أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جعفر المظفر - الإيمو... المجتمع حينما يقتل نفسه














المزيد.....

الإيمو... المجتمع حينما يقتل نفسه


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3666 - 2012 / 3 / 13 - 18:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


حينما كف المجتمع الغربي عن معاقبة المرضى نفسيا وحتى إحراقهم في الساحات العامة بحجة أنهم مسكونين بالجن والشياطين, وحينما تراجع أيضا عن قتل الساحرات, فإن ذلك لم يكن قد شكل حينها انتصارا لأولئك المرضى والسحرة بقدر ما شكل انتصارا للمجتمع على ذاته, وهو انتصار يبدأ منه كل إنتصار حقيقي من شانه أن يحقق نقلات مشهودة إلى الأمام. والواقع أن المجتمع الغربي بدأ يحقق انتصاراته على طريق العلم والتقدم والتحضر حينما تنازل عن مفهوم العنف مع الآخر وحينما قرر أن يقترب من ظواهر التمرد عليه بمنطق فهمها وحلها بطرق متحضرة.
في ساحات الحرق تلك لم يكن الضحايا الحقيقيون هم تلك النسوة المحترقات وإنما كانوا هم أولئك الذين يتجمعون في الساحات للرقص والهتاف بهمجية احتفالا بالنيران وهي تلتهم أجساد الضحايا, وكان المجتمع بالتالي هو ضحية نفسه وضحية الحكام والرهبان الذين يحولون حركة المجتمع ضدهم من خلال إسقاطهم على أناس هم ضحايا بطبيعتهم.
لقد شهد علم النفس تطورا خطيرا في تلك الفترة وقد جاء تطوره انعكاسا لتطور اجتماعي وثقافي كان قد سمح بنشوء نظريات شجاعة من شأنها أن تقلع من الأساس النظريات القديمة, ومن ثم فقد عاد هذا التطور ليأخذ معه الكثير من النشاطات الإنسانية والعلمية في عملية خلق لثقافة جديدة. ولم يكن مقدرا لهذا التطور العلمي أن يحدث لوحده وإنما هو ترافق مع بدايات انتصار الفكر الاجتماعي الإنساني العلماني المتحضر على الفكر الإقطاعي الكنسي القائم الذي كانت بعض أشكال اقترابه من الآخر قد تم من خلال محاكم التفتيش.

والآن فإن مناقشة ما يتم من الجرائم التي أرتكبت بحق شباب الإيمو في العراق لا يجب أن يتم فقط من خلال تضييق ميدان الجدال في ساحة البحث عما إذا كان أولئك الشباب هم مخطئين أم لا, إن إصدار الحكم على ذلك هو من حق مجتمع بكامله, وإذا ما تأكد أن المجتمع العراقي يعيش في حالة صيرورة ديمقراطية فإن أول ما يجب أن تفحص من خلاله تلك الديمقراطية هو قدرة مؤسساتها الثقافية والقانونية والسياسية على أن تكون هي من يحكم بالنتيجة على معاني الظواهر والطرق الصحيحة وهو الذي يحدد بالنهاية طرق الاقتراب منها والتعامل معها. ولكن أمام معالجة تبدأ بالقتل أو تنتهي بها وتتم على يد قوى لا تمثل القانون أو الدولة فإن المجتمع لا يحتاج لأن يكون مجتمعا ديمقراطيا حتى يتصرف بالمستوى المعقول من الإنسانية, ففي جميع العصور التي مر بها المجتمع العراقي, وحتى في أشدها ظلامية فإنه لم يسبق له أن تعامل مع ظواهر الخروج عليه بهذا المنطق. ولقد تأكد لنا, نحن الذين عاصرنا مختلف العهود وشاهدنا الكثير من حالات التمرد الاجتماعي التي كانت تعبر عن نفسها بطرق قد لا تختلف في كثير منها عن طريقة الإيمو, تأكد لنا أن تلك الظواهر سرعان ما تختفي وتتلاشى بعد أن تكون قد استهلكت نفسها أو يكون أصحابها قد وجدوا طريقة أخرى للتعبير عن ذواتهم, أو أن يكونوا قد بلغوا من العمر ما جعلهم يتجاوزن سلوك المراهقة بكل ما يفرزه من ظواهر التمرد التي تعبر عن نفسها بشكل فردي أو جمعي.
قد يكون في بعض ما يحمله سلوك الإيمو أضرارا على شخوصهم بالذات, لكن كل ما يقال عن أشكال الانحراف التي يمارسها أولئك فهي غير قادرة على الانتشار بمستوى يهدد الثقافة الإسلامية للمجتمع والتي نصب القتلة المجرمون أنفسهم حماة لها. ولو حدث أن تحقق ذلك, وانتصرت ثقافة الإيمو على الثقافة الإسلامية للمجتمع, فمعنى ذلك أن هذه الثقافة الأخيرة هي ثقافة رخوة وضعيفة أو هزيلة بحيث سمحت لظاهرة سطحية تمردية مؤقتة أن تنتصر عليها, أو حينما وضعت نفسها في موضع الخائف منها, أو في موقع الضعيف الذي فقد الثقة بنفسه.
الواقع أن أولئك القتلة المجرمون قد وجهوا طعنة مؤذية للثقافة الإسلامية حينما جعلوها بالنهاية خائفة وعاجزة وغير قادرة على التعامل مع الظواهر الاجتماعية والنفسية إلا من خلال القتل الوحشي, غير مدركين أنهم بهذه الطريقة إنما يقتلون ثقافتهم ويطعنون دينهم ويمنحون الآخرين ومن ظمنهم الإيمو أنفسهم قدرة أن يكونوا هم المصلحين الحقيقين حينما تحولوا إلى ضحايا للممارسات المنحرفة عن جوهر الدين وأخلاقياته, وحينما صارت لهم القدرة على أن يدقوا بدمهم المسفوح جرس الإنذار لمجتمع بدأ يقترب سريعا من قعر الهاوية وحيث سيظل هناك سعيدا بجهالته.
أما ما يقال عن دور للصهيونية وأمريكا في خلق تلك الظاهرة فهو في بعض أشكاله دليلا مؤكدا على الجهل والعجز مثلما هو أيضا طريقة للهروب من المشاكل الحقيقية التي يعيشها المجتمع العراقي.. إن الصهيونية لا تحتاج إلى الإيمو لكي تهدم ثقافة المجتمع العراقي, ففي مجتمع ينخره الجهل وتحكمه الطائفية والفئات الباغية وينتشر فيه الفساد وتتراجع فيه قيم التحضر فإن الاعتقاد بأن الصهيونية هي بحاجة إلى ثقافة كثقافة الإيمو لكي تهدمه هي محض نكتة سوداء.. والسؤال لماذا تتعب إسرائيل نفسها لكي تخرب مجتمعا خرب نفسه بنفسه.
والحال إن علينا ونحن نجادل أو نتحاور في شان ظاهرة كالإيمو أن لا نبدأ ذلك وكأننا نبحث فيما إذا كان قتلتهم على حق أم باطل, لأن هؤلاء القتلة هم مجرمون سواء كانت ظاهرة الإيمو باطلا أو كانت حقا, والفكرة ليست هنا, فقد يكون الإيمو على خطأ لكن قتلتهم هم مجرمون دون أدنى شك. مجرمون لأنهم وضعوا أنفسهم موضع القانون وسلبوا حق القضاء في أن يكون هو من يصدر الأحكام القانونية, ومجرمون بحق الإسلام لأنهم وضعوه في موضع الخائف والعاجز عن الدفاع عن نفسه في مواجهة ظاهرة تمرد محدودة وحولوه بالتالي إلى أداة للجريمة والقتل وإلى ثقافة عاجزة عن مواجهة التحديات, ومجرمون أيضا بحق مجتمعهم لأنهم منعوا عنه فرصة الاقتراب من الظواهر بمنطق متحضر ولم يتركوا فرصة للعقل أن يشتغل بعيدا عن وصاية القتلة المتخلفين.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية.. حينما ينفصل السياسي عن الأخلاقي وحينما يتناقضان
- الشعب العاري وحكاية نوابه المصفحين
- الطريق إلى قاعة الخلد والتجديد المفتوح لرئيس الوزراء
- العراق بين حروب القرار وحروب الاستجابة
- الهاشمي.. قضيته وقضيتنا .. القسم الثاني
- الهاشمي .. قضيته وقضيتنا
- الجمهورية العراقية القضائية العظمى.. مقالة ليست ساخرة
- العدالة الانتقالية
- يوم اختلف الأسمران.. أوباما وخلفان
- رئاسة الوزراء.. دورتان تكفي
- سليماني.. قصة تصريح
- العراق.. صناعة النفاق الديمقراطي
- قضية الرموز والرجال التاريخين في النظام الديمقراطي
- المؤتمر الوطني.. الفشل الأكيد
- إغلاق مضيق هرمز.. وهل يتعلم الحمقى
- موقف العراق من سوريا.. ميجاهيلية سياسية
- فليحاكم الهاشمي سريعا.. أصل الحكاية 3
- تصنيم القضاء أم توظيفه.. أصل الحكاية.. 2
- بين المطلك وأوباما والمالكي.. أصل الحكاية / القسم الأول
- مثال الآلوسي.. وقانون التسي تسي


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جعفر المظفر - الإيمو... المجتمع حينما يقتل نفسه