أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المساءلة: عدالة أم انتقام؟















المزيد.....

المساءلة: عدالة أم انتقام؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 18:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



على نحو منظّم وآخر عشوائي طرحت الثورات العربية مسألة مساءلة المرتكبين في الأنظمة السابقة، وشاب الكثير من الإجراءات والممارسات والاتهامات نوع من الارتجال، وفي أحيان غير قليلة لم تستوف المستلزمات القانونية للمساءلة، لاسيما في ظل انتعاش روح الانتقام والثأر والكيدية، الأمر الذي اشتكى منه بعض الموظفين المسلكيين في الأنظمة السابقة، الذين طالت بعضهم رشقات الاتهام والاستجواب، مثلما اشتكى منه منصفون من الثوار الذين يفضلون سيادة حكم القانون واتّباع الأصول القانونية في ملاحقة المرتكبين، كي لا يختلط الحابل بالنابل كما يقال، وذلك بطبيعة الحال أقرب إلى روح التغيير الديمقراطي وضمان نجاحه .

مع انهيار بعض الأنظمة السابقة، انهارت معها صروح قانونية، ودساتير، وأنظمة قضائية حكمت البلاد لعشرات السنين، الأمر الذي يحتاج إلى صياغة مشروع قانوني متكامل وهيكليات قانونية وصولاً إلى تحقيق العدالة المنشودة، لاسيما بمساءلة المرتكبين، ولعل ذلك في ظروف الصراع السياسي وتداخل الأجندات وتضارب المصالح، مهمة ليست سهلة، بل هي في غاية التعقيد والتشابك والدقة، لذا فإنها تقتضي المزيد من الحذر لتتخذ مساراً مفضياً إلى العدالة وليس إلى الانتقام .

ولعل مثل هذا الأمر مطروح بحدّة على التجارب العربية من خلال أسئلة كبيرة وحاسمة: ما نوعية الجرائم والانتهاكات التي يجب المساءلة عليها؟ ثم ما مستويات المسؤولية؟ وما نوعية المسؤولية، هل هي جنائية أم مدنية؟ أم أدبية وأخلاقية بهدف توثيق ما حدث وكشف الحقيقة؟ وما الفترات الزمنية التي تحتاجها عملية المساءلة والمحاسبة؟ وهل يمكن محاسبة شخص متهم بالارتكاب وهو لا يزال في السلطة مثلاً؟ وهل هناك توازنات أو اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو دينية أو إثنية أو عشائرية، بحيث تكون هذه كلها ضمن صفقة أو تسوية سياسية يتم فيها الزوغان عن العدالة؟ وبعد كل ذلك وفق أي الآليات المعتمدة يمكن اتباع طريق المحاسبة؟

تخطئ بعض التجارب حين تركّز على المساءلة باعتبارها هدفاً بحد ذاته، في حين أن هدف التغيير هو الانتقال الديمقراطي، وهو الهدف الذي ينبغي أن تخضع له الأهداف الأخرى، لأنه يتمتع بالأهمية المحورية القصوى، إذْ من دون تأمين طريق سلس للتغيير والتحوّل الديمقراطي للسلطة، فإن هدف المساءلة وتحقيق العدالة سوف يكون غير آمن، وعلى العكس فإن مراعاة الانتقال الديمقراطي واعتباره الهدف الأسمى، يقود إلى اعتماد معايير العدالة، بما فيها التي نطلق عليه “العدالة الانتقالية” في ظروف الانتقال من شكل نظام حكم دكتاتوري أو مستبد إلى نظام حكم ديمقراطي وعادل، الأمر الذي يحتاج إلى سلوك سبيل المساءلة والمحاسبة عن الارتكابات، فضلاً عن كشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا من دون إغفال إبقاء الذاكرة الجماعية مضيئة، لكي لا يتم نسيان ما حصل، ولكي لا تدخل الارتكابات في عالم الظلام والمجهول، مع التأكيد على إصلاح النظام المؤسسي الدستوري والقانوني والقضائي والأمني .

يحتاج الأمر أيضاً إلى وقفة جدّية للنظر والتدقيق في التشريعات القانونية النافذة، بهدف استبدالها أو مواءمتها مع التشريعات والتعهّدات والاتفاقيات الدولية أو سنّ قوانين وأنظمة جديدة تستجيب لذلك، خصوصاً بما له علاقة باحترام حقوق الإنسان، لاسيما أن بعض البلدان كانت قد صادقت على تشريعات دولية وأصبحت هذه الأخيرة جزءًا من تشريعاتها الوطنية .

إن الهدف من إعادة قراءة التشريعات النافذة أو اقتراح تشريعات جديدة يتلخص في السعي لإصلاح النظام القانوني وضمان تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان، وإلغاء ما من شأنه إعاقة إنفاذ العدالة، وهو ما تواجهه هيئات التحقيق في مرحلة العدالة الانتقالية التي بحاجة إلى تأكيد احترام الجوانب القانونية في إجراءات التحقيق مع التمسك بمعايير حقوق الإنسان والمحاكمات العادلة وتوفير ضمانات للمتهمين، بعكس ما كانت تفعله الأنظمة السابقة، وهو ما يحتاج إلى تثبيته دستورياً وقانونياً، فضلاً عن الالتزام به .

وإذا كان نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الوعي القانوني والحقوقي مسألة مهمة في جميع الأحوال، فإن الحاجة إليها تزداد في فترة ما نطلق عليه العدالة الانتقالية، خصوصاً عند الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، ومن حرب أهلية أو نزاع مسلح وانتهاكات للحقوق والحريات، إلى حكم يوفر السلم ويؤمّن احترام الحقوق والحريات، ولن يتحقق ذلك من دون توافر بيئة مشجعة مجتمعية لإجراء حوار معرفي ضمن أرضية مناسبة وعلى قاعدة حقوق الإنسان، خصوصاً لتأمين تعويضات مناسبة للضحايا وإصلاح الأنظمة الأمنية والعدلية وتنقيتها من كل ما من شأنه رفع كفاءتها وطاقاتها واحترامها للمعايير الدولية .

إن غياب أو ضعف أو شحّ نشر الثقافة الحقوقية والديمقراطية يؤدي إلى نشر ثقافة معاكسة مثل ثقافة العنف والثأر والانتقام وأحياناً بتعاظم ردود الفعل خارج دائرة القضاء بما يؤدي إلى سيادة الفوضى ويخلق نوعاً من القلق وعدم الأمان لدى المواطن والإنسان .

ولعل من المساءلات التي طالبت بها الثورات العربية هي ملاحقة جرائم الفساد المالي والإداري التي سبّبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعلى نطاق واسع وبطريقة ممنهجة، لأنها شملت مجموع السكان ولم تقتصر على فئة محددة، وأسهمت في تعطيل التنمية ولعبت دوراً سلبياً على مستوى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وزادت من التفاوت الاجتماعي، خصوصاً أن دائرة الفقر شملت أوساطاً واسعة، ممن كانوا يعتبرون من ذوي الدخل المحدود ومن الأوساط الدنيا للطبقة الوسطى .

وهذا يتطلب بإلحاح إعادة نظر بتركيبة الأجهزة العدلية القائمة بما فيها القضاء وأعضاء النيابة وهيئات التحقيق، لاسيما الانتهاكات المتعلقة بالماضي، خصوصاً القوانين والتشريعات تلك التي كانت في السابق أو التي جرى تشريعها لاحقاً، ومنها تشريعات ذات صلة بسريان التقادم لجرائم ذات صلة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل جريمة التعذيب .

وهكذا فإن الحاجة إلى حوار وطني شامل بما فيه للضحايا أو من يمثلهم ضروري لتحديد مسارات العدالة من دون الاضطرار إلى خضوعه لصفقات أو موازنات بعيداً عن جوهر العدالة ومحتواها أو إلحاق الضرر بها، ولهذا لابدّ من اعتماد قوانين وتشريعات تحظر الإفلات من العقاب تحت أي سبب كان، بما يتعارض مع مبادئ المساءلة والمحاسبة . وإذا كان دور مؤسسات المجتمع المدني مهماً فإن أهميته تزداد في الفترة الانتقالية، لما له من خبرة ودراية غير حكومية، خصوصاً بمتابعة مجريات الأحداث والانتهاكات، كما يمكن الاستفادة من خبرات دولية في هذا المجال، وذلك بغية اختزال الزمن والوصول إلى هدف المساءلة وهو العدالة، ولكي يتم تسهيل مهمات المحاسبة فيمكن تشكيل هيئة عليا للحقيقة لكشف انتهاكات الماضي، بحيث تضم ممثلين عن جميع القطاعات والحقول القضائية والقانونية والإعلامية والأكاديمية والأمنية والعسكرية والصحية والنفسية، إضافة إلى المجتمع المدني، ويكون لهذه الهيئة شخصية اعتبارية ومعنوية وضمان استقلالها المالي والإداري، ويتم ذلك قانوناً بحيث تحال إليها جميع الملفات، ذات العلاقة بالاغتيالات أو التعذيب أو السجن أو الجرائم الاقتصادية أو غيرها .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية ( ...
- حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
- “إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
- البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية ...
- الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
- العدالة وإرث الماضي
- الجنادرية والروح الجامعة
- العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- كلام في ثقافة التغيير!
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي
- الربيع العربي منظور إليه استشراقياً
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح
- مقهى وروّاد ومدينة: ذاكرة المكان ونستولوجيا التاريخ!
- العنف واللاعنف في الربيع العربي
- محنة العراق بين الديمقراطية والحرية
- الربيع العربي وردّ الاعتبار إلى السياسة
- تعويم الدستور العراقي


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المساءلة: عدالة أم انتقام؟