانت حياة مدني صالح نضالاً في وجه الظلم والتعالي والتطرُّف والإفساد، في وجه الظالمين والمتعالين على المجتمع والمفسدين فيه. وفي كل ذلك ظهر مدني كأنه سقراط بغداد المكافح عن حرية الحياة وحرية التفكير بل وحرية العيش الآمن والمسالم، والأهم من ذلك دفاعه الأصيل عن الحقيقية ضد مزيِّفيها ومنتحليها والمتاجرين بها. كان أسلوبه السقراطي الحر لا يروق لمدَّعي المعرفة في الأوساط الأكاديمية ببغداد الذين كانوا يحصرون المعرفة في زجاجات ويريدون من طلابهم النَّظر إليها من الخارج ليبقوا بعيدين عن التفاعل الحي والخلاق مع الأفكار الفلسفية، ومع معطيات الواقع بكل ما فيه من فساد وظلم واحتقار للمعرفة الحقَّة.كان مدني قريباً من الوجود، قريباً من صوته، وفي الوقت نفسه قريباً من الموجود، قريباً من صوته. كان يكافح كل الحُجب التي تمنع الإنسان من إيصال صوته إلى الآخرين. وإذا كان سقراط اليوناني شرب السم ليموت من أجل الحقيقة، فإن مدني صالح ظل يتجرَّع سموم الظلم والفساد واللامعقول لا ليموت إنما ليبقى صوتاً حقيقياً يناكد كل هذه القيم الظلامية حتى لفظ أنفاسه الأخيرة متألماً على حال وطنه العراق، سعيداً أنه أفنى حياته سقراطياً مدافعاً عن الحقيقة الحقَّة وعن القيم السامية.)( ).
5- مؤلفاته :واصدر العديد من المؤلفات التي اهتمت بالفلسفة الاسلامية، والوجودية؛ القديمة منها والحديثة، ومن مؤلفاته: "الوجود" عام 1955 و"إشكال وألوان" عام 1956 و"مقامات مدني صالح" عام 1989. هذا إضافة إلى كتابات حول المسرح والتحليل النقدي. فضلا عن إصداراته الأدبية والنقدية المميزة، وفي مقدمتها "هذا هو السياب" و"هذا هو ألبياتي".
هنا وانأ أتلمس تلك الشهادات وتلك الآثار المعرفية لمدني صالح أظني إما مقولة لبورخس وقد استعارها من القس باركلي اذ تقول : "إن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها – فالتفاحة بذاتها لا طعم لها – وليس في فم من يأكلها ، وإنما هو في التواصل بين الاثنين "( )
اذ ما نخرج به من تلك المواقف انه كان حواري شكوكي مثل سقراط الأفلاطوني وكأنه يستبق القارئ وأسئلته وان اكتب عنه أتخيله إمامي مثلما فاجئني في إحدى الماسي في 1991 يوم كنا هاربين أهوال قسوت حكومتنا في الوسط هربنا إلى بغداد بين الخوف والقلق نمضي ايامنا طالعنه في هيئه لم اعتده فيها مرتديا بنطاله من الكابوي وقميص ماروني بدا غريبا لكن حنونا تأسيت بقولة واستبشرت خيرا حتى التقينا مره أخرى وانأ طالب الماجستير في جامعة الكوفة



المطلب الثاني : آليات نقد الذات وحضورها

على العكس من المتن الناعم، الذي يستوطن فيه مضطهدو الثقافة التقليدية التي ثار عليها من قبل علي الوردي ، في (وعاظ السلاطين) "الاتعاظ والاعتبار في شؤون الملك.. وإعمال النظر في دنيا التقلب والزوال.."( كما هي عبارة ابن الأثير (كثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سميناً، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط) ( )
كانت هناك في المتن الأخر، المتن الوعر، كتابات استكشافية واجتهادية، ونقدية، تكافح من اجل إقامة ثقافة عقلية تأخذ بلطائف الحجج والبراهين، والتي تزعجها حياة الأقفاص ، اذا ما اصطيدت وروضت تذوي وتموت او في اقل تقدير تفقد زهوهها وتمتنع عن التكاثر، لا تنبعث منها رائحة حياة، لا تستطيع استئناف حياتها داخل مؤسسات ، حياتها نافرة، تقتحم الاسلاك الشائكة لذهنية المحظورات، تمارس فعلها العقلي بكل اتساعاته ومدياته ورشاقاته بغية الاقلاع والانطلاق والبحث تحت الشمس عن الاشياء الصالحة لانسانية الانسان، وتحرير الشرط البشري من العراقيل والاحباطات والآلام، تأخذ في بالها ان ليس بعد أيقونة لا تمس، وان كل شيء ينبغي ان يؤخذ من جديد، فيفكر به ويسأل عنه وينتقد. عبر الربط العقلاني الأفكار بسياق الأحداث ، وقياس مشروعيتها بمدى جدارتها في إثبات ذاتها بمنطق العقل، ومدى كفاءتها في تحريك الأحداث التاريخية وتغيير الواقع. فكل نص قابل للشرح والتأويل، كما أن لكل نص أفقا معرفيا وإيديولوجيا وهو نتاج أزمنة ثقافية وسياقات تاريخية واجتماعية معينة
هذا حال نص مدني صالح له افقه المعرفي وهو وليد ازمه حقيقية مما يجعل منه وليد سياق تاريخي واجتماعي لايمكن ان يتجاوزه ولا يمكن ادراك مكنونه الا من خلال هذا السياق.
مدني صالح كان يحفر في الفكر العراقي بعيدا عن الكتابة التي ينشدها المشروع التدجيني الكبير الذي يصبح فيه المرء أعمى ومهادن وتصبح الكتابة مهادنة الى اكبر قدر من الالفة والتآلف مع الوضع التقليدي القائم الذي يبدو الفرد فيه مستلبا.
وقد اعتمد منذ الأربعينيات من القرن الماضي على بلاغة تجعله قادر على التعبير بمستويات متعددة من المجاز مما اكسب رسالته طابع التورية والإحالة التي تحتاج إلى التأويل من اجل الوصول إلى الهدف المراوغ المنساب بسلاسة . استراتيجيه انقلابية على أنماط الفكر والسلوك معا بأسلوب الحيلة العقلية تمثل الصراع بين رموز القوة التقليدية المتمثلة في أنها جدلية الحكمة والتغير .رغم عزلته وغيابه اللافت عن المؤتمرات ألا انه أبدع عبر الدرس والكتابة مما جعله " مدني صالح "تمتع بمقدرة على هزيمة الخوف والعزلة بوصفه "نابت "-باصطلاح ابن بأجه- ولأنه أدرك أن الخوف من الفشل يقود إلى الفشل الثقافي والتربوي في إنشاء وتطوير موقف واقعي وعقلاني من الفشل، الذي هو تجربة يمكن ويجب أن نتعلَّم منها كيفية جَعْلِه سببا للنجاح. وهذا مانلمسه في هذه الاشراقة :
". ولو كان حظ التاريخ والتطور والتقدم والارتقاء سعيداً لانقاد التاريخ للحكيمين العارفين العادلين أسال وحي بن يقظان بالحلم الأفلاطوني حلم ابن طفيل من كوخ المحبة والصداقة والعدل والتصرف النقي شاهق الأخلاق حول محور العدل والحكمة والعمل للإنتاج واللعب للابتهاج والعبادة للتصفية والتنقية والاستغناء في التأسيس عن الموجودات كلها بواجب الوجود الذي هو العقل عند الكساغوراس والوجود عند بارمنيدس، ومثال الخير الاعظم عند افلاطون والمحرك الذي لايتحرك عند ارسطو، والله تعالي اسمه وجلت قدرته عند ابراهيم عليه السلام، والواحد المشع عند افلوطين، وواجب الوجود عند الفارابي، والكامل عند ديكارت، والمطلق عند هيجل، وحاصل تحصيل هؤلاء والتطور التاريخي كله عندي انا وعند آسال وعن ابن طفيل وعند حي بن يقظان لاتعصب ولا انغلاق".( )هنا تظهر تصوراته التي تجمع بين الحداثة ومستجداتها وبين التراث في قراءة تنطلق من الواقع وحاجاته مهما اختلفت التأويلات والتجريدات فالموضوع واحد فيما يتعلق بالماورائيات انه يركز على الموحد لا المفرق لان الحاجة الى الحياة السعيدة تقتضي الاخذ باللوازم التي تجعل منها سعيدة الفكر الذي ينطلق منه نلمسه اكثر في هذا التوصيف التجريبي:" لم يأت علي الانسان زمن ألا وهو كائن تاريخي تطوري فاعل اداري تشكيلي تصميمي يدير مؤسسة ويطور تشكيلات متطورة علي غرار تصميمات متطورة في مؤسسة متطورة في كون يتطور من اللامتناهي إلي اللأمتناهي في تاريخ يتطور من اللامتناهي إلي اللامتناهي..ولم يكن الفن الا اجراء ادارياً تدبيرياً اكتشافياً اختراعياً يساعد به الانسان جسمه ويقويه ويحميه ويعينه علي ادراك الطبيعة ويزيده اعجاباً وحباً لها.وكان الجسم جسم الانسان لاغيره اداته لمعرفة الكائنات يقيسها به ويذرعها او يزنها ويذوقها ويشمها ويراها ويلمسها ويحسها ويتذكر احساساته الحسية اللمسية الذوقية الشمية السمعية البصرية صوراً واخلية يستعيدها محفوظة في حافظته وهو تشكيل بايو سايكو سوسيو فسلجي في التشكيل الطبيعي الفيزيائي الكيميائي التأريخي المتطور الذي هو المغارة الكهف الملجأ المنزل البيت المسكن الكوخ القصر الثكنة المعسكر الحصن القلعة الحضانة الروضة المدرسة المعهد الجامعة الاكاديمية المختبر المعمل المصنع المتجر النادي الملعب الفندق الحانة المقهي المتحف المعبد الحقل الحديقة البستان المزرعة وان كلاً من هذه المواقف يصح ان يكون اصلاً تطورياً لكل من المرافق الاخري وهذا شيء.. أما الشيء الاخر فهو ان الانسان لايكتشف الا موجوداً، ولايخترع إلا ممكناً، ولا يطور إلا قابلاً للتطور بفعل تناغم قوي التاريخ وتطاوعها متعاونة وتعاونها متطاوعة اوركسترالياً.هذا من جهة التطور الاداري،أما من جهة التطور الطبيعي فانه كائن متطور بالطبع اكتشفناه أم لم نكتشفه وانه الحقيقي الصواب الصحيح المنطقي الطبيعي الذي ليس من طبعه أن يكون غير ما هو كائن".( )
هنا نلمس انه ينطق من تصور للمعرفة بين الحاجة والمعرفة والفرق بين هذا والتصور او المعتقد الذي هو الأخر يتم تصوره قياسا بنتائجه وهنا نلمس هذا الجذر التطوري الذي يطغي فيه البعد الحسي اذ(يفرق ديفيد هيوم بين نوعين من المعرفة المعرفة التي تقوم بتحديد العلاقة بين الأفكار، والمعرفة التي تخبرنا عن أمور الواقع..ويرى بأن تدليلاتنا عن الواقع إنما تقوم على أساس العلاقة السببية التي تتيح للإنسان أن يتجاوز حدود الإدراكات الحسية وشهادة الذاكرة في حكمه على وقائع العالم الطبيعي.لأن علمنا بالرابطة السببية في جميع الحالات لا ينشأ عن التفكير العقلي الخالص الذي يستغني عن الخبرة الحسية من تقريره، بل هو مستمد في جميع الحالات من الخبرة الحسية التي تقدم لنا الشيئين اللذين نحكم بأن بينهم رابطة السبب، بالمسبب متصلا أحدهما بالآخر.( ) وهو هنا يحيلنا الى تلك العلاقة التي اقامها مع الفلسفة العملية عند "جون دوي"التي تعلق بما هو "صائب" و" مفيد" و"فاضل"و"خير" من وجهة نظر عملية:فالحقائق التي تعتمد عليها الأخلاق هي الحقائق التي تنبع من الروابط(الفعالة )للإفراد الإنسانيين مع بعضهم البعض.( ) وفي هذا يقول فاوست في مسرحية غوتة بذكاء شديد:(في البدء كان العمل) ويعلق يونغ أن ( الأعمال ) لم تبتدع قط ، كانت تفعل أما الأفكار ، فهي اكتشاف متأخر نسبيا للإنسان، ويقول يونغ: الحقيقة هي أن البشر في الأزمان السابقة لم يفكروا في رموزهم ، انهم قد عاشوها وكان معناها ينشطهم بلا وعي. الواضح أن "مدني صالح" مع المعرفة التجريبية التي تقوم على الواقع بعيدا عن التأمل والمنطق الصوري لان الواقع يجعلنا أكثر قدرة على تغير المحيط بشكل يجعل من الحياة ممكنه وسعيدة بعيدا عن التأمل والتجريد والتنازع المرير الكلامي الذي لا يضيف شيء إلى حياتنا .هذا معناه التقاطع مع التصور الفكري التقليدي:يعتمد الواقع القائم على منطق ألامعقول والقوة والتخلف إلي يذكرنا بالبداوة وتصورات علي الوردي عن منطق الغنيمة وكما يصف مدني صالح هذا في صوره بارعة عن طبيعة الحياة التي تسودها الفوضى التي رمز لها (الحيد الفحل)" لا تصير له حاجة في دائرة عند مدير أو في وزارة عند وزير إلا ويقوم الوزراء والمدراء رهباً ورغباً وسراعاً الي استنفار الموظفين جميعاً لتلبية الطلب كله تاماً كاملاً مثلما يشاء ومثلما يريد، لا مثلما تشاء الاقدار، ولامثلما تملي الانظمة ولا كما تنص القوانين... والخ.. والخ..
انها صوره ولا ابرع منها في وصف حياتنا السحرية في معتقداتها المفارقه للمنطق والعقل لهذا ترى كل خطط التنميه هي مجرد خطابات وكل مشاريع التعاون داخل عالم الحيد الفحل قائمة على الرغبة النزوة وليس على منطق العقل .ثم يتطرق إلى صوره أخرى من تمظهرات الحيد الفحل اذ ينطلق من نقد هذا النمط من الواقع الى نمط اخر من ذات المنطق الي نجده ينحو فيه منحا علي الوردي وهو منطق وعاظ السلاطين :" وما كل هذا الا حال من أحوال تواضع الحيد الفحل اذا ما تنازل وتداول شيئاً من هينات الامور... والا فالفعل أهوال وافاعيل... صورة من صور الحيد الفحل المردانة الذي يدفع ثمن تدويخ الرقيق الابيض وثمن مصادرة الكرامة والارادة والحرية من كيسه الخاص لاحباً الا بالتكلم الكبير وبالكلام المنفوخ: الامر الذي لم يكن في حقيقة أمره بين الوسائل والغايات الا حالاً من أحوال الفطحل النابغة العبقري الجهبذ وهو يناقش ويحاور ويجادل ويحاضر في النوادي وفي الجمعيات وفي الندوات وفي المؤتمرات وفي المحافل الاكاديمية والثقافية اينما تكون... لا فرق بين صورة الحيد الفحل التي انقرضت وبين صورة النابغة الجهبذ التي لم تنقرض بعد الا ان الحيد الفحل الخواردة المردانة كان يدفع ثمن تدويخ الجمهور من كيسه الخاص وان الفطحل النابغة العبقري الجهبذ يتقاضي علي تدويخ الجمهور أجراً مستخلصاً من أضلاع دافعي الضرائب وهم لاينتفعون بشيء من تكلمه الكبير.( ) الا انه يبشر بل يتمنى انقراض هذا النمط من المثقفين بالقول" واستحضروا صورة المتكلم الحيد الفحل المردانة كلما أضجركم المحاضر الفطحل النابغة الجهبذ واملأوا الدنيا قهقهات بالمقارنة بين الفحل والفطحل "( ) .



المطلب الثالث :نقد الأخر

في الوقت الذي يظهر جوهر الفكر العربي الحديث يظل هو" الإضافة "إلى الغير وبالتالي لا يمكن أن نفكر ألا بفضل المواجهة مع الأخر عبر لغته وأسئلته ونظامه المعرفي( ) ألا أن مدني صالح في قراءته إلى الذات لم يهمل الواقع الذي يدرسه ويعيش في كنفه ويعانيه يوميا فان قراءة الذات لا معنى لها ألا عبر رصد الواقع وتمثل متغيراته الثقافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية . وكان هذا الواقع هو المفتاح إلى نقد الأخر بعيدا عن منطق الهيمنة وقريبا من منطق المشاركة والحوار والشراكة.وهذا ما يظهر في هذا المتن الوعر،الذي خاضة مدني صالح الذي يمثل كتابات استكشافية واجتهادية، ونقدية، تكافح من اجل إقامة ثقافة عقلية تأخذ بلطائف الحجج والبراهين، والتي تزعجها حياة الأقفاص التي يرفضها كما ظهر هذا في ما بعد الطوفان وفي حوارية يؤكد على ثلاث ملامح أكد عليها الغربي "روبنصن كروزو "والاخر"فرايدي"وهو هنا يعيد استثمار نص كان يمثل لحظة انبثاق الخطاب الاستعماري والاستيطاني بين بين روبنصن كروزو لدانيال دوفو الكثير من شيطان فاوست لجيته الذي كان يمثل ثنائية المتقدم والبدائي بحسب مقولات المستشرقين الذين جعلوا من الاستعمار اعداد للبدائي اما مدني صالح فيرصد هنا عبر الرمز اذ يؤكد ان روبنصن كروزو وقد شجع البدائي على بقائه على ما هو عليه من الأخلاق:(اما الأخلاق الاخري التي قبل بها روبنصن كروزو من فرايدي فهي الاخلاق التي يخرق بها فرايدي العادات والتقاليد والطقوس بلا صراع كلما تبين بالحساب التجاري ان في هذا الخرق ما قد يزيد من صادرات روبنصن كروزو الي فرايدي (... )كما تقضي اخلاقها بأن لعنة الله والملائكة والناس اجمعين علي جميع اللواتي يرتدين من الملابس ما قد يظهر من جسم المرأة غير العينين ومن وراء حجاب.. ( ) أما من جهة الحكمتين فإنهما حكمة يحب بها فرايدي حكمته القديمة التي وجده روبنصن كروزو عليها اول ما تواجها وأقره عليها وقبلها منه وزين له ان يعتز بها ويفخر مباهياً بها روبنصن كروزو الذي لا يظهر الا انحسارا ازاء هذه المباهاة الفارغة الا من عنجهية المكابرة التي زرع روبنصن كروزو بذورها في نفس فرايدي. أما الحكمة الاخري فإنها الحكمة التي يحب بها فرايدي الراحة والثقافة والحضارة والمنية فيستورد جميع الذي يصدره روبنصن كروزو اليه ويستهلكه حتي يفنيه فيستورد غيره ويفنيه ليستورد غيره وهكذا تجري الامور علي هذا المنوال استيرادا بعد استيراد واستهلاكا بعد استهلاك لا يزيد فرايدي الا فقراً واعتماداً علي روبنصن كروزو الذي لا يزيده التصدير الا غني وقوة وسيطرة وابداعاً وتصديراً بعد تصدير واكتشافاً بعد اكتشاف واختراعاً بعد اختراع وازدهاراً في معارج الارتقاء وفرايدي منشغل بتأسيس المجامع اللغوية لترجمة أسماء المخترعات. ( )
من الواضح هنا أن الغربي ينظر إلى الشرقي كمستهلك وكسوق لا علاقة له بما هو عليه من حال وتخلف وارتهان إلى الموروث القديم البالي بل ان جل اهتمام المروج صناعة الحاجة وإثارة الاستهلاك وبتحفيز الأخيلة والنزوات .(هي المأساة التاريخية والمأزق الخطير حيث لا يملك فرايدي من امره شيئاً بين اخلاقين يمنع باحدهما الخير عن نفسه ويستجلب الشر بالاخري عليها ولا تبرير عنده لهذا السلوك المأساوي الا الحكمتين : حكمة يضر بها نفسه وحكمة ينفع بها روبنصن كروزو.)( )
انها قراءة تلك اللحظة الامبريالية القائمة على الإخضاع والإتباع والقائمة أساسا على منظومة القوة التي جعلت من الثقافة الغربية نموذج عند "صموئيل هنتغتون" الذي يرى في القوة مجال يجسد الأثر الثقافي ، فقوة الغرب مقابل ضعف الآخرين أدى إلى التأثر بالغرب والتحديث والتغريب أما ضعف الغرب فإنها تدفع الآخرين إلى التأصيل الثقافي . وهي التي جاءت عند مدني صالح مكثفة إلى حد بعيد من خلال مسمى"ثقافة فوهة البندقية")يظل التاريخ بارودياً ظالماً لنفسه ولقواه كما يظل انتحارياً مأساوياً حول محور التجارة الحرب الاحكتار ما دام المنطلق الثقافي الحضاري المدني من فوهة بندقية لا من رأس حكيم وما دام التدبير الباطني الحقيقي التأسيسي الخفي بيد الاغني الاقوي الاغلب الاقهر.)( ) ثم ان هذا القوة تمثل حالة من الانحراف في الفكر والوعي انفصلت فيها الاخلاق عن السياسة منذ البداية وأصبحت القوة والمنفعة هي الدافعية في السياسة وهذا ما دفع الباعث إلى طرح سؤال(ما السبيل الي سيادة الاعلم الاحكم الاعدل الذي ينزل الناس منازلهم التي يستحقون ويرد الامانات الي أهلها ويعطي كل ذي حق حقه ويقسم الخيرات التي لأهل المدينة مادية ومعنوية علي السكان جميعهم حسب الاستئهال المحكوم بالتخصص وبالقدرة علي التجويد في العمل والابداع في الرأي حول محور العمل للأنتاج واللعب للابتهاج والحب للجميع لا حول محور التجارة الاحتكار)( )
الا ان الامر منذ لحظة انهيار المشروع التنويري الفرنسي وتحوله إلى مشروع استعماري هيمن التاجر على مقدرات الدولة والثقافة التي أصبحت في خدمته تشن الحروب من اجل الحصول على الإرباح وفتح الأسواق وهذا هي اللحظة التي ظهرت فيها فلسفة التاريخ والخطاب الاستشراقي وكل منهما مرتبط بتلك ألحقبه من الهيمنة (بروبنصن كروزو بفلسفة التاريخ وقواه الثقافية علماً وادباً وفناً، والحضارية سياسة واخلاقاً وتشريعاً، والمدنية زراعة وصناعة وعمارة ، ويبوبه ، ويصرف الرأي في فصوله مثلما يشاء وكما يريد لا بناء الا علي ان الذي يفعله روبنصن كروزو نافع ممتع جميل وان الذي يفعله فرايدي ــ اذا لم يكن علي غرار المثال الروبنكروزوي ــ ضارا أما قبيحا أو انه أقل نفعاً وأقل امتاعاً وأقل جمالاً)( ) وهنا نلمس أن الثقافة في مجموعها أصبحت في خدمت التاجر وتهاوى الفكر ليتحول إلى مراكز بحوث تقدم الخدمات ومراكز استشراق من اجل معرفة الأخر حتى يسهل اختراقه وبالتالي اخضاعة تعاضدها مراكز التبشير ألا أنها في مجموعها كانت منصبه على المنفعة(ولم تكن لروبنصن كروزو من غاية اخري غير الاثراء وجمع الاموال.. اما ان يكون روبنصن كروزو قنصلا او مبشرا او مستشرقاً او رحالة او مستكشفا او مستشاراً او خبيرا أو شيئاً شبيها بهذه الاشياء ، فما هذه الا من الوسائل التي يتظاهر بها روبنصن كروزو ويظهر معها الدعة والبشاشة وحب الثقافة والعدل والحكمة والحق والخير والجمال بينما تسد منه لا من غيره حاملات الطائرات المقاتلة والقاصفات وقاذفات الصواريخ المضايق وتملأ الخلجان مضيقة الخناق علي فرايدي وآله طوقاً من نار.)( ) أنها لعبة الاستعباد والإخضاع التي تتنوع إشكالها وأساليبها ألا أنها في النتيجة واحده ، تقوم على منطق القوة .وهنا ينتقد مدني صالح الفيلسوف المتعصب كما هو هيجل فيقول : فاني لا اجد هيجل من أينما نظرت إليه إلا غافلا مغاليا وعصبيا منغلقا لا يستشرف ولو انه انظر الى المستقبل لراى افاعيل هتلر ومن هم اشد من هتلر ياكلون من مال الشرق ... يدافعون عن حق كل غني قوي غالب في كل فقير وضعيف مغلوب ( ) إلا أن مدني صالح ينظر في العلاقة بين الغرب والشرق والمفاعيل التي تحركها الإطماع والمخاوف من الشرق فيقول : الن الثقافة والحضارة والمدنية والفلسفة بدأت استشراقا بعد استشراق الذي سبق الحملة النابليونية ورافقها واستقر معها وما زال ماكثا يكتنف مخاوف نابليون وتكتنفه من الاستغراب الذي توقعه نابليون وتصوره بيقظة الصين التي إذا استيقظت يهتز العالم كناية عن قيام الاستغراب بالقوة في كل لحظة من لحظات الاستشراق بالفعل كقيام الاستشراق بالقوة في كل لحظة من لحظات الاستغراب بالفعل ( )
ثم عندما يتوقف عند مقولة نهاية التاريخ يكشف البعد المثيولوجي او اللاهوتي او الشمولية فيقول :"وتظل دعوى نهاية التاريخ وبلوغ الغاية الخالدة دعوى تقوم عليها وبها جميع حجج الملل والنحل والفرق والمدارس ....لازما واجبا من اركان سلامة العقيدة وصحة الإيمان "( )


المطلب الرابع : نقد الفكر في" بعد خراب الفلسفة " :

أولا : يبدأ في وضع علاقة متوازنة بين الثقافة والحضارة والمدنية

وفيها تناول جميل ومتميز رغم هذا التداخل في الدراسات الثقافية والحضارية التي كانت تعكس تداخل بين المفاهيم خصوصا :" الحضارة والثقافة "إذ يقول "إني قد وجدت أن الفهرسة الثقافية في القرن العشرين مقلوبة على الرأس ...وفي هذا ما فيه من الخلط والإرباك والتشويش ...فاني قد رأيت : ان الثقافة حيازة إبداعية وأنها العلم والأدب الفن والفن الأدب والفن الأدب وان الحضارة حيازة تنظيمية وانها السياسة والتشريع والأخلاق ، إما المدنية حيازة سلعية ملكية مادة وإنها الزراعة والصناعة والعمارة والتعدين والتدجين ( ) ومن هنا ييبن أوجه التمايز والتداخل فيقول : فالثقافة بضاعة إبداعية يجوز عليها التسليع ولا تقبل الاحتكار فيما الحضارة بضاعة تنظيمية يجوز عليها التسليع والإعارة ولا تقبل الاحتكار ؛ إما المدنية بضاعة سلعية تجوز عليها التجارة ويجوز عليها الاحتكار .
ثم انه يقدم تعليل لما ذهب إلية فيقول : لا بل أن الثقافة كالحضارة لا تزدهر ؛ إلا بالنشر ولا تنمو متطورة في سلم الارتقاء ؛ إلا بالانتشار هبة منحة عطية : لا تجارة ولا احتكار وان المدنية لا تزدهر الا بالتجارة عرضا وترويجا وبالاحتكار منعا وخزنا وبأغلاء الإثمان .( )
ثانيا : ثم انه يصل إلى نتيجه في فلسفة التاريخ ورؤية في النقد
اذ يقول :وأصل الحرب التغالب على المدنيات سببا عاملا فاعلا بين السلب والنهب من جهة وبين التصدير والتوريد والمتاجرة من جهة أخرى ويتعلل الغالب بفرض الثقافة والحضارة رحمة بالمغلوب وحبا للتاريخ وازدهارا للإنسان.( ) إلا انه أيضا يقرر نتيجة هي بمثابة نفي للحرب وفشل للهيمنة الثقافية اذ يقول : اذا كانت المدنية تستورد وتستجلب بالتوريد وإذا كانت الحضارة تستعار وتستجلب بالاستعارة فان الثقافة لا تستجلب لا بالاستعارة ولا بالتوريد ثم ان الثقافة لا تسقط كما سقطت الإمبراطورية الرومانية والثقافة لا تكسد كما كسدت المتاجرة بالرماح والسيوف والثقافة خالدة لا تفنى تصحح نفسها وتصحح الحضارة والمدنية والتاريخ .( )

ثالثا : ثم انه يقم لنا مفهومان في توصيف الأنشطة الفلسفية ما التشكيل والتصميم

فيقول :بدأت الفلسفة علما طبيعيا استقرائيا بحثا عن مبادئ التصميم الذي تجري على غراره تشكيلات التكوين والحركة والحياة والصيرورة والتغيير والتبدل والانحلال الدائمة المستمرة بلا انفكاك ...ومن هنا الفلسفة بحثا عن مبادئ الإدارة والتصميم بالبحث عن مبادئ النظام والبساطة والنسبية والطاعة والتخصص والقواعد والقوانين وجميعها أسماء يجمعها ويوحد بينها أمر واحد هو التصميم... وهو نوعان طبيعي وارادي ثم إن التصميم : قاعدة ، ونظام ، وخطة ، وقانون .اما التشكيل : سلوك فعل الطبيعة ، وافعال كثيرة مختلفة في فعل الإنسان ولا مصادفة في فعل الطبيعة ولا اختيار في فعل الإنسان فكل بتصميم والتصميم سبب ومنه أسباب الحركة و أسباب الحياة ( ).


رابعا : مفهوم الخبرة وتحولاتها في التاريخ والتربية

فيقول : تناقل خبرة الانسان وتناقلها من اجل الانتفاع جيلا بعد جيل تنتقدها وترفعها متطورة في مستقبل ..فلا يصح تعريف التاريخ الا بالتربية ...فالتاريخ خبرة وان التربية تداول خبرة ...والتاريخ اداة التربية في التطور والارتقاء ، كما التربية أداة التاريخ في التطور والتقدم والارتقاء والتربية وسيلة التاريخ في المحافظة على البقاء والتاريخ وسيلة التربية في المحافظة على البقاء "ص45 ثم ان التربية تتنوع بتنوع العلاقة داخل المجتمع بالمقاربة مع الثقافة والحضارة والمدنية والتي هي حالة مهمة تعكس قدرة مدني صالح على الاختزال المكثف عبر الكتابة الشذرية فيقول :
- تكون الخبرة ثقافية فتكون الخبرة فنية أدبية أو عملية .
- وقد تكون الخبرة حضارية فتكون سياسية أو أخلاقية أو تشريعية .
- وقد تكون الخبرة مادية فتكون الخبرة زراعية أو صناعية أو عمرانية أو تدجينية أو تعدينية ( )
إن هذا الاستقراء العميق للتاريخ الحضاري والثقافي والمدني فقد تنوعت خبراتها فتنوعت تربيتها وتاريخها فقد كانت هناك ثقافات ليس لديها مدنية لكن لديها فنون وآداب وميراث طبي والأمثلة متنوعة كما هو الحال في " إفريقيا" ، بالمقابل هناك حضارات لديها حضارة يهيمن بها التشريع والأخلاق والسياسة كما هو الحال في " اليونان " أو هناك مدنيات تنوعت خبرتها العملية وتميزت بها عن غيرها .
هذه الكتابة الاختزالية تعكس فكر ثاقب ، فانه ينطلق من تلك العلاقات التي تكون بها الخبرة فيقيس عليها العلاقة بالتربية :
- تكون التربية علمية أدبية فنية إذا كانت الخبرة ثقافية .
- تكون التربية سياسية أخلاقية تشريعية إذا كانت الخبرة حضارية .
- تكون التربية زراعية أو صناعية أو عمرانية أو تدجينية أو تعدينية إذا كانت - الخبرة مدنية . ( )
وبالنتيجة اثر هذا في الإنتاج فيقول : إن قوى الإنتاج تظل عاطلة غير فاعلة مهما صلحت اذا جردناها من الحيازة الإبداعية والبضاعة الثقافية وخبرة التاريخ ( )

خامسا : التحولات التي جاءت في القرن الواحد والعشرين :

تعاظم في النصف الثاني من القرن العشرين حتى عظم في بداية القرن الواحد والعشرين شأن صندوق النقد الدولي ، وصندوق التعاون والقروض الدولية ، والأسواق المشتركة والشركات المختلفة الجنسية .....ونهاية التاريخ ونهاية الايدولوجيا والشبيه بها وكلها قاهرة قد أحلت فعلا بالفعل شعار يا تجار العالم اتحدوا محل شعار ياعمال العالم اتحدوا بعد أسقطته وجعلت التنظيم العمالي خبرا من إخبار الغاربين ...تلك حقيقة بل سنة من حقائق التاريخ( ) التي اعرفه (أي التاريخ)بأنه حركة الكون كله حركة أزلية أبدية لا بداية لها ولا نهاية من جميع الجهات إلى جميع الجهات ، وصراع أزلي ابدي دائم مؤبد ما هو ؛ إلا رد فعل وتكيف بالتطور وتطور بالتكيف ورد الفعل ( )

الخاتمة :
كان يذكرني ببيت شعر ا"بايرون" يذكره بورخيس "تمشي بجمال ، كما الليل "ا نعم تدفق عميق نلمسه في تلك الاستعارة وهي مفتوحة على القراءة والتلقي ثمة روح تسكن المفردات رغم أنها تبدو سهلة، إلا أنها ليس ممكنة .
وهكذا كانت رحلتنا في فكر مدني صالح الطيف المحيط بي كلما حاولت التفلت منه يسكنني. إني أظن الآمال مواتية بما يكفي للقارئ ان يعيد اكتشاف فكر جديد واستعارات أعمق بعدد القراء القادمين إلى نص مدني صاحب المعمار الخاص .الذي سيبقى يرافقنا كطيف ولن ينقطع عنا وهو كما عهدناه شديد الجرأة والأهمية .



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشكالية النهضة ج1 -من كتاب اشكالية المثقف -
- اشكالية النهضة ج2
- الحضارات صراع أم حوار
- التأويل اللاهوتي لتاريخ عند أوغسطين
- نظرية المعرفة
- إشكالية الخطاب الإعلامي والتحول الديمقراطي العربي
- من اجل إحياء العقلانية العراقية الغائبة
- آراء أهل المدينة الفاضلة
- رهانات الحداثة الإسلامية
- التأويل والريبة عند ماركس
- مفهوم الهوية وقبول الأخر
- مقاربة في رواية -الحنين إلى ينابيع الحب -
- تحولات -بروتيوس-(*)
- مجلة قراطيس
- رهان الهوية واليات التعايش في العراق الجديد
- جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام
- مقاربه في المنهج
- إمام الصمت والاستقطاب الطائفي ماذا يحدث في اليمن ؟
- قراءة في مشروع بول ريكور التاويلي
- اطياف الديمقراطية في تمثلات الذات العربية


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر عبد زيد - أطياف مدني صالح