أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية














المزيد.....

الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3678 - 2012 / 3 / 25 - 22:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في عام 1985، وبمناسبة "تجديد البيعة" الثالثة له، لم يلق حافظ الأسد خطابا يقول فيه إن سورية مرت قبل سنوات قليلة بأزمة وطنية قاسية، وقتل سوريون سوريين، وإن الدولة اضطرت للتعامل بصرامة مع هذا الظرف الأليم، ومن المحتمل أن تجاوزات قد حصلت أثناء ذلك، لكننا عاقدون العزم على طي هذه الصفحة وتجاوزها؛ وبعد تفكير ومداولات في الأمر قررنا الإفراج عمن كنا اضطررنا لاعتقالهم، باستثناء من يثبت القضاء أنهم مسؤولون عن قتل مواطنين آخرين، وسننظر في أية تجاوزات على الممتلكات والأرواح حصلت أثناء الأزمة، ونعالجها بروح من الإنصاف والأخوة الوطنية، ونؤمّن جميع من غادروا البلد على حياتهم وكرامتهم إن عادوا، وسنعمل على إصلاح مؤسساتنا السياسية باتجاه يوفر تمثيلا أوسع للسوريين.
في ربيع 1985، كانت انقضت ثلاث سنوات على مذبحة حماة التي راح ضحيتها عشرات ألوف السوريين، وكانت انقضت نحو 6 سنوات على مذبحة مدرسة المدفعية التي سقط فيها عشرات (ربما 80) من طلاب الضباط العلويين على يد عنصر من الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، وأقل من خمس سنوات على مذبحة تدمر التي وقع ضحيتها بين 500 و1000 من المعتقلين الإسلاميين. وسنوات على اعتقال يساريين ونقابيين، وسوريين متنوعين. وكانت مضت أيضا أقل من ثلاث سنوات على الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، وخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، ولم يكن هناك خطر داخلي أو خارجي على النظام حينها.
لكن حافظ الأسد لم يلق الخطاب. لو فعل لكان حقق نصرا كبيرا في صراع سياسي وعسكري استطاع فيه إلحاق الهزيمة بكل من عارضوا نظامه في الداخل. هزيمة الخصوم بوسائل عسكرية أو أمنية ليست بحد ذاتها نصرا، النصر سياسي، وحافظ أسد لم ينتصر لأنه لم يعرف كيف يعيد بالسياسة اكتساب ما كان اكتسبه بالعنف؛ وقد كان عنفا منفلتا ومتجاوزا لكل حد وطني وإنساني. كان من شأن إعادة الاكتساب السياسية تلك أن تعود على نظامه بقدر من الشرعية، وعلى شخصه بتقدير أكبر، وعلى المجتمع الذي يحكمه بدرجة من التعافي.
بدلا من ذلك صعد النظام من عبادة الرئيس، وانتقل من نشر صوره في الفضاء العام إلى احتلال هذه الفضاء بالتماثيل، ودشن التصويت للرئيس الذي ينافس نفسه بالدم، وبرقيات الولاء بالدم أيضا، وإجبار تلامذة المدارس وجنود الجيش على الهتاف له ثلاثا كل صباح. هذا بينما كان في السجون عشرات الألوف، وبينما كانت سورية تعرف العصر الذهبي للمخبرين والوشاة وأسافل الناس، وطبعا أجهزة الأمن المرعبة. ومضى بالتعامل الانتقامي الحقود مع عموم السوريين.
والخطاب الذي لم يلقه حافظ عام 1985، لم يلقه في أي وقت لاحق. بقيت القوة، لا السياسة ولا الحق، هي الحكم بينه وبين محكوميه.
هناك شيء صغير في الرجل الذي كسب معركة مسلحة، لكنه لم يعرف كيف ينتصر. كان ينقصه الشيء الذي كان من شأنه أن يحول نجاحه العسكري والأمني على خصوم أضعف منه بلا جدال إلى نصر سياسي عام: قدر من النبل وقدر أقل من روح الانتقام، وشخصية رجل الدولة، وشيء من بعد النظر التاريخي. شيء من روح الحرية أيضا.
خاض الصراع بروح الحرب المطلقة التي تؤول إلى إبادة الخصوم، وليس إلى تسوية سياسية معهم من موقع متفوق. وعمل جديا على إبادة كل خصومه، إن لم يكن ماديا، فسياسيا، بمن فيهم من انحصرت مخاصمتهم لنظامه بالسياسة والكلام. أراد كل شيء له ولأسرته ونظامه، فأبقى كل شيء منازعا فيه.
الجراح الغائرة في الجسد السوري بقيت دون علاج. والبلد لم يحقق تقدما على أي صعيد خلال 30 عاما من تلك المحنة، لا على المستوى العسكري في مواجهة العدو الرسمي، ولا على مستوى الاقتصاد والتطور التكنولوجي، ولا على مستوى التفاهم الوطني والمعنويات العامة، ولا على مستوى التعليم والثقافة، ولا على مستوى كفاءة الإدارة. فقط استقرار أمني، أشبه باستقرار القبور، بعبارة صادق جلال العظم، أتاح للطاغية الحقود توريث الحكم لابنه.
بعد موت حافظ وقع على ضحاياه السابقين أن يحملوا دعوة المصالحة الوطنية أيام "ربيع دمشق". صيغت الدعوة في مبادرة سياسية وفي مقالات ومحاضرات، ولكن ووجهت بالمراوغة والاعتقال، فصح القول في الحكم الأسدي إنه يرضى القتيل وليس يرضى القاتل!
وبعد 11 عاما على موت حافظ الأسد سُمع في ساحات المدن السوري هتاف يحمل أصداء السنين، ويعلن أن السوريين لم ينسوا شيئا: يلعن روحك يا حافظ! كان ابن حافظ الأسد، بشار، يواجه المحكومين بنهج أبيه نفسه، نهج الإبادة المادية والسياسة: لا تنازلات من أي نوع للمحكومين الثائرين، لا وقف للعنف الإرهابي ضد السكان المدنيين، لا تفاوض مع أي معارضين. على الطريقة الإسرائيلية، يعتبر النظام أي اعتراض عليه خطرا وجوديا، فيواجهه بعنف ساحق، وبروح متعصبة حقود سبق أن خبرناها أيام الأب أيضا.
فإذا كان تاريخ سورية طوال الحقبة الأسدية حتى يومنا يبدو دوريا، نعود فيه اليوم إلى عام 1980 وما بعده، فبالضبط لأنه "حكم طبيعي"، ينضبط بمنطق الملك والعصبية والشوكة، ويقاوم بكل عنف ما من شانه أن يكسر الدورة، الحرية والسياسة والاعتراف بالمحكومين. الحكم الطبيعي يحكم بالتذكر لا بالتطور، ولذلك يكرر تاريخه.
لذلك أيضا فإن عهد الابن الذي "تذكر" كيف يجيد قتل محكوميه وتعذيبهم، سيتذكر أيضا ألا يبادر في أي يوم إلى مصالحة السوريين الذين يعاملون كأعداء، إذا ما تمكن من سحق كفاحهم الشجاع. هذا نظام للعبودية السياسية، لا يُصلِح ولا ينصلح. وهو صريح في إعلان برنامجه السياسي الذي لم يحد عنه لحظة واحدة: الأسد أو لا أحد! أو بوضوح أكبر: الأسد أو نحرق البلد! غير أن هذا تخيير بين شكلين من خراب البلد: حرب باردة تبقي السوريين بلا حرية ولا كرامة ولا تقدم عام على أي مستوى، أو حرب ساخنة، تقتلهم بالألوف وعشرات الألوف وتدمر شروط حياتهم المادية والسياسية والمعنوية. لا يفرض النظام على السوريين شكلا واحدا للخراب الوطني، يوفر لهم حرية الاختيار بين شكلين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا النظام، هذه الثورة، هذا العالم: حوار حول الشأن السوري
- عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون
- لا عودة إلى بيت الطاعة الأسدي
- عام من الثورة المستحيلة
- عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
- من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
- سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
- عناصر أولية من أجل استراتيجية عامة للثورة السورية
- الحزب الذي لم يعد قائدا للدولة والمجتمع...
- -اختراع التقاليد- لإريك هوبسباوم
- ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية
- الحكم بالاحتلال!
- في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
- -قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
- المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
- في الشبّيحة والتشْبيح ودولتهما
- حول العسكرة والعنف والثورة...
- ديناميتان للثورة السورية: المستقبل في الحاضر
- المثقفون والثورة في سورية
- -حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية