أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - القضاء السوري بين العدالة والمشاركة في الجريمة














المزيد.....

القضاء السوري بين العدالة والمشاركة في الجريمة


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 12:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كلما سمعت أو قرأت شيئا عن إصلاح قضائنا الميمون تذكرت قصة رواها لي الكثيرون ممن عرفوا والدي, وقد حدثت في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. تمحورت هذه القصة حول الأرض في بيئة فلاحية فقيرة.
كان أبي وحيدا لأب تركه رضيعا وهاجر إلى الأرجنتين, هربا من التجنيد في الجيش العثماني, ومن الجوع والفاقة. وعندما شب وكبر, طالب بحصة أبيه من الأرض, ولكن عمَّه رفض أن يقاسمه إياها, وبدأ يكيد له المكائد, ويعرض عليه بين الحين والآخر ربع حصته أو نصفها. وأبى والدي إلا أن يأخذ حقه كاملا...وفاز به عن طريق القضاء, ورئيس العشيرة التي ينتمي إليها (وليس شيوخها!).
وراح والدي يعمل في أرضه, ويغني العتابا والميجانا, ممتنا للعدالة الإلهية والبشرية. وفجأة حدثت مشكلة صغيرة, فقد رفض عمُّه من جديد أن يتقاسم معه مناصفة محصول دالية العنب, وطالب بالثلثين عوضا عن النصف. كانت الدالية ملكا لأبي, بينما امتلك عمُّه شجرة السنديان التي تعرِّش عليها الدالية. وكان مثل هذا العرف, أي المناصفة, سائدا, بسبب محدودية الموارد والخيرات في بيئة جبلية قاسية.
لم تدم حيرة والدي طويلا, فقد جاء بمنشاره وفأسه وقطع الدالية من جذورها, حتى لا تكون ثمة مشكلة بعد ذلك, وينتهي الخلاف, ولو على حسابه. ومع ذلك اشتكاه عمُّه إلى القضاء في اللاذقية, والتي تبعد عن بلدتنا الدريكيش حوالي مائة وخمسين كيلومترا, في وقت كان التنقل فيه في غاية الصعوبة.
وفي أثناء المحاكمة, حمل والدي معه المنشار والفأس. وعندما سأله القاضي إن كان قد قطع الدالية, رد بالإيجاب وأضاف: " الدالية داليتي, وقطعتها بفأسي ومنشاري, وسأزرع عوضا عنها إن شاء الله, وقدَّم الأداتين الجانيتين للقاضي!. حكم القاضي له بالبراءة من الجلسة الأولى, لوضوح القضية, وأمر بسجن عمِّه شهرين مع الغرامة, لتسبب العم بالمشكلة من أساسها.
وتعبيرا عن فرحته, ولكونه لا يمتلك مسدسا, فقد اشترى والدي رزمة من المفرقعات وفرقعها على طول الطريق قبيل وصوله القرية, وكان المهنئون في استقباله. وانتهت مشاكل الأرض دفعة واحدة, بفضل تفهم القاضي وحسمه للقضية والخلاف, وإحقاقه للحق.
وبعد سنين طويلة من حلول قانون الطوارئ وفساد القضاء, كنتيجة لمزامير بعثنا العتيدة في عام 1963, تعرض أخي لعملية نصب قام بها محامي (نعم محامي!) فباعه بيتا يمتلكه شخص آخر. ولم تحسم القضية منذ أربع سنوات, رغم اعتراف المحامي بفعلته ووجود الشهود, وما زال التسويف والمماطلة مستمرين. وليعذرني القارئ لإطالتي في السرد, ولم أكن لأتحدث عن هذه الأمور الخاصة, لو لم يكن يوجد مثلها الكثير.
لقد أصبح قضاؤنا شريكا في الجريمة, وليس محايدا. فلنفترض أن شخصا ما قرَّر أن يأخذ حقه بيده, وقتل شخصا آخر بسبب مشكلة تافهة. عندئذ, سيقضي سنين قليلة في السجن (هذا إن سُجن, ولم يكن مدعوما) ويخرج من خلال عفو رئاسي, بينما يقضي السجناء السياسيون أو سجناء الرأي عقودا بمحاكمة صورية أو بدونها, ولا يشملهم أي عفو إلا بعد انقضاء مدة الحكم بسنين أحيانا, أو فقد نصف عقولهم إن بقوا على قيد الحياة!.
تفاخر الدول بقضائها واستقلاله, بينما يماطل معظم قضاتنا في النطق بالأحكام, بسبب فسادهم أو خضوعهم للابتزاز, حتى تضيع فيها الحقوق بالتقادم.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تنقلب الأماني المفوَّتة إلى تخوين وإفلاس
- صديقي الصيني -هوُ ياو ووو
- سوريا الحنونة بين أخذ ورد
- حراس فساد جدد بنكهة ستالينية - مكارثية
- دور الفرد في التاريخ من خلال النموذج الناصري
- اقتراحات لعلاج الشعب السوري من الخوف الأمني
- فوبيا المسيرات الجماهيرية
- نسمة من نسائم الحرية
- مظاهرة أم مسيرة...والله أعلم!
- السلطة والمعارضة والوحدة الوطنية ووحدة الشيوعيين
- ثقافة الكبت والعنف
- الموالاة والكفاءة والفساد
- هل ستنمو براعم الليبرالية في سوريا؟
- إيزو في الديمقراطية للبنان وسوريا
- العداء في السياسة, والعداء كسياسة
- تفاؤل استراتيجي وتشاؤم تكتيكي
- لا تتحقق السيادة إلا في ظل الديمقراطية
- انطباعات أستاذ زائر عن حلب وجامعتها
- تفكيه السياسة السورية وتنكيهها
- طلب انتساب


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - القضاء السوري بين العدالة والمشاركة في الجريمة