أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسن الجنابي - الاستبداد والتنمية في العراق















المزيد.....

الاستبداد والتنمية في العراق


حسن الجنابي

الحوار المتمدن-العدد: 250 - 2002 / 9 / 18 - 04:41
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


د. حـسـن الجـنـا بـي

 

 

 عندما سؤل مؤسس الحركة البيئية المعاصرة ماكس نيكلسون عن برنامج الحركة أجاب أنها لاتحتاج الى برنامج لسبب بسيط هو أن كل إجراءات الحكومة البريطانية مسيئة للبيئة وبالتالي فبرنامجنا هو معارضة كل برامج الحكومة!!.

وواقعا فإن المقولة أعلاه لاتبتعد كثيرا عن الحقيقة في العديد من مناطق العالم، إلا أنها لاتنطبق على بلد أخر بقدر إنطباقها على العراق خاصة منذ مجيء سلطة البعث في عام 1968. فقد توافقت الزيادة في واردات البلاد من عوائد النفط مع العقلية الحاكمة لتنتج خططا "إنفجارية" كانت البيئة العراقية أولى ضحاياها، اضافة الى كونها هدرا لموارد البلاد المالية والاقتصادية. فكيف يتسنى لخطة تنموية أن تكون انفجارية؟ فالتخطيط، كمفهوم، ينطوي على الاخذ بالحسبان العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية، التي من شأنها إنجاح مشروع ما أو تنمية قطاع أو اقليم على المدى البعيد. صحيح أن هناك إجراءات تتخذ من شأنها تسريع انجاز خطة بعينها أو وضع برامج قصيرة الاجل وما أشبه، إلا أن ذلك يحدث في سياق منهجي ومدروس وبما لايتعارض مع الاتجاه العام للتنمية بعيدة الاجل تصبح معها البرامج قصيرة المدى مراحل متتابعة تصبو بالأخير الى تحقيق هدف أبعد يضمن تراكما للثروة مع الحفاظ على موارد الطبيعة.  أما إذا كانت الخطة "انفجارية"، فلابد أن تكون تدميرية لا تنموية، ومن شانها العبث بموارد الطبيعة واستنفاذها وخلخلة توازناتها لتحقيق منافع آنية، كانت دائما في العراق ذات طابع أيديولوجي دعائي.

ففي مطلع السبعينات، مثلا، أنشأت الحكومات الغربية، استجابة لضغوط الرأي العام واعترافا بالتدهور البيئي،  مؤسسات مستقلة ذات صلاحيات كبرى لحماية البيئة (Environment Protection Authority) ووضعت قوانين صارمة بهذا الشان. وفي العراق عينت "حكومة الثورة" عزة الدوري وزيرا للزراعة (في ضوء خبرته ببيع الثلج) فانشغلت وزارته بتسعير البصل والطماطة والفجل. وأنشأت كذلك مؤسسة التربة واستصلاح (تخريب)  الاراضي، فانهمكتا (الوزارة والمؤسسة) بتنظيم حملات "العمل الشعبي" التي يساق خلالها الموظفون والمهنيون والمهندسون والطلبة والفلاحون والعمال الى أعمال صبيانية تتخللها "الهوسات" المبتذلة والشعارات المتخلفة الزائفة، بعيدا عن العمل المنتج.

كما خصصت الاموال الطائلة لمشاريع نفذتها شركات نفعية في ظل أنظمة ادارية فاسدة قائمة على اساس الواسطة والغياب التام لأية شفافية أو منافسة شريفة أو محاسبة. وأسست "جمعيات فلاحية" غاية في التخلف وانعدام المسؤولية كانت عمليا تشجع الفلاحين على ترك الفلاحة والانخراط في العمل "الوطني" القائم على تنظيم المسيرات الشعبية، والاحتفالات بتأسيس "الحزب القائد" وثورة "السابع عشر-الثلاثين من تموز" الى اخر المزبلة.

كما شهدت تلك الفترة حملة حكومية مكثفة، مازالت مستمرة للآن، لبناء السدود الكبيرة على نهري دجلة والفرات، ترافقت مع حملة إقليمية مشابهة في الدولتين المتشاطئتين الاخريين، سوريا وتركيا، أدت بالنتيجة الى وضع مائي وبيئي كارثي في العراق. فالسدود المائية هي وسيلة للتحكم بجريان الانهار ومنع الفيضان. وفي ظل حكم بوليسي قائم على السرية والتعتيم على المعلومات، تستخدم السدود لتكريس السيطرة الشاملة للحكومة على مصائر السكان عن طريق التحكم بشريان الحياة: الماء.

فالمعروف أن المشهد البيئي العراقي يرتبط تاريخيا بفيضان الرافدين، وهو فيضان الخير والبركة والعنفوان الذي يجدد خصوبة الارض ويغذي الاهوار بما تحتاجه سنويا من المياه لإنعاش دورة الحياة، الاقتصادية منها أم الايكولوجية، واسناد التنوع البيولوجي حتى موسم الفيضان اللاحق. ويجب، بيئيا، عدم كبح فيضان الانهار، إلا لتقليل الخطر على حياة السكان وممتلكاتهم.

ومما زاد الامر سوءا في العراق هو فشل الحكومة في التوصل الى اتفاقات عادلة بشأن الحقوق المائية للدول المتشاطئة، وهو فشل تتحمله، بالنسبة للمجتمع العراقي، الحكومة العراقية بحكم مسؤوليتها، أي بإعتبارها (أو هكذا يفترض) راعية للمصالح العليا للوطن. وهذا لايعني عدم وجود عوامل أخرى فاقمت من حدة المشكلة (كالموقف التركي المتشدد والعدواني من مياه النهرين على سبيل المثال) وأدت بالتالي الى خسارة العراق لحقه التأريخي بمياه الرافدين، وهي خسارة كارثية بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، فيكفي الحاكم التركي الآن أن يغلق بوابة سد اتاتورك ليقطع شريان الحياة عن نصف العراق: نهر الفرات.

لقد أصدرت حكومة "الحزب والثورة" مئات القوانين التي هدفت الى تطبيق "ثوري"  "للاصلاح الزراعي" والقضاء على بقايا الاقطاع. وفي هذه، كما في مئات الحالات الاخرى، لم يأت بعثيوا العراق بشيء جديد غير المزيد من الخراب البيئي والاقتصادي. فالاصلاح الزراعي مطلوب في العراق منذ زمن طويل. وقد كان شعارا اساسيا من شعارات الحركة الوطنية العراقية، ولايزال يمثل ركنا مهما في أية محاولة جدية لإعادة بناء العراق الجديد. ومن سوء حظ العراقيين أن محاولات تطبيقه عقب ثورة 14 تموز 1958 جرت بصورة ارتجالية اقتصرت على إنتزاع الاراضي من الاقطاعيين والملاكين الكبار وتوزيعها على الفلاحين الفقراء. وهذا عمل تبدو دوافعه الانسانية واضحة ويجد تفهما لدى دعاة العدالة الاجتماعية من المنخرطين في العمل السياسي في العراق آنذاك، الا أنه بتر عن كل مايؤدي الى نجاحه على المستويين الاقتصادي (الانتاجي بالذات) والانساني كذلك (عدم وجود اليات تضمن توزيعا عادلا للاراضي مثلا أو مشكلة التعويضات وغيرها). فكيف يمكن لفلاح معدم أن يضمن انتاجية الارض؟ بالارادة وحدها؟.

لم يكترث بعثيو العراق بمصير الارض ولا الفلاحين وطغت شعارات محاربة الاقطاع الكاذبة على كل اجراءاتهم الاقتصادية خاصة ماتعلق منها بـ "الاصلاح الزراعي" . فالاهتمام بالارض والاقتصاد الزراعي ككل تراجع الى أدنى مرتبة في أولويات السلطة في ظل فورة اسعار النفط والسيولة النقدية التي وفرتها لها. فالاقطاع كمنظومة اجتماعية-اقتصادية نمت وتطورت عبر زمن طويل. وهو، كنظام للعلاقات الانتاجية، ومهما كان جائرا ومتخلفا، قد ضمن انتاجية عالية نسبيا للارض إضافة الى ضمان تشغيل فئات كبيرة من السكان وإبقاء الاقتصاد الزراعي حيا.

لذا كان لابد لأي إجراء يتوق لإصلاحه أو إلغاءه أن يعتمد مبدأين: أولهما العمل للمحافظة على إنتاجية الأرض وزيادتها حيث أمكن، وثانيهما العمل الصبور على القضاء التام على الجور والطغيان والظلم التأريخي الذي لحق بالفلاحين عبر السنين، أي معالجة الجوانب الإنسانية (اللاإنسانية بالأصح) التي رافقت نشوءه.

 إن معالجة هذين الجانبين (الاقتصادي والانساني) فضلا عن الجوانب البيئية، لايمكن أن تتم بين ليلة وضحاها وهما أكبر من مجرد الاستيلاء على أراضى الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين أو إنشاء "التعاونيات الزراعية" البيروقراطية التي خصصت لتشغيل الحزبيين وضمان حصصهم من الرشوة.

لذا فالعمل من أجل إنقاذ البيئة العراقية، اضافة الى إرتباطه العضوي ببناء عراق ديمقراطي جديد، هو مسعى مقدس ضد العسف والتغيير القسري لأنماط الحياة والقضاء على التنوع الذي يمنح الطبيعة سر جمالها وعطاءها.

 

 

 

 



#حسن_الجنابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطغاة وهوس السلطة - العراق نموذجا
- ملاحظات حول العمل الحزبي المعارض
- ألحرب ضد الارهاب تتحول الى عقيدة سياسية
- المواطن ومحيطه في الدولة المستبدة
- إشكالية المناخ والبيئةوالديمقراطية السياسية


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسن الجنابي - الاستبداد والتنمية في العراق