أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون














المزيد.....

عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3671 - 2012 / 3 / 18 - 10:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كان لمقتلة كرم الزيتون ليلة 11-12 آذار الجاري تأثير فوري على حرارة المواقف والانفعالات الطائفية في سورية. كان هذه الحرارة ارتفعت بثبات وبتناسب طردي دقيق مع توسع النظام في الإرهاب طوال عام الثورة المنقضي، لكنها بلغت درجة الحمى بعد كرم الزيتون. ومع الحمى يأتي الهذيان، كلام مفكك منفصل عن الواقع، يأخذ واحدا من شكلين: إما انجرار طائش وراء التسعير الطائفي، أو اجترار كلام أجوف عن سورية التي للجميع، وعن السوريين الذين هم إخوة. يدفع السوريون ثمن عقود طويلة من استغفال النفس، وتحريم النقاش في هذا الشأن على أنفسهم، والتشكيك في أن التفكير العلني فيه هو الطائفي. ومقابل ذلك لم تقترح يوما تصورات إيجابية عن الصيغ السياسية والمؤسسية والحقوقية لتنظيم الحياة العامة في البلد بما يضمن الأخوة المفترضة، ولم يجر يوما تحليل واف لجذور المشكلة ودينامياتها. وبعد نحو نصف قرن من إدمان النميمة الطائفية، ليس هناك كتاب واحد مهم عن هذه المسألة الخطيرة كتبه سوري (هناك عشرات الكتب في لبنان على الأقل).
وإنما بفعل سياسة استغفال الذات هذه لا يفرض الموضوع الطائفي نفسه علينا على ما فعل بقسوة بعد كرم الزيتون، وطوال الثورة في الواقع، إلا لنجد أنفسنا نتكلم وفقا لواحد من منطقين هاذيين: منطق الإباحية الطائفية الذي يرد المشكلات الطائفية إلى وجود طائفة أو طوائف شريرة، والحل هو التخلص منها طبعا، أو منطق التعفف الطائفي الكاذب الذي يخدش سمعه أي تناول للطائفية، ويهنأ باله بالسكوت عليها. كلنا سوريون، كلنا أخوة، عيب يا شباب! وستبدو الطائفية في الحالين شجرة برية، جذرها في المجتمع أو أجزاء منه، وفرعها في الأفكار. بينما يسدل ستار من الصمت على مطرح تشكلها النوعي، النظام السياسي، الذي هو أيضا الموقع الأفضال تأهيلا لمعالجتها.
كرم الزيتون ووقائع كثيرة جرت في مسار الثورة هي نتاج نظام سياسي يتوسل الطائفية منذ عقود كأداة حكم أساسية. هذا واقع يعرفه السوريون كلهم بدون استثناء، وإن تكتموا عليه رهبة أو رغبة. في البلد حكم شخصي (غير مؤسسي وغير قانوني)، يستند إلى أهل ثقته في أمنه وإعادة إنتاجه لذاته، وأساس الثقة هذه طائفي (ليس وطنيا ولا مواطنيا)، وتجري أشكال من التمييز بين السوريين في الأجهزة الارتكازية، وتخويفهم من بعضهم على أسس طائفية. وما نسميه النظام في سورية، أي المركب السياسي الأمني بخاصة (والمالي في العقد الأخير) هو مضخة الظواهر الطائفية التي يشكل ارتفاع الوعي الذاتي الطائفي وضعف التماهي الوطني قياسا إلى التماهي الطائفي أوجها اعتيادية لها.
وما وسم مذبحة كرم الزيتون من هول مشحون بالكراهية، سبق أن ميز جرائم الصرب في البوسنة ومذابح التوتسي في رواندا، مؤشر حاسم على المدى الذي بلغه نمو الغول الطائفي في البلد برعاية النظام وأجهزته. لقد كان عنف النظام السوري منذ بداية الثورة، بل منذ بداية النظام، يحمل القليل جدا من سمات عنف الدولة، أو حتى عنف نظام دكتاتوري.
وتجنبا لسوء فهم سهل فإن النظام الطائفي لا يمثل طائفية أو يرعي مصالحها، وإنما هو من يستخدم الطائفية أداة حكم رخيصة، ويجد في التفريق الطائفي وإعادة إنتاجه الموسعة ما يرسخ مقامه في السلطة العمومية، وإن اقتضى ذلك، وقد اقتضى دوما في الحالة السورية، توفير عتبات تماه غير متساوية للسوريين في نظامهم السياسي، بحيث يشعر بعض السوريين أنهم في بيتهم، وبعضهم بالغربة في وطنهم. الكلام على نظام طائفي هو كلام على نظام، ترتيب للسلطة والثورة والنفوذ، وليس على طائفة.
الطائفية ليست عاهة خلقية، ولا هي لعنة إلهية، وإنما هي نتاج خيارات بشرية وانحيازات بشرية، ولذلك يمكن التخلص منها بأفعال بشرية مناسبة. ورثنا مثلما ورثت دول العالم جميعها تكوينات أهلية متخارجة، ومتخاصمة أحيانا. لا شيء خاصا بنا أو فريدا في ذلك. وكان المسار العام للتطور الاجتماعي والسياسي في سورية قبل الحكم البعثي يسير باتجاه تخارج أقل وتقلص تلك الفوارق الموروثة. أما بعد الحكم الأسدي فلم يقتصر الأمر على أنه لم تبذل جهود ضرورية لصنع مزيد التداخل والقرابة بين هذه التكوينات، بل بذلت جهود كبيرة لتغذية خصوماتها وارتيابها ببعضها. وفرضت بالمقابل أولوية وطنية عليا هي الخلود في السلطة أيا يكن الثمن، وهو ما يكفي وحده للنظر إلى المجتمع المحكوم كمصدر أخطار ينبغي توقّيها، ويدفع إلى الصدارة ضرورة إضعافه (المجتمع) بكل الوسائل المتاحة. وقد مر ذلك بخصخصة الدولة والبلد نفسه (سورية الأسد)، وترجم نفسه بتوريث الحكم ضمن الأسرة الأسدية في مطلع هذا القرن.
لقد كان لب منهج النظام في الحكم هو منع المجتمع السوري من تطوير أي تماسك ذاتي في أوقات السلم (المجتمع الممسوك)، والعمل على تحويل الصراع السياسي إلى نزاع أهلي في أوقات تصاعد الاحتجاج عليه. ولا يفعل شيئا مختلفا أولئك الذين يلومون أفرادا أو جماعات أو "المجتمع" على ما هو نتاج النظام السياسي في البلد. حسن النية لا يغير من الأمر شيئا.
والواقع أن مسؤولية النظام السياسي عن أية مشكلات عامة هو مسلمة عملية في أي تفكير سياسي حديث. ليس هناك أشياء غير سياسية في المجتمعات المعاصرة، والمشكلات الاجتماعية مسؤولية الحاكمين في كل حال، أيا يكن هؤلاء. هذا حتى لو تجادلنا نظريا في المسؤولية الأساسية لهؤلاء الحاكمين عن التسبب المباشر بالمشكلات المعنية. وما كان صحيحا أمس قبل الثورة، وما هو صحيح اليوم أثناء الثورة، سيبقى صحيحا غدا بعد الثورة. فليتحسب المجادلون لأنفسهم.
والخلاصة أن لدينا بؤرة عفنة من الوحشية والكراهية والتمزق الوطني هي "النظام"، الذي يتكثف تحديدا في الأسرة الأسدية، وأن فرصنا في تجاوز الانقسام الوطني ومواجهة مشكلات وطنية عمرها من عمر البلد، مرهونة بالتخلص من هذه البؤرة العفنة. التخلص من هذا النظام هو الواجب الوطني الأول للسوريين إن كانوا يتطلعون إلى التكون كشعب. لقد تسبب النظام الأسدي في كارثة اجتماعية ووطنية وإنسانية في سورية، وهو ما يقضي بأن التخلص منه هو واجب السوريين الوطني والإنساني الأول.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا عودة إلى بيت الطاعة الأسدي
- عام من الثورة المستحيلة
- عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
- من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
- سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
- عناصر أولية من أجل استراتيجية عامة للثورة السورية
- الحزب الذي لم يعد قائدا للدولة والمجتمع...
- -اختراع التقاليد- لإريك هوبسباوم
- ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية
- الحكم بالاحتلال!
- في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
- -قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
- المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
- في الشبّيحة والتشْبيح ودولتهما
- حول العسكرة والعنف والثورة...
- ديناميتان للثورة السورية: المستقبل في الحاضر
- المثقفون والثورة في سورية
- -حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!
- مكونات الثورة السورية وسياستها
- عام ثوري وأزمنة صعبة قادمة


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون