أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد طلعت - المشترك التاريخي بين اليهود الصهاينة والسلفيون الجدد















المزيد.....


المشترك التاريخي بين اليهود الصهاينة والسلفيون الجدد


محمد طلعت

الحوار المتمدن-العدد: 3680 - 2012 / 3 / 27 - 08:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الشاهد التاريخي كشاهد القبر لا يكذب ولا يتجمل بل يترجم حقيقة كونية ثابتة وإن أنكرها الناكرون بأن ثمة حياة انتهت هنا وعليك أن تتعظ من هنا.!
وحين يطالعنا البعض على شواهد التاريخ قد يضحك بعضنا ولا يصدق ولا يؤمن بثمة التشابه بين الماضي والحاضر بل يسخر من القائل بضرورة الاعتبار من تجارب وأحداث التاريخ الماضية كدروس وعظة حتى لا نسقط في فخ الخراب.

الخراب الذي يفصح عنه شاهد التاريخ بثمة حقيقة كونية أثبت الواقع فى حينها ساديتها وفشلها الذريع في إقامة حضارة خالدة أسهمت بنتاج حضاري في الحضارة الإنسانية العريقة المتعارف عليها علميا والتي تركت لنا أثارا ملموسة تتحدى الزمن وعبث الأغبياء من البشر.

الخراب الذي أحدثته الممالك الدينية على نفسها وعلى راعيتها وعلى الشعوب المجاورة لها. ونحن هنا لا نتحدث عن الممالك ذات النزعة الدينية التي ذكرت في القرآن فبرغم غيبيتها التي لم يذكرها التاريخ ولم نشاهد لها على اثر محدد يعترف به علماء الآثار والحضارات إلا أننا نحترمها كمقدس ديني؛ فعلى أية حال لسنا هنا بصدد الحديث عن هذه الممالك. إنما حديثنا هنا منصب في الممالك الدينية( اليهودية والإسلامية) التي اخبرنا عنها التاريخ ووقعت تحت الفحص والتدقيق والنقد وربط الشواهد وتفنيدها حتى نخرج بعدة نتائج تعلن عن أن الخراب الذي كانت تبثه هذه الممالك باسم الدين افسد عقول الناس القاطنة في تلك البقية الجغرافية التي تعرف حاليا بالمنطقة العربية. ولشد المصيبة التي أحدثتها هذه الممالك الوافدة من شبة الجزيرة العربية في عقول بلاد الشام وبلاد شمال إفريقيا من التصحر العقلي والبوار الفكري ، وهم-بلاد الشام وشمال إفريقيا- بلاد أصحاب حضارات معروفة وشواهدها مازلت قائمة تتحدى الخراب. ناهيك عن اليهود من ذرية اسحق ويعقوب –الفرع الشرير- الذي ساح في البلاد العربية من شرقها إلى غربها من شمالها إلى جنوبها وعملوا على تكوين ممالك لهم في هذه البلاد بالحيلة أو بالسرقة أو بالفساد أو بالفتن.

نجحت الممالك اليهودية في إقامة مملكة لها كنوع من التسيد. مملكة ولست دولة بمفهوم الحقوق والوجبات إنما كانت مملكة السيادة والعبيد والجواري، ومن خالف هذا المفهوم ومن رفض المثول لهم فكان مصيره الحرق والحرب المدمرة والخراب.

قامت الممالك اليهودية على أساس نظرة استعلائية، وبأن اليهود هم أحباب الله وغيرهم "جوييم" أي غير يهود. وتعني جوييم فى العبرية وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس، وعليه فأنهم فقط القادرون على تطهير العالم لأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة ومفاتيح الله السحرية في اليد اليمنى وفى اليد اليسرى الهلاك والدمار والحرائق وشق بطون الحوامل وذبح الأطفال وقتل العجائز واغتصاب النساء وحرق الشجر والديار وقلب المدن رأسا على عقب، وهم في هذا يتعاملون وفقا لما يرتضيه الله من صب شر العذاب على غير اليهود. وبهذا المفهوم الديني لإقامة ممالك اليهود التي لم تستمر طويلا في فلسطين قديما؛ فهي ممالك صغيرة الحجم، عمرت فترة صغيرة من الزمان ثم انتهت لجمود الدعوى الدينية القاصرة على مفاهيم محددة التي لم تلبى احتياجات المملكة بمفهوم الدولة الراشدة، لأن العقيدة اليهودية لم تستطع أن تكون مفهوما خاصا للسلطة ومفهوما جديدا للأمة وهما شرطان أساسيان لتكوين الدولة. لم تستطع المملكة اليهودية القائمة على العقيدة اليهودية أن تحقق نشوء ثقافة عليا أي منظومة من قيم إنسانية كونية يمكن أن تحقق دولة مركزية تجمع أنظمة غير متجانسة ثقافيا واجتماعيا، لذا انتهت ممالك اليهود القائمة على الدين.

لكن عادت مجددا ومازلت موجودة حتى اليوم بنفس الرغبة الدموية القديمة والهمجية غير الحضارية على الآخر أو على الأضعف الأعزل، لكنها تعلمت الدرس جيدا من التاريخ القديم لها فغيرت ثوبها المتوحش المتشمم لرائحة الدماء والخراب والحرائق بثوب الذكاء المراوغ الذي مكنها للبقاء حتى الآن فى تغيير جذري في عقلية اليهودي القديم وهو التلويح بدينية الدولة باطنيا والتمسك بعلمنة الدولة في المجالات الخاصة بشئون الدولة الحديثة حتى تستمر على نهج البقاء والديمومة والتجدد، لأنهم تعلموا الدرس التاريخي بأن الدولة القائمة على الدين فقط سوف تزول مع أول قطرة دماء تسيل في سبيل هذا الدين حين ينكشف الناس بزيف الحرب التي يخوضونها.!

أما الممالك الدينية الإسلامية برغم قرونها الطويلة إلا أنها لم تضمن لها البقاء حين خرجت على النهج المحمدي في فسلفه الرسالة الإسلامية كدين وليس كدولة فهو جاء لكافة البشر وليس بالضرورة أن تكون كافة البشر محشورون في دولة واحدة اسمها دولة إسلامية. وهذا الفخ الذي وقع فيه المغامرون من أتباع محمد الرسول. إن هؤلاء الأتباع لم تتغلغل روح الرسالة الإسلامية فى نفوسهم واردو خطف ملك البلاد المفتوحة باسم الإسلام وضمها تحت راية واحدة وحاكم واحد، ولعل الشاهد التاريخي فى مقولة أبى سفيان للأمام على يوم وفاة الرسول خير برهان:" لقد زاد ملككم يا بنى هاشم"، وبهذه المقولة التي أجهضت روح الرسالة فيما بعد وإخراجها من طور رسالة للقلوب والعقول للإيمان بها إلى رسالة للاتجار بها باسم الدين والتسيد به، بما يمثله مفهوم أبى سفيان لأمر الدين الجديد الذى لم يستوعب قيمته كاملة وفسرها على إنه مُلك قد أتى لبنى هاشم، بل نصح الأمام على بالاقتتال على هذا الأمر بأن لا يدع أمر الخلافة تذهب إلى غيره، ويؤكد رد الأمام على بأن هذا الجيل الأول الذي شرب روح الرسالة وفهم معناها بأنها رسالة لتطهير والصفاء وليس رسالة إلى التسيد والتمليك، ولعل أيضا موقفه من وقف القتال مع معاوية حين احتكموا للقرآن على أسنة الرماح فاحترم الأمام على الرسالة الدينية في ثوبها القرآني المرفوع على أسنة رماح الحرب الطاحنة وأوقف القتال واستمع إلى الحوار في حين أن الجانب الآخر الذي لا يرى في الدين إلا التسيد والملك قد خدع وراوغ إلى أن خطف الدين وصنع منه مملكة إسلامية تورث في العائلة المعاوية.

ويأتي الفتح الإسلامي بروح الجديدة فى التملك والتسيد على العالمين من عرب بنى أمية ومن بعدهم بنى العباس يؤسس نزعة اتساع رقعة الخلافة الدنيوية على أساس اتساع الملك العضوض الذي يدعو خمس مرات فى اليوم باسم الخليفة جوار اسم الله ورسوله، لما عرف كمصطلح باسم الاستعمار والاستعمار كمعنى فى المعجم العربى معنى براق وبناء اى بمعنى تعمير الأرض " من فعل استعمر اي من عمر ، إحياء المكان بجعله عامرا ً آهلا موفور النعمة"، وهكذا كان استعمار العرب باسم الدين كمملكة متسعة الاطراف غامرت ودخلت البلاد المجاورة، لكنه بقى مفهوم أخر للاستعمار بمعنى " استعمرت دولة دولة أخرى: احتلتها وفرضت سيطرتها وهذا هو واقع الحال مع المملكة المعاوية وما تلتها من مملكة بني العباس وما خلفها من ممالك إسلامية قائمة باسم الدين تستعمر به البلاد. إن - بدون أي حساسيات دينية- الواقع للمالك الإسلامية ما هي إلا دول استعمارية كمصطلح سياسي فهي الدول التي تحتل غيرها وتفرض سيادتها وسيطرتها عليها، أي دولة مستعمِرة: دولة تفرض سلطتها على دولة أخرى وتستغلها، وعليه فإنه كان يتم اختيار والى من قبل الخليفة الإسلامي ليرأس رئاسة البلاد المفتوحة والتحكم فيها سياسيا ومصيريا. وفى معظم الأحوال يكون هذه الوالي بعيدا تمام البعد عن أهل هذه البلدة بل يكون من بلدة أخرى وفى اقرب الأحوال يكون من حاشية البلاط أو من يرضى عنهم الملك الإسلامي.

مع أن صلب دعوة الفتح المحمدي أن يتم إرسال فقيه في أمور الدين يعلم الناس في البلد التي انعم الله على أهلها بدخول الإسلام إلى قلوبهم وعقولهم وحين يطمئن بأن الإسلام تمكن من القلوب يتم تسليم البلاد لواحد من أصحابها المخلصين لروح الدين الإسلامي أي أن البلدة يحكمها أهلها وليس والي من الجزيرة العربية -وليس شرطا أن يكون من أتباع الرسول أو من الصحابا-. كما كان ينص م على مبدأ التكافل الاجتماعي في التضامن حيث تصب البلد الغنية بالموارد في البلد الفقيرة فيما يسمى ببيت المال ثم توزيع الثروات على الفقراء وكافة المسلمين بكافة البلاد الإسلامية تحت رعاية أمير المؤمنين الذي يمثل الراعي العام للمسلمين والذي ينوب عنه فى كل بلد واحد من أبناء البلد أنفسهم وهذا كان مفهوم جديد لدولة في الإسلام بربط كافة البلاد برباط الوحدة الإسلامية.

هكذا كان المفهوم الإسلامي لدولة بعيدا عن أي تطرف أو قفز على سلطة المسلمين واستغلالهم دينيا وإنشاء مملكة دينية باسم الخليفة ظل الله على الأرض والتي أسست مبدأ أن العيب في سيادة الخليفة أو الملك هو العيب في الذات الإلهية، وأن أي خروج على الحاكم الديني هو في الأصل الخروج على شرع الله وعلى الإسلام بل هو خروج على الله نفسه، اخذين التفسير السطحي للنص الظاهري للآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" النساء :59. باستعمال فعل أطيعوا بأنه واجب النفاذ ووجوب العمل به فى طاعة ولي الأمر. والمتأمل جيدا سيجد أن الطاعة الأولى لله الفرد الواحد الصمد والطاعة الثانية لرسول المحدد بصفته وبهيئته وباسمه، بينما جاء الفصل في الطاعة بتعدد أولى الأمر فليس هناك ولي أمر واحد محدد في الإسلام لأنه سبحانه لو ذكر وأطيعوا أولى الأمر فهذا معناه كارثة وبأنه رب ليس برحيم على عباده حين يتحكم فى عباده خسيس جبان أو ندل أو مجرم فما العمل فهل وجب طاعته؟ لذا الله لم يردف فعل الطاعة مع تعدد أولى الأمر لان هذا يؤسس مبدأ الاختيار والعزل إذ لم يراعى ولى الأمر أمر وطاعة الله ورسوله فى العباد الذين تحت رعايته.

والمرجح أن الطاعة المقصود بها الفعل الأول مع الله والفعل الثاني مع الرسول هي طاعة العبادات الروحية التي وجب فيها أمر الطاعة وعدم الخروج عليها وإلا ستكون فتنة ومهلكة للبشر، أما طاعة ولى الأمر بشرطية العدل وطاعته هو فى المقام الأول لله ورسوله. وبتلك الآية التي يتخذها التيار الإسلامي المتشدد على وجوب طاعة الراعية لولي الأمر لأنه طاعة ولي الأمر من طاعة الله ورسوله. هكذا يفسرونها فهذا تفسير باطل ومجافى للعدل الله ورحمته وحكمة رسوله الذي قال " إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"، فهذا رسول الله نفسه يؤكد بان أمور الدنيا هي شورى بيننا، ولعل أمور السياسة والدولة هي من أبسط أمور الدنيا التي فيها المخادعة والدهاء والدبلوماسية والمراوغة التي قد يرفضها الدين، فكيف أزاوج بين الدين والسياسة، كيف أوفق بين مملكة السماء ومملكة الأرض؟ فهذا محال وشواهد التاريخ على هذا التوافق أو الزواج باطلة.

والزعم بأن دولة محمد الرسول صلى الله عليه وسلم هي دولة دينية فهو زعم باطل والدليل مثبت على ما ذكره صحيح التاريخ بمقولة محمد رسول الإسلام:" أنتم أعلم بأمور دنياكم"، لكن يحلو لبعض الشيوخ وصبيان العلماء أن ينفوا ذلك واتهام الآخر بالعلمنة والكفر والتطاول على الرسول الكريم في حجية القول بالفصل بين الدين والدولة بشأن تلك المقولة. والأمر واضح لا يحتاج لبس في حجية الفصل مابين هو ديني ودنيوي.

لكن مازال حلم المملكة الدينية في الإسلام يسطل العقول ويغرى أتباعهم في الموت في سبيل الفوز بمملكة السماء والحور، وأتعجب لملوك الممالك الإسلامية أو التي تنتسب للإسلام وتنصب من نفسها أمير المؤمنين وخدام الحرم والمقدسات الدينية يعيشون في قصور ويوجد في رعايتهم من يأكلون في صناديق القمامة، وأتعجب على الدول الراقصة الميعة مابين النص الدستوري المراوغ بين الشريعة وشروطها المطبقة على الفقراء فقط بل تقام عليهم الحدود وحدهم، في حين أنها تحابى الرؤساء والأسياد ورجال الأعمال.!

هذا المسخ. كيف يفرز لنا مملكة إسلامية جديدة في مصر مثلا أو في تونس أو في المغرب- أصحاب الحكومات الإسلامية- الحديثة التي تستميت على فرض وتطبيق الشريعة في دساتيرها الجديدة.

فلا بأس من إقامة مجتمع إسلامي متجانس في ظل دولة راشدة تعمل على ربء الصدع بين شرائح ومكونات الدولة بمفهوم الدولة المدنية القائمة على حقوق المساواة بين أطياف شعوبها. لكن المؤشر يسير في طريق مجهول خاصة وإعادة خطاب قديم استعلائي يستخدمه التيار الإسلامي في إقامة مملكة الدينية على غرار الممالك اليهودية القديمة، فهم يرون أن أي مخالف لدعوة إقامة الشريعة الإسلامية بنفس طريقة وأسلوب الماضي السحيق المتطرف الذي يخدم الملك دون الرعاية فالملك يَسأل ولا يُسأل، مع فرض خطاب إقصائي لكل مخالف لإدارتهم للبلاد وأي نقد لهذا الفكر أو القرارات بالشأن العام فهو نقد لشريعة الله ومن ثمة هو نقد لذات الإلهية، وبالتالي وجب عقاب هذا الناقد بقطع أوصاله من خلاف أو حرقه أو نفيه من البلاد.!
فضلا عن اتهامات الزندقة والقلي في قدور الزيت المغلي والجلوس على الخازوق موتا مع جث الأعناق وتعليق الرؤوس فوق أسوار الأسواق حتى يعتبر المؤمنين.!
وهذه لست صورة مبالغة إنما هذا ما سجله شاهد القبور التاريخي على أحداثهم أيام كانوا متسيدون الرقاب والعباد.

وإن خطابهم هذا لمعسول يشع التقوى والنور بما يغرر بالبسطاء من عامة الشعوب التي تسمع لهم وتلتف حولهم بمجرد التلويح بكل إشارة تحمل "قال الله وقال رسوله". قد نجحوا في تعبئة العامة بأن اختيارهم لهم ما هو إلا اختيار لشرع الله وسنة الرسول، ومن زخرفة القول والشعارات نجدهم دائما يستخدمون عبارات مثل( أنا أرشح نفسي ليس من أجلى إنما من أجل فرض شريعة الله وإقامة سنة نبيه الكريم"على أساس أن المجتمع كافر ومنحل ولا يعلم شيئا عن الله أو رسوله"قد رأيت الرسول يوصيني بكم خير الوصية وأن أكون خادما لكم...) إلى أخر تلك الخزعبلات النفسية التي تؤثر على نفوس الجماهير. بل ويحركون بها الجماهير .

ثمة التقارب وملامح قريبة الصلة في الفكر الشهواني بداء السلطة والتسيد على أسس دينية، إن الممالك الصهيونية القائمة على الدين اليهودي والممالك العربية القائمة على الدين الإسلامي متشابهة لحد كبير فى نظرة الاستعلاء العامة على الآخر.

الصهيونيون يريدون أن يكون الإله لهم وحدهم، وأن جميع خيرات الأرض لهم، ملك لبني إسرائيل، وأن النصارى والمسلمين وعبدة الأوثان خلقوا عبيدا لهم.

الإسلاميون يرون أن وحدهم هم العارفون الطائعون لله الواحد القهار، وأن كل ما على الأرض والسماء هو من خيرات الله التي وعدهم بأنهم سوف يتمكنون منها جميعا وستكون الأرض لهم وحدهم حتى لا توجد دار في العالم إلا وتدين بالإسلام تحت ملكهم.، وأن النصارى واليهود وعبدة الأوثان جميعا عليهم دفع الجزية أو يعملون عبيدا وجواري في قصورهم.

فهل هؤلاء بهذه العقلية سواء الصهيونية أو الإسلاميون قادرون على بناء دولة قادرة تسير بسلام وسط ضجيج العالم الذي يتسع الخلاف والاختلاف بين البلاد.؟

إن المقصود هنا بالإسلاميين في التجربة المصرية بالتيار"السلفي" الحالي بشكله وبمنهجه المتزمت، وهو ما أطلق عليه هنا مسمى" السلفية الجديدة- السلفيون الجدد"، يجعله قريب التشابه مع الصهيونية الإسرائيلية القائمة على فكرة إقامة المملكة الدينية على الأرض مع ضرورة إخضاع كافة العباد لملكهم هذا.

ثمة تلون واضح كما الألوان الحرباء فى الجذب والخداع لصيد الفريسة، والفريسة فى هذه الحالة يبهرها التلون البراق بالألوان الدين والاتجار به. وهم الصهيونية والسلفيون الجدد. أصحاب فكر واحد. ممتازون في الاقتصاد و التجارة في الدين واستثماره.

فهم تحكموا فى العباد ببريق الأموال والذهب وعقود العمل، والتاريخ يقول عن اليهود فى البلاد العربية أو بالعالم أجمع أنهم مسيطرون على عصب الاقتصاد المالى فى كل بلد نزلوا فيها، وبالتالي فثمة كلمة اقتصادية واجبة النفاذ والطاعة لمن يحمل صناديق الأموال، وهكذا كان الحال مع التيار الإسلامي فى مصر فقد تمكنوا من البنية الاقتصادية التحتية في مصر وسط شرائح المجتمع المصري الفقيرة حتى تمكنوا من نفوس وعقول وولاء عامة المصريين الذين وجدوا ضالتهم في العمل والسفر والمشروعات الصغيرة. فلا بأس إذن من إتباع الشكل الخارجي للتدين حتى يتم الحصول على المزيد من الأموال والحسنات. وخير برهان قاطع على ذلك تحريك كافة القرى والنجوع والكفور من الريف والصعيد المصري فيما عرف بجمعة الشريعة الإسلامية في ميدان التحرير، ولعل أيضا فيما عرف بغزوة الصناديق خير شاهد عيان لهذا.!

فاليهود الصهيونية والسلفيون الجدد ومن قبلهم الإخوان القاسم المشترك بينهما أنهم تجار بارعون وخطباء على المنابر وفى المعابد لا فض لهم فاه.

إن اليهود الصهاينة والسلفيون الجدد همجيون في فكرهم. عنصريون لا يقبلون الآخر بل يريدون سبيه وقيده ما دام اختلف معهم في الرأي. لماذا؟ لأنهم ضعاف العقول يكونون أكثر شراسة وبطشا لضحالة فكرهم، ولأنهم تجار بارعون يعلمون كيف يعرضون بضاعتهم التي تجذب الناس البسيطة لهم، بل ويسيطرون عليهم، بل ينزلون في نفوس الناس منزلة القداسة تحت ما يسمى" إن لحوم العلماء مسمومة" وهذا كفيل بأن يقول الشيخ أي كلام أجوف ويتم التصديق عليه دون إعمال الفكر أو نقده، فكيف ينقد الشيخ؟ والخوف من عذاب الله جاهز بأنه سوف يصاب بالتسمم إن نقد - أكل كلام - لحم الشيخ. والقصد من هذه الحالة هو الطاعة المطلقة التي ينزلها خطاب هؤلاء الشيوخ في نفوس العامة بأنها طاعة واجبه وأي اختلاف أو خروج على هذه الطاعة فهو خروج على طاعة الله ورسوله. لذا وجب التسليم المطلق فى إعادة الخطاب المغلوط فى وجوب الطاعة لأولى الأمر وتحريم الخروج عليهم " وأطيعوا الله وأطيعوا رسوله وأولى الأمر منكم".!

ينتشر الخطاب الصهيوني مرادفا للخطاب السلفيون الجدد في الإجماع على تضخم الأنا المستمدة قوتها من قوة الرب فهم مجتمعون على الأنا التي على الجميع الإخضاع لها والمثول لما تراه هي فقط وإلا سيكون البديل الخراب للعالم كله وعلى هذا الأساس يتم إقامة مملكتهما الجديدة.

تبقى إشكالية الدرس التاريخي الراهن للأحداث القريبة في أن الصهيونية اثبت تفوقها في مطالبتا تغير خطابها لحد ما في فكرة إقامة الدولة وفصلها عن الدين بمعنى لدولة إدارة شئون سياسية واقتصادية وجب فيها الفصل عن الدين، ومن هنا أثبتت الصهيونية قدرتها على السيطرة واكتساب تعاطف العالم سواء باللعب على مشاعرهم الإنسانية أو الاستفادة مما تعرضوا لهم من كذبة الحرق والاضطهاد والطر من وطنهم مما كسبوا مشاعر العالم سواء بطريق شرعي أو غير شرعي فهم لعبوا سياسة المصلحة.. وقد كان فبنيت دولة إسرائيل.!

أما التاريخ يقول عن السلفيين الجدد أنهم لم يخرجوا من الكهف ولم يستثمروا ذكائهم المتطرف هذا، وهذه كارثة في حد ذاتها. إن تطرف اليهود جعل لهم دولة، ودولة متقدمة على كل الدول العربية أجمع.
أما تطرف السلفية فماذا أنتجت لا شيء سوى أنها بقت في حدود الصحراء مستهلكة لمنتجات الغرب الكافر ولم تفكر أن تنتج شيئا أو تستفيد من الغرب الكافر كما فعلت زميلتها الصهيونية...!
ومع عقد مقارنة بسيطة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية على الصعيد العلمي، سوف تتضح معنى الكارثية التي اقصدها.!
ثم لو نظرنا للعلاقة الشاذة في العقل العربي والعقل الصهيوني سوف نجد ثمة ارث مشترك - بغض النظر عن حالة العداء الظاهري التي يتشدق بها العرب من وقت لأخر- وهو الأضحوكة باسم الدين أو الاتجار بالدين أو التسيد بالدين أو السلطنة باسم الدين.
السلفيون الجدد على وشك إقامة مملكة أخرى باسم الدين في الديار المصرية ومن اتبع نهجها في بلاد شمال إفريقيا. وأقول من خلال الطرح السابق إن كل الممالك التي قامت على المعتقد الديني قد أثبتت فشلها ودمويتها وانتهائها مبكرا. فانظروا ماذا تفعلون في أنفسكم وفى بلادكم.
ادعوكم إلى زيارة القبور لكنها قبور المكتبات وأرفف الكتب التي غطاها غبار خصامنا البليد واهمالناه لأبسط واهم قاعدة دينية"النظافة من الإيمان"..!
اضحكوا...

وللعلم، غالبا تكون الضحكة أو البسمة من شر البلية... فاضحكوا، وبعيدا عن الدين اعملوا عقولكم ولو قليلا حتى لا نثار بحماسة حمقاء قد تقطع ما بيننا من مودة فكرية... اسألوا أنفسكم أنتم، ما الفرق بين الصهاينة والسلفيون الجدد...؟!



#محمد_طلعت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرة أخرى يتم تجيش الناس في بلادنا للدستور باسم الإله رب السل ...
- مصر تضيع يا وضيع منك له.. يا مصريون اخرجوا الآن وليس غدا فال ...
- تفرغت الشعوب العربية لحل كوارثها الثورية ب -صوتوا على..-
- كلمات قليلة في حق خليل الرحيل فيصل الحمداني
- من خبلي بها.. فى متون العشق -كل عام وأنا طيب-
- العمل السياسي للمرأة بين الشريعة الإسلامية والواقع المصري بع ...
- بعد قيلولة الجمعة - فك زنقتك تفك خنقتك- الترترة وأيامها
- مهزلة المعونة المصرية.. لمن..؟ للأسف دعوتكم كدعوة قوم لوط لم ...
- الذين لا يعرفون سوريا الآبية -1- يمزقونها على طبق الحرية الب ...
- أزمة المرأة العربية بين أفخاذ و عقول الذكور
- فماذا بعد العصيان المدني بأرض مصر؟
- إسقاط ما تبقى في المصري من مصريته.. رائع يا مصريون ورائعة ثو ...
- وصيتي إليكم قبل 11 فبراير: إن مت فلا تقولوا عنى شهيدا.!! صفو ...
- شذوذ الحزن على صقيع الدم المصري
- مشاهدات حياتية نقدية -1- من واقع النشيج والذقون
- النص الإبداعي التصادمي مع واقع الثورات العربية الطرح النظري ...
- شاى المسطول - وماجاء فى الكتاب المسطور المهجور-
- شيزوفرينيا الهطل الثوري في عقل الشخصية المصرية
- الغياب العقلي للمرأة المصرية وطمس هويتها وشخصيتها السياسية
- من قبو السجون إلى قبة البرلمان المصري (1) الإخوان المسلمون ف ...


المزيد.....




- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد طلعت - المشترك التاريخي بين اليهود الصهاينة والسلفيون الجدد