أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة














المزيد.....

مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3686 - 2012 / 4 / 2 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


مثلَ كلِّ المقاماتِ المنثورةِ في القُرى البعيدة، لم يكن أحد يعلمُ شيئاً عن سيدي يوسف البتّيري، ربما المعلومات القليلة التي يوحي بها الاسم، حيث تقع قرية بتّير غرب الشارع الذي يمر من أمام مدينة بيت لحم، فيما يرقد قبرُهُ المغطى بقماشة حريرية حمراء، وليست خضراء كعادة قبور المقامات، في تلك الزاوية المجاورة لما كان يفترض أن يكون خطاً للسكة الحديد يربط القدس بالخليل، ولكن على ما يبدو أن طبيعة الجبال قد أوقفت ذلك الحلم.

بالصدفةِ البحتة، وفيما كنتُ أقومُ برفعِ عشبةٍ صغيرةٍ من جوار الضريح، وجدتُ أن جذر العشبة يسيرُ تحت التربةِ الطينية متعمّقاً ببطء في اتجاه الضريح، سارت يدي مع العشبةِ لأعثر على حفرةٍ في نهاية الأمر، فيها لفافة ملفوفة بعدة طبقات من النايلون والخيش، نظرتُ حولي، فلم يكن هناك أحد في مثل هذه الساعة من الفجر الطازج، دسست اللفة تحتََ معطفي، وتسللتُ إلى البيتِ يجرُّني الفضولُ كنعجةٍ جائعةٍ إلى المرعى.

أخرجتُ كنزيَ بحرصِ صائغٍ وأخذتُ أزيلُ الأشياء عنه ببطء، إلى أن تفتحت أمامي ثلاث قطعٍ من الجلدِ الرقيق، على ما يبدو أنه جلدُ غزالٍ مدبوغ، وقد امتلأت بالكتابةِ بالخطّ الكوفي، الكاتبُ الذي وقّعَ اسمه بوضوحٍ في نهاية الرقعة الثالثة، كان من الواضحِ أنّه ابن صاحب المقام، علي يوسف البتّيري، ويقولُ ذلك بنفسه في الرقعة الأولى: كي لا يضيعَ أبي يوسف البتّيري وسطَ مقاماتٍ لا أهلَ لها ولا ذاكِرة، أحرِّرُ أنا علي يوسف البتّيري هذه الرقعة كي تقطعَ شكاً بيقين، وتجلو ظلمةً بنور، فالله يغلبُ على أمرِهِ ولو تمهَّلَ، والحقُّ لا يضيعُ إن وَجدَ من يسعى فيه وله.

أخذتُ أقلِّبُ الرقعات الثلاث، أعيدُ قراءتها غير مصدقٍ لما بين يديّ، فيوسف البتّيري لم يكُنْ شيخاً ولا صاحبَ طريقة، ولم يكن اسمه يوسف البتّيري من الأصل، فالبتّيري هو نسبُهُ إلى بتّير، وكانَ مقاتلاً ضدَّ العثمانيين في زمن احتلالهم الأول لفلسطين، قاتل ضد الضرائب المبالغ فيها، قاتل ضد الجندرمة، وضد مصادرة الأراضي وضد مشاركة الناس في أرزاقهم، كوَّنَ جيشاً صغيراً قِوامُهُ عشرونَ رجلاً، يعملونَ بسرّيّةٍ في الجبال المحيطة بالقدس، حقّقوا إنجازات قريبة مما فعله روبن هود، وكان هذا المقام فارغاً، لأن يوسف البتيري اختلقَ القبرَ ليخفي فيه الأسلحة والغنائم التي يحصل عليها من الجيش التركي، وكانَ الفقراءُ في تواطؤٍ غير معلن، يأتونَ ليأخذوا نصيبهم من الغنائم حسبَ تقسيمةٍ أعدّها البتيري بنفسه، وظلَّ هذا الوضعُ قائماً إلى أن ماتَ بدونِ مقدِّمات بعد أن انفجر في جبهتِهِ جرحٌ قديمٌ من أثر إحدى المعارك، فقرر إبنه علي أن يدفنه في نفس المكان الذي اخترَعَهُ أبوه، واستمرَّ الاسمُ مصاحباً للمقام، مع تغيير بسيط، هو أن الضريح أصبحَ ممتلئاً بجسدِ يوسف البتّيري بعد أن كانَ معبّأً بأفكارِهِ وغنائمه.

الغريب في الأمر، أنني اكتشفتُ أن معظم سكان القرية التي يقع فيها الضريح، والقرى التي تجاورها، يعرفون القصة كاملةً، لكنهم ما زالوا يحتفظون بها كسرٍّ لا يجوز البوحُ به رغم مرور قرونٍ على حياةِ البتّيري وموته، كأنّهم يحملون في جيناتهم وفاءً عتيقاً لهذا الذي أخرجَ أجدادهم ذات يومٍ من شعورهم بأنهم وحدهم أمامَ وحشٍ لا يرحم، وجعلهم يثقونَ بأن الحياةَ ممكنةٌ حتى في ظرفٍ قاسٍ كالذي كان العثمانيون يفرضونَهُ، أما أنا، فقد أعدتُ لفَّ الرقاعِ الثلاث بحرصٍ زائد، وأعدتها إلى مكانِها جوار الضريح، ومضيتُ مثلَ أي واحدٍ منهم، أعرفُ السرَّ الكبير ولا أحدِّثُ به أحداً.



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لا يعرفه أطفال غزة
- توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي
- كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
- من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
- خضر عدنان، رجل مقابل دولة
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي
- قطعةُ حلوى في آخرِ الحكايةِ
- خائفة من الحرب
- رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال
- تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة
- الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة