أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آکو کرکوکي - القومية العرّاقية، والِكتابة بالحبر السّري (1 من 2)















المزيد.....


القومية العرّاقية، والِكتابة بالحبر السّري (1 من 2)


آکو کرکوکي

الحوار المتمدن-العدد: 3671 - 2012 / 3 / 18 - 17:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أيام، كانت الذكرى الرابع والعشرون، لفاجعة أنسانية مروعة، وجريمة نادرة، في التأريخ البشري. ذكرى قيام الجيش العراقي، برش السكان الآمنين، لمدينة هَلبَجة، بالغازات السامة. ويأتي هذا العمل الإجرامي، كباكورة لجرائم مماثلة، أقترفها هذا الجيش، في أواخر الثمانينيات. بحق العديد من قرى كوردستان، وأمتداداً لسياسة وستراتيجية ثابتتين، أنتهجه ضد الشعب الكوردستاني، في العراق، ومنذ بدايات تأسيسه. إنه لمن النادر فعلاً، أن تجد جيشاً، ونظاماً سياسياً، وعلى مر التأريخ، وإمتداد الجغرافية، وهو يستخدم أبشع الأسلحة المحرمة، ضد فئة محسوبة، ضمن شعبهِ، ومواطنيه!

ولربما سيكون من الصعب، تصور، وتفهم، الأسباب التي تدعو، دولة ما، في أن، تعامل مواطنيها، بهذا الشكل. ولكن نفس الصعوبة، والأستغراب، سيتلاشا لو غيرنا، زاوية نظرنا للقضية، بحيث لا نصورها، على إنها صراع بين دولة، وفئة من مواطنيها، بل بإعتبارها في الأساس، صراعٌ بين أُمتين، و وطنين، مختلفين.

فمن بين الصراعات الحامية، على الساحة السياسية العراقية، وعبر كل تأريخيه الحديث، هو الصراع القومي، المتعدد الأوجه. وأحد الأوجه المفُتعلة، والحديثة نسبياً له، هو الصراع العربي -الكوردي.
أما الوجه الآخر، الأكثر أهميةً، وقِدماً ، فهو الصراع العراقي - الكوردستاني.
بإنهيار النظام البعثي،أختفى أول الوجهين، ومعه الكثير من صخب وشرور عنصريتهما، لكن القطبين الآخرين، أي (العراقي – الكردستاني) ، بقيا حيان يُرزقا، ليستمرا بعلاقة، يحكمها التنافس والصراع، أكثر مِن التعاون والتكامل.

إن السنين، التي تلت الحرب العالمية الأولى، كانت على موعد، مع ميلاد هذا الصراع، حين تم قسراً، ضم ولاية موصل العثمانية، الى دولة العراق الحديث النشأة. والناظر للمسار التأريخي، لهذا الصراع، يمكنه وبسهولة، إكتشاف العلاقة، أو المعادلة، التي حكمت فيما بعد، بين جنوب كوردستان، مع المركز في بغداد. حيث يجد في أحد طرفي المعادلة، إرادة كوردستانية للتحرر، والأستقلال، وفي طرفها الآخر، الحكومات العراقية المتعاقبة، وهيّ مُعززة دائماً بعدة سياسيات ثابتة، والتي كانت إحداها، سياسة الأنقلاب على الأتفاقيات، و العنف، والعمل العسكري، وأخيراً التعريب، والأسلمة.

رياضياً، يمكن تجريد هذه العلاقة، في معادلة خطية، مرسومة في فضاءٍ ثلاثي الأبعاد، يُشكل الزمن (ز)، أحد محاوره، والدولة العراقية محوره السيني، أما قضية كوردستان فمحوره الصادي، ويمكن كتابته بالشكل التالي:

تاريخ قضية كوردستان في العراق =القوة العسكرية × الحكومات العراقية + سياسة التملص والأنقلاب+ سياسة التعريب والأسلمة.

في هذه المعادلة الخطية، فالمتغير الوحيد، وعبر الزمن، هي الحكومات العراقية . أما بارمترات المعادلة، فهي ثابتة، وباقية، مع تغير الحكومات، والزمن. فالعمل العسكري، وسياسة التملص، والأنقلاب على الأتفاقيات، وسياسة التعريب، والأسلمة، أضحين من الثوابت السياسية للدولة العراقية، وعبر التأريخ، وغير مرتبطين، بحكومة معينة، أو نظام سياسي بحد ذاته.

هي أذن، علاقة خطية، وبسيطة نسبياً، ويمكن أستنتاجها بسهولة، لو راجعنا التأريخ، لنجد إنها ترسم نفسها، في خطٍ مستقيم، لا تحيد عنه. ففيما يمثل الجيش والقوة العسكرية أي العامل المضروب درجة "ميل الدالة"، أو بعبارة أخرى، كم يمتلك مُتغير الحكومة من قوة. صارت العوامل المُضافة الأخرى، مثل (سياسات التعريب والأسلمة والتملص من الاتفاقيات)، تعبر عن نقاط تقاطعها مع قضية كوردستان.

وحقيقةً، فإن أموال النفط، جعلت من أي تحرك، وتطور، على محور الزمن، بمثابة تطور في قوة الجيش، والحكومة معاً. في حين إن أي تطور، وتحرك في محور كوردستان، بمثابة نقاط علو، وإنخفاض في تقاطعها، مع هذه القوة، وذاك العنف، وتلك السياسات. لكي تزداد زخماً، في حدة التعريب، وتتشجع أكثر، للأنقلاب على الاتفاقيات، والقوانين، والدساتير، وتستخدم العنف، بإفراطٍ أكبر.

صحيحٌ، إن هذه العلاقة، نجحت في إبقاء الدولة، ولمدة طويلة نسبياً موحدة، لكنها هوت في النهاية، في فضاءٍ عديم الأستقرار ، ملئ بالعنف، لتتسبب في أن تتهاوى، وتضمحل، أواصرها السياسية، والإجتماعية، كدولة مستقرة، وموحدة، وناجحة، وتنهار، وتفشل، وتبدو، على ما هي عليها الآن.

كما رئينا، فعمر هذا الصراع، طويل نسبياً، يعادل عمر العراق، وتاريخهُ الحديث كُليةً. بل يكاد المرءُ يجزم، إن جل تأريخ العراق الحديث، قد نما، وولد، من رحم هذا الصراع، إضافة الى الصراع الطائفي. لذا فالمراجعة المقُتضبة، والسريعة، لبعض المحطات، التأريخية، المهمة، سيكون مفيداً، وضرورياً، في هذا المجال (أنظر ملحق المقالة بثبت الأحداث التأريخية-الجزء الثاني-ينشر تباعاً).

وهذا الطول النسبي، يضطرنا أن ننتقي، وفي إطار حديثنا، عن الصراع القومي، نقطة من ذاك التأريخ. نبدأ حديثنا منه، وهو عقد التسعينيات، وماتلاه من سنين.

فعقد التسعينيات، في رئينا، كان موعداً، تلاقت في مفترقاتهِ، الكثير من الخيوط المتشابكة، ولأحداثٍ عدة، فغزلت بتشابكها، نسيجاً مُتشعباً، تظافرت غرزاتهُ، في نقشِ المشهد السياسي الحالي. في التسعينيات مثلاً، إنتشرت الفضائيات، والهواتف النقالة، و شبكات الأنترنيت. فكان العالم أجمع، والشرق الأوسط أيضاً، على موعد، مع إكتشاف كنز معرفي جديد، وثورة جبارة، في نقل المعلومة. ما جعلنا نعايش، مرحلة تأريخية كاملة، في ظرف عقدٍ واحد فقط. فكانت للأحداث والتداعيات، الكثيرة، والمثيرة، والمؤثرة، لإنهيار الأتحاد السوفيتي، وإسدال الستار ،عن مرحلة الحرب الباردة، الممتدة، لأكثر من خمس عقود سابقة، على الصعيد العالمي، وتأثيرات حرب الخليج الثانية، على الصعيد الأقليمي، وقعٌ مهيب، في ذاكرتنا، حياتنا ، حاضرنا، ومستقبلنا.

في التسعينيات أيضاً، وفي العراق تحديداً، عايشنا الإنتفاضة الجماهيرية، ضد نظام صدام حسين. ولقد شهدنا في التسعينيات، بروز حكومة أقليم كوردستان، كأول تجربة حكم كوردستانية، تبسط سيادتها، على أجزاءٍ واسعة، من جنوبي كوردستان. جاعلاً من تلك الحقبة، كمدخل، الى مرحلة جديدة، في العمل السياسي الكوردستاني، في حكم المدن، وطاوياً بذلك تاريخٌ طويل، من الكِفاح المسلح، وحرب العصابات. لِتحتفظ بهِ، في رفوف الماضي. وناقلاً الصراع القومي بالعراق فيما بين القومية الكوردستانية والقومية العراقية، الى مرحلة أخرى مختلفة جداً. ولقد برز بموازاة هذا، أو في حضنهِ، المعارضة العراقية، لنتعرف وعبر الفضائيات، وفي نفس الفترة، ولأول مرة، على صوتٍ عراقي آخر، غير صوت البعث، وصدام.

نعم، في التسعينيات، كانت الحماسة في أوجها، لنسمع ذاك الصوت العراقي المُعارض، المُختلف، عن أبواق البعث، فتابعنا وبكل شغف، حديث الشيعي، والسني، القومي، واليساري، العلماني، والإسلامي، البعثي المنُشق ، والعسكري المتُقاعد. الكاتب، والمُؤرخ، والخبير الأستراتيجي، والى آخرهم، من على الفضائيات والبرامج الحوارية. شغفٌ قلما عايشنا مثيلاً لهُ. شخصياً، كان يُذكرني، بشغفي، في مُتابعة، مسلسل رأفت الهجان. الذي ظهر أبان التسعينيات أيضاً. لاحقاً أكتشفت مُشتركاً آخر، بين الأثنين، غير الحماسة، والشغف. مشتركٌ كان عنوانهُ، الأ سلوب الواحد، واللغة الواحدة.

فبعد المراجعة، فإني تلمست الشبه، بين أسلوب رأفت الهجان، للتخاطب مع رؤسائهِ، في جهاز المخابرات، بإستخدام الحبر السري، وتضمين الرسالة الحقيقة، فيما بين، سطور الرسالة الظاهرية، وبين أسلوب، ولغة، المعارضة العراقية تلك، في التخاطب، مع قضية شعب كوردستان. ولم أستسغ، الكثير من كلام المعارضة، الذي غلفهُ التبطين، والتضمين، والتقيَّة. وهذا ما سنتناولهُ، في السطور اللاحقة!

فالعديد من الدعوات البراقة، والرنانة، والطنانة، في دعم حق تقرير المصير لكوردستان، وشرعية مطالبه، و عدالة قضيتهِ، وعظمة مأساتهِ، ومظلوميتهِ. كانت تطرق مسامعنا، وتدغدغ مشاعرنا القومية. ولكن وقبل أن تختلس، نسمة من الطمأنينة، والسرور، طريقهُ الى نفسك، كانت تعترضها " لكن" ـات خطاب المعُارضة العراقية، مِن قبيل، لكن الوقت لم يحن بعد للأستقلال، ولكن العراق جريح، ولكن سبيلنا الديمقراطية، والتعددية، ودولة القانون...والخ!

لم يتحدد، أهمية المعارضة العراقية، في كونها مجرد صوت مُخالف لِصوت صدام، الذي لم نسمع غيرهُ طوال عقود وسنين. بل إن أهميتها تجلت، في كون المعارضة العراقية تلك، أصبحت نواة الطبقة الحاكمة الحالية. وكل ما أُضيف لها لاحقاً، من قِوى سياسية أخرى، كالتيار الصدري وحزب الفضيلة مثلاً، والتجمعات الأسلامية السنية الأُخرى ـ وفلول البعث، أنتهجت خطاباً، ومنهجاً، أكثر تشدداً وراديكاليةً، تجاه قضية كوردستان.

من بين سطور الكلام المعسول أعلاه، وفي التسعينيات أيضاً، كان يختبئ سطورٌ من الإتهامات ، والذي أفصحت عن نفسها لاحقاً، وبالتحديد في المرحلة مابعد 2003. وهذه الإتهامات، والتي جعلوا منها، وللأسف رائياً، عراقياً، عاماً، يسود الشارع اليوم، تصّور قضية كوردستان، وكأنها مجرد، حركة تقسيمية، وتجزيئية، خائنة، وبندقية للأيجار. تهدف لتمزيق الوطن الأم، والدولة المدنية الحديثة (العراق)، وهي ذات بنية، قبلية، وعشائرية، يعتري بُنيانها الفساد، والكراهية، والعمالة، والخيانة. لا بل كون القومية الكوردستانية، مجرد حركة قومية عنصرية، تكره العرب، وغيرهم في العراق، على غرار البعثين!

الأمر يتعدى هذا، ليصل الى نفي أي وجود لشعب أسمه الشعب الكوردستاني، أو كونهم من سكنة العراق أصلاً، بل هم مجرد رُّعاة، نزلوا من جبال القوقاز، و"أستولوا" على تلك الأراضي، وخاصة في المناطق الغنية، بالنفط ككركوك، وخانقين، والموصل. وفي أحسن الأحوال، يربطون قضية كوردستان، وفي العراق، بوجود تركيا، أو يحذرون، في تهديدٍ مبطن بإمكانية توحد السنة مع الشيعة، وضد الكورد.

وهؤلاء، المنظرون القوميون العراقيون، تشبثوا بمحاججة منطقية، كانوا دائماً يجادلون بها، ويستخدمونها، لتشريع أفعالهم وسياستهم، وحتى في تشريع أفعال من سبقوهم، وهي كونهم أُناس(وطنيون)، مشغولون ببناء دولة حديثة، تسمو على الأختلاف الأثني، والديني، والمذهبي، والفئوي، ويريدون بناء دولة تعددية، ذات مؤسسات مهنية، يقودها تكنوقراط مهنين، ويشرع قوانينها برلمانٌ منتخب، وينفذ سياساتها حكومة ديمقراطية منتخبة. وأما "الأكراد- كما يحلو لهم أن يسموهم"، فبنظرهم، هم مجرد مجموعة عنصرية، عميلة، تخرب عليهم، هذا العمل المقدس!

وفي إطار مناقشة: إمكانية نجاح الدول، متعدد القوميات والأديان، في جلب الأستقرار،والتنمية، والأستمرار، لمواطنيها، فهم لايترددون، في أن يقيموا، مقارنات خرافية، بين العراق، والولايات المتحدة، أو سويسرا (طبعاً بدون الفيدرالية أيضا)، ويعتبروهما، من الأمثلة التي ينشدوها، بعيداً جداً عن مقارناتٍ، لربما أكثر عقلانية، وموضوعية، على صعيد، المحيط الإجتماعي، والثقافي، والإقتصادي، القريب للعراق. كمقارنتها بسوريا، أو إيران، أو لبنان، أو مصر ، أو سودان مثلاً.

المغالطات المنطقية، والتأريخية، والجغرافية، عديدة في هذا الطرح القميء، بنظرتها لكوردستان، والوردي والمتفائل، لحد الإفراط، في حجتها المنطقية، بشأن الدولة الحديثة، والتعددية، في العراق. وهذه السطور المخفية من الرسالة الحقيقة، لم تظهر ،إلا بعد، أن كشف الزمن، فيما بعد التسعينيات، و سقوط صدام، الوجه الحقيقي، لتلك القوى السياسية العراقية، وأظهر الصراع القومي بين الوطنية العراقية، والوطنية الكوردستانية، مرة أخرى وللعلن.

ولانريد أن ننطلق في ردنا، من حقيقة، إن العراق، لم يشهد في حياته، إنتخابات نزيه، وحرة. ولا في إن، التكنوقراط لم يتوجدوا ابداً، في مراكزهم، وإن وجدوا، لم يكونوا مستقلين وهم حقيقة غير مؤهلين لوحدهم لأدراة الدولة والسياسة. ولا في كون الدولة هذه، لم تستطع أبداً، أن تسمو طوال التسعين السنة السابقة، على الأثنية، والدين، والمذهب. فالكل يعرف، إنها كانت ولأحيانٍ كثيرة بالمطلق، في يد العرب السنة، واليوم هي، بيد العرب الشيعة. لا بل يجب، أن ننطلق من المحاججة المنطقية، حول نظرية الدولة التعددية، مختلفة الأثنيات، والمذاهب، والأديان. ولنسئل وبكل بساطة:

لما الكلام دائماً عن الدولة التعددية؟ مالفائدة من التعددية وقبول الأخر أصلاً ؟

هل هو كلامٌ عام، يقال لمجرد مجاراة العامة؟ أم يقف خلفها فلسفة، وحكمة، عميقة؟

وإن كانت كذلك، فهل يعي الجماعة هؤلاء، تلك الحكمة، أو حتى يقصدونها، فعلاً؟

أم إن هناك رسالة مخفية، مكتوبة بالحبر السري، خلف هكذا طرح؟

الدعوة للتعددية قديمة، وتعود جذور هذه القضية، الى سقراط، مؤسس الفلسفتين، السياسية، والأخلاقية. حيث كان يقول دائماً:

(إن جل معرفة الأنسان، تتمثل بألمامه بجهلهِ، ولأجل الأقتراب من المعرفة، لابد من المناقشة والحوار ،والنقد، والأنفتاح على الآخر، والأبتعاد عن الرؤى الدوغمائية، وإدعاء المعرفة).

والقرن العشرين، شهد العديد من التطورات العلمية، التي أرجعت الأهمية، لمنهج سقراط، في التفكير. ففي مجال الرياضيات والمنطق، ظهرت الهندسة اللأقليدية، وكذلك كانت النهاية لعهد اليقينيات، والبديهيات. وفي مجال الطبيعة، جاءت النسبية، لتهدم مطلقية الزمان والمكان، وجاءت الكوانتية، لتهدم الدقة، واليقينية، والحتمية. وفي مجال البيولوجيا، أُكتشف الحامض الأميني، وعدل الكثير من كلاسكيات التفكير، وفق ثنائيات المادي، والعقلي، والوراثي، والفطري، والمكتسب. فكان جواب العلم، إننا كلما تقدمنا بالعلم، كلما أقتربنا من حقيقة، إننا لا نعرف الحقيقة، وإن منهج العلم، هومنهج مفتوح، ولا مجال فيه للدوغما، والحقيقة المطلقة، واليقينية.

ولمواكبة هذه التطورات، جاءت الفلسفات الغربية في القرن العشرين، داعيةً في مجملها، الى الإنفتاح، فمنهم من يدعو، الى التفتح على اللامعقول والماورائيات، مثل نيتشة، وهيدغر. ومنهم من يدعو الى التفتح على البحوث الفلسفية، وإعادة فهم الماركسية من جديد. وهناك تيار آخر عقلاني، ينفتح على العقل، كمواكبة لتطور العلم الوضعي، ويدعو لفلسفة تطورية، مفتوحة، تبتعد عن الدوغمائيات، فلسفة مفتوحة على العلم، والمجتمع، وتربط بين العلم، والديمقراطية، والحرية السياسية، وتؤسس لمجتمع عقلاني. فالعقلانية، هي إذن، دعوة للأختلاف والمناقشة النقدية، على أساس إن لا أحد يملك الحقيقة، وهذه المناقشة، تحتاج الحرية السياسية، والتعددية، وكل هذا موجود في الديمقراطية.

كل هذا الشرح المطول، يظهر بجلاء، إن التعددية، والتعايش السلمي، والإنفتاح، والديمقراطية، والعقلانية، لا تقوم لها قائمة، ولايمكنها أن تحيا، مع الدوغما واليقينية.

الخطاب القومي العراقي، في معظمه مبنيٌ، على إعتقادٌ يقيني، ومقدس، ودوغمائي، بالدولة العراقية، وكل من يحد عنه، فهو في رئيهم، ليس فقط مختلف عنهم بالرئي، يجب مناقشته، بل خائن، عديم الوطنية، والولاء، والإنتماء. ولربما يستحق "ولو أمكن"، رشهُ بقليل، من الخردل، والسيانيد، وحتى لو كان هذا الواحد، ليس مجرد واحد، بل عدة ملايين من البشر، كالكورد مثلاً، تماماً مثلما كان يفكر، ويقول علي حسن المجيد. الفرق الوحيد إن الاخير، كان يملك السلطة والسلاح، والأخرون لايملكوها، ولحد الآن!

إن هذا ياسادة، فكرٌ فاشي، فكرٌ يقدس ويعظم الدولة، على حساب الأفراد. ففي العالم الديمقراطي، والمنفتح، والتعددي، فإن المقدس الوحيد، هو الإنسان، وحريته، وليس الدولة، وعظمته، وواحديته. بل الدول وحتى دولة كوردستان المنشودة، هي في النهاية، وفي رئي كاتب السطور، مجرد مشاريع، لبناء حياةٌ أفضل للأنسان. الفرق إن العراق مشروعٌ مجرب وفاشل، ولم يثمر لنا حياةٌ أفضل، وكردستان فرصة لتجربة أخرى، لربما سيكون أفضل. فلما لانجرب؟

السادة القوميين العراقين هؤلاء، يتناقض خطابهم، وجعجعتهم الفارغة، عن التعددية، ومجاراة أمريكا و سويسرا، مع تعنتهم بمركزية الدولة، ورئي القيادة الواحدة، ومعاداة الفيدرالية، والكونفيدرالية، وخاصة في إدارة أموال النفط، والقوة العسكرية.

بل إن ديماغوغيتهم، يشرع لهم الغرور، والإستعلاء القومي العربي، ويمنعهم من تعلم، ولو حرف آخر، من أحد لغات العراق الأخرى، ولكنهُ يسمح لهم بنعت الكردي، وغير الكردي، بالعنصرية، لأن الأخير، لم يعلم أولادهُ العربية وبإتقان مثلاً !

مفارقة نادرة حقاً، أن تكون ضحية العنصرية في اأ ساس، ولكنك توصم بالعنصرية، مثلنا نحن في كوردستان!

وتراهم قيادة، واحزاباً، وكتاباً، ومثقفين، وطويلي اللسان، وعديمي الخجل، يدافعون لحد الرمق الأخير، عن سياسات صدام والحكومات العراقية الشوفينية، في تعريب كركوك، والمناطق المستقطعة، ويدعون لسقوط، دستور بلادهم!

فلم يكن، لبنود هذا الدستور، والعقد الإجتماعي، الذي وقع بأستفتاءٍ شعبي، والذي يؤطر قانونياً، لهذه التعددية، أي تأثيرٌ يذكر، أمام شدة هذا الصراع، فبقى البنود التي تحاول، إعادة توزيع الثروة، والسلطة، والحقوق، من قبيل القوانين الخاصة، بتوزيع الموارد الطبيعية، والفيدرالية، والمادة 140 ، والمشاركة بصنع القرارات والسلطة، لنزع فتيل هذا الصراع القومي، مجرد حبرٍ أسود على ورق رخيص. وبمباركة وجهود هؤلاء القوميين العراقيين.

والسياسات الأنتهازية، لهم، لم تفوت فرصة أحتدام شدة هذا الصراع مرة اخرى، وبعد 2003، فقامت بدغدغة هذه المشاعر الشوفينية، تجاه القضية الكوردستانية، في الشارع العراقي، فعملت ودون رحمة، على تأجيجها، ومراجعة تاريخية سريعة لأسباب ظهور، وبروز، أهم السياسين العراقيين الحاليين، من رئيس البرلمان العراقي الحالي (النجيفي)، ورئيس الوزراء (المالكي)، وزعيم التيار الصدري (مقتدى)، على سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن فصله عن مواقفهم، المتشددة، تجاه البنود الدستورية، المذكورة أعلاه، وموقفهم من أستقلال او فيدرالية كوردستان، وبشكلٍ عام، وخلال السنين السابقة.

سطرٌ آخر، من سطور الرسالة المكتوبة، بالحبر السري، يجدر ذكرهُ.

سطرٌ ، هو في الأساس، ينفي حق كوردستان في الأستقلال، ولكنه يترجم دعواه المبطنة تلك، الى نقد غير برئ، لحالات الفساد الذي يعتري إدارة أقليم كوردستان، أو بسبب سيادة الخطاب الحزبي على السياسة الكوردستانية، ومغازلتهم أو رشوتهم لها، على مستوى الأفراد، والجماعات، في مرات عدة، بمنحها المناصب لهذه الشخصيات الحزبية، أو إفتعال الأزمات معها. فتراهم يقلبون دائماً، موضوعة إستقلال كوردستان، ليحولوه وبخباثة، لنقد تصرف أو تصريح هذا السياسي، أو سياسة ذاك الحزب الكوردستاني.

كل هذه الإنتقادات، تمتلك حظوظ وافرة من الموضوعية، والصحةـ ولكن فقط لو دُرست بمفردها، وفي إطارها وسياقها الصحيح. ولكنها بالتأكيد، تبريرٌ فارغ، لحرمان كوردستان من حقها في الإستقلال. فهذه السلبيات، وأكثر ، موجودة، وبمستويات أعلى، في دولتهم العراق، مضافة اليها، حرب أهلية طاحنة، بين السنة العرب، والشيعة العرب، وتدخلٌ سافر، لدول الجوار ، في شؤون العراق، وفسادٌ يتفوقون به على معظم العالم، وأمنٌ منهار، وإدارةٌ حكومية فاشلة، خلقت كوارث إجتماعية، وإقتصادية. ولكن كل هذا لم يمنعهم من التشبث بدولتهم العظيمة، العراق !

وعلى صعيد التدخل الدولي والأقليمي، فإن المراقب يشهد كيف إن بريطانيا، هي التي أسست العراق، وكانت تمتلك الكلمة الفصل فيها، ولحد سقوط الملكية. ولا يخفى على أحد، تحكم موسكو، ولفترة طويلة، بواحدة من أكبر القوى السياسية، فيما بعد الملكية، ألا وهو الحزب الشيوعي من طرف، وتحكم الولايات المتحدة، والدول العربية، بالقوميين العرب، والبعث، من طرفٍ آخر. ومن ثم فإن اليوم نشهد وبأم أعينا، كيف إن الأقليم المجاور، وهو يسرح، ويمرح، في أزقة، وشوارع العراق، ليشتري ويتحكم بما يشاء، وبمن يشاء، من القوى السياسية العراقية.

أ و ليس من السذاجة والجهل إذن، الإعتقاد إن العراقيين، والكردستانين، يمكنهم أن يمارسوا السياسة، في منطقة أستراتيجة كالشرق الأوسط، بمعزل عن العالم الخارجي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلم هذا التطاول الوقح، والسوقي، ووصف الكورد، إنهم بندقية للإيجار؟

اليوم، والعالم والمنطقة، يدخلون مرحلة جديدة، فإن هذه المؤشرات، والقراءة المتأنية، يقودنا الى رأيٌ ينشد نهاية لهذا الصراع الفارغ، الى حلٍ يفتح الطريق أمام الجماعتين، كيما يتفرغوا لتنمية شعوبهم، وفي كل المجالات، بدل الصراع العقيم، حلٌ يضع نهاية لمشكلة، أرقت وأنهكت الجميع، ويقلل من عدد المشاكل التي يعاني منها العراق.

لقد إنتهى عهد الحبر السري، والنيات المبطنة، والمعادلة البائدة، التي حكمت العلاقة مع المركز في بغداد. لذا فإن المبادرة لهذا الحل، يجب أن يأتي من جانب كوردستان، وخاصة بإنتفاء الدستور، وعدم العمل به، وتنصل العراق منه. بحيث تقوم القوى السياسية الكوردستانية جمعاء، وبجراءة تأريخية، بطرح موضوع حق تقرير مصير كوردستان، أمام المؤتمر الوطني العراقي، المزمع عقده. وتتفق مع بغداد، على آلية لتنفيذه على غرار جنوب سودان، وذلك بإجراء إستفتاء عام، في كل ولاية موصل العثمانية السابقة، لأقامة إتحاد كونفيدرالي، بين دولة كوردستان، ودولة العراق، بضمانة ومساندة دولية، كيما تسود علاقتهم فيما بعد التعاون، والتكامل الإقتصادي، والثقافي، والسياسي، ويحكمها القانون الدولي والمصالح المشتركة، بدل الصراع والعنف.



#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كريستيان ڤولف وقيادة الشعب الجبار
- هَّمْ الوّطَنْ
- زمن الجياد السّكِرة، والضمائر المّيتة.
- في تبادلٍ لأطراف الحديث والأراء... مع الأستاذ جعفر المظفر
- الجماعات والقوميات المُضطهدة والبحث عن حياةٍ أفضل
- سؤال في موضوع ساخن!
- دولة جنوب السودان....عُذراً فنحن نحسدكِ!
- هل لنا بقليل ...من الحُمص والحلاوة؟!
- نُصف الكأس المُترع
- موجةُ تغيير ...أم موضةُ التظاهر؟
- العراق يُزاحم اللَّة في عرشهِ!
- تونس، تأملات في الهدوء الذي سبق العاصفة
- بعيداً عن الدَولَتيّة، وسلطة الرمْلِ،البحثُ عن حياةٍ أفضل!
- على هامش مقالة السيد نزار جاف- - أقليم الصخور والحديد-.
- التوافقية... حق الرفض لا الفرض!
- إنَّ اللّة لا يلعب النرد...!
- العراق: حشد السجالات العقيمة والعنيفة
- القومية وسرطان الحزبية
- المُدبلجات المُؤدلجات المُتحجبات
- كورد ولكن...!


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آکو کرکوکي - القومية العرّاقية، والِكتابة بالحبر السّري (1 من 2)