سمير عادل
الحوار المتمدن-العدد: 1 - 2001 / 12 / 9 - 00:46
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
كان انتهاء الحرب الباردة هو بدابة للهجوم على الهوية والقيم والمعاني الإنسانية في كل بقعة من هذا العالم ،وكان أيضا بداية كي ترى وتكتشف البشرية الكثير من الادعاءات الكاذبة التي كان يزينها العالم ذو القطبين . فعندما كانت أمريكا وحلفائها في الغرب الأوربي يحاولون إنقاذ مجموعة من مواطنيها الذين أحتجزهم صدام حسين رهائن لديه عشية حرب الخليج الثانية ،كان هناك الملايين من الآسيويين العاملين في الكويت والخليج لا يفكر أحد بمصيرهم، فيما إذا كانوا سيموتون في الحرب التي قررت أمريكا أن تشنها ضد العراق والتي سميت ب"تحرير الكويت"، وحينها لم يتفوه أي دبلوماسي غربي ولا حتى اشرف السياسيين الذين لم توجه إليهم تهمة الفساد أو لم تكشف أوراقهم بعد في الحكومات الغربية،بان ما تفعله تلك الحكومات اتجاه مواطنيها دون الآسيويين الذي تغلب عليهم أمرهم بأنها سياسة عنصرية.وكان العالم يومها ثملا حيث شرب نخب"ديناصور الديمقراطية المنتصر".
واليوم في مدينة دربان في جنوب أفريقيا في المؤتمر المناهض للعنصرية والتي تشرف عليه الأمم المتحدة، يبغي الاتحاد الأوربي بإعادة نفس الكرَة السابقة أيام "أسطورة الديمقراطية" عندما يحاول تعديل الصيغة النهائية للبيان الصادر عن المؤتمر الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية ويدين إسرائيل على جرائمها ومجازرها ضد الشعب الفلسطيني،لأن أمريكا قررت الانسحاب احتجاجا على البيان . لكن مع فارق كبير مقارنة بما حدث قبل إحدى عشر عاما مضت وهي أن العالم استيقظ بعد أن سقطت جميع الأقنعة الزائفة حول السياسة الأمريكية قائدة العالم الديمقراطي الحر في العالم .
أربعة صفعات متتالية بوجه السياسة الأمريكية وهيمنتها على العالم خلال اقل من ستة اشهر،فكانت الأولى عندما خسرت مقعدها في لجنة مراقبة حقوق الإنسان لتحل سودان مكانها "الدولة التي تقوم على الرق والاستعباد" والثانية فشل مقترح العقوبات الذكية التي قدمته وبريطانيا لإنقاذ سياستها اتجاه العراق عنوان استمرار هيمنتها على العالم والثالثة اتفاقية التسخين الحراري للأرض "كيوتو"والرابعة هي اليوم في مدينة دربان .
ولا تمحي محاولة الاتحاد الأوربي في تعديل صيغة البيان لصالح إسرائيل من اثر الصفعة الرابعة ،فقوتها تكمن في انقسام المشاركين في المؤتمر إلى طرفين، أحدهما الممثلين الرسميين لحكومات العالم والطرف الآخر يمثل المنظمات غير الحكومية(NGO) حيث وقعت ثلاثة آلاف منظمة على بيان إدانة المجازر الإسرائيلية وممارساتها الوحشية اتجاه الفلسطينيين . وبعكس ما يقوله المحللين السياسيين والمدافعين عن مصالح أمريكا بأن سر تلك الصفعات التي توجه إلى أمريكا في العالم وتقويض مكانتها السياسية يوما بعد يوم يعود إلى غباء الإدارة الجمهورية الجديدة وطاقمها بدءا من بوش وانتهاءا بكولن باول،فلأول مرة تحركت هذه الإدارة بذكاء حين انسحبت من دربان ،فمثلما يقولون أن مثل هذه المؤتمرات ليس مكان للتفنن في الخطب السياسية بل لاستعراض القوة السياسية . وهنا يجب أن يعرف بأن هذا المؤتمر لم يكن مثل مؤتمرات الدول الصناعية السبعة أو اجتماع لحلف شمال الأطلسي أو القمة الروسية –الأمريكية حول درع الصورايخ ..الخ كي تفرض أمريكا قرارها السياسي عليها.انه مؤتمر تستعيد فيه البشرية ذاكرتها وتتصفح فصول من تاريخها الأليم وتخطط من اجل غد افضل لأجيالها. أن بقاء أمريكا في المؤتمر كان يعني المزيد من السخط والمزيد من الشجب إزاء مساندتها للأعمال القمعية التي تمارسها إسرائيل في الضفة الغربية وغزة .فكان انسحابها هو الحفاظ على القليل مما تبقى من ماء الوجه . فالأفضل للمجرمين البقاء بعيدا عن أنظار الناجين من جرائمهم.
إما بالنسبة لإسرائيل،فكأن التاريخ أراد أن ينتقم للمضطَهدين في تلك الدولة"جنوب أفريقيا" التي تدان فيها إسرائيل اليوم وتفضح سياستها العنصرية حيث كانت حكومتها التي استخدمت كل أشكال الفصل العنصري ضد سكانها السود يوما ما تسند من قبل إسرائيل في الوقت الذي كان العالم برمته يقيم حضرا دبلوماسيا عليها .
فمثلما اسقط النضال الإنساني على مستوى العالم بشكل عام ونضال السكان السود بشكل خاص حكومة روديسيا العنصرية ،فأن السخط العالمي الذي انفجر في مؤتمر دربان ضد قهر ولا إنسانية سياسات أمريكا وإسرائيل جنبا إلى جنب مع نضال جماهير فلسطين ستسقط السياسات العنصرية لحكومات إسرائيل.
وسواء اجري تعديلا على البيان المذكور لتتراجع أمريكا عن قرار انسحابها كي لا ينهار المؤتمر كما تقول حكومات العالم، فأن البشرية سجلت انتصارا حقيقيا منقطع النظير ضد من أجحفوا بحقها بعد الحرب الفيتنامية .
#سمير_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟