أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوب - التباينات الخطابية في رواية أمريكانلي للأديب صنع الله إبراهيم















المزيد.....

التباينات الخطابية في رواية أمريكانلي للأديب صنع الله إبراهيم


محمد يوب

الحوار المتمدن-العدد: 3675 - 2012 / 3 / 22 - 17:04
المحور: الادب والفن
    


من طبيعة الإنسان أنه يتفاعل مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ويؤثر ويتأثر به فيعبر عنه بطرق مختلفة منها الشفوية و الإشارية و الإيمائية ..لكن الأديب باستطاعته التعبير عما يحيط به أدبا،لأن ما يميز الأديب عن الإنسان العادي هو اللغة الأدبية أي ما يجعل من الأدب أدبا(إن موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب وإنما الأدبية،أي ما يجعل من عمل أدبيا) نظرية المنهج الشكلي- الشكلانيون الروس .
وإذا كان المنجز الأدبي يعبر عن مضمرات الإنسان فإنه يتصف بالغموض ويحمل في طياته كتلة ضخمة من المسكوت عنه،فتخرج بطرق مختلفة منها الطريقة التقريرية المباشرة ومنها الطريقة الالتفافية،حيث تلتف اللغة و تنزاح لتتخذ لنفسها أشكالا مختلفة تختلف باختلاف سياقاتها وطرق تلفظها،حيث يتحول الكلام من شكله السكوني إلى شكله الدياكروني التخاطبي .
ومن وظائف السميائيات معرفة الطريقة التي ينتج بها الملقي هذا المنجز الأدبي و الطريقة التي تلقى بها المتلقي هذا الخطاب لأنهما يتفقان في اللغة ككلام ويختلفان في اللغة كتلفظ،لأن العلامة اللسانية بوصفها كيانا نفسيا صادرة عن إرادة الفاعل المتكلم،ولا تتحدد إلا ضمن المجال الاجتماعي الذي يستطيع إلغاء كل تلك الفوارق التمييزية للمؤسسة اللسانية، ودمجها عبر مفهوم العلامة ضمن مجموع الأنساق الدالة، التي تختص بالدلالة على الأفكار.
وفي رواية"أمريكانلي"للروائي صنع الله إبراهيم نجد كيانا عميقا من المسكوتات التي اختفت وراء بنية القول المقول أو بنية أفعال العوامل التي سنحاول كشف أسرارها بدراستها دراسة سميائية تكشف لنا بعض مغاليقه، لأن النص بقدر ما يكون منغلقا يكون في عمقه كوة صغيرة منها نرى مضمرات هذا النص أو ذاك لأن (الأثر الفني حتى وإن كان مكتملا ومغلقا من خلال اكتمال بنيته المضبوطة بدقة،هو أثر مفتوح على الأقل من خلال كونه يؤول بطرق مختلفة دون أن تتأثر خصوصيته التي لا يمكن أن تختزل) أمبرطو إيكو- الأثر المفتوح
من خلال بنية أفعال العوامل أو ما يسمى بالقول المقول نتتبع الخطاب الروائي والأدوار التي يقوم بها الممثلون في فضاء الرواية وما ينجزونه من أفعال دالة على مستوى التركيب السردي،أفعال تتنوع من الأفعال الماضية حيث يجد الحكي طريقه إلى الرواية والأفعال المضارعة عندما يتحول الحكي إلى الخطاب يعالج أحداث المضارع ويسرد هموم الشخصيات الفاعلة،ويكون همنا دراسة العلامة لا كعلامة وإنما دراستها وهي تؤدي وظيفتها في الرواية ،ولذلك فإننا ندرس هذه العلامات وهي تؤدي دلالات مختلفة تعبر عن أحداث عاشها وعايشتها الشخصيات الممثلة، لأن المشهد الروائي لا ينشأ بمعزل عن أنواع المعاني و فضاءات التواصل.
ففي رواية (أمريكانلي) نلاحظ بأن السارد يحكي مجموعة من الأفعال الدالة و المرتبطة ببعضها البعض،حيث السارد يتحرك في الرواية بين أفضية مختلفة وشخصيات متنوعة،يتحرك من القاهرة إلى أمريكا وشوارعها ودكاكينها،معتمدا في ذلك خاصية الوصف الدقيق الذي يتتبع تفاصيل المحيط الخارجي الذي تدور فيه أحداث الرواية(استوقفتني واحدة ذكرت أن مجال اهتمامها هو الدراسات الجنسية،كانت تدعى روزيتا ويوحي لقبها بأصول إيطالية،وكانت متوسطة الطول ذات رقبة طويلة منتفخة قليلا ووجنتين جذابتين وشعرا أسود ناعم وقصير) أمريكانلي ص33
ومن حين لآخر نشعر بأن القول المقول يتعرض لتقويض من طرف الشخصيات المساعدة(وابتسم وهو يضيف أعرف زوجة مصرية قبلت أن ينسب إليها أنها تعرضت للاغتصاب بعد أن وجدت أنها أسهل طريقة للبقاء في الولايات المتحدة)ص38 بمعنى أن الرواية بالرغم من ارتباط أحداثها بفضاء أمريكي فإنها تعود بواسطة عملية الربط بالماضي وبالانتساب إلى فضاء آخر مما يجعل الرواية تتحرك عبر أفضية مختلفة منها الحاضر في الزمان و المكان،ومنها الحاضر في الذاكرة،وما يجمع بين هذه الأفضية هو السرد الروائي بشكله السميائي الذي يعتمد حركية الخطاب التي تحيل إلى علامات راسخة في الذاكرة اصطلح على تسميتها بالشخصيات الممثلة(أودعت دجاجة صغيرة في الفرن وجلست أتفرج على حلقة من برنامج عن الاسكندر الأكبر)ص43 فالسارد من خلال عملية تجدير القول المقول وربط تمفصلات الرواية بعضها ببعض يجعل المتلقي يحمل تصورا دلاليا وسميائيا على الفضاء الزمكاني الذي تجري فيه أفعال العاملين(الشخصيات الممثلة)
فالسارد وهو يتحرك،تتحرك معه أفعال العوامل لتأدية المعنى في سياقاته المختلفة،وبشكل مندمج ينطلق من مقول قول السارد وتجديره في علاقته بمقول قول الممثلين المساعدين وبطريقة حوارية يكون منطلقها دائما هو مقول قول السارد(قال:لابد أنها "كول جورل"
قلت:يا شيخ لعلها طالبة
ضحك :وإيه يعني
أضفت بعد لحظة كيف حالك مع الطالبات؟
قال:حذار أن تقترب منهن وإلا وجدت نفسك متهما بالتحرش الجنسي)ص43
وهذا الخطاب الحواري يحيل المتلقي إلى تجدير من نوع آخر وهو التجدير السوسيوثقافي،المرتبط بذهنية الشخصيات و الذي يحيل بدوره إلى مجموعة من القيم الدينية و الأخلاقية الراسخة في أذهانهم،فالمشهد يحمل قول فيه قيمة أخلاقية لها دلالة سميائية تحولت فيما بعد إلى سلوك أخلاقي يعاش في أي زمان وفي أي مكان.
فالسارد يقوم بأدوار مختلفة لكنها مرتبطة بطريقة تيماتيكية دلالية حيث إن كل شخصية ممثلة تؤدي دورها في السياق الذي يخدم توجه السارد(فتح ماهر جبهة جديدة،يكفي أنك تستطيع هنا أن تكتب ما تشاء وتبيعه للناشر الذي يعجبك)ص63
وتعددية الحوار في الرواية تخدم السرد الروائي بأن تساعد على تأزيم الأحداث وتأزيم الوضعيات المختلفة لأدوار الممثلين العاملين،كما أن هذه الأوجه المختلفة تساعد على إضاءة كثير من الجوانب الفنية و الجمالية في الرواية،كما يساهم في البحث عميقا في البنى العميقة للرواية،وتختلف درجات الوعي بالبنى العميقة من متلق لآخر،كل حسب مستويات تلقيه للخطاب الروائي وحسب رؤيته إلى العالم،كما تختلف درجة الإقناع و الاقتناع حسب درجة التلقي التي يساهم فيها القارئ من حيث التقبل أو عدمه.
ففي رواية"أمريكانلي"استطاع الروائي صنع الله ابراهيم تنويع مستويات السرد من البسيط إلى العميق،وتنويع أشكال الوصف المساعدة على الوصول إلى الدلالات الخفية وراء السرد،كما تتداخل صيغ الحكي وتتقاطع فيما بينها من الاسترجاع و التتابع و التضمين..ويفيدنا هذا التنوع في تتبع حالات تواجد السارد في الرواية وحضوره من خلال الشخصيات المؤثثة لفضاء الرواية.
وبتنوع صيغ الحكي بين حكي الأحداث وحكي الأقوال تتنوع صيغ درجات التقبل و التأويل و الإقناع و الاقتناع،فهناك من يقتنع بفنية السرد الروائي وجماليته وهناك من يقتنع بما تحمله هذه البنية السطحية من دلالات عميقة تعبر عن عمق فكري ودلالي يكون مضمرا في الخطاب الروائي،الذي هو في الحقيقة مجموعة من الخطابات وما خطاب السارد إلا واحدا من هذه الخطابات.
وبتعدد صيغ السرد الروائي تتعدد معه الرؤية السردية،وتبقى الرؤية البارزة هي الرؤية التبئيرية المهيمنة التي تعبر عن رؤية السارد التي تأتي بصيغة المفرد لكن في كثير من الأحيان تأتي بصيغة الجماعة،ويكون السارد هو المعبر بلسان الجماعة،وخاصة عندما يناقش القضايا الكبرى التي يختلف حولها كثير من القراء،كالموقف من أمريكا وما يجري في العالم العربي من أحداث(حرب 67وحرب 73) وما تعرفه الثقافة العربية من تقديس للموروث الثقافي،وتبنيه لنظريات نقدية تشك في كثير من التراث العربي(قالت فايدة...إنك تعطي الانطباع بأن التاريخ الإسلامي الذي نعرفه ملئ بالأكاذيب)ص216 .
وفي ضوء تعدد أصوات السرد الروائي ينتج تعدد أصوات المتلقين لأن القارئ وهو يقرأ النص الروائي فإنه لا يقرأه وهو صفحة بيضاء وإنما يقرأه وهو مشحون بمعلومات مخزنة في الذاكرة تسمح له بتلقي مشاهد الروائية من خلال عملية النظير و الاستيعاب والاسترجاع وكثير من تقنيات التلقي التي تربط الرواية بشبكة واسعة مما تلقاه وعاشه المتلقي في حياته.
وهذه الدينامية و الحركية بين الخطاب الروائي وتلقي المتلقي هي التي تحيي عملية التواصل التفاعلي وهي التي تساعد على ترسيخ النص الروائي في ذهنية المتلقي،لأن النص الروائي ليس أحادي الجانب موجه إلى ذاته،وإنما هو خطاب متعدد الرؤى كل واحد يقرأه حسب مستواه القرائي و المعرفي وحسب محيطه الاجتماعي و حالته النفسية،لأن السرد الروائي يتحرك أمام القارئ ككلمات لكنها تتخذ في ذهن القارئ شكل صور ذهنية تترسخ في ذهنه ومن خلال هذه الصور ينتج نصا آخر متخيلا،وتتعدد الصور وتتعدد معها القراءات بتعدد التخيلات.
محمد يوب



#محمد_يوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شقائق النعمان
- القصة القصيرة جدا الفهم...الإفهام...الإقناع...الاقتناع
- السخرية السوداء في-وطن وسجائر... بالتقسيط-للقاص أحمد السقال
- تقويض بنية اللغة في “مرايا” للقاص سعيد رضواني
- الرمز في الشعر المغربي المعاصر
- حدود السرد وحدود السيناريو في -كائنات من غبار-للروائي هشام ب ...
- مستويات الرؤية إلى العالم في القصة المغربية المعاصرة
- من أجل رواية حداثية-ليلةإفريقية-لمصطفى لغتيري نموذجا
- قضية الموت أم موت القضية في -فتنة المساءات الباردة-للمختار ا ...
- بنية التقاطع السردي وتفاعلية النصوص دراسة في -وشم العشيرة- ل ...
- مستويات التلقي و التأويل في القصة المغربية المعاصرة
- الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة - دراسة سميائية-
- البنية الفنية في القصة المغربية المعاصرة
- المنهج الثقافي -البحث عن الهوية المفقودة-
- جمال الغيطاني و اعتزال الكتابة من خلال قصة -نوم-
- دلالات الوجوه في لوحات نور الدين محقق
- الشذوذ الجنسي في قصة -همس- للقاص المغربي سعيد رضواني
- قراءة في مشروع - نقد العقل العربي- للجابري
- الانزياحات البلاغية و النفسية في -قطف الأحلام-
- -مسلسل باب الحارة - مشروع رؤية قومية عربية


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوب - التباينات الخطابية في رواية أمريكانلي للأديب صنع الله إبراهيم