أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عايدة توما سليمان - يوم الارض، عبر وتداعيات















المزيد.....

يوم الارض، عبر وتداعيات


عايدة توما سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 3684 - 2012 / 3 / 31 - 00:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما زلت اذكر جيدا كيف دخل غرفة الصف ذلك الصباح ، كف يده اليمنى يقبض على اليسرى باحكام، صباح الخير، جاءت مقتضبة وكأنها تحاذر ان ينفلت بعدها سيل كلام غير مباح. انتصب المعلم من خلف طاولته بادئا بفتح قبضتي يديه ليترك حبات تراب أحمر تتهاوى من بين اصابعه في بطء ويتكوم على الطاولة مشكلا ارتفاعا صغيرا. وكأنه يقرأ ما يدور في اذهاننا، فتية وفتيات في الثانية عشر من العمر، تساءل ما هذا الذي ترون أمامكم ؟
كان هذا السؤال بداية المحادثة التي دارت بيننا في الصف السابع الابتدائي في مدينة الناصرة ومدرس موضوع الطبيعة عشية يوم الارض الاول في العام 1976، حول التراب والارض ومعناهما للانسان . في أجواء الترهيب التي مارستها السلطات وجد مدرسنا طريقة مبدعة لتحضيرنا ليوم الارض ولشد انتباه فتية صغار لحادث جلل يدق ابواب الجماهير العربية الفلسطينية في هذه البلاد.
غداة هذا الحادث كانت الجماهير العربية على موعد مع احدى العلامات الفارقة في تاريخها وفي تاريخ الشعب الفلسطيني بمجمله، هذه الاقلية التي تركت لسنوات طويلة تعاني معاناة الايتام على مآدب اللئام وتحولت الى يوسف الذي أنكره اخوته، صاغت بسواعدها وخطت بدمائها يوما نضاليا سلط الضوء على جوهر القضية الفلسطينية وماهية الصراع الذي فرضته الحركة الصهيونية على الشعب الفلسطيني – الصراع على الارض.

الكف يلاطم المخرز وينجح

في مراجعة تاريخية صادقة للتحضيرات وتصعيد الجاهزية الشعبية ليوم الارض تبرز للعيان بسالة مخططيه من رفاق الحزب الشيوعي ومجموعة من الشخصيات الوطنية التي تحدت السيطرة السلطوية المحكمة على الاقلية الفلسطينية ومنهجية الترهيب السائدة في حينه مؤكدة ان الكف بامكانه ملاطمة المخرز متسلحا بالحق والدعم الشعبي.
لقد نجحت الجماهير العربية بالانتفاض على سياسة سلب الاراضي ونهبها، والاهم من ذلك في الانتفاض على نفسية النكبة المقهورة. يوم الارض هو العلامة الفارقة بين النفسية المقهورة وبين تلك المناضلة ببسالة دفاعا عن الوطن برمزيته المتمحورة في الارض، المكون الاقتصادي والاجتماعي والمركب الاساس في الهوية القومية والوطنية لمن بقوا في وطنهم والحالمين بالصمود بتداعياته واستحقاقاته.
لم تبدأ الصيرورة النضالية والمواجهة لسياسات السلطة القمعية في يوم الارض، فلقد سبقه يوم أول أيار في العام 1958 عندما استبسل الرفاق والرفيقات من الحزب الشيوعي في التصدي لمخطط اغتصاب ارادة الجماهير العربية وفرض الاحتفال باستقلال اسرائيل في الناصرة . كما سبق يوم الارض العديد من المظاهرات في مدن وقرى عربية عديدة ومعارك الهوية وغيرها. هذه المعارك بمعظمها قادها وشارك فيها الشيوعيون متصدين ببسالة وبوعي تام كسروا حاجز الخوف الذي لف الجماهير العربية مما جعل قرار ولادة يوم الارض، امرا قابلا للتنفيذ وتحطيما أخيرا لقيود السلطة على الفكر والفعل المقاوم لسياسات التشريد والمصادرة.

تحول في السياسة يحتم تحولا في النضال

واليوم وعشية كل يوم أرض تعلو نقاشات تتجاوز المنطق احيانا لتتحول الى مهاترات ومزاودات . النقاش الدائم حول الاضراب في يوم الارض اصبح رياضة وطنية عند البعض، وكأن النضال لا يكون ولا نعرفه الا على شكل الاضراب العام . قوة الاضراب العام في العام 1976 في فعله الصدامي مع الاذعان والرضوخ وفي عنصر المفاجأة الكامن في جرأة القرار غير المتوقع أمام سلطة فعلّت جميع اجهزتها لمنعه، وفي بلورته لارادة جمعية لم تكن متوفرة قبل ذلك لدى الجماهير العربية في البلاد.
في السنوات الاخيرة جرى تحول في سياسة الحكومات الاسرائيلية التي تعلمت الدرس وألبست قراراتها لنهب الاراضي العربية وحربها التي تشنها على الارض الى فعل يومي تراكمي تجنبا لايقاع صدمات واسعة النطاق تشحن الجماهير برد فعل غاضب. ازاء تغيير من هذا النوع تحولت ايام العام جميعها الى يوم ارض طويل متفرق يطال النقب ويهدد المدن المختلطة ومسطحات القرى في الجليل والنقب . في الوقت الذي كان اجتراح يوم الارض معجزة بحد ذاتها، اصبح الحفاظ على نفس نضالي مواجه على مدار السنة هو المعجزة الجديدة والتحدي الاكبر الماثل أمام الجماهير العربية بقياداتها السياسية والحزبية والشعبية. حين تفرغ الاداة النضالية من قدرتها على أحداث الضغط على مصممي السياسات الحكومية يصبح فعلا ابداعيا بامتياز البحث عن ادوات نضالية جديدة تتلاءم وعمق التمييز والاجحاف وتشحذ الهمم لتحرك شعبي واسع.

مساجلات تحرف النقاش وتحول الانظار

ان محاولات حرف النقاش في يوم الارض عن هذه المهمة المصيرية الى سجالات حول اعلان الاضراب أم عدمه وحول رفع الاعلام الحزبية يعكس وهنا وضعفا لدى من يحترف هذه النقاشات . بالامكان المرور مر الكرام على هذه المساجلات لو أنها بقيت في خانة اللهاث وراء سويعات من التغطية الاعلامية ، ولكن الامر يعدو ذلك ليعكس فهما مغلوطا لمجموعة من القيم والمفاهيم من ضمنها مفهوم النضال الحقيقي مقابل الشعارات الطنانة والمزاودات ومن ناحية أخرى مفهوم وحدة الصف الوطنية التي تحمل في طياتها الوان الطيف السياسي التعددي لجماهيرنا العربية مقابل الوحدة التي تمحي الطروحات السياسية المختلفة لتتماهى تحت سقف فضفاض من وطنية تجمع الرجعية واليسار واليمين ، غير آبهة بما تلحقه من تضليل وعدم وضوح لدى أجيال كاملة من الشباب والشابات هم عمدتنا الاساسية في المعارك المقبلة، وما تحدثه من شق الصف ومراكمة مشاعر العداء داخل البيت الوطني على المدى البعيد.

وحدة الصف والنضال العربي اليهودي

الهجمة الشرسة التي تشنها الحكومة الاسرائيلية اليمينية على الجماهير العربية من سلب للاراضي وسن قوانين عنصرية وهدم للبيوت ومخطط برافر المشؤوم تحتم وحدة صف نضالية تسعى لتعميق الوعي السياسي للجماهير العربية وتؤكد على تلاحمها وجاهزيتها للتصدي للمخططات يوميا . هذه الهجمة التي تتخذ شكلا من اشكال الاستنزاف اليومي تمارسه مؤسسات السلطة واذرعها المختلفة يحتاج الى القوة الكامنة في جميع شرائح واحزاب الجماهير العربية الوطنية مضاعفة اكثر من مرة لتتمكن من التصدي الحقيقي لها، بما في ذلك تجنيد جميع القوى اليهودية التقدمية الى جانبها في هذه المعركة التي تحمل من بين ما تحمل رمزية المواطنة الكاملة والحق في استثمار موارد هذه البلاد لمصلحة جميع سكانها وخاصة الجماهير العربية من ابناء هذا الوطن الذي لا وطن لهم سواه.
هناك حاجة لابتداع وسائل نضال لا ترتكز الى الفعل الواحد الذي يمتص الغضب الشعبي في مظاهرات تتخذ طابع الذكرى وانما اعمالا تطوعية تعيد اعمار ما هدم وتمد الناس بالقوة على الصمود والثبات، ونشاطات نضالية تمنع اليات الهدم والمصادرة، وتثقيف سياسي يعمق جدلية التصدي والوعي للاهداف المرحلية وبعيدة المدى في معاركنا. ولكل منا دوره في هذه المعركة، للهيئات التربوية التي تشحن الطلاب بالفعل الثوري وللهيئات الشعبية التي تجند المواطنين على مدار السنة والاحزاب التي ترفع راياتها في شموخ ليتحول يوم الارض الى تعبير عن رؤى سياسية حزبية وطنية تصب جميعا في الحدث الوطني وترتقي به الى مستوى العمل السياسي النضالي. يوم الارض كان فعلا سياسيا واعيا يعتمد على القدرات الذاتية ولن يكون ذكرى وبكاء على الاطلال او انتظارا للخلاص من حيث لا ندري.



#عايدة_توما_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا لست... نسوية
- تبقى المنارة والبوصلة
- النقد المجتمعي والنسوي للصلحة العربية
- الصفقة 38 - خلفيات ، أسباب وتداعيات والاهم أسئلة مفتوحة ...
- جثة تبحث عن هوية
- ما لم تفهمه يحيموفيتش حتى الآن..
- أيلول - هل نحن مستعدون؟
- اللُّعب بالسياسة باسم -النقاوة القومية-
- مبادرة أيلول
- البعد الشعبي المفتقد
- الخيار الثالث وارد، وان بهظ الثمن
- حل الدولتين وحلم الدولة
- نضال العمال الاجتماعيين والدرس المُستفاد
- اشكالية نسبة الفتيات العالية في -الخدمة المدنية-: إستغلال سل ...
- التمثيل النسائي في العمل البلدي الجبهوي
- غادرتنا ابتهاج خوري، العلم والمشهد العكي النابض بالحيوية وال ...
- ليكن هذا القرن قرن النهوض المتجدد للاشتراكية الثورية في كل ا ...
- نحيي الثامن من آذار يوما نضاليا لانه يزرع فينا قيما تنتفض ضد ...
- ضد -ملكوت الجمال-، ولكن!
- نحو حوار مجتمعي يعالج العنف ضد النساء


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عايدة توما سليمان - يوم الارض، عبر وتداعيات