أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - خارج سياق ( مسلح)















المزيد.....

خارج سياق ( مسلح)


لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)


الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 10:53
المحور: الادب والفن
    


البداية:

أصوات كثيرة تصلني من خارج العيادة في مستشفى الأمراض الجلدية و الزهرية، أعلاها صوت (ذكر) يصيح:
-نحن هنا في دولة اسلامية غصبا عنكم.

و لم أنتظر طويلا، حتى دخل صاحب الصوت بلحيته الطويلة، و جلبابه الأبيض جارا خلفه امرأة ترتدي ( النقاب).. و ما إن شاهدني حتى اصفر وجهه و بدا يتمتم كلاما غير مفهوم، ثم قال لي:

-هل تستطيعين أن تخبريني كيف أستطيع مقابلة أستاذ (دكتور) و ليس طالبة دراسات سافرة؟! أريد حلا لمشكلة جلدية في يد زوجتي.

- تستطيع أن تخبرني عن الحالة المرضية، و إن لم أعرف سآخذك إلى عيادة أخرى -هنا في المستشفى - فيها أستاذ.

- وفري علي و عليك و ( خلينا) نتوكل على الله و نروح ( هلآ)..ثم تمتم: استغفر الله العظيم.

-للأسف لا أستطيع أن آخذك حتى أعرف الحالة، اسمع يا أخي أنت لن تخسر شيئا، و إذا لم يعجبك تشخيصي تستطيع الذهاب إلى أي مكان تريد.

من غير اقتناع، أشار إلى زوجته أن تخلع قفازها الأسود لأشتبه بالطفح الجلدي الذي تسببه (المتفطرة المارينية)..تعيش في المياه و تصيب ( السمك)، فينقلها.. سألتها:
- هل لديك حوض سمك في المنزل؟!
و كأنما ذهلت: 
- كيف عرفت يا دكتورة؟!
- طيب.. هل تنظفينه بيديك، و دون قفازات تنظيف؟
و عندما ردت بالإيجاب، قلت:
الغالب أن السبب هو المتفطرة المارينية و هي ( جرثومة) تعيش في المياه و تصيب الأسماك، انتقلت إليك من التماس المباشر ليدك مع ماء الحوض.. نحتاج صورة لليد لنرى هل تصل الإصابة إلى العظم.. كما نحتاج خزعة كي يصبح التشخيص مؤكدا.

بدت معرفتي بسبب المشكلة ( مقصا) جيدا قام بقص الحبل الذي كانا يقفان خلفه مترددين، قال بصوت أخف لهجة:
- لقد زرنا الكثير من الأطباء، ( ماحدا) جاب سيرة حوض السمك.. الله يستر عليك يا دكتورة.

بعد ستة أشهر من ذلك اليوم، دخلا إلى عيادتي بهدوء و دونما مشاكل، حملا معهما شكرًا كبيرا، و ذات الجملة: الله يستر عليك يا دكتورة.

تذكرتهما اليوم لأنني أحس بحاجتنا جميعا أن نعرف بعضنا.. قبل أن نكفر بعضنا، نحن نحتاج الحب في زمن الكراهية.
**********

المفصل:

يعني أشد على يديكم يا ( متثاقفي) سوريا الذيول.. كنتم و ما تزالون نموذجا ل ( البطالة) الفكرية!

بما أننا في زمن ( شرعنة) السلاح و ( قوننة) محاكم التفتيش.. و ( خرس) المثقفين.. و ( عزائم) المحتل ، و ( ذكرنة) الصوت، و ( ألوهية ) شيوخ الدين..(فما حدا أحسن من حدا).. أنا أيضاً أريد  بندقية ( كلمات نقدية مؤذية) لأدافع بها عن حقي في أن أحلل و أحرم و أرسل الأبرياء إلى جهنم!

كانت ثورة لجميع أصواتنا..ضد صوت واحد.
أصبحت ثورة صوت واحد .. ضد أصواتنا.

ما الذي ستجنيه البلد من ( صراع) طائفي.. سيف معاوية لا ينصر ثورة، و إن نصرها فإلى استبداد آخر ألعن و أدق رقبة.
إما أن تدركوا هذا و تحتلوا مواقعكم كألسنة ناطقة بالحق لغاية الحق و بوسيلة الحق.. و تعرفوا البسطاء و الفقراء بعواقب الخلطة العجيبة للدين مع السلاح.. أو فتشبثوا بكراسيكم، و احرصوا ألا تخسروا قطعانكم (و أخشى أن تفعلوا).

كفوا عن دعوة الأقليات للدخول في الثورة قبل أن تصححوا مسارها.. (اللي عم يصير ) بالسلاح و بمحاكم التفتيش تحت اسم الثورة مخجل.. بالسوري نقول : ( يا عيب الشوم).

أبرياء يدفعون جميع ( الفواتير) المدماة، فشرعنة السلاح لا يمكن لها أن (تقونن )في بلاد بلا قانون.. و تحت راية معارضة بلا شرعية.
**********

خارج السياق:

و احكي لأطفالي أن متزمتين : " سني" و " شيعي" اقتتلا قرب بركان ساكن، و كل منهما يحمل سخافاته و ترهات أحقيته بالتربع على عرش البركان الذي تحافظ على هدوئه قيمة طائفته عند الله.

مضت السنين و هما يتقاتلان، و البركان هادئ، و " الله" يتفرج و يمهل.. إلى أن دنت لحظة أحس فيها " السني" و " الشيعي" بضرورة دخول الحمام...

عقدوا هدنة و مضى كل منهما للبحث عن ( تواليت).. في سيارات اخترعها إنسان آخر، و على ضوء مصباح اكتشفه إنسان آخر، عبر ( انترنت) أوجده إنسان آخر، و لأنهما لم يجدا ( تواليت) لأنهما كانا منشغلين جداً و لم ( يبنيانه)، قررا التوكل على الله و قضاء حاجتيهما في البركان.

قال المتزمت السني: أنا متأكد أن الله سيساعدني، و لن ينفجر البركان، و أجاب المتزمت الشيعي بل سيساعدني أنا.. و كيما يحلوا المسألة كشف كل منهما عن ( قفاه) و شرع في أداء مهمته الأولى بعد زمن من الاقتتال...

و كان لما يخرجانه نفس الرائحة و ذات الشكل و اللون.. فبقي البركان هادئا.
**********

خارج سياق و مفصل دائم :

أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه ...فالحب ديني و إيماني 
(محي الدين بن عربي)


كتبت بيت الشعر هذا -بعد ترجمته إلى اللغة الإنكليزية- على الدفتر الأزرق الجميل ل " سام " ذو السنوات الثمانية، الطفل الأشقر الجميل و ابن الجيران الذي يلعب مع ابنتي في الحديقة كل عطلة .
وهذا الأمريكي الأشقر كان له الفضل الكبير في تعلم ابنتي اللغة الإنكليزية فهو يتحدث طوال الوقت حتى أنّه لم يكن مقتنعا بفكرة النوم ...فقد أخبرني جدّه أنّه يهرب من السرير و يحارب النعاس مطوّلا ،و هو يصيح :

-لم أنه حديثي بعد .

اعتاد " سام " الذي يكبر ابنتي بعدة سنوات أن يجلس قربي في الحديقة العامة ، يغرقني بأسئلة طفوليّة عن الحياة و الموت ، الحزن و الفرح ، الطفولة و الكهولة ...و كانت طريقة أكله لبعض الحروف تضحكني ، و تضحك ابنتي على ضحكي .

حدث ما سأحكيه لكم في يوم العطلة السابق ، في الثامنة صباحا عندما كنت أعد قهوة الصباح ،و سمعت نقرا خفيفا على الباب.
نظرت من خلال الستائر البلاستيكيّة التي تغطي باب المطبخ لأجد قدمين صغيرتين ترتديان خفا أزرق و( تنطّان) من البرد .
دخل " سام " البيت باكيا ،ضاما دفترا أزرقا إلى صدره ، و صامتا تماما على غير عهدي به .
كان أنفه الصغير محمرّا من البرد ، بشكل متناسب مع منامته الحمراء المليئة بالنجوم .
طبعا لم يخطر ببال عروبتي سوى مكروه قد أصاب الجد ، و تهدج صوتي و أنا أسأله عنه ...فقطع صمته بصوت حزين :
-جدي نائم و كذلك "رو " .
" رو " نائم ..عظيم ، قلت في نفسي : بما أن الكلب " رو " نائم فبيتهم بخير .

و عندما سألته عن سبب بكائه ، فتح دفتره الأزرق على ورقة محددة فيها العديد من الخطوط الملوّنة ، ثم أجابني : لم أنم من الكوابيس ..لقد قالت لي " كلير" أنني لست صالحا ، لأنني لا أذهب إلى الكنيسة ، و رسمت لي الطريق هنا .

ثم كفكف دموعه بكم منامته و سألني :
ما هي هذه الشجرة التي يجب أن نتسلقها حتى نصل إلى الله ؟! لقد سخرت مني و من عدم معرفتي هذه الشجرة التي أسمتها دينها ؟

ذكرتني رائحتها بفورانها ..قهوتي أصبحت الآن للشم ، و للهرب أيضا.. اعتذرت منه لأنقذ ما بقي من القهوة .
ماذا سأجيب هذا الطفل الذي لا أعلم عن ديانة أبويه شيئا ، و حتى لو كنت أعرف هل من حقي أن أورثه ألقابا يحملونها ...
مئة فكرة دارت في عقلي ، و مليون لعنة .
رجعت إلى دفتره الأزرق و كتبت على الصفحة الأولى بيت شعر " محي الدين بن عربي " ، ثم قلت له مشيرة إلى رأسه الصغير :
"سام " الله موجود هنا لا حاجة بك لتسلق الأشجار ، ثم شرحت له بيت الشعر .

ضحكت عيناه و هو يردد آخر ما قلته له : كل من أحبهم في هذا العالم يحملون نفس الدين ، دين الحب ...دين الحب .
ثم قبلّني و هو يضحك : أيقظيها أريد أن نذهب إلى الحديقة .
**********


ليست نهاية:

العائلة التي احتضنتي في " دمشق" كانت " أرمنية" ، و تلك التي غمرتني بحب في "حلب" كانت " سنية"، و أخرى ضمتني في " اللاذقية" و كانت " علوية"..

صديقتي الأغلى " مسيحية" و الأخرى " درزية".. و صديقي الأقرب كان " كرديا".

هؤلاء ( مع بقية أصدقائي متنوعي الطوائف و القوميات) هم سوريا.. دمهم بالنسبة لي واحد لأنه غال بنفس الدرجة، هم أهلي، هم بوصلتي، و حيواتهم الكريمة هي أولويتي ، و لن أقبل بتهميشهم أو إلغائهم من قبل أي ( قطيع) متعصب أخرق موالي أو معارض.

البلد في خطر.. من كان قادرا على نشر ( دين ) الحب بصدقه و وسعه، فليفعل.. فهو المخلص الوحيد اليوم.

يتبع...
في سلسلة " خارج سياق"



#لمى_محمد (هاشتاغ)       Lama_Muhammad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي السوري -الطفلة حنظلة-
- علي السوري -عراة.. عراة-
- علي السوري -لماذا ثار السوريون؟!-
- علي السوريّ -الحب في زمن الثورة-
- علي السوريّ -سأصلي بالبكيني-
- علي السوري -مقدمة-
- الأقليّات تأكل التفاحة
- خارج سياق -روحي-
- خارج سياق -مسجون-
- خارج سياق -طائفي-
- خارج سياق -حليبي-
- خارج سياق مندّس
- خارج سياق منساق...
- بلاد - الباق باق-
- -براغش- القلم
- معادلة دينية
- سوريانا -زيت و زعتر-
- سوريانا -مغالطات منطقيّة-
- سوريانا-مطر صيفي-
- بالماء يا وطني


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - خارج سياق ( مسلح)