أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - ذاكرة المرايا














المزيد.....

ذاكرة المرايا


أمل جمعة
(Amal Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3675 - 2012 / 3 / 22 - 12:58
المحور: الادب والفن
    


-1-
لا يكاد يرى ،كاحتكاك إصبعين في يد نائمة، كنملة ضالة تدبُ وحيدةً في المساء، رفيف جناح لفرخ دوري لازال يغطُ بزغبه الأصفر في ثقب في الجدار.
كذاكرة المرايا لا أرشيف لها الفرق النووي الصغير بين نبضتين (بلونين ودربين لا يتقاطعان ولا ينفصلان) موغلُ في الصغر هذا الشعور وأشبه بوهم، ولكن لماذا نعجز عن العودة عنه ومحوه ببساطة .
امتلكت يوماً ممحاة سحرية ،كانت تبرز في يدي كلما أطفأت أمي إضاءة غرفتنا الطينية الدافئة وأبقت خيطاً رفيعاً لقنديل احتفظت به رغم الكهرباء التي تسري في حائط الغرفة. أتقنت لعبة النوم والتحايل على أنفاسي لتبدو طبيعية ، ينامون فأخرج ممحاتي وعالمي أفرشه بمعدات كثيرة (جناحين للطيران، منطق للعبور، شالاً شفافاً بلون أخضر اصنع به أرضي المتحركة ، صوتاً لا بحة به ولا أثراً لدمع ، ميلادً بلا أم أو أب أو قابلة ،اسم يحتمل ويحْسمُ ويتفوقُ على أحرفه،عوالمَ طوع يدي أقلبها كل ثانيتين فلماذا يجرحني كلامك فائق الغموض في دفتر أنيق مثل مبرد أظافر صلف لم يميز بين أظافري وقلبي ؟ كيف اعتصر أسئلتي التي تبقر أرضي الخضراء فتهبط ثقيلة ملطخة بالحقائق هذه المرة .
واحترفت السؤال كإعلان يومي عن وجودي، وكذا الأجوبة( اقسمني يا رب لفتات ألف رأس وألف بشر وألف ملاك وألف شيطان وألف طفلة وألف امرأة وألف رجل واجعلني ناراً وماء وتراباً وهواء، هبني فوق الوسادة كل شيء، ودع ممحاتي في يدي.
أتقنتُ الصمت، فمي مضموم لا تندلق شفاهي بصوت، ويدي تقبض بحزم على بوابة النوم.

-2-

كأنها سعيدة بنومها، تهمس الممرضة للطبيب:"وجهها رائق بلا كوابيس وانتفاضات" .
يكتفيان بتقليبها وتعريضها للشمس ،حرارتها تلسع أيديهم أحياناً وصدرها يحرك قميص نومها،أصر الطبيب أن يلبسوها قميصها ذاته (الكالح قليلاً من كثرة الغسيل ،بدت مثيرة كما قالت الممرضة مبتسمة وهي لا تفهم تحديق الطبيب الطويل بجسدها النائم منذ شهور،ولم تفهم لماذا يحادثها الطبيب هامساً كلما شاء أن يعطيها أمراً يختص بتغذية الجسد النائم ، أو دس في ذراعها حقنة ما.
دعي كل أغراضها حولها ،علبة السجائر وكتابها مطوياً على ذات الصفحة ولا تلقي بأعقاب السجائر حتى قطعة الشوكلاته أبقت الممرضة عليها كما هي ،فقط كانت تبدل لها كأس الماء وتملأه لذات الحد ،دس الطبيب مسجلاً صغيراً في مخدتها بعناية فائقة .

الجميع يجهل لغتها، الطبيب والممرضة وصديقتها الوحيدة التي ترافقها،يصلب الطبيب صديقتها لساعات في استجواب يومي لمعرفة أدق التفاصيل ،أي لون تحب؟كيف تشرب القهوة، أي الأغاني كانت تهوى ؟ ما اسم الرجل الذي تحبه ؟ كم رجلاً أحبت؟ ما عطرها المفضل، ما لون عينيها، هل تبرق كثيراً إذا تكلمت ؟ هل يرتج صوتها ببحة إذا تكلمت؟ لقد ضحكنا كثيراً هذا المساء تقول الصديقة ، اغتسلت لساعة قبل أن تذهب لسريرها لم تذكر لي شيئاً لافتاً فقط قالت:" أفضل رماد الحريق في زجاجات شفافة ومختومة إن قدر لي الاختيار على بلورة متوهجة ومحيرة الرؤى ".
للحلم لغة تختص به تفقهها جميع الكائنات يقول الكائن الذي برز غريبا فوق شالها الأخضر كان ثقيلاً ،تجس حرارته الأشبه بدفء القطط ، فلليدين عمل آخر هنا (تنجز أعمالها وترمم أخطاء البشرية جمعاء .

لماذا ينام كل هذا الجسد ؟؟ يصرخ الطبيب وهو يتابع بقوة الشعيرات النافرة على ساقها ويطلب من الممرضة أن تزيلها برفق:" أبقيها تائهة عن نومها ،ولا تمنحيها السبيل لتدرك .

-3-

ما أصعب أن يكون الراوي متمكناً لدرجة أن يخترع نهاية مقنعة للجميع ولئيماً ليتجاوز بطلة الرواية التي تجلس بين المستمعين محروقة الصدر كما قال ،تعصر قلبها بيدها كما قال لا تملك إلا ذكرياتها كما أصر، لا تبكي فقد أعارت دمعها للندى ،ما أقسي أن يترك نهاية قصتها مفتوحة كجرح ملتهب، قل أيها الراوي ،احسم أمري الآن فلست احتمل ألف ليلة أخرى .
كم كانت العرافة دقيقة بتنفيذ ما طلبت، أبد الدهر أيتها المتمكنة، قالت بإصرار وحماقة.
أبد الدهر إذن تمتت العرافة حزينة :"كم من الشقاء في دربك يا فتاة /وكانت تكرر أبد الدهر تحرك أيها الهواء /كموجة مر عليها ساق الرب فلا تهداّ / كليمونة تذمرت من حموضتها فمنحها الرب اشتياق الشفاه ونمنمتها/كقطة لم تكبح غريزتها فأثارت غيرة الطبيعة وأرحامها العطشى / كتشكل الرب في ابتسامة طفل نائم /كريح بلا أهل ولا بلد ولا موت ولا غاية /كوعد الرجوع عندما ينضج التوت على شجرة الغواية.أبد الدهر كن لها أيها القلب.
لم تكترث لأقوال العرافة حينها ، لا بوابة ستفتح الآن ولا نافذة للفرار ،أعطني ممحاتك السحرية المهترئة بدل صنيعتي وتوهجي أنت أبد الدهر.



#أمل_جمعة (هاشتاغ)       Amal_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأموت فيما بعد
- المتسولة
- العاشِقات
- مات أبي
- كوابيس بأخطاء نحوية فادحة
- في صباح حار
- أرتجلُ الحب
- كأنها قلادة من الماس
- إعتزال
- سِر الغَجرية
- تلك الأشياء الصغيرة
- الذي لا يأتي
- ندم الخميس
- الطائرة ألقت بكومة رسائلي
- نص - مملكة اليمامات
- الخوف


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - ذاكرة المرايا