أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين بيومى - عرض كتاب نحو فهم أشمل للقوى الكونية















المزيد.....



عرض كتاب نحو فهم أشمل للقوى الكونية


حسين بيومى

الحوار المتمدن-العدد: 3687 - 2012 / 4 / 3 - 10:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عرض كتاب نحو فهم أشمل للقوى الكونية
حسين بيومي
المؤلف : جون جريبين
المترجم: صلاح الدين إبراهيم حسب النبي
الناشر: المركز القومي للترجمة – مصــر

هذا الكتاب أحد كتب الباحث والكاتب العلمي الإنجليزي جون جريبين الحاصل على الدكتوراه في الفيزياء الفلكية، والذي أصدر عشرات الكتب في الثقافة العلمية لغير المتخصصين، وأصبح معروفاً على نطاق واسع بكتابه "البحث عن قطة شرودنجر" الذي صدر عام 1984. والموضوع الذي يشغله كباحث هو تقدير عمر الكون.
وكتابه هذا الذي صدرت طبعته الأولى عام1997 وطبعته الثانية عام 1999هو أيضاً، حسب مقدمة المترجم، ليس موجهاً للمتخصصين، ولكنه يحكي بأسلوب واضح وبعيد كل البعد عن الصياغات الرياضية قصة محاولات الفيزياء نحو فهم أعمق للكون، والقوانين التي تحكم عالم الجسيمات متناهية الصغر داخل الذرة وتحكم أيضاً المجرات والكون.
وفي تصديره للطبعة الثانية من الكتاب، التي بين أيدينا، يقول المؤلف "القصة التي أحكيها في هذا الكتاب تدور حول كيفية بناء الأساس المتين لنظرية م أكثر منها حول أقصى ما انتهت إليه الدول المتقدمة في العلم اليوم.
ونظرية م- وكما سنعرف بالتفصيل في ثنايا الكتاب –التي كانت تسمى في البداية نظرية الأوتار، هي تنويعه جديدة على لحن قديم، ويطلق عليها أحياناً "نظرية كل شيء" لأنها تصف كل الجسيمات المادية وتضع كل القوى الطبيعية في خدمة واحدة.
والقصة التي يحكيها المؤلف (وإن كان من الخطأ أن يُقرأ الكتاب العلمي حتى لو كان مبسطاً بنفس الطريقة التي تقرأ بها القصص كما يقول العالم الكبير "ألبرت أينشتاين" )تشتمل على فصول أربعة ومقدمة تدور حول اكتشاف اللبنات الأساسية في تركيب العالم المادي، وفيزياء الكم، وماهية الجسيمات والمجالات، والحاجة إلى نظرة واحدة موحَّدة للفيزياء، وأخيراً توضيح معنى التماثل.
ومع أن التصورات الذهنية هي القوة الدافعة للفيزياء النظرية، وما يعد خيالاً اليوم قد يصبح حقيقة مؤكدة غداً، إلا أن المؤلف يحرص على الإشارة إلى أنه سوف يستبعد التصورات ويلتزم بالحقائق المؤكدة والمثبتة فقط [وهذا في رأيي يصدق جزئياً، فبعض فقرات الكتاب مملة وصعبة وكما علمنا أينشتاين أيضاً فإن القارئ عليه التحلي بالصبر أثناء القراءة "ولكي يفهم أية صفحة يجب أن يقرأ الصفحات السابقة بعناية"] وأنا أنصح القارئ، غير المتخصص بالطبع، بعدم التمعن كثيراً في الحديث المبتسر عن محاولة تفسير نظرية م للانفجار الكبير والقفز مباشرة إلى قراءة المقدمة، التي يوجز فيها المؤلف معلومات ومبادئ راسخة يدرسها التلاميذ في المدارس منذ عام 1911 وحتى اليوم، ثم باقي الفصول تباعاً.
تعرض المقدمة بإيجاز شديد تطور النظرية الذرية منذ ديمقريطس مروراً بطومسون، وتفتيت الذرة، لأول مرة، وما ترتب على ذلك من ظهور مفهوم الإلكترونات السالبة والأيونات الموجبة، إلى كيف أدى اكتشاف المواد المشعة إلى الحصول على حقائق جديدة على يدارا ذرفورد ، الذي وضع النموذج الأساسيّ للذرة، والذي يعرف باسم نظرية راذرفورد، وفيما بعد اكتشفت النيوترونات المتعادلة كهربياً داخل النواة، وصاحبها ظهور مفهوم النظائر: حيث يوجد للعنصر نظير أو أكثر وفق عدد النيوترونات الموجودة في نواته، وأخيراً يقدم المؤلف تعريفاً مبسطاً للانشطار النووي والدمج النووي.
هذه الصورة التي يعرفها معظم المتعلمين عن تركيب الذرة ترجع إلى نحو خمسة وستين عاماً -من وقت صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1997- ومنذ ذلك الوقت حدثت تطورات ضخمة في مفهومنا لتركيب الذرة، مما أدى إلى تحول هذه الصورة البسيطة إلى صورة غاية في التعقيد، حيث ظهرت جسيمات كثيرة- سوف نعرف لاحقاً أنها تساوي عدد العناصر المعروفة تقريباً – وكتابنا هذا يكاد يكون رحلة في عالم الجسيمات الدقيقة. لكن هذه الجسيمات تتبع قوانين أخرى،غير قوانين الميكانيكا الكلاسيكية ، تسمى قوانين ميكانيكا الكم. وميكانيكا وفيزياء الكم ينطلق كلاهما من تعريف الكم باعتباره أصغر وحدة يمكن تقسيم الأشياء إليها، وهو كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع.


فيزياء الكم للمبتدئين
هذا هو عنوان الفصل الأول من الكتاب، وهو محاولة لتبسيط فيزياء الكم لغير المتخصصين: كان العالم المادي، في نظر علماء الفيزياء، حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريباً مكوناً من شيئين أساسيين هما المواد (الحية وغير الحية) التي تتكون من ذرات وجزيئات، والضوء الذي وصف بأنه موجات مماثلة لأمواج سطح الماء. وبوجه عام كان هناك فاصل بين الأجسام المادية والموجات. ولكن مع بداية القرن العشرين تبين أن الضوء يمكنه التصرف أحياناً كجسيمات سميت فوتونات، أي أن الضوء له طبيعة مزدوجة موجية جسمية. لكن الجديد والمدهش أنه تبين أيضاً أن الجسيمات الصلبة قد تتصرف أحياناً كالموجات. ومع الثورة التي أحدثها أينشتاين في علم الفيزياء توصلت البشرية إلى مبادئ هامة تقول لنا أن الأشياء يمكن وصفها بأنها مزيج من المادة الصلبة الجسيمية والأمواج، وأدى هذا بدوره إلى اعتبار مكونات الذرة ذات طبيعة جسيمية وموجيَّة. وتقول لنا المبادئ الجديدة أيضاً أن لا يمكن التنبؤ بتأكيد مطلق من نتيجة أي تجربة على مستوى الذرات لأن العالم بشكل عام تحكمه نظرية الاحتمالات. ونظرية الفيزياء الكمية ومعها نظرية النسبية العامة لأينشتاين (التي فسرت حركة الأجسام في الفضاء المكاني والزماني) هما عماد الفيزياء الحديثة،ويقدمان معاً أفضل فهم ممكن حالياً للكون وكل مكوناته. ويحاول العلماء دمج هاتين النظريتين في نظرية واحدة تسمى نظرية المجال.
يكتفي المؤلف بعرض الصورة العامة لهذه الأفكار، دون التعمق في سياقها التاريخي أو سرد التجارب التي زعزعت الاعتقاد الراسخ القديم. وهو يعود بنا إلى الحديث عن الفوتونات باعتبارها بداية قصة الفيزياء الكمية والمجال الموحد. وكان أول من أرسى الأساس هنا جيمس ماكسويل، الذي شارك بإسهامات كبيرة في تقدم الفيزياء أعظمها على الإطلاق نظرية الكهرومغناطيسية، التي أثبت فيها أن القوى الكهربية والقوى المغناطيسية هما وجهان مختلفان لمجال واحد أشمل هو المجال الكهرومغناطيسي. كما توصل ماكسويل إلى الاكتشاف الأعظم وهو أن المجال الكهرومغناطيسي ينتشر على هيئة موجات سرعتها تساوي سرعة الضوء. ثم تبين له أن أشعة الضوء ما هي إلا موجات كهرومغناطيسية. وهكذا أصبحت النظرية الموجية للضوء راسخة. لكن أينشتاين أوضح عام 1905 أن الضوء في بعض التجارب العملية يظهر بوصفه فوتونات أي جسيمات. وتعود إرهاصات النظرية الجسيمية للضوء إلى بحوث ماكس بلانك، الذي افترض أن الضوء يتم إشعاعه على هيئة كميات منفصلة من الطاقة. وقد عمل على إثبات هذه الفرضية وتوصل إلى ما يعرف بثابت بلانك، كما توصل أيضاً إلى وصف طيف إشعاع الجسم الأسود. وتفسر لنا بحوثه لم يبدو المصباح الكهربائي كما لو كان يشع الضوء بطريقة ناعمة ومتصلة، ولكن الحقيقة أن الضوء المرئي يتكون من بلايين البلايين من الحزم الضئيلة من الطاقة. وإذا كان بلانك قد اعتمد على حيلة رياضية في تفسيره فإن أينشتاين أضفى على هذه الحيلة مظهراً فيزيائياً مرتبطاً بواقع الحياة اليومية وأصبح تفسيره هو التفسير المنطقي للضوء حتى الآن. فقد افترض أن الشعاع الضوئي ذا التردد (ت) يتكون من سيل من الجسيمات التي نطلق عليها الآن الفوتونات، كل منها له طاقة تساوي تردده مضروباً في ثابت بلانك. وعندما يسقط الشعاع الضوئي على سطح المعدن فإن إلكتروناً سوف يخرج عندما يصطدم فوتون بالذرة بالطريقة الصحيحة، وبذلك يكتسب الإلكترون الخارج طاقة الفوتون ويستهلك جزءاً منها أثناء خروجه من نطاق سطح المعدن حتى يصبح إلكتروناً حراًً في الفضاء.
ساعدت فرضية بلانك نيلز بوهر على صياغة أول نموذج مقبول لتركيب الذرة . والإضافة الأكبر التي قدمها هذا النموذج هي أن الإلكترونات تدور في مدارات حول النواة كما تدور الكواكب حول الشمس، وإن هذه المدارات محددة تماماً ومنفصلة عن بعضها البعض، وعندما يقفز إلكترون من مدار ذي طاقة عالية إلى مدار ذي طاقة منخفضة فإنه يقوم بإشعاع الفرق في الطاقة على هيئة فوتون، طاقته تساوي الفرق بين طاقتي المدارين. وبالمثل إذا سقط فوتون على الإلكترون.
إذا كانت موجات الضوء تتصرف كجسيمات فلماذا لا تقوم الالكترونات بالعمل نفسه وتتصرف كموجات؟ عن هذا السؤال المدهش أجاب دي برولي بمعادلات رياضية اعتمدت على قانون بقاء الطاقة لأينشتاين، وأثبت أن للإلكترون طولاً موجباً ولا يمكن إهماله. ثم قام شرودنجر بعد ذلك بصياغة معادلة موجية للإلكترونات مشابهة لمعادلات ماكسويل. ومنذ ذلك الحين أصبح واضحاً أن كل الموجات يمكن التعامل معها كجسيمات وأن كل الجسيمات يمكن التعامل معها كموجات. لكم هذه الازدواجية ليست واضحة لنا في الأجسام الكبيرة الحجم وإن كانت أساسية في فهم الجسيمات الدقيقة وحركتها وفي تركيب الذرة ومكوناتها.
كيف يمكن ، إذن ، حل لغز هذه الازدواجية؟
حلت تجربة معملية بسيطة يطول شرحها هذا اللغز، وهناك تشبيه من الحياة اليومية يقرب إلى الأذهان هذه الازدواجية : إن أمواج سطح الماء مكونة من عدد هائل من الجزيئات التي تتحرك صعوداً وهبوطاً منتجة الشكل الموجي.
الإنجاز الذي تحقق من خلال نظرية الكم معقد بدرجة كبيرة. فلا يمكنك الجزم بأن الإلكترون جسيم محدد ومتركز في نقطة، يبدأ التحرك من نقطة في بداية التجربة ويسير في مسار محدد ليصل إلى النقطة الأخرى.
فكرة المسار المحدد، وهي إحدى أفكار الميكانيكا الكلاسيكية، لا وجود لها في ميكانيكا الكم. وهذا يقودنا إلى الحديث عن الصدفة واللاحتمية. إن وضع الجسم المحدد تماماً والموجود في نقطة يتناقض مع وضع الموجة، فالموجة ليست موجودة في نقطة. إذن كيف تندمج هاتين الخاصيتين المتضادتين في عالم مكونات الذرة؟ في سبيل فهم كيفية اكتساب الموجة لخاصية الجسيم – كما في حالة الفوتون أو الإلكترون- فإن الموجة يجب احتوائها بطريقة ما. أي أن تفقد كونها موجة واحدة وإنما موجة ضمن حزمة من الموجات على غرار جزيئات الماء كما أوضحنا من قبل. وباستخدام حزمة من الموجات يمكننا حصر هذه الموجة في حيز يعادل حجم الإلكترون. وكلما زاد عدد الموجات في الحزمة صارت الموجة محصورة في منطقة أصغر حجماً وأكثر تحديداً واتخذت وضع الجسيم.
قام هايزنبرج عام 1925 بصياغة مبدأ الشك أو علاقة عدم اليقين في القدرة على تحديد موضع وسرعة الجسيمات، حيث توصل إلى أنه لا يمكن تحديد مكان الجسيم بطريقة مطلقة وبدقة كاملة في آن واحد،وإن كان يمكن حساب قيمة الاحتمالات في هذا الشأن بدقة كبيرة (نظرياً) وقد تكون أكبر من 99% ولكنها لا تصل أبداً إلى 100% كحقيقة مؤكدة، تشير إلى انتقال الإلكترون من النقطة أ إلى النقطة ب مثلاً. وقد رفض أينشتاين تماماً دور المصادفة فى فيزياء الكم، ومع هذا يرى المؤلف أن كل ظواهر العالم الدقيق وكل التجارب تؤكد على دقة نظرية الكم.وفي هامش يوضح المترجم أن الصعوبة الرئيسية في التعامل مع نظرية الكم تنشأ عندما نحاول تطبيقها على جسيم واحد أو على عدد قليل من الجسيمات، وأن هذه الصعوبة تتلاشى عند تطبيقها على عدد هائل من الإلكترونات .
يرجع الفضل إلى ريتشارد فينمان في التوصل إلى حل لمعضلة مسار الإلكترونات وفق ميكانيكا الكم واستناداً إلى نظرية النسبية فيما يسمى تكامل المسار، حيث يجب حساب جميع المسارات الممكنة لإلكترون ما، وبجمع سعات جميع المسارات المحتملة للجسيم فإن ناتج التداخل سوف يكون إلغاء جميع المسارات عدا تلك التي تقترب من المسار المحدد بواسطة الميكانيكا الكلاسيكية.
أوضحنا أعلاه، ومن خلال التشبيه فقط وللتقريب إلى الأذهان، أن الإلكترون في حد ذاته ليس موجه، ولكن الطريقة التي يتحرك بها تخضع لقوانين متشابهة لقوانين الموجات، ولكن هذا التفسير سوف يتوارى.
خاصية اللف (الدوران حول محور مثل المغزل) تتعلق بالإلكترونات وغيرها من مكونات الذرة والإلكترون، مثلاً يدور حول نفسه أثناء دورانه حول النواة، ويُقيمَّ الدوران عددياً. وجميع الجسيمات الحقيقية لها قيم دوران تتكون من نصف أو عدد صحيح ونصف مثل 2/1 ، 2/1 1 ، 2/1 2 ، وتسمى هذه الجسيمات فيرميونات، أما الفوتون فإن لفهُ يساوي رقماً صحيحاً، وجميع الجسيمات التي لها لفّ بقيم صحيحة تسمى بوزونات . وعلى هذا يوجد فارق جوهري بين الإلكترونات والفوتونات. وبالتالي لا يمكن أن يوجد أكثر من 2 إلكترون في المدار الواحد، لأن أحد الإلكترونين في مدار الطاقة يكون لفة + 2/1 بينما يكون الإلكترون الآخر لفّة – 2/1 . والقاعدة هنا أنه لا يمكن أن يوجد الكترونان متطابقان في الطاقة والمدار والحركة المغزلية (هذه القاعدة تسمى مبدأ الاستبعاد لباولي) ولهذا لا يمكن أن يوجد إلكترون ثالث في هذا المدار. الأمر يختلف بالنسبة للبوزونات (مثل الفوتونات)، لأن قيم لفها صحيحة بلا كسور، لهذا يمكن لأي عدد منها أن يتواجد معاً. علاوة على ذلك فإن عدد الفيرميونات ثابت في الكون (وفق قانون بقاء المادة) أما البوزونات فإنها سريعة الزوال.
تنبؤ ديراك باكتشاف مستويات طاقة والتوصل إلى اكتشاف المادة المضادة لم يتعارض مع ثبات عدد الفيرميونات. وفكرة الجسيمات المضادة أوجدت أشباه الإلكترونات ذات الشحنة الموجبة والطاقة الموجبة والتي تسمى بوزيترونات وهي لم تؤثر في العدد الإجمالي للفيرميونات في الكون.
إن فكرة الجسيمات مجرد ركيزة يستخدمها الإنسان الآن لتفسير وفهم المعادلات الرياضية. وإن فكرتي الجسيم والموجة هما أفضل ما لدى الإنسان لتفسير الظواهر التي توصلت إليها الفيزياء الحديثة في محاولتها لفهم الكون.
فكرة المجال يعرفها من قرأ كتاب "تطور علم الطبيعة" لألبرت أينشتاين وليوبولد أنفالد. وفي هذا الكتاب التبسيطي الرائع ترد التساؤلات التالية: "لا معنى لاعتبار المادة والمجال صورتين مختلفتين كثيراً عن بعضهما...هل يمكننا نبذ فكرة المادة وبناء علم الطبيعة على أساس المجال؟.. هل يمكننا اعتبار أن المادة هي تلك المناطق في الفضاء التي يكون المجال ذا تركيز كبير فيها؟.. كيف تتعامل الجسيمات الصغيرة للمادة مع المجال؟
هذه التساؤلات يتناولها الفصل الثاني من الكتاب وعنوانه" الجسيمات والمجالات".
في بداية عام 1930 كانت هناك أربعة جسيمات (الإلكترون والبروتون والنيوترون والفوتون) كل منها تم اكتشافه وتحديد خواصه منذ مدة طويلة. لكن هذا الوضع لم يدم سوى سنوات قليلة، إذ سرعان ما بدأ سيل منهمر من الجسيمات الأولية في الكشف عن نفسه حتى فاق عددها عد العناصر المعروفة خلال عشرين عاماً فقط. ومع النظريات التي أحدثت ثورة في علم الفيزياء خلال الخمسين عاماً الماضية تغيرت فكرة الجسيم. فكما أن الفوتونات ينظر إليها على أنها تجسيد للمجالات الكهرومغناطيسية فإن الإلكترونات (وجميع الجسيمات) ينظر إليها على أنها تجسيد لمجالاتها الخاصة. وبدلاً من وجود عدد كبير من الجسيمات والمجالات تتفاعل مع بعضها البعض فإن الكون يمكن النظر إليه على أنه مكون من عدد من المجالات فقط. وتمثل الجسيمات كماّت الطاقة لكل مجال، كما أن هذه الجسيمات تجسد المجالات من خلال مبادئ الازدواجية الجسموجية ومبدأ اللاحتمية.
مرت نظرية المجال بمراحل تطور، فهناك تجارب فارادي واكتشاف فكرة خطوط القوى، التي طورها ماكسويل إلى نظرية للمجالات. ثم تم استبعاد فكرة الأثير من الكون مع ظهور الأفكار الثورية لنظرية النسبية العامة وميكانيكا الكم. وكانت أولى غرائب الفيزياء الكمية هي اكتشاف أن الجسيم المادي مثل الإلكترون يجب أن يعامل كموجة. وأول تطبيق للمبادئ الكمية يعلمنا أن الموجة تعامل كمجال، أن لكل نوع من الجسيمات المجال الخاص به. المجال يوجد المادة. وتوجد أنواع عديدة من المجالات المختلفة منها المجالات غير المتجهة (مثل مجال درجة حرارة كل نقطة في غرفة) والمجالات المتجهة (مثل المجال الكهربي الذي يمكن قياس شدته واتجاهه في أي نقطة). هناك أيضاً خاصية مهمة تميز المجالات الكمية. فالإلكترونات كفيرميونات لا تُخلَّق ولا تتلاشى بينما الفوتونات كبوزونات يمكن خلقها وإفناءها .
من خلال تأثير جسمين كل على الآخر بواسطة مجاله استطاع الفيزيائيون التوصل إلى نظرية الكهروديناميكا الكمية .وهي أحد أهم إنجازات الفيزياء الحديثة.
هناك سؤال مهم: كيف يمكن لعدد من البروتونات الموجبة الشحنة داخل النواة الارتباط بدون أن تتفرق بالتنافر نتيجة للقوى الكهربائية؟-يجيب المؤلف عن هذا السؤال باستعراض جهود راذرفورد وشادويك ويوكا. ويفترض الأخير وجود قوة أقوى بكثير من قوة التنافر. وهذه القوة تعمل فقط في نطاق المسافات متناهية الصغر داخل النواة وتضمحل خارجها، وهي تقوم بربط البروتونات والنيوترونات داخل النواة. أما يوكا فقد أوضح أنه لا بد من وجود مجال آخر مشابه للمجال الكهرومغناطيسي مرتبط بالبروتونات والنيوترونات وهو مجال قوى (ينتمي إلى ما يسمى بالقوة الشديدة) . يستطرد المؤلف إلى سرد جهود كارل أندرسون وبول ديراك وهايزنبرج وسيسيل بويل لكل يطلعنا على سير اكتشاف الجسيمات الجديدة وفكرة المادة وضد المادة التي يعود الفضل فيها إلى بول ديراك ليصبح لدينا ستة جسيمات بالإضافة إلى الفوتونات هي الإلكترون والبوزيترون (مضاد الإلكترون) والبروتون ومضاد البروتون ثم النيوترون ومضاد (النيوترون) ورغم تعادل شحنة النيوترون إلا أنه أمكن التمييز بين النيوترون ومضاد النيوترون.
والآن يمكن وضع الجسيمات في مجموعتين: الأولى وتسمى هادرونات ، تشعر بوجود القوة الشديدة، وتشمل البروتونات والنيوترونات والبيونات التي تحمل هذه القوة.والمجموعة الثانية وتسمى لبتونات ، لا تشعر بوجود القوة الشديدة، وتشمل الإلكترونات والميونات. كل اللبتونات تنتمي إلى قبيلة الفرميونات (والميون فيها مشابه للإلكترون ولكنه أكبرمنه في الكتلة). ومن الهادرونات ما هو فيرميونات (أي مادة) وتسمى باريونات مثل البروتون والنيوترون. أما البوزونات فهي حاملة القوة بين الجسيمات وتسمى تحديداً ميزونات، وبالتالي فالبيون ميزون ويوجد في ثلاثة تنويعات موجبة وسالبة ومتعددة الشحنة (عندما يتبادل بروتون ونيوترون بيوتا واحداً متعادلاً فإنهما يتماسكان ولكنهما لا يتغيران) وإذا تبادل بروتون بيوتا موجباً فإنه يتحول إلى نيوترون، كما أن النيوترون يمكن أن يتبادل بيوتا سالبا ويتحول إلى بروتون. كل هذه التبادلات تعمل على ربط البروتونات والنيوترونات معاً. وبهذا نكون قد توصلنا إلى الإجابة عن السؤال حول عدم تنافر البروتونات الموجبة الشحنة.
يبقى هناك جسيم واحد ومجال واحد يجب إضافتهما، لكن للأسف لا يمكن هنا اختزال خطوات اكتشافهما. الجسيم هو الإلكترونيوترينو، وهو جسيم توجد بعض الافتراضات الآن بأن له كتلة صغيرة جداً (تذكر أن الميون مشابه للإلكترون ولكنه أكبر منه في الكتلة) أقل من الإلكترون. المجال الناقص بالطبع هو مجال هذا الجسيم.
وهكذا مع بداية خمسينيات القرن العشرين امتلكت الفيزياء عدداً كبيراً من الجسيمات والمجالات لوصف تركيب الذرة. واليوم (في نهاية القرن) يوجد عدد من الجسيمات أكثر عدد العناصر الموجودة في الجدول الدوري، وكانت مهمة فيزياء الجسيمات الدقيقة هي تصنيف هذه الجسيمات في جدول على غرار الجدول الدوري للعناصر.وقد ساعدت خاصية معقدة تسمى "الغرابة" في التوصل إلى هذا الترتيب.
مع نهاية الخمسينيات تعثرت نظرية المجال أمام فهم العدد الهائل من الهادرونات في جدول الجسيمات تعثرت إلا أنه بحلول السبعينيات من القرن العشرين انتصرت النظرية من جديد.
بعض الجسيمات الأولية مثل البروتونات والنيوترونات مكونة من جسيمات أخرى أساسية يُسمى مفردها "كُوارك"، وتجتمع الكوارتات في مجموعات ثلاثية ولها شحنة أقل من شحنة الإلكترون. ما هو الكوارك؟ - إنه نموذج رياضي ليس له أي وجود فيزيائي يرسم صورة للبروتونات والنيوترونات بوصفها مكونة من كمّات صغيرة.وقد نجح هذا النموذج في وصف العديد من التفاعلات في عالم الجسيمات الدقيقة وتعتبر نظرية الكوارك أساسية الآن في فهم الكون.
البحث عن القوة الفائقة
هذا هو عنوان الفصل الثالث من الكتاب، الذي تُناقش فيه مسألة إيجاد نظرية مجال موحد، وهو الهدف الأسمى في الفيزياء منذ صاغ أينشتاين نظرية لقوى الجاذبية، حيث يجري السعي على قدم وساق لجمع القوى الموجودة في الطبيعة في صيغة رياضية واحدة ونظرية توحيد عظمى، تشكل المفتاح لفهم كيف يعمل العالم اليوم.
وقد جرت المحاولات الأولى في هذا الشأن في عشرينيات القرن العشرين لتوحيد الجاذبية والكهرومغناطيسية وباءت بالفشل. ونظراً لأن الجاذبية الأرضية أضعف بكثير جداً من القوى الثلاث الأخرى المعروفة في الطبيعة (وهي الكهرومغناطيسية والنووية الشديدة والنووية الضعيفة) فليس من المستغرب أن يكون البحث عن نظرية مجال موحّد بين القوى الثلاث الأخيرة أسهل من توحيد هذه القوى مع الجاذبية.
توصل العلماء إلى نظرية موحدة للمجال الكهربي والقوة النووية الضعيفة. وتوجد اليوم نظرية مقياسية للقوة النووية الشديدة مع إرهاصات لكيفية الجمع بينهما وبين نظرية القوى النووية الضعيفة والمجال الكهربي في نظرية تشمل المجالات الثلاثة. وهي نظرية بدأت تتضح سماتها وتتحدد خطوطها العريضة. ويبقى الأمل في الجمع بينها ، إذا تحققت ، والجاذبية الأرضية.
وبعيداً عن المعادلات الرياضية وتعقيدات الفيزيائية النظرية ومع التبسيط الشديد نعرض للقارئ جانباً من المحاولات التي أشرنا إليها.
نبدأ بتعريف التماثل. التماثل هو أحد أهم الأفكار التي تستخدم في وصف المجالات . فمثلاً: المجال الكهرومغناطيسي متماثل بالنسبة إلى القوى بين المجالات المشحونة. فإذا ما أخذت صفاً من الجسيمات المشحونة بعضها موجب والآخر سالب، وقمت بقياس كل القوى المؤثرة فيما بينها، ثم غيًّرت كل الشحنات الموجبة إلى سالبة والشحنات السالبة إلى موجبة، مع احتفاظها بأماكنها فسوف تجد أن القوة المؤثرة على كل جسيم كما هي لم تتغير، وهذا التماثل يسمى تماثلاً عالمياً.
والآن ننتقل إلى تعريف اللف النظائري.إذا أهملنا القوى الكهرومغناطيسية وأمعنا النظر في باقي خواص البروتون والنيوترون سوف نجد أنهما متشابهان تماماً، لدرجة أن الفيزيائيين يعتبرونهما حالتين من حالات شيء أساسي يسمى نيوكليون. ما الذي يحدد أن النيوكليون سوف يكون بروتوناً أونيوتروناً (بغض النظر عن الشحنة الكهربية)؟ - مثل لفظتي موجب وسالب للشحنة، وعلوية وسفلية للكوراك، أطلق الفيزيائيون اسماً على الخاصية التي تميز البروتون عن النيوترون وهي اللف النظائري. ويشيرون إليها بسهم إلى أعلى أو أسفل ويميناً أو شمالاً، لافي الفراغ المعروف لدينا وإنما في فراغ رياضي تجريدي يمثل التركيب الداخلي للنيوكليون. وإذا حدث اللف النظائري لكل النيوكليونات في وقت واحد فإنه يحدث اضطراباً في التماثل ولكنه لا يؤثر في القوة النووية الشديدة .
نعود إلى محاولات توحيد القوى. استطاع العالمان ميلزوينج إنجاز نظرية مجال لا متغير مقياسياً وهى نظرية خاصة بالتفاعلات الشديدة. وكان التماثل المهم في النظرية هو تماثل اللف النظائري هناك تفاعلات ينتج عنها تحول بروتونات إلى نيوترونات والعكس والتماثل العالمي البسيط يسمح نظرياً (فقط) بتغيير كل النيترونات إلى بروتونات وكل البروتونات إلى نيوترونات في نفس الوقت والطريقة التي تحافظ على التماثل هي إضافة شيء آخر يعادل التغيير الذي حدث وهذا ما حاولت النظرية تفسيره. ولكن هناك قصوراً في نظرية ميلزينج، فجميع الفوتونات ليست لها كتلة مما يعني أن لها حيز عمل لا نهائي، وهو ما يتعارض مع حقيقة أن القوة النووية الشديدة لها أصغر حيز عمل في القوى الأربع، وعليه فجسيماتها يجب أن تكون الأثقل، ويمكن للتبسيط أن نضيف أن الفوتونات ذوات الشحنات المختلفة يمكنها الالتصاق معاً كالبروتونات لعمل ذرة لمجال القوة النووية الشديدة.
نشرت أبحاث ميلز- ينج عام 1954 ، لكن الأمر تطلب عشرين عاماً من جهود العلماء حتى تمكن النظريون منهم من تحويل أفكارها إلى نظرية متكاملة للقوة النووية الشديدة، وكان للكواركات واللواصق دور هام في نضوج النظرية.
استخدمت أفكار مشابهة لتوحيد الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة في نظرية وكان شفنجر طفل الرياضيات المعجزة الذي حصل على الدكتوراه في سن العشرين الشخص المناسب لأخذ أفكار مليز – ينج وتطبيقها على القوة الضعيفة والكهرومغناطيسية والخــروج بنظريـــة. و على الرغم من نقاط ضعف هذه النظرية إلا أنها أثارت عدداً من النقاط والأفكار الجيدة . فقد أظهرت أن القوة الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية متقاربتان في القوة ومتماثلتان بشكل ما، ولكن هذا التماثل غير كامل، لأن جسيمات (W) البوزونات لها كتلة، وبالتالي فنطاق عملها محدود بينما الفوتونات لا كتلة لها ونطاق عملها لا نهائي.
أدى هذا إلى طريقتين للوصول إلى نظرية المجال. فقد أثبت بلودمان من جامعة كايفورنيا إمكانية وصف القوة الضعيفة فقط من خلال نظرية مقياسية موضعية لا تبادلية باستخدام ثلاثة جسيمات (بوزونات) أحدها سالب والثاني موجب والثالث لا شحنة له.
وجد شيلدون لي جلاشو طريقة لتطوير نظرية بلودمان، وقام بربطها مع الكهرومغناطيسية في نموذج نشره عام 1961، يشتمل على مجموعة ثلاثية للبوزونات المتجهة تحمل القوة النووية الضعيفة وبوزون أحادي يحمل القوة الكهرومغناطيسية، ولكن النظرية عانت من مشكلات رياضية. وفي ذات الوقت قام كل من الباكستاني عبد السلام وزميله جون وارد بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين بتطوير نظرية كهرومغناطيسية- قوى ضعيفة مشابهة لتلك المقدمة من جلاشو. ولكن نظريتهما كانت تعاني نفس مشكلات نظرية جلاشو. وجاءت الخطوة الأولى لحل هذه المشكلة عام1967 عندما تمكن عبد السلام منفصلاً عن واينبرج من التوصل إلى الطريقة التي تجعل كتل البوزونات الحاملة للقوى الضعيفة طبيعية (تقريباً) باستخدام المعادلات الرياضية. والحيلة تتضمن كسراً تلقائياً للتماثل. ولفهم كسر التماثل بطريقة سهلة يمكننا اللجوء إلى الجاذبية الأرضية . التماثل البسيط في الفراع، الذي يجعل قلماً يتحرك في أي اتجاه يدفعه إليه رائد الفضاء في المعمل الفضائي، هذا التماثل يتم كسره على سطح الأرض بفعل الجاذبية، حيث يسقط القلم دائماً إلى أسفل. وقد اتضح أن الكتل الخاصة بجسيمات المجال في نظرية ميلز –ينج يمكن أن تأتي من كسر التماثل في الفراغ الخاص الذي تُمثل فيه متجهات اللف النظائري.
اختمرت فكرة كسر التماثل خلال الخمسينيات والستينيات وأثمرت على يد هيجز، والخط الفكري وراء الآلية التي قدمها هيجز يستعصى جداً تناوله هنا، لكن الخلاصة هي أن الحالة التي تكون فيها المجالات في أقل مستوى للطاقة هي ما نسميه الفراغ. ويمكن أن نضيف إنه بدون الآلية التي ابتدعها هيجز وهي افتراض وجود مجال إضافي لم يكن بالإمكان معرفة الفرق بين البروتون والنيوترون، لأنه لم يكن هناك ما يمكن قياس اللف النظائري بالنسبة له.
وهكذا فإن مجال هيجز المفترض يكسر التماثل الموجود بالطريقة المناسبة، وذلك مقابل بوزون إضافي لم يمكن ملاحظته. كما تظهر الكتل بطريقة طبيعية ورياضية دون مشكلات.
كان هيجز يعمل في إطار المجال النووي الشديد لكن أفكاره سرعان ما اقتبست في نظرية الكهربية – القوى الضعيفة. وكانت الإشارة الأولى من واينبرج، حيث انتهى إلى نموذج رياضي مشابه لنموذج جلاشو لتفسير الكهربية – القوة الضعيفة وبأسلوب خاص به. عرف عبد السلام نموذج هيجز وأعاد صياغة نموذجه مع وارد وأضاف إليه نموذج هيجز ليصبح تقريباً نفس النموذج الذى صاغه واينبرج .
وفي عام 1973 قدمت التجارب الدليل على صحة التفاعلات التي تنبأت بها النظرية، وهو ما أدى إلى الإنطلاق الكبير لنظرية المجال في السبعينيات، والتي أدت بدورها إلى نظرية التفاعلات الشديدة وفهم ما جرى في اللحظات الأولى لبداية الكون .
العلماء النظريون الذين تناولوا موضوعات مثل النظريات المقياسية اللاتبادلية كانوا رياضيين أكثر منهم فيزيائيين، وكان اهتمامهم منصباً على المعادلات والتماثل من الوجهة الرياضية.
الصفحات الباقية من هذا الفصل تكاد تكون مخصصة لحل مشكلات وأوجه ضعف النماذج الرياضية التي قدمها هؤلاء العلماء، وهو ما يجعلها تخرج عن نطاق ثقافة القارئ غير المتخصص في الرياضيات والفيزياء النظرية. لكن القارئ إذا تذرع بالصبر على القراءة سوف يطلع على جهود علماء مثل مارتن فيلتمان وجيرار تهوفت ودورهما في إنجاز النظرية المقياسية، علاوة على جهود كالو روبيا ووالتر جرينبرج الذي أضاف فكرة الكوارك ذي الألوان، وهي فكرة نظرية أدت إلى نظرية الكم اللونية الديناميكية (ك ل د)، وكل ما نستطيع إيجازه هو إنه بداية من عام 1973، وباستخدام المعجلات أصبح العلماء التجريبيون مقتنعين بأن النظرية المقياسية للقوى الكهربية- القوى الضعيفة هي أفضل نظرية لتفسير تفاعلات اللبتونات والفوتونات. وقد تطلب الأمر محاكاة ما حدث في الكون عند لحظة الانفجار العظيم على مستوى صغير جداً.
أثبت الائتلاف بين النظرية الكهربية الضعيفة ونظرية الكم اللونية الديناميكية (ك ل د).
نجاحه في وصف عالم الجسيمات الدقيقة لدرجة أنه أصبح يشار إليه باعتباره النموذج الأساسي للفيزياء، لكنه مازال غير مكتمل، حيث يجب ربط ك ل د مع النظرية الكهربية - القوى الضعيفة في إطار واحد لتصبح النظرية الموحدة الشاملة، كما أن الجاذبية لم تدرج حتى الآن. ويعتبر البحث عن التماثل الفائق هو اتجاه المجهود الرئيسي الآن مع احتمالية أن كل شيء يتكون من أوتار، وهذا هو موضوع الفصل الرابع والأخير من الكتاب.
البحث عن التماثل الفائق بدون يأس
تقدّم البحث عن التماثل الفائق عام 1991 خطوة مهمة إلى الأمام، عندما أكملت التجارب ، التي أجريت عن طريق مصادم الإلكترون – بوزيترون الهائل ، بعض الفجوات في نظرية ك ل د التي تعد أفضل نظرية لشرح الكوارك والقوى النووية الشديدة. ومع أن هذه الخطوة ليست جديدة في الطريق إلى النظرية الموحدة لجميع قوى الطبيعة إلا أنها تؤكد سلامة أحد الخطوات القديمة التي قُطعت، كما تؤكد للفيزيائيين أن الطريق الصحيح هو دمج نظرية ك ل د مع نظرية القوى الكهربية – النووية الضعيفة ثم مع الجاذبية. وأثبتت التجارب أيضاً ما يتطابق مع التنبؤات النظرية الأساسية اللاتبادلية "النموذج الأساسي" بأن ألوان الكوارك ثلاثة ، علاوة على أن نظرية ك ل د تعطي وصفاً دقيقاً لتفاعلات الكوارك. وهكذا فإن الفزيائين أصبحت لديهم ثقة أكبر مما قبل في أن نظرية النموذج الأساسي هي التي ستؤدي إلى توحيد القوى الطبيعية.
يتطلب الأمر الانتظار حتى عام 2020 أو ما بعدها حتى يمكن التعرف بيقين على المسار الصحيح للتقدم، وهناك مسارات كثيرة يتبعها العلماء وسط خضم الاضطرابات الحالي في بحوث القوة الفائقة، ويستعرض المؤلف الخطوط العريضة للأفكار الأساسية من زاوية المبادئ الأساسية للتماثل وعدم التغيير المقياسي. وتضم هذه الأفكار عدداً من النظريات التفصيلية، لكن المؤلف يوضح الفكرة التي سوف تصبح المحور الرئيسي في البحث عن القدرة الشاملة في نهاية القرن العشرين.
يعتمد التوضيح على تفاصيل في الفيزياء النظرية لا يمكن إيجازها أو تبسيطها بحال من الأحوال. لكن يمكن الإشارة إلى أن المشكلة تكمن في التزايد الكبير لأعداد البوزونات وفي وجود اللانهايات التي يتم التحايل لإعادة تسويتها رياضياً. والشيء المحرج علمياً بحق أن جميع النظريات التوحيدية تتنبأ بوجود قطب مغناطيسي مفرد،ولكن هذا القطب لا وجود له في العالم الذي نعيش فيه. غير أن الفكرة الرئيسية هنا هي محاولة جمع البوزونات والفرميونات تحت غطاء التماثل الفائق.
يبرز هنا سؤال جوهري: هل من الممكن أن تكون المادة والقوى وجهين مختلفين لعملة واحدة؟ التماثل الفائق يؤكد ذلك. فكل نوع من الفيرميونات (مادة) له نظير بوزوني (قوة) وكل نوع من البوزونات له نظير فيرميوني. والحيل الرياضية قادرة على تحويل البوزونات إلى فيرميونات والعكس صحيح، وتغيير العمليات التماثلية التي تؤدي إلى تحول البوزونات إلى فيرميونات مشابه جداً من الناحية الرياضية للعمليات التماثلية في نظرية النسبية العامة.
عنوان هذا الكتاب ترجمته الحرفية هى "في البحث عن الأوتار الفائقة"، لكن المؤلف على امتداد صفحاته لم يدخل في صلب العنوان إلا في الصفحات الختامية التي يخصصها لنظرية الأوتار.
وللتبسيط نوضح للقارئ أن نظرية الأوتار تقوم على فكرة أن الجسميات الدقيقة ليست نقطاً مادية ولكنها أشياء خطية ذات بعد واحد أطلق عليها أوتار. وقد بدأت فكرة هذه النظرية عام 1970. ويرجع الفضل إلى شيرك عام 1976 في توضيح أن البوزونات والفرميونات تنتج من نظرية الأوتار على قدم المساواة، وأن لكل نوع من البوزونات فيرميوناً مناظراً، ولكل نوع الفيرميونات بوزوناً مناظراً، وهكذا ولدت نظرية التماثل الفائق. وبظهورها توارت فكرة الأوتار. وتبني مجموعة من العلماء مهمة بناء الأفكار النظرية للتماثل الفائق، متجهين في ذلك اتجاهات متعددة. يعبر أحدها عن نظريات التوحيد، ويركز آخر على الجاذبية الفائقة بأشكال مختلفة منها نظرية تسمى الجاذبية الفائقة ن= 8 التي يقول مؤيدوها إنها قادرة على تفسير كل شيء، القوى والمادة وهندسة الفراغ المكاني- الزماني في نموذج واحد، وإنها لا تعاني من مشكلة اللانهاية ولا تحتاج إلى إعادة تسوية رياضية.
كان العلماء يتحدثون عن كون ثلاثي الأبعاد، ولكن أينشتاين أضاف بعد الزمن إلى أبعاد الكون ليصبح البعد الرابع. لكن نظرية الجاذبية افترضت الحاجة إلى أحد عشر بُعداً في الفراغ. ولهذا يسرد المؤلف تحت عنوان "الأبعاد المتعددة للحقيقة " كيفية التوصل إلى تحقق هذا الافتراض. الإجابة تأتي من نظرية الأوتار، التي عادت لتحتل مكاناً رفيعاً. على أن المشكلة ليست في الأبعاد الأربعة المعرفة ولكن في الأبعاد السبعة الإضافية. وتتلخص النظرة التي تفسر ذلك في أن الكون نشأ في أحد عشر بُعداً، ولم يكن هناك فرق بين المادة والقوة أو بين أنواع القوى المختلفة. ثم مع بداية برود الكون بدأت بعض الأبعاد في الانطواء والالتفاف حول نفسها، وظهرت القوى الطبيعية كتعبير مرئي عن التجعد في هندسة الكون، وحتى نتمكن من فرد الأبعاد الملتفة وملاحظتها في وضعها الأصلي لا بد من وجود طاقة أعظم من طاقة توحيد القوى. طاقة مثل طاقة خلق الكون.
اكتملت نظرية الأوتار في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين. غير أنها مرت بمراحل نشأة وتطور، بدأت من نظرية النسبية العامة مروراً بنظرية الكم . ونظرية الأوتار الفائقة يجب أن تشتمل على الجاذبية ، التى تظهر تلقائياً بطريقة يمكن وصفها بأسلوب فيزيائي بسيط.
إن أبسط أشكال الأوتار المغلقة (هناك نوع آخر هو الأوتار المفتوحة) التي تظهر تلقائياً من النظرية لها خواص جسيم ذي لف -2بوزون متجهي وهو الجسيم الحامل لقوة الجاذبية (الجرافيتون). وهكذا تظهر الجاذبية محتوية على معادلات أينشتاين للنسبية العامة من نظرية الأوتار كظاهرة كمية. وقد شجع هذا التوضيح العديد من العلماء النظريين على التعامل مع نظريات الأوتار والأوتار الفائقة.
أهم ما تم تطويره في النظرية هو إضافة بعد آخر إلى الوتر، حتى يصبح ذا بعدين (أي غشاء وليس خطاً) وقد أدى هذا في منتصف التسعينيات إلى ظهور نظرية الأغشية التي يطلق عليها نظرية م (الثورة الثانية للأوتار الفائقة) وهي نظرية تجمع جميع القوى والجسيمات في صياغة رياضية واحدة. ونظرية م هي نظرية واحدة على مستوى الطاقات العالية، ولكنها تصف ما يبدو أنه ستة نماذج على مستوى الطاقات الصغرى. وتحديداً يظهر الاختلاف بين النماذج الستة على مستوى التفاعلات النووية الضعيفة، غير أن الوحدة تظهر بينها على مستوى التفاعلات النووية الشديدة.
نظرية م هي النظرية التي تنتظر التجارب والملاحظات العملية التي تؤكد أنها نظرية جيدة بل والنظرية المنتظره الشاملة.
ينهي المؤلف الكتاب بسؤال: هل وجدنا التماثل الفائق؟ - ويجيب بأنه قد لا نحتاج إلى خمسة أوستة أعوام كي نحصل على دلائل تؤكد وجود التماثل الفائق. وحتى الآن لم يتم خلق أي من الجسيمات الفائقة، لأن كتلتها أكبر بكثير من الطاقات المتاحة في المعجلات الحالية. المسألة، إذن تتوقف على تطوير المعجلات لتوفير الطاقات اللازمة. ومثل كل العلماء والباحثين يبدي المؤلف تفاؤله قائلاً: أنني أتوقع أننا على أبواب كشف حقيقة أساسية كونية".
علاوة على المتن يضم الكتاب ملحقاً لشرح نظرية المجموعات للمبتدئين، وقائمة ببعض عناوين الكتب المهمة التي توفر خلفية علمية جيدة في الموضوعات التي تناولها المؤلف، بالإضافة إلى ثبت مصطلحات ضمن كشاف لا تتطابق معظم صفحاته مع الترجمة العربية.



#حسين_بيومى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرض كتاب نحو فهم أشمل للقوى الكونية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين بيومى - عرض كتاب نحو فهم أشمل للقوى الكونية