أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - النظام الطائفي ليس نظام طائفة















المزيد.....

النظام الطائفي ليس نظام طائفة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 13:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


استوقفتني نقطتان في رد الصديق راتب شعبو (مقالته "في موضوع الطائفية في سورية"، ملحق النهار، 17/3/2012) على مقالتي "في الطائفية والنظام الطائفي في سورية" (ملحق النهار، 11/2/2012). الأولى ميله إلى التقليل من دور الطائفية العام في سورية، وبالتحديد نفي صلتها بالنظام السياسي؛ والثانية ما يبدو من أن راتب لم يتبين أني قمت بتحويل دلالة مدرك النظام الطائفي بحيث لا يعادل نظام طائفة بعينها، وليس مرادفا لحال لتعبير النظام العلوي. يرد عليّ كأني أعني بالنظام الطائفي في سورية النظام الذي يمثل العلويين أو يرعى مصالحهم،، فيما قلت بوضوح في المقال إن الكلام على نظام طائفي هو كلام على نظام، ترتيب للسلطة والنفوذ والثروة، وليس على طائفة؛ وإن النظام الطائفي يتوسل الطائفية أداة حكم (وليس "أداة الحكم بالتعريف"، على ما يبدو أن راتب ينسب لي)، وإن النظام في سورية ليس بيد العلويين، وإنما العلويون بيد النظام.
عرّفتُ النظام الطائفي بثلاثة أشياء: أولا، أنه يعتمد في إعادة إنتاج نفسه، أي في دوامه واستمراره وتأمين نفسه، وتوريثه، على إعادة إنتاج التمايزات الطائفية وتوسعها. ثانيا، إنه يتيح عتبات تماه متفاوتة للسكان بها، وهو تفاوت يحيل إلى التمايزات الطائفية. وثالثا تتوافق بنيته، أو الممارسات الصريحة لنخبة السلطة، مع تنامي الوعي الذاتي الطائفي لدى الجميع، وتراجع الوعي الوطني والرابطة الوطنية.
راتب يعترض على هذا التعريف. عن بنده الأول، اعتماد النظام في إعادة إنتاج ذاته على إعادة إنتاج موسعة للتمايزات الطائفية، يقول إن هذا ليس "سوى مبدأ "فرّق تسد" الشهير، الذي تعتمده كل أشكال الحكم القسرية لاستمرار حكمها". هل هذا صحيح؟ كان حكم جمال عبد الناصر قسريا، لكن لم ينسب إليه أحد سياسة فرِّق المجتمع المصري تسد عليه. ومثله كان الحبيب بورقيبة في تونس، وهواري بومدين في الجزائر. وفرانكو في أسبانيا. تعتمد الدكتاتوريات على ضرب أي منافسين سياسيين داخليين، لكنها لا تمتنع فقط عن ممارسة سياسة تفريق منهجي للمحكومين، وعلى أسس طائفية تفضيليا، بل هي تعمل على توحيدهم فعلا. والواقع أن توسل التفريق بغرض السيادة مبدأ واسم للاستعمار، وهذا ليس مجرد "شكل حكم قسري"، وإنما ينطوي كذلك على ازدراء ثقافي للمحكومين، أو على تثبت مراتب بشرية غير متساوية بين المستعمِرين والمستعمَرين. انحطاط نظمنا في سورية الأسد وعراق صدام ومصر مبارك... إلى ما يشبه استعمار أجنبيا، هو ما دفعنا إلى استخدام لغة وأحكام كنا نظنها مقصورة على الاستعمار لوصف نظمنا.
العنصر الثاني في تعريفي للنظام الطائفي هو تفاوت عتبات تماهي السكان به بصورة تتصل بالتمايزات الدينية والمذهبية. راتب يرد على ذلك بأسلوب مراسيمي مقتضب. يقول إن ذلك يحيل "على شعور ذاتي للجماعات لا يعتدّ به في التحديد المفهومي". لماذا لا يعتد به؟ وما هي معايير الاعتداد بالوقائع الاجتماعية؟ ليس واضحا لي إن كان في هذا الكلام إحالة خفية إلى عقيدة البنية التحتية الخاصة بالمادية التاريخية. لكن بغض النظر عن هذا، أليست مشكلة في أي بلد أن يشعر قطاع من السكان بضرب من وحدة الحال مع النظام، فيما يشعر قطاع آخر حياله بالفتور، إن لم يكن بالغربة؟ بخاصة حين يمكن ربط وحدة الحال والفتور والغربة بأوضاع وممارسات سياسية من جهة الحكم؟
راتب نفسه يتبين الأمر، وإن لم يسمه تماهيا، وفضل إحالته إلى علم النفس الاجتماعي، وإلى سردية المظلومية الخاصة بالعلويين. لكن شرحه، ومقاله ككل، يبدو موجها نحو نفي ضلوع النظام في الظاهرة، ونسبتها إلى شعور طبيعي للجمهور العلوي العام، أو إلى التكوين التاريخي والسيكولوجي للمجتمع السوري. هذا يبدو غريبا ممن يقر بأن الطائفية ظاهرة سياسية. فهل يحتمل أن نخبا وأحزابا، ومثقفين معارضين، هم من يتعاملون بالطائفية، فيما يعرض نظام سياسي يجمع بين سلطة مطلقة وبين مستوى سياسي وفكري وأخلاقي متدنٍ لنخبته القائدة تنزها خاصا عنها؟!
ثم أنه تترتب على تلك الأوضاع السيكولوجية المفترضة وقائع عامة وسياسية من الدرجة الأولى، ومنها حياة وموت على نطاق واسع في سورية اليوم. فهل تبقى مجرد وقائع سيكولوجية "لا يعتد" بها؟
البند الثالث في تعريفي للنظام الطائفي هو أنه "تتوافق بنيته، أو الممارسات الصريحة لنخبة السلطة، مع تنامي الوعي الذاتي الطائفي لدى الجميع، وتراجع الوعي الوطني والرابطة الوطنية". راتب يتساءل عما تكون هذه البنية، ويقول إن الممارسات الصريحة تتماهي بالأحرى "مع مذهب الأكثرية من حيث مراعاة الطقوس وافتتاح المدارس والمعاهد الشرعية وبناء الجوامع ...الخ وصولاً إلى المصاهرة". ألاحظ مرة أخرى أن النقطة الأساسية في مقالي ربما تكون فاتت راتب. النظام الطائفي ليس النظام العلوي، كي يردَّ بالقول إن هناك ممارسات تتماهى مع المذهب السني، أو كي ينشغل بمحاولة توضيح لماذا يظن عموم السوريين، وعموم العلويين، أن النظام علوي. النظام الطائفي، مرة أخرى، هو الذي يتوسل الطائفية، أي التفريق الطائفي والتماهي الطائفي غير المتكافئ، أداة حكم. ومن ذلك أن يمنح سُنّيين أفضليات في مجالات تمكنه من احتواء قطاعات منهم، وتعود عليه يما يريد، الهناء الأبدي في الحكم. النظام الطائفي، مرة أخرى أيضا، نظام يحكم بالطائفية (وبغيرها)، وليس طائفة تحكم النظام.
أما بنية النظام فهي المركب السياسي الأمني، مضافا إليه المالي في السنوات الأخيرة. لم أشرحها في المقالة المعنية، مفترضا أن الأمر ظاهر. و"الممارسات الصريحة" هي ما يحيل إلى التمييز الطائفي على مستوى ركائز هذه البنية، المستوى السياسي الأمني بخاصة. وهذه الواقعة التي لا جدال فيها تنبع من نوعية الأولوية المحفورة في جسم النظام، البقاء الأبدي. وهي تكفي لاعتبار المجتمع المحكوم مصدر أخطار، وإلى وضع النظام أمنه وأمانته بيدي موثوقيه. تطييف هذه الأجهزة الاستراتيجية منذ سبعينات القرن العشرين هو ما أثار ويثير مشاعر الغضب بين كثير من السوريين، وعلى هذه الأجهزة بصورة أساسية اعتمد النظام في سحق المعارضة في الثمانينات، وعليها بصورة أساسية أيضا يعتمد في موجهة الثورة اليوم.
وهنا أجد غريبا جدا قول راتب إن اعتماد النظام على "ضبّاط علويي المولد لتسلّم المواقع الحساسة في أجهزة الأمن والجيش هو إجراء تقتضيه الطبيعة الديكتاتورية للنظام. فمن طبيعة هذه الأنظمة الديكتاتورية أن تسند المهام العسكرية والأمنية الحساسة لأشخاص موثوق بهم، هم غالباً من الأقليات، حتى لو كان رأس النظام من مولد أكثري، ذلك لأن الانتماء الأقلي يحول دون ازدهار طموح المسؤول الأمني أو العسكري، مهما علا شأنه، خارج إطار النظام. وهذا أدنى إلى أن يبقى مخلصاً وموالياً لنظامه". ليست العلاقة بين الدكتاتورية والطائفية علاقة استبعاد، ويمكن لنظام أن يكون دكتاتوريا وطائفيا معا. ومن أجل دوام حكمه، ينزع نظام دكتاتوري إلى الاعتماد على موثوقيه كما سبق القول، وإلى أشكال من التمييز لصالحهم في أجهزة يفترض أنها عامة. وهذه ممارسات طائفية، تؤول إلى نشر عدوى الشعور الطائفي والتمييز الطائفي في المجتمع. ما معنى طائفي أصلا إن لم يكن مَن ممارساته طائفية؟ لعله "اضطر" لهذه الممارسات الطائفية من أجل أمن نظامه (على ما يقول نيكولاس فاندام في كتابه الشهير)، من أجل ألا يقع عليه انقلاب عسكري خلال سنوات قليلة، وهو الرجل المعاصر للانقلابات والضليع بها، لكن هذا لا يغير من الأمر شيئا. فمن يمارس التدخين مدخن، ومن يمارس الطائفة طائفي. لا يقتضي الأمر ماهية تدخينية للشخص أو طائفية للنظام. الطائفية من نصاب الأفعال والسياسات، وليست من نصاب الماهيات والهويات. وتعالج بالأفعال والسياسات، وليس بتغير الهويات وتبدل الماهيات.
ثم إن راتب لا يضرب مثالا واحدا على نظريته الغريبة في أن النظم الدكتاتورية تعتمد على منحدرين من أقليات في المواقع الحساسة لأن طموحهم سينحصر في إطار النظام؟ نعرف، راتب وأنا والقراء، رجلا منحدرا من أقلية، تجاوز طموحه السيطرة على الحكم في سورية إلى توريثه في أسرته!
ولا أرى وجها لقصر مدرك النظام الطائفي على الصيغة اللبنانية على نحو ما يفعل راتب، وقد يضيف لها صيغة إسرائيلية تمنح اليهود في فلسطين أفضلية على غيرهم من منسوبي الأديان. على أن من اللازم في تقديري وضع نمذجة للنظم الطائفية في منطقتنا، تحيط بصيغها المتنوعة، من النظام اللبناني والعراقي الذي يقاربه اليوم، إلى السوري والبحراني، إلى الإيراني والسعودي، إلى المصري، وإلى الإسرائيلي. آمل أن أقوم بذلك يوما.
وفي المحصلة، لا أرى وجها لنقد راتب. فالنظام بالتأكيد هو المضخة الأقوى للمشكلات الطائفية، وعامل التمييز والتفريق الأول، بينما ينتظر منه أن يكون عامل التقريب والتوحيد الأول. الانشغال بنفي المسؤولية عنه ليس مجادلة في المحسوس فقط، وإنما هو خطأ عملي أيضا. فليس هناك شيء في المجتمعات الحديثة خارج الدولة والسياسية، والطائفية لا تقع خارجهما في مجال سيكولوجي غامض. ومن شأن الانطلاق من ذلك أن يساعدنا اليوم وفي المستقبل على اعتبار القضية الأولى للسياسة في بلدنا هي صنع الشعب السوري الواحد، ممن هم منحدرين من جماعات دينية ومذهبية مختلفة. قد نكون، أنا وراتب وغيرنا، طائفيين سيكولوجيا وسياسيا، لكننا خواص، وتأثيرنا المفسد لا يقاس بتأثير شاغل موقع العام. فساد العام أعم الفساد، فيما فساد الخاص يبقى فسادا خاصا. لذلك فإن صلاح أمرنا يبقى محدود الثمار، فيما من شأن صلاح أمر العام الوطني أن يكون أعم الصلاح وأكثره ثمارا.
يبقى أن من الممكن نقد تعريفي للنظام الطائفي من زاوية مدى مناسبته للمعرّف، وأرى أنه مناسب لكونه يربط بين النظام السياسي والطائفية. ويمكن نقده أيضا من زاوية الاتساق، أي احتمال أن أكون استخدمت المدرك بأكثر من دلالة، منها الدلالة الدارجة له في سورية (نظام طائفي= نظام علوي). وهو ما لم أفعله وما نبهت إليه بوضوح. غير ذلك يبقى نقد راتب خارج الموضوع.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلاميون السوريون... توجهات منفتحة وتناقض مقيم
- الثورة كصناعة للأمل
- حوار في شأن أصول الثورة السورية وفصولها
- الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية
- هذا النظام، هذه الثورة، هذا العالم: حوار حول الشأن السوري
- عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون
- لا عودة إلى بيت الطاعة الأسدي
- عام من الثورة المستحيلة
- عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
- من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
- سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
- عناصر أولية من أجل استراتيجية عامة للثورة السورية
- الحزب الذي لم يعد قائدا للدولة والمجتمع...
- -اختراع التقاليد- لإريك هوبسباوم
- ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية
- الحكم بالاحتلال!
- في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
- -قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
- المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
- في الشبّيحة والتشْبيح ودولتهما


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - النظام الطائفي ليس نظام طائفة