أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - المختار بن جديان - الحكومة التونسية والوعد المستحيل















المزيد.....

الحكومة التونسية والوعد المستحيل


المختار بن جديان

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 02:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تعاني المُجتمعات العربية أزمة مُصطلحات عميقة، فبين مصطلحي –الثورة- و-الثروة- بحر دلالي فسيح لا يتجسد فقط في مكان حرف الواو من الكلمتين بقدر ما تحتويه من معان حقيقية.
لقد استطاع الشعب التونسي في يوم من الأيام، أن يُترجم غضبه تُجاه نظامه من لغة الشارع بمفترقاته العديدة، إلى لغة الثورة ومستحقاتها وطموحاتها وآفاق نجاحها; إلاّ انه سرعان ما أخّر حرف الراء مُقدما عليه حرف الواو ليطالب بالثروة التي يمتلكها، والقيام بتوزيعها بشكل عادل ومنطقي بين جميع الفئات داخل المجتمع.
انطلقت هذه الرؤية وفق مطلب واستحقاق شعبي أكيد، وأيضا من خلال الحث على اعتماد عدة خطوات وإجراءات من شانها أن تُسرع في إتمام هذا المطلب المُلح، بعد أن عانى الشعب ويلات الفقر المُدقع، وتبخرت أحلام الشاب التونسي في أن يرنو إلى مستقبل جيد.
كانت أول الخطوات التي نادى بها الشارع التونسي، مُحاسبة رموز الفساد، أولهم –حاكمه- الذي لا زال يتبختر على الأرض السعودية الرُخامية، يتأنق بشتى أنواع الملابس ويتعطر بأغلى أنواع العطور، ناهيك عن رجال الأعمال والساسة الفاسدين الذين كانوا يحصدون أراضي الشعب جهارا بهارا.
إلاّ أن هذه المُحاسبة المُحلة تحولت اليوم من طاقة اقتصادية إلى طاقة سياسية أو دعونا نقول ورقة ضغط مُلوثة بآهات الماضي القريب، وتحولت جميع المستحقات الثورية المُلحة بمقتضى هذا الأمر إلى حبوب هلوسة –قذافية- تستخدمها الحكومة الجديدة ببراعة لأجل تخدير الشعب النائم ثوريا.
وهنا يبرز المرض النفسي العميق للعقلية التونسية التي نجحت في إقناع الرأي العام العالمي بأنها ثائرة ليس من منطلق سياسي، بقدر بحثها عن ذلك الرغيف السمين والمُمتع والمُشبع لبطن جائعة منذ أكثر من نصف قرن، لتصاغ الديون من جديد، و لتنهمر تونس بأموال متنوعة من حيث العملة : سعودية، أمريكية، صينية، أوروبية ...
واستغل مُثقفو السياسة في تونس هذا الوضع المرضي الجماهيري، ليُحلوه إلى مطرقة غليظة تُحكم الخناق على تطلعات الشعب; والحديث هنا يدور حول من أتقن برنامجه السياسي، في أن اقتبس نظرية المُنظر الأمريكي -هارلود لازويل- –الحقنة تحت الجلد- والتي تعني بالضرورة الوقوف على مستويات التأثير الجماهيري من حيث الدواعي الشعورية واللاشعورية، وتغييب العقل البشري عن العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية التي من شانها أن تخلق بعدا تواصليا في كنف التعقل والبحث المنطقي.
وُجّهت هذه الحقنة ببراعة ما قبل انتخابات المجلس التأسيسي في أواخر شهر أكتوبر من السنة المُنقضية إلى جوهر -الأنا- التونسية، لغاية حشد المواطن ما ورائيا، وإعطائه وُعودا فردوسية وبرزخية.
لقد نجحت حركة النهضة في استخدام أسلوب الجذب الوجداني والتغلب على نظائرها الذين كانوا يوما ما يتقاسمون معها رغيف الخبز اليابس وجرعات الماء الملوثة داخل السجون.
فقد وعدت الشعب بأنه لا ظلم بعد اليوم وبأن الدين سيحكم، وأنها تحتكم بالجاهل قبل العاقل من أجل إعلاء الكلمة الحقة لله -عز وجل- في وجه كل سارق اختلس كرامة تونس سياسيا واقتصاديا، ومن جهة أخرى أقنعت نفس الشعب بنفس الأسلوب، بأنها وفي فترة ولايتها ستبني مركبا يستوعب كل العقليات حتى الكافر منها، مُشددة بذلك على ضرورة بسط الحرية الشخصية بين أزقة البلاد التونسية في جو من التوافق والانسجام.
إنها سلطة التناقض من حيث الخطاب، فكأنها تقول سنجمع ما بين الجنة والنار ونخرج منها حياة جميلة أرضها خضراء وحقولها يانعة كالتي كنا نشاهدها في حلقات -الرسوم المتحركة- يوما ما.
إلا أن الواقع الذي فُرض بعد أن فاضت صناديق الحركة الحاكمة بأصوات الشعب، كان عبارة عن -فيلم اكشن- و–فيلم رعب- استيقظت على وقعه مئات البنون في عهد حكومة، لم نرى من توافقها سوى الجدال مع الأقلية، التي بدورها بدت ضائعة بين سراديب الظلام دون بديل حقيقي.
حكومة رأينا في عهدها ما لم يشهده العالم يوما ما; -اعتصام ضد اعتصام- ، صراع بين إخوة يسكنون نفس البيت ويقتاتون من نفس الطعام ، سجال بين أم وابنتها ، و جدال بين الابن وأبيه ... فقط حول -الرأي-، والرأي يا سادتي الكرام ملكة مقدسة ديمومتها تكون بالاختلاف لا بالصراع.
والكثير قد يرجعون أسباب كل الصراعات التي نشأت وتنشأ ما بعد سقوط النظام في تونس إلى –الثورة- ولكن فليعلم من لا يعلم أن الثورة بريئة براءة يوسف من أخيه، فهي المنبع الذي انفجر بهذه المكلة إلى الشارع الذي أهُمل من طرف القائم بأعماله، في أنه لم يُتقن أسلوب تهدئة الأوضاع وتلطيف الأجواء.
لقد استطاعت الثورة أيضا أن تنفض الغبار البنفسجي من على أروقة مجلس النواب، وأن تكنس مفهوم الاستبداد وتُلقي به بعيدا دون رجعة، إلا أنها لم تتفطن لعهد التغيير الجديد الذي برز بمقتضاه غبار جديد لونه مفقود ورائحته مشبوهة.
فمنذ أول الجلسات داخل المجلس التأسيسي برعاية الحركة الحاكمة، بدأت العيون –تتمايل- امام الشاشة الوطنية، وكأنها تقول –لا نظن أن تبيد هذه النعمة وما نظن الساعة قائمة -، والحقيقة أنهم ما ظنوا بأنفسهم إلا الظنون.
وقُرع بمقتضى الجلسة الأولى ناقوس حكم جديد لا يرى للشعب بقدر ما يراه لنفسه، فقد اختارت الحركة المُسيطرة رئيسها وألبسته –برنس الحكم- بأياديها، واختارت وزراء وولاة ومعتمدين وعمد من أهل بيتها، وقسمت الشارع الحديث سياسيا وثوريا إلى شقين; شق يُناهضها ويُعارضها باسم –الثورة- وشق يُساندها ويقف بجانبها باسم الطاعة والتقديس.
وانتقلت الحكومة بعد ذلك لترسم خطوط المجال الدولي من حيث -اللوك الجديد-، ففرضت على نفسها مهمة الإيقاع بالنظام في سوريا لأجل القضاء على ذلك الضجيج الذي أصبح يُقلق المواطن الغارق في سباته الثوري، ليصل بها الأمر اليوم للاعتراف بدستور بورقيبة، الذي جندت فيما مضى صفحات
–فيسبوكية- تحشد ضده وضد بانيه أكثر المُعارضين.
أكاد أقرأ واسمع تعليقات البعض وهم يقولون أنسيت أن الحكومة ثالوث ؟ فأقول لهم، عن أي ثالوث تتحدثون، أين يجتمع هذا الثالوث ؟ أيجتمع من أجل شيء يصاغ من وراء الستار بأمر واحد ؟ لماذا لم نرى إلى حد الآن قرارا مثلثا يهم البلاد ؟.
نعم أوافقكم الرأي فقط في أن أقول أن الثالوث الحاكم يتجسد فقط من حيث القرارات الفكرية التي عادة ما تنتهي بوجه يبتسم ووجهان عابسان.
يجب أن نعي وقار التاريخ الذي سجل ما قبل ثورة تونس آلاف الثورات، والتي كانت أبرزها ثورة –اللاعنف -لماها تما غاندي- في الهند والتي أسماها بـ - الساتياراها- والتي تعبر عن مجموعة المبادئ التي تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وكانت أبرز مقولات هذا الرجل الثائر حين اشتم رائحة الانقلاب عليه من لدن أصدقائه لحظة الحصول على الاستقلال –إذا ما قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة-.



#المختار_بن_جديان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنطقة العربية ونقمة التحالف -الإيراني السوري-
- فلسطين / عندما تكون أكاديمية -الجهاد- أبقى من الساسة
- تونس / بين ماض صعب وحاضر أصعب // الحكومة كُن ... المرزوقي في ...
- الإعلام في ليبيا / من عهد -الرجل المريض- إلى عهد -الرجل المي ...
- الولايات المتحدة الشيعية في طريقها إلى خسارة ابرز الولايات
- تونس - من صراعات الاستقلال إلى صراعات الثورة


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - المختار بن جديان - الحكومة التونسية والوعد المستحيل