أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 9














المزيد.....

من ذاكرة معتقل سابق 9


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1085 - 2005 / 1 / 21 - 12:24
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


لقد اعتد نا, هناك,في مراكز الإعتقال, أن نقتل رتابة الأيّام ومللها بأن نشغل أنفسنا بنشاطات متعد دة, أحياناَ بالأشغال الفنيّة (أعمال خرزيّة من مسابح
ولوحات جداريّة وميداليّات أو حرق على الخشب, أو أعمال من بذ ور بعض الفواكه كالد رّاق والتمر والمشمش, وأيضاَ من بذ ور الزّيتون) .
وأحياناَ بالقراءات الممنهجة( اقتصاد, تحليل نفسي, تاريخ, جغرافيا, أد ب, وسياسة), وأحياناَ بعقد الند وات التي نمارس من خلالها نقداَ لبعض أعمالنا
الأد بيّة من شعر وقصّة ومسرحية نوسّع بها مداركنا التي يحاول السّجّان أن يهد مها بالتّضييق علينا بمساحات زنزاناته الضيقة و بجدرانها الصفراء ,
وأحياناَ بتعلّم اللّغات الأجنبيّة فيقوم من يتقن إحداها بتعليمها لمن لا يعرفها فكان أن تعلّمت الفرنسيّة لد ى الشهيد رضا حدّ اد, لأنّ د راسته قبل
الإعتقال كانت أد ب فرنسي , ولأجله أحببت الفرنسي. كان درس الفرنسي لد ى رضا كلّ ثلاثة أيام, يبدأ الدّ رس فيها العاشرة صباحا, وكانت المجموعة
أربعة, إذا لم تخنّي ذاكرتي:أنا و أبو شفيع(يوشع) ,و خير غزالة و نور, رفاقنا من حزب العمل الشيّوعي, كنّا نحاول بمزاولتنا لتلك النشاطات أن نحدّ من
من الآثار الهدّامة التي ابتغاها سجّاننا لسحق إراداتنا واغتيال ذاكرتنا , يريد لنا بهذا أن ننسى رائحة ياسمين دمشق, وتضاريس حدود الوطن بأحبته.
اعتد ت مع الشهيد وثلّة من الشّباب ( كنّا حينها ما زلنا شباباَ, وكنت والشّهيد من نفس العمر) أن نبد أ يومنا بمزاولة ساعة رياضة, بعد أن يكون قد
فتح السجّان الأبواب في السّاعة السّابعة, في ساحة مفتوحة للهواء الطلق( كان هذا مكسبا رائعا بالمقارنة مع أماكن التّوقيف الأخرى, والأماكن
التي كان يتواجد فيها رفاقنا الآخرون), كنت و رضا نتنافس من يركض أكثر, من يعدّ تمرين الضغط أكثر أو تمرين الرّوسيّة, ولم ألحظ حينها مطلقا أنّ
ذلك المرض الخبيث يترصّده , وأنهّ في يوم ما سيخطفه من بيننا في عزّ شبابه, و بعد أيّام معد ودة من استعاد ته لحرّيّته.
كان قد أُطلق سراحي بعد 12 سنة من التوقيف العرفي مع مجموعة من الرّفاق, والبقيّة, فور إطلاق سراحنا عُرضوا أمام محكمة أمن الدّ ولة
لتصد ر بحقّهم 15 سنة حكماَ جائراَ موغلاَ في محاولات القهر المحمومة علينا و على عائلاتنا كقوى ديمقراطيّة, والتي أدّ ت و للأسف , خارج إراداتنا
إلى فجوة من الإغتراب بيننا و بين ازواجنا و أولاد نا, أدّ ت أحيانا إلى انفصال عن زوجاتنا وتهديم أواصرنا الأسرية, و هذا ما حد ث لي و لرضا. و لكن
مرارة الذّ كرى لا تمسّ من عظمة التّضحيات التي قدّ متها زوجاتنا و أولاد نا في سبيل حرّيّتنا و حرّيّة الوطن, بل علينا أن نعترف بأنّ القهر الّذي عانوه
أضخم و أعم, فكان قهراَ مركّباَ, قهراَ سياسيا إقتصاد يا إجتماعيا.
عندما زرت و زوجتي رضا بعد إخلاء سبيله, تباد لنا الذّ كريات و الطّرائف, كان مبد عاَ في رواية النّكات, كان يرويها بنزعة مسرحيّ ماهر, أذكر حتّى
أنّه,هناك,في مراكز الإعتقال, كان يروي لنا أحلامه ذاكراَ كلّ التّفاصيل , حتّى الألوان, فكان يعلّق رفاقنا غياث السيّد و أمين مارديني عليه أحيانا ويقولا
له: إنّك مختلف عنّا يا رضا فأحلامك بالألوان أمّا نحن بالأسود و الأبيض.
لم ألحظ حينها على محيّاه ما قد لاحظته زوجتي آنذاك, وعند ما عد نا إلى المنزل قالت لي زوجتي:أتد ري يا محمود إنّ سقم رضا و لونه لا يبشّر خيراَ,
فزوجتي ممرّضة وعند ها باع طويل في مهنتها, وعرضت عليّ أن أطلب من رضا عند ما تنتهي الترحيبات به, بأن نعمل له فحوصات عامّة, فلقد كان لي
و لزوجتي معارف كثيرة مع الأطبّاء بحكم عمل كلانا في مشافي دمشق, ومن حينها أصبحت زوجتي ممرّضة رضا الخاصة, فكنّا بذلك شهوداَ
على صراعه مع المرض حتّى الموت بكلّ البسالة التي واجه بها اعتقاله وتعذ يبه الإستثنائي الذي خصّه به الجلاّ د.
سألته عاتبا إحدى المرات أثناء عيادتي له بعد أن التقت عينانا : من أين أتيت بهذا العدو الخبيث يا رضا لتقهرنا به إلى هذا الحدّ, أين كنت تخبؤهَ؟ نظرنا
إلى بعضنا بعيون مغرورقة طويلا ثم أجابني بكل اللياقة و الحيوية التي طالما لازمته:من القهر يا محمود, من القهر, قهر الجلاد وقهر الأحبة.



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية
- العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة
- من ذاكرة معتقل سابق 8
- ديموقراطية ناقصة ..ولكن
- كفانا تابو
- من ذاكرة معتقل سابق7
- إلى أين الرحيل ؟
- من ذاكرة معتقل سابق 6
- من ذاكرة معتقل سابق 5
- من ذاكرة معتقل سابق 3
- 4من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 1
- من ذاكرة معتقل سابق 2


المزيد.....




- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...
- صحيفتان بريطانيتان: قانون ترحيل اللاجئين لرواندا سيئ وفظيع
- قبالة جربة.. تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين
- بعد إدانتهم بـ-جرائم إرهابية-.. إعدام 11 شخصا في العراق
- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 9