أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - الغربيون والجذور التاريخية لوصم -الآخر- بعار العنف /3















المزيد.....

الغربيون والجذور التاريخية لوصم -الآخر- بعار العنف /3


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 20:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




إن خرافة العنف العراقي والعربي أو العنف بوصفه ثيمة عربية و عراقية، ليست بنت زماننا الحاضر فلقد سعى الغربيون خلال احتكاكاتهم "عدواناتهم" في غابر الأزمان لتنميط هذه الصورة لأسلاف العرب الساميين منذ الانتفاضة ضد الهيمنة الرومانية ذات السمات الاستقلالية التي قادتها زنوبيا ملكة تدمر المثقفة الحسناء. حينها، جيَّشت روما القديمة الجيوش ضد رمز العنف والإرهاب "العربي" آنذاك، فكان أنْ دفع أحرار تدمر ثمن حلمهم الاستقلالي ونزوعهم نحو الحرية وسيقت الملكة الحسناء والشجاعة زنوبيا مقيدة بأصفاد صنعت خصيصاً لها من الذهب الخالص، كما قيل، أسيرة إلى روما، لتموت في الطريق إلى هناك أو بعد سنة واحدة أو سنتين من وصولها حسب بعض الروايات.
إنه الثمن ذاته الذي دفعته المملكة الفينيقية الكنعانية "قرت حدشت ـ القرية الحديثة" والتي اشتهرت باسمها قرطاجة أو قرطاجنة فيما بعد. ونقصد هنا قرطاجنة في تونس الحالية وليس تلك التي بناها صدر بعل الشقيق الأصغر لحنيبعل في منطقة المريسة في أسبانيا. ولكن حنيبعل بن حمل قار، لم ينتظر أن تأتي فيالق الرومان القاسية لتهدم عاصمته الجميلة على رأسه، بل بادر هو وقاد حملة عسكرية أسطورية في بطولتها، هادفاً إلى تدمير روما رمز العدوان والتخريب الغربي آنذاك. وبعد سلسلة انتصارات حققها حنيبعل وأهمها انتصاره على جبال الألب المرعبة وتمكنه من عبورها بجيشه الضخم المزود بالفيلة في ما عدَّه المؤرخون الغربيون أنفسهم أعظم إنجاز عسكري في العصور القديمة. وكذلك انتصاره على جيوش الرومان في معركة "كاناي" في الثاني من آب 216 ق.م واعتماده لخطة "الكماشة" التي سحق بها جيوش الرومان قريبا من عاصمتهم روما. وقد ذكر المؤرخ بوليبيوس أنّ الرومان وحلفاءهم خسروا آنذاك سبعين ألف قتيل، وعشرة آلاف أسير. ولو لا حلول الظلام لتمكن القرطاجيون وحلفاؤهم من إبادة الجيوش الرومانية عن آخرها! بعد تلك الانتصارات، تحصَّنت روما خلف أسوارها ورفع قائدها فابيوس شعاره القتالي "دعه يتعفن"، وطفقت تنسج الخطط لدفع الأغنياء المهيمنين في طرقاجنة إلى خذلان القائد الفينيقي الشاب حنيبعل، وهذا ما حدث فعلا: بدأ جيشه بالتعفن والتشظي، وانتهى الأمر بالقائد نفسه مشرداً في بلاد الأناضول حيث مات منتحرا بعد أن طاردته روما وطالبت بتسليمه حيا في كل مكان لجأ إليه. لقد ثأرت روما من قرطاجنة فيما بعد ثأراً لا سابقة له في تاريخ البشرية فقد أصدرت ولأول مرة في التاريخ البشري حكماً بإعدام مدينة بمن وبما فيها. لم يقتصر الانتقام الروماني على البشر إنما تعداه إلى الحيوان بل وحتى الجمادات. فبعد تدمير المدينة وقتل كل حيٍّ فيها خرج الجنود الرومان، كما يروي المؤرخون، وهم يحملون أكياس الملح لينثروه في حقول ومزارع قرطاجنة لكي لا تنبت شيئاً مستقبلا. إنه التكتيك الانتقامي ذاته الذي استعمله أحفاد روما الإمبراطورية أي جنود الولايات المتحدة الأميركية في حقول ومزارع فيتنام، ولكنْ بدلاً من الملح الروماني تطورت الهمجية الأمريكية تكنولوجيا واستعملت السموم الكيمياوية المسماة "العامل البرتقالي"! قررت روما إذاً أنْ لا يعاد بناء مدينة " قرطاجنة" مرة أخرى أبداً، وظل هذا القرار ساريا حتى رحيل أحفاد فابيوس، المستعمرين الفرنسيين، من تونس في20 آذار/ مارس 1956!
مع الحروب الصليبية، جرى استكمال تفاصيل صورة العربي العنيف بالريشة الرومانية، فهو "العنيف، القاسي، الغادر، الكاذب، الشَّبِق، الذي لا عهد ولا أمان له، زير النساء والطاعن من الخلف". ولعل تدقيقاً موثقاً ومدروساً بعناية، في ضوء علم النفس المجتمعي، سينتهي إلى خلاصات مثيرة، قد لا يُستبعَد منها احتمال أنّ الغربيين في فترتهم الصليبية كانوا ينمذجون صفاتهم هم، ويلقونها على "عربي..هم" أو على العربي كما ينظرون إليه.
ومع الأخذ باعتبار، أن الرومان كانوا هم من غزا أرض العربي وليس العكس، وأنهم ما يزالون إلى يومنا هذا يحتفظون بجلِّ تلك الصفات وبشكل مفرط : فالحرب أصبحت اغتيالاً جماعياً ومن ارتفاع آلاف الأمتار، والطعن من الخلف صار بالصواريخ العابرة القارات حيث حول صاروخ أميركي واحد منها أكثر من أربعمائة طفل وامرأة عراقية إلى كتل متفحمة في ملجأ "العامرية" ببغداد في 13 شباط 1991. أما الجنس فقد صار في الغرب تجارة نافقة وممارسة بهيمة لا محل فيها لكرامة المرأة أو الرجل، لا بل إنها عدمت حتى الأبعاد الاهتيامية المنعشة والجوانب الشاعرية بل والإحساسات الذائقية البسيطة والتي لا تخلو منها حتى بعض أنواع الحيوانات والطيور الراقية، نقول مع الأخذ بنظر الاعتبار ما سبق يتضح لنا بأن البعض من صناع ومقرري الإعلام والثقافة الغربيين يعانون مما يعاني منه بعض المراهقين المصابين بعارض "التحويل" وإلصاق سلبياتهم بالغير، و على طريقة يلخصها مثل عربي قديم يقول "رمتني بدائها وانسلّت".
ثمة مثال تطبيقي نادر على الملاحظة التقريرية السابقة، ففي أيام الحروب الصليبية، كان ضمن من تصدى للغزاة الفرنجة من العرب وعامة المسلمين فرقة تسمى الحشاشين، ربما جاء اسمهم من تناولهم لمادة الحشيشة المخدرة قبل القيام بعملياتهم، وهي، تلك الفرقة، التي يعتبرها بعض المؤرخين فرعا من فروع الحركة الإسماعيلية ذات الصيت الثوري الذائع وعاصمتها الشهيرة في قلعة "ألموت" التي كتبت عنها روايات كثيرة من أشهرها رواية نبيل معلوف "سمرقند" وقبلها رواية لكاتب يوغوسلافي "سلوفيني" هو فلاديمير بارتول بعنوان " ألموت " في سنة 1938 وقيل أن معلوف "انتحلها" في روايته ولكني قرأت الروايتين فلم أجد بينهما أية شبهة انتحال.
كان "الحشاشون" حينها يقاتلون على جبهتين: ضد الغزاة الصليبيين الفرنجة وضد بعض الولاة المسلمين المخالفين لهم طائفياً وسياسياً، إن كل ما كان يعرفه الغزاة الغربيين عن هؤلاء المدافعين عن أرضهم وناسهم وعقائدهم هو أنهم قساة ودمويون يميلون لتفضيل الاغتيال في تصفية أعدائهم وما زالت كلمة حشاشين أو (ASSASSIN) كما يلفظونها باللغة الفرنسية تعني في القاموس الفرنسي "القاتل، السفاح، المغتال /المنهل للراحل سهيل إدريس).
هكذا تجري عملية كتابة التاريخ أو الانتقاء في التعاطي التاريخي أوروبيا مع الأمم الأخرى حيث يتحول في أيامنا هذه المناضل من أجل حرية شعبه واستقلال بلده في نظر الغزاة المحتلين إلى سفاح وإرهابي وأحياناً تحتسب جرائم وحروب فريقين من الغزاة على أرض شعب ثالث كوصمة عار على هذا الشعب الضحية ومثال ذلك نجده في حروب الصفويين الفرس والعثمانيين الأتراك على أرض العراق.
إنّ الاختلاف في نظرة الطرفين، صانعي الحادثة العُنفية، ليس هو المعوَّل عليه وحسب في تأطير الظاهرة وإبراز قسماتها التاريخية بشكل جلي، ولكن تلك النظرة قد تساعدنا مساعدة ثمينة في مسعانا. ينبغي بحثيا، تفسير ظاهرة العنف في حياة أي شعب من الشعوب، على أساس ما أسميناه تناول وتفسير الحادثة العنفية بوصفها حادثة تاريخية لها أساسها الحياتي المادي وظرفها التاريخي و "الزمكاني" العام. أي، كل ما يتعلق ببيئة ومحيط الظاهرة بوصفها عنقوداً هائلاً من الحوادث العنفية، وكل حبة في هذا العنقود ستكون مشروطة بتاريخها الحقيقي والظروف الملموسة المحيطة، إضافة إلى جملة العوامل التي سيهتم بدراستها وتفكيكها علم النفس المجتمعي على أسس نظرية بحثية أو مختبرية. ونوضح مزيداً من التوضيح فنقول: حتى بصدد تلك الشعوب التي عرفت بتقاليد وإرث عسكري وعنفي ذائع كالشعب المغولي والشعب التركي وشعوب أوربا الغربية، مع منح نوع من الاستثناء والخصوصية لظاهرة الانغماس في العنف إلى درجة الحالة الوبائية لظاهرة العنف لدى المستوطنين الآريين البيض في العالم الجديد "أمريكا" الذين أقاموا دولة دموية ومدنية (ولا نقول حضارة) قائمة على العنف والبهيمية الجنسية والاضطهاد الطبقي والتطرف العنصري والديني على أرض الهنود الحمر الذين أبيدوا بسيوف وبنادق الآريين البيض أنفسهم. ولكن، فيما يخص الشعوب الأخرى، فلا ينبغي اللجوء إلى التفسيرات العنصرية واللاعلمية الحاطَّة من قَدَر وكرامة تلك الشعوب وإنما تنبغي دراسة ظاهرة العنف بدراسة أجزائها المكونة والتي أسميناها الحوادث العُنفية على أسس منهجية تاريخية نقدية ونفسية مجتمعية. غير أن هذا لا يعني قطعاً عدم وجود تأثيرات وآثار للظاهرة نفسها أي العنف على طبائع الناس وحالاتهم النفسية وذاكرتهم الجمعية لفترات قد تطول أو تقصر بوصفها الجزئيات التي ستشكل الصورة الكُليّة والعامة لشعب ما، أو للدقة : لشعبٍ عانى أكثر من سواه من ظاهرة العنف وشكلها الأكثر هولاً: الحروب.
إن من التسرع والشطط طبعا توقع وانتظار إننا سنفعل كل ما تقدم، أو إننا في سبيلنا لإنجاز وتقديم قراءة تاريخية ونفسانية لظاهرة العنف في التاريخ البشري فتلك مهمة أقرب إلى الاستحالة في التحقيق، ولكننا أردنا أن نرسم مخططاً عاماً ومبسطاً للمنهجية التي سنعتمدها في تفسير الظاهرة. أما من ناحية الإطار التاريخي والتأريخي وأرضه الجغرافية فسوف نخص بالدراسة والتحليل هذه الظاهرة في تاريخ العراق تحديداً ودون تعيين أو تأطير تأريخي داخلي إنما سنسمح للدراسة بأن تكون شاملة ومتحركة. سيكون من المفيد تقديم دراسة تطبيقية لهذه المنهجية على واحدة من القراءات الكثيرة لظاهرة العنف محاولين من خلالها تبيان نقاط الضعف والفساد التحليلي في تلك القراءات.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النشيد الوطني الجديد ليس للجواهري ..فحذار!
- قضية -الإيمو- : مبالغات إعلامية أم مجزرة حقيقية ؟
- أكراد العراق : ربيع الاستقلال .. أربيل تحتفل بذكرى مهاباد -ا ...
- المواجهات بين أتباع السيستاني والصرخي : هل بدأت حرب المراجع؟
- تسليح الجيش العراقي : مخاوف سياسية وفضائح فساد مدوية !
- العنف الجماعي.. لغةً وسياقاً تاريخيا/ إطار نظري عام
- -ربيع القاعدة- في العراق يغرق بغداد وخمس محافظات أخرى بالدما ...
- «المجلس الأعلى» للمياه هل ينقذ الرافدين من الزوال؟
- إغلاق هرمز : حكومة المحاصصة تطمئن العراقيين والأرقام تثير ال ...
- قانونا الأحزاب الجزائري والعراقي والطائفية السياسية.
- العنف الفردي والجماعي في سرديات علم النفس الكلاسيكي
- طائفية الأمر الواقع في الدولة العراقية من 1921 وحتى الآن
- أسرار قادة -العراقية- على الهواء مباشرة !
- زوبعة سليماني: العراق لن يكون بيدقاً
- النزاع بين التيار الصدري والعصائب .. الخلفيات والتفاصيل
- بول بريمر يتقمص شبح جوزيف غوبلز!
- جعجع في كردستان العراق: استثمارات نفطية بنكهة أميركية!
- مأثرة الملازم نزهان تهزُّ الوجدان العراقي وتطلق حملة رفضا لل ...
- العراق: مقام الرئيس الفخري يهزم حصانة النائب المنتخب
- زعماء «العراقيّة» في «نيويورك تايمز»: دعوة لاحتلال جديد؟


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - الغربيون والجذور التاريخية لوصم -الآخر- بعار العنف /3