أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - مساهمة العوامل الخارجية في عدم الاستقرار السياسي في سوريا - دراسة حالة التدخلات الخارجية في الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة (1943-1963) -















المزيد.....



مساهمة العوامل الخارجية في عدم الاستقرار السياسي في سوريا - دراسة حالة التدخلات الخارجية في الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة (1943-1963) -


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3688 - 2012 / 4 / 4 - 18:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




المقدمة:
تعرضت سوريا منذ استقلالها عام 1943 ، وحتى عام 1963 لمجموعة من الانقلابات العسكرية ؛ لذلك حاول بعض المحللين السياسيين أمثال أندرو راثمل وباتريك سيل ، نيقولاوس فان دام ، وعدد آخر غيرهم تفسير هذه الظاهرة السياسية التي تعرضت لها سوريا ، من خلال اعتمادهم على تصريحات السياسيين الذين كانوا من صناع القرار خلال هذه الفترة ، إضافة لاعتمادهم على مذكراتهم وأعمالهم بعد تركهم العمل السياسي ، على اعتبار أن تفسير هذه الظاهرة في سوريا كان من خلال عوامل داخلية ، وخارجية ساهمت في وجود هذه الظاهرة .

وعلى ذلك كانت التدخلات الخارجية لها مصالحها في إسقاط النظام الموجود وإحلال آخر محله بحيث يحقق مصالحها ، خاصة في ظل ظهور المعسكرين الشيوعي ، والرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية ، ومحاولة كل منهما أن يكون له مناطق نفوذ في دول العالم الثالث ، فهل كان للبيئة الخارجية وخاصة التدخلات الخارجية منها أثر في وجود ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تكررت في سوريا خلال فترة الدراسة ؟ سيما وأن فترة الحرب الباردة الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989 تضم بين طياتها معظم فترة الدراسة ، وأنه خلال فترة الحرب الباردة سعت كل من الدولتيين العظميين ومن يمساهمة في فلكهما للسيطرة على العالم( ) ، حيث هددت النظم المعتدلة وانهارت المستويات الاجتماعية ، والاقتصادية للشعوب نتيجة لها بسبب الدعاية الواسعة والحديثة خلالها( ) ، وما صاحب ذلك من شبكات تجسس متشعبة ومناصرة سلطة دولة ما ، ودعم مقاومتها للعناصر غير الموالية لها حيث زاد عدم الاستقرار السياسي في معظم الدول النامية ، خاصة ما خضع منها للاستعمار القديم وما تركه من آثار سلبية في هذه البلدان خاصة المشاكل الحدودية بينها إضافة لأنواع الصراعات الأخرى في المجتمع .

فهل هذا كله ينطبق على حالة سوريا ؟ كونها إحدى الدول التي خضعت للانتداب الفرنسي ، وتقسمت أراضيها ، وانفصلت بعضها عنها ، مكونة دول مستقلة كلبنان ، أو ضمت إلى دول أخرى مجاورة كلواء الاسكندرونة الذي ضم إلى تركيا أيضاً كانت هناك محاولات دول أخرى للاندماج معها كونها – حسب رأيهم – تشكل معها منطقة واحدة ، كما فعلت العراق ، والأردن ، وهذا ماحذا بدول أخرى كالسعودية ، ومصر إلى أن تعارضا أي تغيير في وضع المنطقة أي المحافظة عليها كما هي من دون أي تغيير بخارطة المنطقة .

فستوضح هذه الدراسة كل هذه الحالات ، وما سببته من انقلابات العسكرية تكررت في سوريا خلال فترة الدراسة ، رغم أن الإلمام بتفسير هذه الظاهرة يتطلب بحث في كلا العاملين الداخلي ، والخارجي ، لأن البيئة الخارجية وخاصة التدخلات الخارجية منها تتيح المجال للعوامل الداخلية ؛ لإسقاط النظام القائم بسبب عدم قدرته على السيطرة ، والتحكم فيها ، أو معالجتها( ) ،على اعتبار أن ظهور أي انقلاب عسكري هو انعكاس لمجموعة من العوامل التي لم يستطع النظام السياسي معالجتها مثل تتالي الإضرابات ، أو المظاهرات ، أو وجود اغتيالات سياسية ، أو سحب سفراء ، أو قناصل النظام السياسي من بعض البلدان ، وغير ذلك من الأمور التي تساهم في إزعاج النظام السياسي ، وبالتالي تمهيد الطريق للانقلاب العسكري ، أي المساهمة في الانقلابات العسكرية فالتدخلات الدولية الخارجية وفقاً للتطورات الدولية قد تكون ساهمت في الانقلابات العسكرية التي تكررت في سوريا خلال فترة الدراسة ، مثل تغيرات البيئة الدولية من الحرب الباردة ، والاستقطاب الدولي وسباق التسلح بين الدول ، ووجود أيديولوجية تابعة للخارج مثل الأيديولوجية الشيوعية بسبب تأثر النظام السياسي في أي دولة اقتصادياً وسياسياً بهذه التغيرات( ).

الدراسات السابقة :
لكل انقلاب أسبابه الخاصة به ، لكن هناك أسباب عامة لظاهرة الانقلابات العسكرية في الدول أهمها : هشاشة القاعدة الشرعية المستندة على قواعد راسخة التي يستند إليها نظام الحكم بالدولة ؛ مما يؤدي لاغراء الجيش بالاستيلاء على السلطة( ) كما أن السخط الداخلي بسبب المعاناة الاقتصادية التي يعيشها المواطن العادي مثل غلاء أسعار المواد الغذائية وقلة الأجور وازدياد الضرائب وتخلي الدولة عن مساهمتها في مجالات حساسة كالصحة ، والفساد المالي والإداري والصراع الطبقي في المجتمع ، وانعدام ثقة المواطن في وسائل الإعلام الرسمية وتذمر بعض قياديي الجيش يشكل دافعاً للتغيير الدائم ، إضافة إلى أن العداء للنظام السياسي من قبل حلفاءه الخارجيين وتخليهم عنه ؛ يقلل من قوة هذا النظام( ) .

وقد حلل بعض الباحثين أسباب ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا خلال فترة الدراسة ، أو خلال جزء من هذه الفترة بمجموعة من العوامل ، لكن اختلفت نظرتهم لتفسير هذه الظاهرة ، فقد رأى الباحث أندرو راثمل أن تأثير التدخلات الخارجية كان له المساهمة الكبيرة في هذه الظاهرة التي سادت سوريا خلال الفترة (1949 – 1961) ، على اعتبار أن العامل الداخلي كان عاملا ثانوياً في إحداثه لهذه الظاهرة( ) ، لكن رأى الباحث باتريك سيل من خلال دراسة أجراها على المجتمع السوري بين عامي (1945 – 1958) ( ) ، أنه لكلا العاملين الداخلي والخارجي تأثيراتهما لإحداث هذه الظاهرة ، مبرزاً الصراع الداخلي المتمثل بالتناقضات الموجودة في المجتمع السوري ، وصراع المحاور الإقليمية ، والعالمية خاصة صراع المعسكرين خلال فترة الحرب الباردة ،وماجرَّه هذا الصراع من تأثير على هذه الظاهرة التي سادت سوريا خلال فترة دراسته ، كما قام باحث آخر هو ناجي عبد النبي بدراسة حول هذه الظاهرة في سوريا( ) ، توصل فيها إلى المساهمة الثانوي للعامل الداخلي أمام المساهمة الخارجي ، في إحداثه لهذه الظاهرة التي سادت سوريا خلال تلك الفترة ، كما أجرى الباحث خالد محمد العابد دراسة لظاهرة الانقلابات العسكرية في سورية بَّين فيها أسباب ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا منذ أول انقلاب عام 1949 وحتى انقلاب عام 1958 وقد أوضح الباحث في هذه الدراسة بعض جوانب المساهمة الخارجي لهذه الانقلايات( ) ، وعلى ذلك كان اختلاف نظرة الباحثين حول هذه الظاهرة مدعاة لمحاولة دراستها وبالتالي للتوصل لأقرب النتائج الممكنة حولها من خلال دراسة مساهمة التدخل الخارجي للدول المساهمة – مع دراسة مساهمة كل دولة من هذه الدول على حدة - في هذه الظاهرة في سوريا خلال فترة الدراسة ، لأن الدراسات السابقة لم تدرس مساهمة كل دولة - على حدة - من الدول التي ساهمت في هذه الظاهرة

مشكلة الدراسة :

تتمثل مشكلة الدراسة في تناول التدخلات الخارجية بوصفها قد تكون سبباً رئيسياً ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تكررت في سوريا خلال فترة الدراسة حيث وصل عدد هذه الانقلابات إلى تسعة انقلابات عسكرية خلال فترة الدراسة ويعتبر هذا العدد الأكبر بين الدول العربية خلال تلك الفترة .

هدف وأهمية الدراسة:

الهدف من الدراسة هو تفسير جانباً من أسباب ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا خلال فترة الدراسة ، حيث ستفسر هذه الدراسة مساهمة التدخلات الخارجية في إحداثها لهذه الظاهرة السياسية التي لم تكن تلقائية ، ولم تكن أيضاً بفعل عوامل داخلية فقط ، بل كان للتدخلات الخارجية مساهمةً فيها أيضاً ، لأن دراسة وفهم الأحداث التاريخية وتداعياتها ، يساعد كثيراً على فهم الواقع الراهن والاستفادة من الأخطاء وتحاشي الوقوع في الأخطاء عند التعامل مع دول أخرى في الساحة الدولية .



فرضية الدراسة :
" ساهمت التدخلات الخارجية في إحداث ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة ( 1943 – 1963 ) " .

التعريفات الاجرائية :

1. التدخلات الخارجية : هي التدخلات التي تمثلت بتدخلات المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي ، وحلفاؤه ، أو التدخلات الإمبريالية التابعة للمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة ، وحليفتيها بريطانيا ، وفرنسا ، أو التدخلات من الدول الإقليمية العربية ممثلة بمصر، والسعودية ، والعراق ، والأردن ولبنان ، أو التدخلات من الدول الإقليمية غير العربية ممثلة بتركيا ، وإسرائيل والتي ساهمت في حدوث هذه الانقلابات في سوريا خلال فترة الدراسة.


2. عدم الاستقرار السياسي : ويقصد به في إطار هذه الدراسة تكرار الانقلابات العسكرية بشكل ملحوظ ومتكرر ، ويصاحبه استخدام العنف من جهة وتناقص شرعية وكفاءة النظام السياسي الجديد الذي حلَ مكان القديم من جهة أخرى .

3. الأيديولوجيا : أنماط من القناعة السياسية التي تبرز رؤى معيارية في الحياة السياسية ، وهذه الرؤى تتضمن مواقف محددة حول طبيعة الإنسان ، والعلاقة بين الإقتصاد والسياسة في المجتمع ، إضافة إلى غايات وأهداف السياسة بشكل عام كما أنها تتضمن مجموعة من الأفكار التي تحوي رؤية ومخططاً للتغيير الاجتماعي( ) .

4. الانقلاب العسكري : هو قيام مجموعة من ضباط الجيش بالاستيلاء على السلطة السياسية وإسقاط النظام القائم ، ومن ثم الحلول محله ، وبناء نظام آخر يتماشى مع إرادتهم وأيديولوجيهم وتوجهاتهم .


5. الشرعية السياسية : " هي الأرضية التي يؤسس عليها الحاكم طلب إطاعة أوامره فهي التي تبرز أحقية سيطرة ما "( ) ، وعلى ذلك فللشرعية بعد يتعلق بالإجبار وبالقدرة على معاقبة من لا يطيع ، وذلك لأن لها بعد أمني ، وهذا ما تأخذ به الأنظمة التي تظهر بعد الانقلابات العسكرية ، على اعتبار أن شرعيتها هي شرعية ثورية( ) ويرى الباحث مايكل هدسون أن الشرعية السياسية في العالم العربي هي : " مشكلة الحكم المركزية ، لأن فقدان هذه المادة السياسية يفسر الطبيعة المتقلبة للسياسة العربية والطابع التسلطي المتدرج لكل السلطات العربية " ( ) .

6. أزمة الشرعية السياسية : هي عدم توافر عنصر أو أكثر من عناصر الشرعية السياسية التي حددها ديفيد إستون بالمكون الشخصي لأعضاء النظام السياسي والإيديولوجيا التي هي منظومة الأفكار والمعتقدات التي تعبر عن سياسية النظام الحاكم ، أو التي حددها فييير بعنصر التمثيل من خلال اقتناع المحكومين بأن من هم في السلطة يمثلونهم بشكل فعلي ، وعنصر الإنجاز من خلال تكريس الإنجازات التي تمت للمجتمع عن طريق النظام ، إضافة إلى عنصري فعالية النظام السياسي والعنصر الدستوري ، وعلى ذلك يكون أهم أسباب أزمة الشرعية السياسية هي( ) :

1. قد تكون أزمة الشرعية في أساسها مشكلة دستورية ومؤسسية، وتبلغ ذروتها عندما يرفض الناس تقبل المؤسسات الرسمية، وهو ما قد يكون أكثر وضوحا في دول العالم الثالث، إذ يوضح "لابالومبارا " ذلك من خلال أن المؤسسات السياسية في دول العالم الثالث تفتقر إلى الشرعية عندما تكون امتدادا للمؤسسات التي كانت قائمة في عصر الاستعمار، كما أن المؤسسات الشرعية قد تفقد شرعيتها عندما تقع في أيد فاسدة ، أو عندما تواصل إصدار مخرجات سياسية غير مقبولة شعبيا، أو عندما تكون غير قادرة على مواجهة المطالب والتكيف مع الظروف المتغيرة.
2- إن استقرار النظام السياسي الشرعي سيكون في خطر إذا ما انهارت فعاليته لمدة طويلة أو تكرار انهيارها لأكثر من مرة ، كما هو الحال في البلدان النامية ،حيث كثيرا ما تأتي أزمة الشرعية فيها ، من عجز سلطاتها عن إثبات فعاليتها في إدارة الشؤون العامة للبلاد، وبصورة خاصة عجزها عن تحقيق الإنجازات الكبرى في التنمية والتطوير.
3- انحسار مكانة السلطة وهيبتها نتيجة ضعفها.
4- عدم تمثيل النظام السياسي لقيم ومصالح المجتمع.

مناهج الدراسة :
• المدخل التاريخي المقارن : من خلال تفسير الأحداث وفق سياقها التاريخي المقارن ، حيث أن هذه الدراسة تشمل فترة زمنية محددة من تاريخ سوريا
( 1943-1963) ، وقد قسم هذا البحث بموجب الدراسة إلى فترتين متساويتين تقريباً شملت الفترة الأولى من عام 1943 وحتى عام 1954 ، وشملت الفترة الثانية الفترة من عام 1954 و حتى عام 1963 ، والسبب في هذا التقسيم هو تسهيل عملية المقارنة للأحداث بغرض الوصول إلى نتائج أكثر دقة من خلال مقارنة ظاهرة الاتقلابات العسكرية خلال فترتين زمنيتين متقاربتين

• المدخل الوصفي التحليلي : من خلال وصف الأحداث التاريخية مع التركيز على مساهمة التدخلات من قبل الدول العربية ودول الجوار والدول الكبرى في الشؤون السورية ، و من ثم تحليل هذه الأحداث وفق سياقها التاريخي .

• منهج دراسة الحالة : على اعتبار أن هذه الدراسة تدرس ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا وأثر التدخلات الخارجية في إحداثها لهذه الظاهرة.

أدوات جمع البيانات :
من خلال الاعتماد على الوسائل الأولية من خلال مذكرات القادة السياسيين الذين شغلوا مناصب قيادية ومن تيارات مختلفة في سوريا أو في الدول التي ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، حيث تم تحليل بياناتهم ومقارنتها بغرض الوصول لأقرب مدى ممكن من صدقية الأحداث وبالتالي الاقتراب قدر المستطاع من الحقيقة العلمية ، كما اعتمدت الدراسة على مصادر بحث ثانوية من كتب ، ومساهمةيات ، ساهم مؤلفيها في تحليل بعض هذه الأحداث أو ذكروا بعض هذه الأحداث في تحليلاتهم ، أيضاً تم الاستعانة بشبكة المعلومات العالمية (إنترنت) لغرض الحصول على معلومات تخص الدراسة .
حدود الدراسة :
[1] المدى الزمني : ويتمثل بالفترة الزمنية الممتدة منذ الاستقلال الرسمي لسوريا في7 أغسطس 1943 وحتى انقلاب 8 مارس 1963 ، وتعود أسباب اختيار هذه الفترة الزمنية للأسباب التالية :
1. لأنه في 7 أغسطس 1943 أعلن عن استقلال سوريا .
2. لأنه في 8 مارس 1963 كانت المرحلة الأولى لوصول حزب البعث إلى السلطة
3. لأنه بعد هذا التاريخ- 8 مارس 1963 - أصبحت الانقلابات العسكرية تقوم بين أجنحة البعث مع استمرار البعث في السلطة ، وليس بين أحزاب أو تيارات أخرى غير البعث .
4. لأنه بعد هذا التاريخ - 8 مارس 1963 - أعلن قانون الطوارئ والأحكام العرفية االلتين استمرتا ساريتي المفعول حتى الآن .

[2] المدى المكاني : ويشمل الجمهورية السورية منذ عام 1943 م .



الفصل التمهيدي
البيئة الخارجية المحيطة بسوريا
وظاهرة عدم الاستقرار السياسي فيها خلال فترة الدراسة

تعتبر التفاعلات بين الفاعلين الدوليين سواءاً كانوا دولاً ذات سيادة أم غيرها كالمنظمات الدولية ، وحركات التحرر ، والشركات متعددة الجنسية هي الإطار الذي تتشكل فيه البيئة الخارجية لأي دولة ، حيث يكون التفاعل بين هؤلاء على عدة أنماط مثل الصراع ، أو التعاون الدولي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ، وتحكم هذه التفاعلات مجموعة من القواعد في إطار مايعرف بالقانون والعرف الدوليين ، لكن أكثر ماتكون التفاعلات بين الدول التي تنتمي إلى إقليم معين ، حيث تكون هذه التفاعلات ذات حدة أكبر من التفاعلات التي تكون بين دولة ما وإقليم آخر لا تنتمي إليه تلك الدولة ، فمن غير الصحيح النظر إلى العلاقات الدولية على أنها مجرد امتداد أو ردة فعل للسياسات الخارجية للدول العظمى فقط على اعتبار أن الدول الكبرى تتفاعل مع دول من مناطق بعيدة ؛ لإعتبارات عسكرية واستراتيجية واقتصادية لأن هذه الدول تستطيع التأثير في حجم وطبيعة التفاعلات في دول إقليم ما ، من خلال صفقات الأسلحة أو المعونة الاقتصادية ، أو الدعم السياسي لبعض الدول ، أو التدخل المباشر العسكري أو التهديد به ( ).

ويوصف التفاعل أو التأثير الذي تقوم به دول كبرى تجاه دولة أخرى بمصطلح التغلغل أو التدخل ، والذي يعني النفوذ الذي تمارسه تلك الدول على دولة ما خارج إقليمها ، ويأخذ هذا النفوذ أشكالاً إقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو ثقافية ، ويتم هذا التدخل من خلال عدة أساليب منها الأحلاف العسكرية العلنية والسرية والأنشطة الثقافية الموجهة والدعائية ، ويختلف حجم التدخل بتأثيره على النظام الإقليمي أو على العلاقات بين الدول ، من حيث درجة التماسك أو نمط الإمكانات أو نمط السياسات والتحالفات . وتحليل تلك التفاعلات الإقليمية يسمح لنا من خلال المقارنة بكشف أشكال التغلغل ، أو التدخل الذي تمارسه القوى الكبرى إزاء إقليم معين ، أو دولة في إقليم معين ، كما يسمح لنا بمقارنة التفاعلات بين دول إقليم معين فيما بينها ، ومع إقليم آخر( ) .

أولاً : البيئة الخارجية لسوريا خلال فترة الدراسة :

عرفت سوريا مابين عامي 1943 وَ 1963 تطورات كثيرة في علاقاتها العربية والدولية ، كما مارست أدواراً مختلفة ، وقد تولى حكمها خلال تلك المدة عدة رؤساء ينتمون لتيارات مختلفة ، كل منهم كان له بصماته الخاصة على السلوك السوري الخارجي وخاصة تجاه محيطهم العربي ، الذي يمثل البيئة الإقليمية الأكثر إلتصاقاً وتأثيراً ، وتأثراً بالسلوك السوري .
فالسياسة الخارجية السورية تجاه المنطقة العربية ، هي حصيلة متغيرات سورية وعربية ودولية في آن واحد ، فعلى المستوى السوري كانت السياسة الخارجية السورية هي مخرجاً رئاسياً بالدرجة الأولى ، إضافة لكونها في نفس الوقت حصيلة التوازنات الإجتماعية ، والإقتصادية المسيطرة على التشكية الاجتماعية السورية في لحظة تاريخية معينة ، وعلى المستوى العربي كان السلوك السوري هو حصيلة الأفعال السورية والعربية معاً ، وكلا الأمرين الفعل ورد الفعل السوري والعربي معاً يحتلان سلسلة من التحركات والسلوكيات التي ساهم تراكمها في فترة تاريخية معينة في تشكيل طبيعة العلاقات القائمة ، كما يحدد آفاق تطور هذه العلاقات ونتائجها المتوقعة ، وعلى المستوى الدولي إن الترابط بين العلاقات والقضايا العربية المختلفة مع سياسات ، ومواقف القوى الدولية المختلفة ، في ظل مناخ دولي سواءاً أكان إنفراجاً أم حرباً باردة ، ما كان له سوى أن يلقي بظلاله على الواقع العربي بكل ما فيه من مشاكل ، وطموحات وتحركات . وكان للسياسة الخارجية السورية مساهمتها في المحافل الدولية وقد تطورت علاقتها بالقوتين العظميين خلال فترة الدراسة وكشفت عن تلك الصلة العميقة بين تأثير المناخ الدولي وبين طبيعة وحجم مساهمتها في المجال العربي.

وعلى ذلك ستحاول هذه الدراسة توضيح أبعاد التدخلات الخارجية للدول الإقليمية العربية ، والإقليمية غير العربية ، والدول الكبرى الرئيسية للمعسكرين الشرقي والغربي ، عل اعتبار أن هذه التدخلات هي جزء من السياسة الخارجية التي اتبعتها هذه الدول تجاه سوريا ، وقد قسًم الباحث هذه الدراسة إلى فترتين زمنيتين ؛ توخياً لسهولة المقارنة ، حيث تبدأ الفترة الأولى منذ استقلال سوريا عام 1943 ، وحتى سقوط الرئيس أديب الشيشكلي عام 1954 ، على اعتبار أنه بعد هذا التاريخ – خاصة خلال الفترة الدراسة الثانية( 1954-1963)- ظهرت متغيرات كثيرة داخل وخارج سوريا ، خاصة محوري مصر والسعودية من جهة والعراق والأردن من جهة أخرى ، إضافة إلى ازدياد شدة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي .

وأهم الجوانب التي شملتها البيئة الدولية المحيطة بسوريا خلال فترة الدراسة هي:

أولاً : نتائج الحرب العالمية الثانية ، وإعادة صياغة وتقسيم العالم بناءاً على ظهور القوتين العظميين بعد تلك الحرب ، وضعف وإنهاك القوتين الاستعماريتين التقليديتين فرنسا ، وبريطانيا ، وظهور منظمة الأمم المتحدة ، والجامعة العربية وظهور الأحلاف العسكرية مثل : حلف بغداد ، وحلف الاطلسي ، وحلف وارسو وظهور منظمة عدم الإنحياز التي دعت إلى عدم إنحياز دول العالم الثالث إلى أي من المعسكرين الشرقي أو الغربي ، كل هذه الأحداث قد تفاعلت تجاه سوريا خلال فترة الدراسة على اعتبار الأهمية الجيوبوليتيكية لسوريا بالنسبة للشرق الأوسط عموماً والعالم عموماً ( ).

ثانياً : الحرب الباردة بين المعسكرين وانعكاساتها على المنطقة عموماً وعلى سوريا تحديداً ؛ لأن هذه الحرب قد جعلت المنطقة العربية تشهد توتراً كبيراً ، فقد كان تأييد الدولتين العظميين خلال هذه الحرب لنظام ما ، لا يتطلب بالضرورة التلاقي التام في وجهات النظر الأيديولوجية والدولية ، وإنما كانت تكفي تعهدات النظام بحرمان الدولة العظمى من مميزات إستراتيجية ، أو مراكز للقوة ؛ لذلك عملت كلتا القوتين العظميين للعمل على السيطرة على أكبر قدر من مناطق النفوذ في العالم وحرمان الطرف الآخر من ذلك ، أو اتفقت كلتا الدولتين على بعض الأمور في المنطقة فعلى سبيل المثال صادف الانفصال السوري عن مصر رضى كل من الدولتين العظميين في وقت واحد ، فكان فشل التطبيق الأول للوحدة العربية قد عنى للاتحاد السوفياتي تحقيق نظريته القائلة بأن الوحدة العربية يجب أن تكون ذات أساس إحتماعي ، وأن السبيل إليها هو طريق التلاقي بين الطبقات الكادحة في كل الدول العربية ، وبالنسبة للولايات المتحدة ، كان عزل مصر عن المنطقة العربية وانفراط عقد النظام العربي ؛ ليسهل التعامل مع كل دولة عربية على حدة ، وأنه بعد هذا الحدث يجب أن تنتهج الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة سياسة هجومية ضد التيار الثوري في العالم العربي ، وينطبق نفس الشيئ على كثير من الأمور التي اتفقت حيالها الدولتين العظميين ومن يمساهمة في فلكهما ، وستثبت الدراسة في الفصول القادمة تأثيرات هذه الحرب على الأنظمة التي حكمت سوريا خلال فترة الدراسة .

ثالثاً : ظهور المد التحرري والقومي وبروز البعث والناصرية ، فرغم أنه كان للتيارالقومي في سوريا مساهمته ضد الانتداب الفرنسي ، ودعوته لإقامة دولة عربية كبرى ، إلا أن السياسيين السوريين انقسموا في سوريا تجاه مسألة الوحدة مع العراق أو الأردن اللذين دعمهما كل من العراق من خلال مشروعه (مشروع الهلال الخصيب ) ، والأردن من خلال مشروعه ( مشروع سوريا الكبرى ) إلا أن هذا الطرح تناقض مع مواقف كل من مصر والسعودية اللتين عملتا على الحيلولة دون إقامة هذين المشروعين من خلال تدخلاتهما تجاه سوريا( ) ، ولم تكن الجامعة العربية سوى أداة تنسيق بين الدول العربية أكثر من كونها أداة وحدة بينها وقد عكس وجودها تناقض ظاهرتين في المنطقة العربية وهما ظاهرة القومية العربية وأهدافها في الوحدة العربية ، وظاهرة وجود دول مستقلة تعمل للحفاظ على سيادتها واستقلالها في ظل سعي الدول الكبرى على الحيلولة دون قيام دولة عربية كبرى في المنطقة العربية ؛ التي أصبحت موضع إهتمام الدول الكبرى وحلفائها وبالذات تركيا وإسرائيل خاصة بعد الحرب العالمية الثانية( ) .

في ظل هذه الظروف برزت بقوة التيارات القومية الراديكالية ، التي طالبت بإقامة الدولة العربية الكبرى ، وبعدم الانحياز إلى أي من المعسكرين ، وأهم تلك التيارات على الساحة العربية كان حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق والناصرية في مصر ، والتي برزت بعد ثورة يونيو 1952 وغيَرت جذرياً إمكانيات الطاقة العربية ، وقادت حركة التحرر الوطني في المنطقة وساهمت في تغيير نمط تفاعلات النظام العربي مع النظام الدولي والنظم الإقليمية الأخرى( ) .

رابعاً : الصراع العربي العربي ، والعربي الصهيوني ، وظهور المحاور الإقليمية تتميز العلاقات العربية العربية بعدم الاستقرار ، وبالتغير الدائم من حال إلى حال بسبب طبيعة الأنظمة السياسية العربية ، وتمركزها حول أشخاص في أغلب الأحيان . وقد دارت الخلافات العربية عموماً حول عدة أمور هي :

1. طبيعة النظام الاجتماعي ( الرأسمالية والاشتراكية ) ، على اعتبار ظهور بعض الأنظمة الثورية الراديكالية ، وبروزها على حساب النظم المحافظة وخاصة النظم الملكية .
2. الوحدة العربية ( مدى الجدية في السعي إليها ) ، حيث شككت بعض النظم العربية تجاه البعض الآخر تجاه جديتها في السعي للوحدة العربية ، أو العمل من أجلها .
3. السياسة الخارجية ( الأحلاف وعدم الانحياز ) ، حيث عادت بعض النظم -التي دعت إلى اتباع سياسة عدم الانحياز ونبذ الأحلاف والمعاهدات مع أي من دول المعسكرين – النظم الأخرى المرتبطة بأحد المعسكرين ، أو بحلفائهما في المنطقة
4. مشكلة إسرائيل ( أساليب المواجهة لحل المشكلة ) ، حيث اختلفت آراء معظم الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية ، فمنهم من رأى ضرورة إزالة هذه الدولة من خلال القوة العسكرية ، وقطع العلاقات مع أي من الدول التي تساندها ، ومنهم من دعى إلى الحوار أو العمل لحل هذه القضية بالطرق السلمية وتجدر الإشارة إلى أن هذه القضية قد أفرزت تيارات مختلفة في المنطقة العربية انتهت بصعود التيار الراديكالي العسكري إلى الحكم في بعض الدول العربية منذ منصف الخمسينات ، وادعاء هذا التيار أنه يمثل الأمة والشعب ، ويسعى للوحدة العربية وحل القضية الفلسطينية .

كما ظهرت خلال فترة الدراسة محاور إقليمية عربية عملت كل منها على تحقيق إستراتيجيتها في المنطقة العربية ، فكان المحور العراقي الأردني الذي تعارض مع المحور المصري السعودي منذ بروز المشاريع الوحدوية في المنطقة العربية في بداية الأربعينات وأبرزها مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى والجامعة العربية التي لم يكن إقامتها سوى لمقاومة المشروعين السابقين ، والتي اعتقد المصريون أنها ستدعم المركز القيادي لمصر في المنطقة العربية وستخدم مركزها التفاوضي مع بريطانيا لتحقيق جلاء القوات البريطانية عن أراضيها رغم أن الإهتمام المصري بالسودان كان سبباً في إضعاف حجة مصر تجاه هذين المشروعين( ) .


خامساً : المشاريع السياسية والأحلاف العسكرية ، حيث تشكلت خلال فترة الدراسة مجموعة من المشاريع السياسية والعسكرية في العالم عموماً ، وفي المنطقة العربية خصوصاً ، فكان تأسيس الجامعة العربية لمقاومة مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى ، ومعارضة تركيا ، وإسرائيل لجميع هذه المشاريع الوحدوية بما فيها الجامعة العربية .

كما أنه بسبب الصراع بين القطبين العظميين ، تشكلت عدة مشاريع غربية وشيوعية ، منها مشروع قيادة الشرق الأوسط عام 1951 الذي دعت إليه الدول الغربية لمقاومة النفوذ الشيوعي في المنطقة ، ثم كان حلف بغداد عام 1954 الذي انضمت إليه مجموعة من الدول الغربية والإقليمية ، وكانت أسباب نشوءه هي نفس أسباب نشوء المشروع السابق ، ثم كان مشروع أيزنهاور1957 الذي دعى إلى ملء الفراغ الناتج عن فقدان السيطرة الإستعمارية في الشرق الأوسط بعد تحجيم نفوذ كل من فرنسا وبريطانيا ، والذي انضمت إليه مجموعة من الدول العربية وكانت أيضاً خطة شبيلوف عام 1957 ، التي دعت لأن يكون للاتحاد السوفياتي مناطق نفوذ معترف بها في منطقة الشرق الأوسط ، إلا أن هذه المشاريع قد عورضت من قبل الدول العربية الراديكالية خاصة مصر الناصرية ، إضاف إلى الاتجاه القومي في سوريا -منذ بروز الناصرية والبعث فيها -، والعراق القاسمي عام 1958 .

نستنتج مما سبق أنه حدثت خلال فترة الدراسة مجموعة من الظروف الدولية في البيئة الدولية الخارجية ، وقد تشابكت هذه الأحداث مع بعضها البعض لتساهم في التأثير على المنطقة العربية عموماً ، وعلى سوريا تحديداً على اعتبار أن سوريا هي محل هذه الدراسة ، وسيكشف الفصلين القادمين تفاعل هذه الأحداث مع بعضها البعض من خلال مساهمة التدخلات الخارجية في إحداثها لظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وبالتالي مساهمتها في عدم الاستقرار السياسي فيها .





ثانياً : مفهوم عدم الاستقرار السياســي

يختلف مفهوم عدم الاستقرار السياسي بين الباحثين في الدراسات السياسية ذلك أنه يكاد لا يوجد مجتمع سياسي يخلو من هذه الظاهرة ، كونه مفهوم نسبي على اعتبار أنه قد تكون دولة ما مستقرة بالنسبة لدولة أخرى تتسم بعدم استقرار سياسي كبير بالنسبة للأولى ، وقد تكون نفس هذه الدولة غير مستقرة بالنسبة لدولة أخرى – مختلفة عن الدولة الأخرى غير المستقرة – حيث تتميز هذه الدولة بالاستقرار الكبير بالنسبة للدولة التي أجريت عليها عملية المقارنة ، لكن تزداد حدة هذه الظاهرة – عدم الاستقرار السياسي- في الدول المتخلفة بنسبة أكبر من الدول المتقدمة .

فالبعض يرى أن الإضرابات والمظاهرات ضد السلطة القائمة هي نوع من عدم الاستقرار السياسي ، لكن يرى البعض الآخر أنها مجرد تعبير عن حيوية المجتمع بحيث تطفو على السطح التناقضات الموجودة فيه ، وذلك و فقاً لنظرية الفعل ورد الفعل ، ويرى آخرون أن التقلبات الوزارية الكثيرة وأعمال الشغب وتغيرات النظام نفسه عبر الإطاحة به لا يشكل عدم استقرار كما رآى ذلك آخرون ، باعتبارها شيئ من التعبير عن حرية الرأي ، لأن تقلبات الحكومات الوزارية لا يعني تغيير في شخصيات الوزراء ، فقد يشكل الحكومة الجديدة نفس الشخصيات التي كانت في العهد السابق ، أو يتبعون- وإن تغَيروا - نفس السياسة التي كانت تتبناها الحكومة السابقة ، أما أعمال الشغب فهي مسائل نسبية وتغيَر النظام من شكل لأخر أو سقوطه ، لا يعني أنه غير مستقر ؛ لأنه قد يبقى نظام ما في الحكم لمدة طويلة ويشرف على الانهيار بالرغم من أنه يتداعى بشكل بطئ ، مثل الجمهورية الفرنسية الثالثة ، فبالرغم مما كان خلالها من حالة عدم استقرار حكومي – وزاري- إلا أنها استمرت لمدة سبعين سنة قبل أن تسقط( ) .
ج
وأهم المفاهيم التي قدمها الباحثون لتعريف عدم الاستقرار السياسي هو مفهوم قدمه حمدي عبد الرحمن حسن ، الذي يرى فيه أن عدم الاستقرار السياسي هو : "عدم قدرة النظام على التعامل مع الأزمات التي تواجهه بنجاح ، وعدم قدرته على إدارة الصراعات القائمة داخل المجتمع بشكل يستطيع من خلاله أن يحافظ عليها في دائرة تمكنه من السيطرة والتحكم فيها ، ويصاحبه استخدام العنف السياسي من جهة وتناقص شرعيته وكفاءته من جهة أخرى "( )، فهذا التعريف يدرك أن وجود التناقض في المجتمع مع استطاعة السلطة القائمة التحكم فيه سيؤدي إلى الاستقرار ، لكن إذا ما فشلت السلطة في التحكم فيه فسيقود ذلك إلي عدم استقرار سياسي وتناقص شرعية النظام ، بحيث يصبح أمر تغييره مقبولاً من قبل بضعة مؤثرات داخل المجتمع حتى وإن كانت هذه المؤثرات ليست سوى مؤثرات ناتجة عن إحدى الأقليات الموجودة في المجتمع .
ويورد نفس الباحث السابق تعريف آخر لذلك المفهوم وهو: "عدم مقدرة النظام على تعبئة الموارد الكافية لاستيعاب الصراعات في داخل المجتمع بدرجة تحول دون وقوع العنف فيه"( ) ، فالعنف حسب هذا التعريف إحدى ظواهره عدم الاستقرار السياسي مهما كانت مظاهرة ، لكن ترى نيفين مسعد خلاف ذلك فترى أن الاستقرار السياسي لا يقترن بغياب العنف السياسي ؛ لأن الالتجاء إليه يعكس إفلاس النظام في وسائل التعبير الأخرى أو قناعة بعدم جدواها ، كما لا يرتبط بغياب التعبير السياسي أو بتدرجه ، وإنما يرتبط بمضمون هذا التغيير واتجاهه لأن من التغيير ما يهدف إلى زيادة شرعية النظام وفعاليته حتى وإن اقترن بالعنف السياسي ، وإن وجود هذا التغيير يساهم في حفظ النظام من اهتزاز شرعيته وتدني فعاليته وعليه يكون العنف السياسي- الذي يقود إلى عدم الاستقرار السياسي- بجميع مستوياته من عنف رسمي أو شعبي أو غير ذلك بدءاً من وسائل قمع المعارضة مروراً بالانقلابات العسكرية ، وانتهاءاً بالعصيان السياسي أو العسكري ، يخضع للدراسات الأمبريقية المعتمدة على عدة مؤشرات منها أثر التعددية الثقافية على الاستقرار السياسي ، ومنها أثر الحالة الاقتصادية وغيرها من المدخلات والتناقضات في بنية المجتمع( ) ، ومن خلال هذا الرأي ترى نيفين مسعد أن الاستقرار السياسي هو : " ظاهرة تتميز بالمرونة والنسبية وتشير إلى قدرة النظام على توظيف مؤسساته لإجراء ما يلزم من تغيرات لمجاوبة توقعات الجماهير ، واحتواء ما قد ينشأ من صراعات دون استخدام العنف السياسي إلا في أضيق نطاق ، دعماً لشرعيته وفعاليته "( ).



ويرى عبد الرحمن خليفة إن أهم مؤشرات الصراع الداخلي في الدولة والتي تساهم في عدم استقرار النظام هي( ):
1- عدد الاغتيالات السياسية داخل الدولة .
2- عدد الإضرابات العامة .
3- وجود حرب عصابات .
4- عدد الأزمات الحكومية داخل البناء السياسي .
5- عدد عمليات التطهير التي تتم في أجهزة الدولة .
6- عدد أعمال الشغب داخل نظام الدولة .
7- عدد الثورات التي نشبت داخل الدولة .
8- عدد المظاهرات المعادية للحكومة .
9- عدد القتلى الذين لقوا مصرعهم في كل صور العنف المحلي .

أما مؤشرات الصراع الخارجي والتي تساهم في عدم استقرار النظام أيضاً فهي( ) :
1- عدد المظاهرات ضد السياسة الخارجية للدولة .
2- عدد مرات الاحتجاج ضد السياسة الخارجية للدولة .
3- عدد مرات العقوبات السلبية التي فرضت على الدولة .
4- عدد الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها .
5- عدد المرات التي تم فيها استدعاء سفراء الدولة أو طرد السفراء الأجانب منها
6- عدد المرات التي صدرت فيها تهديدات ضد الدولة .
7- عدد المرات التي التجئ فيها للعمل العسكري كنوع من الحل للمعضلات التي تقابل الدولة خارجياً .
8- عدد الحروب التي اشتركت فيها الدولة .
9- عدد المرات التي تم فيها تحريك القوات العسكرية دون أن تصل إلى حد نشوب الحرب .
10- عدد الاتهامات التي وجهت الدولة .
11- عدد القتلى في الصراعات الخارجية .
لكن تظل كل هذه المؤشرات تقود إلى نتيجة واحدة تعد المؤشر الأساسي – حسب معيار الباحث- لحالة عدم الاستقرار السياسي وهو التغيرات في النظام السياسي نفسه بسبب الانقلابات العسكرية .

كما يرى ابن خلدون أن عدم الاستقرار السياسي هو النتيجة لعدم التجانس الثقافي فالأوطان التي تكثر قبائلها وعصبياتها لا تتمتع بالاستقرار السياسي نتيجة لإختلاف الآراء والأهواء ( ) ، لكن هذا الرأي حسب وجهة نظر الباحث لا يمكن اعتماده بشكل مطلق وذلك لحدوث أمثلة في التاريخ تخالف هذا الرأي فدولة المدينة التي ذكرها أفلاطون تحقق فيها الاستقرار السياسي رغم وجود عصبيات عديدة داخلها بسبب الديمقراطية التي حققت العدالة فيها ، إضافة إلى الدولة التي أسسها النبي داود عليه السلام ومن ثم ابنه النبي سليمان عليه السلام ودولة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وكلها حققت العدالة بكل معانيها وأيضاً المملكة المتحدة بعد ثورتها عام 1664 بفعل ما أنجزته هذه الثورة من تحجيم لمساهمة الملك من خلال البرلمان الذي انتخب من قبل الشعب ، ودولة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتألف من خليط غير متجانس من الأعراق والأديان ، لكن بفعل ديمقراطيتها النسبية حققت نوع من الاستقرار السياسي مع استمرار استراتيجية الدمج العرقي والديني ضمن الحياة الأمريكية التي هيمنت عليها الحضارة الأوربية والعرق الأوربي الأبيض .

ويرى محمد الغزالي أن الاستقرار السياسي يتحقق بشرط التزام قادة النظام بالنظام نفسه وبطاعتهم لأوامر الدين من خلال التزامهم بمبادئه ، وإذا لم يتحقق ذلك سيؤدي إلى عدم استقرار سياسي( )، لكن ينظر البعض الآخر أن العامل الاقتصادي له الدور الأكبر في عدم الاستقرار السياسي ، فالوحدة الاقتصادية الأوربية- على سبيل المثال- كان لها المساهمة الأكبر في إنهاء الصراعات بين دول السوق على المستوى الخارجي ، مما انعكس على الوضع الداخلي الذي شهد استقراراً نسبياً- ومثال على ذلك الصراعات العرقية في بلجيكا التي أدت إلى انقسام كل مؤسسات الدولة وتنظيماتها السياسية ، أيضاً الصراع الديني في إيرلندا الشمالية إضافة إلى دول أخرى - فيها بشكل أكبر من ذي قبل( ) .

وهناك اتجاهاً آخر يرى أن التعاون بين نخب مختلف الجماعات الثقافية وتمثيلها بشكل متوازٍ في عملية صنع القرار، سيؤدي إلى تنافس جماعاتهم بسبب عدم وجود تسويات بين هذه الجماعات ، وهذا مما يقود إلى عدم استقرار سياسي لكن هذا يتناقض مع واقع الدول المتقدمة كسويسرا مثلاً ، كونها تتكون من أربعة مجموعات ثقافية ، ورغم ذلك تحقق في ظل ديمقراطيتها استقراراُ سياسياً لا تضاهيها به أي دولة من دول العالم ، وينطبق الحال على كل من كندا واستراليا وبريطانيا وإن كانت النسب أقل من سويسرا ، ويعزى ذلك أن ارتفاع الوعي الثقافي في هذه الدول له الدور أساسي في استقرارها .

وظهر اتجاه يرى أن تعدد الانتماءات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هو عامل استقرار سياسي ، وليس العكس بصحيح- كما يرى ذلك آخرون- وتفسيره بحسب رأيهم ، أن ذلك يزيد فرص الديمقراطية المقترنة بالاعتدال بالمواقف والسلوكيات ، وهذا الاعتدال يتحقق نتيجة تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض فيؤدي ذلك إلى أن تتشتت جهودهم ، وهذا بالتالي يؤدي إلى ترددهم ، فيتخذون مواقف أقل تشدداً ، لذا تبقى التحالفات فيما بينهم في تغيَر مستمر، فلا يكون لهم أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون ؛ لوجود أكثر من محور للتفاعل ، وتبعاً لذلك فإن الأعداء يهادنون بعضهم البعض تحسباً ليوم قد يضطرون فيه إلى التعاون فإذا لم يحصل ذلك فإن عدم الاستقرار السياسي سيتحقق( ) .

وممارسة القمع من قبل السلطة الحاكمة سيحدث على المدى البعيد عدم استقرار سياسي وذلك حسب رأي نيفين عبد المنعم مسعد ، فترى أنه لو تحقق هذا الاستقرار في ظل هذه الممارسات لفترة طويلة نسبياً ، فإن ذلك لن يستمر على المدى البعيد ؛ لأن منع عدم الاستقرار من قبل السلطة الحاكمة بفعل القمع لن يدوم على اعتبار أنه لابد للنظام أن يتراخى عن قوة قبضته على أجهزة الإكراه بتأثير ظروف معينة مثل الحرب أو تغير النظام الدولي أو تغيرات البيئة الدولية وما إلى ذلك ، وهذا سيسهل لمعارضي النظام من حرية المشاركة بشكل أكبر لأن النظام كان قد منعها من رد الفعل العنيف في مرحلة سابقة ، وهذا يعد نوعاً من الحرمان الذي تتزايد معه فرص العنف السياسي في مرحلة لاحقة ، فعدم الاستقرار السياسي وفقاً لذلك هو رد فعل لقمع النظام السياسي في مرحلة سابقة( ) .

والعوامل الخارجية حسب رأي البعض تسبب عدم الاستقرار السياسي ، فهناك مساهمة للتدخلات الخارجية وفقاً للتطورات الدولية ، فعلى سبيل المثال تعمل بعض الدول على تمكين الأقليات في دولة أخرى على تهديد الاستقرار السياسي فيها من خلال إحدى أشكال العنف ، فتناغم التدخلات الخارجية مع التناقضات الداخلية سيحدث عنف يؤدي بمساهمته إلى عدم استقرار سياسي ، كما أن تغيرات البيئة الدولية مثل الحرب البادرة والاستقطاب الدولي خلالها ، وسباق التسلح بين الدول يساهم في عدم استقرار النظم المعتدلة بسبب تأثُر هذه الدول بذلك اجتماعياً واقتصادياً ، حيث ساهمت الحرب البادرة ، وسباق التسلح بين المعسكرين والمنافسة بينهما للسيطرة على العالم ، في عدم استقرار الدول غير التابعة – نظرياً - لأي من هذين المعسكرين( ) .

وعدم التوازن بين القوى الثلاثة التي ترتكز عليها الدولة ، سيحدث خللاً في الدولة نفسها ويجعلها في وضع حرج يتسم بعدم التوازن وعدم المصداقية ، وهذه القوى هــي( ) :
1. القوى العسكرية وتشمل نفقات الدفاع .
2. القوى السياسية وتشمل نفقات الإنفاق على النظام .
3. القوى الاقتصادية ، وتشمل نفقات التنمية ورفع مستوى المعيشة والدخل القومي .

فلو زادت نفقات الدفاع سيتعرض الوضع الاقتصادي لأزمات حقيقية ، وسيؤثر ذلك على مصداقية النظام القائم ، أما لو نقصت نفقات الدفاع عن الحد المطلوب فستصبح الدولة عاجزة عن مواجهة التهديدات الخارجية ، ولو زاد الإنفاق للإبقاء على النظام سيؤدي ذلك إلى الإفلاس والهزيمة ، وذلك بحسب مفهوم الأمن القومي الذي يعني مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود قدراتها للحفاظ على كيانها ومصالحها حاضراً ومستقبلاً مع مراعاة التغيرات الدولية إلا أن هذا لا يتحقق بدون التوازن في إنفاق الموارد المتاحة لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية على حد سواء ، إضافة إلى أن عدم تحقق الأمن القومي على المستويين الداخلي والخارجي سيؤدي إلى عدم استقرار سياسي .

ومثالاً على عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط ، يرى شمعون بيرس أن عدم الاستقرار هذا قد نشأ نتيجة لسبين هما : وجود أصولية دينية ، وعدم قيام هيكل إقليمي منظم لمنطقة الشرق الأوسط ، وإن حل هاتين المعضلتين حسب رأيه سيؤدي إلى استقرار سياسي في هذه المنطقة ( ) ، لكن يؤخذ على هذا الرأي أن الأصولية الدينية لم تنشأ إلا بسبب فساد أنظمة هذه المجتمعات الشرق أوسطية إضافة إلى انخفاض المستوى الثقافي والإقتصادي للأفراد ، فتطرح الأصولية الدينية برامجها التي تتعاطف معها وتؤيدها بعض فئات وطبقات المجتمع ، في ظل إفلاس أنظمة هذه الدول عن إيجاد حل لذلك ؛ بسبب ارتباطها بدول المركز الرأسمالي وعلى ذلك فالحل يكمن من خلال دول المركز نفسها بتشجيعها للحركات الديمقراطية وعدم دعمها لهذه الأنظمة ، أما العامل الآخر وهوعدم قيام هيكل إقليمي منظم لمنطقة الشرق الأوسط ، فإن التقسيم الموجود هو من صنع الدول الاستعمارية نفسها بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك من خلال إتفاقياتها السرية مثل سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو وغيرهما .

ويرى محمد بشير الصيد أن عدم الاستقرار السياسي هو ظاهرة تتميز بها الأنظمة البرلمانية فقط ، تلك التي لا يتمكن فيها الناخبون من إيصال أكثرية واضحة تنتمي إلى حزب أو تيار واحد إلى البرلمان ، وهذا يمكِّن الأحزاب الصغيرة من التحكم في تشكيل الحكومات وفي إسقاطها نتيجة عدم التفاهم في تشكيل الحكومة( ) لكن مما يؤخذ على هذا التعريف عدم انطباقه على معظم دول العالم سواءاً كانت ديمقراطية أم ديكتاتورية ، فعلى سبيل المثال ، إن عدم وجود الاستقرار السياسي في الأنظمة الرئاسية التي تتبعها العديد من دول العالم ، كان أكبر بكثير من الدول ذات النظام السياسي البرلماني ؛ بسبب عدد الانقلابات فيها كما أن الدول التي تتبع نظام الحزب الواحد أو القائد أو المهيمن سواءاً كانت شيوعية أم فاشية أم غير ذلك توجد فيها طاقات كامنة كبيرة جداً لإحداث عدم الاستقرار السياسي ، فسقوط المعسكر الشيوعي عام 1989 ، أدى إلى تفككه وتفكك دوله إضافة إلى اندلاع حروب أهلية في معظمها ، ومن الممكن أن تندلع في أية لحظة ، أيضاً كان سقوط نظام البعث في العراق عقب احتلال العراق عام 2003 قد أدى لانقسامات طائفية وعرقية داخلية مما يهدد وحدة كيان الدولة وحتى في دول نظام الحزب المهيمن مثل تونس ومصر ، فتوجد فيها تناقضات داخلية قد تخلِّف عدم استقرار سياسي على المدى البعيد ، رغم أن طبيعة الشعبين غير قابلتين للعنف بشكل كبير ، لذا فإن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي لا تتعلق فقط بالنظام البرلماني وإنما تشمل معظم الأنظمة بغض النظر عن أيديولوجياته.ا( )

وحول عدم الاستقرار السياسي على مستوى الوطن العربي يرى محمد عابد الجابري ، أن هذه الظاهرة نشأت بسبب عدم مقدرة الحاكم في كل دولة من هذه الدول على المحافظة على الوحدة والانسجام داخل قبيلته من جهة ، وعدم تمكنه من المحافظة على ولاء القبائل الأخرى المتحالفة معه أو الخاضعة له ، من جهة ثانية لأن الاستقرار في الوطن العربي تحكمه القبيلة أو الطائفة بالدرجة الأولى وهو ينزع إلى الولاء العصبوي ، فالملك أو الرئيس يخضع لعصبية قبيلته ، وإنَّ ضعف القبيلة نتيجة الاختلاف بالرأي داخلها سيضعفها ، ويضعف الحاكم الذي ينتمي إليها فإذا ما فقد ولاء القبائل الأخرى الخاضعة له أو المتحالفة معه سيؤدي ذلك إلى سقوط نظامه على المدى البعيد أو القريب أي عدم استقرار سياسي( ) .


وهناك مظاهر عديدة لعدم الاستقرار في أي نظام سياسي أهمها ( ):
1- عدم اتفاق إرادي عن طريق الرضى والقبول ، فرفض المواطنين أو عدم تقبلهم طواعية ، واختياراً لأنماط السلطة الموجودة في المجتمع من خلال الفكر الحر عن طريق المشاركة والإقناع فسيؤدي ذلك إلى العنف .
2- عدم وجود نظام أتوقراطي استبدادي مطلق ، يمارس بشكل مستمر الإكراه والإجبار والقسر ضد كل من يحاول رفضه ، فلا ترتفع الأصوات المنددة بأخطاء النظام بسبب خوفها من قمعه ، لكن هذا الاستقرار كما أشير إليه في السابق سينتهي بانفجار قد يحدث بصورة فجائية ، وبالتالي سيصبح النظام بحاجة للتغيير الجذري بكل ما فيه ، فالمذاهب الإصلاحية في هذه الحالة غير مجدية على الإطلاق.
3- عدم ثبات النظام ووجود ظاهرة التبدل فيه ، من خلال قصر مدة الحكم لدى السلطة ، وعدم حدوث أي تغيير في بنية المجتمع ؛ فالنظام الذي لا يستطيع تجنب الانهيارات والتقلبات الفجائية التي قد تطيح به وببنيته الأساسية ، سيفسح المجال أمام عدم استقرار سياسي وولادة نظام جديد على أسس جديدة ، وإن النظام الذي لا يرضي تطلعات المواطنين سيؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار السياسي على المدى الطويل أو القصير( ) .
4- قصر مدة الحكومات بسبب الأزمات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها مما يؤدي إلى سقوطها ، قبل انتهاء مدتها القانونية ، فتتالي سقوط الحكومات سيقلل من شرعية النظام السياسي ، ويقلل من الثقة بالنظام ، وسيفسح ذلك المجال لانهيار النظام السياسي ، وبالتالي المساهمة في عدم الاسقرار السياسي في الدولة.


مما سبق نستنتج أنه قد اختلف مفهوم عدم الاستقرار السياسي بين الباحثين السياسيين والسياسيين ، الذين ينتمون لتيارات مختلفة ، لكن أهم نتائج هذه الظاهرة هي السقوطات المتوالية للنظام السياسي بفعل الانقلابات العسكرية المتوالية ، وثمة مؤشرات أخرى ساهمت أيضاً في ذلك السقوط مثل : كثرة أعمال العنف السياسي والمظاهرات ، والاغتيالات السياسية ، وفشل السياسة الاقتصادية ، والإضرابات والاعتصامات ، هذا على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي فالعقوبات الخارجية من الهيئات الدولية ، وطرد بعض سفراء الدولة المعنية من دول أخرى والحروب الخارجية السرية منها والعلنية .. إلخ ، كل ذلك يساهم في زعزعة النظام وبالتالي يصبح أمر سقوط النظام السياسي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل ، كما يقود سقوط النظام عادة إلى سقوط الدستور ، والحكومة ، والبرلمان ، وكل مؤسسات الدولة ، وقد يؤدي أيضاً إلى سقوط مؤسسات المجتمع المدني ، كالأحزاب السياسية والنقابات وغيرها ، وعلى ذلك يكون مفهوم عدم الاستقرار السياسي الذي تبنته الدراسة هو التكرار للانقلابات العسكرية بشكل ملحوظ ومتكرر ، ويصاحبه استخدام العنف من جهة وتناقص شرعية وكفاءة النظام السياسي الجديد الذي حلَّ مكان القديم من جهة أخرى ، على اعتبار أن هذا التعريف هو المرحلة النهائية لظاهرة عدم الاستقرار السياسي في النظام .


ثالثاً: ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا

تعتبر ظاهرة الانقلاب العسكري المحصلة النهائية لظاهرة عدم الاستقرار السياسي في النظام السياسي ، كونها تقلل من شرعية النظام السياسي ومكانته على المستوى الدولي ، وتمهّد الطريق لزيادة التدخلات الخارجية فيه ، فالانقلاب بمفهومه العام- إضافةً إلى المفهوم الذي ذكر سابقاَ- هو ضربة مادية عنيفة ومفاجئة يقوم بها العسكر ؛ لإسقاط النظام القائم ، ولا يعرف موعده سوى المخططين والمنفذين له وهو لا يجتاج إلى إجماع القوى المسلحة ، بل تكفي مجموعة منها لأن تعتقل الرئيس في قصره ، وتمتلك محطة الإذاعة ، ثم تعلن سقوط النظام ، وعادة ماتظهر مظاهر الفرح في الشوارع ، لأنه لابد لأي نظام أن يكون له معارضين ، ثم يقوم العسكر بالاستيلاء على السلطة السياسية ويحلَون المجالس المنتخبة ، ويلغون الدستور ، وأحياناً الأحزاب السياسية ويحكمون بالمراسيم ، ويصدرون قانون الطوارئ ، والأحكام العرفية ، ويبنون نظاماً جديداً يتوافق مع أيديولوجيتهم وتوجهاتهم ، و إرادتهم وأهواءهم ( ) .

وتعد مشكلة الشرعية هي المشكلة الأولى التي تواجه الجيش بعد انقلابه فالشرعية بمعناها الواسع هي العلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم ، والنظام السياسي الذي يتمتع بالشرعية هو النظام القادر على ممارسة الحكم دون اللجوء إلى استعمال أدوات الإكراه ووسائل القمع ، وبالتالي فالشرعية ترتبط بمفهوم العدل والمساواة والسيادة ، وتمثيل النظام السياسي لقيم ومصالح المجتمع ، وهي صفة ضرورية لممارسة النظام السياسي سلطته ، وغيابها يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي في المجتمع ، ويجعل الأنظمة خائفة من مجتمعاتها لا تثق فيها ، ومن ثم يلجأ النظام السياسي إلى وسائل القهر في محاولة لخلق شرعية الخوف والغلبة والقهر بدلاً من شرعية الرضا والقبول والعدل لنظامه السياسي .
لذلك يمكن تفسير قهر السلطة للمجتمع بعد الانقلاب ؛ بسبب غياب شرعيتها وهذا يؤدي إلى عدم انفتاح النظام السياسي على مجتمعه ، فيقوم بتضخيم أجهزة الأمن وتعديدها ، ويشعر النظام أن الخطر الذي يتهدده يكمن داخل حدوده وليس من خارجها ، وهو ما يؤدي إلى تغيير في وظيفة الجيش ليصبح الجيش رديفاً لقوات الأمن الداخلي في حالة تعرض النظام السياسي لأي ثورة أو حركة جماهيرية ، أو سياسية مضادة .

ومن أبرز سلبيات الانقلابات العسكرية الأمور التالية( ) :
* اقتران السياسة بالقوة : فمن يمتلك القوة يستطيع أن يمارس السياسة ويتحكم فيها وهو ما أعطى الجيش مكانة كبيرة في السياسة وسمح له بالتدخل في شؤون الحكم والسيطرة على مقاليد السلطة ؛ ولذا فأغلب الأنظمة الجمهورية العربية يحكمها العسكريون الذين جاءوا إلى الحكم من خلال الانقلابات .
* اقتران التغيير بالعنف : وهو ما أعطى الجيش الفرصة للتدخل في السلطة والسيطرة عليها وتغيير قادتها، باعتباره المؤسسة التي تملك عناصر القوة مقارنة بغيرها من مؤسسات الدولة.
* وكشف أيضاً عن ضعف النخب السياسية العربية التي ترسَّخ في أعماقها أن التغيير لن يأتي إلا من أعلى إذا أرادت تنفيذ مشروعاتها السياسية ؛ وهو ما جعلها تسعى عقب الاستقلال للامتداد داخل الجيش، وتعقد التحالفات مع العسكريين وتغريهم بالتدخل في السياسة ، وتفتح شهيتهم للانقلابات.

ويعتبر عدم الاستقرار النظمي -أي في النظام- أهم مؤشر في عدم الاستقرار السياسي أو النتيجة النهائية لظاهرة عدم الاستقرار السياسي حسب هذه الدراسة كونه يحدث تغييراً جذرياً في الدولة ؛ لأن سقوط النظام كما قلنا سابقاً يعني سقوط الدستور معه مباشرةً ، إضافة إلى سقوط الحكومة ، والبرلمان ، وكل المؤسسات الفاعلة في الدولة ، وأجمع معظم الباحثين على أنه كلما كثرت الانقلابات العسكرية في الدولة كلما كان ذلك دليلاً على عدم استقرارها السياسي ، وسوريا أكثر دول العالم التي تعرضت للانقلابات العسكرية سواءاً الناجحة منها أو الفاشلة ، فبلغت الانقلابات العسكرية فيها خلال فترة الدراسة تسعة انقلابات عسكرية ناجحة وبالتالي فهي الأكثر درجةً في عدم الاستقرار .

والبعض يطلق على بعض الانقلابات الفاشلة اسم تمرد ، أو عصيان بالرغم من أن هدفه تغيير النظام ، لكنه غالباً ما يكون بعيداً عن قدرته على التغيير ومهما يكن من أمر فإنها أثًرت بشكل سلبي على النظام ، إضافة للكثير من الانقلابات التي فشلت في مرحلة الإعداد بسبب اكتشافها من قبل المكتب الثاني أي المخابرات العسكرية ، والتي تعتبر أخطر سلطة داخل الدولة .

وسوريا كبلد استراتيجي الموقع كونها تشكل منطقة مهمة في الشرق الأوسط إضافة إلى مواردها الكبيرة ، لذلك كان تعرضها على الدوام لعدم الاستقرار بكل ما فيه من أبعاد مثل : سقوط الحكومات ، والمظاهرات ، والاعتصامات والاغتيالات السياسية والحصار الاقتصادي ، والأزمات الاقتصادية ..........إلخ ؛ وكان كل ذلك بسبب تناقضاتها الداخلية ، والصراع الخارجي عليها من قبل الدول العظمى والإقليمية في ظل وجود المؤسسة العسكرية منذ استقلالها في 7 أغسطس عام 1943 كعامل رئيسي عمل على إحداث كل هذه الانقلابات ، حيث كان أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية في سوريا في مارس 1949، وكان هذا الانقلاب مقدمة لسلسلة من الانقلابات المتتالية التي توقفت حسب الدراسة في آخر انقلاب ناجح في مارس 1963 .

والانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا خلال فترة الدراسة هي :


1. انقلاب حسني الزعيم في 29 مارس 1949 ضد نظام الرئيس شكري القوتلي .
وقد تولت بموجب هذا الانقلاب القيادة العسكرية في 30 مارس 1949 ، بقيادة الزعيم( ) حسني الزعيم- الذي كان قائداً للأركان- كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ثم تولاها شخصياً ، ثم تولى رئاسة الحكومة التي شكلها وفق مرسوم رئاسي محتفظاً بحقيبتي الداخلية والدفاع ، ثم أجرى استفتاءاً شعبياً فاز بموجبه بالرئاسة وعهد برئاسة الحكومة لأحد مؤيديه المقربين .

2. انقلاب سامي الحناوي في 14 أغسطس 1949 ضد نظام الرئيس حسني الزعيم .
وقد تولى فيه قائد اللواء الأول الزعيم سامي الحناوي السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد أن أجرى محاكمة الرئيس ورئيس وزرائه ، وقرر المجلس العسكري إعدامهما ثم عهد قائد الانقلاب ، إلى هاشم الأتاسي بتشكيل الحكومة الجديدة وسلمه الصلاحيات التشريعية والتنفيذية في نفس يوم الانقلاب ، ثم عهد إليه برئاسة الجمهورية.

3. الانقلاب الأول لأديب الشيشكلي في 24 نوفمبر 1949 ضد نظام الرئيس هاشم الأتاسي .
وتم فيه السيطرة على الجيش باعتقال قائد الجيش اللواء سامي الحناوي ومؤيديه بواسطة نائب قائد الأركان العقيد أديب الشيشكلي ، ثم أعاد قائد الانقلاب الوضع الدستوري والجمعية التأسيسية المنتحبة ، ورئاسة الجمهورية والحكومة إلى ماكانت عليه قبل الانقلاب.

4. الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي في 29 نوفمبر 1951 ضد نظام الرئيس هاشم الاتاسي .

حيث تم اعتقال رئيس الحكومة ، وحل البرلمان ، واستقالة رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي ، وكُلِّف الزعيم فوزي سلو برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة معاً ، وفق مرسوم صادر من قائد الانقلاب ، ثم وضع دستور جديد للبلاد وأجرى استفتاء في 10 يوليو 1953 أسفر عن فوز الشيشكلي بالرئاسة ، وتشكيل نظام رئاسي بدل النظام البرلماني ، وبموجب ذلك أصبح الشيشكلي رئيساً للحكومة والجمهورية في نفس الوقت .

5. انقلاب مصطفى حمدون في 25 فبراير 1954 ضد نظام الرئيس أديب الشيشكلي( ) .
وقد أعيد بموجبه الرئيس هاشم الأتاسي للرئاسة ليكمل ما تبقى من مدته الرئاسية الدستورية ، فتسلم زمام الأمور في اليوم الأول من مارس عام 1954 ، وفي نفس اليوم استقال الزعيم أديب الشيشكلي وتولى مهام رئاسة الجمهورية ، رئيس البرلمان ، لكن قادة الانقلاب رفضوا ذلك ، وطالبوه الرئيس الجديد بالاستقالة بعد يومين من رئاسته ، كما استقال رئيس البرلمان بعد حله ، وقررت قيادة الانقلاب عودة الرئيس هاشم الأتاسي إلى الرئاسة في 28 فبراير 1954.


6. انقلاب عفيف البزري في 13 يناير 1958 ضد نظام الرئيس شكري القوتلي.

حيث قام قائد الأركان اللواء عفيف البزري مع مجموعة من الضباط ، وعددهم أربعة عشر ضابطاً ، بفرض الوحدة بين سوريا ومصر من خلال الجيش بذهابهم إلى مصر ولقائهم بالقيادة المصرية ، دون علم رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو وزير الدفاع ، وأجبروا الحكومة والنظام على القبول بها بكافة الشروط التي فرضتها القيادة المصرية على سوريا ؛ على اعتبار أن الضباط أعطوا القيادة المصرية كافة الصلاحيات التي تراها بشأن الوحدة ، وبناءاً على ذلك تنازل الرئيس شكري القوتلي في فبراير 1958 عن الرئاسة ، وأجرى استفتاء للرئيس المصري جمال عبد الناصر في كل من سوريا ومصر ، انتخب بموجبه رئيساً للجمهورية العربية المتحدة في 9 فبراير 1958( ) .

7. الانقلاب الأول لعبد الكريم النحلاوي في 28 سبتمبر 1961 ضد نظام الوحدة برئاسة جمال عبد الناصر .

وقد تشكل المجلس الثوري الأعلى بقيادة رئيس مكتب حاكم الإقليم السوري المقدم عبد الكريم النحلاوي ، ثم عهد إلى الدكتور مأمون الكزبري بتشكيل الحكومة لإجراء انتخابات برلمانية في ديسمبر 1961 ، ثم تشكلت حكومة جديدة برئاسة الدكتور معروف الدواليبي ، وقد عمل قائد الانقلاب على تسفير جميع الضباط المصريين من سوريا ، وأصدر البلاغ رقم عشرة الداعي لفك الوحدة مع مصر .

8. الانقلاب الثاني لعبد الكريم النحلاوي في 28 مارس 1962 ضد نظام الرئيس ناظم القدسي .

حيث تم اعتقال أعضاء الحكومة ورئيس الحكومة ، وأجبر الرئيس ناظم القدسي على الاستقالة بداعي المرض ، وعلى إثر هذا الانقلاب قام قائد المنطقة الوسطى بتمرده رافضاً إجراءات النحلاوي( ) ، كما صاحب الحركة تمرد قائد حامية حلب وخوفاً من انقسام الجيش ، عهد قائد الانقلاب إلى قائد الأركان لقاء المتمردين في حمص والاتفاق معهم على حل سلمى يرضي الجميع ، فعقد المؤتمر في إبريل 1962 وقرر ما يلــي :
1. إقصاء النحلاوي وجماعته ومغادرتهم البلاد .
2. تشكيل قيادة عسكرية جديدة بقيادة قائد الأركان .
3. رفض إعادة الوحدة مع مصر فوراً ، والموافقة على تحقيق وحدة بشرط أن يستفتى فيها الشعب، دون تخصيص دولة محددة.
4. العفو عن الذين اشتركوا في التمرد والعصيان في كل من حلب وحمص.
5. تشكيل حكومة مدنية لا يكون من أعضائها أيا من العسكريين( ).

وقد أفرج عن رئيس الجمهورية وعن المعتقلين الذين اعتقلهم النحلاوي وعاد الرئيس ناظم القدسي إلى رئاسة الجمهورية ، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة بشير العظمة في إبريل 1962 ، وعلى إثر ذلك تشكل مجلس الأمن القومي (المجلس الوطني ) برئاسة الرئيس ناظم القدسي ويضم رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير الخارجية ، ووزير المالية ، والاقتصاد ، والدفاع ، وقائد الأركان ، ورؤساء الشعب في وزارة الدفاع ، ومدير شؤون الضباط ، وعلى ذلك أصبح النظام يتدخل فيه العسكر ( ) .

9. انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 ضد نظام الرئيس ناظم القدسي.

حيث قام قائد قوات الجبهة العميد زياد الحريري بالزحف بقواته المسلحة إلى دمشق لإسقاط النظام السياسي فيها ، وعلى إثر الانقلاب تشكل المجلس الوطني لقيادة الثورة بقيادة العقيد لؤي الأتاسي ؛ الذي أصبح رئيساً للجمهورية ، وتولى صلاح الدين البيطار رئاسة الحكومة ، ورُفِّع العقيد لؤي الأتاسي إلى رتبة فريق كما عُين زياد الحريري قائداً للجيش (الأركان) بعد أن ُرفِّع إلى رتبة فريق أيضاً.


نستنتج مما سبق أن الانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا خلال فترة الدراسة كانت الأبرز في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في سوريا ، أو المؤشر الأساسي لها ، وكان تتالي هذه الانقلابات قد قلل من شرعية النظام السياسي وكفاءته السياسية ، فبرز مفهوم اللاشرعية في النظام السياسي ، أو مفهوم الشرعية المنقوصة وهذا ما أعطى المبرر لاستمرار السلطة العسكرية في الحكم والتخوف من التخلي عنها للسياسيين ، كما نصل إلى أنه من أهم أسباب عدم الاستقرار السياسي في سوريا كان بسبب مؤثِّر أساسي وهو الانقلابات العسكرية المتواصلة ، فكان وجود هذا المؤشر دليلاً على عدم وجود استقرار نظامي في سوريا خلال مدة الدراسة ، أما دراسة المساهمة الخارجية بهذه الانقلابات فستتحدد في الفصلين القادمين ، حيت سيدرس الفصل الأول تأثير تدخلات المعسكرين الشرقي والغربي في المساهمة في هذه الظاهرة السياسية أي الانقلابات العسكرية ، أما الفصل الثاني فسيدرس تأثير تدخل الدول الإقليمية العربية وغير العربية التي ساهمت في هذه الظاهرة أيضاً ً.














الفصل الأول
مساهمة تدخلات دول المعسكرين الشرقي والغربي
في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا

كان لخروج دول المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة منتصرة على دول المحور في الحرب العالمية الثانية ، أثره في سعي هذه الدول للسيطرة على العالم ، خاصة أنها وجدت نفسها أمام خطر يهدد مصالحها في العالم ، وكان هذا الخطر هو دول المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي ، والتي كانت قد تحالفت معه إبان الحرب العالمية الثانية ، وكانت نتيجة هذا التحالف الانتصار على دول المحور .

وصاحب فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية صراع خفي بين دول المعسكر الرأسمالي ، بسبب جنوح الولايات المتحدة ، كأكبر قوة عالمية غربية ، للعمل على تقليل نفوذ الإمبراطوريتين القديمتين بريطانيا ، وفرنسا ، خاصة وأنهما خرجتا من الحرب العالمية الثانية منهكتا القوة اقتصادياً ، وعسكرياً ، لذلك عملت الولايات المتحدة على الحلول محلهما ووراثة أماكنهما في العالم ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ، ولم تدرك هاتين القوتين – إنكلترا وفرنسا – أنهما أمام قوة قادرة على تحقيق أهدافها ، إلا في نهاية الخمسينات .

لذلك سيقوم هذا الفصل بتحليل تأثير كل دولة من دول المعسكر الرأسمالي الثلاث : وهي الولايات المتحدة ، وبريطانيا ، وفرنسا ، على ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا خلال فترة الدراسة ، كما سيقوم هذا الفصل أيضاً بدراسة تأثير المعسكر الشيوعي من خلال تسليط الضوء على تأثير الاتحاد السوفياتي بوصفه القطب الذي تمساهمة حوله كل دول المعسكر .

وعلى هذا سيقسم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث حيث سيدرس المبحث الأول منها العلاقات التاريحية بين سوريا ودول المعسكرين الشرقي والغربي على اعتبار أن التأثيرات التاريخية قبل فترة الدراسة لهذه الدول قد ساهمت في تأثيرات مستقبلية – خلال فترة الدراسة- ، أما المبحث الثاني فسيدرس مساهمة الدول الغربية الكبرى في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، حيث تناول هذا المبحث تأثيرات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، و فرنسا أما المبحث الثالث فسيدرس مساهمةالاتحاد السوفياتي - وأدواته التي انتهجها في تحقيق أهدافه - في المساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة التي قسمت بموجب الدراسة إلى جزءين الأول يبدأ منذ عام 1943 وحتى عام 1954 ، والثاني منذ عام 1954 وحتى عام 1963 .

وتفسير هذا التقسيم ؛ لسهولة عملية مقارنة التأثيرات التي حدثت أولاً ، إضافة إلى حدوث عدة تغيرات في المجتمع السوري منذ بداية الفترة الثانية وحتى نهايتها والتي كان أبرزها منافسة التيار اليساري على الحكم في سوريا وانتهت هذه الفترة له بالصعود للحكم في 8 مارس من عام 1963 .












المبحث الأول
العلاقات التاريخية بين سوريا
ودول المعسكرين الشرقي والغربي

لم تكن قضية السيطرة على العالم وليدة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي ، أو بين الفاشية والديمقراطية ، بل إن جذورها قديمة تصل إلى مرحلة ماقبل الميلاد ، إلا أنه عندما ضعفت الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر عمدت بريطانيا إلى إرسال لجنة بنرمان للاطلاع على المنطقة العربية الممتدة من الخليج إلى المحيط تمهيداً للسيطرة عليها بعد تقويض الإمبراطورية العثمانية( ) ، وقد أكد تقرير تلك اللجنة أن هذه المنطقة تمثل منطقة مهمة في العالم ، وإن من يتحكم فيها سيتمكن من السيطرة على العالم القديم ، ففيها قومية يجمعها التاريخ والدين واللغة والآمال وكل شيء فيها يؤكد على مقومات الوحدة والترابط ، وإن الخوف من أن تدخلها التكنولوجيا الأوروبية والثورة الصناعية والتعليم والسيطرة على ثرواتها من قبل أهلها واتحادها في دولة واحدة ، لذلك يجب على الإمبراطوريات الأوروبية( ) أن تحول دون تحقيق ذلك من خلال استمرار وضع المنطقة المجزأ المتأخر كما هو، وإبقاء شعبها على ما هو عليه من جهل وتفكك وتأخر ، ومحاربة اتحاد شعب هذه المنطقة ومنع ترابطها بأي نوع من الترابط الفكري أو الروحي أو التاريخي ، وذلك من خلال الوسائل والدراسات العلمية المسخرة لخدمة هذا الهدف وأهمها إقامة كيان غريب فيها ومعاد لها لفصل الجزء الآسيوي عن الإفريقي فقررت بناءاً على ذلك المقررات التالية ( ):
1. على الاستعمار الأوروبي أن يحول دون إتحاد الجماهير الشعبية في البلاد العربية .
2. منعها من تبادل الأفكار التحريرية .
3. إثارة الخلافات فيما بينها .
4. فصل جزءها الآسيوي عن الإفريقي بإقامة كيان معاد لها .

وقد استطاعت هذه الاستراتيجية تحقيق أهدافها فقد كانت الخلافات بين دول المنطقة العربية درعاً واقياً للحيلولة دون وحدتها ، وتحقق قيام الكيان المعادي للمنطقة وهو قيام دولة إسرائيل ، التي عملت على فصل جزئ المنطقة في أسيا وإفريقيا ، كما أن كل دولة من هذه المنطقة عملت على التقوقع حول نفسها في أفكار تحريرية خاصة بكل واحدة منها ، كما عملت الدول الأوروبية على الحيلولة دون وحدتها وزيادة تقسيمها بما يضمن استمرار ضعفها .

وقد بدأ ارتباط سوريا الطبيعية بالدول الغربية منذ قيام نظام الملة العثماني عام 1840( ) ، حيث استثمرت الدول الأوروبية ما أسفر عنه هذا النظام من تسامح ديني مع جميع الأديان والمذاهب ، لتبدأ تدخلها الاقتصادي من خلاله ، ومن ثم لتستفيد من التناقضات الداخلية وتحولها إلى أداة للتجزئة بغية إضعاف الدولة العثمانية ، مما حذا بدعاة القومية الطورانية – سياسة التركية- إلى استخدام سلاح القومية للرد على هذه المشكلة التي أحدثتها الدول الغربية ، من خلال إرساليات التبشير التي عملت على نشر لغة دولها وعقائدها في هذه المنطقة وعندما هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1914، لم تشعر الدول الغربية ببعدها الفكري عن تلك الدول لأنها وجدت قطاعاً ملماً بثقافتها ومتحمساً لرموزها إضافةً لما أحدثته التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية نتيجة التبادل التجاري مع أوروبا ومعاملة التجار الأوربيين وجالياتهم وأعوانهم معاملة متميزة ، مما أدى لظهور برجوازية المدن التي يتمتع أفرادها بمواقع مختارة في السلطة السياسية ويدينون بالولاء للقوى الاستعمارية وأكثرهم من الأقليات الدينية فزادت شقة الخلاف بينهم وبين مواطنيهم المسلمين الذين يشكلون الأكثرية .


ثم أخذت هذه الدول تضغط على الباب العالي من أجل إجراء إصلاحات لصالح هذه الأقليات ، كما أخذوا يستثيرون النزعات الانفصالية لديهم مستغلين مفهوم القومية وكان لذلك أثر سئ عليهم حيث حدثت مذابح 1860 في دمشق ولبنان وتمردات الأكراد خلال الفترة بين عامي ( 1830 –1908) ، كما أوعزت روسيا للآشوريين بالتمرد لإضعاف الدولة العثمانية ، ثم أسهمت فرنسا وبريطانيا في تغذية تمردهم وسعت روسيا إلى تشجيع اليهود وحثهم على الهجرة إلى فلسطين فكانت أول مستعمره يهودية في فلسطين من اليهود الروس عام 1881 وقد يكون غرضها من ذلك هو استخدامهم لأطماعها في المنطقة العربية ، ثم ساهمت هذه الدول بتشجيع الأفكار القومية والعلمانية من خلال إقامة المكاتب لهم في أوربا مثل المنتدى الأدبي في باريس ، وكان هدفها هولتفتيت الوحدة الوطنية في هذه الدول ، فكان تعاون روسيا مع الأكراد قبل الحرب العالمية الثانية، على أمل وصولها إلى المياه الدافئة ( ) ، حيث شكلوا حزب البارتي الشيوعي على يد مصطفى البرزاني ثم جمعية القوى بون وانتسبوا للأحزاب الشيوعية على أساس أن هدفهم الإصلاح الاقتصادي والتنمية في المجتمع ( )، رغم أن التنمية في الدول المتخلفة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الجهود العالمية للدول الغربية والمنظمات العالمية المختصة ، وتغيير علاقات القوى العالمية ونظام السيطرة والهيمنة العالمية أي نظام الغلبة ، الذي يضمن إعادة توزيع القوى وأشكالها( ) فحسب نظرية التبعية تعمل القوى الاقتصادية الرأسمالية من خلال نمط إنتاجها الرأسمالي العالمي الذي يسعى لإيجاد إقتصاد نام ، وغير متطور في البلدان التابعة ، بحيث تستمر تبعيته لدول المركز وذلك تحقيقاً لأهداف الرأسمالية العالمية( ).

وبالنسبة للتدخلات الشيوعية في المنطقة العربية ، ومنها سوريا فقد بدأت منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917 وذلك في ظل الدوائر الشيوعية التي كانت مركزها موسكو ، حيث عملت على محاولة السيطرة على العالم من خلال الأحزاب الشيوعية التي كانت عبارة عن فروع للمنظمة العالمية للأحزاب الشيوعية "الكومنفورم " ( ) حيث أكد أحد مؤسسيها وهو جدانوف منذ عام 1926 عن وجود معسكرين لا ثالث لهما في العالم ، وإن على الدول الأخرى أن تسودها الأيديولوجية الشيوعية ، لكن في مؤتمر الحزب الشيوعي العشرين 1956 رحَب خروشوف ، بظهور منظمة مسالمة تتألف من البلدان التي لا تتبع أحد المعسكرين العظميين والتي أعلنت حيادها عنهما( ) لكنه كان حياداً اسمياً وغير واقعي ، فقد سعى الاتحاد السوفيتي (سابقاً ) على استمالة حكومات هذه الدول من خلال الأحزاب الشيوعية الموجودة فيها تمهيداً لنشر أيديولوجيته ، حتى أنه قد دعم حكوماتها الوطنية في المواقف التي لا تتعارض مع سياسته الخارجية ليمهد الطريق لحكومات موالية له فلم تكن المساعدات التي تقدمها الحكومات الشيوعية للحركات المناوئة للحكومات المتقاربة مع الغرب ، باسم مساعدات حركات التحرر العالمية ، سوى هدفاً لإقامة حكومات موالية لها في بلدان تلك الحركات ، وخاصة منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الإستراتيجية له حيث تكمن أهمية هذه المنطقة بالنسبة له في ( ):
1- الأهمية الجيوبوليتكية : أي أهمية الموقع الجغرافي لتلك المنطقة بالنسبة للمناطق الأخرى من العالم .
2- الأهمية الاستراتيجية ، من طرق المواصلات ، وقوة بشرية والاكتفاء الذاتي في مصادر الطاقة والوقود اللازمة للعمليات الحربية .
3- الأهمية الاقتصادية ، من البترول ، والغاز الطبيعي ، كون الشرق الأوسط يحتوي على 63 % من احتياطي البترول العالمي ، فتنتج منطقة الخليج فقط ثمانية ملايين برميل يومياً ، وهذا يعادل 20% من الإنتاج العالمي ، إضافة لقرب هذه المنطقة من السوق الأوروبية، وانخفاض تكاليف الإنتاج وأسعاره وميزته النوعية سواء كان خفيف أو متوسط أو ثقيل .

أما عن ارتباط سوريا بأوروبا تاريخياً فقد ارتبطت بعلاقات قديمة ؛ بسبب موقعها الاستراتيجي حيث تطل سواحلها على البحر الأبيض المتوسط ، وكانت مركزاً تجارياً كبيراً يربط بين أوروبا ، وأسيا ، وقربها من إفريقيا ، لذلك عملت الدول الأوروبية إلى التقارب وإقامة العلاقات المختلفة معها ، وقد حصل أول تقارب بينها وبين سوريا في ظل الدولة العثمانية ، في عهد والي منطقة الساحل السوري الأمير فخر الدين المعني في القرن السادس عشر ، ثم كانت البعثات الأوروبية التبشيرية ثم الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1860 ، التي كانت عاملا مهما ساهم في التلاقي الحضاري بين أوروبا ، ومنطقة المشرق العربي ،إضافة إلى دراسة خلفية العلاقات السورية مع روسيا منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 ، باعتبار أن نجاح هذه الثورة قد ساهم في بروز تيار جديد موال لها في سوريا ، وهو الحزب الشيوعي في سوريا ، وعلى ذلك سيوضح هذا المبحث العلاقات التاريخية بين سوريا والعالم الغربي – إضافة لروسيا الشيوعية- باعتبار أن هذه العلاقات كان لها تأثيرات مستقبلية على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة واعتمدت خطة المبحث على دراسة الخلفية التاريخية لعلاقات سوريا مع كل من الولايات المتحدة ، وفرنسا ، وبريطانيا ، ومن ثم دراسة الخلفية التاريخية لعلاقات سوريا مع روسيا .




أولاً- خلفية العلاقات السورية الغربية ( الولايات المتحدة ، بريطانيا فرنسا )
1. الولايات المتحدة

بدأ تدخل الولايات المتحدة في سوريا منذ عام 1865 ، لكنها اقتصرت في تلك الفترة على إرسال البعثات العلمية الإنجيلية ، وفتح المدارس في الجبال الغربية لسوريا ، من دون أخذ أي مقابل من السكان( ) ، وبعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1914 وانتهت بانتصار الحلفاء ، قررت عصبة الأمم الانتداب من قبل الدول المنتصرة على منطقة الهلال الخصيب التي قسمت وفق اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا( ) وقد بعثت عصبة الأمم لجنة أمريكية سميت لجنة كراين عام 1920 للتعرف على رغبات السكان ، على أساس اختيارهم للدولة المنتدبة التي يفضلونها على غيرها وقد كان رأي معظم السكان أن يكون الاستقلال النهائي لكل سوريا الطبيعية الموحدة مع رفض اتفاقية سايكس بيكو ، وإذا لم يكن هناك بد من الانتداب فإنهم يفضلون الولايات المتحدة على غيرها من الدول باعتبارها صاحبة رسالة في العالم تستند دوافعها على وحدانية البشر ، وريادة مساهمتها العالمي ، ولها تجارب في ذلك ، فقد استقلت عن بريطانيا ووحدت أراضيها ، وتقدمت في جميع العلوم ، وأصبحت من أغنى دول العالم ، فعشية الحرب العالمية الأولى كان دخلها يساوي دخل بقية دول العالم مجتمعة ، لكن كان دخول الفرنسيين دمشق إثر معركة ميسلون وقضائهم على استقلال سوريا ، وإبعادهم الملك فيصل عنها له أثره في نفسية الشعب السوري الذي كان يرى تدخل الولايات المتحدة خاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي ولسون مبادئه الأربعة عشر( ).

وقد كان تأثير الولايات المتحدة على الأحداث في العالم بعد الحرب العالمية الثانية يفوق تأثير الاتحاد السوفياتي ، لأنها كانت خلال فترة الحرب الباردة تقود عدداً من الأحلاف في مناطق مختلفة من العالم ، خاصة أنها ، وحلفاءها يعتبرون الأغنى في العالم ، فرغم خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية فاقدة الانفراد بالهيمنة الصناعية والمالية( )، بعد أن وصلت ميزانيتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى إلى نصف ميزانية العالم بأجمعه ، إلا أنها عملت بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية على العمل لتحقيق ، واستمرار تفوقها التكنولوجي العسكري والعمل على سيطرتها على موارد الطاقة ، والنفط في العالم كون هذه الموارد عصب الصناعة في العالم ، فكانت إستراتيجيتها أن أي تهديد لهذين المجالين سيدفعها لحرب إقليمية أو عالمية ، لذلك كانت أهم مصالحها خلال الحرب الباردة هي ( ):
1. احتواء امتداد النفوذ السوفيتي في المنطقة .
2. دعم سيادة إسرائيل وأمنها.
3. الحصول على النفط بأسعار معقولة من الخليج ، وشمال إفريقيا .
4. استقرار الدول العربية الموالية لها ، وغيرها من الدول الإقليمية الصديقة التي كانت تسهيلاتها العسكرية ، ودعمها السياسي أمرين ضروريين لاحتواء الاتحاد السوفياتي .
5. الوصول إلى المنطقة العربية لضمان التجارة العالمية .

وكان من وسائلها لتحقيق هذه الأهداف هو دعمها ، ومساندتها للدولة الوليدة في الشرق الأوسط وهي إسرائيل ، بالرغم من أنه لم يكن قيام دولة إسرائيل في جنوب سوريا أي في فلسطين مفاجئاً لدول العالم ، فقد كانت الامبراطوريات الحديثة كروسيا والنمسا ، والمجر، وبروسيا ، وفرنسا ، وبريطانيا ، ترغب في قيامها وكل لها أسبابها الخاصة ، وهذا ما ساهم في النهاية في إقامة دولة إسرائيل على جزء من الأرض العربية ( )؛ حيث تتحمل بريطانيا المسؤولية الأولى في إقامة هذه الدولة .




2- فرنسا

كان لفرنسا الأثر السئ في تحطيم سوريا ، إبَّان انتدابها عليها ( )، والذي بدأ منذ سقوط النظام الفيصلي عام 1920، حيث عملت فرنسا على إقامة ما يسمى بلبنان الكبير ، مقتطعة أجزاء من المحافظات المحيطة بمتصرفيه جبل لبنان لتقيم ما سمي فيما بعد بدولة لبنان ، إضافة إلى إقامتها لدولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز ودولة حلب التي كان من أجزائها لواء الإسكندرونة الذي حكم بشكل مباشر من قبلها وهكذا اشتركت فرنسا بتقسيمين لسوريا ، فالتقسيم الأول الذي شمل كل منطقة سوريا الطبيعية (الهلال الخصيب) ، والتقسيم الثاني الذي شمل تقسيم سوريا لتقطيعها إلى دويلات قزمية ، ومنها لبنان ، إضافة لتسليمها لواء الموصل لبريطانيا مقابل أخذ الأخيرة للواء ديرالزور، وتسليمها كليكيا لتركيا لكن تجدر الإشارة إلى أن دولة حلب لم تستمر سوى أربعة سنوات منفصلة عن دمشق ، وظلت دولة جبل الدروز منفصلة حتى عام 1940 ، بينما دولة جبل العلويين حتى عام 1944 ، مع استمرار لبنان منفصلاً عن الوطن الأم حتى الأن لكن أخطر أثر كان لفرنسا على سوريا ، كان تسليمها لواء الإسكندرونة لتركيا عام 1939، وذلك على إثر توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936 ، حيث ادًعت تركيا أن الإدارة التي كانت مفروضة على لواء الإسكندرونة حسب قرار عصبة الأمم هي لفرنسا ، وليس لسوريا التي أصبحت لها إدارة مستقلة نظرياً وبالمقابل رغبت فرنسا في وقوف تركيا إلى جانبها في الحرب الوشيكة مع المحور، ودفعت أيضاً لها أموالاً مقابل ذلك ، وعلى هذا الأساس تنازلت لتركيا عن اللواء ، وكان مساهمة بريطانيا في هذا العمل ( ) ، أنها حثت تركيا على مطالبتها بلواء الإسكندرونة بسبب تخوفها أن يصبح لفرنسا موقعا جغرافياً استراتيجياً (جيوبولوتيكي) على البحر المتوسط ينافس بريطانيا ، بالرغم من أن صك الانتداب لا يجيز لفرنسا التنازل عن أي أراض سورية مع تعهدها بالدفاع عنها .

وعملت فرنسا على تفتيت الوحدة الوطنية في سوريا بإثارتها للطائفية ، منذ تعيين جورج بيكو قنصلاً عاماً على متصرفية جبل لبنان عام 1914 ( )، إضافة إلى تدخلاتها في ظل الدولة العثمانية منذ القرن التاسع عشر( ) ، وخلال فترة الانتداب على سوريا أخذت تمنح الأكراد الكثير من الأراضي ، بالرغم من أن الكثير منهم كانوا مهاجرين من تركيا ؛ بسبب الاضطهاد التركي لهم ، وكان سبب إعطائها الأراضي لهم لمقاومة الحركة الاستقلالية في سوريا بقيادة الكتلة الوطنية( ) ، كما ساهمت فرنسا في تطوير نظام الاقطاع القبلي بدل إدخالها إلى السوق الرأسمالية العالمية ، فتحول الملاك والتجار إلى وكلاء محليين للبضائع الأجنبية المصنعة ( ) مما أثًر سلباً على الحرفيين والصناع الصغار ؛ بسبب منافسة المنتجات المستوردة ، وكان أيضاً من تأثيرات الانتداب فيما بعد استقلال سوريا ، أنها ولًدت عند بعض أبطال استقلال سوريا الالتصاق بالمؤسسات الجمهورية ، وبعاصمتهم دمشق ، بعد أن تحول مركز القومية العربية إلى بغداد بعد رحيل الملك فيصل إليها( ) ، فتميزت سوريا بذلك عن الممالك المجاورة لها في العراق ، والأردن ، كما ظل النفوذ الفرنسي قوياً في الأوساط العسكرية السورية ؛ لأن الكثير منهم كان في جيش الشرق المختلط الذي أسسته في ظل الانتداب ( ) ، فأصحاب الانقلابات العسكرية الأربعة الأولى في سوريا كانوا في هذا الجيش ، حتى أن صاحب أول انقلاب عسكري في سوريا ، والشرق الأوسط وهو حسني الزعيم ، كان يفضل التكلم بالفرنسية على العربية ، كما كان تجهيز الجيش السوري بالأسلحة الفرنسية وليس بمقمساهمته طلب قطع غيار إلا من فرنسا .

3. بريطانيا
لبريطانيا مساهمة كبير في إثارة الأزمات ، ورسم كيان المنطقة( ) ، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ، فلها المساهمة الأول في تحريك الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، وعقد وتنفيذ إتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ، وسلخ عربستان العراقية عن جسم العراق وضمًه لإيران عام 1925، إضافة لإتفاقيات أخرى مع الدول المنتصرة في الحرب الكونية الأولى وكان هدفها من هذه الإتفاقيات هو وضع صيغة نهائية لتقسيم منطقة الهلال الخصيب وسلخ لواء الإسكندرونة ، وكيليكية عن سوريا( ) وقد نصًت المادة 22 حول الانتداب على دول الهلال الخصيب التي قسمت بموجب معاهدة سايكس بيكو على ما يلي: " إلى أن تصل الشعوب التي كانت تحت الحكم التركي إلى درجة من التطور والرقي ، تحولها أن تكون دولاً مستقلة ، تعمل على إرشادها بعض الدول الكبرى في تنظيم أحوالها ، حتى تستطيع وحدها بعد فترة من الزمن أن تحكم نفسها ، وتدير شؤونها "( ) .




وبعد هزيمة الدولة العثمانية في المنطقة العربية عام 1917 ، كانت بريطانيا أولى الدول التي دخلت سوريا ، ثم خرجت منها بناء على مؤتمر سان ريمو في إيطاليا عام 1920 ، حيث وضع ذلك المؤتمر الصيغة النهائية لإتفاقية سايكس بيكو إلا إنه بخروج القوات البريطانية دخلت القوات الفرنسية دمشق عام 1920 بغرض تنفيذ مقررات سايكس بيكو ، وسان ريمو، ثم دخلت بريطانيا لسوريا خلال فترة الحرب الكونية الثانية ، وذلك عقب فشل حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941 ، تلك الثورة التي اشترك فيها الثوار السوريون ، ودعمت بالأموال السورية وقد ظلت بريطانيا في سوريا حتى الجلاء في عام 1946 حيث جلت معها الجيوش الفرنسية ، لكن كان للقوات البريطانية مساهمة في وقف العدوان الفرنسي على مدينة دمشق عام 1945 ، بالرغم من مساهمتها السلبي مع فرنسا في استغلال قضية الأكراد ، وإثارة الطائفية في سوريا ؛ بهدف تمزيق وحدة الشعب السوري( ) وتكمن أهمية سوريا بالنسبة لبريطانيا ، أنها المنطقة التي أعادت لمخيلتها ذكرى الحروب الصليبية وهزيمة وأسر ملكها ريتشارد "قلب الأسد " ، وما يؤكد هذه الحقيقة ما عبًر عنه قائد الجيوش البريطانية الجنرال اللنبي بقوله أمام قبر صلاح الدين الأيوبي عقب دخول القوات البريطانية لدمشق عام 1917:" الآن انتهت الحروب الصليبية يا صلاح الدين "( ) وقوله أيضاً : "نحن جئنا لنكمل عمل الصليبيين"( )، كما قال مخطط الحرب العالمية الأولى المعروف بلورانس العرب : "من دمشق تحكم المنطقة العربية ، لذلك يجب أن نحكم دمشق مباشرة إذا أمكن ، وإلا فبواسطة حكومة من الأصدقاء شريطة أن تكون حكومة غير إسلامية ، وذلك يعني انتصارنا في أي حرب نخوضها "( ) ، كما قال أيضاً : " إذا شيئنا السلام في جنوبي سوريا (الأردن وفلسطين) والسيطرة على جنوبي بلاد ما بين النهرين ، وجميع المدن المقدسة (الحجاز) ، فيجب أن تحكم دمشق مباشرة ، أو عن طريق حكومة صديقة غير إسلامية "( ) وقد اتًبعت بريطانيا وحليفتها فرنسا إستراتيجية إضعاف سوريا والعراق ، من خلال عدة خطط ، منها ألا يكون لهما سواحل كبيرة على البحار لخنقهما ، وإبعادهما عن أي نهضة حضارية ، وأيضاً لتكريس انفصالهما واستمرار انفصال الأجزاء المنسلخة عنهما مثل : الكويت ، لبنان ، الأردن فلسطين .... إلخ ( ) ، وكان لها ذلك من خلال إنشاء الجامعة العربية من خلال وزير خارجيتها أنتوني إيدن عام 1942 ( )بعد أن فرضت على الملك فاروق صديقها مصطفى النحاس باشا رئيساً للحكومة وبه أسست الجامعة العربية حيث وقًع على ميثاقها في مارس 1945 ، وكان هدفها من ذلك إيقاف وحدة سوريا الطبيعية من خلال مشروع الهلال الخصيب ، وكان هذا منهاج الأسرة الهاشمية في العراق ، فبريطانيا لم تكن تقبل بأي وحدة عراقية سورية ولو أنها أرادت وحدتها لكانت تستطيع ذلك بسهولة ؛ لأنها كانت في سوريا قبل 1920 ، وبعد 1941 حتى الجلاء عام 1946، إضافة لما لها من علاقة وثيقة مع العشائر العربية المتواجدة في سوريا، إلا أنها عملت على الدوام على عدم دمج أفراد المنطقة الواحدة( ) ، إضافة لمعارضتها لمشروع سوريا الكبرى الذي وضعه الأمير عبدالله( ) -أمير شرقي الأردن- ودعا إليه ، وقد كان السبب المادي لأهمية سوريا بالنسبة لبريطانيا ، فيما أوضحه الباحث الإنكليزي باتريك سيل بقوله:
" إن من يقود الشرق الأوسط لابد له من السيطرة على سوريا، بسبب موقع سوريا الإستراتيجي فهي تشرف على الممرات الشمالية الشرقية الموصلة إلى مصر، وعلى الطريق بين العراق والبحر المتوسط ، وعلى شمال الجزيرة العربية ، والحدود الشمالية للعالم العربي ، وهي رأس الحركة القومية العربية وقلبها، منذ بداية القرن العشرين ، وهي منبع الأفكار السياسية والمولدة لها، ومرتع الأحلام ، والتصورات الوطنية الكثيرة ، فمعظم المبادئ والتيارات السياسية في العالم العربي ولدت في سوريا وكانت حلب قبل سايكس بيكو، مركز إدارة الشؤون التجارية للأناضول ، وكليكيا، والموصل ، وبغداد ، وفارس ، وكانت الموانيء القائمة على البحر المتوسط تلعب مساهمةاً في خدمة المناطق الداخلية ، أما حمص ، وحماه فكانتا تمدان القبائل البدوية والحماد السوري بالمؤن"( ).

يتبين لنا مما سبق أنه كان هناك علاقات تاريخية للدول الغربية الرئيسية الولايات المتحدة ، وفرنسا ، وبريطانيا ، مع سوريا منذ كانت سوريا مرتبطة بالامبراطورية العثمانية ، لكن كانت العلاقات مع فرنسا أكبر بحكم انتدابها على سوريا فترة ربع قرن من الزمن ، ومساهمتها في تقسيم سوريا ، وفصل لواء الاسكندرونة ، ولبنان عنها ، وذلك بعد التقسيم الأول الذي اشتركت فيه مع بريطانيا من خلال اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، كما تبين أن تأثير الولايات المتحدة كان ضئيلا بحكم أنها كانت تتبع سياسة العزلة السياسية ، وعدم التدخل في أحداث العالم

ثانياً- خلفية العلاقات السورية مع روسيا
من المتعارف عليه أن السياسة الخارجية للدول الشيوعية الدائرة في فلك الاتحاد السوفياتي السابق لاتنفصل عن سياسته الخارجية ، وهذا مايفسر التدخلات المتعددة لهذه الدول في الدول النامية ، فمنذ الثورة الإشتراكية البلشفية في روسيا عام 1917 وحتى نهاية الحرب الباردة التي بدأت بين المعسكرين عشية الحرب الكورية ، كان للاتحاد السوفياتي تدخلاته في الشرق الأوسط من خلال الأحزاب الشيوعية الموجودة في البلدان الشرق أوسطية( ) ، إضافة لهدفه في الوصول لمنطقة الخليج العربي( ) حيث كان للأحزاب والمنظمات الشيوعية مساهمةاً في التأثير على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، فمنذ نجاح الثورة الاشتراكية في روسيا كانت تعمل هذه المنظمات التي كان مركزها موسكو على محاولة نشر أيديولوجيتها في العالم وتنسيق الخطط مع الأحزاب والمنظمات الشيوعية من خلال الاتحاد العالمي للأحزاب الشيوعية في دول العالم " الكومنفورم" .
وكان لخروج الاتحاد السوفياتي منتصرا في الحرب العالمية الثانية بعد اجتياحه لأوروبا الشرقية ، وكثيرا من دول أسيا الوسطى ، المساهمة المهم في محاولاته للسيطرة على العالم ، ونشر مذهبه الشيوعي فيه ، بعد أن كون إمبراطورية واسعة سعى من خلالها ومن خلال الدول الشيوعية التي أعطاها استقلالها في أوروبا الشرقية في مقابل ولاءها له من خلال حلف وارسو الذي كان يسيطر عليه ويوجهه ، إلا أن ذلك تعارض مع توجهات المعسكر الغربي الذي سعى هو الآخر للسيطرة على العالم فكانت الحرب الباردة بينهما ، فساهم الاتحاد السوفياتي في كسب مناطق نفوذ له من خلال الحركات والأحزاب التي تبنت الاشتراكية ، مثل الأحزاب والحركات الشيوعية والقومية كأحد الأهداف الرئيسية في مناهجها ودساتيرها ، وعلى هذا عمل السوفييت على إذكاء التوترات الإقليمية ، والحروب الأهلية بهدف فتح أسواق لتصريف أسلحته ، منذ الحرب العالمية الثانية ، واستنزاف الأرصدة النقدية لهذه الدول من خلال الاتفاقيات العسكرية معها .
حيث شملت مصالح وأهداف الاستراتيجية السوفياتية خلال فترة الحرب الباردة عالمياً( ):
1. الوصول لمنطقة الخليج العربي ، وفك الحصار الغربي للمضائق الاستراتيجية.
2. تأمين وجود عسكري سوفياتي دائم في المنطقة .
3. تحطيم الحزام الشمالي ؛ لإبعاد مصادر التهديد الغربي عنهم من خلال إقامة مناطق نفوذ سوفياتية على امتداد حدودهم .
4. محاولة تطويق حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) من خلال أحكام سيطرتهم على بعض المناطق في إفريقيا وآسيا .
5. اتباع استراتيجية الحرمان للدول الغربية من الموارد النفطية في الشرق الأوسط ، بما يضمن سيطرة السوفييت على عصب الحياة والصناعة التكنولوجيا الغربية .
6. فتح أسواق جديدة في تلك الدول للحصول على العملة الصعبة .
7. محاولة ربط النظم الاقتصادية في هذه المناطق بالنظام الاقتصادي الشيوعي ، و ذلك من خلال إبرام اتفاقيات ومشاريع اقتصادية في المنطقة
8. إقامة نظم حكم موالية لهم في المنطقة ، بهدف توسيع دائرة النفوذ السوفيتي فيها ، وإثبات وجوده كقوة عظمى مؤثرة على المنطقة .
9. الحيلولة دون إقامة أي قوة استراتيجية كبرى على حدودهم أو قريبة منهم وهذا ما يفسر معاداتهم لجميع المشاريع الوحدوية العربية ، خاصة مشروعي الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى .
10. العمل على نشر الأيديولوجية الشيوعية ، من خلال الأحزاب الشيوعية وتقويتها أو بالانخراط في أجهزة الدولة من قبل أعضاء شيوعيين ، حيث يعتبر أي حزب شيوعي في العالم – بحسب رأي الإدارة الأمريكية- تابع للاتحاد السوفيتي سابقا ، وكانت تستخدمه الحكومة السوفيتية في أعمال التجسس ، إضافة إلى سفاراتها وسفارات حلفائها ( )
¬¬¬¬¬¬¬¬
ولتنفيذ الاستراتيجية السوفياتية اتبع الاتحاد السوفياتي عدة خطوات ؛ لإنجاح سياسته وتمثلت بـ ( ) :
1- تعزيز الأنظمة المعادية للغرب .
2- الحصول من هذه الأنظمة على تسهيلات عسكرية .
3- استغلال أخطاء ومعضلات السياسة الأمريكية في المنطقة .
4- العمل للعب مساهمة الحكم في الصدمات الإقليمية .
5- تشجيع الحركات التحررية والوطنية للقوى اليسارية والراديكالية ، بهدف إضعاف الحكومات الموالية للغرب .
6- الوقوف في وجه محاولات الولايات المتحدة الهادفة إلى فرض ، صيغ تتلاءم مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية ، كحلول للصراعات الإقليمية المختلفة .
ثم عمل الاتحاد السوفياتي على دعم هذه الخطوات من خلال بعض الإجراءات التي كان أهمها ( ):
1. المعونات العسكرية والمساعدات الاقتصادية للدول التي تتبنى سياسته
2. عقده لعدد من المعاهدات مثل معاهدات الصداقة والتعاون وغيرها بحيث تكون طويلة الأمد.
3. الدعم الدبلوماسي في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة أو مؤتمر جنيف لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي .

وقد وصلت الأفكار الشيوعية إلى سوريا من خلال الشيوعيين الفرنسيين خاصة بعد المساهمة الكبير الذي بذله اليسار الفرنسي في عهد رئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم( ) لانجاح معاهدة 1936 التي دعت لإنهاء الانتداب عنها ( ) وكان قد تشكل الحزب الشيوعي السوري خلال فترة الانتداب في سوريا ، ولبنان تحت راية حزب واحد ، وذلك بعد اندماج حزب سبارتاكوس- الذي تشكل عام 1925 وكان حزباً معظمه من الأرمن مع حزب الشعب اللبناني ، فشكلا الحزب الشيوعي في سوريا ، ولبنان عام 1928 ، وقد إعلن عنه عام 1930، وكان شعاره " الحرية والخبز "، وقد تحالف هذا الحزب مع الحزب الشيوعي للمستوطنين اليهود في فلسطين( ) ، ثم وقف ضد المحور في الحرب العالمية الثانية بعد قرار هتلر باجتياح روسيا عام 1941 ، لكنه ظل على مدار وجوده في سوريا بعيداً عن تأييد معظم الشعب السوري( ) ، و بعد استقلال سوريا ، ولبنان عام 1943 إنشق هذا الحزب إلى جزءين ، إحداهما في سوريا ، والآخر في لبنان.
وحدد برنامجه في سوريا بـ ( ) :
1. العمل لاستقلال ، وسيادة سوريا التامة وتحريرها الكامل .
2. المحافظة على نظامها الجمهوري الديمقراطي .
3. التضامن مع البلاد العربية لاستكمال تحررها ، وتوثيق الروابط بينها .
4. بسط السيادة الوطنية على المؤسسات الأجنبية .
5. تأمين الحريات الديمقراطية .
6. رفع مستوى البلاد الاقتصادي بحماية المنتجين .
7. معالجة البطالة وحماية العمال بوضع تشريع خاص بهم .
8. تحرير الفلاح من البؤس ، وتوزيع الضرائب توزيعاً عادلا ً.

وقد ازداد مساهمة الحزب الشيوعي في سوريا مع ازدياد قوة الاتجاه القومي فيها منذ نشوء الحركة القومية العربية التي تبنت بعض المبادئ الماركسية( ) رغم معاداتها لها ، وهذا جعل للأفكار اليسارية تأثيرا كبيرا على بعض فئات الشعب السوري الذي كان معظمه يزخر في مستنقع الفقر مع وجود طبقات مسيطرة تمتلك معظم ثروات المجتمع ، وقد تميزت تلك الحركة بأنها حركة قومية عربية محايدة ترفض الانتماء إلى أحد قطبي الصراع في العالم آنذاك ، وترفض الواقع الإقليمي المجزّأ للعرب كما ترفض الأطروحات القومية الأوروبية العنصرية ، والفاشية( ) خاصة بعد تأسيس حركة عدم الانحياز عام 1955 ، وحدوث حرب السويس عام 1956 ، ثمّ إعلان الوحدة بين مصر ، وسوريا عام 1958 ، حيث ظهر في هذه الفترة تيار جديد في سوريا قاده الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد تلاقيه مع قادة التيار القومي العربي اليساري في سوريا .
وأهم الحركات القومية اليسارية التي كان لها هذا المساهمة هي حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تأسّس سنة 1947 ( )، وحركة القوميين العرب التي تأسّست سنة 1951 ، والناصرية التي بدأت بعد ثورة يوليو سنة 1952 التي تشكّلت كتيار وكحركة سياسية بعد سنة 1956 وذلك في المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية( ) حيث كانت الدول الاستعمارية القديمة وخصوصاً فرنسا وبريطانيا قد أُنهكت وأخذت تنسحب من مستعمراتها بفعل الوضع العالمي الذي تشكّل على ضوء موازين القوى التي أوجدتها الحرب العالمية الثانية ، حيث برزت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كقوّتين جديدتين ، ثم بدأت الحرب الباردة بينهما بعد ذلك ، لذلك أوجدت هذه التحوّلات خلخلة في السيطرة الرأسمالية على العالم وأوجدت حليفاً مهماً لحركات التحرّر القومي
لقد أصبحت المنظومة الاشتراكية التي تشمل مساحة واسعة في رقعة العالم تستفيد من الصراعات التي كانت تتم ضد الدول الاستعمارية الرأسمالية( ) ، الأمر الذي كان يربك السياسات الرأسمالية ، ويضعف من قدرتها على التحكُّم بالأمم المتخلّفة والمستعمرات ، في نفس الوقت تطوّرت الحركة القومية العربية ذات بعض التوجهات الماركسية – الاشتراكية – والحليفة للمنظومة الشيوعية ، خاصة بعد هزيمة العرب في فلسطين سنة 1948 ، وقيام الدولة الصهيونية وتحوّلت الحركة القومية العربية إلى قوّة تغيير طالت معظم أرجاء الوطن العربي وذلك خلال عقدين من الزمن ( 1952- 1969 ) ، وإذا كانت قد بدأت في كل من مصر والسودان ، وليبيا دون حزب من خلال تبلورها في حركة أو تيار ناصري يتخذ التجربة الناصرية مثالا له ، إلا أنها بدأت في المشرق العربي من خلال حركة حزبية كان حزب البعث العربي الاشتراكي أكبرها ، لكنها ضمّت كذلك حركة القوميين العرب تلك الحركة التي سرعان ما امتزجت مع الناصرية قبل أن تتفكّك وتتحوّل فروعها في الأقطار العربية إلى الماركسية ، وبالتالي تنشيئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتستلم السلطة في اليمن الجنوبي بعد حرب تحرير قادتها الجبهة القومية ، ومن ثَمّ لتجري محاولة لإعادة تأسيسها من جديد في إطار حزب العمل الاشتراكي العربي الذي كان عبارة عن توحيد بعض فروع الحركة التي اعتنقت الماركسية ، لكن فروع هذا الحزب ظلّت ضعيفة ، وكان أكبرها وأهمها هو : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين( ) .
إلا أنه كان الدور الأهم - في المشرق العربي خصوصاً - هو لحزب البعث العربي الاشتراكي كما ذكر سابقاً ، حيث نشأ بعد تلاشي الحركة القومية العربية القديمة ، التي لعبت مساهمةاً في النصف الأوّل من القرن العشرين ، من أجل تحقيق استقلال العرب ، ووحدتهم ، وكانت انعكاس سياسي لأفكار عصر النهضة العربية، ثم ما لبثت هذه الحركة أن تفكّكت إلى أحزاب قطرية ، ودخل بعضها في معاهدات مع الاستعمار الإنجليزي ، والفرنسي ، تمهيدا لتسملها السلطة بعد إعلان الاستقلال والتكيُّف مع السياسات العالمية الجديدة سواء فيما يتعلّق بالإقرار بالتجزئة التي أنشأتها إتفاقية سايكس بيكو في المشرق العربي وتكريس بنى سياسية ، واقتصادية واجتماعية تتسم بأنها إقطاعية أو عشائرية( ) ، ثَمّ التخلّي عن حلم التطوّر الصناعي وتحقيق الحداثة ، لكنها عجزت عن تحقيق الانتقال من العلاقات الزراعية ، والمجتمع الزراعي إلى العلاقات الصناعية والمجتمع الصناعي بسبب هُزيمتها عبر القوّة تارة وعبر المنافسة والسياسات الاستعمارية وتبعية الأنظمة في الحالة الثانية ( ) .
لذلك تكيّفت الحركات السياسية التي لعبت مساهمة التغيير مع السيطرة الاستعمارية أو حصلت على الاستقلال بالتوافق مع الدول الاستعمارية ، وظلّت العلاقات الاقطاعية هي المسيطرة ، بعد أن تشابكت مع الرأسمال العالمي عبر الفئات التجارية التي كانت تتشكّل ، فضعفت الرغبة بالتطوّر ، والحداثة
والوحدة ، وقُبل الأمر الواقع الذي رسمته الدول الاستعمارية ، لذلك كان البديل عن هذا الخيار التطوّري هو المشروع الشيوعي الذي بدأ ظهوره منذ ثورة أكتوبر الروسية سنة 1917 ، وإمتدّ إلى الصين ، والهند الصينية ، وبلدان أخرى ، ، لكن الحركة الشيوعية العربية حملت مشروعاً آخر، تحدَّد في مساندة البرجوازية في تحقيق مشروعها الرأسمالي ، إلا أن هذا المشروع فشل ، وبهذا كانت التناقضات المجتمعية تتفاقم خصوصاً في الريف الذي كان يعاني من وطأة العلاقات الاقطاعية ، ولكن ازدياد الطبقة العاملة في المدينة كان يفرض على النظام تحقيق الاستقلال والإصلاح الزراعي ، والتصنيع ، والوحدة ، والحداثة وكان الوضع الدولي الجديد قد فتح الإمكانات التي كانت مغلقة قبل ذلك ، وهذا ساهم في تقوية الحركات اليسارية القومية وخاصة حزب البعث الذي بدأ كإنشقاق في التيار الشيوعي في سوريا ولبنان ( ) ، لأن سياسات الحزب الشيوعي حتى سنة 1935 كانت تقوم على أساس رؤية عربية عامة تهدف إلى تحقيق الوحدة القومية العربية ، والإستقلال والإصلاح الزراعي والحداثة والديمقراطية ، وهذا ما جعل سياسة حزب البعث تتوافق مع سياسة التيار الشيوعي .
لكن منذ عام 1963 انقلبت سياسات حزب البعث ، وأصبحت سياسات قطرية وداعمة للتطوّر الرأسمالي بسبب هيمنة النمط الرأسمالي العالمي ، واحتجازه التطوّر في الأطراف ، حيث أصبح الخيار الاشتراكي هو الذي ينتصر في أرجاء العالم المتخلِّف ، وهكذا ظهر هذا الحزب وكأنه يحقِّق التطوّر الرأسمالي في شكل إشتراكي( )رغم أن الواقع أثبت أنها محاولة أثبتت فشلها ، فسرعان ما قادت إلى التكيُّف مع السيطرة العالمية للرأسمالية ، على اعتبار أن الظروف الواقعية تدفع نحو التخلّص من الاستعمار ومن الطبقة التابعة له ، والتي كانت تتشكّل من كبار ملاّك الأرض والبرجوازية التجارية المتداخلة معهم ، ومن الوجاهات ، وأعيان المدن ، إلا أن الأزمة الإجتماعية ازدادت ، وتخلّت الفئات التي قادت الحركة القومية عن مشروع التقدّم الذي حملته ، لكن البديل الشيوعي كان لازال يأمل أن تنتصر الشيوعية ، الأمر الذي دفع بفئات جديدة كي تقوم بمساهمة تغييري عبر الانقلاب العسكري ، في وضع دولي كان يسمح بأن يتحقّق ذلك الانقلاب ، حيث قامت الفئات المنتصرة عبر الجيش بتدمير البنى الاقتصادية الاجتماعية المكرّسة بفعل السيطرة الاستعمارية ، واتخاذ سياسة معادية للرأسمالية عبر التأكيد على الاستقلال وتحقيق التطوّر ، والسعي لتحقيق الوحدة العربية ، وهذا ما يفسر توافق الآراء السياسية للتيار القومي مع الحزب الشيوعي .
فكان تشكّل البعث من فئات مدينية مثقفة تؤمن أن الفكرة القومية هي محور سياسة البعث ، والإشتراكية العلمانية مكملة لها ، وأن قوّة الحزب ونفوذه تتشكل من خلال تغلغله في الريف منافسا في ذلك الحزب الشيوعي الذي كان محور سياسته في المدينة بشكل خاص ، وبالتالي أخذ البعث يعبِّر عن تناقض الفلاحين مع الاقطاع وكبار الملاّك في سوريا ، حيث كان الريف يشكّل الكتلة الأساسية من السكان وكان الصراع بين الفلاحين ، وكبار الملاك ، والإقطاعيين هو محرّك الصراعات في المجتمع ، وهذا يدل أن البعث كان ذو توجهات ماركسية تتوافق مع مبادئ الحزب الشيوعي لهذا كان تبنيه الإصلاح الزراعي كضرورة أساسية لتجاوز اضطهاد الفلاحين ، وفقرهم ، وتخلّفهم ، وهذا الوضع هو الذي دفع فقراء الريف إلى الانخراط في الجيش الذي أصبح منذ وضوح الوضع الدولي الجديد ، وإحساس الشعب أنه غير قادر على الاستمرار في وضعه القائم وأصبح الجيش هو أساس عملية التغيير التي عملت على تحطيم النظم القديمة والطبقة المسيطرة الممثلة في كبار الملاّك والبرجوازية التجارية ، والوجاهات وفتحت الأفق لتحقيق تغيير عميق في بنية المجتمع ، وبالتالي تحوّلت بنية المجتمع من أداة للسلطة القديمة إلى هادم لها ، ورغم أن مختلف القوى السياسية وخاصة الشيوعيون كان لها وجودٌ في الجيش ، إلا أن قوّة البعث في سوريا والعراق هي التي دفعت الجيش لأن يقود الحزب إلى السلطة( ) وأن يصبح ضبّاط الحزب هم من يقرِّر سياسته ، ويرسم مصيره ، لهذا أيقن العسكريون أن المدينة هي البوابة والمدخل إلى السلطة السياسية ، التي بات يُطرح أنها أداة تحقيق الوحدة العربية ، والتقدُّم ، وهزيمة إسرائيل .
وما يفسر تأثر حزب البعث بالشيوعية أنه ظهر التوجه الإشتراكي له منذ تأسيسه عام 1947 ، وذلك عندما تبنى الاشتراكية ، واعتبرها النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكاناته ، وأن الثروة الاقتصادية في الوطن هي ملك للأمة( ) ، وطالب بتحديد الملكية الصناعية ، والزراعية ، وبإلغاء التفاوت والتمايز الطبقيين ، لكنه أصر على أنه مناقضاً للشيوعية ، عندما أبقت اشتراكية البعث على حق التملك رغم تحدّيدها له بقيود ثقيلة ؛ لتتميز عن الشيوعية بالحق في الملكية الخاصة ، وبالحرية بمعنى أن هذه الاشتراكية لا تقوم على إلغاء الملكية الخاصة بل تقوم على التساوي في الملكية ، أو تقليل الفروق بين الملكيات ، لأن الشيوعيين يعتقدون أن وجود الملكية مهما كانت هو الذي يُنتج اللامساواة والتمايز الطبقي بغض النظر عن الضوابط الأخلاقية ، حيث سمح البعث بالاعتداء على الأموال مما حقق التمايز الطبقي مرة أخرى بين أقلية غنية وأغلبية فقيرة ؛ لأن السلطة السياسية بدت وكأنها وسيلة نقل للثروة من طبقة إقطاعية رأسمالية قديمة إلى طبقة جديدة أصبحت جزءاً من الرأسمالية التابعة وكانت هذه النزعة تعبّر في المرحلة الأولى من تأسيس البعث عن ميول الفئات المثقفة المدينية التي كانت تحس بالصراع الطبقي في المجتمع ؛ على اعتبار أن البرجوازية لم تهتم في بناء الصناعة ، لهذا طرح البعث الاشتراكية كنظام اقتصادي ، لكنها كانت على خلاف الاشتراكية الماركسية ( )، حيث لم يمنع الملكية الخاصة و إنما يكرِّسها .
نخلص من هذا المبحث أنه ما كان للأيديولوجيا الشيوعية ، والأفكار اليسارية التي سيطرت على المجتمع السوري في بعض الفترات ، وانتقلت إلى المجتمعات العربية الأخرى أن تهيمن خلال بعض فترات الدراسة ، لولا وجود أسباب كانت كامنة في المجتمع السوري .
وأهم هذه الأسباب كان التمايز الاجتماعي في المجتمع منذ ماقبل الانتداب الفرنسي عليها ، وخاصة وجود صراع طبقي كان من مخلفات الحكم العثماني ومن ثم الانتداب الفرنسي ، إضافة إلى الرغبة الجامحة للقوى اليسارية للتخلص من النفوذ الغربي الذي كانت له قواعده ، ومصالحه في البلدان العربية ، على اعتبار أن الحركات القومية اليسارية في سوريا قد ألقت على عاتقها النضال من أجل الوطن العربي ككل واحد لا فرق بين أجراءه .
لذلك كان توجهها نحو المعسكر الشرقي الذي اتًسم بمعاداته للاستعمار الغربي والقواعد الغربية ، ودعم حركات التحرر الوطني في دول العالم الثالث رغم أنه كان في نفس الوقت يسعى من خلال ذلك إلى كسب مناطق نفوذ في هذه البلدان وهذا ما يفسر لنا تقارب هذه الحركات مع الاتحاد السوفياتي بعد سيطرتها على الحكم ، لكن تبين على الواقع العملي أن هذه الحركات ربطت سوريا بالرأسمالية العالمية من موقع التبعية لها ، فرغم أنها أسقطت الطبقات المسيطرة في بعض الفترات ، وتوجهت إلى المعسكر الشيوعي ، إلا أنها أفادت من خلال إجراءآتها الدول الغربية الرأسمالية وزادت من تبعيتها لها ، وفشلت في تحديث مجتمعها .











المبحث الثاني
مساهمة الدول الغربية الكبرى في ظاهرة
الانقلابات العسكرية السورية ( 1943-1963)

كان انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945 قد أبرز قوتين عالميتين عملاقتين هما الاتحاد السوفياتي ، والولايات المتحدة ، وكل واحدة منهما لها حلفاءها في العالم ، حيث تشكل حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة وحلف وارسو الذي يقوده الاتحاد السوفياتي ، وسعى كل منهما للسيطرة على العالم وحرمان الطرف الآخر من ذلك ، كما صاحب نهاية هذه الحرب ضعف القوتين اللتين كانتا مسيطرتين وهما فرنسا ، وبريطانيا ، حيث عمل القطبين الرئيسيين الولايات المتحدة ، والاتحاد السوفياتي على الحلول محلهما فما هي مساهمة دول المعسكر الغربي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا في إطار حربها مع دول المعسكر الشرقي من خلال ماعرف بالحرب الباردة بينهما ؟ هذا ما سيوضحه هذا المبحث من خلال بحث تأثير الدول الرئيسية في الحلف في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ؛ التي قسمت إلى شقين حيث يبدأ الشق الأول منذ بداية فترة الدراسة عام 1943 وينتهي بعام 1954 ، أما الشق الثاني فيبدأ منذ عام 1954 وحتى نهاية الدراسة عام 1963 ، وقد حددت الدراسة هذه الدول بالولايات المتحدة ، وبريطانيا ، وفرنسا كون هذه الدول كانت الدول الرئيسية في حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة.

أولاً : مساهمة الولايات المتحدة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا (1943-1963)
من المعلوم أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة ثابتة على مدار تاريخها فمصلحة الولايات المتحدة هي التي تحدد سياستها تجاه الدول الأخرى ، حتى وإن تبدلت الفئات والأحزاب والرؤساء فيها ، فما هي المساهمة التي لعبتها الولايات المتحدة في ظاهرة الدراسة التي قسمت فترتها إلى جزأين على أساس أن هذا المساهمة هي جزء من سياستها الخارجية تجاه سوريا ؟ وهل اختلفت سياستها خلال هذين الجزءين ؟ .

1- الفترة (1943-1954)

لدى دخول الولايات المتحدة الحرب ضد المحور إبَان الحرب العالمية الثانية أيَد الكثير من السياسيين السوريين الحرب على المحور ، كما أعلن الرئيس السوري شكري القوتلي الوقوف إلى جانب الحلفاء في هذه الحرب ، وكان هذا الإعلان سبباً في دخول سوريا مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945، والمشاركة بعد ذلك في تأسيس هيئة الأمم المتحدة ، والتي من خلالها أيدت الولايات المتحدة خروج القوات البريطانية ، والفرنسية من سوريا ، حيث كان لهذا الموقف مساهمة إيجابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الشعب السوري .

ولدى جلاء القوات الأجنبية- البريطانية ، والفرنسية - من سوريا في إبريل 1946 ، رفض النظام السوري الذي يقوده الرئيس شكري القوتلي - الذي يؤمن بالحياد مع جميع المحاور الإقليمية والدولية - إتفاقية التابلاين( ) ، كما رفض قرار الهدنة بين الدول العربية ، وإسرائيل الذي أصدرته الأمم المتحدة ، وسلك مسلكاً متشدداً تجاه إسرائيل برفضه إجراء أية تسوية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وطالب بلواء الإسكندرونة ، وقد تزامن ذلك مع إستراتيجية الولايات المتحدة التي كانت ترى وضع سوريا داخل إطار نفوذها الإقليمي( )، بوصفها تمثل منطقة مهمة في الشرق الأوسط ، حيث تمر خطوط البترول ضمن أراضيها ، إضافة لأهمية طرقها الجوية الإستراتيجية ، وأهمية الاحتكارات الأمريكية فيها ومساهمتها الرئيسي في الأزمات السياسية بسبب موقعها كمدخل لشرق المتوسط ونشاطها الكبير حكومة وشعباً في الشؤون السياسية ، والثقافية للعالم العربي وقد كان الهدف من تدخل الولايات المتحدة هو إيجاد زعيم معاد للشيوعية ويرغب في السلام مع إسرائيل ويحقق مصالحها الاقتصادية ، وقد كان قائد الأركان السوري حسني الزعيم هو الرجل المطلوب لذلك ، حيث عمل بعد انقلابه على الحكم في سوريا على ما يلي( ):
1- عقد إتفاقية الهدنة مع إسرائيل .
2- قبل المساعدات الأمريكية التي رفضها نظام الرئيس السوري السابق شكري القوتلي .
3- حسن العلاقات مع تركيا حليفة الغرب .
4- عمل على تحطيم الشيوعية ، والقوى اليسارية في سوريا .
5- صدق على امتياز شركة أرامكو القاضي بأن تقوم شركة خط أنابيب التايلاين بنقل النفط السعودي إلى البحر المتوسط .



وقد أكد هذه الأمور مسؤول المخابرات الأمريكية في دمشق في كتابه لعبة الأمم بقوله: " انتهينا إلى خيارين بخصوص سوريا ، فهي مقبلة إما على ثورة دموية مسلحة يقودها الانتهازيون الاشتراكيون ، أو حركة عسكرية بدعم سري منا ..... وبالطبع كنا مع خيارنا..... كان انقلاب الزعيم من إعدادنا وتنظيمنا ..... وقد حافظ الانقلاب كما رسمنا له على صبغة سورية بحتة أمام الجميع "( )، وبالفعل قامت المخابرات الأمريكية بالتخطيط لهذا الانقلاب في السفارة الأمريكية في دمشق ، حيث كان قائد الانقلاب حسني الزعيم قبيل انقلابه على علاقة جيدة مع الملحق العسكري الأمريكي ، وطاف عشية الانقلاب كل من قائد الانقلاب ، والسفير الأمريكي على متن سيارة مكشوفة في شوارع دمشق ، وقد برر مايلز كوبلاند هذا الانقلاب بأنه كان ضرورياً من أجل الديمقراطية في سوريا ، بحيث تكون مبنية على الإرادة الشعبية ، وإلا فإن فوضى ثورة شعبية قد تطيح بالنظام الحاكم وتنشيء ديكتاتورية قاسية( )؛ لذلك كانت الولايات المتحدة وحليفتاها فرنسا وبريطانيا قد قررت عدم بيع السلاح لسوريا قبيل حرب 1948 لإدراكها ما سيؤول إليه تردى أداء الجيش السوري على نفسية الشعب السوري الذي يعتبر أن جيشه قادر على توحيد أجزاء الوطن السوري( ) .

ولم يثبت أي علاقة للولايات المتحدة في الانقلاب الذي قام به سامي الحناوي عام 1949 ضد نظام الرئيس حسني الزعيم ، بل على العكس عملت على إيقاف نهج قائد الانقلاب الجديد من خلال أديب الشيشكلي الذي كان يشغل قائد اللواء الأول في الجيش السوري ، على اعتبار أن قائد الجيش السوري – سامي الحناوي- كان مؤيداً لمشروع الهلال الخصيب ، وقد سخَّر الجيش لتحقيق هذا المطلب الشعبي بعد فوز حزب الشعب بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية ، فكان انقلاب الشيشكلي يصب في مصلحة الولايات المتحدة ، خاصة بعد أن نشط اليسار في مقاومة مشروع التابلاين ، واعتباره مشروع إمبريالي ، وما يؤكد ذلك أيضاً أن الشيشكلي أعلن استعداده لقبول السلام مع إسرائيل ، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والتفاوض لإجراء اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا والسعي للتوصل إلى اتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن المساعدات العسكرية بعد أن رفض الرئيس السوري مشروع النقطة الرابعة( ) الذي مفاده: " إمداد الدول الأقل نمواً بالمساعدات التكنولوجية والعسكرية في إطار دعم هذه الدول وتقويتها اقتصادياً، لتتمكن من مواجهة واستئصال النفوذ السوفياتي الشيوعي"( ) ، إضافة لرفض النظام السوري الاشتراك في مشروع القيادة الشرق أوسطية التي دعت إليه الدول الغربية ، ومما يدل على علاقة الولايات المتحدة بانقلاب الشيشكلي أن أول حكومة بعد انقلابه قامت بحملة اعتقالات واسعة للشيوعيين بعد قيامهم بمظاهرات إحتجاجاً على التدخل الأمريكي في كوريا عام 1950( )، كما أن الولايات المتحدة بالاتفاق مع بريطانيا وفرنسا قد أصدرت في مايو 1950، الإعلان الثلاثي الذي تضمن تعهد هذه الدول الثلاثة بتأمين الوجود الإسرائيلي ، وبتحقيق التوازن في سباق التسلح بين الدول العربية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ، والتعهد بالتصدي لأي محاولة لتعديل الوضع القائم ، أو تغيير في الحدود التي أرستها اتفاقية الهدنة بين العرب وإسرائيل عام 1949( ).

وبازدياد المد القومي في سوريا ، تشكلت حكومة جديدة أعلنت في نوفمبر 1951 أنها ستتبنى الحياد ، وستقوم بشراء السلاح من الدول الشيوعية ؛ لكسر الاحتكار الغربي له بعد أن اعتبر القوميون أن الغرب هو المسؤول عن قيام دولة أسرائيل وتقويتها ومدها بالسلاح ، والمعونات الخارجية ، كما أعلنت الحكومة الجديدة معارضة تدخل الجيش في السياسة ، وأن رئيس الوزراء نفسه سيتولى وزارة الدفاع إضافة لرئاسة الحكومة ، ونادت بالإصلاحات الاشتراكية ، ورفضت المساعدات الأمريكية المشروطة بتوطين مليون فلسطيني في سوريا ، وفضًلت الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة إن تعلق الأمر بمسألة قبول توطين اللاجئين الفلسطينيين وبالتنازلات لإسرائيل( ) ، كما طالبت بذلك الولايات المتحدة مما تسبب باستياء الولايات المتحدة التي وصفت رئيس الحكومة بأنه أكبر زعيم عربي معاد للولايات المتحدة .
لهذا السبب كان تأييدها لأديب الشيشكلي في انقلابه الثاني بعد 24 ساعة من تشكيل تلك الحكومة التي كانت برئاسة معروف الدواليبي الذي اتسم بعداءه للولايات المتحدة ، حيث اتهم الشيشكلي حزب الشعب بالعمل على بيع سوريا وتخريب جيشها وإعادة الملكية الهاشمية إليها ، ثم تسلم السلطة في يوليو 1953، وكان أول المهنئين له السفير الأمريكي في دمشق ، ثم قام الرئيس الجديد بإجراء انتخابات برلمانية في أكتوبر 1953 فازت فيها حركة التحرير- المؤيدة له- بمعظم مقاعد البرلمان ، أي بـ اثنين و سبعين مقعدا من أصل اثنين وثمانين مقعدا ومقعد واحد فقط للحزب القومي السوري، وتسعة للمستقلين( ) وكان ابتعاد الشيشكلي عن الغرب بعد تسلمه مقاليد الحكم( )، خاصة عقده معاهدة مع نظام محمد مصدق الإيراني القومي في مايو 1953 ، أعلن فيها تضامنه مع إيران ضد مخططات الغرب ، ومناهضة حركة التحرير التي أنشأها للغرب واشتراطه في تعاونه مع الغرب على أسس عادلة ، ثم رفضه لمشروع النقطة الرابعة، ومطالبته بزيادة المخصصات المقدمة لسوريا من شركة البترول العراقية البريطانية التي تمر أنابيبها عبر سوريا إلى نسبة 45 بالمائة من الأرباح واعتباره أن المساعدات الأمريكية المقدمة لسوريا غير كافية ، ورفضه لمشروع الدفاع الشرق أوسطي، وتهديده لإسرائيل بإلقائها بالبحر بعد تأسيسه لجيش قوي متقدم ، وإصراره على أن تحل الولايات المتحدة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين مع ضرورة تدويل القدس ، وترسيم الحدود وصرف نصف الميزانية السورية على الجيش السوري ، وتصاعد القرارات المناهضة للغرب وللصهيونية في عهده ومعاداة الأحزاب له ، بعد أن جعل الاقتصاد السوري أحسن اقتصاديات الشرق الأوسط ، كل ذلك قلل من اعتماد الغرب عليه ، ومهد السبيل لسقوطه من خلال انقلاب مصطفى حمدون في فبراير 1954.


نستنتج مما سبق أن الولايات المتحدة كان لها مساهمة في الانقلابات العسكرية خلال هذا الجزء من الدراسة ، ويكمن السبب في ذلك أن مصلحتها السياسية في فترة مابعد الحرب الباردة كانت تقتضي أن تكون السائدة في المنطقة ، وألا تسمح للمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي أن ينفذ إلى المنطقة ، فكانت سوريا مسرحاً من مسارح الحرب الباردة بينها وبين المعسكر الشيوعي .



2- الفترة (1954-1963)

تميزت هذه الفترة بازدياد النشاطات الشيوعية في سوريا بعد سقوط النظام السوري عام 1954 مما جعل الولايات المتحدة تستاء من هذا الوضع في سوريا فقررت تنفيذ بعض الإستراتيجيات الأخرى تجاه سوريا ؛ وابتدأت بتنفيذ نظرية دلاس التي تتعلق بمفهوم الحزام الإستراتيجي الجنوبي الذي مؤداه : "فصل مسؤولية الدفاع الإقليمي عن مسألة الصراع الإسرائيلي أو الصراعات العربية العربية ، من خلال مفهوم الردع الشامل عبر قواعد إقليمية هامة، يشن منها الهجوم على مراكز القوة السوفياتية والتعاون مع القواعد الإقليمية ضد تلك المراكز "( )، مما حذا بالقواعد اليسارية والشيوعية إلى زيادة نفوذها من خلال اتهامها للولايات المتحدة بأنها تدعم اليمين المحافظ الممثل بحزب الشعب ذي الأغلبية البرلمانية( ) ، والحزب الوطني خاصة بعد سقوط نظام محمد مصدق في إيران عام 1953، إضافة إلى انقلاب غواتيمالا وكلا الانقلابين ، إيران وغواتيمالا كانا بفعل المخابرات الأمريكية مما أدى إلى زيادة قوة اليسار في المؤسسات السورية ، وخاصة المؤسسة العسكرية .

كما ازداد بالمقابل تدخل الولايات المتحدة مع سقوط الشيشكلي منذ عام 1954 خاصة عندما قبلت سوريا بالصين لتشارك في معرض دمشق الدولي، حيث احتجت الولايات المتحدة على قبول سوريا لمشاركة الصين الشعبية، باعتبارها لا تعترف بها في ذلك الوقت ، فكان هذا الاحتجاج قد أثار مشاعر الشعب السوري الذي طالب بطرد السفير الأمريكي من دمشق( )، أيضاً كان رفض الحكومات السورية المتعاقبة لمبدأ أيزنهاور ( ) ، مما حذا بالبضائع الأمريكية بمضاربة البضائع السورية في أوروبا وفسخت المصانع التركية ، والعراقية المعتمدة على القطن السوري عقودها مع سوريا وقاطعت معظم الدول المرتبطة بالولايات المتحدة ، معرض دمشق الدولي ، وأعلنت شركة نفط العراق الإنكلوأمريكية تقليص إنتاجها ، وأوقف العمل في بناء أكبر خطوط النفط عبر سوريا ، وطردت آلاف العمال السوريين، كما رفض البنك الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة ، وحلفاءها منح القروض لسوريا ، أو التعامل معها .

وأيضاً ازداد تدخل الولايات المتحدة في سوريا عقب حلف بغداد الذي دعت إليه بريطانيا عام 1954 ، حيث أن الولايات المتحدة عارضت هذا الحلف بشكل غير مباشر على اعتبار أنها كانت تسعى للسيطرة العالمية ، ووراثة مناطق نفوذ كل من بريطانيا وفرنسا في العالم ( ) ، وما يؤكد أن هذا الحلف يخدم بريطانيا بالدرجة الأولى هو( ):
1-كونه سلاحا عسكريا ضد الإتحاد السوفياتي .
-2 أداة سياسية للقوة البريطانية والعراقية في العالم العربي، بعد أن فقدت بريطانيا مصر في أعقاب ثورة يوليو عام 1952.

ومن التأثيرات السلبية التي تعرضت لها سوريا خلال تلك الفترة أن الولايات المتحدة عملت على التخلص من الحزب القومي السوري( )، وهو أخطر الأحزاب اليمينية السورية ، المعارضة لسياستها في المنطقة ، حيث رفض جميع العروض التي عرضتها عليه الولايات المتحدة ، ثم رفضت قيادة هذا الحزب عام 1955 أي تعاون مع الولايات المتحدة ، مما حذا بالمحلق العسكري الأمريكي بدمشق أن يخطط للقضاء على هذا الحزب ، فاستغلت التوتر بين نائب قائد الأركان السوري عدنان المالكي وبعض أعضاء الحزب ؛ بغرض اغتيال المالكي وكان لها ما أرادت وذلك عام 1954

وكان من الأسباب التي أثارت اليسار السوري في ذلك الوقت ، أن الولايات المتحدة بعثت إلى سوريا في يونيو 1954 برئيس المخابرات العسكرية الأمريكية( ) لذا طالب اليسار بتغيير وزير الدفاع السوري ، والضغط على الرئيس السوري لرفض المساعدات الأجنبية ، والمطالبة بضرورة رفع المستوى المعيشي ، وتحقيق إصلاحات ديمقراطية ، وهنا يتبين مساهمة اليسار في تحقيق الإستراتيجية الأمريكية بشكل غير مباشر ، وذلك بسبب التناقض في هذه الآراء على اعتبار أنه لا يمكن رفع المستوى المعيشي ما لم تقبل المساعدات الأمريكية وبالفعل أدى ذلك إلى سقوط الحكومة في يونيو 1954، ثم كانت بعض المحاولات الانقلابية التي تدخلت فيها الولايات المتحدة وأفشلتها في نفس الوقت بسبب أنه كان لها أصدقاء في الجانبين -المعارضة والحكومة- في نفس الوقت بالرغم من دعوات السفير الأمريكي في دمشق بضرورة وضع حد للنشاط الشيوعي في سوريا - الذي كان يؤيده اليسار القومي - ومن أهم هذه المحاولات خطة ألفا وتسمى أحياناً عملية التيه أو عملية الانتشار، وقد كانت عام 1956 عندما اجتمعت لجنة أمريكية بريطانية عراقية ؛ لتدرس مخطط انقلاب عسكري( ) فقدمت الولايات المتحدة قسماً من الأسلحة للمتآمرين ، كما قدم العراق قسماً آخر، إضافة إلى بعض الأموال والإغراءات المالية لبعض السياسيين ، ثم حشد العراق قسماً من قواته على الحدود الأردنية السورية في أكتوبر 1956 وذلك بهدف دعم الانقلابيين ، لكن كشفت المؤامرة نهاية 1956


ورغم دخول الولايات المتحدة في اللجنة العسكرية لحلف بغداد على أساس أن هذا الإنضمام يتيح لها -بالاتفاق مع دول الحلف - مهاجمة سوريا ، بحجة أنها تهدد أمن المنطقة ، وهذا ما يفسر اقتراب الأسطول السادس الأمريكي من الشواطيء السورية ، وتمركز قوات تركية على الحدود السورية عام 1957 لكن كل ذلك كان لجعل سوريا تبتعد عن العراق ، وعن التوجهات الشيوعية وعن التقارب من المحور السوفياتي ، تمهيداً لتحطيمها ، والسيطرة عليها وإدخالها ضمن متطلبات السوق الرأسمالية العالمية الذي تقوده الولايات المتحدة لأنه لا فائدة للولايات المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا ، بسبب أن ذلك سيفسح المجال لزيادة التدخل البريطاني في المنطقة ، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة ، التي ترغب بالانفراد بالسيطرة وتقويض أي قوى منافسة لها في المنطقة ، إضافة إلى ما سببه هذا الحلف من عدم استقرار حكومي في سوريا منذ قيامه .

كما أشارت صحيفة المنار التابعة لحزب الإخوان المسلمين في الحادي عشر من إبريل من عام 1957، أن زعماء البعث قد اجتمعوا بالسفير الأمريكي لمدة ساعة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الولايات المتحدة كانت تلعب على محورين وهكذا كان فشل الخطة السابقة قد أدى لازدياد المد الشيوعي في سوريا ( )، مما حذا برئيس المخابرات المركزية الأمريكية إلى القول بأنه لاتوجد قيادة حقيقية في سوريا وأن على الولايات المتحدة أن تبدأ بخطة أخرى ليتم لها من خلالها التدخل فكانت خطة أوين عام 1957 التي اشترك فيها الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي والملحق العسكري السوري في إيطاليا ، لكن كشفت الخطة أيضاً من قبل المخابرات العسكرية( ) ، وعلى إثر فشلها وتورط مسؤولين في السفارة الأمريكية فيها ، أعلنت الحكومة السورية أن مسؤول المخابرات الأمريكية في السفارة الأمريكية هوارد ستون شخص غير مرغوب فيه ، إضافة إلى أحد مستشاري السفير الأمريكي ووضعت الملحق العسكري الأمريكي بدمشق تحت المراقبة الشديدة ، فردت الولايات المتحدة بطرد السفير السوري من واشنطن .

وفي يناير 1957، أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور ، عن مشروعه الذي سمي بمشروع أيزنهاور( )، الذي اتهم فيه الاتحاد السوفياتي برغبته في السيطرة على العالم من خلال نشره للشيوعية ، وأن هذا الغرض هو محور اهتمامه في الشرق الأوسط كما رأى وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك أن الولايات المتحدة تنظر إلى الدول المتخلفة، على أنها غير قادرة على المجابهة أمام الدول الكبرى وأنها لابد أن تقع في شرك الشيوعية السوفياتية ؛ لذلك فإنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تتدخل لتضمن استقلال هذه الدول ، وعلى هذا الأساس خول الكونجرس الأمريكي ، الرئيس أيزنهاور لإقامة نظام دفاعي سمي - مشروع أيزنهاور- على أن يكون بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال بعض الدول الشرق أوسطية ، وقد هدفت من وراءه وقف المد الشيوعي الذي يتهددها وقد اشتركت عدة دول فيه أهمها العراق ، وتركيا ولبنان ، فأرسلت الولايات المتحدة سكرتير وزير خارجيتها لوي هندرسون، إلى تركيا، وقابل كل من رئيس الحكومة التركية وملك العراق وملك الأردن ، في أغسطس 1957 ، ثم قابل الرئيس اللبناني ، بعد ذلك صرح هندرسون قائلاً : " إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم الدعم الملائم لجيران سوريا المسلمين في حالة تعرضهم للإنتهاكات السورية "( ) ، وقد رفضت مصر ذلك المشروع وأعلنت أن ما ستقدمه الولايات المتحدة من مساعدات هو عبارة عن إغراءات مالية الهدف منها تقويض القومية العربية للأقطار المشتركة معها وبسبب السياسة المصرية تجاه هذا المشروع توترت العلاقات المصرية العراقية والمصرية اللبنانية باعتبار أن العراق ولبنان أيدا المشروع .



كما عملت الولايات المتحدة على فصل سوريا عن مصر خلال الوحدة بين سوريا ومصر رغم أنها أيدت هذه الوحدة ودعمتها فور قيامها( ) ، وكان ذلك بسبب العداء بين نظام الحكم في عهد الوحدة وبين الولايات المتحدة التي رأت فيه أنه يؤثر سلباًٍ على مصالحها ، ومصالح حلفائها في الشرق الأوسط ، لكن لم يكن النظام الذي ساد بعد الانفصال عن دولة الوحدة بنفس ما كانت تريده الولايات المتحدة ؛ حيث اتسم النظام الجديد بمعاداته للسياسة الأمريكية ؛ لهذا السبب عملت الولايات المتحدة وإسرائيل على إسقاط هذا الوضع في سوريا فكان عصيان حلب عام 1962 من تحريض القنصلية الأمريكية ، وما يؤكد على مساهمة الولايات المتحدة لإسقاط الوضع القائم في سوريا إبان حكم الانفصال ما أكده أحد المسؤولين الأمريكيين لأحد أعضاء الوفد السوري الذي زار الولايات المتحدة عام 1962 بقوله: " إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تؤيد أي نظام في العالم الثالث ما لم يكن فيه قائد الجيش ، ورئيس المخابرات على اتفاق تام مع الولايات المتحدة "( ) وكان تصريح رئيس الحكومة السورية للسفير الأمريكي عقب تشكيل حكومته قد أثار الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث قال : " إننا لا نخدعكم بالقول المستحب عندكم ، فلا نعدكم بما يعدكم به غيرنا فنحن لا نقبل الصلح مع إسرائيل ، ولا تحويل نهر الأردن ، ولا توطين اللاجئين الفلسطينيين ولكننا لن نقوم بهجوم على إسرائيل"( ) وبسبب ذلك عملت الولايات المتحدة منذ الانفصال على الضغط على البنك الدولي للحيلولة دون إقراض سوريا، التي تسلمت خزينة فارغة بعد الانفصال ، ووضع مدير البنك الدولي شروطاً كثيرة تهدد استقلال سوريا ، مما أدى إلى رفض الحكومة هذه الشروط( ) .

وبعد انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، تتالت على النظام الجديد القروض والمعونات بمبالغ ضخمة ( ) بحيث بلغت 40 مليون دولار، وهذا ما يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن حكم الانفصال ، لذلك مهدت لانقلاب مارس 1963، من خلال انقلاب مبدئي في العراق في 8 فبراير 1963 حيث كان ذلك الانقلاب من تدبير المخابرات الأمريكية لأن القيادة القومية لحزب البعث العربي كانت على علاقة مع المخابرات الأمريكية ( ) .
وما يؤكد علاقة الولايات المتحدة بذلك الانقلاب أن النظام الجديد قام بعقد اتفاقيتين مع الشركات الأمريكية النفطية ، مما حذا بأحد المنشقين عن حزب البعث وهو أكرم الحوراني إلى فضح هاتين الاتفاقيتين من خلال حزبه الجديد وهو الاشتراكيون العرب ، حيث وزع صورة وثيقة البترول التي تؤكد أن النظام السوري الجديد ، قد سلم موارد البترول السورية للشركات الأمريكية ، وقد فسر السفير الأمريكي في بيروت أسباب تأييد الولايات المتحدة لنظامي البعث في سوريا والعراق بقوله :
" إن من حق حكومتي أن تؤيد حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق، لما أظهره من شجاعة في مكافحة الشيوعية، ومن هنا كان اعتراف الولايات المتحدة السريع بنظام الحكم الجديد في كل من سوريا ، والعراق بعد الانقلابين الأخيرين، وتسلم البعث الحكم في البلدين المتجاورين ودعم سياسة الحكومتين السورية والعراقية التي ترمي لمكافحة الشيوعية " ( ) .
نستنتج مما سبق أن تدخلات الولايات المتحدة في سوريا للمساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الجزء من فترة الدراسة ، كان بسبب ازدياد شدة الحرب الباردة بينها وبين المعسكر الشيوعي الذي يقوده الاتحاد السوفياتي الذي حاول إقامة حكومات موالية له في سوريا ، كما كانت تدخلاتها بسبب بعض الخطوات التي قام بها النظام السوري ، أو حاول القيام بها بحيث لم تتوافق مع سياستها تجاه سوريا والمنطقة المحيطة بها أو لا تحقق مصالحها ، وخاصة في جعلها تندمج ضمن متطلبات السوق الرأسمالية الذي تقوده الولايات المتحدة .

وعلى هذا الأساس يتبين لنا مما سبق مساهمة الولايات المتحدة في مساهمتها في الانقلابات العسكرية المتعددة التي تعرضت لها سوريا خلال فترة الدراسة فلم تخف مساهمتها في هذه الظاهرة - وفق التقسيم النظري لفترة الدراسة إلى فترتين - حيث تبيًن أن الولايات المتحدة كانت تمارس سياستها في اتجاهين الاتجاه الأول كان حربها الباردة مع دول المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي وكانت هذه الحرب بالتعاون مع حلفائها من دول حلف الناتو خاصة فرنسا وبريطانيا إضافة إلى تركيا وإسرائيل ، أما الاتجاه الثاني الذي لعبته الولايات المتحدة فكان حربها الخفية لاستئصال النفوذ البريطاني ، والفرنسي من سوريا وكان عملها هذا من خلال إيجاد حكومات موالية لها في سوريا بحيث تحقق لها مصالحها ، وتبتعد عن المعسكر الشيوعي ، والتوجهات الإشتراكية .











ثانياً : مساهمة فرنسا في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا
( 1943-1963)

برزت المساهمة الفرنسية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا منذ استقلال سوريا عام 1943 ؛ بسبب ما كان لها من مصالح في المنطقة بعيد فترة الدراسة خاصة في الجزء الأول من فترة الدراسة ، وقد استمرت هذا المساهمة حتى منتصف الجزء الثاني من فترة الدراسة ؛ بسبب تعرض مصالحها للخطر لكن قلت مساهمتها بعد ذلك بسبب ازدياد حركات التحرر التي قامت ضدها في المستعمرات التي كانت خاضعة لها.

1- الفترة (1943-1954)


كان انتداب فرنسا لسوريا مدة ربع قرن من الزمن قد جعل سوريا ترتبط مع فرنسا بعلاقات ثقافية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية ؛ لذلك استمرت تدخلاتها في سوريا بعد الاستقلال ، إلا أن نظام الحكم في سوريا عمل على التقليل من تدخلاتها رغم الصعوبات التي واجهته ، لأن سلاح الجيش السوري كان فرنسياً ويعتمد عليها كليا ؛ لذلك أيدت فرنسا انقلاب الزعيم ، وحثت الدول الأخرى على الاعتراف بحكمه ، وكان السفير الفرنسي على اتصال دائم معه ووعدت بالدفاع عن الحكم الجديد لو تعرض للخطر( )، خاصة بعد أن تعهدت الولايات المتحدة بالاعتراف بهذا الحكم وأنها ضد أي تغيير في خارطة المنطقة ، كما كانت فرنسا من بين الأوساط الغربية التي ضغطت لدفع قائد الانقلاب لتسليم زعيم الحزب القومي السوري أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية التي أعدمته وفق محاكمة صورية خلال أربع وعشرين ساعة فقط وهذا مما أثار الشعب السوري ضده( ) زد على ذلك أن فرنسا نفسها قد ساهمت في تهيئة الجو لذلك الانقلاب ، فعملت على تجميد الودائع ، والأرصدة السورية في البنوك الفرنسية ، وعدم إتاحة المجال لاستقلال العملة السورية عن العملة الفرنسية( ) مما حذا برئيس الحكومة السورية إلى أن يقترح في البرلمان عام 1948- عند مناقشة ميزانية الدولة- تخفيض رواتب الضباط وتسريح قسم منهم ، وتخفيض نفقات الجيش.

كما كان لفرنسا علاقات اقتصادية ، وثقافية في سوريا منذ ماقبل الاستقلال واستمرت لما بعد الاستقلال ، إضافة لعلاقاتها مع السياسيين السوريين الذين تربوا على الجهاز الإداري الموروث عن الإدارة الفرنسية ، وما فيه من قوانين فاسدة استغلها بعض الاداريين في الدوائر الحكومية لتحطيم هيبة الدولة ( ) ، كما كان سقوط الحكومة السورية عام 1946، بسبب أن فرنسا رفعت ضماناتها عن النقد السوري( ) ومما يدل أنه كان لفرنسا علاقة بذلك الانقلاب أن قائد الانقلاب قد وقع بعد انقلابه على اتفاقية النقد مع فرنسا حيث كانت قد رفضتها الحكومة السابقة( ) إضافة لما قام به من سمسرة مع فرنسا من خلال تجارة الأسلحة( ) .

لهذه الأسباب جميعها استاءت فرنسا من انقلاب سامي الحناوي ، وخاصة بعد دعوته لمشروع الوحدة مع العراق ، بسبب مصالحها في لبنان ؛ لذلك عملت على إسقاط قائد الانقلاب الجديد عن قيادة الجيش ، وذلك بإغراءات مالية بعض الصحف حتى لا تتعرض لسياسات فرنسا في وقوفها ضد الوحدة السورية العراقية( )، ثم عملت على استخدام نفوذها بين ضباط الجيش لأجل ذلك أيضاً ( ) وعملت من خلال شركة البنك السوري الموالية لها على تأخير الاتفاق الاقتصادي الذي كان جاهزاً في البرلمان بين سوريا والعراق ، واتفقت مع السعودية ومصر ؛ لإنجاح خططها وتدخلاتها في سوريا ؛ لهذه الأسباب فقد أيدت انقلاب الشيشكلي عام 1949 مباشرة ، ومما يدل على أن قادة الانقلاب كانوا على اتفاق مع فرنسا هو أن الصحف السورية في إبريل 1951، أصبحت تتحدث عن مساويء السياسة الإنكليزية القديمة ولم تكن تذكرها في حينها ( ) فصارت تذكرها بعد أن أصبح مصرف سوريا ولبنان –الفرنسي- يوزع الرشاوي على الناس باسم فرنسا ، كما أن الصحف الفرنسية أصبحت تصف الشيشكلي بأنه بطل استقلال سوريا ؛ لأنه أوقف الوحدة مع العراق في نفس اليوم الذي كان مقرراً فيه التصويت عليها في البرلمان ، وأنه أعاد لها بعض نفوذها( ).

ولم تكتف فرنسا بالمساهمة في إسقاط قائد الجيش السوري ، بل عملت على تقويض النظام ، والحكومات المؤيدة للوحدة مع العراق ، من خلال مساهمتها في إسقاط الحكومات التي شكلها حزب الشعب – المؤيد للوحدة مع العراق- وقد أكد على ذلك رئيس الحكومة السورية آنذاك عندما اتهم فرنسا بمسؤوليتها في سقوط حكومته بقوله:

" لقد وجدوا أنهم لا يمكن أن يتحملوا كوننا نعمل من أجل الوحدة العربية، وكانوا يخشون أيضاً أن نعمل على انتزاع بنك سوريا ولبنان من سيطرة فرنسا، إن حكومتي هي أول من أمم المشروعات الأجنبية في الشرق الأوسط، لقد استولينا على شركات المياه والكهرباء الفرنسية في حلب، وشركة الكهرباء الفرنسية في حمص ، وشركات الكهرباء والنقل الإنكليزية في دمشق، وإدارة حصر التبع الفرنسية ، فاعتقد الفرنسيون من ثم أن لدينا بالنسبة للبنك خططاً مماثلة " ( )
وعندما قام الشيشكلي بانقلابه الثاني في نوفمبر 1951، اعترفت فرنسا وتركيا وبريطانيا مباشرة بالنظام الجديد( ) ، وأصبح نظام الشيشكلي يتقارب مع فرنسا واخترقت الشركات الفرنسية الاقتصاد السوري( ) ، وبسبب تخوف فرنسا من التقارب العراقي السوري بعد لقاء الرئيس السوري مع رئيس الحكومة العراقية في يونيو 1952( )، ثم اجتماع الموفد العراقي لبحث الوحدة بين سوريا ، والعراق مع وزير الخارجية السوري ، لذلك عملت فرنسا على دعم المناهضين للوحدة العراقية السورية منذ ذلك الوقت و حتى سقوط الشيشكلي عام 1954 .

يتبين مما سبق أن المساهمة الفرنسية في الانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة كان بسبب مصالحها الاقتصادية في سوريا بسبب ما كان من ارتباط لسوريا بفرنسا خلال فترة الانتداب الفرنسي عليها ، أيضاً بسبب المصالح الفرنسية القوية في لبنان والتي استمرت بقوتها خلال هذه الفترة .

2- الفترة (1954-1963)

استمرت فرنسا في سياستها القديمة بعد سقوط الشيشكلي عام 1954 بوقف أي تقارب سوري عراقي ، فعارضت حلف بغداد ( )، وساهمت بالضغط على سوريا لجعلها ترفضه ، خاصة بعد إزدياد المد القومي في سوريا بعد اعتلاء عبد الناصر كرسي الرئاسة في مصر ، وبروز الناصرية في مصر التي غيَرت جذرياً إمكانيات الطاقة العربية ، وقادت حركة التحرر الوطني في المنطقة وساهمت في تغيير نمط تفاعلات النظام العربي مع النظام الدولي والنظم الإقليمية الأخرى ، وهذا ما جعل لها أتباع في سوريا ، حيث توافقت الأفكار الناصرية مع الأحزاب الراديكالية القومية واليسارية وخاصة مع حزب البعث العربي الاشتراكي ، وازدادت المطالب بإقامة الدولة العربية الكبرى ، وبعدم الانحياز إلى أي من المعسكرين ، وكان لذلك أثر كبير في إثارة تركيا التي تخوفت من ازدياد المد القومي واليساري في سوريا وهذا جعلها تحشد قواتها على الحدود السورية في مارس 1955، ثم في عام 1957

كما رفضت فرنسا تزويد سوريا بالأسلحة منذ سقوط نظام الشيشكلي بحجة الدعم السوري للثورة الجزائرية التي ابتدأت منذ عام 1954 ، وقد أدى تدخلها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مع كل من بريطانيا وإسرائيل ، - بعد قرار النظام المصري تأميم قناة السويس ، حيث كانت لها حصة في القناة إضافة لما كان من علاقة للنظام المصري في دعم الثورة الجرائرية وإنشاء مكاتب لها في مصر - قد أبعد سوريا عنها بشكل كبير فقطعت العلاقات الدبلوماسية معها( )، خاصة بعد خطفها للطائرة التي تقل زعماء الثورة الجزائرية حيث اندلعت المظاهرات في سوريا أمام السفارة الفرنسية في دمشق والقنصلية الفرنسية في حلب ، وأحرقت بعض المدارس الفرنسية في سوريا وكان تلكؤ أجهزة الأمن السورية ظاهراً للعيان في إيقاف هذه المظاهرات ؛ لأن هذه الحوادث كانت من خلال المواليين للنظام المصري ، خاصة رئيس المكتب الثاني ( المخابرات العسكرية ) عبدالحميد السراج الذي أصدر أوامره بعدم التعرض لهذه المظاهرات ، وبالرغم من أن وزير داخلية النظام السوري أمر بإطلاق النار على المتظاهرين ، لكن ضباط الأمن لم يستجيبوا لأوامره( ).


لكن ضعف تأثير فرنسا بعد ذلك بسبب ازدياد حركة التحرر الوطني في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص ، وبالأخص في بلدان المغرب العربي حيث استقلت تونس والمغرب ، وأصبح مساهمتها متوافقاً مع تأثير الولايات المتحدة وذلك بعد أن أدركت أنها لا تستطيع أن تكسب مصالح لها في سوريا من دون تأييد الولايات المتحدة ، أو بما يتوافق مع سياستها – الولايات المتحدة - في المنطقة .


يتبين لنا مما سبق أن المساهمة الفرنسية في الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة كان بسبب تعرض مصالحها في لبنان ومصر-قناة السويس- ، وفي الجزائر للخطر ، بسبب ازدياد حركات التحرر التي قامت ضدها في مصر في عهد عبد الناصر الذي عمل على تأميم قناة السويس ، وفي الجزائر حيث كان انطلاق الثورة الجزائرية ضدها ، وبروز التيار القومي – الناصرية وحزب البعث العربي الاشتركي- الداعي للابتعاد عن المعسكر الغربي بكل السبل .

وعلى هذا الأساس نخلص إلى أن العلاقات السورية الفرنسية قد ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة الأولى للدراسة ؛ بسبب استمرار بعض مصالحها في سوريا بعد استقلال سوريا عنها عام 1943 وخروج قواعدها من سوريا عام 1946 ، إضافة إلى مصالحها الخاصة في لبنان لهذه الأسباب وغيرها فقد عملت على عدم إتاحة المجال لأي حكومة سورية تسعى للوحدة مع العراق ، أو تسعى للتقارب مع الاتحاد السوفياتي ، أو تحاول الابتعاد عنها ، لكن تناقصت مساهمتها خلال الفترة الثاتية من التقسيم الزمني الذي اعتمدته الدراسة ويمكن تفسير ذلك ؛ بسبب انشغالها في حروب التحرير التي قامت ضد احتلالها لكثير من الدول خاصة في إفريقيا ، إضافة إلى تصاعد نفوذ العملاقين في دول العالم الثالث ومحاولة كل منهما أن يكون الوريث الوحيد للمناطق المستقلة عن الامبراطوريتين القديمتين بريطانيا وفرنسا .









ثالثاً : مساهمة بريطانيا في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا
( 1943- 1963 )

كان لبريطانيا مصالح كثيرة في المنطقة العربية خلال فترة الدراسة خاصة فكانت ثمة اتفاقيات مشتركة بينها وبين العراق ومصر والأردن ؛ وسمة هذه الاتفاقيات تحقق لها مصالحها الاقتصادية في هذه الدول ؛ لذلك كانت التوجهات السياسية السورية محط أنظار السياسة البريطانية في المنطقة ، فالحفاظ على مصالحا كان يتطلب وجود نظام موال لها أو لا يسعى للتأثير سلباً على مصالحها فما هي المساهمة التي قامت بها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال جزأي فترة الدراسة ؟ .







1- الفترة (1943-1954)

بالرغم من العلاقات الودية التي سادت بين سوريا ، وبريطانيا عقب الاستقلال السوري في 7 أغسطس 1943( )، خاصة بعد تدخلها عسكرياً ضد فرنسا عندما قصفت فرنسا دمشق بالمدافع عام 1945، إضافة إلى نصيحة رئيس وزرائها ونستون تشرشل للرئيس السوري بإعلان الحرب على المحور في عام 1945 حتى يتسنى لها حضور مؤتمر سان فرنسيسكو في فبراير 1945، ورغم ذلك كان لبريطانيا جواسيسها في سوريا( )، كما عملت على خلق المحور المصري السعودي( ) لمجابهة واستبعاد وحدة سوريا ، والعراق من خلال مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى ، حيث كان لهذين المشروعين الكثير من الآثار السلبية على استقرار الحكومات ، والأنظمة التي تدعو إليهما ، سواءا في سوريا أم في العراق لذلك كانت إستراتيجية الرئيس السوري للحفاظ على الاستقرار الوزاري في نظامه هو اتباع طريق الحياد ، خاصة أنه كان على علاقة شخصية بأسرة آل سعود .

وقد كانت بريطانيا راضية عن هذا الوضع ، لهذا فقد عارضت انقلاب حسني الزعيم حيث كانت على دراية تامة به ، حتى أنها بعثت للرئيس السوري تحذره من انقلاب محتمل سيقوم به قائد أركان الجيش ( ) ، لكن الرئيس السوري استبعد هذا العمل وما يؤكد على عدم رغبة بريطانيا في هذا الانقلاب أن كل الاتفاقيات التي عقدها الزعيم لا تدخل ضمن مصالح بريطانيا في المنطقة ، ولكنها ساهمت في إثارة ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا قبل انقلاب الزعيم ، لكن إثارتها كانت غير مباشرة، حيث امتنعت شركتها (ABC) العاملة في العراق عن توزيع الكاز والبنزين في سوريا باعتبار أنه لم تكن ثمة مصفات للنفط في سوريا( )، وكان ذلك بقصد الضغط على سوريا لقبول تمديد خط كركوك بانياس والضغط على الجيش السوري إبان حرب 1948 في فلسطين بقصد منعه من مساعدة القوات المصرية التي كان الجيش الإسرائيلي مشتبكا معها في النقب وكان لذلك أثره السئ على الشعب السوري ، الذي قام بالمظاهرات التي شملت مختلف المدن السورية ، كما لم يثبت أن يكون لها أي مساهمة في انقلاب الحناوي بالرغم من التهم التي وجهت إليها حول ذلك كونها تعارض مشروع الهلال الخصيب ، وأي مشاريع وحدوية أخرى في المنطقة خاصة أن ذلك الانقلاب دعا للوحدة مع العراق .


وأدركت بريطانيا أن وجودها بات مهدداً في المنطقة بعد انقلاب الشيشكلي نهاية عام 1949 ، وذلك أمام تعاظم نفوذ الولايات المتحدة ، والاتحاد السوفياتي فيها( ) خاصة بعد أن قوبلت زيارة قائد قواتها في الشرق الأوسط إلى سوريا بالاستياء الشديد في فبراير 1950 ، فقاد اليسار المظاهرات الكبيرة ضد تلك الزيارة خاصة بعد تصريحه الذي قال فيه : " إن بريطانيا في حاجة إلى سوريا كرباط ودي بين القوات البريطانية المرابطة في قناة السويس، والمراكز الأمامية في العراق المحاذية للحدود السوفياتية "( ) ، وبعد هذه الزيادة التقى المسؤولون العسكريون البريطانيون مع نظرائهم الأمريكيين في مالطا ، وتبع هذه الزيارة مباشرة ، زيارة لمساعد وزير الخارجية الأمريكية إلى سوريا ، فزاد ضغط اليسار على الحكومة السورية ، مما ساهم في سقوطها ، فتشكلت حكومة جديدة عام 1950 وأعلنت رفضها لمساعدات النقطة الرابعة ، ودعت للحياد وبسبب أنها- الحكومة الجديدة- لا تمثل الأكثرية البرلمانية سقطت ، ثم جاءت حكومات تدعو للوحدة مع العراق( ) لكن اليسار تدخل ضد هذه الوحدة ، بدعوى أن هذه الوحدة ؛ ستجعل الوصي العراقي ملكاً على سوريا، إضافة إلى علاقة النظام العراقي ببريطانيا .

يتبين لنا مما سبق أن المساهمة البريطانية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ؛ كانت بسبب المصالح البريطانية في العراق بشكل رئيسي ، إضافةً إلى مصالحها في مصر والأردن ، فكانت خشيتها من وقوع أي وحدة سورية عراقية ، أو سورية أردنية ؛ قد تؤثر على مصالحها دافعاً لها لأن تعمل ضدها ، كما كانت التوجهات السورية للأنظمة المختلفة التي حكمت سوريا دافعاً لها أيضاً للوقوف ضد أي سياسة يتبعها النظام ضد وجودها في المنطقة خاصة التوجهات القومية التي بدأت بالبروز خلال هذه الفترة .



2- الفترة (1954-1963)


تميزت هذه الفترة - بعد سقوط الشيشكلي في 1954 - بازدياد التدخل الشيوعي في الشؤون السورية ، وسيطرة اليسار على الجيش السوري ؛ لذلك تخوفت بريطانيا من هذا الوضع في سوريا بإدراكها أن الشيوعية ستصل إلى العراق برغم محاولة الرئيس السوري التقليل من مخاوفها حيال هذه القضية ، بعد أن أكد أنه مصمم على دحر الشيوعية ، واليسار ، والأفكار اليسارية التي يشيعها البعث وخطته في ذلك كانت تقوم على ما يلي( ):
1- عين مدير المدرسة العسكرية من اليمين الموالي له بغية إبعاد الضباط اليساريين عن الترشيح للمدرسة .
2- زار الجبهة، وأكد أن مهمة الجيش هي الدفاع عن الوطن ، وعدم الانخراط بالسياسة .
3- تحالف مع حزب الشعب .
4- استقبل زعيم إتحاد نقابات العمل ، وزملاءه ، وشجعهم على المزيد من النشاط ضد اليسار .

وبالرغم من ذلك فإن بريطانيا ظلت تشك في قدرة اليمين على التغلب على الشيوعية مدركة أن اليسار هو المسيطر على الجيش من خلال بعض الضباط لذلك عمدت إلى إقامة حلف دفاعي يقي العراق من خطر الشيوعية التي تهدد مصالحها في العراق ، والأردن ومصر، وكان هذا هو حلف بغداد عام 1954 الذي كان له تأثير سلبي على الاستقرار السياسي في سوريا ، حيث سقطت الحكومة السورية من خلال اليسار عام 1954 بسبب عدم إدانتها له ، وبالرغم من عدم تأثيره السلبي على المصالح السورية ، كونه يدعم اليمين المحافظ أمام الخطر الشيوعي ، إلا أن اليسار ممثلاً بالبعث ، والشيوعي ، والكتلة اليسارية المستقلة في البرلمان قاموا بالتنديد به ثم عملت مصر على التنديد به ، على أساس أنه ضد الوحدة العربية ، والأهداف القومية ، لكن كان لهذا الحلف تأثير سلبي على النظام العراقي نفسه فيما بعد ، حيث أدى إلى تقويضه من خلال حركة يوليو عام 1958، وبذلك انتهت مصالح بريطانيا في العراق بعد مصر عقب تأميم قناة السويس عام 1956، وما سببه عدوانها مع فرنسا وإسرائيل، على تقوية اليسار في سوريا، خاصة في ظل عملية التيه التي اشتركت فيها مع العراق والولايات المتحدة ؛ لإسقاط النظام السوري من خلال انقلاب عسكري( ) ، لكن كان كشف العملية قبل تنفيذها قد جعل العلاقات شاسعة بينها ، وبين الحكومات السورية المتعاقبة ، خاصة بعد أن نسف رئيس المكتب الثاني أنابيب النفط المارة بسوريا والتابعة للشركة البريطانية خلال العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 ( ) ، ولم تعد الحكومة السورية العلاقات مع بريطانيا أو تسمح لها بإعادة تصليح ما خربه الانفجار إلا بعد موافقتها على عدة شروط هي:

1- تعويض مصر عن خسائرها بنتيجة العدوان الثلاثي على مصر.
2- الاعتراف بحق مصر في تأميم قناة السويس.
3- تسوية جميع المشكلات العالقة .

كما أن هذا العدوان سبب متاعب جمة للنظام السوري ساهم في عدم استقراره بسبب المظاهرات الشعبية ضد العدوان الثلاثي على مصر، وكما ذكر سابقا أنه كان إدراك بريطانيا أنها لا تستطيع مجابهة الولايات المتحدة في المنطقة، قد جعلها تؤثر السير وراءها، فكان اشتراكها في انقلاب البعث في العراق عام 1963 لإسقاط النظام العراقي حيث اعترف النظام الجديد بالكويت ، ثم كان لهذا الانقلاب أثره السيء على سوريا فيما بعد حيث تسبب بانقلاب 8 مارس في سوريا عام 1963.

يتبين لنا مما سبق أن مساهمة بريطانيا في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة كان ملحوظاً ، بسبب تعرض مصالحها في مصر والعراق والأردن للخطر نتيجة ثورة يونيو في العراق عام 1958 وتأميم قناة السويس في مصر عام 1956 ، وطرد قائد الجيش الأردني كلوب باشا- انكليزي- من الأردن في عام 1956 ، وازدياد المد القومي في سوريا ومصر خلال هذه الفترة والذي توج بقيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 .






نستنتج مما سبق أنه كان لبريطانيا مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ؛ فبسبب مصالحها الاستراتيجية في المنطقة المحيطة بسوريا ، إضافة لمصالحها الخاصة في سوريا ، عملت على استقطاب دول المنطقة من خلال حلف بغداد الذي كان له آثاراً سلبيةً على سورية ؛ بسبب انقسام الرأي في سوريا بسببه ، كما حاولت أيضاً إسقاط الحكومات ، والأنظمة التي لاتؤيده ، أو تسعى للوحدة مع مصر ، حيث رأت أن ذلك سيؤثر على مصالحها في العراق والأردن ، لكن مساهمة بريطانيا في ظاهرة الدراسة كانت الأبرز في الفترة الزمنية الثانية التي قسًمت بموجب الدراسة ، ويكمن السبب في ذلك أن مصالحها في العراق ومصر ، أصبحت في خطر أمام تزايد النفوذين السوفياتي ، والأمريكي ، وتصاعد المد التحرري القومي ، الذي سعى لإنهاء أي قواعد أو مصالح لها في المنطقة .


نخلص من هذا المبحث إلى أنه كان للدول الغربية مساهمتها في إحداث ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وكان لذلك مساهمةً كبيرة في إثارة العوامل الداخلية في سوريا ؛ لكسر أي حالة استقرار للنظام السياسي القائم فيها ، فكان تأثير الولايات المتحدة من خلال ارتباطها مع حليفيها في الشرق الأوسط إسرائيل ، وتركيا ؛ كما أن نزوع الولايات المتحدة للسيطرة العالمية ، وخاصة في منطقة إستراتيجية مهمة في الشرق الأوسط كسوريا ورغبتها أن تكون الوريث الوحيد للإمبراطوريتين القديمتين بريطانيا وفرنسا اللتين عملتا على الدفاع عن آخر معاقلهما في الشرق الأوسط أمام تصاعد قوة الدولتين العظميين بعد الحرب العالمية الثانية ، وعدم إتاحة المجال لسيطرة منافسها الاتحاد السوفياتي في هذه المناطق ، كل ذلك جعلها تعمد إلى بناء التحالفات العديدة مع بعض الدول في هذه المناطق مثل تركيا التي بينها وبين سوريا مشاكل حدودية مثل قضية لواء الاسكندرونة ، وإسرائيل التي كانت- الولايات المتحدة- أولى الدول التي اعترفت بقيامها ، أيضاً ساهمت العلاقات السورية الفرنسية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة بسبب استمرار بعض مصالح فرنسا في سوريا بعد استقلال سوريا عنها عام 1943 ، وخاصة بعد خروج قواعدها من سوريا عام 1946 إضافة إلى مصالحها الخاصة في لبنان ، لهذه الأسباب ، وغيرها فقد عملت على عدم إتاحة المجال لأي حكومة سورية تسعى للوحدة مع أي قطر عربي أو تسعى للتقارب مع المعسكر الشيوعي ، أو تحاول الابتعاد عنها ، وهذا ما ورًطها في العديد من المؤامرات السرية ضد سوريا ، أيضاً كان لبريطانيا مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة حيث عملت على استقطاب دول المنطقة من خلال حلف بغداد الذي كان له أثارا سلبية على سورية ومساهمتها في إسقاط الحكومات ، والأنظمة التي لاتؤيده أو تسعى للوحدة مع مصر ، حيث رأت أن ذلك سيؤثر على مصالحها في العراق ، والأردن ، وهذا ما يفسر تورطها أيضاً في العديد من المؤامرات ضد بعض الحكومات ، والأنظمة السورية خلال معظم فترة الدراسة ، لكن تجدر الإشارة هنا أن تأثير الولايات المتحدة على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا قد سار وفق استرتيجية مرحلية انتهت بتقليص النفوذ البريطاني والفرنسي على مدار التقسيمين الزمنيين لفترة الدراسة ، فتناقص التأثير البريطاني خلال الفترة الأولى ، ترافق مع تزايد التأثير الفرنسي ، وبالعكس خلال الفترة الثانية ، وتفسير ذلك أن المد التحرري في إفريقيا قد ازداد خلال الفترة الثانية ، وهذا ما جعلها تقلل إهتماماتها في سوريا أمام تصاعد التدخل البريطاني على سوريا خلال نفس الفترة ؛ بسبب أنً مصالح بريطانيا قد تهددت في مصر ، والعراق ، والأردن ، لكن قلت تدخلاتها في نهاية الفترة الثانية عندما أدركت أنها لا تستطيع الوقوف أمام القوتين العظميين في العالم فآثرت السير وراء الولايات المتحدة حتى تضمن شيئاً من مصالحها في هذه المناطق من خلال الولايات المتحدة نفسها .



المبحث الثالث
مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة
الانقلابات العسكرية في سورية (1943-1963)

رغم أن بعض الأيديولوجيات قد لا تتوافق مع عادات وتقاليد مجتمع ما ، حيث ستولد نتيجة وجودها معارضة أيديولوجيات أخرى مناقضة لها كون الأخرى تتوافق مع عادات ، وتقاليد ، وطبيعة المجتمع ؛ لأن اختلاف التيارات الأيديولوجية في المجتمع سيولد الصراع فيما بينها ، وأهم التيارات التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في سوريا هي ( ):
1. التيار العلماني الليبرالي : الذي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة ، وتدريب العقل وتنظيمه بالإقبال على العلوم الوضعية والتجريبية ، ويكون الإصلاح عن طريق التطور ، ويعتمد على مبادرة القادة الذين يدفعون الإصلاح نحو الأمام .
2. التيار الديني الذي ينطلق من التسليم بعظمة الدين عقيدةً وشريعةً ، وأنً انتصاراته نتيجة للأفضلية الروحية على المادية .
3. التيار الراديكالي الذي يدعو إلى ثورة شاملة تحدث تغييرات جذرية في جميع مجالات الحياة في المجتمع .

فهل كان وجود الأيديولوجية الشيوعية المرتبطة بالاتحاد السوفياتي من خلال الحزب الشيوعي السوري ، والأحزاب الاشتراكية القومية الداعية إلى التقارب مع المعسكر الشيوعي ، ضمن هذه التيارات السالفة الذكر عاملاً لظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ؟ .
هذا ما سيوضحه هذا المبحث من خلال بحث مبررات انتساب بعض النخب السياسية في المجتمع السوري للحزب الشيوعي السوري الموالي للاتحاد السوفياتي ، إضافة للأحزاب القومية اليسارية المؤيدة للتقارب مع المعسكر الشيوعي ، والمعادية للمعسكر الغربي ، وما مدى انطباق الإستراتيجية السوفياتية تجاه العالم الثالث في إطار صراع دول المعسكر الشرقي مع دول المعسكر الغربي على حالة سوريا خلال فترة الدراسة ؛ التي قسمت إلى فترتين زميتين من خلالهما يتم رصد مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا.


أولاً : مساهمة الحزب الشيوعي السوري في ظاهرة الانقلابات العسكري في سوريا ( 1943-1963)

من المعروف أن الحزب الشيوعي السوري كان تابعاً لمنظمة الأحزاب الشيوعية – الكومنفورم- والتي أصبح اسمها فيما بعد الكومترن ، وكان مركز هذه المنظمة هو موسكو ، حيث تتحدد مواقف هذه الأحزاب من خلال مواقف وإستراتيجيات المعسكر الشيوعي الذي يقوده الاتحاد السوفياتي ، فما مدى انطباق ذلك على مواقف وإستراتيجيات الحزب الشيوعي في سوريا ؟ وهل ساهم هذا الحزب في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة تحقيقاً للاستراتيجية السوفياتية ؟.

1- الفترة (1943-1954)

من المعلوم أن الحزب الشيوعي في سوريا يرتبط ارتباطا جذرياً بالاتحاد السوفياتي ؛ بسبب تطابق مصالحه مع مصالح الإستراتيجية السوفياتية ، وقد كان هذا التأثير منذ ثلاثينات القرن العشرين ، حتى قيل حول توافق سياسة الحزب الشيوعي في سوريا مع سياسة الاتحاد السوفياتي تجاه سوريا ،" عندما تمطر في موسكو فإن الشيوعيين يحملون المظلات في دمشق " ، وهذا يعنى أن الحزب الشيوعي لم يكن يتخذ قراراته من واقع الحياة في سوريا وإنما من خلال أوامر قادة الحزب الشيوعي في روسيا الشيوعية قبل الحرب العالمية الثانية ، والاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية ، لهذا السبب فقد ربط الباحث بين مساهمة الحزب الشيوعي في سوريا وبين تأثيرات الاتحاد السوفياتي في سوريا ، على اعتبار أنه كان يسعى للسيطرة على الحكم في سوريا ، وإقامة الأيديولوجية الشيوعية ، ومناطق نفوذ له فيها ، فمنذ انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 بدأ الاتحاد السوفياتي يتدخل في العالم من خلال الدعاية الشيوعية التي بدأت تنتشر في سوريا منذ عام 1925 ، ثم ظهر تأثيرها بشكل أوضح بعد تشكيل الحزب الشيوعي لسوريا ، ولبنان عام 1930 ، حيث كان لهذا الحزب ارتباطاته بالحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان بمساهمته مرتبطا بالحزب الشيوعي الروسي وبالمنظمة الشيوعية العالمية للأحزاب الشيوعية الكومترن وبالتالي كانت تدخلات روسيا في سوريا خلال فترة ماقبل استقلال سوريا عام 1943 تتم من خلال الحزب الشيوعي السوري ، وبما أنه كان حزبا صغيرا ذو تأثير ضعيف لذلك كان تأثير روسيا الشيوعية خلال هذه الفترة ضعيفا أيضاً .

ونتيجة وجود تيارات سياسية عديدة في سوريا خلال فترة الدراسة حدثت بعض التصادمات فيما بينها بسبب الصراع على السلطة ، حيث اتسم الحزب الشيوعي بعدائه للحزب القومي السوري( ) ، فوصفه بالفاشية ، وبالتعاون مع النازية في ألمانيا ، ثم حدث تصادم بينهما في نوفمبر 1945 ، كما اتسم هذا الحزب أيضاً بالعداوة لحزب الإخوان المسلمين ، حيث اتهمه بالعمالة للإنكليز، ثم عمل على التنسيق مع الحزب الكردي الديمقراطي البارتي الذي أسسه الملا مصطفى البرازي في روسيا عام 1945( ) ، وأنشأ له فروعاً في سوريا ، والعراق وتركيا وإيران وأخذ ينشر المطبوعات ، والمجلات الخاصة به ، رغم أن حزب البارتي تميز بميوله للقومية الكردية ، وأولويتها على مصلحة الوطن ؛ حيث نصت المادة 21 من حزب البارتي على ما يلي : " السعي لمساندة إخواننا الأكراد أينما كانوا في نضالهم من أجل استكمال حرياتهم وحقوقهم القومية ...." ( ) ، كما أكد أنهم لا يسعون لأي تقارب مع العرب إلا بقدر التقارب مع الأقليات الأخرى .

وبرز تأثير الحزب الشيوعي في سوريا على أنظمة الحكم فيها ، منذ تأييده تقسيم فلسطين عام 1947 ، حيث أثار الرأي العام ضده ، فقامت مظاهرات ضده وهاجمت مكاتبه ، وهرب زعيمة إلى خارج البلاد ، وتفسير ذلك أنه يستمد أوامره من الحزب الشيوعي السوفياتي من خلال ما يعرف بالشيوعية العالمية لكن زاد نشاطه إبان حكم حسني الزعيم فعمل على توزيع منشورات ؛ لإسقاط حكمه بسبب أنه ناهض الشيوعية واعتبرها مناهضة للقومية العربية حيث قال قائد الانقلاب حول ذلك: " إننا قوميون قبل كل شيء "( ) ، ثم رد على المنشورات الشيوعية باعتقال المئات من الشيوعيين ، ثم عارض هذا الحزب دعوات الوحدة بين سوريا والعراق في أعقاب انقلاب سامي الحناوي حيث وزع منشورات ضد هذه الوحدة جاء فيها: " يسقط مخطط الوحدة السورية العراقية ، مخطط أصدقاء الإمبريالية ، ومخطط العبودية والحرب "( ) ، وقد أيد ذلك أكرم الحوراني النائب في البرلمان آنذاك فشن حملة في اللجنة التأسيسية ضد وحدة سوريا والعراق .

ثم نشط الحزب في أعقاب انقلابي أديب الشيشكلي عامي(1949 -1951) فأخذ يصدر صحيفة نضال الجماهير بشكل سري ، ويوزعها على أعضائه الذين سماهم أنصار السلام ، ثم أصدر صحيفة السلام ( ) ، وعارض زيارة وزير المستعمرات البريطانية إلى سوريا ، وقام بتنظيم مظاهرات ضده ، ثم قام بتنظيم مظاهرات ضد تقارب الحكومة السورية أنذاك مع الولايات المتحدة الأمريكية فسقطت الحكومة ثم انضم إلى مؤتمر حمص للإطاحة بالشيشكلي عام 1953 وشارك مع الإخوان المسلمين في مهاجمة البرلمان عقب تولي رئيس البرلمان السوري لمنصب الرئاسة بعد تنازل الرئيس أديب الشيشكلي عنها في فبراير 1954 ، كما هاجم الإذاعة معهم ، وبالتالي ساهم في إسقاط النظام ، وبذلك أصبحت له قوة كبيرة بعد ذلك .

يتبين لنا مما سبق أن مساهمة الحزب الشيوعي السوري في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة لم يكن سوى من أجل تحقيق أهداف ومصالح الاتحاد السوفياتي في تحقيق تقارب الأنظمة السورية المتعاقبة معه أيضاً كان سعيه لإسقاط أي نظام يسعى للتقارب مع الغرب ، أو للوحدة مع العراق أو الأردن على اعتبار أن كلا نظامي الدولتين كان موالياً للغرب.

2- الفترة ( 1954-1963)
من أهم الأمور التي برزت خلال هذه الفترة أنه ظل الحزب الشيوعي حليفاً قوياً لحزب البعث حتى عام 1957 ( ) - رغم أنه كان منذ تأسيسه عام 1947 حليفاً له لكن بدرجة أقل من هذه الفترة - حيث أخذ البعث بعد تلك الفترة يبتعد عنه في بداية عام 1958؛ بنتيجة ازدياد قوة الشيوعيين في سوريا ، خاصة بعد أن استغل مع حزب البعث ، مقتل نائب قائد الأركان السوري ، ومن ثم مساهمته الجدية له في تصفية الحزب القومي السوري في البرلمان والشارع ، وخاصة بعد صعود أول نائب شيوعي في الشرق الأوسط إلى البرلمان عقب انتخابات 1954 في سوريا فأخذ يصدر صحيفة النور، ثم زادت قوته ونفوذه بشكل كبير خلال الفترة 1957 - 1958، حيث ارتبطت سوريا بالاتحاد السوفياتي بشكل كبير وكان من المقرر أن تجري الانتخابات البلدية في خريف 1957 ، وكان من المؤكد أن يسيطر عليها الشيوعيون ، لكن البعث- الذي سيطر على الجيش - أخذ يؤجلها أسبوعاً وراء آخر، حتى ألغيت أواخر عام 1957 ، كما كان الشيوعيون يضغطون لحل البرلمان القائم ، وانتخاب برلمان جديد في ربيع 1958، بحيث يسيطرون على مقاعده ، قبل انتهاء مدة البرلمان القديم بعدة شهور، بعد أبعاد بعض النواب عن البرلمان ؛ بسبب تورطهم في المؤامرات المختلفة ، لكن هدفهم الخفي – الشيوعيون- كان وصولهم إلى السلطة عن طريق البرلمان ، برغم تظاهرهم بالقومية العربية ، والوطنية والدعوة للانتقام للمالكي إضافة إلى إثارتهم للمشكلات البسيطة غير المهمة في طريقهم ؛ لإرباك البرلمان وحله ( ) وعلى هذا الأساس كان التحالف البعثي الشيوعي سبباً لانهيار كثير من الحكومات في فترة ما بعد الشيشكلي وحتى الوحدة مع مصر عام 1958، وفي ذلك يقول زعيم الحزب الشيوعي آنذاك " نحن الشيوعيون نمد أيدينا لكل الأحزاب والتيارات السياسية وبشكل خاص حزب البعث"( ).

وفي إطار التحرك الشيوعي في تلك الفترة لسوريا والشرق الأوسط عموماً رأى وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دلاس ما يلي : ( )
1. إنعاش مفهوم منظمة الدفاع الشرق أوسطي القديم .
2. تسخير النظام المصري - من حيث لايدري - لصالح الغرب ؛ لوقف التوسع الشيوعي ، من خلال إعطائه الحوافز المادية والمساعدات .
وكانت إستراتيجيتهم في ذلك استغلال أخطاء النظام المصري ، إضافة لأصدقائهم في مجلس قيادة الثورة المصري مثل علي صبري ، وسامي شرف ، وهذا ما يفسر التدخل المؤيد مع بعض العناصر من النخب السورية ، وخاصة عناصر من حزب البعث فخلال هذه الفترة وجد البعث نفسه على مفترق طرق هي( ) :
1- الاستسلام للشيوعية وأن تصبح سوريا دولة تمساهمة في فلك السوفييت
2- الاستسلام لحزب الأغلبية وهو حزب الشعب الذي سيجرها للوحدة مع العراق .





وهذا لا يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية ولا مع الإستراتيجية المصرية إضافة لتخوف عناصر حزب البعث من فقدان مراكزهم في الجيش والدولة فكان انقلاب قائد الأركان السوري عفيف البزري بدعم البعث من أجل الوحدة مع مصر، برغم رفض الحزب الشيوعي لهذه الوحدة حيث تغيب زعيمه عن حضور جلسة التأييد للوحدة في البرلمان عام 1958( ) ، وسافر إلى خارج البلاد معلناً رفضه حل الحزب الشيوعي بعد اشتراط عبد الناصر حل جميع الأحزاب ، ثم صرح زعيم الحزب الشيوعي بقوله : " إننا نرحب بالوحدة، إذا ضمنت حرية الأحزاب، ونلعنها إذا خنقت حريتها في سوريا كما خنقتها في مصر"( ) .


وفي ظل الوحدة أصبح أي نقد للنظام ممنوع، وسيؤدي بصاحبه إلى الاتهام بالشيوعية، فعندما قام قائد الجيش الأول بإجراء بعض التنقلات، اتهم بأنه شيوعي وأن هدفه تعيين الموالين له من ذوي الميول الشيوعية( )، وعندما انتقد وزير الصحة في الحكومة المركزية للحكومة التي جعلت تكاليف الإقليم السوري بالنسبة للجيش أعلى بعدة أضعاف من ميزانية الإقليم المصري ، اتهم بالشيوعية أيضاً وغيرهم من المسؤولين السوريين ، كما أنشأ وزير الداخلية في الإقليم السوري جهاز مخابرات لمكافحة الحزبية والحزبيين في كل أنحاء سوريا( )، ثم ابتدأ بالشيوعيين فاعتقل المئات منهم، وعذب الشيوعيين- إضافة إلى بعض اليساريين - بشكل كبير وهذا ما أثار الرأي العام في سوريا، وقد اشتد سخط النظام ضدهم بعد خطاب زعيم الحزب الشيوعي السوري في بكين في سبتمبر 1959 بمناسبة العيد العاشر للثورة الصينية حيث تهجم على نظام حكم الوحدة( ).



وبعد سقوط نظام الوحدة عقب انقلاب سبتمبر 1961، حاول الحزب الشيوعي استعادة مركزه في الجيش والحياة السياسية ، لكن معاداة قائد الانقلاب للشيوعية جعلته لا يقوى على المنافسة ، ولم يستطع الفوز بأي مقعد في انتخابات 1961 لكن في نفس الوقت عمل الشيوعيون على تأييد التيار الاشتراكي المعادي لإلغاء إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي ، كما ساهموا بعدم استقرار النظام من خلال توزيعهم للمنشورات وإثارتهم للمظاهرات في ظل حرية التعبير التي سادت خلال فترة حكم الانفصال ، لكنهم وإن كانوا قد أيدوا حزب البعث بعد استيلائه على الحكم بعد فشل انقلاب يوليو عام 1963، بسبب تبنيهم لإجراءات التأميم والإصلاح الزراعي ، إلا أنهم اتهموا زعماء حزب البعث في سوريا ، والعراق بالعمالة للاستعمار، فيؤكد منشور سري للحزب الشيوعي في يناير 1964 على ذلك بقوله: " إن سياسة البعث في سوريا والعراق لم تكن إلا سياسة مدروسة رسمها وخططها أصدقاء للاستعمار مندسون في قيادة البعث أمثال ميشيل عفلق وصلاح البيطار،وعلي صالح السعدي وزمرتهم "( ) .

يتبين لنا مما سبق أن مساهمة الحزب الشيوعي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة كانت ملحوظة ؛ فكان ازدياد تدخلات الاتحاد السوفياتي في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة بسبب ازدياد حدة الحرب الباردة بين المعسكرين ، لكن كان رفض هذا الحزب للوحدة السورية المصرية عام 1958 ، ورفضه لأي تقارب مع الولايات المتحدة خلال عهد الوحدة جعله يثير بعض الأمور التي ساهمت في ظاهرة الانقلابات في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة.



يتضح مما سبق أن تأثير الحزب الشيوعي في سوريا خلال فترة الدراسة هو تأثير خارجي كونه تابع أساسي للمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي ، وما يثبت ذلك أن تأثير الحزب الشيوعي قد ازداد مع ازدياد تأثير الاتحاد السوفياتي في سوريا خاصة في الفترة الزمنية الثانية التي قسمت بموجبها فترة الدراسة والتي اتسمت بازدياد حدة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي ؛ لأن مساهمة الحزب الشيوعي السوري في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة كانت تصب في تنفيذ الإستراتيجية السوفياتية في سوريا مثل العمل على عدم تقارب الأنظمة ، والحكومات السورية مع الغرب ، والعمل على تحويل سوريا كتابع للسوفييت ، وتحقيق النفوذ السوفياتي في سوريا ، وهذا ما يفسر مساهمة هذا الحزب في العديد من العمليات التي ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، كما يفسر مواقفه بمعاداة التقارب السوري العراقي قبل ثورة يونيو عام 1958 في العراق على اعتبار أن العراق كان ذو توجهات غربية ، ومساهمته أيضاً في العمل ضد مشروع دفاع الشرق الأوسط وحلف بغداد ، ومبدأ أيزنهاور وحلف الناتو ، وغيرها من الأحلاف ،والمعاهدات الغربية التي حاولت ربط سوريا بها .

ثانياً : مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ( 1943-1963)

في إطار صراع المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة مع المعسكر الشرقي الذي يقوده الاتحاد السوفياتي في إطار الحرب الباردة بينهما ؛ التي ابتدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، وازدادت حدتها خلال الحرب الكورية عام 1950 ؛ لذلك ظهر التنافس بين المعسكرين على السيطرة على مناطق النفوذ في العالم ، خاصة بعد انحسار الاستعمار القديم ممثلاً بفرنسا وبريطانيا عن المنطقة العربية ، ومنها سوريا التي تتمتع بموقع إستراتيجي مهم في العالم ، لذلك سعى الاتحاد السوفياتي لإقامة أنظمة موالية له في العالم ، فما مدى انطباق هذه الاستراتيجية على حالة سوريا خلال فترة الدراسة ؟ .


1- الفترة ( 1943-1954)

تشكل سوريا منطقة مهمة في الشرق الأوسط ، كونها حلقة اتصال بين أوربا وأسيا ، وقربها من منابع النفط ، إضافة إلى بعض المراكز الإستراتيجية في العالم لذلك فقد سعى الاتحاد السوفياتي خلال حربه الباردة مع المعسكر الغربي لمحاولة جعل سوريا تسير باتجاه الخط الشيوعي من خلال ممارسة التأثير على أنظمة الحكم فيها من خلال الحزب الشيوعي السوري ، ومن خلال سياسته الاقتصادية تجاهها إضافة لسفارته ، وسفارات الدول الشيوعية الموالية له التي يتغلغل فيها جهاز مخابراته الكي جي بي ، حيث كانت سوريا تعتبر جزءاً مهماً بالنسبة للاتحاد السوفياتي في إطار صراعه مع المعسكر الغربي خلال فترة الحرب الباردة ، باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط الذي تنتمي إليه سوريا ذات أهمية استراتيحية لأي إمبراطورية تحاول السيطرة على العالم ، وهذا ما يفسر سعي كل الأمبراطوريات التي حكمت مناطق مهمه في العالم لمحاولة السيطرة على هذه المنطقة ، وقد بيَن المبحث الأول من هذا الفصل أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للاتحاد السوفياتي( ) .
ولهذه الأهمية عمل السوفييت على إذكاء التوترات الإقليمية ، والحروب الأهلية بهدف فتح أسواق لتصريف أسلحتهم المنسقة منذ الحرب العالمية الثانية واستنزاف الأرصدة النقدية لهذه الدول من خلال الاتفاقيات العسكرية معها حيث شملت مصالح وأهداف الاستراتيجية السوفيتية - خلال فترة الحرب الباردة- على النطاق العالمي مجموعة من النقاط بيَنها المبحث الأول من هذا الفصل ( ) .

ورغم محاولة الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية تحسين صورته مع الشعب السوري ، واللبناني من خلال ممارسته حق الفيتو في مجلس الأمن بعد أن طالبت الولايات المتحدة بخروج القوات الإنكليزية ، والفرنسية من سوريا ولبنان عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لكن من دون أن تطلب موعد جلائها ، حيث طالب الاتحاد السوفياتي بضرورة تحديد تاريخ الجلاء ، وهذا ما قررته الأكثرية في مجلس الأمن فتم الجلاء في 16 إبريل 1946 ( ) ، لكن ما لبث الاتحاد السوفياتي أن فقد شعبيتة في سوريا ، بسبب تأييده لتقسيم فلسطين عام 1947( )، ورغم ذلك استمر في مراميه ؛ لكسب مناطق نفوذ له في الشرق الأوسط وخاصة في سوريا فكان تدخله في سوريا إحدى الأسباب الرئيسية لانقلاب حسني الزعيم عام 1949 ذلك الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة لتبعد الخطر الشيوعي عن سوريا( ) حيث تعهد النظام الجديد بأنه سيسعى لتدمير أية دعاية شيوعية ، وسيشن حرباً ضدها ثم قام باضطهاد الشيوعيين ، وحذا حذوه فيما بعد نظام الشيشكلي بعد انقلابه الأول وبعد قيام الحرب الكورية عام 1951 أعلن رئيس الحكومة السورية ضرورة توقيع ميثاق عدم اعتداء مع الاتحاد السوفياتي ، ثم دعا إلى نبذ الأحلاف وإلى استيراد السلاح من الاتحاد السوفياتي ، فكانت قراراته هي إحدى أسباب الانقلاب الثاني للشيشكلي في ديسمبر 1951( )، كون الشيشكلي موالياً للغرب ورغم ذلك ربما تكون الولايات المتحدة قد استغلت ذلك واستخدامت هذه التوجهات كذريعة لمناصرة مؤيديها في قيامهم بانقلاب يحقق لها مصالحا في سوريا .

يتبين لنا مما سبق مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، حيث سعى لإقامة أنظمة سورية موالية له ، وتحقق له مصالحه ، وتبتعد عن الغرب ، وهذا ما حذا به إلى العمل لإسقاط أي نظام في سوريا لا يعمل على تحقيق إستراتيجيته في سوريا .


2- الفترة ( 1954-1963)

اتسمت هذه الفترة بازدياد شدة الحرب الباردة بين المعسكرين للسيطرة على مناطق نفوذ مهمة في منطقة الشرق الأوسط ومنها سوريا ؛ فازداد التدخل السوفياتي في سوريا ، وازداد معه تقارب الحكومات السورية مع الاتحاد السوفياتي بعد سقوط النظام السوري عام 1954 ( ) ، والمشتريات السورية من الاتحاد السوفياتي خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك ( )، أي في الفترة مابين عامي (1954 – 1958) فقد اشترت سوريا دبابات تشيكية عام 1954 ، ثم اشترت دبابات (ت52) عام 1955 ، حتى وصلت مشترياتها من تشيكوسلوفاكيا وحدها بين عامي (1954-1957) إلى حوالي 100 مليون جنيه إسترليني ، ولم تدرك الحكومات التي عملت على التقارب مع الاتحاد السوفياتي ، أن الاتحاد السوفياتي قد وافق في ديسمبر 1954 على تصدير النفط لإسرائيل وفق اتفاقية اقتصادية بينهما ( ) ، برغم أن اليسار كان يريد الابتعاد عن الغرب باعتباره يدعم إسرائيل ، ويضغط على الحكومات السورية المتقاربة مع الغرب لهذا السبب وما كان ذلك يمكن أن يحصل لولا نفوذ البعث في الجيش ( ) ، واختلافات الأحزاب المحافظة ، وظهور أقلية يسارية في البرلمان ، إضافة إلى الدعاية السوفياتية والشيوعية ، حيث سمحت الحكومة السورية عام 1956 بتوزيع الصحف الشيوعية وعرض أدبيات الفكر الشيوعي علناً ، ودخل الاتحاد السوفياتي في معرض دمشق الدولي عام 1954 ولم تدخله الولايات المتحدة وبريطانيا ، ثم إتبع الاتحاد السوفياتي إستراتيجية توثيق صلاته السياسية ، والاقتصادية والثقافية في سوريا ، تمهيداً لربطها به بشكل مطلق من خلال ما يلي: ( )
1- دعوات موجهة إلى رجال الفكر ، والسياسة ، والدين لزيارة الاتحاد السوفياتي.
2- منح أحد كبار رجال الدين في سوريا جائزة ستالين للسلام .
3- تقديم وزراء الدول الشيوعية في أوروبا عروضا تجارية مغرية ؛ لربط الأوساط التجارية السورية بالاقتصاديات الشيوعية .
4- التركيز السوفياتي الإذاعي على سوريا .
5- مشاركة الاتحاد السوفياتي في معرض دمشق الدولي بأوسع وأضخم الأقسام لجذب الزائرين، بمعداته الآلية ، وصناعاته الضخمة، إضافة لآلاف الكتب الشيوعية بجميع اللغات ، وبأثمان زهيدة .




وقد فاز زعيم الحزب الشيوعي السوري في انتخابات عام 1954 كأول شيوعي يصل إلى البرلمان في الشرق الأوسط ، ثم عمل الاتحاد السوفياتي على ربط سوريا به خلال الفترة (1957-1958) من خلال ما يلي :
1- قروض مالية لا تستطيع وفاءها .
2- صفقات الأسلحة الضخمة ، ومشاريع عمرانية ، واقتصادية تنفذ بوساطة خبراء دول شيوعية ، وعن طريقهم .
3- البعثات العسكرية إلى روسيا .
4- البعثات الثقافية ، والعلمية ، والطلابية ، وغيرها .
5- محاولة فرض اللغة الروسية ، كإحدى اللغات الرسمية في المدارس السورية والجيش .
6- انسياق العديد من المثقفين ، والسياسيين ، والشباب ، والفلاحين، خلف الحزب الشيوعي السوري .

ثم عمل الاتحاد السوفياتي على مواكبة التيار الشعبي في سوريا والذي اتًسم بالمد القومي ، وذلك عقب وصول عبدالناصر للرئاسة في مصر عام 1954 ( ) فأصدر الحزب الشيوعي بياناً ، اعتبر فيه القومية العربية بأنها حركة تقدمية تاريخية - برغم أن مبادئ الماركسية تقول عكس ذلك ( حسب بيان كمونة باريس 1848)- ثم أصدر بياناً في إبريل 1955، تعهد فيه بالدفاع عن دول الشرق الأوسط التي تتعرض لضغوط من جانب الغرب ، تجبرها على الانضمام للتحالفات الغربية على أساس حرصه على حماية حريتها ، واستقلالها( )، رغم أن سوريا دخلت في 16 إبريل 1955 إلى كتلة عدم الانحياز وشاركت في مؤتمر باندونغ ووقعت على مبادئه الخمسة( ) .

كما اتخذ الاتحاد السوفياتي موقفاً مؤيداً لمصر إبان العدوان الثلاثي على مصر وذلك عندما زار الرئيس السوري الاتحاد السوفياتي ، واجتمع مع كبار المسؤولين فيه ومن ضمنهم برجنيف الذي تعهد بالوقوف إلى جانب سوريا ومصر ضد أي إعتداء يوجه ضدهما ، كما تم الاتفاق مع وزير الدفاع السوري على تزويد سوريا بكل ما تحتاجه من السلاح ، وبالفعل فقد وصل إلى سوريا عدة أسراب من طائرات الميج السوفياتية ، وقد صرح الرئيس السوري لدى عودته من موسكو في نوفمبر 1956 بتصريح قال فيه : "إن آلاف المسلمين السوفييت قد أعلنوا استعدادهم للمجيء إلى الشرق الأوسط، لكي يخلصوا الأرض المقدسة من المعتدين والمستعمرين "( ) ، ولاشك أن هذا التصريح فيه بعض المبالغة ، ولكن كان ضرورياً في ذلك الوقت ؛ لرفع معنويات الشعب السوري أمام ازدياد الهجمات الغربية والشرقية ، وصراع المحاور الإقليمية على سوريا .


كما جاءت برقية من موسكو أذاعتها وكالة رويتر للأنباء تقول : إن الاتحاد السوفياتي قرر السماح لمائة ألف مسلم من الاتحاد السوفياتي للتطوع إلى جانب القوات السورية والمصرية ، لمواجهة أي عدوان عليهما ، وأعلن الماريشال السوفياتي بولغانين تحذيره لفرنسا وبريطانيا، أن عدوانهما على مصر قد يقود إلى نشوب حرب عالمية ثالثة ، ولاشك أن كل هذا نوع من الدعايات الشيوعية السوفياتية لكسب مؤيدين لسياسته في سوريا ، خاصة وأنه قدم قرضاً لسوريا بمبلغ 400 مليون ليرة سورية( ) إضافة إلى مساعداته في تطوير صناعة النفط السورية وبعث ضابطاً برتبة عالية ليساعد النظام السوري في تنظيم الأجهزة الأمنية وزار وزير خارجيته شبيلوف سوريا في يوليو 1956( )، وأعلن عن دعم الاتحاد السوفياتي لسوريا مادياً ، وسياسياً في كل الهيئات الدولية، كما وقعت سوريا مع الاتحاد السوفياتي في أغسطس 1956 اتفاقية ثقافية ، وفتحت وكالة للأنباء تابعة للسوفييت ، في دمشق في أكتوبر 1956 وازداد حجم الاتفاقيات الاقتصادية بين سوريا ، والدول الشيوعية ، حتى إن الشركات التشيكوسلوفاكية أخذت تزايد على الشركات الغربية في معامل تكرير البترول وبدأت شركة تشيكوسلوفاكية بإنشاء مصفاة للنفط في حمص( ) .
كما عقد وزير الدفاع السوري اتفاقية مع الاتحاد السوفياتي في موسكو لإصلاح ميناء اللاذقية وإعداده لرسو السفن الكبيرة ؛ حتى يقل اعتماد سوريا على الموانيء اللبنانية ، إضافة لتعهد الاتحاد السوفياتي بتقديم المساعدات المالية والفنية لاستصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الجزيرة السورية وتزويد سوريا بالجرارات ، كما أبدى الاتحاد السوفياتي استعداده لمسانده سوريا إذا تعرضت لأي اعتداء من جانب تركيا بعد أن رفضت سوريا مشروع أيزنهاور حيث هددت تركيا- بتأييد الولايات المتحدة- باجتياح سوريا، وهذا أدى بالاتحاد السوفياتي إلى التهديد باجتياح تركيا ، إذا ما تعرضت سوريا للخطر، كما هدد بضربها بالأسلحة النووية( ) وبالفعل قامت وحدات الأسطول السوفياتي بزيارة ميناء اللاذقية من 19 سبتمبر وحتى 2 أكتوبر 1957، وأجرت مناورات عسكرية قرب السواحل السورية .
وعلى إثر ذلك تراجعت الولايات المتحدة عن حث تركيا عن تهديداتها لسوريا وأعلن وزير خارجية الولايات المتحدة أنه لا ضرورة لتطبيق مشروع أيزنهاور على سوريا ، وأن الولايات المتحدة ستسلك المسلك الدبلوماسي معها وحين انتهت الأزمة في نهاية سبتمبر 1957، أعلنت مصر في 13 أكتوبر من نفس العام أنها سترسل قوات مصرية لمساعدة سوريا في مواجهة التهديدات التركية لسوريا لكنها كانت قوات رمزية لا تزيد عن ألفي مقاتل ، بينما كانت القوات التركية تزيد عن (35) ألف مقاتل ، وقد هدفت مصر من إرسال هذه القوات ؛ تقوية التيار الموالي لها في سوريا كما قام وزير الدفاع السوري عام 1957 بزيارة موسكو ، وعقد اتفاقية تركزت على:( )
1. أن يقوم السوفييت بتقديم قرض طويل الأجل لسوريا من أجل التنمية .
2. شراء الاتحاد السوفياتي لفائض الإنتاج الزراعي السوري ، بعد أن قرر الغرب تقليص علاقاته الاقتصادية مع سوريا ؛ بسبب رفضها مشروع أيزنهاور، فأعلن الاتحاد السوفياتي أنه سيشتري 300 ألف طن من القمح السوري، كما تدخلت مصر وأقرت اتفاقية اقتصادية مع سوريا وإيطاليا .
3. عقد اتفاقية عسكرية سرية .





كل هذا جعل الولايات المتحدة تعلن عن عدم قدرتها على تحمل وجود تابع سوفياتي في قلب الشرق الأوسط ، وفي ظل هذا الوضع أعلن اليسار القومي تأييده للسوفييت( )، وأخذ الحزب الشيوعي يعمل على تقويض الأحزاب المحافظة واليمينية خاصة بعد أن تم تقويض الحزب القومي السوري عام 1955، فهاجم زعيم الحزب الشيوعي في يونيو 1957، حزب الشعب في البرلمان ، متهماً إياه بالعمالة للغرب ودافع عن الاتحاد السوفياتي ، مما حذا بزعيم حزب الشعب للرد عليه بأنه ينشر الفوضى ، والفساد ، وبأنه باع البلاد للسوفييت ، كما عمل البعث على تصفية الضباط غير اليساريين من الجيش ، فأقيل قائد الأركان الموالي لرئيس الجمهوربة وتم تعيين عفيف البرزي –اليساري- بدلاً منه ، ثم تم انتخاب ثلاثة نواب يساريين وواحد من العشائر في البرلمان ، وذلك بعد رفع الحصانة البرلمانية عن أربعة من النواب اليمينيين عقب كشف عملية التيه ، أو ما تسمى بالانتشار.

وكان رد الاتحاد السوفياتي على مشروع أيزنهاور بخطة مضادة سميت بخطة شبيلوف في مارس 1957( ) ، تلك الخطة الموجهة ضد الولايات المتحدة وحلفائها والتي تنص على حل سلمي لنزاعات الشرق الأوسط ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه المنطقة ، وإلغاء الأحلاف العسكرية ، وأي تزويد بالأسلحة ، وتحييد الشرق الأوسط ، وتحديد مناطق نفوذ للاتحاد السوفياتي معترف بها من قبل الولايات المتحدة ، لكن الولايات المتحدة رفضت أن يكون للاتحاد السوفياتي أي مناطق نفوذ في الشرق الأوسط ، وعلى إثر ذلك تحولت سوريا إلى دولة شبه تابعة للسوفييت لذلك عملت الولايات المتحدة على السيطرة على سوريا ، وإبعاد الخطر الشيوعي عنها ، وذلك من خلال تأييد ربطها بالنظام المصري ، وعلى هذا الأساس أيدت الوحدة مع مصر، بعد أن دفعت البعث - المسيطر على الجيش - ؛ لتأجيل الانتخابات البلدية ومن ثم إلغاءها، وإفساح المجال لانقلاب قائد الأركان السوري عام 1958 وذلك قبل بضعة أشهر من الانتخابات البرلمانية الجديدة ، التي كانت ستبعد اليسار البعثي نهائياً عن المشاركة في السلطة ، بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي الذي نتج عن تدخله في السياسة السورية .

وفي ظل الوحدة مع مصر عام 1958 تضاءلت علاقات سوريا-التي أصبحت الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة- مع الاتحاد السوفياتي ، والكتلة الشيوعية وأعيد الطلاب السوريون الدارسون في البلدان الشيوعية إلى سوريا ولوحق الشيوعيون في سوريا من خلال مخابرات وزير داخلية الإقليم الشمالي عبد الحميد السراج ( ) ، وساءت علاقات عبدالناصر مع الاتحاد السوفياتي ، إثر تدخل السراج ضد الجمهورية العراقية في عهد عبد الكريم قاسم بسبب تقاربه مع السوفييت ، ومع الحزب الشيوعي العراقي ، ، ثم تلا ذلك ملاحقته- السراج- للشيوعيين في لبنان واتهامه للشيوعيين السوريين ببيع البلاد للاتحاد السوفياتي كما نظم وزير داخلية الإقليم الشمالي المظاهرات الصاخبة ضد النظام العراقي وأعلن أنه تلقى آلاف البرقيات التي تدعو لإعلان الجهاد المقدس لتحرير العراق من الشيوعية ، ونظم حرب دعائية كبيرة ، وسادت اضطرابات كبيرة في سوريا ضد النظام العراقي ، كل هذه الأشياء جعلت الاتحاد السوفياتي يؤيد انقلاب الانفصال في سبتمبر1961، ويعلن اعترافه بالنظام الجديد في سوريا ، حيث عمل في ظل الانفصال على تقوية الدعاية الشيوعية مرة أخرى ، لكن لم تجد لها أي تجاوب من قبل الشعب السوري ، حتى إن الرئيس العراقي قاسم أخذ بعد عام 1961 يبتعد عن الشيوعية، واضطهد الشيوعيين في العراق .

يتبين لنا مما سبق استمرار الاتحاد السوفياتي في سعيه لإحداث الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، أو التمهيد لها ، في إطار سعيه لجعل سوريا إحدى مناطق نفوذه ؛ جعله يسعى إلى دعم الأنظمة السورية التي رفضت المشاريع الغربية ، وتؤيد التقارب مع الاتحاد السوفياتي ضمن خططه التي رسمها لتحقيق إستراتيجيته في سوريا .

وعلى هذا الأساس نستنتج أن مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة كانت بسبب رغبته في السيطرة سوريا وذلك في إطار صراعه مع المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية واعتمدت إستراتيجيته في ذلك على تأييده للحركات التحررية في الدول النامية وأدى هذا إلى تلاقيه مع التيار القومي اليساري في سوريا ، حيث سعى هذا التيار للعمل على التقارب ، والارتباط بالاتحاد السوفياتي في مواجهة دول المعسكر الغربي وقواعده ، وأحلافه ، أيضاً اعتمد الاتحاد السوفياتي في تحقيق إستراتيجيته على مؤيديه في الحزب الشيوعي السوري الذي سعى للسيطرة على الحكم والضغظ على الأنظمة ، والحكومات السورية للابتعاد عن الغرب ، والتقارب مع المعسكر الشيوعي أما الإستراتيجية الثالثة له فقد اعتمدت على المساعدات الاقتصادية لسوريا ، والعمل على الارتباط معه في مجال تجارة الأسلحة ، وكسر الاحتكار الغربي لها ، إضافة لمحاولته تمتين العلاقات الثقافية مع سوريا ؛ وذلك بتشجيعه للبعثات التعليمية إليه وإلى الدول الشيوعية الموالية له ، كما أوضحت الدراسة أنً تدخلات الاتحاد السوفياتي في سوريا قد تزايدت مع تزايد حدة الصراع بين المعسكرين ، وهذا ما يفسر ازدياد تدخله في سوريا في الفترة الثانية وفق التقسيم الزمني لفترة الدراسة والتي قسمت إلى فترتين .


وهكذا نخلص من هذا الفصل إلى أنه كان للحزب الشيوعي السوري مساهمته في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وكانت هذه المساهمة تصب في تنفيذ الإستراتيجية السوفياتية في سوريا ، مثل العمل على عدم تقارب الأنظمة ، والحكومات السورية مع الغرب ، والعمل على تحويل سوريا كتابع للسوفييت ، وتحقيق النفوذ السوفياتي في سوريا .
وهذا ما يفسر مساهمة هذا الحزب في العديد من العمليات التي ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، ومعاداته للتقارب السوري العراقي قبل ثورة يونيو عام 1958 في العراق على اعتبار أن العراق كان ذو توجهات غربية ومساهمته في العمل ضد المشاريع ، والأحلاف ، والمعاهدات الغربية التي حاولت ربط سوريا بها ، كما ازدادت مساهمة هذا الحزب في ظاهرة الدراسة خلال الجزء الثاني من فترة الدراسة ؛ بسبب ازدياد تدخل الاتحاد السوفياتي في سوريا في إطار ازدياد صراعه مع دول المعسكر الغربي.








كما أنه كان للأفكار الاشتراكية التي تواكبت مع ظهور الأحزاب القومية اليسارية التي كانت تطمح للتغيير الشامل في المجتمع بعد استلامها السلطة مساهمةً في المساهمة في إحداث التخلخل في المجتمع ، بسبب انتساب العديد من ضباط الجيش لهذه الحركات ، حيث كان هؤلاء الضباط أساس عملية التغيير في المجتمع ، كما ازداد تأثير هذه الحركات في الجزء الثاني من فترة الدراسة بسبب ازدياد الصراع بين المعسكرين ، ومساندة الاتحاد السوفياتي لهذه الحركات ودعمه لها في إطار مساعيه ؛ لإنهاء أي تدخل غربي في سوريا .

كما بيًن هذا الفصل مساهمة المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا التي سادت سوريا خلال فترة الدراسة خاصة أن الحرب الباردة كانت في أوجها خلال هذه الفترة ، كما كان تأثير الاتحاد السوفياتي من خلال برامجه الاقتصادية التي كانت محركاً أساسياً في محاولاته للوقوف في وجه نفوذ دول المعسكر الرأسمالي ، إضافةً إلى إتباعه للكثير من الإستراتيجيات الأخرى مثل استقطابه لبعض السياسيين ، أو العسكريين ، أو دعمه للحزب الشيوعي السوري خاصة في الجزء الثاني من فترة الدراسة .


الفصل الثاني
مساهمة دول الجوار في ظاهرة الانقلابات العسكرية
في سوريا ( 1943-1963)

تعتبر الدول العربية من ضمن دول العالم الثالث التي ترتبط بعلاقات تبعية لدول العالم الشيوعي أو الرأسمالي خلال فترة الحرب الباردة ؛ بسبب حالة التخلف الصناعي ، والاقتصادي ، والتكنولوجي ، وغيرها من المجالات الأخرى إضافة إلى أن معظم هذه الدول خضع للاستعمار الغربي في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وقد استغلت دول المعسكرين الغربي ، والشرقي حالة التبعية لهذه الدول بهدف تحقيق بعض أهدافها من خلال هذه الدول ، فكان ماعرف بالحروب بالوكالة إضافة للمؤامرات السرية ، أيضاً كان لبعض هذه الدول مصالحها في دول أخرى – من دول العالم الثالث- خاصة عندما تكون هذه الدول مشتركة في إقليم معين أو كانت بعض أجزائها ترتبط مع أجزاء دول أخرى من نفس الإقليم .


فما مدى انطباق هذه الأمور على حالة سوريا ؟ ، كونها ترتبط بعلاقات خاصة – قد تكون علاقات صراعية- مع دول إقليمية مجاورة لها مثل تركيا ، وإسرائيل أو أن تكون لبعض هذه الدول مصالحها في سوريا مثل مصر والسعودية ، أو قد تكون ثمة مصالح مشتركة مع دول أخرى مثل العراق ، ولبنان ، والأردن ، على اعتبار أن سوريا تشكل جزءاً من إقليم واحد هو سوريا الطبيعية أي الهلال الخصيب الذي هو جزء من منطقة أكبر هي الوطن العربي ، لذلك كان فصلها وفق عدة تقسيمات إلى كيانات أصغر منذ الحرب العالمية الأولى ، وسلخ بعض أجزائها من قبل تركيا وقيام كيان معاد لها في جزئها الجنوبي ، قد دفع بسياسييها إلى رفض هذا الواقع ومحاولة توحيد أجزائها ، وربطها بالوطن العربي ، أي بتحقيق الوحدة العربية لكن ترافق هذا مع صراع دول إقليمية عملت كل منها وفق مصالحها على عدم تحقيق سوريا لأهدافها فما هي مساهمة هذه الدول في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة مع تقسيم هذه الفترة - في كل دولة مؤثرة- إلى شقين على غرار الفصل السابق وذلك توخياً لسهولة المقارنة أيضاً ؟ هذا ما سيوضحه هذا الفصل من خلال دراسة تأثير هذه الدول على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وبناءاً على ذلك فقد قسًم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث حيث سيتناول المبحث الأول مساهمة دول الهلال الخصيب في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، أما المبحث الثاني فسيتناول مساهمة كلٍ من مصر والسعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وسيدرس المبحث الثالث مساهمة كل من تركيا وإسرائيل في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا .


المبحث الأول
مساهمة دول الهلال الخصيب في ظاهرة
الانقلابات العسكرية في سوريا (1943-1963)


تشكل سوريا مركزاً مهماً بين الدول العربية كونها صلة الوصل بين هذه الدول وخاصة دول الهلال الخصيب ، كما أنها منفذاً لدول الخليج – النفطية- على البحر الأبيض المتوسط ، ، لهذا فهي ترتبط بالدول العربية المحيطة بها ، أو التي تنتمي إلى إقليمها ، رغم ارتباطها الجذري تاريخياً بكل أجزاء المنطقة العربية عامةً ، لكن من المعروف أن المنطقة العربية مشكلة من أقاليم عديدة يشكل كل منها وحدة متجانسة نسبياً بشكل أكبر مع الدول التي تنتمي إليها ، فمثلاً تشكل دول الخليج العربي وحدة إقليمية متجانسة نسبياً – مع بعضها البعض - عن دول الهلال الخصيب ، وهذا ينطبق على دولتي وادي النيل ، أو دول المغرب العربي .

ورغم ذلك فإن سوريا ارتبطت بكل تلك الأجزاء بشكل أكبر من أي دولة أخرى وكان لهذا مساهمته الكبيرة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خاصةً في الصراع بين المحاور الإقليمية ، والسياسية ، وكل لها مصالحها الخاصة في ذلك لذلك ركًزت الدراسة على المحاور الإقليمية التي ساهمت بشكل فعّال في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وأهم هذه المحاور كان محوري السعودية ومصر من جهة ، والعراق ، والأردن من جهة أخرى إضافة إلى لبنان ، الذي كان نظامه السياسي يسعى لمقاومة أي اندماج مع سوريا خاصةً ًأنه بعد استقلال سوريا عام 1943 استمرت العلاقات الخاصة بينها وبين بقية أجزاء الهلال الخصيب ، فقام سياسيو هذه المناطق بمحاولات كثيرة لتوحيدها ، وهذا ماسبب لها الكثير من المشاكل التي ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، فما مدى صحة ذلك ؟ هذا ما سيوضحه هذا المبحث ، الذي سيبحث تأثير دول هذه المنطقة على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة التي قسمت بموجب الدراسة إلى شقين توخياً لسهولة المقارنة كما ذكر سابقاً ، من خلال دراسة مساهمة كل دولة من دول الهلال الخصيب في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة؟.

أولاً : العلاقات السورية مع دول الهلال الخصيب قبل فترة الدراسة


1. العراق

إن ما يربط العراق بسوريا هو ما يربط أي جزءين أو منطقتين من جزء واحد أو منطقة واحدة ، ليس بينهما أي حواجز طبيعية أو بشرية ، لذلك فأي حدث في إحداهما لابد أن يتأثر به الجزء الآخر ، أو الأجزاء الأخرى في كل منطقة الهلال الخصيب ، ولم يحدث أي انفصال بين هذين الجزءين منذ أقدم الحضارات( )، كما كان للأسرة الهاشمية- التي حكمت سوريا والعراق مكانة خاصة عند الشعب السوري أيضاً كان لرئيس وزراء العراق نوري السعيد المساهمة الكبير في حصول سوريا على استقلالها في السابع من أغسطس 1943 وكان لسان سوريا لدى الجامعة العربية حول قضية سوريا ولبنان ، ولسانها عند الإنكليز، وظل الشعب السوري يحتفل بعيد جلوس الملك فيصل على العرش حتى منتصف الخمسينات( ) .
إضافة إلى تشابك القبائل في كلا الجزءين( ) ، وما يشكله مرفأ الإسكندرونة الذي يعتبر مرفأ شمال سوريا والعراق من أهمية لكلا القطرين الشقيقين ، هذه الأشياء وغيرها ، جعلت الوحدة بين العراق ، وسوريا ، محببة إلى كل سوري وعراقي فلم تكن بينهما أي حدود قبل سايكس بيكو، حيث كان التنقل بين مدينة وأخرى لا يواجه أية قيود ، حتى إن قادة الأحزاب السياسية في كلا القطرين ظلت تربطهم الصلات القوية بعد استقلال كلا القطرين( ) ، مما جعل مشروع الهلال الخصيب الذي يسعى لوحدة كل دول الهلال الخصيب في دولة واحدة يستهوي معظم سكان القطرين باعتباره يجمع بين عدة أقطار تشترك فيما بينها بروابط طبيعية تساهم في عملية الاتحاد بين أجزائها بشكل كبير .

إلا أن عودة الوصي عبدالإله لتسلم العراق بعد فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، وذلك بعد أن وضع قائد هذه الثورة ابن عم الملك-الشريف ناصر- وصياً على الملك فيصل الصغير بدلاً من عبد الإله المؤيد من قبل الانكليز وذلك بعد استيلائه على الحكم في العراق ، فكان هذا السبب قد جعل الشعب السوري كارهاً للوصي عبدالإله الذي عاد وصياً على عرش العراق بعد دعمه من قبل الإنكليز إضافة لعودة نوري السعيد الذي تولى عدة مرات رئاسة الحكومة في العراق وزاد من كره الشعب السوري للوصي عبد الإله إعدامه للأقطاب الأربعة في ثورة رشيد عالي الكيلاني ( ) ، لذلك استغل معارضي مشروع الهلال الخصيب ذلك ؛ لمعارضة المشروع ووسمه بالعمالة والخيانة ، بالرغم من أن المادة الثانية من الدستور الأول للجمهورية السورية تقول : " إن البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية وحدة سياسية لا تتجزأ ولا عبرة لكل تجزئة طرأت عليها منذ نهاية الحرب العالمية "( ) وعلى هذا الأساس فإن مشروع الهلال الخصيب لم يكن يتعارض مع الدستور السوري( )بل إنه كان يتوافق معه ، بغض النظر عن شكل الحكم في الدولة التي كان من المأمول قيامها على إثره .

2- لبنان
يرتبط لبنان بسوريا برباط لاترتبطه أي دولة أخرى من دول العالم( ) ؛ لأنه كان جزءاً من سوريا ، وظل مرتبطاً بها بكل علاقاته حتى استقلال البلدين عام 1943 فكان جبل لبنان قبل أحداث 1860، إحدى متصرفات( ) الساحل السوري( ) لكن اندلاع هذه الأحداث في دمشق ، وجبل لبنان ، بسبب بعض الدول خاصة بريطانيا ، جعل الدول العظمى في ذلك الوقت تتدخل ، وأكبر تدخل كان من جانب فرنسا بداعي حمايتها للأقلية المارونية الكاثوليكية ، حيث ضغطت هذه الدول على الدولة العثمانية للاعتراف باستقلال إداري لجبل لبنان ، بموجب نظام مؤقت وقعته تلك الدول وأقرته عام 1864، وقد شمل جبل لبنان المنصوص عليه وفق ذلك النظام ، أقضية كل من (الكورة ، والبترون وكسروان ، والمتن ، والشوف وجزين ، وزحلة) ، لكن ظل متصرف جبل لبنان(المكان) تابع لولاية دمشق ، وظل متصرفه (المسؤول عنه) تابع لوالي دمشق .

ثم جاءت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، تلك الاتفاقية التي عملت على جعل لبنان جزءاً منفصلاً عن سوريا( ) ، بالرغم من أن الانتداب على كليهما واحد وهو الانتداب الفرنسي ، وقد ترافق التجزؤ العملي لسوريا إلى عدة دويلات إقليمية وطائفية مع إقامة دولة لبنان الكبير، وذلك عندما احتل الجنرال غورو بيروت نهاية عام 1919 حيث عمل على إقامة ما سمي بلبنان الكبير باقتطاع أجزاء من المحافظات المجاورة والتابعة لولايات الشام بداية عام 1920 ، حيث ضم بيروت وصيدا ومرجعيون وجبل عامل، وطرابلس، إضافة إلى الأقضية الأربعة وهي : المينا والقلمون والضنية ، وعكار ، ثم فصلت عن ولاية دمشق الأقضية الأربعة وهي : البقاع وبعلبك ، وحاصبيا ، وراشيا ، وضمت جميعها للمتصرفية ، وبذلك أنشأ غورو ما سمي بلبنان الكبير ، وهو لبنان الموجود حالياً.

وقد استاء سكان المناطق التي انفصلت عن ولايات الشام لتنضم لمتصرفية جبل لبنان ، حيث أعلنت طرابلس رفضها لذلك ، وأعلن جميع المسلمين بجميع طوائفهم والذين يزيدون عن نصف سكان ما سمي بلبنان الكبير ، عن عدم تأييدهم لسن الدستور اللبناني ، الذي يفصلهم عن الوطن الأم سوريا ، كما طالب أكثر المسيحيين من غير المارونيين بالالتحاق بسوريا ، حتى إنهم ظلوا يطالبون بالاندماج بسوريا بعد تشكيل البرلمان ، ولم يقبل بقيام لبنان الكبير سوى أقلية بسيطة من الطائفة المارونية لأن أكثريتها كانت ترى أن يكون لها منطقتها الخاصة المرتبطة مباشرة بفرنسا على غرار موناكو، حتى إن المؤتمر السوري الذي عقد في يونيو 1919 ضم نواباً عن جميع مناطق لبنان ، كما اندلعت مظاهرات ، وحوادث سبتمبر عام 1919 في لبنان ضد فصل مناطق عن الولايات السورية وضمها لمتصرفية جبل لبنان .

وبعد استقلال لبنان ، وسوريا عن فرنسا رسمياً عام 1943 تحالف الرئيس اللبناني الذي يمثل الطائفة المارونية مع رئيس وزراءه الذي يمثل الطائفة المسلمة السنية على اعتبار أن هاتين الطائفتين هما الأكثر عدداً ، وكرًسا الطائفية بالميثاق الوطني اللبناني لعام 1943 وأكدا فيه على رفض أي اتحاد مع الدول العربية وكان المقصود من ذلك هو سوريا ، برغم رفض المسلمين ، وأكثر المسيحيين لذلك الميثاق ( ) .

وقد كان من أهداف تأسيس الجامعة العربية ، إفشال مشروعي سوريا الكبرى والهلال الخصيب ، إضافة للدواعي الأخرى التي نادت بالضم لتحقيق وحدة سوريا فكانت قرارات الجامعة تدعو لربط الأقطار العربية برباط هش من خلال منظمة شكلية( ) ، وخلق اعتراف سوريا باستقلال لبنان ، وقد بارك إنشاءها كل من الإنكليز والفرنسيين ، فلم تقبل فرنسا باستقلال لبنان إلا بعد اعتراف سوريا بلبنان ، وقد ضغط مندوبو جامعة الدول العربية على الوفد السوري من أجل هذا الاعتراف لكن اشترطت سوريا لقبول ذلك أن تحترم مصالح سوريا بشكل رئيسي فيها ، وألا تكون لبنان قاعدة لقوة أجنبية تهدف لبسط نفوذها على سوريا ، فكانت الجامعة العربية تمثل أشد العراقيل لتحقيق الوحدة السورية أولاً ، والوحدة العربية ثانياً ، من خلال نواتها سوريا الكبرى ، أو سوريا الطبيعية (الهلال الخصيب) ، بالرغم من أن نواب البرلمان السوري كانوا قد نددوا بالسلطات الفرنسية لدى اعتقالها الرئيس اللبناني ورئيس حكومته ، وغيرهم من السياسيين عام 1943، وذلك قبل الإعلان عن استقلال سوريا ولبنان ، حيث أكد النظام السوري أن لبنان جزء لا يتجزأ من سوريا وأن ما يمس أبناءه يمس كل أبناء المجتمع في سوريا كونهم جزءاً منهم .

وعلى هذا الأساس اندلعت المظاهرات في كل أنحاء سوريا تؤكد هذه الحقيقة كما لم يتخلف اللبنانيون قبل ذلك عن نداء الثورة السورية الكبرى عام 1925 فقد اشتركوا فيها في جميع مناطقهم ، وأيضاً اشتركوا في الإضراب الستيني الذي ابتدأ من دمشق ، وعم كل المناطق السورية واللبنانية عام 1936 لكن بعد إعلان استقلال لبنان ، وسوريا عام 1943 لم تعد سوريا تطالب بأي مناطق لبنانية اقتطعت من سوريا لتشكيل ما سمي بلبنان الكبير، على اعتبار أنها تعتبر أن كل لبنان جزءاً من سوريا ، كون هذين الجزءين اشتركا في كل مراحل التاريخ حتى في ظل الانتداب الفرنسي ، فكان جيش الشرق الذي أسسته فرنسا يتألف من لبنانيين وسوريين( ) .

ومما يؤخذ على معظم أبناء الطائفة المارونية أنهم يدًعون أن فرنسا هي الأم الحنون ، حتى وصل بالبعض منهم إلى الإدعاء بأنهم من أصول فرنسية ، وأنهم جاؤوا إلى لبنان مع حملاتها الصليبية في القرون الوسطى ( ) ، بالرغم من أنهم جاؤوا من منطقة حماه ، وكانت تسمى مناطقهم مارمارون ؛ ولهذه الأسباب فقد آثروا توطيد علاقتهم مع الغرب واليهود - في بداية الهجرات اليهودية إلى فلسطين- على السوريين رافضين ما عمل من أجله الكثير من أهل لبنان وخاصة الحزب القومي السوري ( ) ، فكان بنتيجة ذلك أن قاوم معظم المارونيين الحزب القومي السوري ، من خلال حزبهم الطائفي وهو حزب الكتائب ذو العلاقة الوطيدة بالغرب ، وبإسرائيل( ) .




3. الأردن

في أعقاب اتفاقية سايكس بيكو 1916 ، حددت منطقة جنوب سوريا ضمن الانتداب البريطاني( )، وفي مارس 1921 وصل وزير الدفاع البريطاني ونستون تشرشل إلى القدس ، واجتمع مع الأمير عبدالله بن الحسين ، بحضور لورانس العرب والمندوب السامي على فلسطين التي تشمل الأردن وتم الاتفاق على شطر القسم الشرقي من فلسطين وتسميته إمارة شرقي الأردن ، والذي لم يكن يسكنه سوى 220 ألف ساكن معظمهم من البدو الرحل المتنقلين ضمن بادية الشام ( ) وكانت أهمية هذا الجزء أنه خطاً لسكة حديد الشام الحجاز، وقد جعل منه الأمير عبدالله موقعاً إسترتيجياً لاستعادة الحجاز من آل سعود الذين استولوا عليها من أخيه الملك علي بن الحسين عام 1925 ، وأيضاً للحصول على حكم سوريا ، وهذا ما حذا به إلى التساهل مع الصهاينة في موضوع الهجرة ، والحكم الذاتي لقاء دعم مشاريعه من قبل الإنكليز الذين عارضوا هذه المشاريع( ).

وبرغم الانتداب البريطاني على الأردن إلا أنه بقى جزءاً من الهلال الخصيب بسبب ارتباط حكوماته المتعاقبة بالأجزاء الأخرى من الهلال الخصيب( ) ، فكان أول رؤساء حكومات لها من لبنان ، وسوريا ، والعراق ، وكانت جميع هذه الحكومات تضم أعضاء من كل مناطق الهلال الخصيب .

ولم يتحقق أي انفصال للأردن عن سوريا منذ أقدم الحضارات وحتى احتلال فرنسا لدمشق عام 1920 ( )، لكن بعد ذلك التاريخ استمرت العلاقات الخاصة بين سورية والأردن وحاولت المنظمات السياسية السورية أن تعمل من أجل الوحدة بينهما في فترة ما بعد الاستقلال ، كما عمد أمير شرقي الأردن الأمير عبدالله إلى إستراتيجية مشروعه الذي سماه مشروع سوريا الكبرى ، باعتباره الوسيلة الوحيدة لإنهاء عزلة الأردن ، بدمجها بسوريا ، وأن يكون هو على عرشها وقد كان مشروعه يقوم على: ( )
1- إعادة توحيد سوريا تحت قيادة الأمير عبدالله .
2- حل مشكلة اليهود في فلسطين بمنحهم استقلالاً ذاتياً إدارياً .
3- يبدأ التوحيد باتحاد سوريا ، وشرقي الأردن ، ثم تنضم إليه لبنان ، وفلسطين لتشكيل اتحاد على نمط الولايات المتحدة الأمريكية .

مما سبق نستنتج أنه كان للعلاقات التاريحية بين سوريا وإقليمها الطبيعي الذي يشكل منطقة الهلال الخصيب ممثلاً بالعراق ، ولبنان ، والأردن مساهمةاً مهماً في أي حراك سياسي ماقبل فترة الدراسة ، على اعتبار أن هذا الإقليم كان جزءاً واحداً قبل اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، لذلك كان أي تغيير سياسي في أحدها يؤثر في بقية الأجزاء الأخرى ، كما أنه رغم انفصال أجراء هذا الإقليم عن بعضها البعض بعد سايكس بيكو إلا أن العلاقات بينها لم تنقطع ، فكان اشتراك أبناء المنطقة الواحدة في جميع الثورات التي قامت في أي جزء منها دليلاً على مدى ارتباط هذه الأجزاء مع بعضها البعض ، إضافةً إلى أن أجزاء هذه المنطقة يكمّل بعضها بعضا في ظل وجود قوتين إقليميتين كبيرتين في المنطقة هما إيران وتركيا حيث يوجد بينهما ، وبين قطبي الهلال الخصيب – سوريا والعراق - خلافات حدودية ماتزال موجودة حتى الآن ، كل هذه الأمور دفعت النخبة السياسية في هذه المنطقة إلى العمل من أجل وحدة أجزاءها المبعثرة تمهيداً للوحدة العربية الكبرى ، لكن ترافق هذا الطرح مع خلافات بين النخب الحاكمة في هذه المناطق التي كانت منتدبة من قبل بريطانيا ، وفرنسا حيث أدًت هذه الخلافات كما سنرى في المساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة .


ثانياً : مساهمة دول الهلال الخصيب في ظاهرة الانقلابات العسكرية
في سوريا ( 1943-1963 )

ترتبط سوريا بدول الهلال الخصيب بروابط خاصة كون هذه المنطقة كانت تشكل جزءاً واحداً قبل اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، من هنا كانت المحاولات الوحدوية لبعض سياسيي دول الهلال الخصيب – عدا فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1948 – من أجل الوحدة مع سوريا ، وكان أبرز هذه المحاولات هي مشروع الهلال الخصيب الذي دعا إليه العراق ، ومشروع سوريا الكبرى الذي دعا إليه الأردن إضافة إلى إستراتيجية الحزب القومي السوري الذي كان مركزه معظم فترة الدراسة في لبنان ، فما هي المساهمات التي قامت فيها هذه الدول في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي التي سادت سوريا خلال فترة الدراسة ؟ .

• العراق

يشكل العراق توأم سوريا الطبيعي ، وعمقها الإستراتيجي ، فالعراق يرتبط مع سوريا بكل الارتباطات التي تجعل الوحدة بينه وبينها وحدةً طبيعيةً ، فما هي المساهمة الذي قام به العراق في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة كإستراتيجية له لتحقيق الوحدة مع سوريا من خلال خلق نظام سوري يسعى للوحدة مع العراق ؟ .

1- الفترة ( 1943-1954)

عقب إعلان الاستقلال السوري في أغسطس 1943، ازدادت دعاوي دعاة الوحدة مع العراق ، حيث قال أحد النواب عام 1945 : " يجب ألا يبلغ التمسك بالنظام الجمهوري حداً يقف في وجه توحيد البلاد ويكون حائلاً دون توسيع نظامها وضم شملها ضمن حدودها الطبيعية " ( ) ، وقد وافق البرلمان السوري في مارس 1945 على ميثاق الجامعة العربية ، بشرط احتفاظ سوريا بحقها في تحقيق وحدتها الطبيعية بغض النظر عن رأي الجامعة العربية( ) ، وكان النائب أكرم الحوراني أول المنادين بذلك ، وهذا يدل أنه كان ما يزال يعمل لصالح الحزب القومي السوري ، ومن أجل هذه الوحدة اندلعت المظاهرات في حلب وقادها حزب الشعب تطالب بالوحدة الفورية بين سوريا والعراق ، لكن قمعها قائد الجيش ، كما عمل رئيس الحكومة السورية عام 1946 على بحث مشروع اتفاق مبدئي كخطوة أولى نحو مشروع الهلال الخصيب( )، من خلال توحيد الجمارك والمواصلات ، لكن المشروع أوقف بسبب الإراءات المالية السعودية لبعض أعضاء الحكومة ، أيضاً عمل بعض الضباط في الجيش السوري عام 1945 من أجل هذه الوحدة ، حيث قام أحد الضباط بمحاولة لإسقاط النظام لكن محاولته فشلت( ).

وقد ازداد تأثير العراق في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا فعشية انقلاب حسني الزعيم عام 1949 ، دعا قائد الانقلاب بعد لقائه بوزير الخارجية العراقي إلى اتحاد سياسي ، وعسكري مع العراق ، وأكد على ضرورة تنسيق الخطط المشتركة بين البلدين ضد أي عدوان محتمل ، لكن رئيس الوزراء العراقي آنذاك رفض إقامة أي حلف عسكري إلا بشروط هي( ) :
1- إنشاء قواعد للجيش العراقي في سوريا .
2- إعادة الوضع الدستوري إلى سوريا قبل النظر في الاتحاد الفيدرالي .
3- عدم تدخل الجامعة العربية في شؤون سوريا لأنها- حسب رأيه- أداة بيد مصر

لكن بعد لقاء رئيس الوزراء العراقي في إبريل 1949 في دمشق مع الرئيس السوري الجديد وقع الطرفان اتفاقية عسكرية ، واقتصادية ، واتفقا على العمل من أجل وحدة القطرين( ) ، بيد أنه تبين أن كل هذه التحركات من قبل الرئيس السوري الجديد كانت ؛ بهدف تثبيت وضعه الداخلي ، حيث ما أن استقر بالحكم حتى نقض الاتفاقية وحرك قواته على حدود العراق ، متهماً العراق بحشد قواته على الحدود السورية وبسبب ذلك اتفق العراق مع زعيم الحزب الوطني في سوريا على إسقاط النظام السوري ، وتوقيع اتفاق بين سوريا ، والعراق( ) خاصة بعد تعيين منصب رئاسة الوزراء لأحد الموالين لفرنسا ، والمعادين للوحدة مع العراق حيث عمل بمساهمته على إبعاد الموالين للعراق ، ثم عمل النظام الجديد على التقارب مع مصر ، كل هذه الأشياء جعلت العراق يجتذب بعض العسكريين في الجيش السوري بقصد إسقاط النظام ، وقد استطاع ذلك من خلال اجتذاب قائد اللواء الأول في الجيش السوري ذي العلاقة بالسفير العراقي في دمشق( ) وكانت الدوافع الأساسية للعراق في هذا الانقلاب هي: ( )
1- تمهيد الأجواء السياسية التي يقوم بها حزب الشعب – المنادي بالوحدة العراقية السورية- لقبول الرأى العام فكرة الوحدة مع العراق، عبر انتخابات تشريعية ودستورية ينص على ذلك صراحة .
2- تركيز أوضاع الجيش ، بما يضمن تسريح المعارضين لهذه الفكرة .
3- تنسيق السياسة الخارجية بين سوريا ، والعراق لاتقاء أي هجوم مصري ، أو سعودي يهدف لتدمير الاتحاد .
4- تحريك رجال الصحافة ، والفكر ، وزعماء العشائر ، والأحياء ؛ لتأييد فكرة الوحدة مع العراق .
5- اعتماد معتمد دبلوماسي دائم في بغداد، يعمل كضابط ارتباط بين دمشق وبغداد واعتماد آخر كسفير في العراق لدى سوريا ، أي التنسيق بين المندوبين السوريين والعراقيين من أجل الوحدة السورية العراقية .


ثم دعا قائد الانقلاب الجديد الزعيم سامي الحناوي( )، أحد السياسيين وهو هاشم الأتاسي وسلمه السلطتين التشريعية ، والتنفيذية ، ثم عهد إليه بتشكيل حكومة على اعتبار أنه مؤيد من قبل حزب الشعب ، وقد اشترك النائب أكرم الحوراني وزعيم حزب البعث ميشيل عفلق بهذه الحكومة ، لكن عندما دعت الحكومة للوحدة مع العراق استقالا منها ، وهنا يلاحظ أن الحوراني غير سياسته ومواقفه من هذه الوحدة ، وهذا يدل عن إنه انسحب من الحزب القومي السوري وأصبح معارضاً له وللوحدة مع العراق ، برغم فوز حزب الشعب في سوريا بأكثرية مقاعد الجمعية التأسيسية ، وهذا دليل على أن أكثرية النواب كانوا مع الوحدة السورية العراقية خاصة بعد أن عين الوصي عبدالإله رئيساً آخر للحكومة ، بدلاً من نوري السعيد ذي الميول البريطانية ، كما عين أحد أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المعارض في العراق ، في الحكومة العراقية وذلك بقصد إغراء اليسار السوري بهذه الوحدة بعد رفع الحظر عن الأحزاب من قبل النظام السوري الجديد بعد استثناء الحزب الشيوعي والحزب التعاوني الاشتراكي( ).

وحدثت لقاءات بين النظامين السوري ، والعراقي على أعلى المستويات لأجل الاتفاق على صيغة الوحدة بين البلدين الشقيقين ، وذلك بعد تأييد الحزبيين الرئيسيين الشعب ، والوطني ، ومعظم الأحزاب ، والسياسيين السوريين لهذه الوحدة إلا أن اليسار السوري الممثل بحزبي البعث والشيوعي عارض هذه الوحدة ، وبالمقابل أيدت الأحزاب العراقية ذلك ، خاصة بعد أن قام رئيس الوزراء العراقي بإنشاء حزب الاتحاد الدستوري في نوفمبر 1949( )، حيث هدف ذلك الحزب بالدرجة الأولى الوحدة مع سوريا ، وحاول إقناع النائب أكرم الحوراني بهذه الوحدة الذي أخذ يعارضها علناً وأعلن ذلك بقوله : " إذا ما بقيت شعارات الوحدة السورية العراقية التي يرفعها حزب الشعب ماضية في صعودها ، فإنها ستصبح عاملاً من عوامل التشويش ، والفوضى وعدم الاستقرار في سوريا "( )، مما حذا بالعراق إلى إغراء الحوراني مالياً مقابل ذلك لكنه أي الحوراني رفض ذلك وأعلن أن موضوع الاتحاد مع العراق هو مؤامرة انكليزية موجهة ضد سوريا واشترط شروطاً تعجيزية للموافقة ( ) ، ثم عمل على الاتصال مع بعض الضباط في الجيش السوري لتأييد الانقلاب الذي سيقوده الشيشكلي ضد النظام السوري الساعي للوحدة السورية العراقية( ) .

وكان العراق قد كلف موفده إلى سوريا لبحث قضية الوحدة بين سوريا والعراق وتسريعها( ) ، لكن استمرت الدعاية المغرضة ، التي كان يطلقها معارضي الوحدة مع العراق على أساس أن هدف هذه الوحدة هو ضم سوريا للعراق وإيجاد عرش جديد للأمير عبدالإله ، وتوسيع النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط ، بالرغم من أن الهدف لم يكن سوى مصلحة سوريا ، والعراق وأن يتم الاتحاد بينهما برضى الفريقين من خلال البرلمان ، ولم يكن يهم النظام العراقي أن يبقى النظام الجمهوري في سوريا ، والملكي في العراق على حالهما بحيث يشكل مجلس الاتحاد من وزراء الخارجية ، والمالية ، والدفاع للحكومتين وأن يرأس الاتحاد كل من ملك العراق ، ورئيس سوريا بالتناوب حسب المدة التي يتفق عليها عند وضع أسس الاتحاد وفروعه ، وبالنسبة للمعاهدة البريطانية العراقية ، فإنها لا تشمل سوريا مهما كانت شروط الاتحاد ، وقد أبدى معظم السياسيين السوريين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية رغبتهم في هذه الوحدة والتقوا مع الموفد العراقي ؛ للاتفاق على صيغة الوحدة في 5 ديسمبر 1949 لكن وجود بعض الانتهازيين الذين طلبوا مساعدات مالية شخصية لهم مقابل قبولهم ، إضافة لخطأ القيادة العراقية ببعثها وفوداً إلى سوريا تلتقي مع الجانب المؤيد للوحدة ، وترفض الالتقاء بالمعارضين ؛ لإقناعهم بها ، كل ذلك ساهم في إبطاء مشروع الوحدة .
ج
وقد أعاق انقلاب الشيشكلي في 24 ديسمبر 1949 الوحدة السورية العراقية خاصة بعد اعتقاله لقائد الجيش ، وسقوط الحكومة السورية ، حيث حدث الانقلاب في يوم التصويت على الوحدة في البرلمان ، وادعى قائد الانقلاب أن قائد الجيش كان يريد بيع البلاد للنظام العراقي( )، وعلى إثر ذلك سقطت الحكومة العراقية ، وتشكلت حكومة جديدة في إبريل 1950 أدخلت في منهاجها مشروع الاتحاد الفيدرالي مع سوريا ، وأعلن رئيسها أن الشعبين السوري ، والعراقي يشعران بحاجة ماسة للوحدة لكن تدخلت مصر من خلال الجامعة العربية لوقف الوحدة فابتدعت ما سمي بمشروع الضمان الجماعي، الذي من بنوده تعهد الدول العربية بعدم إبرام أي اتفاقية دولية لا تتفق مع مشروع الضمان الجماعي والهدف من ذلك كان سد الطريق على الوحدة السورية العراقية ، لتحتفظ مصر لنفسها بالريادة كأقوى دولة عربية بمحافظتها على الوضع الراهن، من خلال احتوائها للعراق وسوريا ، وإعادة تأكيد مبدأ استقلال كل دولة كما دعت الجامعة العربية لذلك منذ تأسيسها .

لكن بالرغم من ذلك استمرت دعوات حزب الشعب للوحدة مع العراق ، وقد صرح السفير العراقي في دمشق حول ذلك داعماً لموقف حزب الشعب بقوله: "إن الخطوة الأولى هي جمع تلك البلدان التي ترتبط تاريخياً وجغرافياً ، ولها مصالح مشتركة "( )، ومما زاد من شعبية النظام العراقي الهاشمي في سوريا أنه عندما تجددت الاشتباكات على الحدود السورية الإسرائيلية، أصدرت الجامعة العربية في الرابع عشر من مايو 1951 قراراً بإمكانية تدخل العراق ومصر لمساعدة سوريا لكن مصر لم ترسل أي قوات لسوريا ، بينما قام العراق بإرسال قوات عراقية على الفور إلى سوريا ، وصرح رئيس الحكومة العراقية في 16 مايو 1951 حول ذلك بقوله: " في هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليكم، تكون مدفعيتنا المضادة للطائرات في طريقها إلى سوريا ، لتساعدها ضد اعتداء الطيران الصهيوني، إن وحداتنا ، ومدفعيتنا ، ومحاربينا هي تحت تصرف قادة سوريا ما دعت الحاجة لذلك "( ) فهنا تأكد للشعب السوري أن دعوات الانقلابيين الجدد لا أساس لها من الصحة( )خاصة أن العراق قد ازداد إنتاجه النفطي خلال الفترة (1950-1954) من 6 مليون طن سنوياً إلى 30 مليون طن سنوياً ، وعلى ذلك فلا مصلحة لبريطانيا بالوحدة السورية العراقية حتى لا تكسب عداوة مصر ، والسعودية وإسرائيل ، وفرنسا ، عداك عن تخوفها من انتقال مشاكل سوريا إلى العراق فهدفها لم يكن سوى سلامة أنابيب شركة أي بي سي الإنكلوعراقية التي تصب في البحر، وبالنسبة للعراق فهو ليس بحاجة لموارد سورية ، ولا يوجد عنده فائض من السكان يريد توطينه ، وهذا ماحذا بقائد الأركان السوري أنور بنود إلى القيام بمحاولة انقلاب في فبراير 1951( )، وقد أيده بعض الضباط في ذلك كما أيده أحد أعضاء البرلمان السوري ، لكن فشلت محاولته الانقلابية .

ثم شكل الحوراني في البرلمان- الذي استمر بعد الانقلاب الأول للشيشكلي- كتلة الجمهوريين الأحرار ضد كتلة حزب الشعب ؛ للوقوف ضد التصويت على الوحدة العراقية السورية ( ) ، لكنه خفف من حدة لهجته تجاه الوحدة مع العراق بعد إغراءات العراق المالية له وقبول العراق أن يكون هو رئيسا لسوريا ، لكنه بعد ذلك عاد وصار يرفض هذه الوحدة ، وهذا ما ساهم في الانقلاب الثاني للشيشكلي في نوفمبر 1951 ( ) و قد برر قائد الانقلاب معارضته لمشروع الهلال الخصيب على أساس أن هدفه الوحدة العربية الشاملة( ) ، مما حذا بالعراق الى العمل لإسقاط النظام الجديد ؛ لأن هذا الانقلاب عطل مسيرة الوحدة فتحالف العراق مع بعض السياسيين ضد النظام السوري ، ورفض الاعتراف بالنظام السوري الجديد الذي سعى للتقارب مع السعودية ومصر- في عهد الرئيس محمد نجيب- ، فأيد ثورة 23 يوليو 1952 ووصفها بأنها أعظم انقلاب في الشرق الأوسط .

ثم عمد النظام العراقي إلى إستراتيجية إشاعة الديمقراطية في العراق بسماحه بتشكيل أحزاب جديدة ، وتأمين الحريات الديمقراطية ، على اعتبار أن معارضي الوحدة السورية العراقية وسموا النظام العراقي بالدكتاتورية ، و قد قال في ذلك رئيس وزراء العراق:" إن دعوة العراق للاتحاد تحمل في طياتها هدماً للكثير من الآراء والنظريات القائمة التي تقف حجر عثرة في سبيل الاتحاد، وإن الغاية منها هي التفاهم على أسلوب تدريجي يبدأ بين دولتين فأكثر، ثم تنضم إليها بقية الدول العربية ، وإن هذا الاتحاد هو لخير الشعوب العربية لا لمصالح خاصة عائلية أو لزعامات معينة "( )، ثم أبدى العراق استعداده لتمويل جيش عربي من عائدات النفط العراقية ، لكن النظام السوري رفض العرض بإيعاز من النظامين المصري والسعودي ، مما حذا بالعراق إلى تأييد آراء الجبهة الوطنية التي جمعت جميع القوى السياسية في البلاد عام 1953 حيث قررت ما يلي: " إن أركان الجبهة قرروا انطلاق الثورة المسلحة من جبل الدروز على أن تعم البلاد جميعها وسيشترك رؤساء العشائر مع الجبل بإشعال الثورة ، وإن العراق أبدى استعداده لدعم هذه الثورة بالمال ، والسلاح ، والرجال "( )

لكن البعث رفض ذلك على أساس أن الوحدة مع العراق ، هي- حسب نظره- مشروع استعماري ، وبرغم ذلك استمر الملحق العسكري العراقي في دمشق في الاتصال مع السياسيين المعارضين ، وتوزيع الأموال والمساعدات للصحف المناوئة للنظام السوري ، كما أيد الرئيس السوري السابق هاشم الأتاسي تحرك العراق عسكرياً لإسقاط النظام السوري( ) ، لكن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا السماح للعراق بالتدخل العسكري ؛ لتحقيق الوحدة بالقوة ، رغم موافقة الكثير من الوحدويين ورغبتهم في ذلك ، ويكمن السبب في ذلك أن ارتياط العراق بالعاهدة البريطانية يجعله محدود الاستقلال ، كما أن ارتباط بريطانيا بالولايات المتحدة من خلال حلف الناتو- الأطلسي- يجعلها تلزم بريطانيا بذلك وهذا إن دل فإنما يدل أن النظام العراقي لم يكن مستقلا استقلالا يمكنه من حسم مواقفه بحريته الذاتية ، كما يدل ذلك أن دعاة رفض الوحدة مع العراق كان معهم بعض الحق للسبب السالف الذكر ، لكن هذه الوحدة مهما كان شكلها كانت ضمانة لاستقرار البلدين وقوة لهما ، أما مسألة الارتباط مع الدول الأخرى مثل بريطانيا أو الولايات المتحدة ، فإن المستقبل كان كفيل بحل هذه القضية .
¬
كما عمل العراق بعد ذلك على تأييد محاولة انقلاب في ديسمبر 1952 لكن تم اكتشاف المحاولة واعتقل منفذيها( ) ، ثم قام العراق بتشجيع العشائر البدوية على الحدود السورية ؛ لإثارة عدم الاستقرار في سوريا ، وساعد على تشكيل حكومة سوريا الحرة ، وأيدها الكثير من اللاجئين السوريين الذين لجؤوا إلى العراق وانضموا لها ، وأصبحت لها إذاعتها ونشاطاتها السرية( ) ، وأيضاً حث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي رئيس الحكومة العراقية على طلب عقد جلسة عاجلة لجامعة الدول العربية ، إبان مشكلة جبل العرب عام 1954 في سوريا باعتبار أن القضية السورية ليست مسألة داخلية ، بل هي مسألة تهم كل الدول العربية( )، مما حذا بالنظام السوري إلى المطالبة بإبعاد الملحق العسكري العراقي في فبراير 1954 حيث اتهمته بالقيام بأعمال ضد النظام ، مثل القيام بإغراءات مالية لبعض السياسيين ، خاصة بعد اكتشاف الحكومة أن الدروز في جبل العرب حصلوا على أسلحة من العراق ، واصطدموا مع قوات النظام ( ) .

يتبين لنا مما سبق أن محاولات العراق للوحدة مع سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ؛ قد ساهم في جعله يساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا في إطار سعيه لإقامة نظام موال له ، ويسعى للوحدة معه ، وقد اعتمدت إستراتيجيته على استقطابه لبعض السياسيين والعسكريين من خلال عدة أمور إضافة لمواقفه السياسية تجاه الأنظمة السورية التي حكمت خلال هذه الفترة .


2-الفترة ( 1954-1963)

على إثر الإطاحة بالنظام السوري بفعل انقلاب فبراير 1954 ، ازداد التدخل الشيوعي في سوريا ، فتخوف العراق من انتقال عدوى الشيوعية إليه ، مما حذا به إلى تأييد قيام حلف دفاعي ضد الشيوعية ، لكن مصر ، والسعودية عارضتا هذا الحلف ، بدعوى أنه ضد القومية العربية ، كما عارضته فرنسا على أساس أنه صيغة أخرى للهلال الخصيب ، على اعتبار أن هذا الحلف مع الدول الإسلامية مثل إيران ، وتركيا ، وباكستان سيؤدي إلى حصول العراق على السلاح ، وسيجعل هذه الدول تنضم إلى العرب في نزاعها مع إسرائيل( )، لكن مما يؤخذ على هذا الحلف أنه فكك كلمة العرب ، خاصة مع استمرار العراق بالمحاولة لإقامة نظام موال له في سوريا ، لهذا السبب فقد عمل عام 1954 على تشجيع أحد مؤيديه في الجيش السوري للقيام بانقلاب عسكري إلا أن هذا الانقلاب فشل( )، لذلك سعى النظام العراقي إلى الاتصال برئيس الحكومة السورية سراً عام 1954( ) ، من أجل تأييد تدخل عسكري عراقي ، وبسبب ذلك عمل البعث على الاتصال مع الشيوعيين ، لإسقاط الحكومة بعد ثلاثة أيام من لقاء رئيسي حكومتي سوريا ، والعراق بيروت في يوليو 1954 ( ).


كما كان ازدياد سيطرة اليسار في سوريا على نظام الحكم فيها قد شجع العراق على إسقاط النظام السوري من خلال اتصاله ببعض السياسيين السوريين للقيام بعملية تطيح بالنظام في مارس 1956 ، وقد عرفت هذه العملية بخطة الانتشار( ) لكنها فشلت باكتشاف المكتب الثاني لها من خلال كشف شحنة الأسلحة الآتية من العراق إلى جبل العرب ، وبرغم فشل هذه العملية فإن رئيس وزراء العراق لم ييأس من استمرار المحاولات لتحقيق الوحدة مع سوريا ، ففي ربيع 1957 استدعى قائد الأركان العراقي وأطلعه على خطة انقلاب في سوريا مدعوماً بهجوم عسكري عراقي ، وأعطيت هذه العملية اسم عملية نصر، وكان لزعيم الحزب الوطني في حلب المساهمة الأول فيها لكن فشلت الخطة أيضاً( ) .

وكان من أسباب الأزمة الوزارية في ظل الحكومة السورية عام 1956( ) ، هو الخلاف بين المؤيدين للتقارب مع العراق، والمؤيدين للتقارب مع مصر، وانتهت الأزمة بسقوطها ، وتشكيل حكومة قومية في يونيو 1956 ، ثم تشكلت الجبهة الوطنية البرلمانية في ديسمبر 1957 ( ) ، وأعلنت عداءها للغرب ولحلف بغداد ولمبدأ أيزنهاور من أجل الوحدة مع مصر ، وقد رد النظام العراقي على الوحدة بين مصر ، وسوريا بالاتحاد الهاشمي بين العراق ، والأردن في 14 فبراير 1958( ) .

ثم عمل النظام العراقي على التنديد بالوحدة السورية المصرية على اعتبار أنها غير طبيعية ، وغير عملية ؛ لأنه باعتباره أن مشروع الهلال الخصيب هو الحالة الطبيعية لسوريا ، والعراق ، ثم عمل على الضغط على سوريا في ظل الجمهورية العربية المتحدة ، من خلال الحدود مع الأردن ؛ وذلك لحملها على إيقاف مساندتها لقوى المعارضة اللبنانية ، وكانت إستراتيجينه في ذلك هو مساندة العراق للنظام الأردني في إطار الاتحاد الهاشمي الذي يربط العراق بالأردن بهدف عزل سوريا عن مصر من خلال الضغط عليها لتحقيق مشروع الهلال الخصيب وفق إستراتيجية العزل .

كما كان تخوف العراق من نظام حكم الوحدة بسبب أن طريق البترول العراقي أصبح تحت رحمة النظام الجديد الذي تقوده مصر، والمعادي لنظام الحكم العراقي الهاشمي ، وهذا ما حذا برئيس وزراء العراق إلى المطالبة بإقرار تقسيم فلسطين وفتح طريق بحرية للعراق إلى حيفا عبر الأردن ، لكن الولايات المتحدة رفضت هذا التحرك العراقي، وأعلنت أن هذه الأسلحة التي بحوزة العراق لا يمكن استخدامها إلا بموافقة الولايات المتحدة ، وأنها لا توافق على ذلك ( ) ، فكانت مساهمتها في حركة 14 يونيو عام 1958 ، حيث أعلن النظام الجديد في العراق بداية عام 1959 تخليه عن حلف بغداد ، ومبدأ أيزنهاور( )

لكن بعد ذلك استمر عدم الثقة بين النظامين في سوريا ، والعراق طوال عهد الوحدة بين سوريا ، ومصر مثلما كانا قبل ذلك ، بيد أنه طرأ بعض التحسن بعد الانفصال إثر انقلاب سبتمبر1961 ، وقد أيد النظام العراقي ، النظام الجديد في سوريا واجتمع الرئيس العراقي مع الرئيس السوري في مارس 1962 واتفقا على إقامة لجنة عسكرية مشتركة ومجلس اقتصادي مشترك ، وانتهاج سياسة خارجية موحدة ( )، وصرح الرئيس العراقي حول إمكانية إحياء مشروع الهلال الخصيب وذلك في مواجهة المخططات التركية ضد سوريا ، والعراق ( ) ، كما أعلن رئيس الحكومة السورية عن عزمه على إقامة اتحاد فيدرالي مع مصر بشرط دخول العراق فيه( ) .

وفي أوائل عام 1963 ، اجتمعت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت ، وضمت بعثيين من سوريا ، والعراق ودرسوا سبل الإطاحة بنظامي ناظم القدسي في سوريا وعبد الكريم قاسم في العراق( )، فأطيح أولاً بالنظام العراقي القاسمي من خلال انقلاب عبد السلام عارف ، وحاصر النظام العراقي الجديد سوريا من خلال قواته المسلحة في الخارج رغم محاول الرئيس السوري التقرب من النظام العراقي الجديد على أساس التعايش السلمي بين النظامين السوري والعراقي ، لكن البعث والناصريين وبعض المستقلين إشتد نشاطهم في سوريا إثر انقلاب العراق وذلك بعد أن رفع النظام العراقي الجديد شعار الوحدة مع مصر ثم أخذ البعث يشن هجومه على نظام الحكم في سوريا متهماً إياه بأنه حكم بوليسي ورجعي، وقد آزره نظام الحكم الجديد في العراق ، فقد صرح رئيس الحرس القومي العراقي في فبراير 1963 بما يلي : " إن نواة أي اتحاد بين الدول العربية ، يجب أن تكون عن طريق قيام اتحاد بين سوريا ، والعراق أولاً " ( ).

وهذا أثار دعاة الوحدة بين سوريا ، والعراق من جماعة حزب الشعب ( ) كما أشار الرئيس العراقي الجديد أن العراق يسعى للتعاون مع سوريا في جميع المجالات( ) وبالفعل فقد توجه زعيم البعث في فبراير 1963 مع وفد تابع له إلى العراق لبحث أمر الوحدة ، مما حذا بالنظام السوري إلى دعوة العراق لتشكيل اتحاد فيدرالي بين سوريا والعراق ، لكن البعث العراقي عمل على إسقاط نظام الحكم في سوريا( )، من خلال اتصالهم مع البعث السوري في سوريا الذي بمساهمته جند بعض العسكريين في قيادة الجيش .

وأصدر وزير الدفاع العراقي عشية 8 مارس 1963- و هو يوم انقلاب البعث السوري- أمراً بوضع القوات المسلحة العراقية غرب الفرات في حالة تأهب وأن تكون تحت تصرف القيادة السورية الجديدة ، لكن بعد نجاح الانقلاب السوري سافر رئيس الحرس القومي العراقي على رأس وفد للتهنئة ، والتقى بقادة البعث ، ثم عقد في 11 مارس 1963 مؤتمراً صحفياً أكد فيه أن هناك مشروعاً لوحدة سوريا والعراق ، ومصر، وبالفعل حدثت الوحدة الثلاثية بينهم لكنها فشلت عقب انقلاب يوليو 1963 في سوريا ، وانهار الاتحاد الثلاثي بينهم حيث سيطر البعث على الحكم وأبعد الناصريين والمستقلين ، خاصة بعد انقلاب أمين الحافظ في أكتوبر 1963 وسيطرته على نظام الحكم في سوريا ( ) ، وهذا أدى إلى حدوث تقارب سوري عراقي بعد انعقاد المؤتمر القومي السادس لحزب البعث في أكتوبر 1963 حيث أعلنت الوحدة العسكرية بين سوريا والعراق .

يتبين لنا مما سبق أن العراق قد استمر في سعيه لإقامة نظام سوري موالياً له ويسعى للوحدة مع العراق خلال معظم هذا الجزء من فترة الدراسة ، وهذا ما جعله يصطدم مع كل من السعودية ومصر ؛ المعارضين للتوجهات العراقية في المنطقة كما نلاحظ أن هذه المحاولات الوحدوية قد خفت بعد سقوط النظام الملكي العراقي عام 1958 الذي كانت إستراتيجيته الرئيسية هي الوحدة مع سوريا .

وعلى ذلك يتضح لنا أن محاولات العراق الوحدوية مع سوريا ، ومعارضة دول المعسكرين المتصارعين لهذه السياسة ، إضافة لمعارضة الدول الإقليمية المجاورة له خاصة مصر، والسعودية ، قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، ولكن هذه السياسة قد أثرت سلباً أيضاً على الأنظمة المتعاقبة التى حكمت العراق ، فانهيار الحكم الهاشمي ، ومن ثم القاسمي من أسبابه الأساسية هو السياسة التي اتّبعتها هذه الأنظمة تجاه سوريا ، فكان التأثير المتبادل لظاهرة الانقلابات العسكرية في كل من سوريا ، والعراق بسبب سياسة أي منهما تجاه الآخر ، كما بيًنت هذه الدراسة أن مساهمة العراق كانت متقاربة خلال كلا جزأي فترة الدراسة ، وإن كانت قد قلًت بعض الشئ خلال القسم الثاني من فترة الدراسة بسبب المشاكل التي تعرَّض لها العراق منذ إنهيار الحكم الهاشمي فيه .

وبالتالي نصل إلى أن المحاولات الوحدوية للعراق للوحدة مع سوريا خلال جزأي فترة الدراسة ، قد جعله يساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا لكن يلاحظ أن مساهمته في الفترة الأولى كانت أكبر بحكم أنه قد حدثت في الفترة الثانية عدة تطورات ، أهمها كان سقوط النظام الملكي عام 1958 وازدياد المد الشيوعي فيه ، وتفكك الاتحاد الهاشمي الذي كان يجمع العراق مع الأردن وخروج العراق من حلف بغداد ، حيث أدت هذه التطورات إلى ارتباكات كبيرة في النظام العراقي وهذا ما ساهم في إضعاف مساهمته في ظاهرة الدراسة .


• لبنان

يشكل لبنان منفذاً مهماً لوسط وجنوب سوريا على البحر المتوسط ، ولم يحدث أي انفصال عملي بينه ، وبين سوريا قبل فترة الدراسة ، فهل سعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة -ضمن إستراتيجيتها للابتعاد عن سوريا وعدم السعي للاتحاد معها كما يطالب بذلك أكثر أبناء الشعب اللبناني- للمساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ؟ .

1- الفترة ( 1943-1954)

عقب انقلاب حسني الزعيم عام 1949 عمل حزب الكتائب ذو التوجهات الطائفية والمدعوم من قبل الحكومة اللبنانية على ضرب وحرق مكاتب الحزب القومي السوري الداعي للوحدة مع سوريا ، ثم تدخلت الحكومة اللبنانية مباشرة لصالحه( ) وأخذت بملاحقة أعضاء الحزب القومي السوري ، ثم تحالفت مع الرئيس السوري الجديد للقضاء على زعيم ذلك الحزب فسلمته للحكومة اللبنانية التي أعدمته وفق محاكمة صورية ، وقد كان لهذا العمل أثره في سقوط النظام السوري ، كون الكثير من الانقلابيين كانوا من جماعة الحزب القومي السوري خاصة بعد اندلاع المظاهرات في جميع أنحاء سوريا تندد بغدر الرئيس السوري بزعيم الحزب القومي السوري ( ) .

ولم تقف مساهمة النظام اللبناني عند هذا الحد ، حيث قاومت الحكومة اللبنانية مساعي الحكومات السورية في عهد سامي الحناوي من أجل وحدة سوريا والعراق واستمرت في ذلك بعد انقلاب الشيشكلي عام 1949 ، حيث أصبحت بيروت بؤرة توتر ضد نظام الحكم في سوريا وأصبحت الصحف اللبنانية تندد بالنظام السوري وتصفه بالديكتاتوري ( ) ، وزادت من حدتها بعد هروب زعماء البعث إلى لبنان معارضين نظام الحكم في سوريا خاصة بعد أحداث جبل الدروز( )، حيث قام دروز لبنان بعقد مؤتمراً صحفياً لهم في بيروت ، ليطلعوا الرأى العام العالمي والصليب الأحمر على مذبحة الدروز السوريين ، وهاجم زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي – درزي- النظام السوري ، مما حذا بالنظام السوري إلى إغلاق الحدود مع لبنان في فبراير ،1954 ، واستمر إغلاقها حتى سقوط نظام الشيشكلي عام 1954.

يتبين مما سبق مساهمة الحكومات اللبنانية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، بسبب ارتباط النظام اللبناني بفرنسا التي لها مصالح خاصة في لبنان ، وترفض أي تقارب لبناني سوري خاصة بعد لجوء زعماء البعث إليها ومساهمتهم من خلالها ؛ لإسقاط النظام السوري عام 1954 إضافة إلى وجود الدروز في لبنان الذين سعوا من خلال تنظيماتهم إلى المساهمة في إسقاط النظام السوري عام 1954 ؛ بسبب تأثرهم بقمع النظام السوري لتمردهم نهاية عام 1953 .

2- الفترة ( 1954-1963)

أصبح لبنان مركزاً للعديد من العمليات السرية ؛ لإسقاط الحكم في سوريا بعد سقوط النظام السوري عام 1954 ، فكانت بعض العمليات السرية التي استهدفت إسقاط النظام مثل عملية التيه أو الانتشار عام 1956، وعملية نصر عام 1957 حيث كانت اجتماعات المعارضين للنظام السوري ، أو لتوجهات السياسة السورية قد تمت في بيروت ، وبالرغم من فشل هذه العمليات التي أصبحت تبدأ بتجنيد الأصدقاء المعارضين ، ثم تقوم بحملات إعلامية ضخمة بغرض خلق بلبلة وتشكيك في السياسة السورية ، ثم بتجنيد بعض الأصدقاء في القوات المسلحة السورية ، إلا أنها أحدثت قلقلة للنظام السوري خلال فترة ما بين سقوط الشيشكلي وبين الوحدة مع مصر وساهمت في إسقاطه عام 1958 ( ) كما كان تأييد الرئيس اللبناني لمبدأ أيزنهاور وقبوله به رغم عدم تأييد معظم الدول العربية له وخاصة مصر وسوريا قد أثار الخلاف بين لبنان ، وسوريا التي سيطر عليها اليسار .

وبسبب تخوف النظام الحاكم في سوريا بعد الوحدة مع مصر عام 1958( )، من تأثر الوضع اليميني المدني في لبنان بالوضع اليساري العسكري في ظل نظام الوحدة عمل نظام الوحدة ، على تأييد المؤيدين له ضد النظام اللبناني المعارض للتوجهات القومية لنظام الوحدة عام 1958، خاصة بعد محاولة الرئيس اللبناني تعديل الدستور بعد الانتخابات النيابية ؛ لإعادة انتخابه مرة أخرى ( ) ، وهذا أدى لمعارضة التيار القومي العربي في لبنان المعادي في نفس الوقت للغرب فاجتمعت المعارضة في مايو 1958، واتفقت على معارضة هذا التعديل ، وكانت مدعومة من قبل الجمهورية العربية المتحدة من خلال الإقليم السوري ، وقد اندلعت الشرارة الأولى باغتيال أحد النواب اللبنانيين وهو نسيب المتني وبالرغم من أن الرئيس اللبناني كميل شمعون كان مدعوماً من قبل السي أي إيه، عن طريق السفير الأمريكي في لبنان إلا أن هذا لم ينفعه عندما اندلعت المواجهات بين الحكومة والمعارضة التي وصلتها أسلحة من سوريا ، مما حذا بالرئيس اللبناني إلى طلب تدخل الولايات المتحدة ؛ لأن موافقته على مبدأ أيزنهاور - الداعي لملء الفراغ الناتج عن فقدان السيطرة الفرنسية والبريطانية في الشرق الأوسط ؛ خشية وقوعها تحت السيطرة الشيوعية- تجيز له طلب التدخل ، فتدخل الأسطول السادس الأمريكي ، بيد أن الولايات المتحدة حثت الرئيس اللبناني على التخلي عن الرئاسة ، وإجراء انتخابات جديدة فاز فيها قائد الجيش فؤاد شهاب المؤيد من قبل المعارضة.

وقد عارض معظم مسلمي لبنان الحكم الذي جاء بعد سقوط حكم الوحدة في سوريا عقب انقلاب سبتمبر 1961( ) ، باعتبار أنهم كانوا يرون بالحكم الناصري طريقاً يوصلهم إلى الحقوق التي يطالبون بها ؛ بسبب التمييز الحكومي لصالح الطائفة المارونية الموالية للغرب ، فأخذت الصحف اللبنانية تنشر مقالات تدعو للثورة على النظام السوري ، وتدعمها السفارة المصرية التي استخدمت الأراضي اللبنانية من أجل إسقاط النظام السوري من خلال تجنيد الموليين للنظام المصري – الناصريين- ، إثارة حالة عدم الاستقرار التي شهدتها سوريا خلال هذه الفترة حيث حدثت سلسلة من الانقلابات الفاشلة ، إضافة إلى الانقلاب الثاني والثالث للنحلاوي وكلا الانقلابين كانا بدعم مصري ،أيضاً كان تمردات كل من بدر الأعسر وجاسم علوان ولؤي الأتاسي ومحمد عمران ، قد كانت على علاقة بالنظام المصري من خلال الأراضي اللبنانية كما عمل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط في لبنان - ذو الأصول الكردية ( ) - ، على دعم الأكراد في شمال سوريا ، إضافة لما كانت تقوم به حكومة الكويت من دعم لهم عن طريقه هو ، وهذا سبب إرباكاً كبيراً للنظام السوري ، وساهم في سقوطه بعد ذلك في انقلاب مارس 1963 ، لكن بعد استلام البعث السلطة عام 1963 استمرت بيروت محوراً لزعزعة الاستقرار السياسي في سوريا ، خاصة بعد لجوء رؤوس اليمين البعثي إليها حيث بدأ التنديد من خلالها بنظام الحكم في سوريا بعد انقلاب فبراير 1966 .

يتبين مما سبق مساهمة لبنان في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، حيث كان لبنان مأوى الانقلابيين الذين قاموا بالعديد من الانقلابات في سوريا ، كما أن ارتباط النظام اللبناني بالمشاريع الغربية في المنطقة ووقوفه ضد أي محاولات وحدوية مع سوريا في إطار تصاعد المد القومي في سوريا خلال هذه الفترة قد جعل لها مساهمةً كبيرةً في ظاهرة الدراسة .

وبذلك نخلص ألى أن الحكومات اللبنانية المتعاقية كان لها مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وذلك محاولة منها لإبقاء لبنان منفصلاً عن سوريا ، وعدم السماح لها بإدماج لبنان معها ، وهذا ما حذا بالأنظمة اللبنانية المتعاقبة إلى التساهل في مجيء المعارضين للأنظمة السورية التي حكمت سوريا خلال هذه الفترة ، فكانت بيروت محوراً للعديد من الأعمال التي ساهمت في إسقاط العديد من الأنظمة السورية التي حكمت خلال فترة الدراسة ، إضافة لارتباط النظام اللبناني بالولايات المتحدة ، ومشاريعها في المنطقة مثل مشروع أيزنهاور وارتباط الطائفة المارونية – التي ينتمي إليها الرئيس اللبناني الماروني حسب الدستور اللبناني- بفرنسا التي حاولت على الدوام عدم السماح بإدماج لبنان بسوريا من خلال أحد المشروعين السابقين سوريا الكبرى ، أوالهلال الخصيب ، كما أوضحت الدراسة أن مساهمة لبنان قد ازدادت بشكل كبير في نهاية الجزء الأول من فترة الدراسة وهذا أدى إلى سقوط النظام السوري عام 1954 حيث كانت بيروت مركز المعارضة الرئيسي ومنها قادت المعارضة النظام الجديد الذي حكم سوريا فيما بعد خاصة بعد الوحدة مع مصر عام 1958 ، مثلما ساهمت أيضاً بعد الانفصال حيث خطط لإسقاط النظام السوري في بيروت قبيل انقلاب مارس 1963 - أي في نهاية الجزء الثاني من فترة الدراسة- وهذا أدى لسقوط النظام السوري أيضاً عام 1963 .



• الأردن

يشكل الأردن – مع فلسطين الذي كان جزءاً منها - جنوب سوريا ، وقد انفصل عنها بموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، وبما أنه منطقة قليلة الموارد وضعيفة السكان ، ومرتبط بسوريا بشكل كبير ؛ لذلك كان منطقياً أن يسعى نظامه للاتحاد مع سوريا ، فما هي المساهمة التي ساهم بها النظام الأردني في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا في إطار سعيه للوحدة مع سوريا ، أو في إطار سعيه لإسقاط الأنظمة التي لا توافق سياسته الموالية للغرب ؟ .

1-الفترة (1943-1954)

عمل الأردن منذ استقلال سوريا على جرها إلى الوحدة معه ، لكن ارتباط الأردن ببريطانيا أعاق مساعيه في ذلك ، بالرغم من حصول الأردن على بعض الاستقلال عن بريطانيا في مارس 1948، مما حذا بالأمير عبدالله إلى جعل هذا المشروع جزءاً من السياسة الخارجية الأردنية في نوفمبر 1948، وقد قال في ذلك: " ليس هناك من سوريا كبرى أو صغرى ، فهناك فقط بلد يحده البحر المتوسط غرباً وتركيا شمالاً ، والعراق شرقاً ، والحجاز جنوباً ، وهذا البلد يشكل سوريا "( ) وقال أيضاً : " كل أمرئ يدرك أن الجامعة العربية لم تكن أكثر من لعبة نظمها النحاس باشا لغاياته هو " ، وقد أيد الرئيس السوري هذا المشروع وصرح بذلك أمام البرلمان في فبراير 1945 قائلاً: " ...... أما موضوع سوريا الكبرى ، فقد جاهرنا ونجاهر برأينا بأننا نرحب به ، ترحيباً لا محاباة فيه ، وهو أن تكون سوريا الكبرى جمهورية عاصمتها دمشق "( ).

وعلى ذلك كان تأييد الرئيس السوري للمشروع ، في مقابل عدم التنازل عنها كجمهورية ، وهذا ما أساء للعلاقات بين الأمير عبدالله ، والرئيس السوري الذي تخوف من السيطرة الإنكليزية على سوريا على غرار الأردن ، بسبب سيطرتها على الجيش الأردني ، لكن أمير شرقي الأردن عمل من خلال مؤيدي مشروعه في سوريا على تشكيل حزب سياسي مدعوم منه هو " منظمة اتحاد الأحرار"( ) الذي أخذ يدعو لمشروع سوريا الكبرى ، ويندد بالنظام السوري ، مما حذا بالنظام السوري إلى اعتقال بعض أعضاء الحزب ورئيسه ، لكن بعد حرب فلسطين عام 1948 وهزيمة العرب فيها خسر الأمير عبدالله الكثير من مؤيديه في سوريا بسبب ما كان له من مساهمة ساهم في هذه الهزيمة ، فلم يعد يجرؤ أحد من الضباط على المجاهرة برغبته في مشروع سوريا الكبرى ، برغم استمرار النظام الأردني برغبته في ذلك( )، حيث صرحت الحكومة الأردنية عام 1949 أنها تعتبر هذا المشروع من الأهداف الوطنية رغم استمرار موالاة زعماء جبل العرب (الدروز) لأمير شرقي الأردن ، خاصة بعد تورط النظام السوري من خلال رئيس وزرائه في إثارة فلاحي الدروز ضد زعمائهم وكان لهذه الحادثة مساهمة كبير في تأييد زعماء الدروز لانقلاب حسني الزعيم فيما بعد( )، وقد اعتمد أمير شرقي الأردن على توزيع الأموال والألقاب في جبل الدروز في كسب ولاء هؤلاء الزعماء وذلك من أجل تأييد مشروعه ، والعمل من أجل زعزعة استقرار الحكومة ، فقد تحصل أحد زعماء الدروز في سوريا على مبالغ مالية كبيرة لأجل ذلك( ) .

وبسبب ما كان من ارتباط الأردن ببريطانيا ، فقد كان أمير شرقي الأردن على علم بانقلاب حسني الزعيم قبل أن يقع ، لكن توترت بعد ذلك علاقته بقائد الانقلاب بسبب رفضه لهذا المشروع( )، وهذا ما أساء أيضاً علاقته بزعماء الدروز الموالين له إضافة للذين ينتمون للحزب القومي السوري ، خاصة بعد تورط قائد الانقلاب بقضية زعيم الحزب القومي السوري ، حيث كان لهذه الأسباب مساهمة كبير في انقلاب سامي الحناوي ، الذي أيده الأردن بشكل كبير ووجد فيه أملاً لتحقيق مشروع سوريا الكبرى ، لكن بسبب انحياز قائد الانقلاب الجديد لمشروع الهلال الخصيب توترت علاقته بالأردن ، فلم يكترث في انقلاب الشيشكلي عام 1949 حيث دعا الأمير عبدالله إلى مشروع سوريا الكبرى ، في أعقاب هذا الانقلاب وصرح حول ذلك قائلاً: " إن سوريا فريسة عدم الاستقرار والفوضى، ولن يعود إليها النظام إلا بالاتحاد مع الأردن ؛ لأن هذا الاتحاد هو طريق الحق والعدالة "( ).


لكن في السابع من إبريل 1952 التقى الرئيس السوري ، وقائد أركانه مع الملك طلال بن عبدالله ، وبحثواً أمر الاتحاد بين سوريا ، والأردن ، على أن يكون الملك طلال هو ملك الأردن ، وسوريا ، وأن يكون الرئيس السوري نائباً للملك( ) لكن البعث ندد بهذا القرار ووسمه بأنه مشروع استعماري ، بالرغم من أن الشيشكلي كان قد رفض هذا المشروع من قبل بعد انقلابه الأول عام 1949 بسبب الدعاوي الوحدوية لمشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى ( )ومطالبة البرلمان السوري في يوليو 1951 بضرورة ضم الأردن إلى سوريا ، على اعتبار أنها تشكل أهم منطقة عسكرية بين جميع البلدان العربية ، ونقطة الاتصال بين جميع دول الهلال الخصيب ، ومفتاح الجزيرة العربية وسيناء ، وكونها أقصر الطرق بين البحر المتوسط والبحر الأحمر وتعيش على الإعانات البريطانية ، التي لا يمكن أن تعيش من دونها باعتبارها بلداً جرداء لا يمكن أن تكون وحدة اقتصادية قائمة بذاتها ، فهي باعتبار النواب السوريين ليست إلا جزءاً من سوريا .

ويمكن تفسير قبول النظام السوري آنذاك للمشروع في ذلك الوقت هو أن شخصية الملك طلال كانت ضعيفة ، فكان أمله في استغلال هذا الضعف لصالحه لكن هذا لم يقبل به قائد الجيش الأردني كلوب باشا- انكليزي- وهذا مما كان له أثره في عزل الملك طلال بعد ذلك ، وتسلم ابنه حسين للعرش عام 1953 وذلك بتأييد قائد الجيش الأردني ، وهذا أدى إلى إساءة العلاقة بين النظام السوري في عهد الشيشكلي مع النظام الجديد في الأردن ، لذلك استغل قائد الجيش الأردني حادثة جبل العرب (جبل الدروز) عام 1954، وأرسل إلى زعماء الدروز يطلب تدخله( ) وعرضت بعض القبائل المؤيدة للأردن ، ولاءها لزعيم الدروز في سوريا ضد النظام السوري وهذا ما ساهم في سقوط نظام الشيشكلي عام 1954

يتبين لنا مما سبق أن الأردن قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، وقد تمثلت مساهمته في السعي لإسقاط كل النظم السورية التي لم تسع للوحدة معه ضمن مشروعه المسمى بمشروع سوريا الكبرى.


2-الفترة ( 1954-1963)

ازداد التدخل السوري في الأردن بعد سقوط النظام السوري عام 1954 ، بسبب أن اليسار عمل على زعزعة الأوضاع السياسية المستقرة في الأردن ، خاصة أن بعض ضباط الجيش السوري كانوا على علاقة مع نظرائهم في الأردن( )وتحديداً بعد إقالة غلوب باشا من قبل الملك حسين وتعيين آخر مكانه ، حيث كان سبب إقالته أن الولايات المتحدة كانت تعمل على إبعاد بريطانيا عن المنطقة من خلال مؤيديها في الشرق الأوسط بعد ازدياد المد القومي في سوريا الذي أدى إلى اندلاع أعمال عنف واضطرابات في الجيش الأردني ، حيث تشكلت على إثر ذلك حكومة أردنية يسارية شجبت مشروع أيزنهاور، وعملت على إقامة علاقات مع الاتحاد السوفياتي مما حذا بالملك حسين إلى حلها وتطهير الجيش من الشيوعيين وإعلان الأحكام العرفية في الأردن ، وقبول المساعدات الأمريكية وهذا أدى إلى توتر علاقته مع مصر، وسوريا ، حتى إن رئيس المخابرات السورية أكد لبعض السياسيين الأردنيين الموالين لسوريا أنه سيستمر في دعم المحاولات للإطاحة بالنظام الملكي في الأردن وكانت إحدى هذه المحاولات المحاولة الانقلابية التي قادها قائد أركان الجيش الأردني ضد الملك حسين في مايو 1957، وكان فشلها قد جعله يلجأ إلى سوريا بعد اعتقال اثنين وعشرين ضابطاً ، وبسبب ذلك طلبت الحكومة الأردنية من سوريا الانسحاب من الأردن في مايو 1957 ، حيث كان قد دخل الجيش السوري إلى الأردن عقب اندلاع حرب السويس 1956، كما خرج الأردن من معاهدة الدفاع المشترك التي وقعت مع سوريا ، ومصر ، والسعودية والأردن عام 1956 ، وكان لذلك أثراً في انهيارها( ) .

وقد شهدت العلاقات بين الإقليم السوري ، والأردن أشد توترها خلال عهد الوحدة بين سوريا ، ومصر ، فقد أعلن عن اكتشاف متسللين إلى الأردن ، ومن الأردن إلى سوريا، للقيام بعمليات تخريبية ، ووجه الاتهام لسوريا في عملية تفجير مبنى مجلس الوزراء الأردني عام 1959، الذي أدى إلى مصرع رئيس الحكومة الأردنية المعارض للتدخلات في الأردن ، مما حذا بالنظام الأردني إلى تشجيع التمرد على حكم الوحدة( ) ، من خلال البث الإذاعي ضدها ، حيث اشتركت الأردن ، والسعودية في تمويل محطة إذاعية لذلك ، وكان أحد قادة انقلاب سبتمبر 1961 له علاقة بالنظام الأردني( ) ، لذلك عملت الدعاية المصرية على اتهامه بأنه قبل إغراءات مالية من النظام الأردني مع مجموعة أخرى مثل رئيس البرلمان السوري بعد الانفصال ، وهذا تسبب في إقالته عن رئاسة البرلمان ، وعن رئاسة الحكومة قبل ذلك( )، وهذا ما ساهم في تشجيع مؤيدي النظام المصري- الناصريين- والمستقلين الوحدويين للقيام بانقلاب مارس 1963 .


يتبين لنا مما سبق أن مساهمة الأردن في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة قد خفت ؛ بسبب مقتل صاحب مشروع سوريا الكبرى – الملك عبد الله- عام 1952 ، وازدياد المد القومي في سوريا ودعواته لابتعاد الأردن عن بريطانيا ، وبروز الناصرية في مصر حيث سعت للوحدة مع سوريا وتوج سعيها بالوحدة السورية المصرية عام 1958 ، لكن بسبب أخطاء عهد الوحدة تجاه الأردن ، سعى الأردن لإسقاط نظام الوحدة ، وكان له ما أراد عام 1961 حيث سقطت الوحدة ، وكان الأردن الدولة الثانية التي تعترف بنظام الانفصال.

نستنتج مما سبق أن محاولات الأردن للالتحام مع سوريا من خلال مشروع سوريا الكبرى ، ومحاولاته تقويض الأنظمة ، والحكومات التي لاتؤيد هذا المشروع ، قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا ، كما كان توافق السياسة الأردنية مع السياسة العراقية تجاه سوريا بسبب ارتباط الأسرتين الهاشميتين في كل من الأردن ، والعراق ببعضهما البعض ، قد أثار كل من السعودية ومصر اللتين كانتا تتخوفان من قيام دولة هاشمية تجمع أجزاء منظقة الشام ، أو الهلال الخصيب تحت عرش الهاشميين ، من هنا كانت محاولاتهما لتقويض الحكومات ، والأنظمة التي تؤيد أحد هذين المشروعين وهذا ما ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة كما بيًنت الدراسة أن مساهمة الأردن قد خفَّت في القسم الثاني من فترة الدراسة بسبب تولي العرش الأردني الملك حسين منذ عام 1952 أي منذ رحيل واضع مشروع سوريا الكبرى الملك عبد الله ، إضافة إلى تخلخل العرش الهاشمي بسبب ازدياد المد القومي في سوريا ومصر ، حيث أصبح موضوع المحافظة على العرش يفوق محاولة الأردن للاندماج مع سوريا .

نخلص من هذا المبحث إلى أنه كان للعلاقات السورية مع دول الهلال الخصيب مساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة حيث كانت محاولات العراق الوحدوية مع سوريا ، ومعارضة دول المعسكرين المتصارعين لهذه السياسة ، إضافة لمعارضة الدول الإقليمية المجاورة له خاصة مصر والسعودية ولكن هذه السياسة قد أثرت سلباً على الأنظمة المتعاقبة التى حكمت العراق فانهيار الحكم الهاشمي ، ومن ثم القاسمي كان من أسبابه الأساسية هو السياسة التي اتّبعتها هذه الأنظمة تجاه سوريا ، كما أن محاولات الحكومات اللبنانية لإبقاء لبنان منفصلا عن سوريا ، وعدم السماح لها بإدماج لبنان معها ، وتساهلها في مجيء المعارضين للأنظمة السورية المتعاقبة إلى لبنان ، حيث كانت بيروت محوراً للعديد من المؤامرات التي ساهمت في إسقاط العديد من الأنظمة السورية التي حكمت خلال فترة الدراسة إضافة لارتباط النظام اللبناني بالولايات المتحدة ومشاريعها في المنطقة ، وارتباط الطائفة المارونية – التي ينتمي إليها الرئيس اللبناني الماروني حسب الدستور اللبناني- بفرنسا التي حاولت على الدوام عدم السماح بإدماج لبنان بسوريا من خلال أحد المشروعين السابقين سوريا الكبرى أوالهلال الخصيب .

كما أن محاولات الأردن للالتحام مع سوريا من خلال مشروع سوريا الكبرى ومحاولاته تقويض الأنظمة ، والحكومات التي لاتؤيد هذا المشروع ، وتوافق السياسة الأردنية مع السياسة العراقية تجاه سوريا بسبب ارتباط الأسرتين الهاشميتين في كل من الأردن ، والعراق ببعضهما البعض ، قد أثار السعودية ومصر اللتين كانتا تتخوفان من قيام دولة هاشمية تجمع أجزاء منظقة الشام ، أو الهلال الخصيب تحت عرش الهاشميين ، من هنا كانت المحاولات السعودية المصرية لتقويض الحكومات والأنظمة التي تؤيد أحد هذين المشروعين ، كما أوضحت الدراسة أيضاً أن مساهمة العراق والأردن كانت أكبر خلال القسم الأول من فترة الدراسة ؛ بسبب محاولاتهما للاندماج مع سوريا ، وقد تناقصت مساهمتها خلال القسم الثاني من فترة الدراسة بسبب سقوط الحكم الهاشمي في العراق ورحيل الملك الأردني – الملك عبد الله- وبذلك خفًت الدعوة لمشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى برحيل واضعي هذين المشروعين .


المبحث الثاني
مساهمة مصر والسعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية
في سوريا (1943-1963)

برزت التوجهات المصرية السعودية خلال فترة الدراسة معارضةً بتوجهاتها الدعاوي الوحدوية للتوجهات العراقية الأردنية من خلال مشروعيهما في سوريا (الهلال الخصيب ، وسوريا الكبرى ) ، حيث كان لكل من مصر ، والسعودية مصلحتهما في إيقاف نهج الأسرتين الهاشميتين الحاكمتين في العراق ، والأردن إضافة إلى نهج العراق في عهد عبد الكريم قاسم ، وهذا ما جعلهما تسعيان لعدم قيام هذين المشروعين ، وعلى هذا فسيدرس هذا المبحث مساهمة كل من مصر والسعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا خلال فترة الدراسة التي قسمت حسب الدراسة إلى جزءين متقاربين .

أولاً : العلاقات السورية مع مصر ،والسعودية قبل فترة الدراسة

• مصر
ترتبط مصر بسوريا منذ أقدم الحضارات ، فقد فتحها الأشوريون ، والهكسوس وأقاموا فيها حضارات عظيمة ، لكن زاد ارتباطها بسوريا بعد الفتح الاسلامي لها وخاصة بعد أن أصبحت دمشق مركز الخلافة الإسلامية في عهد الدولة الأموية وبالتالي أصبحت مصر إحدى ولايات دمشق ، واستمر ارتباطها بها حتى أواخر العهد العباسي ، كما اشترك قادتها مع قادة الشام في المعارك الكبرى كحطين وعين جالوت وفي ظل الدولة العثمانية التي اتسمت بالتخلف والجهل أضحى الأزهر الشريف مركزاً رئيسياً للعلم ، والعلماء ، وساهم في تقارب الشعبين الشقيقين ، لكن في فترة الاحتلال الانكليزي لمصر ظهر إتجاه رآى أن الحضارة الفرعونية هي التي تمثلهم( )، وقد تأثرت الأنظمة المصرية الحاكمة قبل ثورة يوليو 1952 بهذه النزعة فعملت على إجهاض أي اتحاد بين سوريا والعراق ، أو الأردن ، وذلك من خلال مشروعي سوريا الكبرى ، أو الهلال الخصيب ؛ لأن ذلك يجعلها دولة ثانوية أمام القوة الاتحادية لسوريا الطبيعية .

لذلك عملت مصر عندما أسست الجامعة العربية على جعل ميثاق الجامعة العربية ـ الذي وضعته مصر نفسها ـ يكرس الانفصال بين الدول العربية فالمادة السابعة من ميثاق جامعة الدول العربية تقول: " إن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله "( ) حتى أن أمناء الجامعة العربية كان معظمهم مصريين ويعملون لصالح مصر ضمن الجامعة العربية ( ) ، فمؤسس الجامعة العربية كان رئيساً لحزب الوفد ذي التوجهات المصرية الخالصة البعيدة عن العروبة، كما قال أحد أمناء الجامعة العربية وهوعبد الرحمن عزام : " نحن مصريون أولا ً" ويقول أيضاً " لا نستطيع أن نترك سوريا تفعل كما تشاء بنفسها ؛ لأن الإستراتيجية الطبيعية لنا تقتضي أن تعيش سوريا في ساحتنا الحيوية "( ) ، بالرغم من أن مصر نفسها كانت مرتبطة بمعاهدة تحد من استقلالها بخلاف سوريا التي لم تكن مرتبطة بأي شيء من هذا القبيل ، كما وصف الدول العربية المحيطة بمصر بمجموعة أصفار ، وأنهم جيران وليسوا دول شقيقة ووصف مصر بأنها مركز إشعاع حضاري عالمي ، وهذا تعبير لا يمت للواقع بأي صلة ، ويقول أحد مفكريهم أيضاً : " نحن مصريون قدماء لا شيء غير ذلك "( ) .

وقد سخرت الصحف المصرية من مشروع رئيس وزراء سوريا ناظم القدسي الذي قدمه للجامعة العربية ، حيث كان قد دعا فيه إلى اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بين الدول العربية جمعاء ، وذلك بتغيير ميثاق الجامعة العربية ، كما أن ثورة سعد زغلول عام 1919 لم تكن تدعو للوحدة العربية بل رفعت شعار( ) " مصر للمصريين"، ونادى بعض المصريين بأنهم لا ينتمون للعروبة وضرورة تفضيلهم للعامية المصرية على أساس تمثيلها لهم ، ورفض القومية العربية وضرورة الحياد بين العرب وإسرائيل ، وهذا ما يفسر معارضة مصر قبل ثورة يوليو 1952 للوحدة العربية أو السورية ، وذلك من أجل الحفاظ على الوضع القائم بشكل دول صغيرة مستقلة تابعة لها .

يتبين مما سبق أنه كانت هناك ارتباطات لسوريا بمصر ماقبل فترة الدراسة لكن الاحتلال البريطاني لمصر منذ نهاية القرن التاسع عشر ساهم في إبعاد مصر عن سوريا ، بالرغم من استمرار الأزهر الشريف موئلاً لطلاب العلم في سوريا ونشوء الكثير من الجمعيات السياسية القومية في مصر ، إلا أن تأثيرها ظل محدوداً في ظل الوجود الإنكليزي في مصر ، وارتباط الحكومات المصرية بالانكليز بعد استقلال مصر عام 1923 .

1. السعودية
تعتبر شبه الجزيرة العربية مركز القبائل العربية السامية منذ فجر التاريح فمنها انطلقت الهجرات إلى أرجاء العالم تنشر الحضارات المختلفة في بلاد الشام والرافدين وشمال إفريقيا ، لكن ظلت بعض القبائل الموجودة في سوريا ترتبط بفروع لها في السعودية مثل قبيلة عنزة ، والرولا وغيرهما من القبائل ، إلا أنه بعد دخول الفرنسيين سوريا عام 1920 ومن ثم سقوط عرش الملك فيصل ، ساد جو من الفتور في العلاقات بين الحجاز حيث كان قائد الثورة العربية الكبرى ووالد الملك فيصل- الشريف حسين بن علي- وبين سوريا ، وازداد الانقطاع أكثر بعد سقوط عرش الهاشميين في الحجاز على يد عبدالعزيز آل سعود خاصة وإن آل سعود يتبنون نشر المذهب الوهابي الذي ليس له أي تأييد يذكر في سوريا بسبب تاريخهم في ظل الدولة العثمانية عند احتلالهم لدمشق ، وحلب ، وبغداد ومحاولة نشر مذهبهم الجديد بالقوة ، حتى قضى عليهم محمد علي باشا ودمر عاصمتهم الدرعية .

لكن بعد استيلائهم على معظم شبه الجزيرة العربية وتكوينهم الدولة السعودية وعاصمتها الرياض ، ظل تخوفهم من الهاشميين الذين يحكمون العراق والأردن ويحاولون تكوين دولة قوية بالوحدة مع سوريا ، سواء أكان ذلك في مشروع سوريا الكبرى أم في مشروع الهلال الخصيب ؛ لذلك عملوا كل جهدهم بالاتفاق مع حليفهم التقليدي المعادي لهذين المشروعين أيضاً وهو مصر، على العمل لتقويض أي محاولة وحدوية من خلال الأموال السعودية التي يغذيها النفط من جهة والخبرة المصرية من جهة أخرى ، وكانت وسيلة السعودية إضافة للإغراءات المالية هو استغلالها للعلاقات بين بعض عشائرها ، والعشائر السورية التي ترتبط برباط القرابة ، وعلاقتها التجارية مع بعض الأسر مثل أسرة الرئيس السوري شكري القوتلي ، حيث كان آل القوتلي وكلاء تجاريين لآل سعود في سوريا، وكانوا راضين عن حياد الرئيس السوري تجاه هذين المشروعين( ) ، لكن هذا لا يعني أن النظام المصري غير مواقفه تجاه مشروعي الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى لأنه أثبتت الوقائع المستقبلية أن النظام المصري قد استغل قررات الجامعة العربية لإستمرار تهجه القديم تجاه سوريا .

نستنتج مما سبق أنه كان ثمة علاقات تاريخية بين سوريا ، وكل من المملكة العربية السعودية ، على اعتبار ارتباط الشام بعلاقات تجارية ، وسياسية ، ودينية مع الحجاز ، فمن الحجاز انطلقت الثورة العربية الكبرى بقيادة والي الحجاز وأصبح ابنه فيما بعد ملكاً على سوريا ، كما كان ارتباط الكثير من القبائل السورية بفروع لها في الجزيرة العربية ، عاملاً ساهم في ترسيخ هذه العلاقات اقتصادياً وسياسياً.

ثانياًً : مساهمة مصر والسعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية
في سوريا( 1943-1963 )


تطابقت إلى حد بعيد سياستي كل من مصر والسعودية تجاه سوريا ، خاصة في النصف الأول من فترة الدراسة تجاه مشروعي الهلال الخصيب الذي دعا إليه العراق وسوريا الكبرى الذي دعى إليه الأردن ، وساهم كلا النظامين في العديد من العمليات ضد هذين المشروعين ، وهذا ما يفسر تطابق وجهات نظر الفريقين في المنظمات الدولية ، والإقليمية تجاه سوريا ، لكن اختلفت وجهتي نظر الدولتين بعد بروز الناصرية في مصر وتبنيها مبدأ الوحدة العربية وضرورة إقامة الدولة العربية الواحدة ، خاصة بعد ظهور أول وحدة عربية بين مصر وسوريا عام 1958 ، فعمل النظامان ضد بعضهما البعض ، حتى سقوط الوحدة عام 1961 لكن بعد هذا التاريخ خفًت التدخلات السعودية في سوريا بنتيجة ظهور الصراع على العرش السعودي بين أبناء الملك عبد العزيز ، بينما ازدادت التدخلات المصرية في سوريا ؛ بسبب موالاة الناصريين في سوريا للنظام المصري ومحاولاتهم معه إعادة الوحدة مع مصر ، إلى أن توجت محاولاتهم المتعددة بسقوط النظام السوري عام 1963 .

2. مصر
سعت مصر خلال فترة الدراسة للعمل على المحافظة على وضعها كأكبر قوة إقليمية في المنطقة العربية ؛ لذلك فقد عارضت أي تغيير في خارطة المنطقة ، فما هي المساهمة التي قامت بها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة في إطار إستراتيجيتها السالفة الذكر ؟ .







1- الفترة ( 1943-1954)

كانت مصر راضية عن حكم الرئيس السوري شكري القوتلي باعتباره التزم سياسة الحياد بين محوري العراق ، والأردن من جهة ، والسعودية ، ومصر من جهة أخرى( )، حيث كان العراق يسعى إلى الوحدة من خلال مشروع الهلال الخصيب أما السعودية ، ومصر فكانتا تعارضان هذا المشروع ، إضافة لمشروع الأردن الداعي لوحدة سوريا الكبرى ، وقد أكد أحد أعضاء الوفد السوري في مباحثات الجامعة العربية ، الأسباب التي دعت مصر لتأسيس الجامعة العربية بقوله: " لقد لحظنا باهتمام ودهشة الصراع ما بين فاروق والنحاس ، وقد أدركنا أن همها الوحيد من إنشاء الجامعة كان من أجل وضعهم داخل مصر، وليس من أجل العرب ، ولكننا أغمضنا عيوننا على ما رأيناه ، فقد كنا سعداء بأن مصر، مهما كانت الدوافع أخذت تعتبر نفسها جزءاً من العالم العربي "( ) .

وقد استاءت مصر من انقلاب حسني الزعيم عام 1949 ، حيث أرسل الملك المصري ، الأمين العام للجامعة العربية آنذاك إلى سوريا ، ليرتب له لقاء في القاهرة في إبريل 1949 ، بعد أن أعلن قائد الانقلاب نيته إقامة وحدة عسكرية مع العراق وعلى إثر الزيارة ، أعلن قائد الانقلاب رفضه للتقارب مع العراق في مقابل اعتراف مصر بحكمه، وكان الملك المصري قبل ذلك قد حث رئيس الحكومة اللبنانية من أجل العمل على إسقاط النظام السوري الجديد الذي تشكل عقب الانقلاب.

لكن بعد ابتعاد سوريا عن العراق، حثً الملك المصري قائد الانقلاب على تسليم زعيم الحزب القومي السوري للسلطات اللبنانية، بسبب دعواته لوحدة الهلال الخصيب ، ورفضه لاتفاقيات الهدنة التي وقعتها الدول العربية مع إسرائيل ووصلت العلاقات بين الرئيس السوري الجديد ، والملك المصري إلى درجة أن الرئيس السوري أصبح يحتفل بعيد جلوس الملك المصري على العرش( )، وهذا ما يفسر أن النظام المصري أخذ يعارض النظام السوري الجديد الذي تشكل عقب الإطاحة بنظام حسني الزعيم ووصفت الصحافة المصرية الحكم السوري الجديد بالدموي( ) خاصة بعد الدعوات الوحدوية مع العراق التي دعا إليها النظام السوري ، لذلك عمل الملحق العسكري المصري في دمشق على حث الضباط السوريين على معارضة الاتحاد مع العراق على أساس أنهم سيفقدون مراكزهم ، وهذا ما ساهم في انقلاب ديسمبر 1949، حيث أيدت مصر الانقلاب مباشرة عندما صرح الناطق الرسمي المصري " أن الانقلاب كان متوقعاً في أي لحظة "( ) .


وبسبب تخوفها من حدوث استقرار سياسي في سوريا شكلت مصر كتائب الفداء العربي الإرهابية ، وعملت على عودة الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي كونه حيادياً ، على اعتبار أن صاحب الانقلاب الجديد أديب الشيشكلي ذو ميول قومية سورية باعتباره كان عضواً في الحزب القومي السوري ، كما عملت مصر على محاولة قتل الصحفي البريطاني ستير لينغ في دمشق باعتبار أن عملها هذا سيعيق الانتخابات البرلمانية في سوريا عام 1950( ) ، بالرغم من أنها عقب الانقلاب الأول للشيشكلي عام 1949 قدمت لسوريا قرضاً من دون فوائد قدره ستة ملايين دولار و20 طائرة عسكرية ، ووعدت بخمسة ملايين جنيه إسترليني أخرى إذا تعهدت الحكومة السورية بالحياد( ) ، أي بعدم التقارب مع العراق، وكان رفضها لمشروع دفاع الشرق الأوسط الذي يهدف لتدويل قناة السويس ، وجعلها عضواً في تحالف قيادة الشرق الأوسط ، قد جعل اليسار يندد بهذا المشروع ويدعو الحكومة إلى رفضه، لكن بعد الانقلاب الثاني للشيشكلي عام 1951 ، أيدت مصر هذا الانقلاب أيضاً ، ثم توطدت العلاقات بين النظامين السوري ، والمصري بعد ثورة يوليو1952 في مصر( ) ، فقد أيد الرئيس السوري هذه الثورة مباشرة وزار مصر وتبادل التهاني مع الرئيس المصري محمد نجيب .

يتبين لنا مما سبق خلال هذا الجزء من الدراسة المساهمة التي قامت بها مصر في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا في إطار سعيها لإيقاف أي خطوة وحدوية أي نظام سوري يسعى للوحدة مع العراق أو الأردن ، وقد توافقت سياستها هذه مع السياسة السعودية التي كانت تخشى من توسع النفوذ الهاشمي في المنطقة .


2- الفترة ( 1954-1963)

اتسمت هذه الفترة بازدياد المد القومي في المنطقة العربية عموماً و في سوريا ومصر على وجه الخصوص ، فبعد سقوط النظام السوري عام 1954 حدث شئ مشابه في مصر فتم إبعاد الرئيس المصري محمد نجيب عن الحكم وتولى جمال عبدالناصر الرئاسة ، مما حذا بمؤيدي الرئيس محمد نجيب وغالبيتهم من الإخوان المسلمين أن يرفضوا ذلك ، فكانت حادثة المنشية في الإسكندرية التي حاول فيها البعض اغتيال عبدالناصر، واتهم الإخوان المسلمين بها ، وقررت المحكمة إعدام قسماً منهم ، وعلى إثر أحكام الإعدام اندلعت المظاهرات في أنحاء سوريا تندد بالنظام المصري( ) ، ولهذه الأسباب بعث النظام المصري بضابطي مخابرات مصريين هما محمود رياض- وعين سفيراً لمصر في سوريا- وعبدالمحسن أبو النور- الذي عين ملحقاً عسكرياً في سوريا-، وبدأ كلاهما في التدخل في النظام السوري وإثارة عدم الاستقرار فيه وجعله تابعاً لمصر، من خلال إجراءاتهما المخابراتية المكثفة، وبدأت إذاعة صوت العرب تبث إلى سوريا لمدة أربعة ساعات يومياً رغم أنها كانت تبث لمدة نصف ساعة فقط في زمن الرئيس المصري السابق ، وقد اتهم وزير الدفاع السوري عام 1954، أن النظام المصري حرض قائد الأركان على التدخل في السياسة لكن النظام المصري أنكر هذه التهمة ، واستمر في اتباع السياسة المصرية القديمة برفض الوحدة بين سوريا ، والعراق ،على اعتبار أن العراق مرتبط بمعاهدة تحد من استقلاله ، وقال عبدالناصر حول ذلك: "كيف تتحد سوريا بالعراق المرتبط ببريطانيا بمعاهدة تنتقص من استقلاله ، وكذلك تتحد بالأردن الذي هو في وضع يشبه وضع العراق "( ) ثم صرًح في نفس العام بالتصريح التالي ، "لا يجوز لأي قطر عربي أن يتدخل في الشؤون الداخلية لقطر عربي آخر"( ) .

كما عمل السفير المصري على الاتصال بزعماء التيار اليساري( ) ، وأصبح النظام المصري يبث دعايته عبر صوت العرب ، باعتباره معاديا للاستعمار القديم فرنسا وبريطانيا( )، فعملت الدعاية المصرية على إسقاط الحكومة السورية اليمينية عام 1954( ) ؛ بسبب أنها لم تندد بحلف بغداد وكان ذلك في اجتماع الجامعة العربية الذي دعت إليه مصر، ثم وقعت مصر ، وسوريا حلف عسكري في أكتوبر 1955( ) وأنشيئت لجنة مشتركة، وهيئة دفاع مشترك بقيادة عبدالحكيم عامر، وقد انضمت السعودية لهذه الاتفاقية ، لكن ظلت هذه الاتفاقية حبراً على ورق ، ثم كثفت مصر من نشاطاتها المخابراتية ؛ ، وشكلت أجهزة أخرى لذلك ، وهي الإدارة العربية بوزارة الخارجية ، والمخابرات العامة لتصفية العناصر الموالية للاتحاد مع العراق في سوريا وملاحقتها في لبنان والأردن( ) ، فنددت بالحكومة السورية الجديدة عام 1955 عندما أعلنت عن إمكانية دخول حلف بغداد ، واجتماع رئيس الحكومة السورية سراً مع رئيس الحكومة العراقية في لبنان من أجل تحقيق مشروع الهلال الخصيب ، لذلك عمل اليسار السوري الموالي لمصر على إسقاطها( ).

ومن تداعيات عدم الاستقرار السياسي في هذه المرحلة أن سوريا وضعت كل قواتها تحت تصرف القيادة المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956 ( ) ، وقطعت علاقتها مع فرنسا ، وبريطانيا، وأيدت قرار الأمم المتحدة بوقف العدوان عن مصر، إضافة إلى اندلاع المظاهرات في سوريا تأييداً لمصر وإجتماع القوى السياسية في نوفمبر 1956 ، وذلك لتوحيد الموقف تجاه العدوان وكان قد اتفق السفير المصري مع رئيس المخابرات السورية لضرب محطات ضخ البترول التابعة للشركة العراقية الإنكليزية (ABC) ( ) ، وأعلن أنه تم ذلك بفعل المقاومة الشعبية ، وعندما حاولت بريطانيا بعد انتهاء الحرب إصلاحها اشترطت سوريا انسحاب القوات الفرنسية ، والبريطانية من مصر، كما حاول الرئيس السوري دخول تلك الحرب لكن رفض النظام المصري ذلك على أساس ضمان جانب سليم من القوات العربية في حالة أي طاريء ، كما أصبحت الإذاعة السورية تصدر البلاغات الرسمية المصرية بعد أن تبلغ على الهاتف من مصر( ) ، وذلك بعد أن دمَر ذلك العدوان الإذاعة المصرية ، كما أوقف العمال السوريون في محطات البترول الضخ على الساحل السوري ، واللبناني ، كل هذه الأشياء قوت التيار اليساري على حساب التيار اليميني ، وهذا ما أفسح المجال لازدياد النفوذ المصري ، والمساهمة بعد ذلك في سقوط النظام .

ثم عملت مصر على تقوية وضع حزب البعث الموالي لها وضرب القوى السياسية غير الموالية لها والتي تقبل بحلف بغداد الذي نعتته بأنه ضد مصالح الأمة العربية لأنه يقيد الأمة العربية ، ويضعف النضال العربي، ويشتت القوى العربية ، ويحول دون تحقيق أهدافها ، وأنه مؤامرة غربية ضد العرب ، ويعتبر تنازلاً عن وجود العرب( ) ولتثبت مصر أن أهدافها هي نفس أهداف البعث أصدرت في يوليو 1955 بياناً تطالب فيه بالقضاء على الاستعمار ، والإقطاع ، وتحقيق العدالة الاجتماعية وعلى إثر ذلك اجتمع السفير المصري مع قائد الأركان السوري ، وبارك البعث هذا اللقاء ، وكان هذا الاجتماع من أجل المساهمة في إقامة جبهة بعثية يمساهمة في فلكها الموالون لمصر –الناصريون- وقد كان ذلك بعد اغتيال نائب قائد الأركان في سوريا والتخلص من الحزب القومي السوري ذي النزعة اليمينية- حيث ساعدها ذلك على تثبيت مكاسبها في سوريا .

ثم شكل قائد الأركان السوري الجديد والذي دعمته مصر أواخر 1956 مجلس قيادة ثورة ، حيث أن مصر كانت تسعى بشكل غير علني للوحدة مع سوريا ولكن من خلال إستراتيجية النفس الطويلة ، مركزة جهدها على الجيش ومنادية بالقومية العربية ، من خلال دمج سوريا من خلالها ، نظراً لاختلاف النظامين وطبيعة البلدين( ) ، لهذا السبب قام السفير المصري ، وملحقه العسكري بإقامة علاقات قوية مع قادة الكتل العسكرية ، وبعد سقوط الحكومة السورية في نوفمبر عام 1956 تشكلت حكومة جديدة في نفس الشهر عملت على إبعاد الجبهة الدستورية الحرة في البرلمان السوري بسبب دعواتها الوحدوية مع العراق.


كما عملت على التقارب من اليسار الموالي لمصر( )، وقام الرئيس السوري الجديد شكري القوتلي بعد انتخابه عام 1955، بإحياء المعاهدة السورية المصرية السعودية ، ووقع معاهدة عسكرية مع مصر، مما حذا بمصر ، والسعودية إلى توقيع اتفاقية في القاهرة في يناير 1957 تعهدت فيها الدولتان بدفع 12 مليون جنيه مصري للأردن سنوياً ؛ و كان ذلك بقصد إخراجها من المعاهدة البريطانية وتعويضها عن المساعدات البريطانية( ) ، ثم اتفق السفير المصري مع قادة حزب البعث على تحجيم مساهمة الرئيس السوري من خلال انقلاب عسكري عام 1957 وهو ماعرف بعصيان قطنا ، وقد رأت القيادة المصرية ضرورة استكمال العصيان إلى انقلاب يطيح برئيس الجمهورية ، لكن كان رضوخ النظام لمطالب الانقلابين بإيقاف التنقلات التي قررها النظام قد أوقف العصيان( ) ، ثم كانت محاولة انقلاب قائد الشرطة العسكرية السورية في عام 1957 من أجل إبعاد الحكومة عن اليسار وعن التقارب مع مصر، لكن تم كشفها من قبل المكتب الثاني ( ) .

وكان إرسال مصر لقواتها الرمزية بعد انتهاء الأزمة مع تركيا عام 1957( ) قد دعم موقف عبدالحكيم عامر كقائد للقوات السورية ، والمصرية، وقلل من نفوذ قائد الأركان السوري ، إضافة لدعم موقف البعث أمام حزب الأغلبية البرلمانية- الشعب- حيث صار أحد أقطاب البعث رئيساً للبرلمان السوري في أكتوبر 1957 بسبب نفوذ البعث في الأوساط العسكرية( ) ، ودعا رئيس البرلمان الجديد مجلس الأمة المصري مباشرة للتصويت على اتحاد فيدرالي بين سوريا ، ومصر في نوفمبر 1957، ثم قام قائد الأركان السوري ذو التوجهات القومية اليسارية بانقلابه في يناير 1958 من خلال ذهاب وفد الضباط برئاسته دون علم أي من أعضاء النظام والحكومة السورية بذلك ، وعرض مشروع الوحدة على مصر وكان ذلك بسبب رفض البرلمان السوري بأكمله باستثناء البعثيين على قرار الاتحاد مع مصر وكان السبب في ذلك أن الوحدة سيتدخل فيها البعث( ) ، باعتبار أن الشعب السوري يؤيد الاتحاد الفيدرالي مع احتفاظ كل بلد بقوانينه ، وتشريعاته التي تلائمه ، كما أن تدخل البعث في السياسة السورية خلال هذه الفترة قد أرجع البلاد اقتصاديا ، وساهم في عدم استقرارها، وقد كان هذا الانقلاب من خلال الاتفاق بين قائد الأركان والسفارة المصرية ، وأقطاب البعث( ) ولم يستطع الرئيس السوري ، أن يعارض ما قرره الضباط ، مما اضطره لإيفاد وزير خارجيته لبحث الأمر بشكل رسمي ، حيث فوض القيادة المصرية بعمل الترتيبات التي تراها مناسبة بشأن الوحدة ( )، وقد اشترطت القيادة المصرية عدة شروط لقبول الوحدة هي ( ):
1. عدم تدخل الجيش بالسياسة .
2. حل الأحزاب .
3. حل البرلمان السوري .
4. منح الثقة الكاملة للرئيس المصري جمال عبد الناصر ، وإطلاق يده في سوريا.
5. دمج جميع القوى السياسية في منظمة الاتحاد القومي، حيث ظنها قادة البعث أنها طريقهم لحكم سوريا ونشر أيديولوجيتهم .

وقد أيد الشعب السوري هذه الوحدة ، حيث أكد ذلك أحد أعضاء البعث وهو جلال السيد بقوله :
" كان هناك دافع وحدوي أصيل لدى العرب السوريين، لكنه لم يكن فريداً وحيداً، فإلى جانبه دوافع أشد دفعاً وثقلاً، فالعسكريون شعروا بعدم قدرتهم على تسيير دفة الصراع كتلة واحدة، والمدنيون أفلسوا في إدارة الدولة، وتنافرت الأحزاب، وتباعدت النظريات ومدت الشيوعية برأسها مهددة أطراف القطر بالاجتياح. وكانت الوحدة مع مصر هي مخرج البعث الوحيد للخروج من المسرح بعزة وكرامة لذلك سرعان ما قبل شروط عبدالناصر بحل الأحزاب السورية " ( ).

وكان عبد الناصر قد قال لوزير الخارجية السوري حول الوحدة: " إما وحدة كاملة وفق الشروط المبلغة إلى الضباط أو لا شيء على الإطلاق "( ) وعلى هذا الأساس فقد اتسمت مفاوضات الوحدة المصرية السورية بالخصائص التالية : ( )
1- تمت بمبادرة سورية وتحفظات مصرية .
2- تمت في ظروف حرجة داخلياً وخارجياً وفي وقت قصير جداً .
3- قامت في بيئة معادية ، حيث نظرت إليها النظم العربية المحيطة نظرة عدائية .

وقد أكد وزير الدفاع السوري أن مصر ما كانت لتقبل باتحاد فيدرالي أو أي نظام آخر لا يضمن لها السيطرة الكلية على الحكم والانفراد به ، كما برر زعيم حزب البعث عمل البعثيين هذا بقوله: " نحن مقتنعون بأنه ليس بالإمكان إقامة وحدة بدون مصر لا لأنها تشبه بروسيا في العالم العربي ، وتستطيع توحيدها بالقوة ، أو لأن الأقطار الأخرى لا تصلح نقطة اجتذاب للوحدة ، ولكن لأننا رأينا مصر قادرة على عرقلة أي حركة وحدوية تسير بدونها "( ) ، وعلى هذا الأساس عقد اجتماع في القاهرة في يناير 1958 ضم الرئيس السوري شكري القوتلي والرئيس المصري جمال عبد الناصر، ووقعا على البيان المشترك في فبراير 1958 ثم جرى استفتاء في البلدين على الوحدة وانتخاب عبدالناصر كرئيساً لدولة الوحدة التي تضم كل من سوريا ومصر ، ثم أعلنت الوحدة في نفس الشهر الذي وقع فيه البيان .

لكن كان تأثير مصر على الاستقرار السياسي في سوريا سلبياً خلال فترة الوحدة( ) فبسبب العلاقات السئة بين نظام الوحدة ، وبين النظامين العراقي والتركي في عهد الوحدة فقد سلح نظام الوحدة الأكراد ، وأنشأ لهم برامج خاصة تبث من صوت العرب وحرضهم على نظامي العراق ، وتركيا ، وعملت الصحف على تشجيع التمردات الكردية ضد النظام العراقي الجديد بعد سقوط النظام الهاشمي ، وعمل أيضاً على إقصاء معظم الضباط الأكراد من الجيش السوري ، بسبب دعواته القومية ، وأحال الكثير من المعلمين ، وأساتذة الجامعات الأكراد إلى التقاعد لنفس السبب ، وأغلق مدارسهم( ) ، وحول سوريا إلى دولة مخابراتية ، حيث أصبح وزير الداخلية عبد الحميد السراج الحاكم المطلق في الإقليم السوري ، فهو رئيساً لأجهزة الأمن والمخابرات ، والاتحاد القومي ، والداخلية ، والجهاز الإداري في المحافظات والإعلام والإذاعة خاصة بعد أن أصدر عبدالناصر في أكتوبر 1958 قانون الطواريء في الإقليم السوري ، مما أتاح لوزير الداخلية السوري أن يقمع أي معارضة في سوريا وزاد عدد فروع المخابرات عن ستة أفرع ، وهذا جعله يقوم بتسريح الضباط غير الموالين له( )، كما أصبح الضباط المصريون يسيؤون معاملة الضباط السوريين ، ونقل الكثير من الضباط السوريين إلى مصر من دون عمل ، كما لم يسمح النظام للبرجوازية السورية بالوصول إلى السوق المصرية ، وعمل على تمصير الاقتصاد السوري ، وسيطرت البيروقراطية المصرية على سوريا واستحوذ المصريون على المناصب الرئيسية في سوريا واستغلوا الاقتصاد السوري لصالحهم وكان من أهدافهم توطين ملايين المصريين في سوريا( ) .

وبالرغم من محاولة قيادة نظام الوحدة التقليل من مآسي الشعب السوري بسبب وزير داخلية الإقليم السوري ، من خلال إصدارها قراراً بتعيين عبدالحكيم عامر للإشراف على شؤون الإقليم السوري في أكتوبر 1959 ، وذلك نيابة عن الرئيس جمال عبدالناصر ( ) ، لكن هذا العمل أثار الوزراء البعثيين بعد إقالة كل من نائب الرئيس جمال عبدالناصر وهو صبري العسلي، وقائد الجيش الأول في الاقليم السوري وأحد الوزراء البعثيين ، وهذا ما دفع البقية الباقية من الوزراء بعثيين وغيرهم - إضافة لنائبه أكرم الحوراني- للاستقالة، ويبرر أحد الوزراء السوريين استقالاتهم في الآتي : ( )
1. إغلاق بعض الصحف السورية .
2. الزيارات المفاجئة من موظفي الرئاسة، وطلبهم عقد اجتماعات بحضورهم ، ومناقشاتهم للوزراء السوريين ، بحجة نقل توجيهات القيادة
3. تأخير بعض المشروعات المعروضة ، كتعديل الاتفاقية مع شركة التابلاين ، وعرقلة تنفيذ الاتفاقية مع الاتحاد السوفياتي للتنمية الاقتصادية
4. إصدار مشروع اختصاصات محمود رياض، ومطالبته بمرور كافة القرارات عليه بل واحتفاظه ببعضها ، وإعادته بعض المشروعات للمجلس التنفيذي ، وقد أعيدت فعلاً بعض المشروعات بسبب رفضه التوقيع عليها
5. عدم الموافقة على اقتراحات الوزارات بتسريح بعض الموظفين ، أو إحالتهم إلى التقاعد.
6. عدم السماح برسم سياسة سوريا في ظل الوضع الإقليمي في العراق والأردن ولبنان ، وما جرى من أحداث عقب حركة يوليو 1958 في العراق ، ودخول القوات البريطانية إلى الأردن ، والأمريكية إلى لبنان .
7. الانتقاص من كرامة الوزراء السوريين من قبل أجهزة الأمن والمخابرات ، مما أثار الناس ضدهم ، فأصبحوا موضع استهزاء .
8. حصر الرئاسة ووزارات الدولة لشؤون الرئاسة والدفاع والخارجية على المصريين .
9. اقتصار عبدالناصر في مشاوراته مع بعض السياسيين وإهمال الآخرين وهذا يتنافى مع طبيعة الشعب السوري الذي يفضل الاجتماعات الموسعة( )

وهكذا أصبح الوزراء المصريون هم أصحاب السلطة الحقيقية ، والأساسية كما أصبح وكلاء الوزراء السوريين من المصريين ، هم من يسير أمور الوزارات ولم يستطع الوزراء السوريون الاتصال برئيس الدولة ، إلا بعد عدة أشهر من طلب لذلك كما لم يحصل أي اندماج للقوات العسكرية السورية مع المصرية فبقي كل إقليم لوحده ، كما سيطر أيضاً الضباط المصريون على الإقليم السوري كل هذا أثار الرأي العام في سوريا ضد نظام الوحدة ، خاصة أن السياسة الخارجية للدولة أصبحت على حسب رأي بطرس غالي محصورة بعبدالناصر ومجلسه الاستشاري( ).

كما أنه من مساوئ عهد الوحدة أن صلاحيات نواب الرئيس كانت رمزية( ) وكان إبقاء المجلس التنفيذي لسوريا من دون رئيس ، بينما تولى الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة المجلس التنفيذي لإقليم مصر، قد سهل على العناصر المعادية للوحدة للعمل على تأليب الرأى العام ضد نظام الوحدة ، وكان اعتراض المجلس التنفيذي للإقليم السوري على قرارات التأميم التي أصدرها عبدالناصر في يوليو 1961، قد دفع عبدالناصر لأصدار قراره بإلغاء المجلس التنفيذي السوري فاعتبر البعض أن ذلك الإلغاء هو إلغاء للشخصية السورية ، واستغناءاً عن الوزارات السورية خاصة أنه لم يكن للاتحاد القومي أي مضمون في تسيير سياسة الدولة على الواقع العملي .

كل ذلك أدى لارتفاع السخط ، والاستياء في سوريا ضد نظام الوحدة خاصة بعد الأفواج المصرية التي صارت تأتي لسوريا بشكل كبير، ومحاولتهم تغيير الأحوال فيها دون أدنى فهم لطبيعة الشعب السوري ، وظروفه ، وتاريخه( ) لذلك عمل نظام الوحدة على توحيد المجلس التنفيذي السوري مع المصري في أغسطس 1960 وأعطي أربعة عشرة وزيراً سورياً مقابل واحداً وعشرين مصرياً ، وجعل القاهرة ودمشق عاصمتين مساهمةيتين ، بحيث تكون مدة إقامة الرئيس في القاهرة ثمانية أشهر وفي دمشق أربعة أشهر، وإيجاد حكومة موحدة وتعيين نور الدين كحالة وعبدالحميد السراج- سوريون- نواباً للرئيس وإغلاق مكاتب المباحث ، وختمها بالشمع الأحمر، ونقل ضباط السراج إلى مصر( ) فاستاء السراج من هذه الاجرآت بشكل كبير ، وتنازل عن منصبه الجديد، وذهب إلى سوريا لتنفيذ انقلابه ضد الرئيس عبد الناصر، لكن عندما شعر رئيس مكتب حاكم الإقليم السوري- المقدم عبد الكريم النحلاوي- بذلك تخوف من أن تعود إجراءات السراج القاسية ، فكان ذلك من الأسباب التي ساهمت في دفعه للانقلاب في سبتمبر 1961.

وقد كان عدم اهتمام نظام الوحدة برجال سوريا الأوائل على اعتبار أنه لم يتفقدهم ولم يزورهم بالرغم من اهتمامه ببعض الشخصيات الأخرى( ) ، وتشهير أسمائهم في الإذاعة عقب إصدار قوانين الإصلاح الزراعي، وإلصاق التهم بهم وكل من هؤلاء له تأييد شعبي واسع ، لذلك أيد معظمهم انقلاب الانفصال ، حتى أن مؤسس البعث قد قال حول ذلك : " الانفصال شر لابد منه "( ) .
وبالرغم من أن قائد الانقلاب لم يكن يهدف إلى الانفصال، بل هدف إلى تصحيح أخطاء النظام ، من خلال مفاوضة عبدالناصر لحل الخلاف ، وتوصلا لبعض البنود وهي :( )
1. إعادة قسم من الضباط المصريين إلى مصر، مع عودة قسم من الضباط السوريين إلى سوريا .
2. إسناد مهام دقيقة للضباط السوريين في مصر بذات الفعالية الممنوحة للضباط المصريين في سوريا .
3. إصدار بلاغ عن ضباط الحركة لإنهاء الأوضاع الاستثنائية من خلال البلاغ رقم تسعة .
4. إصدار بلاغ من عبدالحكيم عامر بطي صفحة الماضي ، وعدم المساءلة في المستقبل .

لكن عند اتصال حاكم الإقليم السوري- عبد الحكيم عامر- بالرئيس جمال عبد الناصر أبلغه رفضه شروط الانقلابيين ، وأنه سيتخذ الإجراءات الضرورية ضدها مما حذا بالنحلاوي ، إلى إصدار البلاغ رقم عشرة -الداعي للانفصال عن مصر- الذي ألغى بموجبه البلاغ رقم تسعة- الداعي لاستمرار الوحدة مع مصر وفق شروط قادة الانقلاب - ، وأعلن الانفصال رسمياً ، فكان لهذا تأثيره السلبي في نفسية الرئيس عبد الناصر الذي عمل كل جهده لمحاولة عودة سوريا للوحدة ( )، رغم اعترافه بخطأ النظام بحق سوريا ، باعتباره لم يعطها الوقت الكافي ، وإعطائه السراج صلاحيات أضرت بالوحدة( ) .

وخلال فترة ما بعد الوحدة أخذت الدعاية المصرية تعمل ضد نظام الانفصال وذلك عن طريق السفارة المصرية في لبنان ( )، وكانت وسيلتها في ذلك بالعمل على نشر الشائعات من قبل الناصريين ، وتوزيع المنشورات التحريضية ضد المسؤولين السوريين وتسليح المؤيدين وتمهيد التسللات إلى سوريا عبر لبنان ، حتى إن رئيس الحكومة السورية آنذاك تلقى تهديداً بالقتل من قبل أحد الناصريين ، وذلك رداً على بيان رئيس الحكومة بالدعوة للوحدة مع مصر على أسس جديدة بشرط دخول العراق فيها( ) ، وأخذ النظام المصري يهاجم النظام البرلماني السوري والليبرالية الاقتصادية السورية ، ويشجع البعث والناصريين سراً ؛ وذلك بقصد إحداث انقلابات عسكرية وإخلال الوضع القائم في سوريا ، مما حذا بسوريا لتقديم شكوى إلى جامعة الدول العربية في أغسطس 1962 فهددت مصر بالانسحاب من الجامعة العربية ، ونعتها بأنها ضيعة استعمارية ، وذلك بعد ثبوت الأدلة التي تدين النظام المصري( )، ثم أثارت مصر قضية الدندشي للطعن في البرلمان السوري بتوريط رئيس البرلمان فيها على أساس علاقة رئيس البرلمان السوري بالمخابرات الأمريكية ، وقد قام قائد انقلاب الانفصال الذي استمر تأثيره على النظام السوري بإرسال وفد إلى مصر عام 1962 وذلك للاتفاق على بعض الأمور وهي : ( )
1- وقف المهاترات الإذاعية فوراً .
2- الاعتراف بالوضع الحاضر في سوريا لتعود إلى الانتقال إلى معالجة عودة الوحدة على أسس جديدة .
3- عقد اتفاق عسكري مشترك بين سوريا ومصر؛ بغرض تطبيق الخطط العسكرية الموضوعة أثناء الوحدة .
4- تصفية الأمور الإدارية المتعلقة بين مصر ، وسوريا من أسلحة وغيرها .

غير أن الحكومة المصرية عملت على اتهام قادة الانقلاب بأنهم تحصلوا على إغراءات مالية ( ) ، مما حذا بالنحلاوي على العمل لإعادة الوحدة مع مصر بهدف تبرأة نفسه ، لكن النظام المصري اشترط عليه أن يكون رئيساً لسوريا وأن يلغي البرلمان والحكومة( ) ، رغم أن النظام المصري كان متصلاً بحركتين ناصريتين : إحداهما في حمص ، الأخرى في حلب ، وعلى إثر ذلك قام النحلاوي بانقلابه الثاني عام 1962( )، وقام تمرد ناصري في حلب( )، وتمرد الناصري آخر في حمص( ) ، وخوفاً على انقسام الجيش ، رأى النحلاوي قبول مؤتمر حمص للتفاهم على حل يرضي جميع الأطراف ، ورغم ذلك قام أحد الناصريين بانقلاب آخر بعد مؤتمر حمص( )، وحرض على إطلاق مظاهرات ضد النظام ، ثم حدث إضراب عمال النسيج في حلب في يوليو 1962 وكان ذلك الاضراب من تحريض الناصريين حيث طالب المضربون بعودة الوحدة ، مما حذا بالحكومة إلى اعتقال محرضي الإضراب .

وحينما رفع الرئيس السوري الأحكام العرفية ، حيث كان قد استمر في إعلانها بسبب مؤيدي النظام المصري لعدة أشهر ، مما أدى لنشاط الناصريين الذين كانوا قد تسببوا قبل ذلك بإسقاط الحكومة السورية في سبتمبر 1962 بسبب انقسام الرأى حول قضية الوحدة مع مصر( )، وقد أكد قائد الجيش السوري أن رفع الأحكام العرفية كان خاطئا ، لأن الناصريين قد تحالفوا مع البعث ؛ لإحداث انقلاب يطيح بالنظام وهذا ما ساهم فعلاً في انقلاب 8 مارس 1963 بالتحالف مع مستقلين ومؤيدين للنظام المصري ، وقادة البعث ، 1963( ) ، حيث كانت مصر على علم تام بالانقلاب لذلك أوعزت إلى لاجئين فلسطينيين للقيام بمظاهرات أعدتها لإظهار الابتهاج بالانقلاب وكان لهذه المظاهرات تأثيراً إيجابيا ًعلى الانقلاب الجديد الذي انتخب الفريق لؤي الأتاسي رئيساً للجمهورية ، ولمجلس قيادة الثورة ، وعمل بمساهمته على الاتصال بقادة انقلاب العراق وبعبدالناصر وذلك لعقد الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، والتي تمت في 17 إبريل 1963، وبسبب محاولات البعثيين الحصول على المراكز القيادية بالجيش والدولة ، حدث الخلاف بين الناصريين والمستقلين من جهة وبين البعث من جهة ثانية ، مما حذا بالناصريين إلى القيام بانقلابهم في يوليو 1963 وكان هذا الانقلاب أيضاً على علاقة تامة بمصر( ) وبسبب ما قام به البعث من إعدامات وتنكيل بالوحدويين الناصريين ، توترت العلاقات بينهم وبين مصر واتهم النظامان بعضهما البعض بالإقليمية ، والرجعية واستمرت الحملات الإعلامية بينهما( ) .

يتبين لنا مما سبق أن المساهمة المصرية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة كانت بارزة ؛ بسبب بروز الناصرية في مصر وتوافق سياستها مع الاتجاه القومي الراديكالي في سوريا الذي يقوده حزب البعث العربي الإشتراكي ، وبالتالي سعي النظام المصري لإبعاد سوريا عن أية مشاريع غربية ، أو أي من مشروعي سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب ، وقد توج سعيه هذا بانقلاب عام 1958 الذي مهد الطريق للوحدة السورية المصرية ؛ لكن بسبب أخطاء عهد الوحدة وسقوطها على إثر هذه الأخطاء عام 1961 ، ازداد التدخل المصري في سوريا فكانت الانقلابات المتوالية المرتبطة بالنظام المصري و التي توجت بانقلاب 1963 .

نستنتج مما سبق أنه كان للتدخلات المصرية في سوريا مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، حيث هدفت تدخلاتها قبل الحقبة الناصرية بالمساهمة في إبعاد أي محاولة وحدوية بين سوريا ، والعراق أما في فترة الحقبة الناصرية فقد هدفت تدخلاتها ؛ لإبعاد سوريا عن الارتباط بالأحلاف والمشاريع الغربية ، والعمل على عدم استقطابها إلى أحد المحورين من خلال تبنيها سياسة الحياد ، وقد توافقت سياستها هذه مع سياسة الإتجاه القومي في سوريا آنذاك حيث نتج عن هذه السياسة ولادة أول وحدة بين قطرين عربيين من خلال وحدة سوريا ومصر ، لكن الأخطاء التي سادت عهد الوحدة أجهضت هذه الوحدة وسمحت للعناصر الانفصالية باستغلالها ، وبالتالي إجهاضها ، حيث برز عهد الانفصال الذي اتسم بالتدخلات المصرية المكثفة في سوريا ؛ لأنه ظل للتيار القومي الناصري في سوريا ولاءه للنظام المصري ، ثم كان التحالف القومي البعثي والناصري ضد نظام الانفصال ، قد ساهم المساهمة الأكبر في إسقاط هذا النظام وبروز نظام جديد سعى للوحدة مع مصر مرة أخرى ، وقد أوضحت الدراسة أن تأثير مصر على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا قد ازداد في الجزء الثاني من فترة الدراسة (1954-1963) ؛ بسبب ظهور الحركة الناصرية التي عملت على معاداة الأنظمة الموالية للقوى الاستعمارية ومصالحها في المنطقة ، وقد اتخذت سوريا بعد الوحدة بين سوريا ومصر كقاعدة للأنظمة التي تعادي النظام المصري أو لا تتفق معه ، وهذا ما ساهم في تورط مصر في العديد من العمليات في سوريا خاصة بعد انفصال سوريا عن مصر ، حيث عمل الناصريون على عودة الوحدة من خلال تحالفهم وتأييدهم للنظام المصري .

2-السعودية
كان تخوف السعودية من ازدياد النفوذ الهاشمي في سوريا من خلال مشروعي الهلال الخصيب الذي يسعى إليه العراق ، وسوريا الكبرى التي كان يسعى إليه الأردن قد حذا بها إلى مقاومة هذين المشروعين ، إضافة لما كان من ارتباط السعودية بالغرب ، ومقاومتها لأي توجهات عربية نحو المعسكر الشرقي ، فما هي المساهمة التي قام بها النظام السعودي في إطار توجهاته السياسية في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي حدثت خلال فترة الدراسة ؟

1- الفترة ( 1943-1954 )

كانت السعودية راضية عن حكم الرئيس شكري القوتلي على اعتبار أنه التزم سياسة الحياد بين كل من العراق ، والأردن من جهة ، ومصر ، والسعودية من جهة أخرى ، لكن بعد انقلاب حسني الزعيم ، وعقده الاتفاقية العسكرية والاقتصادية مع العراق عام 1949، اعتبر الملك السعودي أن عقد الاتفاقية هو عمل عدواني موجه ضد المملكة العربية السعودية ومصر( ) ، وكان السبب هو تخوفه أن يحكم الهاشميون المنطقة الممتدة ما بين الخليج ، والبحر المتوسط لذلك عمل لإيقاف أي تقارب سوري عراقي( ) ، وعلى هذا الأساس كانت زيارة قائد الانقلاب لمصر في نفس الشهر الذي عقد فيه الاتفاقية مع العراق ، ونقضه لها في إبريل 1949 رافضاً مشروعي الهلال الخصيب ، وسوريا الكبرى ومغلقا الحدود مع الأردن ، ثم تنديده بالنظامين الأردني ، والعراقي ، كل هذه الأشياء جعلت كل من السعودية ومصر تعترفان بحكمه .

وفي أعقاب انقلاب سامي الحناوي ، واندفاع الحكومة السورية على إثره للوحدة مع العراق ، عملت السعودية على إغراءات مالية لبعض الضباط لإيقاف الوحدة السورية العراقية( )، وعملت على إثارة النعرات العشائرية في سوريا وسعت بالتعاون مع مصر إلى بث دعاية أساسها أن إسرائيل تدعم الاتحاد بين سوريا والعراق( ) وبذلك ساهمت في إحداث الاضطرابات في سوريا ، وكان لذلك أثره في انقلاب أديب الشيشكلي نهاية عام 1949.

كما لم تكتف السعودية بذلك بل ساهمت أيضاً في إثارة الاضطرابات بعد استمرار الحكومات السورية بالسعي إلى الوحدة مع العراق ، فأوعزت إلى مؤيديها من بعض رؤساء العشائر لإحداث فتنة في البرلمان على أساس أن مقاعد العشائر ألغيت في قانون الانتخاب الجديد لعام 1950، ثم عملت من خلال الجامعة العربية مع مصر على معارضة مشروع الهلال الخصيب عام 1950 ، مما حذا برئيس الحكومة السورية إلى التهديد بانسحاب سوريا من الجامعة العربية( )، لذلك سعت السعودية مع مصر في الجامعة العربية لطرح فكرة جديدة هي معاهدة الضمان الجماعي الذي كان الغرض منه إيقاف مشروع الهلال الخصيب ، وأي خطوة وحدوية لسوريا مع العراق( ) ، لكن قائد الأركان السوري- الشيشكلي- ظل يسعى في الخفاء بعد انقلابه الأول ؛ لإيقاف أي خطوة وحدوية بين سوريا والعراق ، وذلك عندما استمرت دعوات الوحدة بين سوريا والعراق من قبل الجمعية التأسيسية ( ) ، وهذا مايفسر مساهمة الشيشكلي في عدم الاستقرار في الحكومات لدفعها إلى الاستقالة أو إسقاطها فعندما تشكلت حكومة جديدة عام 1950 وكانت ذات ميول هاشمية دعت السعودية قائد الأركان السوري لزيارتها في يوليو 1950 ، وأعطته قرضاً لسوريا مقابل منعه لأي دعوات وحدوية تعمل لها الحكومة( )، أيضاً عندما تشكلت حكومة سورية مؤيدة للوحدة مع العراق ، قام الشيشكلي بانقلابه الثاني عام 1951 ، وكانت هدية مصر والسعودية له مساعدات مالية ضخمة لسوريا ( )، رغم دعم الشيشكلي قبل ذلك للحكومة الحيادية عام 1950 ، تلك الحكومة التي دعمتها السعودية بمبلغ كبير من الأموال السعودية ( ).

وبسبب حكم الشيشكلي المعادي للوحدة العراقية السورية هرب الكثير من الضباط السوريين إلى العراق( ) ، و هذا ماحذا بالسعودية ، ومصر إلى بذل الدعايات لصالح حكمه ، وذلك ضد الدعوات الوحدوية مع العراق ، فازداد ميل قائد الانقلاب للسعودية ، ومعاداة العراق ، وهذا دفعه لشل أعمال السفارة العراقية حتى اقتربت العلاقات السورية العراقية من الانقطاع بسبب تخريبه لأي علاقات جيدة مع العراق كما عملت السعودية في صيف 1953 على توزيع الأموال (الإغراءات المالية) في سوريا، لمواجهة حركة حكومة سوريا الحرة ( )التي تشكلت من خلال الضباط السوريين الفارين والمعارضين لنظام الشيشكلي إلى العراق ، فوزعت أموالا باهظة للموالين للشيشكلي بغرض إطالة مقاومتهم .

كما عملت السعودية على تشكيل منظمة إرهابية تشكلت بالأموال السعودية والمخابرات المصرية ، وقد سميت هذه المنظمة " بمنظمة كتائب الفداء العربي "( ) وكان الغرض منها هو العمل على إرجاع الرئيس السوري السابق شكري القوتلي الذي يعتبر صاحب مبدأ أكثر من الشيشكلي ؛ و كان ذلك بسبب تخوفها من الشيشكلي على اعتبار أنه كان في الحزب القومي السوري الذي يؤيد وحدة الهلال الخصيب فتخوفت من أن يغير آراءه ، ويتقارب مع العراق ، وعلى هذا الأساس ذهب وفد من أعضاء الحزب الوطني إلى مصر في أكتوبر 1949 حيث كانت إقامة القوتلي منذ الانقلاب عليه ؛ لإقناعه بالعودة إلى سوريا ( ) ؛ وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظمة قد قامت بأعمال إرهابية داخل سوريا ، حيث عملت على نسف الكنيس اليهودي في دمشق ، ومحاولة قتل الكولونيل سترلينع ، وهو مدرب انكليزي في المدرسة العسكرية في سوريا ، وقاموا أيضاً بنسف مدرسة الأليانس في لبنان وإلقاء قنبلة على السفارة البريطانية والسفارة الأمريكية بدمشق، ووضع ألغام في الحي اليهودي في دمشق وتفجير مبنى الإغاثة الدولية في دمشق ، ومحاولة قتل الشيشكلي ، وقد سمت هذه الحركة نفسها باسم حركي هو "حركة القوميين العرب ".





وفي إطار محاولة الشيشكلي لتحقيق الأهداف السعودية اجتمع مع وزير الخارجية السعودي في أغسطس 1951 ، واتفقا على منع ضم الأردن إلى العراق ، على أساس أن هذا الضم سيكبل سوريا( ) ، وبالرغم من ذلك فإن المعارضة اشتدت ضد نظام الحكم السوري رغم كل المحاولات السعودية لاستمراره ، حتى سقط في فبراير 1954 ، ولجأ رئيس النظام السوري إلى السفارة السعودية في بيروت( )، ثم لجأ على إثر ذلك رئيس المخابرات السورية إلى السعودية وكوفيء بأنه أصبح مسؤولاً للمخابرات السعودية( ) ، وهذا أن دل فإنما يدل على مدى ارتباط النظام السعودي بالولايات المتحدة الأمريكية والسير على نهجها ؛ لأن السعودية لاتستطيع أن تمنح مثل هذا المنصب من دون الموافقة الأمريكية على ذلك ، وبعد ذلك ساد حكم في سوريا يعادي التقارب مع الغرب( ) .

يتبين لنا مما سبق مساهمة السعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ؛ كانت بسبب محاولات الأنظمة السورية التقارب مع العراق أو الأردن ، وذلك في إطار مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى وعلى هذا الأساس كانت محاولاتها لإسقاط الأنظمة التي تدعو لهذين المشروعين ودعم الأنظمة والسياسيين ، والعسكريين الذين يعارضون هذين المشروعين .


2- الفترة ( 1954-1963)

كان أبرز مظاهر هذه الفترة بروز حلف بغداد الذي اتسم بمعادته التوجهات الشيوعية في منطقة الشرق الأوسط ، إلا أن السعودية عارضت هذا الحلف بسبب تخوفها من ازدياد النفوذ الهاشمي العراقي ، رغم أن سياستها كانت تقوم على معاداة المد الشيوعي ، والعمل على تقويض أي دعاية شيوعية في المنطقة العربية ، لكنها وجدت أن حلف بغداد أشد خطراً عليها ؛ لأنه- برأيها- يهدد السعودية بسبب التوسع الهاشمي ، حتى إن الولايات المتحدة التي دعت إليه لم تدخله ، وهذا يفسر أن سياستها من هذا الحلف هو لتصديع جبهة العالم العربي كما يفسر مدى ارتباط السياسة الخارجية للسعودية بالولايات المتحدة ، وعلى هذا الأساس استمرت الأموال السعودية لجميع الفئات المعارضة للوحدة مع العراق خاصة الشيوعيين فساهمت السعودية في إسقاط الحكومة السورية عام 1954 لأنها رفضت التنديد بحلف بغداد في مصر فأنفقت السعودية الأموال الباهظة لذلك وقد ساهم هذا في سقوطها في مارس 1954( ) فتشكلت على إثرها حكومة جديدة آثرت الابتعاد عن العراق والاقتراب من مصر والسعودية ، بعد أن دفعت السعودية قروضاً لسوريا مقابل ذلك ، وخاصة بعد أن دخلت السعودية في المعاهدة المصرية السورية ومجلس الدفاع المشترك ، اللذين ظلا حبراً على ورق( ) ، حيث كانت هذه الاتفاقيات بمثابة مخدر لدعاة الوحدة مع العراق أو الأردن ، باعتبارها بديلاً لها .

وبازدياد النفوذ المصري في سوريا الذي أصبح قوة إقليمية مؤثرة قد تهدد استقرار العرش السعودي( ) ، مما أثار السعودية نحو مصر لذلك حاولت إرجاع التوازن الشرق أوسطي ، بتأييدها لمشروع أيزنهاور عام 1957( )، ثم عملت على الدعوة لوحدة إسلامية ، بهدف دعم حكم الرئيس السوري شكري القوتلي الذي يؤمن بسياسة الحياد مع جميع المحاور، والذي يرتبط معها أكثر من أي مسؤول آخر( ) وكان هدفها من دعمه هو إيجاد توازن مع حزب الشعب المؤيد للعراق ومع حزب البعث الموالي لمصر ، ومع الحزب الشيوعي ، والكتلة اليسارية في البرلمان الموالي كلاهما للاتحاد السوفياتي ، برغم أنها كانت تؤيد سياسة التقارب السوري مع مصر والابتعاد عن العراق قبل ذلك( ) وكانت وسيلتها في ذلك هي إغراءات مالية الصحف والسياسيين لذلك ( ) ، وفي إطار جهودها لإحداث عدم الاستقرار السياسي في ظل هذا التقارب المصري السوري الذي وصل إلى درجة التبعية السورية لمصر، عملت السعودية في إبريل 1957 على التدخل في سوريا بإثارة التمايزات الاجتماعية فيها من خلال مؤيديها ( ) .

وهكذا توترت العلاقات بين السعودية ، ومصر بسبب الهيمنة المصرية على سوريا التي انتهجها اليسار القومي ، فاتًهم الملك سعود أن عبدالناصر دبًر محاولة لاغتياله في عام 1957 ، وأنً المتهم قد أقر باعترافه( ) ، كما كشف رئيس المخابرات السورية مؤامرة لاغتيال عبدالناصر من قبل الملك السعودي وإيقاف التقارب المصري السوري والوحدة بين سوريا ومصر( ) . لذلك عملت السعودية على التحالف مع الأردن ، لإسقاط الوحدة السورية المصرية عام 1958 ، بعد أن فشلت كل محاولاتها لإعاقتها ، فمولت محطات إذاعية مناهضة لهذه الوحدة ، وبدأت من خلالها بتحريض الشعب السوري على الثورة ضد نظام الوحدة( ) ، وهذا ما يفسر تأييدها للانقلاب الانفصالي في سبتمبر 1961( ) ، ثم قلت تدخلاتها في سوريا في ظل حكم نظام الانفصال ؛ بسبب حرب اليمن حيث اتجهت اهتمامات السعودية منذ عام 1962 إلى اليمن .


يتبين لنا مما سبق أن السعودية قد استمرت في المساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، فحتى قبيل الوحدة بين سوريا ومصر كانت السعودية تعارض أي تقارب سوري عراقي ، أو سوري أردني في إطار مشروعي الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى ، لكن بعد الوحدة السورية المصرية أصبحت تعارض هذه الوحدة ، وتسعى لتقويضها ، فكانت الدولة الأولى التي تعترف بنظام الانفصال عام 1961 ، لكن خفًت تدخلاتها بعد ذلك بسبب تورطها في حرب اليمن ، إضافةً للصراع على العرش السعودي بين أفراد الأسرة المالكة فيها .

وبالتالي تصل إلى أن مساهمة السعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال جزأي فترة الدراسة ؛ كانت بسبب تخوفها من ازدياد النفوذ الهاشمي في المنطقة العربية ؛ نتيجة ما كان لها من علاقة سيئة مع الهاشميين منذ احتلال آل سعود للحجاز ، وقضاءهم على نفوذ الهاشميين فيه ، لكن رغم سقوط النظام الهاشمي في العراق عام 1958 ، وتناقص حدة الدعاوي لمشروع سوريا الكبرى في الأردن عقب تولي الملك حسين بن طلال العرش الأردني إلا ان السعودية قد استمرت في مساهمتها في ظاهرة الانقلابات السورية ، خاصة بعد الوحدة بين سوريا ومصر وازدياد المد القومي في دولة الوحدة ، فعملت على تقويض الوحدة السورية المصرية

نخلص من هذا المبحث إلى أنه كان ثمة علاقات تاريخية بين سوريا ، وكل من المملكة العربية السعودية ، ومصر ، على اعتبار ارتباط الشام بعلاقات تجارية وسياسية ، ودينية مع الحجاز ، فمن الحجاز انطلقت الثورة العربية الكبرى بقيادة والي الحجاز ، وأصبح ابنه فيما بعد ملكاً على سوريا ، كما كان ارتباط الكثير من القبائل السورية بفروع لها في الجزيرة العربية ، عاملاً ساهم في ترسيخ هذه العلاقات اقتصادياً ، وسياسياً ، وبالنسبة لمصر فقد كانت هناك ارتباطات لسوريا بمصر خلال فترة ماقبل فترة الدراسة ، لكن الاحتلال البريطاني لمصر منذ نهاية القرن التاسع عشر ساهم في إبعاد مصر عن سوريا بالرغم من استمرار الأزهر الشريف موئلاً لطلاب العلم في سوريا ، ونشوء الكثير من الجمعيات السياسية القومية في مصر ، إلا أن تأثيرها ظل محدوداً في ظل الوجود الإنكليزي في مصر وارتباط الحكومات المصرية بالانكليز بعد استقلال مصر عام 1923 ، كما بيًن هذا المبحث أيضاً مساهمة المملكة العربية السعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ؛ بسبب تخوفها من ازدياد النفوذ الهاشمي في المنطقة من خلال مشروعي سوريا الكبرى ، والهلال الخصيب ، من هنا كانت تدخلاتها خلال فترة الدراسة لإجهاض أي فكرة وحدويه تسعى إليها أي حكومة أو نظام في سوريا ، وقد توافقت سياستها هذه مع السياسة المصرية قبل الفترة الناصرية أي خلال الجزء الأول من فترة الدراسة ، لكن بعد الوحدة بين سوريا ، ومصر سعت لانفصال القطرين ؛ بسبب تخوفها من نظام الوحدة ذو الأفكار التقدمية ، تلك الأفكار التي لا تتوافق مع النظام الثيوقراطي الحاكم في السعودية ، وبالتالي كانت مساهمة السعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا خلال جزأي فترة الدراسة متقاربة ، وتركًزت بشكل أساسي بالعمل لعدم حصول أي تغيير في خارطة المنطقة العربية أي عدم إندماج سوريا مع أي قطر عربي آخر ، ومحاولة إفشال أي مشروع وحدوي بين سوريا وأي قطر عربي آخر.






المبحث الثالث
مساهمة تركيا وإسرائيل في ظاهرة الانقلابات العسكرية
في سوريا (1943-1963)

اتسمت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بموالاة السياسة الخارجية التركية للغرب ، وخاصة للولايات المتحدة ، ودخول تركيا في الأحلاف ، والمعاهدات والمشاريع الغربية ، وترافقت هذه الفترة مع إقامة دولة إسرائيل على جزء من الأرض العربية ، وقد أسهم في إقامة هذه الدولة كلاً من المعسكرين الشرقي والغربي كما ساهمت الدول الغربية في حماية هذه الدولة بعد قيامها ، فهل ساهمت تركيا في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا في ظل انحيازها تجاه الغرب الأوربي خلال فترة الدراسة ؟ وما تأثير قيام دولة إسرائيل على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ؟ علماً أن فترة الدراسة قد قُسمت إلى شقين متقاربي الفترة ؛ والسبب في ذلك كما قلنا سابقاً هو توخي السهولة في مقارنة تأثير كل دولة خلال قسمي فترة الدراسة ، وعلى ذلك سيبين هذا المبحث مساهمة كل من تركيا وإسرائيل في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة بشقيها الأول والثاني .


أولا : العلاقات السورية مع تركيا وإسرائيل قبل فترة الدراسة




• تركيا
بعد معركة مرج دابق عام 1516 سيطر العثمانيون على معظم أرجاء الوطن العربي، مما أدى إلى تخلفه فترة أربعمائة سنة عن الحضارة الإنسانية ، فساد التخلف والجهل وتناقص السكان فيه ، في ذات الوقت الذي بدأت الحضارة الأوروبية ولادتها معتمدة على ما نقلته من بغداد والشام إبان الغزو الصليبي للمنطقة العربية ( ) وعندما ضعفت الدولة العثمانية وقوي الاتجاه العلماني والقومي في تركيا ؛ بسبب تأثره بعصر القوميات في أوربا ، سيطرت جمعية الاتحاد والترقي ذات الاتجاه الطوراني على الحكم في تركيا في إبريل 1908 ثم عملت على تتريك قوميات الامبراطورية ، مما كان لذلك رد فعل عند القوميات الأخرى داخل الامبراطورية وخاصة العرب الذين يحفلون بتاريخ مجيد يضاهي تاريخ أي امبراطورية عظيمة في العالم ، لذلك رأوا أن الحفاظ على كيانهم وقوميتهم يقوم من خلال اعتراف الدولة بهم كقومية لها كيانها المستقل داخل الدولة العثمانية ، من هنا كانت وقفتهم أمام النزعة الطورانية التي نادت بأفضلية الترك على العرب ، ثم جاء إعدام الشهداء في دمشق وبيروت عام 1916، فكان لذلك أثره على الشعب العربي الذي اهتزت مشاعره لتلك الحادثة مما أدى إلى اندلاع شرارة الثورة العربية الكبرى عام 1916 تلك الثورة التي كانت بقيادة والي الحجاز الذي نسّق مع بريطانيا ، بما عرف بمراسلات حسين مكماهون عن طريق الضابط الإنكليزي توماس لورانس المعروف بلورانس العرب ، فوعدته بريطانيا بإقامة الدولة العربية في المشرق العربي ، لكن عدم وفاء الحلفاء له من خلال اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، قد جعل وعودها تذهب سدىً ( ).

وبعد صعود مصطفى كمال أتاتورك إلى سدة الحكم في تركيا عام 1924 تواطأ مع القوات الفرنسية بأن تهزم هذه الأخيرة أمام القوات التركية ، وأن تسقط بالتالي كيليكيا السورية بيد الأتراك ، والدليل على هذا التواطؤ أنه في هذه المعركة لم يكن هناك أسرى أو قتلى في كلا الجيشين ، بالرغم من أن القوات الفرنسية كانت تزيد عن المائة ألف ، وبالرغم من أن القوات التركية هزمت أمام القوات العربية عام 1918 ، إضافةً لذلك أنه إثر هزيمة الدولة العثمانية أمام الحلفاء ظلّت محتفظة بمناطق تابعة لسوريا ( ).

وعلى إثر الانتداب الفرنسي لسوريا حدثت مشكلة توزيع المياه بين سوريا وتركيا فوضع بروتوكول منذ عام 1930 حدد فيه قواعد لاستخدام مياه نهر دجلة وضمان حقوق طريق في هذا النهر وفق أسس عادلة( )، ثم عقدت اتفاقية ثلاثية بين سوريا والعراق وتركيا لتقاسم مياه نهري دجلة والفرات( )، ثم عينت الحدود بين تركيا وسوريا بموجب معاهدة لوزان عام1932( ) ، لكن تدخلت تركيا ضد ضم لواء الإسكندرونة لسوريا وكان ذلك بعد المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936 تلك المعاهدة التي كانت تتضمن منح سوريا استقلالها ، وبناءً على ذلك تشكلت لجنة من الخبراء داخل عصبة الأمم ، حيث وجدت هذه اللجنة أن الأتراك عبارة عن أقلية من السكان ، لكن تواطأت فرنسا مع تركيا مرةً أخرى ، من خلال سماح فرنسا بدخول قوات عسكرية تركية لتشرف على الانتخابات في اللواء ، ولتعرض نتائجها على عصبة الأمم للموافقة على ذلك، ثم حدث التآمر البريطاني الفرنسي مع بعض الدول داخل عصبة الأمم ، لقبول نتائج الانتخابات التي قامت بعد تدخل القوات العسكرية التركية ومساندة فرنسا لهم .

فقررت عصبة الأمم استقلال الإسكندرونة عام 1937 ، وتجريده من الصبغة العسكرية ، مع ضمانات خاصة للسكان الأتراك فيه ، ثم عملت تركيا على إلغاء معاهدة الصداقة التركية السورية التي أبرمتها مع سوريا عام 1926 ؛ لأنها تشمل سوريا بلوائها ، وعقدت اتفاقية مع فرنسا في الثالث من يونيو عام 1938 جاء فيها خضوع لواء الإسكندرونة للإدارة الدولية ، ثم جرى استفتاء في الخامس من يونيو 1938 تحت سيطرة القوات التركية ، فحصل الأتراك على اثنين وعشرين مقعداً مقابل ستة عشر للسوريين ، وعلى إثر ذلك أعلنت تركيا استقلال اللواء تحت اسم جمهورية هاتاي ، وفي الثالث والعشرين من يوليو عام 1939، تم توقيع معاهدة جديدة بين فرنسا وتركيا حيث تم بموجبها ضم لواء الإسكندرونة بصورة نهائية لتركيا مقابل وقوف تركيا إلى جانب فرنسا في الحرب ضد المحور، وعلى إثر اغتصاب اللواء عام 1939 ، نزح حوالي خمسين ألف من سكانه إلى سوريا ليحافظوا على جنسيتهم السورية، تاركين أملاكهم هناك على أمل عودتهم إليها بعد استرجاع اللواء( ) .

لكن تضمنت المعاهدة التركية الفرنسية في عام 1939 القاضية بتنازل فرنسا لتركيا عن لواء الإسكندرونة ، على نص في مادتها الرابعة يقوم على إعطاء الأشخاص الذين ينزحون منه مهلة ثمانية عشرة شهراً لتصفية أملاكهم ، وألا يحق لهم نقل أثمانها إلا عن طريق البنك التركي ، ودفع ثلثها رسوماً للحكومة التركية ثم عمدوا بطريقة غير شرعية لمنع شراء عقارات السوريين ، إلى أن انقضت مهلة الثمانية عشر شهراً ، وكانت تركيا قد عمدت إلى نفس هذا الأسلوب في المناطق الأخرى التي ضمتها من قبل ، ثم أدخلت هذه الأملاك في عداد أملاك الدولة لتغيب أصحابها عنها ، وبالرغم من وجود وكلاء لأصحاب هذه الأراضي، إلا أن تركيا لم تعترف بهم ، ثم جاءت بمستوطنين أتراك من الأناضول إلى هذه المناطق مما حذا بالحكومات السورية المتعاقبة أن تتخذ نفس الأسلوب بحق الأتراك الذين لهم أملاك في سوريا وتجدر الإشارة إلى أنه كان سبب نزوح بعض سكان اللواء منه إثر ضمه إلى تركيا بسبب ما عرف عن النظام التركي من عمليات تطهير عرقي ، فقد اضطهد الأكراد في تركيا وهاجر قسماً كبيراً منهم إلى سوريا والعراق، إضافة إلى الأرمن منذ بداية العشرينات والدليل على ذلك أن تركيا عملت حال ضمها للإسكندرونة على اضطهاد أهل اللواء وملأت سجونها بهم بمجرد تكلمهم العربية .

• إسرائيل
لم تنشأ القضية الفلسطينية في عزلة عن الأحداث العالمية بل كانت جزءاً لا يتجزأ منها ، ففي أعقاب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 عمد قادة الحركة الصهيونية لإجراء اتصالات مع بريطانيا أدّت إلى إصدار وعد بلفور، وكان من الأسباب التي دفعت بريطانيا للموافقة على الوعد هو أن تكون الدولة اليهودية خط الدفاع الأول عن قناة السويس واستمرار تجزئة الوطن العربي ، وقد أصدر وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور في نوفمبر 1917 قراراً باقامة كيان للصهاينة في فلسطين ، لكن بعد دخول الجيوش البريطانية القدس بدأت بريطانيا في تنفيذ هذا الوعد بشكل عملي مما أدى إلى صدامات بين العرب واليهود وتشكلت جمعيات عربية ضد المشروع الصهيوني ، وعمت الاحتجاجات جميع أنحاء فلسطين وكل مناطق سوريا الطبيعية خاصة ً بعد أن فرضت عصبة الأمم المتحدة الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1919 وفصلتها عن سوريا ثم قدّمت الحركة الصهيونية إلى مؤتمر فرساي عام 1919 خطةً تحدد إستراتيجية إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين حيث قررت مايلي ( ) :
1- إقامة وصاية بريطانية لتنفيذ وعد بلفور .
2- أن تشمل حدود فلسطين ضواحي صيدا ، ومنابع الليطاني ، ونهر الأردن وحوران ، وشرق الأردن ، والعقبة ، وأجزاء من صحراء سيناء .
ثم صدر في مايو 1920م إعلان الانتداب البريطاني على فلسطين في مؤتمر سان ريمو وكشفت بريطانيا بعد ذلك عن مضمون وعد بلفور ، وعقدت مؤتمراً في القاهرة أوصت فيه بمايلي ( ) :
- الاستمرار في تنفيذ وعد بلفور؛ لأن بريطانيا ملزمة بإنشاء وطن قومي لليهود .
- أن تشكل في شرق الأردن مقاطعة عربية بقيادة الأمير عبدالله يكون مسؤولاً عنها أمام المندوب البريطاني دون أن تكون المقاطعة مشمولة في النظام الإداري لفلسطين ودون أن تنطبق عليها شروط الانتداب ،وليكن شرق الاردن مستعداً لاستقبال من يضطر من الفلسطينيين للمغادرة .

وقد أعلن الفلسطينيون رفضهم لذلك ، وأثاروا مخاطر هجرة اليهود على الوجود العربي في فلسطين ، وحذورا من السكوت على استمرار هذه الهجرة وظلَّوا يعتبرون بأن فلسطين جزءاً من سورية ، ويرفضون تجزئة النضال ، أو طرح مطالب إقليمية خاصة بهم( ) ؛ لإدراكهم أن الغرب يسعى لهذا الهدف من خلال مساندته للدولة الوليدة في الشرق الأوسط وهي إسرائيل ، بالرغم من أنه لم يكن قيام هذه الدولة في جنوب سوريا أي في فلسطين مفاجئاً لدول العالم ، لأن الامبراطوريات الحديثة كروسيا ، والنمسا ، والمجر، وبروسيا ، وفرنسا وبريطانيا كانت ترغب في قيامها وكل واحدة منها لها أسبابها الخاصة بها إضافة للاختراق الصهيوني لكل هذه الامبراطوريات .

فاستخدمت الصهيونية ، معاهد الاستشراق الشيوعية التي يسيطر عليها الصهاينة اليهود ، واستخدمت اختراقها للامبراطورية البريطانية ، لتنفيذ مخطط إقامة هذه الدولة( ) ، وهذا ما يفسّر تحالف الصهاينة مع الغرب الأوربي لتقويض الامبراطورية العثمانية ، والمشاركة في تقسيم الأرض العربية بعد ذلك ، حيث اشتركت شبكة التجسس اليهودية نيلي في الحرب العالمية الأولى( ) ، وقدّمت معلومات ثمينة للقوات البريطانية عن تحركات الجيشين التركي ، والألماني حيث تعتبر هذه الشبكة هي أم جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد ، فكانت هدية الحلفاء لليهود بعد انتصارهم هو تقديم فلسطين لهم على طبق من فضة ، بعد أن منحتهم وعداً خلال فترة الحرب.

وهكذا أفرزت قضية فلسطين في سوريا عدة قضايا كان لها تأثيرات مستقبلية على ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا بعد الحرب العالمية الثانية منها أنها قامت على جزء من أرض سوريا ، وهذا ما أثار الحركات القومية والدينية السورية ، ضد أي تقاعس من أنظمة الحكم المتعاقبة في سوريا حيال هذه القضية كما أثار مشكلة اللاجئين الذين لجأ قسماً منهم إلى سوريا ، إضافة إلى أن قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين قد زاد من أطماع إسرائيل في احتلال المزيد من الأراضي السورية ، وهذا ما ساهم في الكثير من المشاكل الحدودية بين سوريا وإسرائيل على مدار فترة الدراسة .

يتبين لنا مما سبق أنه كان للحكم العثماني في سوريا خلال فترة ماقبل الحرب العالمية الأولى أثاراً سلبيةً تمثلت بالتخلف الذي ساد أجزاء الامبراطورية العثمانية حيث أدى إلى التدخل الأوربي في المنطقة العربية ، ومن ثم تقويض الدولة العثمانية فيما بعد ، ومن ثم تقسيم واحتلال سوريا الطبيعية ، كما ساهمت الدعوات الطورانية- سياسة التتريك- في الدولة العثمانية في اعتداد كل القوميات الموجودة في سوريا بنفسها ، والعمل على الانفصال عن جسم الدولة الوليدة التي تكونت بعد الانتداب الفرنسي لسوريا ، ولبنان ، كما ورثت سوريا مشكلة الأكراد والأرمن الذين عانوا من الاضطهاد القومي التركي لهم خاصة بعد تسلم أتاتورك الحكم في تركيا ، أيضاً كان اغتصاب لواء الاسكندرونة السوري ، وأجزاء أخرى من سوريا من قبل تركيا ، قد ترتبت عليه نتائج سلبية في العلاقات السورية التركية منذ ما قبل فترة الدراسة ، أيضاً كان وجود المنظمات الصهيونية في فلسطين والهجرات اليهودية إلى فلسطين منذ وعد بلفور عام 1917 قد أثار التيار القومي ، والديني في سوريا كون فلسطين جزءاً من سوريا الطبيعية التي سعت النخبة السورية لتوحيد أجزاءها ، إضافة لوجود المقدسات الإسلامية ، والمسيحية فيها ، وقد انتقلت هذه الأثار إلى فترة الدراسة خاصة بعد قيام دولة إسرائيل ذات الاتجاه القومي- الصهيوني- والديني في فلسطين عام 1947 .

ثانيا : مساهمة تركيا وإسرائيل في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ( 1943-1963 )
كما توافقت سياسة كل من مصر والسعودية تجاه سوريا خلال معظم فترة الدراسة ، أيضاً توافقت سياسة كل إسرائيل وتركيا تجاه سوريا خلال نفس الفترة فعلاقة كلا الدولتين مع سوريا كانت علاقة يشوبها الكثير من الصراع ، كما أن كلا الدولتين اقتطعتا أجزاءاً من سوريا ، خاصة لواء الاسكندرونة وكليكيا من جانب تركيا وفلسطين التي تُعتبر جزءاً من جنوب سوريا – قبل اتفاقية سايكس بيكو عام 1916- كما أن كلا الدولتين اتسمتا بعلاقات قوية مع المعسكر الغربي ومشاريعه في المنطقة العربية ، فما هي المساهمة التي اسهمت بها كلا الدولتين على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ؟

• تركيا
بسبب العلاقات السيئة بين سوريا ، وتركيا منذ استيلاء تركيا على لواء الاسكندرونة عام 1939 ؛ وازدياد دعوات الأنظمة السورية لعودته خلال فترة الدراسة ؛ عملت تركيا على التحالف مع الغرب ، ومشاريعه في الشرق الأوسط وربط مصالحها بمصالحه ، فما هي المساهمة التي قامت بها تركيا في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة تحقيقاً لإستراتيجيتها وإستراتيجية الغرب في المنطقة ؟ .

1- الفترة ( 1943-1954)

منذ استقلال سوريا عام 1943 توتًرت العلاقات بينها وبين تركيا ؛ بسبب ما أصاب سوريا مما قامت به تركيا تجاهها خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا فاندلعت المظاهرات تطالب بعودة لواء الإسكندرونة ، وتدعو الحكومة السورية إلى عرض قضية لواء الإسكندرونة على مجلس الأمن بعد أن أصبحت سوريا عضواً فيه بعد الحرب العالمية الثانية ، فقام رئيس الوزراء العراقي بالمساهمة بواسطته بين تركيا ، وسوريا( )، لذا عقد اتفاق تركي سوري تم بموجبه موافقة تركيا بعدم إعلان سوريا اعترافها الرسمي باحتلال تركيا للواء الإسكندرونة ، مقابل تعهد الحكومة السورية بعدم إثارة مشكلة اللواء ، كما عملت تركيا على التصويت في الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 إلى جانب قرار تقسيم فلسطين واعترفت بإسرائيل في مارس 1949 ( ) ، وأخذت صحفها تشن حملاتها ضد سوريا بتأثير ارتباطاتها بالصهاينة( ) لأن الحكومات السورية المتعاقبة استمرت بالعمل من أجل استرداد لواء الإسكندرونة وسجلت قضية لواء الإسكندرونة كأول قضية من قضايا الوطن العربي في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن عام 1945( ) ، وكان لهذه الأسباب أثرها في اعتراف تركيا مباشرة بانقلاب مارس 1949( )، وتحسنت علاقتها بشكل كبير مع قائد الانقلاب وهذا جعله - حسني الزعيم - يتناسى قضية لواء الإسكندرونة ، حتى أنه صرح لجريدة الأهرام المصرية بما يلي: " إن قضية لواء الإسكندرونة ، أصبحت قضية ثانوية وإن بقاء هذه المنطقة في أيدي الأتراك ، أو إعادتها إلى سوريا أمر ثانوي ، مادام الشعبان على أتم إتفاق ومادامت مصالحهما واحدة "( ) ، ثم أطلع قائد الانقلاب قائد الأركان التركي السابق على أسرار الدولة والجيش عندما عينه مدرباً للجيش السوري( ) وأنه سيحذو حذو مصطفى كمال أتاتورك ذي النزعة الطورانية العلمانية( ) ، وهذا أثار التيار الديني والقومي ضده .

لهذه الأسباب استاءت تركيا من سقوط نظام الشيشكلي ، بسبب انقلاب سامي الحناوي الذي اعتلى قيادة الجيش ، وخاصة بعد دعوته للوحدة مع العراق ، لذلك عملت على التقارب مع الغرب للوقوف ضد التوجهات القومية العربية ( )، فأيدت مشروع ترومان ، ثم أيدت مشروع دفاع الشرق الأوسط عام 1950 ، ثم انضمت إلى حلف شمال الأطلسي عام 1951 ، وهذا ما يفسر تقاربها مع الشيشكلي بعد انقلابيه الأول ، والثاني باعتباره موالياً للغرب .

يتبين لنا مما سبق مساهمة تركيا في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ؛ بسبب تخوفها من امتداد النفوذ الشيوعي في سوريا فتصبح محاصرة من قبل الشيوعية من اتجاهين ، وأيضا بسبب تخوفها من ازدياد قوة سوريا من خلال اتحادها مع العراق أو الأردن من خلال مشروعيهما لأن هذه القوة ستجعل سوريا أكثر قوة في المطالبة بأراضيها المغتصبة من قبل تركيا وهذا يفسر موالات تركيا وانضمامها للمشاريع الغربية ومحاولاتها المستمرة لتقويض أي استقرار سياسي في سوريا ، فكانت سياستها هذه قد ساهمت في ظاهرة الدراسة





2-الفترة ( 1954-1963)
بازدياد إوار الحرب الباردة بين المعسكرين ، ازداد معه تقارب تركيا مع الغرب بشكل أكبر ، وذلك بعد سقوط النظام السوري عام 1954 ، بسبب ازدياد المد القومي في سوريا ، وهذا حذا بتركيا للانضمام إلى حلف بغداد عام 1955 والتحالف مع إسرائيل ضد سوريا ، أيضاً كانت تداعيات فترة ماقبل الدراسة قد ألقى بظلاله على فترة الدراسة ، فخلال عهد الوحدة أضربت جميع المدن السورية بسبب استمرار احتلال لواء الاسكندرونة من قبل تركيا ، كما اندلعت المظاهرات عام 1959 ضد سياسة الأحلاف ، والصلح مع إسرائيل ، حيث توافقت ذكرى تقسيم فلسطين بمناسبة ذكرى اغتصاب لواء الإسكندرونة ( ) وأمام مواجهة المد القومي في سوريا ، عمدت تركيا من خلال ملحقها العسكري في دمشق بمؤامرة لتغيير قائد الأركان السوري الموالي لمصر ، والسعودية وتعيين آخر محله( ) حيث كانت مصر قد رأت أن حلف بغداد الذي وقعته تركيا والعراق في فبراير 1955 من خلال رئيسي وزراء الدولتين ، سيجر معه الأردن وسوريا ، ولبنان، وسيعزل مصر لذلك عملت مصر على التنديد به واتهامه بأنه ضد القومية العربية( )، وقد ساعدتها السعودية على ذلك خوفاً من التوسع الهاشمي وقد حاولتا ذلك من خلال اجتماع الجامعة العربية في يناير 1954 ، لكن سوريا رفضت التنديد به .

وهذا ما حذا باليسار القومي المولي لمصر إلى إسقاط الحكومة السورية وضغط من أجل عقد الميثاق الثلاثي بين سوريا ، ومصر ، والسعودية ، مما أثار تركيا التي وجهت إنذاراً إلى سوريا في الثالث عشر من مارس عام 1955 باعتبار أن هذا الميثاق – حسب رأيها- هو عمل عدواني( )، كما أنه بسبب معاداة سوريا لمبدأ أيزنهاور عام 1957 ، قامت تركيا بحشد قواتها على الحدود مع سوريا (حوالي 35ألف جندي) ، وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة ، مما حذا برئيس المخابرات السورية للقيام بتشكيل مجلس قيادة ثورة جديد بدل القديم في مايو1957 ، وجعل قيادة هذا المجلس لقائد الأركان الجديد الموالي لمصر ( ) وأصبح هذا المجلس يتدخل في السياسة الخارجية للحكومة ، وقد أيدت مصر هذا الإجراء باعتباره يقود إلى الوحدة بين سوريا ، ومصر ( )، خاصة بعد إرسالها لقواتها الرمزية في أكتوبر 1957 أي بعد انتهاء الأزمة حيث أن الأزمة كانت قد انتهت منذ سبتمبر 1957 خاصة أن سوريا قد جهزت خلال أزمتها مع تركيا ما سمي بالجيش الشعبي ، حيث وزعت آلاف قطع الأسلحة على الشعب ، واندلعت المظاهرات المنددة بهذه الحشود.

ثم أيدت تركيا الوحدة بين سوريا ، ومصر على اعتبار أن الوحدة ستبعد سوريا عن الشيوعية ، مما حذا بتركيا ، وإيران ، وإسرائيل إضافة إلى الولايات المتحدة إلى تشكيل منظمة ترايدنت- الرمح الثلاثي- عام 1958 وهي عبارة عن تحالف بين الموساد ، والسافاك ، والمخابرات التركية ، و السي أي إيه( ) وقد أثبتت الملفات التي كشفتها الثورة الإسلامية في إيران عام 1978 أن هذه المنظمة قد نفذت عمليات كثيرة في سوريا ، والعراق ، ولبنان ، أيضاً من خلال الوحدة ازدادت مطالبة الشعب السوري بلواء الإسكندرونة، مما حذا برئيس بلدية ولاية الإسكندرونة إلى التصريح في يوليو عام 1960 بقوله: " إن أية محاولة سورية للاندماج مع هاتاي لابد أن تقود إلى الحرب "( ) ، وكانت تركيا قد تأثرت سلباً بالوحدة على أساس أنها حولتها لدولة ثانوية أمام جمهورية أكبر( )، خاصة أن نظام الوحدة أخذ يلعب بورقة الأكراد في المنطقة ويشجعهم على مطالبهم الانفصالية مما كان له تأثير سلبي على النظام التركي وتخوفاً من زعزعة استقرارها- تركيا- عملت على التمهيد لإسقاط الوحدة معتمدة على التناقضات الداخلية في سوريا خلال الوحدة.

ثم أيدت انقلاب سبتمبر 1961( )، فكانت الدولة الثانية بعد الأردن التي تعترف بالنظام الجديد، كما أنها كانت قد حركت أسطولها عشية ذلك الانقلاب لقرب السواحل السورية لمواجهة أي قوة مصرية قد تأتي ، وكان هذا سبباً لتعزيز العلاقات بين تركيا ، وسوريا التي ساءت في عهد نظام الوحدة ، لكن لم تلبث العلاقات خلال حكم الانفصال أن ساءت أيضاً بعد مطالبة رئيس الحكومة السورية عام 1962 بضرورة عودة لواء الإسكندرونة إلى سوريا ، وعدم الاعتراف بضمه إلى تركيا( ).

يتضح لنا أن مساهمة تركيا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة قد تركزت على ازدياد موالات تركيا للمعسكر الغربي في مواجهة المعسكر الشيوعي ، من هنا كان دخولها للأحلاف الغربية ، وحصارها وتهديدها لسوريا بقواتها المسلحة بسبب ازدياد المد اليساري والقومي في سوريا ، إضافة لما ساهمت به من عمليات سرية تجاه سوريا.

نستنتج مما سبق أنه كان لانحياز تركيا للغرب ، وموالاتها للسياسة الأمريكية في المنطقة ، قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة فقد انضمت تركيا خلال الجزء الأول من فترة الدراسة لمشروع دفاع الشرق الأوسط كما انضمت خلال الجزء الثاني من الدراسة لحلف بغداد وأيدت مشروع أيزنهاور وتحالفت مع إسرائيل ، وانضمت لمنظمة ترايدنت التي سعت لتوحيد العمليات السرية ضد سوريا من خلال تعاون المخابرات الأمريكية والتركية والإسرائيلية والإيرانية ومعاداتها لنظام الوحدة بين سوريا ، ومصر ومساهمتها في إسقاطه إضافة لمساهمتها خلال جزأي فترة الدراسة في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا ؛ بسبب استمرار اغتصابها للواء الاسكندرونة ومحاولاتها المستمرة لإجهاض أي فكرة وحدوية لسوريا مع أي دولة عربية ، حيث كان لها مساهمة في إسقاط بعض الحكومات ، والأنظمة السورية التي سعت للوحدة بين سوريا ، والعراق ، أو الأردن من ذلك نتبيًن أن تأثيرها خلال الجزء الثاني من الدراسة كان أبرز من تأثيرها في الجزء الأول بسبب ازدياد المشاريع الأمريكية في المنطقة وموالات تركيا للسياسة الأمريكية فيها.

• إسرائيل
لم تعترف سوريا بوجود هذه الدولة منذ قيامها ، كما لم تعترف بأي من المنظمات الصهيونية التي دعت لبناء وطن قومي لليهود في فلسطين منذ وجودها على أرض فلسطين منذ وعد بلفور عام 1917 ، وظلت الأنظمة السورية المتعاقبة التي حكمت خلال فترة الدراسة تعتبر أن فلسطين هي جزء من سوريا وظلت تعتبر أن هذه الدولة ليست سوى صنيعة غربية ، ويجب القضاء عليها بكل السبل الممكنة ، فكانت المعارك المتعددة التي خاضها الجيش السوري ضد هذه الدولة ، كما كانت الاشتباكات الحدودية الكثيرة بين سوريا وإسرائيل لأسباب مختلفة ؛ كما أن قيام هذه الدولة وتحالفها مع المشاريع الغربية في منطقة الشرق الأوسط قد أثار التيار القومي والديني في سوريا ، فما هي مساهمة إسرائيل في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ؛ بحيث تخلق زعزعة داخل سوريا وتوجد أنظمة ذات مواقف سلمية تجاهها ؟ .

1- الفترة ( 1943-1954)

منذ قيام دولة إسرائيل في فلسطين بقرار من الأمم المتحدة عام 1947 ومن ثم انسحاب القوات البريطانية ، دخلت الجيوش العربية لإجهاض قيام هذه الدولة عام 1948 ( ) ، إلا أن جميع هذه الجيوش قد هزمت ماعدا الجيش السوري الذي إحتل بعض المناطق الإستراتيجية بالرغم من صعوبة المناطق التي قاتل بها ورفض النظام السوري اتفاقية الهدنة مع إسرائيل التي وقعتها جميع الدول العربية إلا أنه كان من تداعيات هزيمة الدول العربية في هذه الحرب قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين أوهمتهم الأنظمة العربية بأن يخرجوا منها قبل الحرب بداعي إرجاعهم إليها بعد تحرير فلسطين( ).

لكن هزيمة هذه الأنظمة جعلتهم يظلون خارجاً ، كما أن انتصار إسرائيل في هذه الحرب جعلها تبدل من قرار التقسيم بحيث أصبحت مساحتها 20.7 ألف كم2 بدلاً من 14 ألف كم2 ، كما في قرار التقسيم عام 1947( ) ، وكانت أسباب تأثر سوريا بشكل خاص حيال هذه القضية كون الشعب السوري يؤمن أن فلسطين جزءاً من سوريا التي لابد من توحيد أجزائها تحت كيان واحد ، وأن خسارة فلسطين موجهة لسوريا نفسها كما أن إعادة توحيد هذه الأجزاء هو الخطوة الأولى أمام الوحدة العربية المنشودة( ) فكان عدم جدّية بعض المسؤولين السوريين حيال هذه القضية إحدى الأسباب التي مهدت لانقلاب حسني الزعيم بما أحدثه من زعزعة للاستقرار الداخلي في سوريا .

وكانت خطة وزير الدفاع السوري الفاشلة ، والخاطئة ، وانسحابه من الحكومة بعد خمسة أيام من بدء الحرب قد أثار الرأي العام في سوريا ضده وضد بعض العناصر المرتبطة بالنظام السوري( )، بالرغم من أن الرئيس السوري شكري القوتلي كان قد عزم منذ بداية التدخل الصهيوني في فلسطين على تدمير الدعوة الصهيونية ودعمه المطلق للتوجهات الوحدوية ، فكان رفضه منذ البداية لقرار التقسيم في عام 1947، كما أنه كان قد فرض قانوناً ينص على مقاطعة التجمعات اليهودية ، ومنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين عبر سوريا وحرك الجيش السوري على طول الحدود مع فلسطين في أكتوبر عام 1947 وقام بتهريب السلاح للفلسطينيين عبر سوريا وجهز المتطوعين إلى فلسطين وساهم في تشكيل جيش الإنقاذ( ) .

وقد أكد رئيس الوزراء السوري محسن البرازي في عهد حسني الزعيم في مذكراته ، أن مجيء الزعيم إلى الحكم ، قد ارتبط بتوقيع معاهدة رودوس التي أنهت الحرب بين العرب وإسرائيل عام 1949( )، حيث نصت تلك الاتفاقية على مناطق معزولة السلاح ( ) ، لكن لم يتفق الطرفان عندما وقعا الاتفاقية في 20 يونيو 1949 على من سيكون مسؤولاً عن هذه المناطق ، مما جعل اتفاق السلام معرضا لهزات عنيفة بعد ذلك ، فحدثت صدامات من أجلها بين الجانبين ؛ لأن هذه المناطق تحتوي على ثلاث مصادر للمياه ، تنبع من خارج الأراضي الإسرائيلية ، وبسبب ذلك تقرر ترتيب لقاءآت بين الوفدين السوري ، والإسرائيلي وقد باركت الولايات المتحدة اتفاقية الهدنة بين إسرائيل ، وسوريا .

وكان حسني الزعيم قد اقترح معاهدة سلام مع إسرائيل وتبادل السفراء وعلاقات وثيقة معها ، مقابل ضم الشريط الحدودي الذي احتله الجيش السوري في حرب 1948( )، لكن رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية ذلك ، مما حذا بالرئيس السوري الجديد إلى اقتراح مقابلته ، وقبوله بتوطين 25 ألف لاجيء فلسطيني في سوريا إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أصر على انسحاب مسبق ، فرفع الزعيم عرضه إلى 300 ألف لاجيء فلسطيني ، لكنه التزم بعد ذلك بالانسحاب من الشريط الحدودي شريطة نزعه كلياً من السلاح، كما قام الرئيس السوري بالاتفاق مع رئيس الحكومة اللبنانية -ذو الصلات القوية مع إسرائيل حيث أعلن استعداده للاعتراف بالحقوق القومية لليهود في فلسطين، وأنه سيقنع الفلسطينيين بذلك( ) - ضد زعيم الحزب القومي السوري ، الذي رفض الاعتراف بإسرائيل ، وأدى ذلك الاتفاق لإعدام زعيم الحزب القومي السوري .

لكن بعد سقوط نظام الزعيم إثر انقلاب قائد اللواء الأول سامي الحناوي وتصاعد المد الوحدوي مع العراق ( )، صرحت إسرائيل أنها ترفض أي اتحاد بين سوريا ، والعراق ؛ لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث خلل بتوازن الشرق الأوسط بنظرها وأنها لن تقبل به، مما حذا بدعاة الوحدة مع العراق إلى السعي بشكل أكبر للوحدة بغض النظر عن شكل الحكم، لكن كان انقلاب الشيشكلي عام 1949 في يوم التصويت في البرلمان ردا على قرار الوحدة ، فصرحت إسرائيل عقب الانقلاب بأنها تعارض أي تدخل عراقي ، أو أردني في شؤون سوريا وأنها ستتخذ التدابير التي تراها ضرورية لو حصل ذلك( ) ، وكان من تداعيات احتلال فلسطين أنه حدثت مظاهرات وإضرابات في سوريا مطالبة بعودة فلسطين والأردن والإسكندرونة في ظل الحكم الجديد في بداية 1950 وكانت هذه المظاهرات في محاولة من اليسار السوري لإبعاد خطر الوحدة السورية العراقية التي كان يسعى إليها النظام السوري على اعتبار أن هذا التيار كان يرفض إقامة حكم يميني يحكم البلدين الشقيقين( ) .

وازدادت التوترات بين سوريا ، وإسرائيل بعد انقلاب عام 1951، حيث حدثت مواجهات بين سوريا ، وإسرائيل في ذلك العام ، وقد احتلت سوريا منطقة تل المظلة الإستراتيجية على الحدود مع إسرائيل ، وذلك عندما حاولت إسرائيل الاستيلاء على بعض المناطق قرب المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح ولم تستطع إسرائيل استرجاع هذه المناطق رغم كثرة الضحايا( ) ، حيث حدثت عدة مشاكل بسبب مشروع تجفيف بحيرة الحولة على الحدود مع إسرائيل( )وزاد عدم الثقة بين الجانبين السوري ، والإسرائيلي عام 1951 ، وخاصة بعد المحادثات بين الجانبين بشأن الأسرى ، ومحاولة إسرائيل أن يكون لها السيطرة الكاملة على منطقة الحولة ، ونهر الأردن ، ومنطقة بحيرة طبريا

إلا أن سوريا لم توافق على ذلك ، مما حذا بالرئيس السوري إلى القيام بإجراء محادثات سرية مع الولايات المتحدة حتى منتصف عام 1953، مؤكداً أنه مستعد للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل ، وإنهاء التوتر الدائم معها وإنه مستعد لاستيعاب نصف مليون لاجيء فلسطيني ، وعرض برنامجه هذا على الرئيس الأمريكي جونسون ، الذي أعلن بمساهمته عن برنامج أمريكي سمي بمشروع جونسون حيث عرض فيه حلاً لقضية الحدود السورية الإسرائيلية بحيث يكون لإسرائيل حق استغلال 375 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن مقابل 45 مليون متر مكعب لسوريا من مياه نهر اليرموك ، لكن الرئيس السوري رفض المشروع وعارض تحويل نهر الأردن إلى صحراء النقب على أساس أن التوازن العسكري سيكون لصالح إسرائيل نتيجة للتغيير الطبوغرافي في المنطقة( )، وسيؤثر ذلك سلباً على سوريا، وهدد باستخدام القوة وتحويل نهر بانياس ، والحاصباني- وهما رافدي نهر الأردن- إلى سوريا ، وقد وقعت بالفعل حوادث عنف بين المستوطنين الإسرائيليين ، والعرب المقيمين على طول الحدود بين عامي (1952-1953) كما حاولت إسرائيل التدخل بعد ذلك في أحداث جبل العرب عام 1954 حيث وقعت صدامات بيت الحكومة ، وبعض أهالي جبل العرب ، مستغلة الموقف في سوريا( ) وقد وافق رئيس وزراء إسرائيل على ذلك ، لكن تخوفه من هزيمة قد تحدث كما حدث له عام 1951 جعله يتراجع .


يتبين مما سبق أن إسرائيل قد ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ، حيث كانت محاولاتها المتعددة لإسقاط النظام السوري منذ حرب فلسطين عام 1948 ، على اعتبار أن النظام السوري كان الأكثر تشدداً من بقية الأنظمة العربية الأخرى ، كما كانت مساهمتها في إيقاف أي توجه وحدوي لسوريا مع أي من العراق ، أو الأردن من خلال مشروعيهما تجاه سوريا ، أيضاً كانت محاولاتها المتعددة ؛ لإسقاط النظام السوري عام 1954 بسبب تشدده تجاه إسرائيل .

2-الفترة ( 1954-1963)
آثرت إسرائيل العمل بعد سقوط الشيشكلي على عملية تحويل نهر الأردن ، فبعد اغتيال نائب قائد الأركان السوري عدنان المالكي عام 1954 ، وتفكك الجيش السوري إلى كتل متنافرة ، استغلت إسرائيل هذا الوضع ، وبدأت بضرب المراكز السورية في بحيرة طبريا ، وقتلت ست وخمسين سوريا ، وأسرت ثلاثين آخرين وكان ذلك رداً على الاتفاقية المشتركة بين مصر ، وسوريا عام 1955 ، ثم قامت عام 1956 بنقل موقع تحويل نهر الأردن إلى شمالي غرب بحيرة طبريا عام 1956 ، كما قامت خلال المدة ما بين سقوط الشيشكلي والوحدة مع مصر بعقد لقاءات مع مسؤولين سوريين سابقين( ) .

فقد التقى رئيس الوزراء الأسبق حسني البرازي بمسؤولين إسرائيليين في سويسرا في يوليو عام 1955( )، وطلب المساعدة في الحصول على دعم أمريكي لخطته الساعية لتشكيل نظام موال للغرب في سوريا ، كما التقى الشيشكلي في يوليو 1956 في جنيف مع دبلوماسي إسرائيلي وأخبره أن الانقلاب المفترض القيام به بين (19-20) يوليو، والذي كان من المفترض أن تشترك فيه إسرائيل بشكل غير مباشر بإثارة العمليات على الحدود، سوف يؤجل بسبب حرب السويس ، وما كان يقصده الشيشكلي هو عملية الانتشار أو التية * ، أيضاً خلال هذه الفترة عارضت إسرائيل دخول سوريا حلف بغداد لأن دخولها سيعطيها مناعة لمواجهة إسرائيل بشكل أكبر( ) لذلك عملت على شن هجوم صاروخي في قطاع غزة الذي كان تحت الحماية المصرية ، وقتلت أربعين جندياً مصرياً ، مما أدى إلى تطور الموقف لصالح اليسار في سوريا وخاصة الموالين لمصر، حيث ساهم ذلك في دفعها باتجاه الوحدة معها وقد حاول قادة الإقليم السوري خلال الوحدة اتخاذ إجراء بوقف عملية التحويل لنهر الأردن بالقوة ، إلا أن عبدالناصر رفض ذلك على أساس عدم القدرة العسكرية أمام إسرائيل( ) ، باعتبار أن الجمهورية العربية المتحدة تجابه خطراً آخر هو خطر الشيوعية في العراق( )خاصة أنه كان لعبدالكريم قاسم علاقة باتفاقية ترايدنت( ) ، لكن بعد سقوط نظام الوحدة في سوريا إثر انقلاب النحلاوي في سبتمبر 1961 استغلت إسرائيل التوترات السياسية الداخلية التي حدثت خلال عهد الانفصال وصعَدت هجومها على سوريا ( ) ، وقد أدان مجلس الأمن هذه الأعمال في إبريل 1962، وقد أثبت الجيش السوري قدرته على وقف العدوان ، حيث أكد قائد الأركان السوري ، أنه بالرغم من الخلافات ، والانقسامات ، والانقلابات التي حدثت في الجيش ، والحكومة بنتيجة التدخلات الخارجية ، واختلاف ، وجهات النظر فإن الجيش السوري قد صد الهجوم الإسرائيلي الذي حاول احتلال المنطقة المحايدة عام 1962، وهزم الجيش الإسرائيلي في معركة تل النيرب وقتل فيها حوالي أربعمائة جندي إسرائيلي،إضافة إلى خسائر مادية في العتاد والأسلحة الأخرى ( ).

وعلى إثر انقلاب 8 مارس 1963 تطورت الأحداث لصالح إسرائيل( ) ؛ لأن هذا الانقلاب كان مخترقاً من قبل الموساد الإسرائيلي ، وقد شارك ضباط فلسطينيون فيه بسبب تردي وضع اللاجئين الفلسطينيين ، ورغبتهم في إعادة الوحدة على ما كانت عليه( )، وما يدل على الاختراق الإسرائيلي لهذا الانقلاب أن المحكمة العسكرية في عهد الرئيس أمين الحافظ أصدرت حكماً بإعدام أحد عشر متهماً بالعمل لصالح إسرائيل في مارس 1964 ، ثم أصدرت حكماً آخر في فبراير 1965 على اثنين آخرين لنفس السبب كان أحدهما قد عقد في بيته اجتماع القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1962( )، لكن أخطر من قبض عليهم النظام السوري آنئذ هو إلياهو كوهين الذي عرف بـ كامل أمين ثابت حيث قام بزيارة الجبهة ثلاث مرات ، كما تعرف على الرموز المهمة في المجتمع السوري ، وكان الكثير منهم يمدونه بالمعلومات ، وقد تبين فيما بعد أن المعلومات التي حصل عليها كوهين منذ وجوده في سوريا في عام 1962 كانت تتضمن ما يلي( ):
1- معلومات عن القوات المسلحة السورية بالتفصيل .
2- معلومات عن رجال سوريا وكل ما له علاقة بهم وبتصرفاتهم .
3- معلومات اقتصادية ، وزراعية ، وتجارية .
4- معلومات عن التحويل الاشتراكي ، إضافة لمعلومات عربية عامة .

يتبين لنا مما سبق استمرار التدخل الخفي لإسرائيل خلال هذا الجزء من فترة الدراسة ؛ كان بسبب ازدياد المد القومي في سوريا بعد سقوط الشيشكلي عام 1954 وتزايد الصراع تجاه الوحدة مع سوريا ، خاصة بين مصر والعراق ،على اعتبار أن إسرائيل كانت تعمل ضد أي مشروع وحدوي عربي يؤثر سلباً على وجودها وهذا ما يفسر تدخلاتها الخفية ضد نظام الحكم في سوريا قبل الوحدة مع مصر ، ثم محاولاتها لتقويض الوحدة السورية المصرية ، ثم تدخلاتها ضد النظام الذي قام بعد سقوط الوحدة ، وزعزعتها لأي حالة استقرار سياسي في سوريا ، وهذا ما ساهم في الانقلابات المتعددة التي حدثت في ظل نظام الانفصال .
نستنتج مما سبق أن قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين ، قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، على اعتبار أن هذه الدولة كانت مدعومةً بشكل كلي من الغرب ، وتحقق له إستراتيجيته في المنطقة وهذا ما يفسر معاداتها لأي خطة وحدوية بين سوريا ، مع أي من الدول العربية إضافة لما ساهم به جهاز مخابراتها (الموساد) من عمليات سرية في سوريا وإثارتها للنزاعات المستمرة على المناطق الحدودية المحاذية لها مع سوريا وتأييدها لبعض المشاريع الغربية في المنطقة مثل مشروع أيزنهاور وغيره ، لكن ازدادت تدخلاتها في سوريا منذ سقوط الوحدة بين سوريا ، ومصر، وهذا يعني أن تدخلاتها خلال الجزء الثاني من فترة الدراسة كان بارزاً بشكل أوضح من الفترة الثانية .


كما تتلخص نتيجة هذا المبحث إلى أنه كان للحكم العثماني في سوريا خلال فترة ماقبل الحرب العالمية الأولى أثاراً سلبيةً ؛ تمثلت بالتخلف الذي أدى إلى التدخل الأوربي في المنطقة العربية ، ومن ثم تقويض الدولة العثمانية فيما بعد وهذا أدى إلى تقسيم واحتلال سوريا الطبيعية ، كما ساهمت الدعوات الطورانية- سياسة التتريك - في الدولة العثمانية إلى جعل القوميات الموجودة في سوريا تسعى للانفصال عن جسم الدولة الوليدة التي تكونت بعد الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان كما ورثت سوريا مشكلة الأكراد ، والأرمن الذين عانوا من الاضطهاد القومي التركي لهم خاصة بعد تسلم أتاتورك الحكم في تركيا ، أيضاً كان اغتصاب لواء الاسكندرونة السوري وأجزاءاً أخرى من سوريا من قبل تركيا قد ترتبت عليه نتائج سلبية على العلاقات السورية التركية ، وكان وجود المنظمات الصهيونية في فلسطين منذ وعد بلفور عام 1917 قد أثار التيار القومي ، والديني في سوريا كون فلسطين جزءاً من سوريا الطبيعية .

أيضاً كان لكل من تركيا ، وإسرائيل مساهمتهما في إحداث ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وقد تمثلت هذه المساهمة بالنسبة لتركيا في انحيازها الكامل للمشاريع الغربية ، وتحقيقها للسياسة الأمريكية في سوريا ومساهمتها في العمل لإسقاط أي حكومة تتبنى أفكارًا وحدويةً ، من هنا كانت مساهمتها في إسقاط الوحدة السورية المصرية ، وما سبق ذلك من مساهمة لها في إسقاط الأنظمة والحكومات التي سعت لمشروعي الهلال الخصيب ، أو سوريا الكبرى ، واستمرارها في اغتصاب لواء الاسكندرونة وبالنسبة لإسرائيل فقد أدى قيامها إلى المساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا أيضاً ؛ بسبب النزاعات الحدودية المستمرة على الحدود السورية ومحاولاتها إجهاض أي فكرة وحدوية لسوريا مع أي دولة عربية أخرى من خلال المساهمة في إسقاط الحكومات والأنظمة السورية التي تسعى لأي مشروع وحدوي عربي ، وتأييدها للمشاريع الغربية في المنطقة العربية حيث ساهم وجودها في المنطقة في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية في سوريا ، والمنطقة العربية ، كما أن تأثير كل من إسرائيل وتركيا كان الأوضح في الجزء الثاني من فترة الدراسة ؛ بسبب ازدياد الصراع بين المعسكرين خلال هذه الفترة وموالات السياستين الإسرائيلية والتركية للمشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة .


نخلص من هذا الفصل أنه كانت ثمة روابط تاريخية لسوريا مع الدول العربية المجاورة ، وخاصة دول الهلال الخصيب ؛ لأنها كانت تشكل جزءاً واحداً قبل إتقاقية سايكس بيكو 1916 ، كما أن ارتباط سكان هذه المنطقة ببعضهم البعض جعل إقامة الحدود بينهم غير عملية وغير منطقية ، باعتبار أن هذه المنطقة تشكل جزءاً واحداً من الصعب الفصل بين أجزائه ، أيضاً كان ارتباط سوريا بشبه الجزيرة العربية ومصر بشكل واضح على اعتبار أن الكثير من سكانها مرتبطين بعلاقات اجتماعية واقتصادية ، وثقافية ، إضافة لارتباط سوريا تاريخياً بهذه المناطق ، أيضاً كان ثمة أثاراً سلبيةً للعلاقات التركية السورية ماقبل فترة الدراسة نتجت عن الحكم العثماني لسوريا ، واغتصاب تركيا فيما بعد لبعض المناطق السورية ، وخاصة لواء الاسكندرونة ، أيضاً كان وجود المنظمات الصهيونية في فلسطين ، وازدياد الهجرة اليهودية إليها منذ وعد بلفور قد وتّر العلاقات بين التيار القومي ، والديني في سوريا وبين الغرب الأوربي باعتباره يتحمل مسؤولية هذه المشكلة.


كما نخلص من هذا الفصل إلى أن مساهمة دول الهلال الخصيب ، والسعودية ومصر في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، خاصة وأن هذه الفترة قد ترافقت مع صراع الدول الإقليمية ، أي بين مصر، والسعودية من جهة والعراق ، والأردن من جهة أخرى ، حيث كانت كل من مصر والسعودية تسعيان للحفاظ على الوضع الراهن بمنع مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى ، هذين المشروعيين اللذين كان العراق ، والأردن يسعيان إليهما ومحاولة مصر لتكون أقوى قوة إقليمية في المنطقة ، وإدماج دول المنطقة ومنها سوريا في إطار سياستها خاصة في الحقبة الناصرية التي اتسمت بالمحاولات الوحدوية على الصعيد الإقليمي العربي ، كما أوضحت الدراسة أن مساهمة كل من العراق والأردن كانت بارزة بشكل أوضح خلال الجزء الأول من فترة الدراسة ، على عكس كل من مصر ولبنان اللتين برز مساهمتهما بشكل أكبر خلال الجزء الثاني من فترة الدراسة ، بسبب فقدان المنطقة لمؤسسي مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى ، وذلك بعد سقوط النظام الهاشمي في العراق ورحيل الملك عبد الله ، وبروز الناصرية في مصر عقب تولي عبد الناصر الحكم في مصر ومحاولاتها تصدير أفكارها إلى سوريا عبر مؤيديها من الناصريين ، أما لبنان فقد واكب المشاريع الأمريكية في المنطقة ، خاصة مشروع أيزنهاور، وساهم في إسقاط النظام السوري عام 1963 .


كما نخلص من هذا الفصل أيضاً إلى أنه كان لكل من تركيا ، وإسرائيل مساهمتهما في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، بسبب الانحياز التركي الكامل للمشاريع الغربية ، ومساهمتها في العمل ؛ لإسقاط أي حكومة أو نظام سوري يتبنى أفكارًا وحدويةً ، إضافةً إلى استمرارها في اغتصاب لواء الاسكندرونة ، أما بالنسبة لإسرائيل فقد أدى قيامها إلى المساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، بسبب تأييدها للمشاريع الغربية في المنطقة العربية حيث ساهم وجودها في المنطقة في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية في سوريا والمنطقة العربية كما أدت النزاعات الحدودية بينها وبين سوريا ، ومحاولاتها المستمرة ؛ لإجهاض أي فكرة وحدوية لسوريا مع أي دولة عربية أخرى ، لكن برزت مساهمتهما – تركيا وإسرائيل – في الجزء الثاني من فترة الدراسة ؛ بسبب ازدياد الصراع بين القطبين العملاقين ، وازدياد صراع المحاور الإقليمية تجاه سوريا ، إضافة إلى موالاة كل من تركيا وإسرائيل للمشاريع والإستراتيجية الأمريكية ومعاداتهما للمشاريع السوفياتية إضافة لمساهمة سياسة هاتين الدولتين في بروز التيار القومي في سوريا ؛ بسبب موالاتهما للسياسة الغربية في المنطقة العربية .








الخاتمة

انطلقت هذه الدراسة لتوضيح مساهمة التدخلات الخارجية التي أدت إلى ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، من خلال طرح فرضية مفادها : "ساهمت التدخلات الخارجية في إحداث ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة 1943-1963 " .

وكانت نقطة البداية في دراسة هذه الظاهرة ، من خلال تحليل أثر التدخلات الخارجية التي ساهمت فيها ؛ لذلك تناولت الدراسة تحديد تأثير كل دولة من الدول التي ساهمت ، وقد كان ذلك من خلال تقسيم هذه العوامل إلى فصل تمهيدي مع فصلين دراسيين آخرين ، حيث تناول الفصل التمهيدي البيئة الخارجية المحيطة بسوريا وظاهرة عدم الاستقرار السياسي فيها خلال فترة الدراسة ، وقد قسِّم هذا الفصل إلى ثلاثة نقاط أساسية .

فتناولت النقطة الأولى البيئة الخارجية لسوريا خلال فترة الدراسة وتوصلت إلى أنه قد حدثت خلال فترة الدراسة مجموعة من الأحداث السياسية في البيئة الدولية الخارجية ، وتشابكت هذه الأحداث مع بعضها البعض لتساهم في التأثير على المنطقة العربية عموماً ، وعلى سوريا تحديداً على اعتبار أن سوريا هي محل هذه الدراسة .

وتناولت النقطة الثانية مفهوم عدم الاستقرار السياســي ، وتوصلت إلى أنه قد اختلف تعريف هذا المفهوم بين الباحثين السياسيين والسياسيين الذين ينتمون لتيارات مختلفة ، لكن أهم نتائج هذه الظاهرة حسب الدراسة هو التغيرات المتوالية في نظام الحكم ؛ بفعل الانقلابات العسكرية المتوالية ، كما أنه ثمة مؤشرات أخرى ساهمت أيضاً في ذلك السقوط مثل : كثرة أعمال العنف السياسي والمظاهرات والاغتيالات السياسية ، وفشل السياسة الاقتصادية والإضرابات ، والاعتصامات هذا على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي فقد توصلت الدراسة ، إلى أن طرد بعض سفراء الدولة المعنية من دول أخرى والحروب الخارجية السرية منها والعلنية وسياسة الحصار الاقتصادي التي تتبعها بعض الدول ؛ يساهم أيضاً في زعزعة النظام وبالتالي يصبح سقوط النظام السياسي أمراً طبيعياً ، كما يقود سقوط النظام عادة إلى سقوط الدستور ، والحكومة ، والبرلمان ، وكل مؤسسات الدولة وقد يؤدي أيضاً إلى سقوط مؤسسات المجتمع المدني ، كالأحزاب السياسية والنقابات وغيرها .

أما النقطة الثالثة فتناولت ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وتوصلت إلى أنه كان للانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا خلال فترة الدراسة المساهمة الأبرز في بروز ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في سوريا ، أو المؤشر الأساسي لها وإنَّ تتالي هذه الانقلابات قد قللَ من شرعية النظام السياسي وكفائته السياسية فبرز مفهوم أزمة الشرعية ، وهذا ما أعطى المبرر لاستمرار السلطة العسكرية في الحكم والتخوف من التخلي عنها للسياسيين فكان من أهم أسباب عدم الاستقرار السياسي في سوريا ؛ بسبب مؤثِّر هو الانقلابات العسكرية المتواصلة ، ولذلك فإن وجود هذا المؤشر كان دليلاً على عدم وجود استقرار للنظام السياسي في سوريا خلال فترة الدراسة .

وتناول الفصل الأول للدراسة مساهمة تدخلات دول المعسكرين الشرقي والغربي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وقد قسَّم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث حيث تناول المبحث الأول نقطتين ، فبحثت النقطة الأولى خلفية العلاقات بين سوريا ودول المعسكر الغربي وتوصل إلى أنه كانت هناك علاقات تاريخية للدول الغربية الرئيسية الولايات المتحدة ، وفرنسا ، وبريطانيا ، مع سوريا منذ كانت سوريا مرتبطة بالامبراطورية العثمانية ، لكن كانت العلاقات مع فرنسا أكبر بحكم انتدابها على سوريا فترة ربع قرن ، ومساهمتها في تقسيم سوريا وفصل لواء الاسكندرونة ولبنان عنها ، وذلك بعد التقسيم الأول الذي اشتركت فيه مع بريطانيا من خلال اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، كما تبَّين أن تأثير الولايات المتحدة كان ضئيلاَ بحكم أنها كانت تتبع سياسة العزلة السياسية وعدم التدخل في أحداث العالم.

وبحثت النقطة الثانية في خلفية العلاقات السورية مع روسيا وتوصلت إلى أنه ما كان للأيديولوجيا الشيوعية ، والأفكار اليسارية التي سيطرت على المجتمع السوري في بعض الفترات ، وانتقلت إلى المجتمعات العربية الأخرى أن تهيمن خلال بعض فترات الدراسة لولا وجود أسباب كانت كامنة في المجتمع السوري وأهم هذه الأسباب كان التمايز الاجتماعي في المجتمع منذ ماقبل الانتداب الفرنسي عليها وخاصة وجود صراع طبقي كان من مخلفات الحكم العثماني ومن ثم الانتداب الفرنسي ، إضافة إلى الرغبة الكبيرة للقوى اليسارية ؛ للتخلص من النفوذ الغربي الذي كانت له قواعده ، ومصالحه في البلدان العربية ، على اعتبار أن الحركات القومية اليسارية في سوريا قد ألقت على عاتقها النضال من أجل الوطن العربي ككل واحد لا فرق بين أجراءه ؛ لذلك كان توجهها نحو المعسكر الشرقي الذي اتَّسم بمعاداته للاستعمار الغربي ، والقواعد الغربية ودعم حركات التحرر الوطني في دول العالم الثالث ، رغم أنه كان في نفس الوقت يسعى من خلال ذلك إلى كسب مناطق نفوذ في هذه البلدان ، وهذا ما يفسر لنا تقارب هذه الحركات مع الاتحاد السوفياتي بعد سيطرتها على الحكم ، لكن تبيَّن على الواقع العملي أن هذه الحركات ربطت سوريا بالرأسمالية العالمية من موقع التبعية لها ، فرغم أنها أسقطت الطبقات المسيطرة في بعض الفترات ، وتوجهت إلى المعسكر الشيوعي ، إلا أنها أفادت من خلال إجراءآتها الدول الغربية الرأسمالية ، وزادت من تبعيتها لها ، وفشلت في تحديث مجتمعها .

أما المبحث الثاني من الفصل الأول فتناول مساهمة الدول الغربية الكبرى في ظاهرة الانقلابات العسكرية السورية خلال الفترة ( 1943-1963) ، وقد قسَّم هذا المبحث إلى ثلاثة نقاط هي :
أولاً ـ تناولت النقطة الأولى مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الظاهرة حيث توصلت الدراسة إلى أنه كان للولايات المتحدة مساهمة في المساهمة في الانقلابات العسكرية المتعددة التي تعرضت لها سوريا خلال فترة الدراسة ، فلم تخف مساهمتها في هذه الظاهرة خلال كل فترة الدراسة - وفق التقسيم النظري لهذه الفترة إلى جزأين هما ( 1943-1954) ، (1954-1963) - ، حيث تبيًن أن الولايات المتحدة كانت تلعب في اتجاهين ، الاتجاه الأول كان حربها الباردة مع دول المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي ، وكانت هذه الحرب بالتعاون مع حلفائها من دول حلف الناتو خاصة فرنسا ، وبريطانيا إضافة إلى تركيا وإسرائيل أما الاتجاه الثاني الذي لعبته الولايات المتحدة فكان حربها الخفية لاستئصال النفوذ البريطاني والفرنسي من سوريا والمنطقة العربية وكان عملها هذا من خلال إيجاد حكومات موالية لها في سوريا بحيث تحقق لها مصالحها ، وتبتعد عن المعسكر الشيوعي ، والتوجهات الاشتراكية .

ثانيا ًـ تناولت النقطة الثانية المساهمة الفرنسية في هذه الظاهرة ؛ حيث توصلت الدراسة إلى أن المساهمة الفرنسية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة الأولى للدراسة ؛ بسبب استمرار بعض مصالحها في سوريا بعد استقلال سوريا عنها عام 1943 ، وخروج قواعدها من سوريا عام 1946 إضافة إلى مصالحها الخاصة في لبنان ، لهذه الأسباب ، وغيرها فقد عملت على عدم إتاحة المجال لأي حكومة سورية تسعى للوحدة مع العراق ، أو تسعى للتقارب مع الاتحاد السوفياتي أو تحاول الابتعاد عنها ، لكن تناقصت مساهمتها خلال الفترة الثانية من التقسيم الزمني الذي اعتمدته الدراسة ؛ بسبب انشغالها في حروب التحرير التي قامت ضد احتلالها لكثير من الدول خاصة في إفريقيا وتصاعد نفوذ العملاقين في دول العالم الثالث ومحاولة كل منهما أن يكون وريث المناطق المستقلة عن الامبراطوريتين القديمتين بريطانيا وفرنسا .

ثالثاً ـ تناولت النقطة الثالثة المساهمة البريطانية في هذه الظاهرة حيث توصلت الدراسة إلى أنه كان لبريطانيا مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ؛ فبسبب مصالحها الاستراتيجية في المنطقة المحيطة بسوريا إضافة لمصالحها الخاصة في سوريا ، عملت على استقطاب دول المنطقة من خلال حلف بغداد الذي كان له آثاراً سلبيةً على سورية ؛ بسبب انقسام الرأي في سوريا نتيجة له ، كما حاولت بريطانيا أيضاً إسقاط الحكومات والأنظمة التي لاتؤيده ، أو تسعى للوحدة مع مصر ، حيث رأت أن ذلك سيؤثر على مصالحها في العراق والأردن ، كما بَّينت هذه الدراسة أيضاً ، أن مساهمة بريطانيا في ظاهرة الدراسة قد ازدادت في الشق الثاني لفترة الدراسة ، ويكمن السبب في ذلك أن مصالحها في العراق ومصر ، أصبحت في خطر أمام تزايد النفوذ الشيوعي السوفياتي والأمريكي وتصاعد المد التحرري القومي ، الذي سعى لإنهاء أي قواعد أو مصالح لبريطانيا في المنطقة .

وتناول المبحث الثالث من الفصل الأول مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية السورية في سوريا ، حيث قسَّم هذا المبحث إلى نقطتين فتناولت النقطة الأولى المساهمة التي قام بها الحزب الشيوعي السوري في الانقلابات العسكرية خلال الفترة ( 1943-1963) ، واتضح من الدراسة أن هذه المساهمة كانت تصب في تنفيذ الإستراتيجية السوفياتية في سوريا ، مثل العمل على عدم تقارب الأنظمة ، والحكومات السورية مع الغرب ، والعمل على تحويل سوريا كتابع للسوفييت ، وتحقيق النفوذ السوفياتي في سوريا ، لهذا ساهم هذا الحزب في العديد من العمليات التي ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وهذا ما يفسر معاداته للتقارب السوري العراقي قبل ثورة يوليو عام 1958 في العراق على اعتبار أن العراق كان ذو توجهات غربية ، أيضاً مساهمته في العمل ضد مشروع دفاع الشرق الأوسط ، وحلف بغداد ، ومبدأ أيزنهاور ، وحلف الناتو وغيرها من الأحلاف ، والمعاهدات الغربية التي حاولت ربط سوريا بها ، وعلى هذا الأساس فإن تأثير الحزب الشيوعي في سوريا خلال فترة الدراسة هو تأثير خارجي كونه تابع أساسي للمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي بسبب توافق مصالحه معه ، وما يثبت ذلك أن تأثير الحزب الشيوعي قد ازداد مع ازدياد تأثير الاتحاد السوفياتي في سوريا خاصة في الشق الثاني لفترة الدراسة التي اتسمت بازدياد حدة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي .

أما النقطة الثانية فتناولت مساهمة الاتحاد السوفياتي في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وتوصلت إلى أن هذه المساهمة كانت بسبب رغبته في السيطرة على مناطق نفوذ مهمة في الشرق الأوسط في إطار صراعه مع المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد اعتمدت إستراتيجيته في ذلك على تأييده للحركات التحررية في الدول النامية وقد أدى هذا إلى تلاقيه مع التيار القومي اليساري في سوريا ، حيث سعى هذا التيار للعمل على التقارب ، والارتباط بالاتحاد السوفياتي في مواجهة دول المعسكر الغربي ، وقواعده وأحلافه .

أيضاً اعتمد الاتحاد السوفياتي في تحقيق استراتيجيته على مؤيديه في الحزب الشيوعي السوري الذي سعى للسيطرة على الحكم ، والضغظ على الأنظمة والحكومات السورية للابتعاد عن الغرب ، والتقارب مع المعسكر الشيوعي ، أما الإستراتيجية الأخرى له فقد اعتمدت على المساعدات الاقتصادية لسوريا والعمل على الارتباط معه في مجال تجارة الأسلحة ، وكسر الاحتكار الغربي لها إضافة لمحاولته تمتين العلاقات الثقافية مع سوريا ؛ بتشجيعه للبعثات التعليمية إليه وإلى الدول الشيوعية الموالية له ، كما أتضح أنً تدخلات الاتحاد السوفياتي في سوريا قد تزايدت مع تزايد حدة الصراع بين المعسكرين ، وهذا ما يفسر ازدياد تدخله في سوريا في الشق الثاني لفترة الدراسة ؛ التي قسمت إلى فترتين .

وتناول الفصل الثاني من الدراسة أثر دول الجوار في المساهمة في الانقلابات العسكرية السورية ، وقسَّم هذا الفصل بموجب الدراسة إلى ثلاثة مباحث فتناول المبحث الأول أثر العلاقات السورية مع دول الهلال الخصيب على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وقسَّم هذا المبحث بالتالي إلى ثلاثة نقاط فتناولت النقطة الأولى العلاقات السورية مع دول الهلال الخصيب قبل فترة الدراسة ، وقد توصلت الدراسة إلى أنه كان للعلاقات التاريحية بين سوريا وإقليمها الطبيعي الذي يشكل منطقة الهلال الخصيب ممثلاً : بالعراق ، ولبنان والأردن مساهمةً مهمةً في أي حراك سياسي ماقبل فترة الدراسة ، على اعتبار أن هذا الإقليم كان جزءاً واحداً قبل اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ، لذلك كان أي تغيير سياسي في أحدها يؤثر في بقية الأجزاء الأخرى ، كما أنه رغم انفصال أجراء هذا الإقليم عن بعضها البعض بعد سايكس بيكو إلا أن العلاقات بينها لم تنقطع ، فكان اشتراك أبناء المنطقة الواحدة في جميع الثورات التي قامت في أي جزء منها دليلاً على مدى ارتباط هذه الأجزاء مع بعضها البعض إضافةً إلى أن أجزاء هذه المنطقة يكمّل بعضها بعضاً في ظل وجود قوتين إقليميتين كبيرتين في المنطقة هما إيران وتركيا حيث يوجد بينهما ، وبين قطبي الهلال الخصيب – سوريا والعراق - خلافات حدودية ماتزال موجودة حتى الآن ، كل هذه الأمور دفعت النخبة السياسية في هذه المنطقة إلى العمل من أجل وحدة أجزاءها المبعثرة ، تمهيداً للوحدة العربية الكبرى لكن ترافق هذا الطرح مع خلافات بين النخب الحاكمة في هذه المناطق التي كانت منتدبة من قبل بريطانيا وفرنسا حيث أدًت هذه الخلافات إلى المساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة .

أما النقطة الثانية فتناولت دراسة مساهمة العلاقات السورية مع دول الهلال الخصيب خلال فترة الدراسة ، وتوصلت إلى أن محاولات العراق الوحدوية مع سوريا ، ومعارضة دول المعسكرين المتصارعين لهذه السياسة ، إضافة لمعارضة الدول الإقليمية المجاورة له خاصة مصر، والسعودية ، قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، ولكن هذه السياسة قد أثَّرت سلباً على الأنظمة المتعاقبة التى حكمت العراق ، فانهيار الحكم الهاشمي ومن ثم القاسمي من أسبابه الأساسية هو السياسة التي اتّبعتها هذه الأنظمة تجاه سوريا فكان التأثير المتبادل لظاهرة الانقلابات العسكرية في كل من سوريا والعراق بسبب سياسة أي منهما تجاه الآخر ، كما بيًنت هذه الدراسة أن مساهمة العراق كانت متقاربة خلال جزأي فترة الدراسة ، وإن كانت قد قلًت بعض الشئ خلال القسم الثاني من فترة الدراسة ؛ بسبب المشاكل التي تعرَّض لها العراق منذ انهيار الحكم الهاشمي فيه .

كما بيَّنت هذه النقطة أن الحكومات اللبنانية المتعاقية كانت لها مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، وذلك محاولة منها لإبقاء لبنان منفصلاً عن سوريا ، وعدم السماح لها بإدماج لبنان معها ، وهذا ما حذا بها إلى التساهل في مجيء المعارضين للأنظمة السورية المتعاقبة إليها فكانت بيروت محوراً للعديد من الأعمال التي ساهمت في إسقاط العديد من الأنظمة السورية التي حكمت خلال فترة الدراسة ، إضافة لارتباط النظام اللبناني بالولايات المتحدة ومشاريعها في المنطقة ، وارتباط الطائفة المارونية – التي ينتمي إليها الرئيس اللبناني الماروني حسب الدستور اللبناني- بفرنسا التي حاولت على الدوام عدم السماح بإدماج لبنان بسوريا من خلال أحد المشروعين السابقين سوريا الكبرى أوالهلال الخصيب كما أوضحت الدراسة أن مساهمة لبنان قد برزت بشكل كبير في نهاية الجزء الأول من فترة الدراسة ، وأدى ذلك لسقوط النظام السوري عام 1954 مثلما ساهمت أيضاً بعد الانفصال أي في نهاية الجزء الثاني من فترة الدراسة ؛ مما أدى لسقوط النظام السوري عام 1963 .

وبينت هذه النقطة أيضاً أن محاولات الأردن للالتحام مع سوريا من خلال مشروع سوريا الكبرى ، ومحاولاتها تقويض الأنظمة ، والحكومات التي لاتؤيد هذا المشروع ، قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا ، كما كان توافق السياسة الأردنية مع السياسة العراقية تجاه سوريا ؛ بسبب ارتباط الأسرتين الهاشميتين في كل من الأردن ، والعراق ببعضهما البعض ، قد أثار كل من السعودية ومصر اللتين كانتا تتخوفان من قيام دولة هاشمية تجمع أجزاء منظقة الشام ، أو الهلال الخصيب تحت عرش الهاشميين ، من هنا كانت المحاولات السعودية /المصرية ؛ لتقويض الحكومات ، والأنظمة التي تؤيد أحد هذين المشروعين ، وهذا ماساهم أيضاً في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، كما بيًنت الدراسة أن مساهمة الأردن قد قلَّت في القسم الثاني من فترة الدراسة ؛ بسبب تولي العرش الأردني الملك حسين منذ عام 1952 أي منذ رحيل واضع مشروع سوريا الكبرى الملك عبد الله ، إضافة إلى تخلخل العرش الهاشمي في الأردن بسبب ازدياد المد القومي في سوريا ومصر حيث أصبح موضوع المحافظة على العرش يفوق محاولة الأردن للاندماج مع سوريا .

أما المبحث الثاني من الفصل الثاني فتناول أثر العلاقات السورية مع مصر والسعودية على ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وقد قسَّم هذا المبحث إلى نقطتين حيث تناولت النقطة الأولى العلاقات السورية مع مصر ، والسعودية قبل فترة الدراسة ، وتوصلت إلى أنه كانت ثمة علاقات تاريخية بين سوريا والسعودية على اعتبار ارتباط الشام بعلاقات تجارية ، وسياسية ، ودينية مع الحجاز ، فمن الحجاز انطلقت الثورة العربية الكبرى بقيادة والي الحجاز وأصبح ابنه فيما بعد ملكاً على سوريا ، كما كان ارتباط الكثير من القبائل السورية بفروع لها في الجزيرة العربية عاملاً ساهم في ترسيخ هذه العلاقات اقتصادياً ، وسياسياً.




أما النقطة الثانية من هذا المبحث فتناولت مساهمة العلاقات السورية مع مصر والسعودية خلال فترة الدراسة ، وتوصلت الدراسة إلى أنه كان للتدخلات المصرية في سوريا مساهمتها في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة حيث هدفت تدخلاتها قبل الحقبة الناصرية للمساهمة في إبعاد أي محاولة وحدوية بين سوريا ، والعراق ، أما في فترة الحقبة الناصرية فقد هدفت تدخلاتها ؛ لإبعاد سوريا عن الارتباط بالأحلاف ، والمشاريع الغربية ، والعمل على عدم استقطابها إلى أحد القطبين – الشرقي أو الغربي - من خلال تبنيها سياسة الحياد ، وقد توافقت سياستها هذه مع سياسة الاتجاه القومي في سوريا آنذاك ، حيث نتج عن هذه السياسة ولادة أول وحدة بين قطرين عربيين من خلال وحدة سوريا ، ومصر لكن الأخطاء التي سادت عهد الوحدة أجهضت هذه الوحدة ، وسمحت للعناصر الانفصالية باستغلالها ، وبالتالي إجهاضها ، حيث برز عهد الانفصال الذي اتسم بالتدخلات المصرية المكثفة في سوريا ، لأنه ظل للتيار القومي الناصري في سوريا ولاءه للنظام المصري ، ثم كان التحالف القومي البعثي ، والناصري ضد نظام الانفصال قد ساهم المساهمة الأكبر في إسقاط هذا النظام ، وبروز نظام جديد سعى للوحدة مع مصر مرة أخرى .

وقد أوضحت الدراسة أيضاً أن تأثير مصر على ظاهرة الدراسة قد برز بوضوح في الجزء الثاني من فترة الدراسة (1954-1963) ؛ بسبب ظهور الحركة الناصرية التي عملت على معاداة الأنظمة الموالية للقوى الاستعمارية ومصالحها في المنطقة وقد اتخذت سوريا بعد الوحدة بين سوريا ومصر كقاعدة للأنظمة التي تعادي النظام المصري أو لا تتفق معه ، وهذا ما ساهم في تورط مصر في العديد من العمليات في سوريا ، خاصة بعد انفصال سوريا عن مصر حيث عمل الناصريون على عودة الوحدة من خلال تحالفهم وتأييدهم للنظام المصري ، كما بيَّنت هذه النقطة مساهمة المملكة العربية السعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ؛ بسبب تخوفها من ازدياد النفوذ الهاشمي في المنطقة من خلال مشروعي سوريا الكبرى ، والهلال الخصيب ، من هنا كانت تدخلاتها خلال فترة الدراسة لإجهاض أي فكرة وحدويه تسعى إليها أي حكومة أو نظام في سوريا ، وقد توافقت سياستها هذه مع السياسة المصرية قبل الفترة الناصرية أي خلال الجزء الأول من فترة الدراسة ، لكن بعد الوحدة بين سوريا ومصر سعت لانفصال القطرين ؛ بسبب تخوفها من نظام الوحدة ذو الأفكار التقدمية ، والتي لا تتوافق مع النظام الثيوقراطي الحاكم في السعودية وبالتالي كانت مساهمة السعودية في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا خلال شقي فترة الدراسة متقاربة وتركًزت بشكل أساسي بالعمل لعدم حصول أي تغيير في خارطة المنطقة العربية أي عدم إندماج سوريا مع أي قطر عربي آخر ومحاولة إفشال أي مشروع وحدوي بين سوريا وأي قطر عربي آخر .

أما المبحث الثالث من الفصل الثاني فتناول دراسة مساهمة تركيا وإسرائيل في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ، وقد قسم هذا المبحث إلى نقطتين فبحث النقطة الأولى العلاقات التركية/ السورية والصهيونية /السورية قبل فترة الدراسة وقد توصلت الدراسة وفق هذه النقطة إلى أنه كان للحكم العثماني في سوريا خلال فترة ماقبل الحرب العالمية الأولى أثاراً سلبيةً تمثلت بالتخلف الذي ساد أجزاء الامبراطورية العثمانية ، حيث أدى إلى التدخل الأوربي في المنطقة العربية ، ومن ثم تقويض الدولة العثمانية فيما بعد ، ومن ثم تقسيم واحتلال سوريا الطبيعية ، كما ساهمت الدعوات الطورانية- سياسة التتريك- في الدولة العثمانية في اعتداد كل القوميات الموجودة في سوريا بنفسها ، والعمل على الانفصال عن جسم الدولة الوليدة التي تكونت بعد الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان ، كما ورثت سوريا مشكلة الأكراد ، والأرمن الذين عانوا من الاضطهاد القومي التركي لهم خاصة بعد تسلم مصطفى كمال أتاتورك الحكم في تركيا أيضاً كان اغتصاب لواء الاسكندرونة السوري ، وأجزاءاً أخرى من سوريا من قبل تركيا ، قد ترتبت عليه نتائج سلبية على العلاقات السورية التركية منذ ما قبل فترة الدراسة .

وكان وجود المنظمات الصهيونية في فلسطين ، والهجرات اليهودية إلى فلسطين منذ وعد بلفور عام 1917 قد أثار التيار القومي ، والديني في سوريا كون فلسطين جزءاً من سوريا الطبيعية التي سعت النخبة السياسية فيها لتوحيد أجزائها ، إضافة لوجود المقدسات الإسلامية ، والمسيحية فيها ، وقد انتقلت هذه الأثار إلى فترة الدراسة خاصة بعد قيام دولة إسرائيل ذات الاتجاه القومي- الصهيوني- والديني في فلسطين عام 1947 .


أما النقطة الثانية من هذا المبحث فقد بحثت في مساهمة كل من تركيا وإسرائيل في ظاهرة الدراسة خلال فترة الدراسة ، وتوصلت إلى أنه كان لانحياز تركيا للغرب ، وموالاتها للسياسة الأمريكية في المنطقة ، مساهمة في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، فقد انضمت تركيا خلال الجزء الأول من فترة الدراسة لمشروع دفاع الشرق الأوسط ، كما انضمت خلال الجزء الثاني من الدراسة لحلف بغداد ، وأيدت مشروع أيزنهاور وتحالفت مع إسرائيل وانضمت لمنظمة ترايدنت التي سعت لتوحيد العمليات السرية ضد سوريا من خلال تعاون المخابرات الأمريكية والتركية ، والإسرائيلية ، والإيرانية ومعاداتها لنظام الوحدة بين سوريا ومصر ، ومساهمتها في إسقاطه إضافة لمساهمتها خلال جزأي فترة الدراسة في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي سادت سوريا ؛ بسبب استمرار اغتصابها للواء الاسكندرونة ، ومحاولاتها المستمرة لإجهاض أي فكرة وحدوية لسوريا مع أي دولة عربية ، حيث كان لها مساهمة في إسقاط بعض الحكومات والأنظمة السورية التي سعت للوحدة بين سوريا والعراق ، أو الأردن ، وعلى ذلك كان تأثيرها خلال الجزء الثاني من الدراسة يفوق – نظرياً- تأثيرها في الجزء الأول ؛ بسبب ازدياد المشاريع الأمريكية في المنطقة وموالات تركيا للسياسة الأمريكية فيها .

كما أوضحت هذه النقطة أيضاً أن قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين قد ساهم في ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا خلال فترة الدراسة ، على اعتبار أن هذه الدولة كانت مدعومةً بشكل كلي من الغرب ، وتحقق له إستراتيجيته في المنطقة وهذا ما يفسر معاداتها لأي خطة وحدوية بين سوريا مع أي من الدول العربية إضافة لما ساهم به جهاز مخابراتها (الموساد) من عمليات سرية في سوريا وإثارتها للنزاعات المستمرة على المناطق الحدودية المحاذية لها مع سوريا وتأييدها لبعض المشاريع الغربية في المنطقة مثل مشروع أيزنهاور وغيره ، لكن ازدادت تدخلاتها في سوريا منذ سقوط الوحدة بين سوريا ومصر ، وهذا يعني أن تدخلاتها خلال الجزء الثاني من فترة الدراسة كان بارزاً أكثر من الفترة الثانية .

وهكذا فقد بينت هذه الدراسة أن التدخلات الخارجية قد ساهمت في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي الذي ساد سوريا خلال فترة الدراسة ، وذلك بمساهمة هذه العوامل في حدوث الانقلابات المتعددة التي حدثت في سوريا ، تلك الانقلابات التي أسقطت النظم المختلفة التي حكمت سوريا خلال فترة الدراسة والتي امتدت منذ عام 1943 وحتى عام 1963، وبالتالي نصل إلى صحة الفرضية بأن التدخلات الخارجية قد ساهمت في ظاهرة الانقلابات العسكرية التي أدت إلى عدم استمرارية أنظمة الحكم في سوريا .








المراجع

أولاً : الوثائق
1- الكتاب الأبيض الأردني :وثائق عن سوريا الكبرى ، ( عمان : دن ، 1947).

2-الكتاب الأزرق عن اتحاد بلدان الهلال الخصيب ، ( بغداد : دن ، 1943) .

3-ملخص محاضر مشاورات الوحدة العربية مع : " العراق ، شرقي الأردن ، المملكة العربية السعودية ، لبنان ، اليمن " ، ( القاهرة : مطبعة فتحي سكر ، 1949) .

4-محاضر جلسات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام في الاسكندرية ، (القاهرة : منشورات جامعة الدول العربية ، 1949) .

5- محاضر جلسات اللجنة الفرعية السياسية لوضع مشروع ميثاق جامعة الدول العربية ، القاهرة ، منشورات جامعة الدول العربية ، 1949.

6-محاضر جلسات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام في القاهرة ، صادر عن المفوضية الملكية العراقية بمصر بتاريخ 11/3/1945 .

7-محضر المؤتمر العربي العام في قصر الزعفران ، القاهرة ، منشورات جامعة الدول العربية ، 1949 .



ثانياً : الكتب

1. أبو شهيوة ، مالك عبيد ومحمود محمد خلف ، الأيديولوجية والسياسة : دراسات في الأيديولوجية السياسية المعاصرة ،( سرت : الدارالجماهرية للنشر والتوزيع 1993) .

2. أبي عاد ، ناجي وميشيل جريتون، النزاع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط ترجمة : محمد نجار، (عمان : الأهلية للنشر والتوزيع، 1999).

3. أرسلان ، عادل، مذكرات الأمير عادل أرسلان ، ( بيروت :دار الكتاب الجديد 1964).


4. الأحواز ، هدية جبهة تحرير عربستان ، عروبة الأحواز وخرافات حكام إيران (بغداد: مطبعة الحوادث ، 1975) .

5. الأمين ، حسن ، سراب الاستقلال في بلاد الشام 1918-1920 ، (بيروت : رياض الريس للكتب والنشر، 1998).


6. أمين ، جلال أحمد ، المشرق العربي و الغرب : بحث في مساهمة المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي والعلاقات الاقتصادية العربية ) ، ط3 ، ( بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1981) .
7. الأرمنازي، نجيب ، عشر سنوات في الدبلوماسية ، ( بيروت، دار الكتاب الجديد، 1964) .

8. أيوب، سامي ، الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان 1922-1958 (بيروت: دار الحرية للطباعة والنشر والتوزيع، 1968).


9. أيتين، برونو، عبد القادر الجزائري ، ترجمة ميشيل خوري ، (دمشق: دار عطية للنشر، 1997).
10. بدرالدين ، صلاح ، الحركة القومية الكردية في سوريا ، ( بيروت، رابطة كاوا للثقافة الكردية، 2003).

10. بوداغوفا ، بيير، الصراع في سوريا 1945، 1966 ، ترجمة ماجد علاء الدين وأنيس المتني، (دمشق: دار المعرفة، 1987).
11. بينروز، أديث وائي، إيف، العراق: دراسة في علاقات الخارجية وتطوراته الداخلية1915 – 1975 ، ترجمة : عبدالمجيد حسيب القيسي (بيروت : دار الملتقى ، 1989).

12. البيطار ، صلاح الدين ، السياسة العربية بين المبدأ والتطبيق ، ( بيروت : دار الطليعة ، 1960) .

13. البيطار ، نديم ، من التجزئة إلى الوحدة : القوانين الأساسية لتجارب التاريخ الوحدوية ، ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1980 ) .

14. التكريتي ، حردان، مذكرات وزير الدفاع العراقي الأسبق حردان التكريتي ، (طرابلس : المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، 1983).


15. البيه ، عبد المنعم وآخرون ، الاشتراكية العربية : المنهج و التطبيق ط2 ،(الاسكندرية : دار الجامعات المصرية ، 1965 ) .

16. الجابري ، محمد عابد، فكر ابن خلدون: العصبية والدولة ، ط6، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1994).


17. جمعة ، سعد ، مجتمع الكراهية ، (عمان : الأهلية للنشر والتوزيع والإعلان 2000).

18. جعفر، قاسم محمد، سوريا والاتحاد السوفياتي ، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1986).

19. الجندي ، سامي، البعث ، (بيروت : دار النهار للنشر، 1969).

20. الحكيم، يوسف، سوريا والعهد الفيصلي ، ط2، (بيروت : دار النهار للنشر 1980).


21. _________، بيروت، ولبنان في عهد آل عثمان ، ط2، (بيروت: دار النهار للنشر، 1980).

22. الحكيم ، حسن ، مذكرات: صفحات من تاريخ سوريا الحديث، 1920 – 1958 ، (بيروت : دار الكتاب الجديد، 1965).

23. _________، خبراتي في الحكم ، (عمان: إدارة مجلة الشريعة، 1978).


24. حسن ، حمدي عبد الرحمن، العسكريون والحكم في أفريقيا ، (القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1996).

25. الحصري ، أبو خلدون ساطع ، حول الوحدة الثقافية وبذورها (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).

26. __________________ ، الإقليمية: جذورها وبذورها ، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).

27. __________________ ، العروبة أولاً ، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).

28. __________________ ، العروبة بين دعاتها ومعارضيها ، ط2 (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1985).

29. __________________ ، دفاع عن العروبة ، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).

30. الحناوي، فارس قاسم ، صراع بين الحرية والاستبداد ، (دمشق: دار علاء الدين 2000).

31. الحوراني ، أكرم ، مذكرات أكرم الحوراني ، 4أجزاء ، (القاهرة : مكتبة مدبولي ، 2000) .


32. حمدان ، حمدان ، أكرم الحوراني رجل للتاريخ ، ( بيروت : بيسان للنشر والتوزيع والاعلام ،1996) .

33. حومد ، أسعد ، محنة العرب في الأندلس ، ( بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980).

34. الخزعلي ، أحمد نصار ، الأحواز ، الماضي ، الحاضر ، المستقبل (بغداد: شركة الشرق الأوسط للطباعة ،1990 ) .

35. خليفة ، عبد الرحمن ، أيديولوجية الصراع السياسي ، (القاهرة : دار المعرفة الجامعية، 1999).

36. دباغ ، صلاح ، الاتحاد السوفياتي وقضية فلسطين ، ( بيروت : منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث-، 1968).

37. دلاس ، ألن ، كنت رئيساً للسي أي إيه ، ترجمة : مصطفى الفقير (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1989).

38. دوتشير ، إسحق ، روسيا بعد ستالين ، ترجمة مصطفى الفقير ،(بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، 1979) .

39. دياب ، عز الدين، أكرم الحوراني كما أعرفه ، (بيروت : بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 1998).

40. __________، التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي ، ( القاهرة : مكتبة مدبولي، 1993).

41. راثمل، أندرو، الصراع السري على سوريا 1947-1961 ، ترجمة محمد نجار (عمان : الأهلية للنشر والتوزيع، 1997).

42. روندو، بيير، مستقبل الشرق الأوسط ، ترجمة نجدة هاجر وسعيد الغز (بيروت : المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1959).

43. رياض ، محمود، مذكرات محمود رياض: الأمن القومي العربي بين الإنجاز والفشل ، ج2، (القاهرة : دار المستقبل العربي، 1986).

44. زود هوف، هابنكة ، معذرة كولومبس لست أول من اكتشف أمريكا ، ترجمة: حسين عمران ، (الرياض: مكتبة العبيكان، 2001).

45. زين ، نور الدين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان ، ( بيروت : دار النهار، 1971).

46. السامرائي ، عبد الرزاق شفيق ، المشرق العربي : العراق ، سوريا لبنان ،(بغداد : وزارة التعليم العالي و البحث العلمي ،1980) .

47. سلامة ، غسان وآخرون، الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي جزءين (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1989).

48. سلامة ، غسان، المجتمع والدولة في المشرق العربي المعاصر ، ط2 (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).

49. سيل ، باتريك ، الصراع على سوريا: دراسة للسياسة العربية 1945 – 1958 ، ترجمة ، سمير عبده ومحمود فلاحة، ( بيروت : دار الكلمة للنشر، 1980).

50. الشاعر ، جمال، سياسي يتذكر ، (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر د س ن).

51. شاكر ، أمين، مذكرات ، (القاهرة: دار الخيال، 1999).

52. شارون ، أرييل ، مذكرات أرييل شارون ، ترجمة: أنطون عبيد، (بيروت: مكتبة بيسان، 1992).

53. الشابندر، موسى، ذكريات بغدادية: العراق بين الاحتلال والاستقلال (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).

54. الشلق ، زهير، من أوراق الانتداب ، (بيروت: دار النفائس، 1989).

55. صادق، محمود ، حوار حول سوريا ، (لندن: دار عكاظ، 1993).

56. الصفدي ، مطاع، التجربة الناصرية والتجربة الثالثة ، (بيروت : مؤسسة الأبحاث العلمية العربية العليا ، 1973).

57. طربين ، أحمد ، الوحدة العربية 1916-1945 : بحث في نضال العرب من أجل التحرر والوحدة منذ قيام الثورة العربية حتى نشوء جامعة الدول العربية ، ج1 (دمشق : مطابع دار الهلال ، 1963 ) .

58. عبده، سمير ، حدث ذات مرة في سوريا ، ( دمشق: منشورات دار علاء الدين ، 2000).

59. عبد النبي ، ناجي ، سوريا وصراع الاستقطاب ، (دمشق: دار ابن عربي ، د ت ن).

60. العشي ، محمد سهيل ، فجر الاستقلال في سوريا: منعطف خطير في تاريخها" (بيروت: دار النفائس ، 1999).

61. العجيلي، عبد السلام، ذكريات أيام السياسة ، ج2، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).

62. العقاد، صلاح ، المشرق العربي 1985-1958: العراق، سوريا، لبنان (القاهرة : معهد البحوث والدراسات العربية ومطبعة الرسالة، 1966).

63. عيسى، حبيب ، السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي ، (بيروت: دار المسيرة ، 1978).

64. الغادري ، نهاد ، التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية ، (بيروت : دار الكاتب العربي ، 1969 ).

65. الغزالي، محمد ، حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998).

66. ________ ، الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1998).

67. غليون، برهان ، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات ، (بيروت: دار الطليعة ، 1979) .

68. ________ ، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة ، (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1990).

69. فان دام، نيقولاوس، الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961-1995 ، ط2، ( القاهرة : مكتبة مدبولي 1995).

70. بشير فنصة ، النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا ، ( دمشق : دار يعرب، 1996).

71. الفكيكي، هاني، أوكار الهزيمة: تجربتي في حزب البعث العراقي (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).

72. قاسمية، خيرية، الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه وعادل العظمة (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991).

73. ________ ، الحكومة العربية في دمشق بين 1918-1920 (القاهرة : دار المعارف بمصر ، 1971 ) .

74. قلعة جي، عبدالفتاح رواس، حلب القديمة والحديثة ، ( بيروت: مؤسسة الرسالة، 1989).

75. كاوتسكي، جون، التحولات السياسية في البلدان المتخلفة ، ترجمة: جمال نعيم عون، ( بيروت: دار الحقيقة، 1980).

76. الكزبري ، سلمى الحفار ، لطفي الحفار 1885-1968 ، مذكراته ، حياته وعصره ، ( لندن : رياض الريس للكتب و النشر ، 1997 ) .

77. كوبلاند، مايلز ، لعبة الأمم ، ترجمة : مروان خير،( بيروت: د د ن ، 1970)

78. الكوراني، أسعد ، ذكريات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت ، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).

79. لورانس، هنري، اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية ، ط2 (بنغازي : دار الكتب الوطنية، 1993).

80. ليفين ، ز. ل ، الفكر الاجتماعي و السياسي الحديث في لبنان وسوريا ومصر ترجمة بشير السباعي ، ( بيروت : دار ابن خلدون ، 1978 ).

81. مار، فيبي ووليم لويس (تحرير)، امتطاء النمر: تحدي الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة ، ترجمة : عبد الله جمعة الحاج ، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1995).

82. ماعوز، موشيه، سوريا وإسرائيل: من الحرب إلى صناعة السلام ترجمة: لينا وهيب ، (عمان: دار الجليل للنشر، 1998 ) .

83. ___________ ، وآخرون، الجولان بين الحرب والسلام ، ترجمة: أحمد أبو هدية، (بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق ، 2001).

84. مسعد، نيفين عبد المنعم، الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة 1988).

85. مصطفى، أمين ، العلاقات الأمريكية الصهيونية ، (بيروت: دار الهادي 1993).

86. مطر ، جميل وعلي الدين هلال ، النظام الإقليمي العربي : دراسة في العلاقات السياسية العربية ،( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية 1980 ).

87. المنجد، صلاح الدين ، مدينة دمشق ، ( بيروت: دار الكتاب الجديد 1967).

88. منصور، ممدوح محمود مصطفى، الصراع الأمريكي السوفياتي في الشرق الأوسط ، ( القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).

89. مجهول المؤلف ، الخديعة الكبرى ، ( د م ن : لجنة البحوث والتوثيق بالطريقة العزمية، 2004).

90. ناتنج، أنتوني، ناصر، ط2، (القاهرة : مكتبة مدبولي، 1993).

91. نامق ، صلاح الدين وآخرون ، الاشتراكية العربية ، ط2 ، (القاهرة : دار المعارف بمصر ، 1966 ) .

92. النعيمي، أحمد، تركيا والوطن العربي ، (طرابلس : أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية، 1998).

93. النقيب، خلدون حسن ، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر ط2 (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 1996).

94. _____________، في البدء كان الصراع ، (بيروت : دار الساقي 1997).

95. نكديمون، شلومو، الموساد في العراق ودول الجوار ، ترجمة : بدر عقيلي (عمان: دار الجليل،1997).

96. نور الدين ، محمد ، تركيا الجمهورية الحائرة ، (بيروت : مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1998).

97. هلال ، محمد طلب، دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة) ، ( بيروت : دار كاوا للنشر والتوزيع 2001).

98. هلال ، علي الدين ، العرب والعالم ، ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية 1988) .

99. __________ ، أمريكا و الوحدة العربية 1945-1982 ، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1989 ) .

100.هلال ، علي الدين وبهجت قرني ، السياسية الخارجية للدول العربية ط2 ترجمة جابر سعيد عوض ، ( القاهرة : مركز البحوث و الدراسات السياسية 2002 ) .

101.هلال ، علي الدين ، ونيفين مسعد ، النظم السياسية العربية : قضايا الاستمرار والتغيير ، ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 2005) .

102.هويدي، أمين، العسكر والأمن في الشرق الأوسط: تأثيرهما على التنمية والديمقراطية ، (بيروت : دار الشرق ، 1991).

103.هيكل، محمد حسنين، ما الذي جرى في سوريا ، ( القاهرة : دار الخيال 1962).

104.ووليش، ديفيد، سوريا وأمريكا ، (ليما سول قبرص : دار الملتقى للطباعة والنشر، 1985).

105.ياسين ، السيد ، تحليل مضمون الفكر القومي العربي : دراسة استطلاعية (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1980 ) .





ثالثاً : الدوريات

1. أحمد دياب ، " تركيا و إسرائيل : أزمة عابرة أم منافسة مستمرة " ، السياسة الدولية ، العدد 158 ، أكتوبر 2004 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/ahram/2004/10/1/TOCC0.htm .

2. بشير عبد الفتاح ، " العلاقات الأمريكية التركية " ، السياسة الدولية ، العدد 150 أكتوبر 2002 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/ahram/2002/10/1/TOCC0.htm


3. جهاد عودة ،" التحالف العسكري التركي الإسرائيلي " ، السياسة الدولية ، العدد 153 ، يوليو 2003 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/ahram/2003/7/1/TOCC0.htm.

4. جولييت المير ، " جولييت المير تروي حكايتها مع مؤسس الحزب القومي السوري " ، الشرق الأوسط ، العدد 9250 ، مارس 2004 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني: http://www.aawsat.com/results.asp?search=+%CC%E6%E1%ED%ED%CA+%C7%E1%E3%ED%D1&goSearch.x=6&goSearch.y=6 .


5. حسن نافعة ، " عبد الناصر والصراع العربي الإسرائيلي بين الادراك والإرادة " السياسة الدولية ، العدد 143 ، يناير 2001 ، مأخوذ من الموقع : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/ahram/2001/1/1/TOCC0.htm.

6. سامح راشد ، " سوريا ولبنان : حسابات تقليدية وتحديات جديدة " ، السياسة الدولية ، العدد 159 ، إبريل 2005 ، مأخوذ من الموقع الاكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/Archive/index.asp?dd=1&mm=4&yy=2005 .

7. السيد أمين شلبي ، " نظرة على السياسة الخارجية المصرية في خمسين عاما 1952-2002 " ، السياسة الدولية ، العدد 149 ، يوليو 2002 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/ahram/2002/7/1/TOCC0.htm

8. عبد العظيم رمضان ، " أخطاء ثورة 23 يوليو " ، الشرق الأوسط ، العدد 8639 يوليو 2003 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.aawsat.com/sections.asp?section=3&issue=8639


9. لياس فرح ، " الهوية الثقافية العربية ومحاولات تفتيت الوطن العربي " ، مجلة الحكمة ، ( بغداد : مايو 1998 ) ، ص 8 .

10. محمد بشير حامد ، " آراء في مفهوم الشرعية " ، المستقبل العربي ، العدد 94 ديسمبر 1986 .


11. محمد سيد أحمد ، " نحو عقد إجتماعي عربي : بحث في الشرعية الدستورية " المستقبل العربي ، العدد 113 ، يوليو 1988 ، ص ص 95-148

12. محمد السيد سليم ، " ثورة يوليو والمساهمة الخارجي المصري " ، السياسة الدولية ، العدد 149 ، يوليو 2002 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/ahram/2002/7/1/TOCC0.htm


13. مصطفى عبد العزيز مرسي ، " العلاقات العراقية السورية نحو مزيد من التأزم " السياسة الدولية ، العدد 162 ، أكتوبر 2005 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني: http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/Archive/index.asp?dd=1&mm=4&yy=2005 .

14. محمد عبد الشفيع عيسى ، " المشروع السياسي للوحدة العربية في الخبرة الدولية المقارنة " ، السياسة الدولية ، العدد 160 ، إبريل 2005 ، مأخوذ من الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/Archive/index.asp?dd=1&mm=4&yy=2005 .



رابعاً : الرسائل العلمية

1- محمد بشير الصيد، الحكم وإشكالية الاستقرار السياسي: دراسة مقارنة بين النظامين الفرنسي والليبي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( طرابلس : أكاديمية الدراسات العليا، 1998).

2- خالد محمد العابد ، العسكريون والحكم في سوريا من 1949 حتى 1958 ، رسالة ماجستير غير منشورة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، (القاهرة : جامعة القاهرة 1981) .



خامساً : شبكة المعلومات العالمية ( إنترنت)




1. وثائق صادرة عام 1947
http://nakba.sis.gov.ps/nakba48/1947.html


2. وثائق صادرة عام 1948
http://nakba.sis.gov.ps/nakba48/1948.html



3. مذكرة نوري السعيد حول توحيد بلاد الشام ثم اتحاد عراقي شامي
http://nakba.sis.gov.ps/nakba48/1943.html#

4. مصطفى عاشور ، انقلاب "الزعيم".. واختراع التسعات الأربع ، http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/10/article39.shtml#11
ج

5. شاهد على العصر، أمين الحافظ ، 2002 ،

WWW.Aljazeera.net


6. خالد بكداش 1912-1995 ،
http://www.ahrarsyria.com/art-6-22-17.htm

7. سلامة كيلة ،الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=37847

8. د. جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية يدعو إلى تشكيل أوسع جبهة شعبية عربية لمساندة المقاومة اللبنانية والفلسطينية http://www.al-mounadhil-a.info/article.php3?id_article=711

9. صبحي غنمساهمة مقالات - في الذكري الـ 85 لميلاد الزعيم المصري الراحل - موسكو استدرجت عبد الناصر بمعلومات خاطئة فأغلق مضيق تيران http://www.azzaman.com/azzaman/articles/2003/01/01-06/788.htm
10. مهدي دخل الله ، البعث والراهنية ،

http://www.baath-party.org/ta/articles_11.htm

11. ممدوح الشيخ ، هل عداؤنا للولايات المتحدة يمنعنا من أن نحترمها ،
http://www.alwafd.org/fromd/ special-deta.php?id-SPC-39
12. آل سعود في بر الشام (1932- 2005)
http://www.arabinfocenter.net/?d=43&id=6384

13. شادي قحوش ، لماذا هذا الحقد يا فايز اسماعيل .
http://www.souriana.com/modules/news/article.php?storyid=422

14. وحيد تاج ، أول حزب سوري يخرج للعلن
http://www.islamonline.net/Arabic/history/orticleos.shtm/
جج
15. المدخل الفلسطيني للإعلام ، مدخل الى القضية الفلسطينية
http://www.palestine-info.info/arabic/qadhya/madkhal.htm
ج


16. صبحي غنم ، مساهمة مقالات - في الذكري الـ 85 لميلاد الزعيم المصري الراحل - موسكو استدرجت عبد الناصر بمعلومات خاطئة فأغلق مضيق تيران
http://www.azzaman.com/azzaman/articles/2003/01/01-06/788.htm
ج

17. متخصصون يتدارسون أسباب الانقلابات العسكرية بالسودان
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/5B2D04E2-9B97-4C7C-953A-CD2E9CF418FB.htm



18. موريتانيا.. من الانقلاب العسكري إلى الانقلاب السياسي
http://www.islamonline.net/Arabic/politics/
2003 /06/article14.shtml

19. ملف الانقلابات العربية.. القوى الكبرى http://www.aljazeera.net/NR/exeres/10744815-8D46-4946-B7EA-A92A00AnAAB8A.htm



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة عمل مقترحة لمنظمات حقوق الإنسان
- المرأة السورية قدوة المرأة العربية في النضال والتضحية
- بروز ظاهرة الفقر في سوريا في العهد الأسدي الدوافع والأسباب
- انهيار التنمية السياسية و التنمية الاقتصادية وأثر ذلك على ال ...
- العلاقات بين الدول العربية وجمهورية جنوب أفريقيا بعد الأبارت ...
- مأساة المجتمع الأسري في العهد الأسدي
- قصيدة عنوانها / الطبيب الحاكم/
- ما أهداف الثورة السورية ومطالبها وتطلعاتها
- ماذا حققت الثورة السورية في شهرها الحادي عشر
- النرجسية ودورها السلبي على الثورة السورية
- حول فساد التعليم في العهد الأسدي
- الرد على أبواق النظام السوري حول المؤامرة الكونية عليه –الجز ...
- الرد على أبواق النظام السوري حول المؤامرة الكونية عليه -الجز ...
- فساد التعليم في ظل حكم الأسدين
- الجامعة العربية جامعة أنظمة عربية وليست جامعة شعوب
- من أجلك سوريا
- النظام السوري والنفق المظلم
- اجتماع الجالية السورية في الجزائر دعما للثورة السورية
- التعليم في سوريا في عهد الملك فيصل وتطورات الوضع الداخلي الس ...
- التعليم في سوريا منذ العصور القديمة وحتى نشوء المملكة السوري ...


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - مساهمة العوامل الخارجية في عدم الاستقرار السياسي في سوريا - دراسة حالة التدخلات الخارجية في الانقلابات العسكرية في سوريا خلال الفترة (1943-1963) -