أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية















المزيد.....

مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3681 - 2012 / 3 / 28 - 09:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كيف صمد شعبنا طوال ثمانية عشريومًا ، تحدى فيها برد طوبة وعواصف أمشير، وأجهزة القمع الإعلامية والبوليسة ؟ أعتقد أنّ هذا السؤال ، ومحاولة تأمله ، هوالمدخل لفهم ما حدث منذ 25ينايرحتى 11فبراير2011، فى ضوء ما رأته عيناى وسمعته أذناى فى ميدان التحرير.
شعب لايملك إلاّ نبضات التوق إلى الحرية ، فى مواجهة نظام يمتلك كل أدوات القمع: 60سنة من التضليل الإعلامى بهدف السيطرة على عقل شعبنا ، كى يُردّد وراء الإعلام ابتهالات الدعاء للزعيم الفرد ، الذى علمنا الكرامة وأطعمنا ورفع رؤوسنا بالانتصارعلى الاستعمارلتبدأ معاركنا مع اليسار، كما قال نبى العروبة عبدالناصر، ومن ورائه الصحابى الأول محمد حسانين هيكل . وكانت مؤسسة التعليم (من الابتدائى إلى الجامعى) تؤدى دورمؤسسة الإعلام ، حتى تكتمل القبضة الحديدية على عقل شعبنا . ثم يأتى الضلع الثالث فى هذا الثالوث الشرير، أى أجهزة القمع البوليسية . وقد تبيّن أنّ قنابل الدخان والقنابل المسيلة للدموع ، والرصاص المطاط ، وكل أدوات القتل المسماة فى أجهزة الإعلام ب (أدوات مكافحة الشغب) تبين أنها وارد أمريكا وإسرائيل .
المجابهة كانتْ منذ 25ينايرغيرمتكافئة على صعيد ما يمتلكه كل طرف من سلاح . فهل نداء الحرية يستطيع الصمود أمام الأسلحة المادية : إتهام الثواربالعمالة لأمريكا وإسرائيل ، استخدام الرصاص الحى لقتل الثوارأو اصابتهم بعاهات مستديمة ؟ التجربة قالتْ أنّ نداء الحرية نجح فى تلك المبارة العصرية ، وأنّ الثوارأجبروا الدكتاتورعلى التخلى عن الحكم بعد ثمانية عشريومًا .
أعود إلى السؤال المفتاح : ما سرهذا الصمود ؟ هذا الصمود صنعه نفس السلاح (نداء الحرية) الحرية التى حوّلتْ ميدان التحرير إلى قارة صغيرة اسمها (قارة الدفء الإنسانى) وترجمة هذه القارة الصغيرة ، أنّ (البيت المصرى) بتقاليده وأعرافه عن الاحتضان والتضامن ، انتقل إلى ميدان التحرير. فأنا (مثلا) أعانى من التهابات فى فقرات الظهر، وبرد طوبة يُلهب هذه الالتهابات ، كما أننى على مشارف السبعين ، فكيف كانتْ إقامتى فى الميدان عندما قرّرتُ المبيت ؟ وأنا فى الطريق كنتُ أشعر بالتوجس والتوتر. ولكن بمجرد أنْ التحمتُ مع شعبنا داخل الميدان ، زالتْ كل أعراض الخوف . حتى البرد لم أشعربه. فى المساء تصارع أكثرمن شاب من أجل الفوز بى كى يكون مبيتى داخل خيمتهم . وهل كنتُ أنام ؟ وهل كان الثوار ينامون ؟ هل الاغفاءة ساعة أو ساعتين خلال اليوم (بنهاره وليله) هى النوم ؟ نظرًا لمشاكل فى المثانة ، أذهب كثيرًا إلى دورة المياه . فى الثانية صباحًا ، فى الرابعة صباحًا ، أمشى وأتجول فى الميدان ، أتساءل سؤال الفرحة والدهشة : هل التوقيت هو منتصف الليل ، ثم تباشير الفجر، أم أنه فى عز النهار؟ سبب التساؤل هو : أينما أمشى أشاهد التجمعات ، أرى الفرق الموسيقية ، أسمع الغناء الثورى ، أسمع الهتافات المطالبة برحيل الدكتاتور، أشاهد الخطاطين الذين يكتبون اللافتات لمن يطلبونها ، أرى رسامى الكاريكاتير وهم يُبدعون لوحاتهم الساخرة من عصابة الحكم ، أعود إلى الخيمة. أغفو لو أردتُ . أو أدخل فى الحديث مع من يتناقشون حول سيناريو الغد ، واصرار مبارك على التحدى ورغبته فى البقاء رغم مئات الشهداء وآلاف المصابين . تتسلل أشعة الشمس على استحياء . يبدأ الخروج من الخيام ، لاستقبال حرارتها فى الصباحات الشتوية . يبدأ شباب اللجان الشعبية فى تنظيف الميدان . تتخلص أشعة الشمس من خجلها ، فيسود الدفء الشتوى .
يبدأ شباب آخرون من اللجان الشعبية فى توزيع طعام الافطار، ويبدأ يوم جديد من أيام الحرية.
العلاقة بين الارادة وعبقرية العفوية :
بدأتْ المظاهرات يوم 25ينايرلتلبية بعض المطالب ، مثل محاكمة ضباط التعذيب ، وإقالة حكومة نظيف إلخ ، ولكن تجاهل هذه المطالب ، مع تصاعد القمع وقتل الشباب ، حوّل المظاهرات (التى كان من الممكن أنْ تنتهى لو تمت الاستجابة لهذه المطالب) إلى ثورة شعبية ، التى كتب سطورها عامل (العفوية) إذْ أنّ شباب الفيس بوك ومن إنضم إليهم من شعبنا ، لم يُخططوا لسيناريو الاعتصام الدائم داخل ميدان التحرير. ولكن هل (عبقرية العفوية) تصنع ثورة ؟ أعتقد أنّ الاجابة بالنفى . ودليلى انتفاضة شعبنا فى يناير77 إذْ لم يكن وراءها أى تنظيم سياسى ، ولم يكن لها أية أهداف استراتيجية ، وإنما احتجاج شعبى عارم ضد الزيادة فى أسعاربعض السلع ، بعد أكاذيب السادات وأركان نظامه عن الرخاء بعد أكتوبر73 ، فإذا بالواقع عكس الخطب . ورغم أنها ضمّتْ كل فئات شعبنا من الإسكندرية إلى أسوان ، وتصاعدتْ الشعارات لدرجة تشبيه النظام بأنه أسوأ من النازية (حكم النازى ولا حكم حجازى) فى إشارة إلى أحد منفذى سياسة صندوق النقد الدولى (د. عبدالعزيزحجازى) فإنّ الذكاء السياسى / الشيطانى للسادات أجهضها سريعًا بعد يومين بالتراجع عن قرار ارتفاع الأسعار والتخطيط – بعد عدة شهور- لتنفيذ نفس الجريمة تحت مسمى (تحريك الأسعار) ومن هنا ظلتْ فى الأدبيات السياسية على أنها (انتفاضة شعبية) وإذا كان السادات تميّزبالذكاء السياسى / الشيطانى ، فإنّ الغباء السياسى لمبارك وأركان نظامه هو المفجر لتصاعد (لحن العفوية) الذى انتقل فى الحركة التالية من تلك السيمفونية إلى (لحن الارادة) حركة أخذتْ عدة أشكال : (1) التمترس داخل الميدان لمدة 18يومًا (2) عبقرية وبساطة شعارمن كلمة واحدة (ارحل) الذى أخذ عدة نغمات مثل ((موش ح نمشى.. هوّيمشى)) ولكن التمترس داخل الميدان مع برد طوبة وعواصف أمشير، يستلزم (عبقرية) مكملة ، فكان توفيركل سبل المعيشة ، ليس الطعام والشراب فقط ، وإنما (قتل) الوقت الذى تغلب عليه شعبنا بخاصيته الفريدة ، أى الإبداع المتمثل ، ليس فى الغناء والرقص وكتابة الشعارات فقط ، وإنما كان الأهم هو (الدفء الإنسانى) الذى أظهرمعدن شعبنا الحقيقى ، فالقادر ماديًا احتضن غيرالقادر، فلم تكن هناك مشكلة فى الطعام أو فى المبيت (3) التنظيم الرائع للجان الشعبية ، سواء داخل الميدان أوخارجه (4) دورالأثرياء الشرفاء الذين أقاموا منصات المسارح داخل الميدان (5) دورالطبقة الوسطى التى نعتتها الثقافة السائدة بأنها فى حالة (موت سريرى) فإذا بها تُقدّم مثالا رائعًا فى احتضان الثورة ، وفى لقاءاتى مع الكثيرين من الشباب ، عرفتُ أنهم غيرمسيسين ، وأنهم يشغلون وظائف راقية بمرتبات مرتفعة ، وكانتْ اجاباتهم لى عن سبب مشاركتهم فى الثورة ، كلمة واحدة (الحرية) وهكذا انتقل لحن (عبقرية العفوية) إلى لحن (تنظيم الارادة) فتحقق درس التاريخ : إذا الشعوب أرادت الحياة ، فلابد أنْ ينكسر جبروت الطغاة .
فى تجوالى داخل الميدان ، حرصتُ على تدوين الشعارات وتدوين لقاءاتى مع بعض من حاورتهم : قابلتُ فلاحة عجوزحدّثتنى عن دورالحكومة فى تخريب الزراعة. وعن مشكلة الرى.. وعن رفض الحكومة استلام القمح من الفلاحين بعد الاتفاق معهم . تركتها لأجلس بجوارسيدة عجوزأيضًا من شبرا الخيمة وافقتْ على أنْ أكتب اسمها . سألتها عن سبب حضورها إلى الميدان ، أجابتْ بكلمة واحدة (الظلم) استدرجتها للتفاصيل ، فحدّثتنى عن ابنها غريق العبارة ، وعن ابن أخيها المسجون فى السعودية ولا يعرفون عنه أى شىء . عندما رأتْ سحابات الغيوم فى عينى ، أعطتنى برتقالة وأخذتنى فى حضنها . وعندما هممتُ بتركها قالتْ لى بالحرف ((أمانه تقول للشبان اللى عملوا الثوره.. أنا لو أشوف أى واحد منهم .. أوطى أبوس رجليه)) تركتها لأشاهد فلاحًا يمسك ورقة كرتون علبة بسكويت وعليها الكتابة التالية ((يوسف والى ويوسف عبد الرحمن خرّبوا الزراعة.. ومنعوا زراعة القمح والقطن)) تركته لأشاهد شابًا يمسك ورقة كرتون وعليها الكتابة التالية (( الاسم : مواطن – الديانة : مصرى – تاريخ الميلاد : 25يناير2011- محل الميلاد : ميدان التحرير)) تحاورتُ معه. علمتُ أنه دبلوم صنايع ، ليس له أى نشاط سياسى أوأية اهتمامات بالأدب . سألته عن مغزى (الديانة : مصرى) قال جملة لم تخطرعلى ذهنى من قبل ((فيه ديانة شخصية : مسلم ومسيحى ، وفيه ديانة وطنية تضم كل أبناء الشعب)) .
كتب كثيرون أنّ آفة شعبنا الصبرالطويل ، وأنه لايُقاوم إلاّ بالنكتة. ووصفنا د. جمال حمدان بالسكينة والاستكانة. وتجاهل أنّ (جغرافيتنا) فيها البحرالمتوسط الذى يهدأ ويثور، لذلك لم يتوقف أمام ثورات شعبنا ضد الغزاة ، مثل ثورة البشموريين فى شمال الدلتا ضد الخليفة المأمون الذى فشل قائده الإفشينى فى كسرالثوار، فجاء المأمون على رأس مائة ألف مرتزق ليسحق الثورة ، وتحقق له ما أراد وفقًا لموازين القوة بين الطرفين ، وبعد أنْ قتل المئات جمع الشيوخ والنساء والأطفال حفاة وسارجيشه بهم على أرجلهم إلى بغداد ليُباعوا فى سوق النخاسة.
فى يوم 25يناير2011نهض المارد ليُطيح بأكاذيب الكتاب. مارد من ملايين شعبنا الممتلئين بشرايين العفوية السحرية التى تُلخص (عبقرية الشعوب) تدفقتْ الدماء فى العقل المصرى ، فذابتْ (الجلطة) المخية التى أحدثها نظام يوليو52. ولكن السؤال : من أيقظ المارد ؟ أيقظهم شباب ال net الذين أطلقوا شرارة الثورة. وإذا كان من المهم الاشادة بالعبقرى الذى اخترع الكمبيوتر، والعبقرى (جيتس) مؤسس ميكروسوفت والعبقرى الذى اخترع ال net ، فإنّ الشاب العبقرى (زوكربرج) مؤسس موقع الفيس بوك وعمره 19سنة ، يستحق الكثيرمن التقدير، لأنه خلق قارة جديدة اسمها (التواصل الإنسانى) عبرالبحار والمحيطات. شبابنا (طليعة الثوار) ظلوا يعملون فى صمت طوال عدة شهور، خاصة بعد اغتيال الشاب خالد سعيد ، للتجهيزللثورة.
كان لاختيارهم يوم 25ينايردلالة لم يلتفتْ إليها كثيرون ، إنه اليوم الذى سرقه ضباط يوليو52 ليحتفلوا فيه ب (عيد الشرطة) وكان الدرس هو: إنّ جنود وضباط يناير52 حاربوا الإنجليز، واشتركوا مع الشعب فى المظاهرات ضد المحتل وضد القصرالملكى واشتركوا مع الشعب فى كل اضراب واعتصام بعد يوم 21فبراير46وحتى انقلاب يوليو52، بينما الشرطة بعد هذا الانقلاب العسكرى ، انقلبتْ لتكون أداة قمع ضد الشعب الذى يُقتل فى السجون وأقسام الشرطة وفى الشوارع على يد من يدفع لهم أجورهم. ولم تكن مصادفة أنّ يكون من بين طليعة الثوارمؤسس موقع (كلنا خالد سعيد) وكما تم اغتيال خالد سعيد على يد الشرطة (المصرية) تم اختفاء أحد مؤسسى الموقع (وائل غنيم) بعد ثورة 25ينايربواسطة الشرطة السرية. وظلّ لمدة 12يومًا رهن الاعتقال معصوب العينين ، ومن المحرمات تعريف والديه وزوجته بمكان اعتقاله.
طليعة الثوارلايحملون السيوف ولايركبون الجمال . سلاحهم العقل الحروالضميرالحى وثورة التكنولوجيا ، لهذا (بعد أنْ انضم المارد المصرى إليهم) كانوا هم الأقوى على كل أجهزة النظام الذى ظلّ يترنح وهو يُقدّم التنازل تلو الآخر، رغم أنّ الثوارلا يملكون أسلحة الدولة البوليسية.
طليعة الثوارتحرّكوا وهم يعلمون أنّ موازين القوة ليست فى صالحهم ، ولكنهم راهنوا على ترسانة من القهرداخل صدورشعبنا ، وانطلقوا بسلاح المعرفة الذى أقنعهم أنّ (الصبرالطويل) لا يعنى (الاستسلام الذليل) انطلقوا وهم يعلمون أنّ النظام يمتلك أجهزة القمع التالية : وزارة الداخلية ومهمتها القتل المادى ووزارة الإعلام ومهمتها قتل العقل الحر، ليستمرنشيد يوليو52 ((بالروح.. بالدم نفديك يا فلان)) ، وزارة الأوقاف التى تُصرعلى أنْ يكون دعاء خطبة الجمعة فى كل مدن وكفورمصر((اللهم أنصرالإسلام والمسلمين)) فى تجاهل واضح أنّ الدعاء يجب أنْ يكون ((اللهم أنصرمصر والمصريين)) أى أنّ وزارة الأوقاف تُصرعلى استبعاد وإقصاء الأقباط المسيحيين ليكون الوطن ملكًا للأقباط المسلمين كما جاء فى كتب المعاهد الأزهرية (أنظردراستى : التعليم الأزهرى والعودة إلى كهوف الماضى – مجلة إبداع- عدد شتاء وربيع 2008) وتكون النتيجة تقسيم الوطن الواحد إلى وطنيْن والشعب الواحد إلى شعبيْن ، لتعميق الكراهية بين أبناء الوطن الواحد (بينما رصاص الشرطة لم يُفرّق بين المسلم والمسيحى) وبذلك ارتكبتْ وزارة الأوقاف نفس الجريمة التى ارتكبها كل الأصوليين الإسلاميين . أما وزارة التعليم فهى المدفعية الثقيلة التى تتولى نزع العقل الحرمن الطفل المصرى ، تأسيسًا على منهج (وأدْ ملكة النقد والتفكيرالحرمنذ الطفولة يضمن لك مواطنًا مخصىَ العقل) بالاضافة إلى تخصيص حصة للدين للأقباط المسلمين ، يتم فيها استبعاد الأقباط المسيحيين ، فيتم تكريس الانقسام فى عقل التلميذ ، فى حين أنّ جَمْعْ (كل) التلاميذ فى حصة واحدة أمرميسورمن خلال مادة (الأخلاق) التى تُدرس بعض الآيات التى تحض على حب الخيروالأسرة إلخ من الديانتين الإسلامية والمسيحية ، مع نماذج من كتابات حكماء مصرالقديمة ، مثل الحكيم (آنى) الذى قال فى وصيته لابنه ((عليك أنْ تقف للإنسان الأكبرمنك سنًا ، حتى لوكنتَ أعلى منه منصبًا)) وقال أيضًا ((إذا كنتَ قد تعلمتَ شيئًا ، فأين أنتَ من بحورالمعرفة)) ومع ملاحظة أنّ وصايا الحكماء المصريين فى مصرالقديمة ، كانتْ تُدرّس فى مدارس المرحلة الأولى للتعليم إلخ وتدريس نماذج من أقوال بوذا الذى قال ((إذا مررتَ علي شجرة فلا تقطف كل ثمارها.. أترك بعضها للإنسان العابر، وللطيرالمهاجر)) ونماذج من تعليماته التى حرّض فيها على كراهية الكذب والنميمة والحروب وتجارة السلاح ، ودعا إلى أنْ يسود السلام بين كل البشرإلخ . وتدريس نماذج من أقوال كونفوشيوس الذى قال ((أحب لغيرك ما تحبه لنفسك)) وقال أيضًا (( الإنسان الخيّرهو الإنسان الحكيم.. والإنسان الحكيم هوالإنسان الخير)) وفى التعليم المصرى الحالى يتم إجبارالتلميذ المسيحى على حفظ أشعارتُمجد فى الرموزالإسلامية وحفظ بعض الآيات القرآنية. وهذا فى مقررات اللغة العربية .
طليعة الثواركانوا يعلمون أنّ أجهزة قمع العقل المصرى والوجدان المصرى عديدة ، ومع ذلك راهنوا على أنّ كل هذه الأجهزة القمعية لن تقتل ثقافة شعبنا القومية ، تلك الثقافة التى رسّخها المصريون القدماء وتأسّستْ على مقاومة الظلم (ثورة جدودنا فى ظل حكم الأسرة السادسة نموذجًا) وعلى قيمة العدالة (إبتكارإلهة للعدل "ماعت") وعلى قيمة التعددية (تعددية الآلهة المصرية قبل أحادية أخناتون المدمرة) التعددية هى التى أنتجتْ هذا المشهد الذى لم يكن مفاجأة لى : أنْ يقف الأقباط المسيحيون لحراسة الأقباط المسلمين وهم يؤدون الصلاة. ولم تكن مفاجأة لى أنْ شابًا على ذراعة وشم الصليب ، يخلع البلوفرلرجل قبطى مسلم أراد الصلاة. ولم تكن مفاجأة لى أنْ أرى فتاة مسيحية تمسك بزجاجة مياه ، لتصب الماء على كفىْ الشاب الذى أراد الوضوء . ولم تكن مفاجأة لى أنه لم يتم الاعتداء على كنيسة واحدة ، طوال ثمانية عشريومًا ، تلك الأيام التى أصبحتْ رمزًا للجمال وللدفء الإنسانى .
لقد انتصرالثوار، ليس لأنهم كسروا هيبة دولة البطش فقط ، وإنما لأنهم (أيضًا) نزعوا أوراق التوت عن عورات كثيرة : أحزاب ديكورية صنعها النظام ، رفض شعارات الإخوان المسلمين (وهى الشعارات التى طفحتْ على سطح الواقع بعد يوم 11فبراير، وانتشرتْ مياهها الآسنة تمهيدًا ليوم 19مارس) وأعتقد أنّ أهم العورات التى تم نزعها ، هى خطورة الحكم الفردى المطلق المؤسس على نظام سياسى هو النظام الرئاسى ، وخاصة فى الأنظمة الشمولية التى تجعل سلطة الرئيس تساوى قاعدة (كن فيكون) ، إذْ يضم السلطتيْن التشريعية والقضائية إلى السلطة التنفيذية ، كما فعل نظام يوليو1952الذى امتد إلى يوم 11فبراير2011.
طليعة الثوارجعلوا الأمل فى (عصرنة) مصريقترب ، عصرنة تنهض على التعددية ، بعد إزاحة الوجه القبيح لكل أشكال الأحادية والشمولية ، بفضل ثورة شعبنا المجيدة التى بدأ نورها ينتشرفى أماكن كثيرة من العالم ، وسيُخلدها التاريخ ، لتكون درسًا لكل الشعوب المتحضرة ، التى تولى وجهها دائمًا لشموس الحرية. وصدق شعبنا فى شعاره الحكيم ((الحرية أوالموت)) .
*****
طوال الثمانية عشريومًا كان الشعارالسائد ((الشعب يريد اسقاط النظام)) شعار حاز اتفاق كافة شرائح شعبنا ، حتى أصحاب التيارات الإسلامية الذين توافدوا على الميدان بعد يوم 28يناير، إذْ تراجعوا عن قرار عدم المشاركة فى الأيام الأولى للثورة . ولكن فى مساء 11فبراير- بعد بيان تخلى مبارك عن الحكم – حدث تغيرملحوظ من قِبل الجماعات الإسلامية ، إذْ مشوا فى أنحاء الميدان وهم يهتفون ((الله وحده أسقط النظام)) وفى صباح اليوم التالى ذبحوا العجول ووزعوها على الأهالى مع ثلاث كلمات ((حلاوة الثورة الإسلامية)) أى فى مساء 11فبراير بدأ السطو الأيديولوجى باسم الدين ، لسرقة أرواح الشهداء الذين خرجوا من أجل (نداء الحرية) الحرية التى لاتعترف بأنْ يكون للدولة (كشخصية إعتبارية) دين ، الحرية التى لاتُفرّق بين مواطن ومواطن على أساس ديانته ، وإنما المقياس هو العمل وتأسيس دولة القانون ودولة الحداثة لمواكبة التطور العلمى والتكنولوجى . فهل سيستمرالسطو الأيديولوجى باسم الدين ، وبالتالى يتم اجهاض الثورة ؟ أم أنّ أحشاء المجتمع تُنبىء ب (حلقات أخرى) للثورة التى لم يتحقق أهم مطالبها (الحرية للجميع) وليستْ لشرائح دون شرائح على أساس الانتماء الدينى الذى يُكرّس للتميز بين أبناء الوطن الواحد ؟
******



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستور سنة 23 وموقف الليبراليين المصريين
- قصة (بعد صلاة الجمعة) والفكر الأصولى
- إبراهيم أصلان والكتابة بلغة فن الهمس
- محجوب عمر والترانسفير الصهيونى
- نداء الحرية فى مواجهة بطش العسكر
- العلاقة بين التدين والإبداع الشعبى
- الروائى الأيرلندى جيمس جويس واليهود
- الصحافة المصرية وحجب المعلومات
- الدبلوماسية المصرية بعد يوليو52
- الآثاروالسياحة واللغة المصرية القديمة
- بورتريه لإنسان لا أعرفه
- أخناتون بين التوحيد والتفريط فى حدود الوطن
- فتاة صينية (مشهد واقعى)
- روبابيكيا ( مشهد من الحياة)
- الشروط الموضوعية لتحدى الإدارة الأمريكية
- عادل وحلم الطيران- قصة للأطفال
- صديقان - قصة للأطفال
- من يفتح الباب - قصة للأطفال
- السياسة والإبداع
- تاريخ مصرمن ساويرس إلى عبدالعزيزجمال


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية