أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد شهاب الدين - في عزاء البابا: مشاعرنا النبيلة تواجه آباء الكنيسة والعسكر والإخوان















المزيد.....

في عزاء البابا: مشاعرنا النبيلة تواجه آباء الكنيسة والعسكر والإخوان


أحمد شهاب الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3676 - 2012 / 3 / 23 - 22:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


للحظة نادرة استحال الأقباط في بلدنا إلى ملائكة ترشح بالنبل والجلال، سائرين مولين وجوههم شطر الكنيسة فرادى وجماعات متشيحن بالحزن والسواد، تسوقهم مشاعرهم الموجوعة وقلوبهم المنفطرة لا من خوف أو قلق لقد غطى عليهم موت البابا شنودة كل ألوانهم الصفراء والحمراء والخضراء والبيضاء فقط سواد كسواد سماء الليل تلمع فيه وجوههم وعيونهم نجوما وأقمارا .
هكذا رأيتهم وهم ينحدرون من كل صوب وفج إلى كاتدرائية العباسية، لم يكن يتوقع أحد أن يحدث هذا في جنازة البابا الذي ملك عقول وقلوب وأرواح الأقباط في مصر، اقرؤا تاريخ الرجل في حياته لتعرفوا كيف كان الأقباط في كل بقاع مصر يستقبلونه، وكيف كان على اتصال مباشر مع كثير منهم، لا يحرمهم بركته وكلمته ولا يحرمونه حبهم وتقديرهم وتقديسهم له!
هذا في حياته فكيف يحرم بعض آباء الكهنة قلوب الأقباط من أن ترى جسده وتلتمس بركته، كيف وهم أدرى وأعلم بما يمثلة البابا في وجدان المسيحي وأي بابا إنه البابا شنودة، كيف يحرمون عيونهم أن ترى وقلوبهم أن تنبض وأجسادهم أن تنتعش برعشات الحزن والألم، أي ذنب اقترفوه في حق الأقباط وحق مشاعرهم الحزينة في نبل والنبيلة في حزنها.
كنت هناك مساء الأحد، وكانت الجموع تتدفق رائحة وغادية، لم أر في حياتي منذ وعيت في هذه الحياة أن ثمة رجلا يملك سلطة ما في بلادنا ويملك مع سلطته كل هذه القلوب بالمحبة والتقديس، لم أكن أفكر في البابا شنودة – رحمه الله وعوض الأقباط وعوضنا به خيرا – ولكن جل تفكيري في الناس وددت أن أتحدث مع كل واحد ومنهم أن أقترب منه أحضنه وأواسيه وأناجيه... رجل تجاوز الستين من عمره يمشي في جوار صديقيه قال لي إنت مسلم ولا مسيحي .. قلت أنا مسلم ومعاكم في أزمتكم ، حدثني وقد استخفه طرب غريب " تعرف يا أستاذ أنا مبسوط قوي " استغربت، أكمل " مبسوط جدا من عزاء شيخ الأزهر " تحول وجهي إلى علامة استفهام " عشان ماكانش بيقرا من الورقة الكلام طالع من قلبه يا سلاااااام " قلت له كاذبا أن المسلمين كلهم يشعرون بما تشعرون " احنا استحملنا كتير قوي يا ابني وحاسين إننا ضايعين من غيره " كان يريد أن يقول " استحملنا منكم " ولكنه سحبها من لسانه " اللي لازم تعرفه إن العسكر والإخوان مش بيضطهدوكم انتم بس بيضطهدوا المسلمين اللي مش إخوان زيكم بالضبط ويمكن اكتر" أمن الرجل على كلامي " ما فيش حاجة يا أستاذ اسمها طرف ثالث احنا عارفينهم كويس " أمنت أنا أيضا على كلامه.
أمام الكنيسة يوم الثلاثاء عصرا تركت مارسيل " تملي" أمام أحد الأرصفة حوالين الكاتدرائية، لفت نظري شاب أسمر يرتدي زي الجيش الأخضر – بتاع الاجازات – كان الرجل عيونه زائغة وكأنه لا يعرف مايدور حوله تركت مارسيل تملي ما تحتاجه الصحيفة من معلومات حول أهم ما يحدث اليوم، ولكن ماكان يعنيني مشاعر الأقباط الجريحة، كانت لدي طاقة إيجابية لمشاركتهم والتخفيف عنهم، اصطنعت حوارا .. سألته عن مكان ما، أومأ برأسه نافيا بلا كلام، قلت له " شكلك جاي من آخر الدنيا وماعرفتش تاخد العزا " صمت لحظة شعر أنه لو تكلم لأجهش بالبكاء " مش هو ده اللي مدايقني، أبونا عارف إني كنت اعايز اشوفه واخد بركته وانا حاسس إنه ادهالي من غير ما اشوفه" انتظرت ليكمل " إزاي آباء الكهنة يسمحوا للشرطة العسكرية تنظم دخولنا وخروجنا واحنا عندنا الكشافة" كنت أريد أن أقول له مشجعا على الكلام "اشمعنى" ولكني شعرت أني سأجرحه، لأنني كنت أعرف وأقدر ما فعلوه بحق الأقباط "أنا موجود من الظهر وكان فيه بنات كتير بيتدافعوا قدام أفراد الشرطة العسكرية وأحيانا كانوا بيلمسوهم" قلت له " إنت منين ؟ " قال لي "من أسيوط" ففهمت ما يريده " يا حضرت دول مهما كان بنات وبناتنا وانت عارف الشرطة العسكرية بالذات عملت إيه في التحرير وقدام ماسبيرو انا زعلان علينا آدي أول ذل شفناه بعد البابا ولسة ياما "
تنامى بداخلي مشاعر كراهية وسخط تجاه العسكر والمجلس العسكري تحديدا وتذكرت كيف كان شعورنا بالأمان عندما نزلت الدبابات إلى الميادين كيف كنا نزغرد ونرقص ويستخف بأحدنا النشوة ويركب عليها ويقبل الجنود ويحضنهم لعنة الله على كل من داس على كرامة الوطن ببيادته من أجل مصالحه وامتيازاته .
أمام الباب الرئيسي للكاتدرائية المطلة على الشارع المؤدي إلى رمسيس كانت الهتافات تشتد حينا وتخفت حينا " عايزين ندخل عايزين ندخل" في غضب وغيظ، وبين الحين والحين تسمع كلمات حادة لمسيحيات كبار السن ينتقدن آباء الكنيسة لحرمانهم من الدخول " البابا وهو عايش وبصحته كان بيجي لنا لحد عندنا إزاي تحرمونا منه دلوفتي"
مشاركتي لإخوتي الأقباط لا آخذها كواجب وطني أو ديني فأخلاقياتي قائمة على المتعة والإحساس الداخلي، هناك زهور بداخلي لا تتفتح إلا بالمشاركة الوجدانية والروحية لغيري، إن الذي يبكي أمامك ويخبرك بما يوجعه يفتح أبوابا في روحك ماكانت لتفتح لولاه إن احتياجنا لبعضنا البعض في الأفراح والأحزان لتشكل عمودا فقريا لحياتنا كبشر ماكنا لنزدهر أو نتتمدن أو نتزوج ونكون عائلات وصداقات وانتماءات حزبية ودينية ووطنية، شكرا لإخواننا الذين لم يحجبوا عنا دموعهم وسمحوا لنا بأن نشاركهم تلك اللحظة الصعبة والفارقة في حياتهم، إن حب الوطن ليست فكرة يمكن أن تقتنع بها أو لا تقتنع إنه حب وعشق وولع وهيام، وحينما تتشارك طائفة أخرى معك في هذا الوطن فإن إحساسك بالألم والوجع طبيعي وتلقائي يتفجر من داخلك، وليس واجبا تفرضه عليك عادات وتقاليد وأيديولجيات، انظروا لجنازة البابا وانظروا للجنازات الأخرى للشخصيات العامة أو " العوام" لترى ما الفرق بين عزاء يمليه عليك الواجب والعزاء الذي يتغذى على أحاسيسك الجوانية، وثورتنا العظيمة والنبيلة – التي لم تستكمل بعد – تتغذى على هذا النوع الجميل والنبيل من المشاعر لو اختفت أو خفتت فهي النهاية لا محالة .
لأشد ما آلمني ومزق علي قلبي وروحي وتمالكت نفسي حينها لوجود مارسيل في جواري حينما مررنا – أثناء تغطيتنا للأحداث يوم الثلاثاء- صورة العربات الصغيرة للشرطة العسكرية وانتشار ألوان الكاكي والشرائط الحمرء حول الكاتدرائية أي قسوة تعامل بها بعض المسؤولين في الكنيسة على مشاعرنا كيف تتحول جنازة البابا وأي بابا إنه البابا شنودة إلى ثكنة عسكرية أتحمون البابا من عشاقه ومحبيه، أتضعون بين قلوبهم الميتة وجسده الحي الحواجز العسكرية والأمنية، الدبابات العسكرية التي دهست أجساد الأقباط أمام ماسبيرو تدوس مشاعرهم الآن وبكل قسوة أمام الكاتدرائية لا ليس مشاعر الأقباط فقط وإنما مشاعرنا كلنا لأننا في الحقيقة مسلمين ومسيحين واحد، يجمعنا إيماننا بالله والوطن واللغة والتاريخ ويفرقنا العسكر والإخوان وبعض آباء الكنيسة.
مجرد أن يدخل القبطي إلى العباسية ويقف أمام الكنيسة تتحول مشاعر المحبة والحزن إلى غضب وسخط وغيظ ، جاءوا إلى الكاتدرائية نبلاء وخرجوا منها بشرا غاضبين على العسكر وبعض آباء الكهنة.
تذكرت وتساءلت .. تذكرت بعد تنحي مبارك كيف اجتاحتنا جميعا تلك المشاعر النبية الفياضة بالحب والانتماء كيف خرجنا إلى الشوارع ننظفها وندهنها كرمز لعشقنا لهذا البلد كيف اختفت كل النغمات الشاذة في الطائفية والتكفير والتخوين كيف جعلتنا الثورة عاشقين وطيبين للدرجة التي كنا نطالب بها المجلس العسكري أن تطول فترته لعامين حتى تعمل الكيانات الشباببة الوليدة والتي كان الشرارة الأولى للثورة وتنتظم في صفوف حزبية وسياسية وفكرت بعض رموز ستة إبريل أن تسافر إلى أمريكا اللاتينية لينقلوا خبراتهم في تمكين قطاعات العمال والفلاحين في تمثيل أنفسهم وفي محو الأمية والأمية الثقافية، تذكرت كل ذلك وعندما أنظر حولي الآن وأرى مشاعر الإحباط والغضب والغيظ عرفت كيف حول العسكر والإخوان والسلفيين وبعض آباء الكهنة مشاعرنا النبيلة إلى ما تعرفون وما أعرف.
ما يجب أن يتعلم المرشد العام والمشير طنطاوي والمقربين منهم أنه لو مات أحد منكم لن يحضر عزاؤه كل هذا العدد، ولن تتوحد مشاعر المصريين في الحزن عليكم لن يحضر عزاء المرشد العام إلا الإخوان والعسكر والباقي مجاملات اجتماعية وواجبات دينية تنفذ بلا إحساس أو روح، تعلموا يا إخوان ويا عسكر ويا سلفيين كيف تملكون قلوب الناس وعقولهم وأرواحهم بالمحبة والاحترام، وكفوا يا أخوان عن الحديث عن شرع الله والهوية الإسلامية، فكل شرائع الدنيا وهوياتها تفقد روحها ومعناها لو فقدت المحبة لو افتقدت إلى أحاسيسنا البشرية التي تجعلنا ننتفض للظلم والفساد ونتعاطف مع معاناة إخواننا فخبرونا بالله عليكم ما هي أخبار أحاسيسكم وشبابنا يقتلون بالعشرات في شوارع وسط البلد والسويس والاسكندرية خبرونا عن مشاعركم وأنتم ترون فتيات يضربون ويسحلون ويتعرون على يد "خير جنود الأرض " في التحرير، خبرونا عن مشاعركم والدبابات الإسرائيلية عفوا أقصد المصرية دهست الأقباط وسوتهم بالأرض أمام ماسبيرو ... هل هذا شرع الله الذي ستطبقونه ؟!
وجود الجماعات والتكتلات البشرية مركب ومعقد، فالتعصب لجماعة معينة – دين حزب أيديولوجية- ساهم كثيرا في بعض مراحل كان على الإنسان أن يقطعها، ثم تجاوزها ولكن لازالت آثاره فينا، الإنسان الذي يتعصب بحق لشيء ما يشرع هذا الشيء في أن يأكل من روحه وإحساسه البشري الكثير، فلا تستغربوا لو رأيتم يهودي يقتل مسلم بقلب بارد، أو أمريكي يعذب أفغاني بكل نبل الدنيا، أو مسلم يسخر من حزن الأقباط على أبيهم في مصر !
ولكن اغضبوا ليس من اليهودي أو الأمريكي أو المسلم اغضبوا من منظمة آيباك الصهيونية ووول ستريت والعسكر والإخوان اغضبوا من كل سلطات العالم التي تحول مشاعر الناس النبيلة إلى غضب وسخط وغيظ وأحيانا تمسخها إلى كراهية وطائفية وحروب لا يستفيد منها إلا هم .
رحمة الله على البابا شنودة حتى في مماته علمنا الكثير وألهمنا الكثير وأهدي إلى روحه هذه الآية ،يقول تعالى " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "



#أحمد_شهاب_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملوا أنف البلكيمي يرحمكم الله !
- جيفري كونهر ل - واشنطن تايمز - : السعودية وقطر توجهان الربيع ...
- متى يقول الثوار للعسكر والإخوان : شكرا على حسن تعاونكم معنا
- الاقتصاد المدني للجيش المصري من عهد عبد الناصر إلى مابعد ثور ...
- يحيا - مايكل نبيل - مدون الثورة ويسقط - محمد حسنين هيكل - مث ...
- لم يتبق بعد ثورة يناير إلا دينان: دين الثورة ودين الاستبداد
- الحلم إيمان -رواية قصيرة-


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد شهاب الدين - في عزاء البابا: مشاعرنا النبيلة تواجه آباء الكنيسة والعسكر والإخوان