أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - تفاهة الشر..!!














المزيد.....

تفاهة الشر..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3687 - 2012 / 4 / 3 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قرأت في الأيام القليلة الماضية كتاب عبد الرحمن شلقم "أشخاص حول القذافي". هذا الكتاب مفيد جداً للمؤرخين والباحثين في علم النفس السياسي، وعلوم السياسة والاجتماع، ولكل الراغبين في استراق النظر والتلصص على جماهيرية العقيد، ولو بأثر رجعي.
الكتاب ضخم، يتكوّن من عدة مئات من الصفحات، ويمثل قراءة تحليلية لعدد من الشخصيات الرئيسة، التي أحاطت بمعمر القذافي، وكانت أدواته في ممارسة السلطة المطلقة، والبقاء في سدة الحكم على مدار أربعة عقود من الزمن. العقود التي شهدت تفكيك الدولة الليبية، وتخريب المجتمع، وتجهيل جيلين، على الأقل، من الليبيين.
كان السيد شلقم أحد أعمدة النظام، وقد اختار القفز من سفينته الغارقة في وقت مبكّر، وأسهمت محاولته تلك في تحريض آخرين في سلك الدبلوماسية الليبية على الانشقاق. وهذا ما يُحسب له. وبالقدر نفسه يُحسب له، بعد هذا الكتاب، تقديم شهادة عن جماهيرية، وشخصية العقيد، وأدوات حكمه تفيض بالتفاصيل، وتنم عن معرفة بدقائق الأمور.
قبل طرح أسئلة من نوع: إذا كانت جماهيرية العقيد على هذا القدر من البشاعة والتفاهة، وكنتَ على هذا القدر من النـزاهة والحساسية، لماذا تأخرت أربعين عاماً في القفز من السفينة؟
قبل أسئلة كهذه ثمة ما يستحق النظر في الصور القلمية، التي رسمها السيد شلقم، لرجال القذافي ونسائه، فقد استخدم منهج التحليل النفسي، وحاول بتأثير من ميول أدبية واضحة، تقصي المصائر التراجيدية لأشخاص ألقت بهم الأقدار على باب خيمة القذافي، أو سعوا بأرجلهم إليها.
وما يستحق النظر، هنا، يعيد التذكير بما ذهبت إليه حنا آرنت في تحليلها لشخصية أيخمان، وللنظام النازي بشكل عام. وأعني بذلك تفاهة الشر. فالشر سواء تجسّد في نظام بعينه، أو تجلى في شخصية من شخصياته، يبدو عادياً وتافهاً إلى حد بعيد. لا شيء في سيرة معمر القذافي، والشخصيات التي أحاطت به يوحي بمواهب خاصة، أو قدرات ذهنية استثنائية، أو حتى بمشاغل وهموم غير اعتيادية. ثمة ما لا يحصى من تجليات التفاهة، التي غالباً ما تتاخم حد كوميديا هزلية رخيصة. وفي هذا الحد، بالذات، تكتمل كل عناصر المأساة.
فلنفكر في الطرفة التالية المذكورة في الكتاب: في أحد مؤتمرات اللجان الشعبية انتخب الحاضرون عدداً من الأشخاص لشغل مناصب وزارية، وكان بينهم شخصان يرد في اسميهما (الاسم الأول أو الثاني أو اسم العائلة) اسم الزناتي وأبو زيد.
عندما عُرضت قائمة الأسماء على القذافي للموافقة عليها طلب من حاملي القائمة البحث عن امرأة اسمها الجازية، وتعيينها بمرتبة وزير، ليكتمل في الحكومة مثلث السيرة الهلالية: أبو زيد، والزناتي، والجازية. بمعنى آخر كان يمكن لامرأة تحمل اسم الجازية أن تصبح وزيرة في ليبيا لتمكين الأخ القائد من إعادة إنتاج وتمثيل وإخراج السيرة الهلالية على الأرض، وفي السياسة.
ولكن إذا تغاضينا عن تفاهة الأخ القائد وشخصيات نظامه، تجدر بنا العودة إلى سؤال سابق: لماذا تأخر شلقم في القفز من السفينة. يقدّم شلقم في الفصل الأخير إجابة محتملة، عندما يضع نفسه بين تلك الشخصيات، ويحلل نفسه ومواقفه بقدر مدروس من التجرّد والموضوعية، فقد أخذته موجة القذافي وسبحت به بعيداً، لكنه لم يغمض عينيه، على غرار شخصيات أخرى، عن الحقيقة، وحاول قدر الإمكان أن يؤدي واجبه. وهذا التحليل، للأسف، غير مُقنع.
يوفر الكتاب نفسه إجابة مغايرة. في الكتاب ما لا يحصى من الأخطاء الطباعية، والنحوية، والتراكيب اللغوية المغلوطة، إلى حد يوحي بأن الكاتب أملى كتابه على شخص آخر. إذا كان الأمر كذلك، فإن أمراً كهذا يحسب عليه، إذ يستحق الكتاب جهداً وجدية أكبر مما تجلى فيه.
ومن ناحية أخرى، إذا افترضنا أن الأمر السابق لم يحدث، نجد أنفسنا أمام مشكلة حقيقية. فقد بدأ السيد شلقم حياته المهنية صحافياً في أوائل السبعينيات، ثم تولى تحرير صحيفتين من صحف القذافي، وبعدها تقلّد مناصب رفيعة في دولة العقيد ما بين وزير، ورئيس للوزراء، ووزير للخارجية، ومندوب في الأمم المتحدة. فكيف يستقيم الأمر، خاصة وأن اهتمام الكاتب بالشعر والأدب يتجلى في ما لا يحصى من الصفحات، التي يرصع بعضها بأبيات من الشعر العربي للتدليل على هذا الموقف أو ذاك؟
لا يمكن للأمر أن يستقيم (بمعنى أن تكون ضعيفاً في اللغة والثقافة والتحليل، وأن تصبح مثقفاً كبيراً، ورئيساً للتحرير، ثم تتولى مقاليد الوزارة وما شئت من المناصب العامة) إلا في الأنظمة الشعبوية، التي لا يعتمد النجاح فيها على الكفاءة بل على الولاء. وفي عالم العرب الكثير من هؤلاء، إذا قلت لهذا الشخص أو ذاك: أنت لا تجيد الكتابة يتهمك بالعمالة للإمبريالية، والعداء للنظام، وخيانة الأمة.
على أية حال، يتحلى السيد شلقم بحس الفكاهة، وبقدرة واضحة على حسن التصرّف، وسرعة البديهة، وكما يتجلى في الكتاب فقد أسهمت أبيات من الشعر، وطرائف ونوادر يحفظ منها الكثير، في إخراجه من مآزق صعبة، ومواقف حرجة، في زمن القذافي. وهذه ميزة إضافية، وكفاءة نادرة تمكّن هذا الشخص أو ذاك من التأقلم مع أنظمة الطغاة.
مهما يكن من أمر، الكتاب ممتع ومفيد في فهم آليات الولاء، وكفاءة البقاء في سدة الحكم، وعلى حوافها، في ليبيا وغيرها. وفي السياق نفسه ضروري لفهم معنى ومبنى تفاهة الشر.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع بعينين أوسع قليلاً..!!
- كل عام وأنت بخير يا محمود درويش..!!
- بنغازي سورية في حمص، ولماذا أحبطها الأميركيون!!
- في رثاء ماري كولفن..!!
- السباحة في الماء بلا بلل..!!
- رسالة إلى الرقم 1842..!!
- لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
- مديح العام 2011..!!
- البيان والتبيين في خلافة المسلمين..!!
- المحبوب والعزيز والوارث، وكلهم زعماء..!!
- صعد الإسلاميون، وماذا بعد؟
- مصطفى موند..!!
- نهاية النظام في الأفق..!!
- سايكس بيكو الجديدة أم أغنياء النفط..!!
- معمّر القذافي، نهاية لا تليق بملك..!!
- في وداع فرانسوا أبو سالم..!!
- لماذا كلما اقتحموا مدينة عادوا إليها، وما وجه الشبه بين ليبي ...
- مبروك يا طرابلس والعقبى لأختك دمشق..!!
- عن العدوان الثلاثي، ومسلسل في حضرة الغياب..!!
- الإرهابي الأشقر وعيونه الزرقاء..!!


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - تفاهة الشر..!!