أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جوزف أيوب - اسبينوزا















المزيد.....



اسبينوزا


جوزف أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 3668 - 2012 / 3 / 15 - 05:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



مقدمة:
"إما أن تكون اسبينوزياً وإما ألّا تكون فيلسوفاً على الإطلاق".. هذا هو رأي هيجل، عميد الفلاسفة الاجتماعيين المحدثين. من هنا نرأى أهمية دراسة هذا المفكر اليهودي الأصل والمرفوض يهودياً!!
فهو فيلسوف بالمعنى التنويري قبل أن تظهر هذه الحركة كتيار ضخم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. فقد عاش وكتب في النصف الثاني من القرن السابع عشر، أي قبل مائة عام من ظهور فولتير، وديدرو، وروسو، وكانط وسواهم.. وكان قد واجه رجال الدين قبلهم وفي ظروف أشد صعوبة وخطورة. إن محنة سبينوزا وقبله ابن رشد وقبلهما سقراط هي محنة كل الاحرار المفكرين، فالفكر والحريه غالبا ما تكون التهمه الكبرى التي يقتل ويطارد من اجلها الناس. وبهذا فهو الرائد الأول في بحر الأفكار، حيث لم يكن أحد حوله لكي يدلّه على الطريق، لكي يتفهّم همومه، أو يتواصل معه.
في حين يعتبر ديكارت المؤسس التنظيري للفلسفة الحديثة، ولكنه أبقى على افكاره الحقيقة، نرى اسبينوزا المفكر الذي باح بأفكاره وبهذا يعتبر ديكارتياً من الطراز الأول، اسبينوزا هو ديكارت الشجاع الذي لم يخشى على نفسه مقابل البوح بأفكاره، لأنه الديكارتي الحقيقي الذي طبق منهج ديكارت خصوصاً في المجال الديني والسياسي كذلك.
هو خليط من العقلانية الديكارتية والتصوف الإسلامي والأفكار اللاهوتية اليهودية تبلورت في شخص واحد وجعلته هذا الشخص الفيلسوف الرائع. اسبينوزا مرحله فكرية وفلسفية لا زالت مستمره الى يومنا هذا، فبعد محنة الاغريق ومحنة الفلاسفه المسلمين تأتي محنة فلاسفة اوروبا المتمثله اولاً بـــ اسبينوزا .
تأتي فلسفة اسبينوزا ابتداءاً من الله ثم تنزل إلى سائر الموجودات، فهو الذي يعتبر النقيض لسقراط الذي حوّل الفلسفة من الإنسان إلى الله، فقام بإعادتها لتتجه من جديد، من الله الى الإنسان بتسلسل آخذاً بعين الإعتبار أن معرفة الله أو الطبيعة هي معرفة انطولوجية ومنطقية تسبق معرفة الذات، بحكم الاسبقية الوجودية فوجود الله أو الطبيعة أسبق على وجود الانسان، فالله عند اسبينوزا هو جوهر كُلي مُطلق لا متناهي. فالمعلول يعرف بالعله ولكن الله علته ذاتيه وهو مستقل بذاته بشكل مُطلق فلا علّه لهُ من الخارج، فالجوهر (الله) غير متناهي وهو لا يقبل القسمه وهو واحد احد أزلي أبدي.

المبحث الأول: الإيتيقا والأخلاق
عاش اسبينوزا 45 عام فقط وهذه شهرته! فكيف لو عاش 70 عام،
فماذا سيكون اسبينوزا ؟!

مما لا شك فيه أن اسبينوزا كان أحد أجرأ من نقد الكتاب المقدس نقداً موضوعياً حتى بات يُعرف بعد قرنين من الزمان بـ "النقد الأعلى"، فكان يشكك في المعجزات والحوادث الخارقة للفيزيقا وللمنطق العقلي التي ينطوي العهد القديم خصوصاً عليها. وفي العام 1676 أصدر اسبينوزا كتابه الأشهر والأعظم على الإطلاق، ذلك الكتاب الذي حمل عنوان "الأخلاق"، الذي يُوصف بأنه من أكثر الأعمال الفلسفية تكاملاً وتماسكاً ورصانة. ولكن نرى البعض يختلف على هذه التسمية فاجتماع الخصائص كلّها (المادية، الطاقية، الطبيعية) هو ما يجعل من فلسفة الرجل "إيتيقا" ethica لا أخلاقا moralis، وهذه هي الغاية من تسميته كذلك، إذ لا ينبغي أن نتصوّر أنّ اسبينوزا يختار لنظريته اسم "الإيتيقا" بمحض الاتفاق، ولا أنّه صدفة يمتنع عن نشر النص الذي يعرض لعناصر تصوّره عنها وأركانه وهو حيّ، فـ"الإيتيقا" (النص والمذهب) هي النقيض الفلسفيّ المباشر للدين، ولأخلاق الدين، لأنّ الإيتيقا هي "إيثولوجيا"، والأخلاق هي "ثيولوجيا"، وبهذا المعنى فلا إمكان إطلاقا لفهم الإيتيقا بمعنى الأخلاق.
ما معنى الإيثولوجيا؟ وما معنى أن تكون الإيتيقا إيثولوجية؟
يوافق مفهوم الإيثولوجيا في الاصطلاح المعرفيّ: "العلم الذي يدرس كيفيات الوجود وأشكال تحقّق الموجودات، بما هي قوّة وحركة، وعلاقات تأثّر وتأثير" . وعندما ننظر إلى العالم من زاوية الإيثولوجيا هذه، أي من زاوية كونه علاقات فعل وانفعال خالصة، ينقلب معناه، فلا يصير محتاجا إلى أن يكون مخلوقا أو محكوما بقوى خارجه، ولا يعود هناك من مبرّر لاعتبار ماهيات أرقى منه، كلّ شيء يصير حينها هنا، في الطبيعة، التي تصير بذلك هي أصل وغاية كلّ فعل أو أثر أو علاقة، أي تصير هي نفسها ما يصطلح على تسميته الناس بـ"الله".
في هذا الكتاب يبحث اسبينوزا مشكلة "الله" أو قضية الألوهية، ويضع لـ "الله" عدة تعريفات منها التعريف الفلسفي التقليدي ومنها تعريفه عندما يساوي بين "الله" وبين "الجوهر". وفي هذا التعريف يشرح اسبينوزا عن مقومات الجوهر، فيقول إنه يجب – أولاً – أن يكون قادراً على أن يفسر نفسه بنفسه كلياً، وإنه يجب أن يكون – ثانياً – متسماً باللا تناهي، وإنه يجب – ثالثاً – ألا يكون إلا جوهراً واحداً. وعليه، فالجوهر هو العالم ككل، وبالمثل فإنه هو "الله" ذاته. وهكذا يكون في نظر سبينوزا أن الله والكون، أي مجموع الأشياء كلها، هما شيء واحد غير منفصل، وهذه هي نظريته الشهيرة عن "شمول الألوهية". وبحسب برتراند راسل ومعه الدكتور فؤاد زكريا، فإن تلك الرؤية رغم عذوبتها المفرطة إلا أنها لا تنطوي على أي قدر من التصوف ولا ميل نفسي إليه، بل هي نتاج مجرد تمرين في التفكير المنطقي الاستنباطي المتسلسل. وكان من أكثر ما أثار الجدل حول تلك النظرية ومن أكثر ما استحضر لسبينوزا بسببها غضب الكنيسة والقادة الدينيين للطائفة اليهودية في هولندا أنه عمل على تعضيدها بعدد من الأمثلة المقارنة التي بدت في مجملها وكأنها محاولة ضمنية منه للقول إنه طالما أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى إله واحد وطالما أنه يوجد العديد والعديد من النسخ المتصورة لـ "الله" على الأرض، فإن معنى ذلك بالضرورة هو أن لا أحد على وجه الأرض يعبد الإله الحق الذي توصل إليه سبينوزا أبداً والكل يعبد آلهة من صنع خياله أو مخاوفه.
شمول الألوهية:
وفي نفس الكتاب يعتبر أن نظرية شمول الألوهية يؤكد بالضرورة على الإيمان بأن العقول البشرية المتعددة المختلفة هي جزء من كلّ هو العقل الإلهي، وبالتالي كلما ازدادت القدرة على النظر إلى الأمور نظرة متعمقة (أو "ضرورية" بحسب تعبيره) كلما ازداد التقرب من التوحد بـ "الله"، أو بالعالم، على أساس الوحدة بينهما. ونحن بشكلٍ أو بآخر نسعى دائماً للتوحد والذوبان في كيفياته. وفي البابين الأخيرين يتناول اسبينوزا مفهوم الحرية، ويعتبر الحرية والاستقلال شيئاً واحداً معياره القدرة على التحكم الذاتي التام، وهذا معيار لا ينطبق بشكل مثالي إلا على "الله" لأنه الجوهر الوحيد المستقل والقائم بذاته بالمعنى الحرفي للكلمة. ومعنى هذا أننا – نحن العناصر الفردية المكونة للذات الإلهية أو لعقلها أو جوهرها – نظل عبيداً ضعفاء تابعين طالما كنا خاضعين للمؤثرات الخارجية ولانفعالاتنا الذاتية المبالغ فيها، وهذا يجعلنا غير قادرين على التحرر من نير الخوف أبداً. لكن الجهل بالنسبة لسبينوزا هو العلة الأولى لكل شر وهو عدونا الأول الذي يدفعنا إلى الخوف وإلى التصرف بغير حكمة، وهي رؤية يقتبسها سبينوزا لحد كبير من سقراط وأفلاطون. لكن ما يضيفه سبينوزا من عنده ويختلف به عن سقراط بالذات هو رؤيته لطريق الخلاص المقترحة، فبينما رأى سقراط في الموت خلاصاً مثالياً للانسان من سطوة الخوف من المجهول، فإن سبينوزا رأى في المعرفة طريق خلاص مثالية وإيجابية وغير مؤلمة حسياً، في وقت معاً..

المبحث الثاني: ميتافيزيقا اسبينوزا
"اسبينوزا، أمير الفلاسفة؛ مسيح الفلاسفة، وما الفلاسفة المتبقّون،
حتى أكبرهم، إلا حواريوه".
جيل دولوز

لعلّنا لا نبالغ إن قلنا بأنّ فلسفة سبينوزا ونسقه الأنطولوجي قد يكونان المحاولة الأقوى في تاريخ الفكر لبناء نظرية خالصة عن الوجود، ولعلّ نصّه الأمّ :"الأتيقا" هو الآلية الأشدّ إحكاماً. وهذا بسبب أن اسبينوزا قد سعى إلى بناء مذهب مادّيّ صرف لا يسلّم بشيء للنزعات الروحية أو الدينية، وهكذا فإنّ اسبينوزا هو في فيلسوف ماديّ، حيث ينظر إلى الموجودات من جهة قوّتها وتركيبها المادّيّ، وليس من جهة ماهياتها الأخلاقية أو الدينية المجرّدة، وهي ليست أبداً جواهر وأعراضاً أو صوراً. كلّ الموجودات متساوية من حيث الاعتبار المنطقيّ والأخلاقيّ عند سبينوزا، فلا وجود لموجود أسمى أو أعلى قياسا إلى غيره في نظام "الجوهر المطلق الواحـد، المحايث لذاته وصفاتـه الذي هو "الله أو الطبيعة "Deus sive natura".
فمما لا شك فيه أننا أمام افكار تحمل الصفة التدميرية لبنية المجتمع التقليديه في ذلك العصر بل ولبنية الانسان النفسية التقليدية. فقد كان اسبينوزا هو الهدام لمفهوم عصره وربما كان هذا من الاسباب التي دعت رؤساء المجمع اليهودي أن يمنعوا الناس من الإقتراب منه لأربعه أذرع وأن يأمروهم بأن لا يكلمه أحد بكلمه وأن لا يقرأ أحد شيئا جرى به قلمه أو أملاه لسانه وأن يلعنوه، وربما يكون هذا هو السبب في أنه طبع كتبه بدون أن يجرأ على وضع اسمه عليها تاركا كنزه الثمين لاجيال اخرى وقرون تاليه، عقل فلسفي جبار رفض مجدا زائلا في عصره باحثا عن مجد اعظم بتقدم العصور وخلودا يحسد عليه في ذاكره الانسانيه.
ميتافيزيقا اسبينوزا :
من المعلوم أن اسبينوزا اتبع في كتبه: "الأتيقا"، و"مبادىء فلسفة ديكارت"، و"الرسالة الموجزة" منهج الرياضيين في الهندسة لما تضمنته من تعريفات وأوليات ومسلمات وقضايا وحدود وبراهين وحواشي تماما مثلما تتضمنه كتب علماء الهندسة، وقد اقتدى اسبينوزا في ذلك باقليدس وإبن ميمون وسكوت وبروكلس، لقد تضمن كتاب الأخلاق العنوان الفرعي التالي: "الأخلاق مبرهنا عليها على المنهج الهندسي في خمسة أجزاء تبحث:
1- في الله
2- في طبيعة النفس و أصلها.
3- في أصل الانفعالات و طبيعتها.
4- في عبودية الانسان أو في قوى الانفعالات.
5- في قوة العقل أو في حرية الانسان.
يقول سبينوزا في التذييل الخاص بالكتاب الاول:" ولا شك أن هذا السبب وحده كان كافيا كي يبقى الجنس البشري في جهل دائم للحقيقة لولا الرياضيات التي تعنى لا بالغايات وانما بماهيات الاشكال وخاصياتها والتي أشعّت أمام الآدميين معيارا آخر للحقيقة..."
يقوم التصور الميتافيزيقي عند سبينوزا على:
- استبعاد الغائية والإعتماد على التفسير العلمي.
- وجود توازٍ عقلي- فيزيائي في كل الكون.
- وجود جوهر واحد هو الطبيعة- الله وهي طبيعة طابعة أي مجموع الصفات اللامتناهية ومن بينها الفكر والامتداد والطبيعة المطبوعة فتشمل كل الأحوال تبدأ من تلك التي تنبسط مباشرة من الصفات مثل الذهن اللامتناهي والحركة والسكون الى أكثر الأشياء تحديدا.
- الضرورة مطلقة في الكون وكل شيء خاضع لقانون دقيق ولا شيء يحدث صدفة أو اتفاقا بل ان قوانين الطبيعة هي القوانين الالهية وتستمد منها أيضا القوانين الأخلاقية.
إن تأكيد اسبينوزا على الحتمية ورفضه للعلل الغائية في الفيزياء يوافق رأي ديكارت، إن المادة قابلة لأخذ كلّ الأشكال التي بإمكانها أن تأخذها (المبادئ، III، 47).
وتتلخص نظريته الشهيرة فيما يلي: أن قصص المعجزات الواردة في الإنجيل كالمشي على الماء وشفاء الأعمى وسوى ذلك ما هي إلا أساطير. وكانت هي الوسيلة الوحيدة آنذاك لتصور العالم أو لتفسير ظواهره الطبيعية كما كانت الوسيلة الوحيدة لإقناع الناس الذين تسيطر عليهم العقلية الخيالية أو الأسطورية في ذلك الزمان. فالعلم الحديث لم يكن قد نشأ بعد والعقلية السائدة كانت بدائية. وبالتالي فالأسطورة كانت تشكل في العصور القديمة، أي قبل ظهور العلم الحديث، الوسيلة لفهم الوجود البشري أو للتعبير عنه. ولكننا لم نعد بحاجة إليها الآن في عصر العلم والعقل. وبالتالي فبامكاننا أن ننظف الإنجيل من هذه العقلية الأسطورية لكي نتوصل إلى نواته الأخلاقية الحقيقية المختبئة وراء تراكمات الأساطير.
يضاف إلى ذلك أن المعجزة ترمز إلى شيء معين، أو إلى تهذيب أخلاقي أو قيمة روحية. فلسنا مضطرين للايمان بها ولخروقاتها للنظام الطبيعي ولقوانين الكون لكي نصبح مؤمنين. إنما يكفي أن نفهم المغزى الكائن وراء المعجزة أو القيمة التي ترمز إليها وهي القيمة الإنسانية. وهذا هو معنى نزع الأسطورة عن الإنجيل: إنه يعني تقديم قراءة عقلانية له، قراءة تليق بعصرنا أو بوعي معاصرينا الذي أصبح مغموساً بالعقلية العلمية وبخاصة في أوروبا. كل هذا استبق عليه سبينوزا بمائتي سنة على الأقل.. وهنا تكمن عظمته أو عبقريته المدهشة بالنسبة لنا.
على هذا النحو تمكن سبينوزا من فصل الفلسفة عن اللاهوت، فللدين مجاله، وللعقل مجاله. ففي رأي سبينوزا، وهو رأي حديث جداً، إن الفكر الفلسفي يمارس عمله في مجال خارجي كلياً على مجال الإيمان. وإذا ما أخضعنا الفلسفة للإيمان أو للدين فإنها تختنق فوراً، أو تذبل وتموت.
تبقى نقطة أساسية ينبغي أن نضيفها هنا لكي تكتمل الصورة. في الواقع إن العقيدة المعروضة هنا تخلَّى عنها سبينوزا في كتابه اللاحق "الأخلاق". فتصور الله على أساس أنه قاض أو سيد مهيمن هو تصور خيالي مرفوض تماماً في الكتاب المذكور لأنه يعني تشبيه الله بالإنسان أو بالصفات الإنسانية. نقول ذلك ونحن نعلم أن سبينوزا راح يبلور تصوراً آخر مختلفاً عن الله في كتابه الفلسفي الأساسي. إنه تصور يطابق بين الله وكلية ما هو موجود، أي كلية الطبيعة وقوانين الطبيعة. ولكنه تبنى التصور العقائدي السابق لكي يصل إلى عقول الملايين من البشر المؤمنين بوجود اله شخصي والذين لا يفهمون الله إلا بهذه الطريقة. فالعامة لا تفهم إلا عن طريق التشبيه والتشخيص. في الواقع إن الإيمان بالمعنى التقليدي للكلمة ضروري فقط للعامة، وأما النخبة المثقفة أو الفلسفية فلها طريق آخر يرضيها ويكفيها هو: طريق الغبطة الفلسفية. بمعنى آخر فإن الدين يكفي للعامة، والفلسفة خصصت للنخبة، ولا ينبغي الخلط بينهما. فالنخبة المفكرة يكفيها العقل كهادٍ ودليل، وليست بحاجة إلى كتب مقدسة أو وحي خارق للعادة أو معجزات... إنها قادرة عن طريق العقل على التوصل إلى الحقيقة من جهة وإلى اتباع الفضيلة والاستقامة في سلوكها اليومي من جهة أخرى.  

المبحث الثالث: الله هو الطبيعة
هناك فرق بين العقل والإيمان، أو بين الدين والفلسفة،
الإيمان يؤدي إلى الطاعة، والعقل يؤدي إلى الحقيقه النظرية
اسبينوزا

الله هو الطبيعة:
أعني بالجوهر ما يوجد في ذاته، ويُتصور بذاته، أي ما لا نحتاج في تكوين تصوّر له غلى تصوّر أي شيء آخر (الأخلاق، الكتاب الأول، التعريف الثالث).
في الإتيقا، برهن اسبينوزا وحدة الجوهر على منهج علماء الهندسة انطلاقاً من الفكرة الديكارتية أن الله "علة ذاته" القائمة بدورها على البرهان الوجودي وعلى أن الكمال هو اللامتناهي المطلق في الميادين كلها.
يحمل الوجود عند اسبينوزا اسم "الجوهر"، والجوهر في عرفه يقصد به العالم من حيث هو المجال الذي يحتوي كلّ شيء، والذي يكون في الوقت نفسه علّة ذاته وعلّة كلّ موجود، مادّةً كان أو فكراً، حركة أو سكوناً. هذا الجوهر المحايث لذاته ليس علّة خالقة ولا منزّهة، بل هو "التحقّق المطلق المادّيّ لذاته في كلّ لحظة". وأوّل سمات الجوهر أنّه واحد"، فصحيح أنّ الذات الإلهية أو الجوهر أو الطبيعة منقسمة [في ذاتها]، ولكنّها ليست مفككة. ولأنّ الجوهر واحد، فهو مطلق Absolutus في طبيعته، كما في تحقّقه، ولا ينبغي فهم المطلقية هنا بنفس دلالة الكمال الثيولوجية، بل العكس تماما، فالجوهر مطلق لأنّ تحقّقه أزليّ أبديّ، أو قل إنّه سرمديّ، فهو إذن غير مخلوق، فهو الذي يفعل بذاته، وهو الذي ينفعل بذاته "فالإله عند اسبينوزا لا يسكن" pâti ، لأنّه العلّة المحرّكة لكلّ تحقّقاتها في كلّ لحظة، وبالتالي فهو "قوّة في فعل دائم "in acta"، قوّة ربط وحلّ لا ينقطعان للعلاقات وفق قوانين أبدية"، لا حاجة إذن لتوهّم فكرة البداية والخلق، أو فكرة النهاية والغاية.
ولأنّ الجوهر هو العلّة المطلقة المحايثة لذاتها الشاملة لكلّ ما يوجد، فإنّه لا يدرك كإرادة أو كذات كما يتوهّم الوعي الثيولوجي حين "يؤنسن" الإله، بل يدرك فقط كتحقّق، أو "كتعبير"، إذ أنّ ماهية الجوهر- الله- الطبيعة، هي كونها محض "عبارة"expression ، " فليس الإلـه "شخصا"؛ ليس "ذاتا"، بل هو مجرّد تعبيراتـه، أي إنّه ليس في المحصّلة إلا الأشياء في تحقّقاتها الحالية . يعني هذا الأمر أنّ الجوهر لا يتقوّم إلا بصفاته التي تعبّر عنه وتحقّقه، والصفات بدورها لا تتقوّم إلا بأحوالها التي تعبّر عنها، وهذا هو المعنى الكلّيّ لمفهوم الوجود عند اسبينوزا، حيث يكون هو هذا البساط الذي يشمل في نفس الآن كلّ شيء : المادة والفكر كصفات، والتحقّقات العينية لهذه الصفات كأحوال (شجر، إنسان، حجر، حيوان، معدن، وعي…)، والصفات هي ما يأخذ عنده تسمية الطبيعة "الطابعة"، والأحوال هي ما يأخذ عنده صفة الطبيعة "المطبوعة، وكون الطبيعة طابعة لذاتها ومطبوعة بذاتها، هو ما يعطينا في النهاية معنى "وحدة الوجود".
الجوهر إذن هو الوعاء الحامل والمباطن لكلّ ما يوجد، من أكثر الأجسام تناهيا في الصغر وأكثر الأفكار بساطة في التركيب، إلى أرقى إمكانات التحقق التجريبي والمنطقي، وإذا نظرنا للعالم من هذه الزاوية كما أوردنا، لا يصير محتاجا لافتراض "علّة صانعة" كما عند الأقدمين، لأنه يكون حينها مكتفيا بذاته، في ذاته.  
صفات الله:
يؤكد اسبينوزا أن من الصفات التي يمكن عبرها إدراك طبيعة الجوهر لا نعرف سوى اثنتين: الإمتداد والفكر. وهاتان الصفتان هما الجوهران الديكارتيان المتناهيان.
اذن إن صفات الله التي يؤمن بمعرفتها اسبينوزا هي الامتداد والفكر فقط وهذه صفات يمكن معرفتها ولكن لهُ صفات كثيره لا يمكن معرفتها معرفة عقلية، فنحن حينما نتصور افعال الله نحضر اذواقنا واهوائنا وبناءً عليها نقيس افعال الله وهذا غير صحيح فلا بدّ من التجرد من الاهواء والاذواق لمعرفة افعال الله، فالله في نظر اسبينوزا ليس العلة الفاعلة ولا العلة الغائية للكون، فوجود الكون ليس سببه الله بل الضرورة المنطقية هي من جعلتهُ موجود! وهذا كلهُ ناتج عن طبيعة الله فطبيعة الله هي من أوجدت الكون والطبيعه، وهُنا تأتي النظرية الشمولية السبينوزية لله وللطبيعة فهو يعتبر الله والطبيعة شيء واحد، الله فيها الطبيعة الطابعة والكون هو الطبيعة المطبوعة، وهذا يحدث بفعل نظامين اثنين، الأول النظام الفيزيائي (لكل معلول علّة) فمثلاً المطر يسقط لان الماء بالأرض يتبخر وتتكون السحب ويعود الماء على شكل مطر، والثاني النظام الأفكاري (عقل الانسان) فمثلاً تصوراتنا عن احداث الكون تكون بناء على افكارنا الموجوده بعقولنا وليس بناء على الاسباب الحقيقيه لحدوثها، وبهذا الشىء نستنتج ان سبينوزا ينكر الحُريه الفعلية للإنسان، حيث سنبحث في الحرية لاحقاً..
وعند التحدث عن الطبيعة الحقيقية للإنسان تكون هي الطبيعة التي يملكها الإنسان واقعياً. من هنا يتبين أن مع وجه التشابه بين منهجي ديكارت واسبينوزا، لكنهما يختلفا عن بعضهما. لا شك أن هناك علماً واحداً، إنه العلم الرياضي. ففي الرياضيات، مع التأكد بعدم وجود الشكل الكروي في الكون إلّا أن خصائص هذا الشكل الكروي تبقى حقيقية. وانطلاقا من ذلك، يمكن القول إن ديكارت يدمج النظرية الرياضية داخل مذهب عام هو مذهب واقعي بالأساس وليس مذهبا رياضياً، فتكون المشكلة الكبرى هي التساؤل عما إذا كانت الرياضيات نفسها تناسب الوجود أو لا تناسب العالم الواقعي، والعالم الفزيائي. إذن لم يعد الأمر يتعلق هنا بمشكل رياضي، فالمشكل الرياضي يتوقف عند حدود الافتراض-الاستنتاج. ومادام البرهان الرياضي يقول: "إذا كان هذا حقيقيا، فإن ذلك حقيقي"، ومادام علماء الرياضيات لا يتساءلون عما إذا كان العالم الواقعي مطابقا لما يتحدثون عنه أو ليس مطابقا، إنهم يتساءلون عما إذا كان ما يتحدثون عنه مستنبطاً بشكل جيد من المبادئ التي سلموا بها.
وهكذا نجد نظرية ديكارت، نظرية مزدوجة. فهي تتضمن، من جهة، بعداً واقعياً، وتعمل، بمجموعها، في إطار تصور تستمد فيه حقيقة الفكرة ومعناها وقيمتها من حقيقة الشيء. لكنها تتضمن، من جهة أخرى، عناصر، توجهها في الاتجاه المعاكس، أي في الاتجاه الرياضي.
سيعارض اسبينوزا بشكل قطعي كل العناصر الغائية – إذا أمكن القول- التي يدرجها ديكارت ضمن نظرية هي مع ذلك آلية وبالخصوص نظرية رياضية عن العالم. إن الله هو الطبيعة، والطبيعة هي الله. لقد ادعى ديكارت العكس بالضبط. لقد كان ديكارت يقول لنا: "تذكروا أن الطبيعة ليست بإلهة". لقد أراد أن يبعد عن الطبيعة كل قوة داخلية. وفي مقابل ذلك، نجد هنا أن الطبيعة تتبلور بفعل ذاتها. إنها المنبع، إنها علة كل شيء. ويأخذ سبينوزا ديكارت على ابتعاده كل البعد عن معرفة العلة الأولى وعن أصل كل الأشياء.
وفعلا، فالله، بالنسبة لسبينوزا، علة فريدة. إن هذا الحد قد يسلم به ديكارت، إذ بالنسبة لديكارت أيضا الله علة فريدة. لكن القول إن الله علة فريدة، بالنسبة لسبينوزا، ليس هو القول، كما كان يفعل ديكارت، بأنه يخلق العالم خارج ذاته، وأنه يحدث لحظة بعد لحظة عالما خارج ذاته. إن الله علة فريدة بالنسبة لسبينوزا يعني أنه جوهر فريد وأنه حاضر في كل مكان؛ أو أن فكرة العلة، عند سبينوزا، تقترن بفكرة الجوهر. وهناك، في الفلسفة السبينوزية، فكرة أساسية: فكرة العلة المحايثة، وهي علة تنتج معلولات غير متميزة عنها. إنها مع ذلك فكرة غامضة، لكنها فكرة أساسية. وبالتالي، إنكم ترون هنا اندماج العلة والجوهر واختلاطهما. لتصبح الطبيعة في الآن الواحد وحدة وكلا.
إن فكرة العلة المحايثة هي من أقدم الأفكار التي نصادفها عند سبينوزا، مادمنا نجدها ليس في الرسالة القصيرة فحسب، وهو عمل سبينوزا الأول، بل إننا نعثر عليها أيضا في الحوارات التي أدمجت في الرسالة القصيرة. هناك ضمن الرسالة القصيرة، حوارات عديدة، وهي بدون شك، من أقدم النصوص التي نعرف لسبينوزا. ونعثر على نظرية العلة المحايثة هاته في القضية من كتاب الإيتيقا، الكتاب الأول، معلنة "أن الله علة محايثة وليس علة متعدية لكل شيء". وبعبارة أخرى، الله علة كل شيء. لكن اله لا ينتج شيئا خارج ذاته، وليست معلولاته متميزة عنه؛ إنها، أحوال جوهره. إنه إذن ليس صانع الطبيعة؛ إنه الطبيعة. الله أو الطبيعة Deus sive Natura، كما يقول سبينوزا.
لقد كانت الطبيعة الديكارتية متوقفة على إله يظل خارجها، إله يمدها، لحظة بعد لحظة، بحركته وبوجوده. ستصبح الطبيعة عند سبينوزا على العكس من ذلك علة ذاتها، وعلة كل الأشياء. ستصبح قبل كل شيء تلقائية، ومبدأ فعالا للتبلور.
يجب الذهاب إلى أبعد من ذلك. إن هذه الخاصية التلقائية المطلقة لن يجعلها سبينوزا خاصة بالجوهر وحده. ستصبح لصفات الجوهر، لكل صفة من صفات الجوهر. إن الجوهر، الذي هو جوهر فريد، له ما يتناهى من الصفات، وأن هذه الصفات لا متناهية في جنسها، في حين أن الله لا متناهي في كل الأجناس. والصفتان اللتان لنا معرفة بهما هما الامتداد والفكر.
وبالتالي، فالصفة السبينوزية موجودة بذاتها. إنها علة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، إنها علة أولى بشكل مطلق، وهي لا تكون أبدا معلولا. إنها ليست معلول الجوهر. إنها تعبر عن الجوهر لكنها ليست معلولا له.
ذلك، أولا، هو حال الامتداد. الامتداد، عند ديكارت، في عطالة. إن الله هو الذي يخلقه، لحظة بعد لحظة، ويمده بالحركة . أما عند سبينوزا، كل الأجسام أحوال للامتداد. والامتداد نفسه صفة للجوهر، غير أن هذه الصفة نفسها تعبر عن الجوهر. إنها لا متناهية. إنها موجودة بذاتها. وهي تشمل مبدأ كل ما يحدث فيها، إنها منبع لا محدد للتغيرات وللأفعال. بل يمكن القول تقريبا، إنها إله، وهي على كل حال موجودة في الله.
ماذا سيصبح الفكر إذن؟ أيجب الاعتقاد أن الذهن -مادام أنه موضوع أمام طبيعة فزيائية كافية إلى هذا الحد، وذاتية الاكتفاء- لم يعد له من دور سوى فهم هذه الطبيعة والالتحاق بها بملاحظة الأحداث التي تجتمع فيها ملاحظة سلبية؟ بل العكس. فمثلما أن هناك تلقائية فزيائية للامتداد، هناك تلقائية عقلية للفكر، الذي، هو أيضا، صفة إلهية. وهذا ما يميّز سبينوزا عن كل الفلاسفة الآخرين حيث أن سبينوزا يسند هذه التلقائية، ليس فقط إلى الفكر الذي هو صفة الله، بل وكذلك إلى الفهم المتناهي؛ ليس إلى الفكر وحده، وليس إلى الفهم الإلهي فحسب، لأن هناك أيضا فهماً إلهياً، بل وإلى كل الأفهام، حتى وإن كانت أفهاما متناهية.

الدولة والحرية:
رفض اسبينوزا التمييز بين العقل والإرادة ومن ثم نفي الحرية التي تفترضها الإرادة ومن ثم نفى الحرية التي تفترضها الإرادة هذه وهذا عند كل من الله والإنسان. وهكذا قضى اسبينوزا على الحرية التي هي محرّك الشك الجذري وعلى استقلالية "الأنا أفكر".
تدهش عندما تقارن النتيجه التي توصل اليها سبينوزا مع بدايات الفلسفة السياسية في اوروبا بالنتيجه الى وصلت اليها في ذروتها مع هيجل، فكما يعتبر هيجل ان غايه التاريخ هي الحرية وما عدا ذلك باطل الاباطيل وقبض الريح واضعا فلاسفه التاريخ وافكارهم وصراعاتهم تروسا في ماكينه من تصميمه لانتاج الحريه وفقط الحريه، كذلك اعتبر سبينوزا قبل قرون ان غاية الدولة هي الحرية وفقط الحرية .
فالدولة كاملة بنظر سبينوزا (وهي ايضا نقطه مفترضه في التاريخ حيث ان الدولة بالنسبه الى الفرد لدى سبينوزا هي كالعقل بالنسبه للعاطفة لدى الانسان وكما انه لا يوجد عقل كامل فلا توجد كذلك دولة كاملة) هي تلك الدولة التي لن تحد من حريات او حقوق او قوى مواطنيها الى عندما تكون تلك الحريات او الحقوق او القوى مدمره بشكل متبادل بين الافراد كحريه السرقه عند اشتهاء مقتنى الاخر مثلا او القتل عند الغضب، وهي لن تحرم اي حريه الا لتضيف حريات اوسع فتحريم القتل عند الغضب مثلا يعطي بالمقابل حريات او حقوق للناس بان تعيش بامان وهكذا دواليك.
ان غاية الدولة النهائية لا تتمثل بالسيطره على الناس وتخويفهم وارهابهم بل عل العكس ان غايتها تحريرهم من الخوف ليعملوا بأمن واطمئنان حتى تتحرر طاقاتهم، فغاية المجموع بالأساس وانطلاقاً من الفرضية الأساسية الا وهي دولة الطبيعة او الغابة اتاحه فرصة للنماء والتطور للنوع لم تكن لتتوفر للناس اذا عاشو فرادى وبما ان النماء والتطور غير ممكن الا في ظل اجواء الحريه فإن غاية الدولة واقعاً وفعلاً هي الحرية.
تظر هنا عبقريه الرجل واضحه في عرض سابق لعصره على ما يصطلح على تسميته بالكلمه النهائيه في علم السياسه وعلم الاخلاق ايضاً الا وهي: كيف نحد من شهواتنا وعواطفنا وغرائزنا في ضوء تجربتنا، كما يظهر لنا الفرق واضحاً بين النظام المدني والنظام الديني الذي يحد من الشهوه والغريزه والعاطفه في ضوء وحي الهي كُموني. 
الخاتمه
إن سبينوزا يعتبر الأكثر الحاداً بل والأكثر اقناعاً في الحاده بالرغم من أنه لم يطرح أفكاراً مضادة بشكل صريح للإيمان. فهو لا يتطرق في أفكاره إلى رأيه الشخصي بمسألة وجود الله، أو كيفية نشأة الخليقة، أو مصير الروح بعد الموت. ولكنه في ذات الوقت لا يحاول تعديل أفكاره لكي تتناسب مع الأفكار الشائعة في عصره. إنه يقدم تصوراً جديداً يصدم العقول في طبيعة الإيمان ودوره. في الواقع إنه يتناول الكتاب المقدس ويتبنّى قناعة المؤمنين في الوحي الإلهي، ولكنه يفعل ذلك لكي يوضح لهم مضمون هذا الوحي ومدلوله الحقيقي. وهو بذلك يحاول تنظيف الإيمان عن طريق قصقصة أجنحته اليابسة أو المتخشبة: أي عن طريق إزالة الخرافات والعقائد الدوغمائية المتحجرة منه.
وهكذا فبواسطة المنهج الرياضي وبه وحده سيتمكن اسبينوزا من تأسيس الأصالة العميقة. وسيستطيع هذا المذهب من اخراج عصر النهضة من الالتباس الصوفي الذي ينتمي اليه. إن الأمر الذي سيمكن سبينوزا من إعطاء النشاط الروحي معنى عقليا ومضبوطا، والأمر الذي سيسمح له بالتفكير في الطبيعة بإبعاد كل ضباب غائي عنها، هو المنهج الرياضي، والمنهج الرياضي وحده.
هكذا يكون سبينوزا قد نفى كل غائية داخل الطبيعة، وبالتالي إلى نفي كل تصور لإله منفصل، لكل إله متعال عن الطبيعة. وبواسطة الرياضيات وحدها سيسمح بتأسيس تصور طبيعي وعقلاني جديد، لأنها هي التي تبين كيف أن الذهن يستطيع، بمجرد قوته، وبدون أي بعد سلبي، وبدون الإحالة على أي شيء يكون خارج ذاته، أن يبني أفكاره بحرية.
تتميز النظرية السبينوزية :
هو أن الحقيقة هي طابع نفسها. يتعلق الأمر بالمقولة الشهيرة: verum index sui.. "إن من لديه فكرة صادقة، يعرف في الوقت ذاته أن لديه فكرة صادقة، ولا يمكنه الشك في ذلك".

وأخيرا يجب الملاحظة، أن سبينوزا بإحلاله داخل تعريفه للحقيقة، تسمية داخلية محل تسمية خارجية، لم يول ظهره أبدا للخاصية الكلاسيكية للفكرة الحقيقية التي يجب أن توافق موضوعها. إنه لا يحدد الحقيقة بمقتضى التوافق مع موضوعها، غير أنه يعتقد مع ذلك أن الحق يوافق موضوعه. إن الفلسفة السبينوزية ليست فلسفة مثالية. يعتقد سبينوزا أن هناك أشياء خارج الذهن. وإذا استطاع الفكر، هناك أيضاً، بالاعتماد على ذاته، وبدون الإحالة على شيء، أن يكون صادقاً، فذلك لأن هناك، كما يقول سبينوزا، تطابقاً بين نظام الفكر ونظام الواقع. بحيث أنه بتوليده للأفكار وفق النظام الضروري، يعيد الفكر إنتاج نظام الأشياء واقترانها، أو بشكل أكثر دقة، ومن أجل استعمال نفس الصيغة التي يستعملها سبينوزا، إن نظام الأشياء واقترانها ليسا إلا نفس النظام الواحد، وهما ليسا إلا نفس الشيء الواحد: هما نفس، يقول سبينوزا.
وهكذا، أن النظرية السبينوزية للحقيقة - التي تثبت أن الحقيقة هي خاصية الحكم الحر، وغير المتعلقة إلا بالذهن، إلا بحكم بديهي، حكم خاص بالذهن الواعي بالحقيقة التي يثبتها، وغير المتعلقة أخيرا إلا بالحكم الموافق للواقع- هي نظرية تحيل بكل مواضيعها الأساسية، على أصلين مرجعيين. إنها تحيل، من جهة، على التصور الرياضي؛ وتحيل، من جهة أخرى، على نظرية للطبيعة التي يبدو أنها كانت موجودة قبل هذا التصور الرياضي نفسه.

المراجع:
- اسبينوزا، باروخ، علم الإخلاق، ترجمة جلال الدين سعيد، دار الجنوب للنشر، تونس.
- اسبينوزا، باروخ، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، دار التنوير، بيروت، 2005.
- ساسين، فارس، محاضرات جامعية ألقيت في الجامعة اللبنانية – كلية الآداب – الفرع الرابع، 2009-2010.
- فردنان، ألكيي، محاضرات جامعية، مترجم بواسطة الاستاذ أحمد العلمي بعنوان: (الطبيعة والحقيقة في فلسفة سبينوزا).
- الموسوعه الفلسفيه - عبدالرحمن بدوي.
- بعض المواقع الفكريه و المنتديات في الانترنت.



#جوزف_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية في فكر زكي نجيب محمود
- مدخل إلى الأناركية
- مقتطفات من بيان المجتمع الصناعي ومستقبله: ثيودور كازنسكي
- الأناركية والسينديكالية: أريكو مالاتيستا
- ما هي السلطة؟ ميخائيل باكونين


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جوزف أيوب - اسبينوزا