أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نبيل جعفر عبد الرضا - جدلية الامن والتنمية — الحلقة الثانية















المزيد.....



جدلية الامن والتنمية — الحلقة الثانية


نبيل جعفر عبد الرضا

الحوار المتمدن-العدد: 3665 - 2012 / 3 / 12 - 21:10
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



أ.د. نبيل جعفر عبد الرضا و عباس علي محمد

التمهيد:
يؤدي الإنفاق العسكري دورا مهما في الأمن والتنمية من خلال تعاطيه مع مؤشراتهما مما جعله أكثر من يؤثر بهما ، إذ يعد بعضهم إن الاهتمام بالإنفاق العسكري والتسلح يؤدي إلى الأمن والاستقرار ، ومن ثم تهيئة الأجواء الملائمة للتنمية خصوصا في الدول النامية ، تبرير ذلك أن زيادة الإنفاق العسكري تساعد على التصدي للأخطار والتهديدات المسلحة سواء الداخلية أم الخارجية التي تحاول النيل من تحقيقهما .
مقابل ذلك هناك من يذهب إلى أن تقليل الإنفاق العسكري هو ما يحقق الأمن ، فضلا عن تحقيق التنمية عن طريق زيادة التخصيصات المالية التي يستنزفها هذا الإنفاق لكي توجه بعد ذلك للعملية التنموية ، فالكثير من الدول وبالذات النامية تعاني من تهديدات غير مسلحة وهي ما تسهم بتقويض الأمن ودمار التنمية ، مما يتطلب زيادة الاهتمام بالخطط التنموية وتحقيق التطور لمختلف جوانب الحياة لكي تتمكن هذه الدول من مواجهة هذه التهديدات .
ضمن السياق ذاته جاء برنامج الأمم المتحدة لنزع الأسلحة ليؤكد أن تقليل الإنفاق العسكري ، فضلا عن نزع الأسلحة والتسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وبالتحديد في الدول النامية يعد جزءا من برنامج تحقيق الأمن والتنمية في العالم .
المبحث الأول: تطور الإنفاق العسكري العالمي.
تأثر الإنفاق العسكري العالمي من حيث التطور بمعطيات ومتغيرات وأحداث دولية مما أدى إلى تغير درجة مساهمته في تحقيق الأمن والاستقرار ومن بعدها التنمية ، فالارتفاع أو الانخفاض في الإنفاق العسكري ما هو إلا نتاج لهذه المتغيرات والأحداث بالتحديد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية . إذ شهد الإنفاق العسكري تطورا ملحوظا في الحجم والتكاليف فتضاعف مرات عديدة بهدف تحقيق الأمن وتهيئة الأجواء لبلوغ التنمية على الرغم من أن العالم لم يكن يواجه شبح حرب عالمية ثالثه باستثناء الحروب الإقليمية . إلا أن الإنفاق العسكري تطور بشكل كبير الأمر الذي جعل الاهتمام به مسألة ضرورية لمعرفة العبء الاقتصادي والاجتماعي، وتأثيره في اقتصادات الدول خصوصا النامية مع أهميته في تحقيق الأمن والاستقرار. إن معرفة حجم الإنفاق العسكري يرتبط بالدرجة الأساسية ببيانات هذا الإنفاق التي غالبا ما تستخدم لغرض تقدير الحكومات لأولوياتها ولأهدافها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية ، ورسم السياسة المناسبة لذلك مع أن توفير بيانات الإنفاق العسكري من الأمور المهمة لتحقيق مسألتين أساسيتين هما:
1- المسألة الأولى هي إن مستوى الإنفاق العسكري من جانب الدول المتلقية للمساعدات الإنمائية أصبح منذ الحرب الباردة معيارا في قرارات المساعدات الاقتصادية والاجتماعية المقدمة من قبل الدول والمنظمات العالمية المانحة ، فكلما كانت الدول المتلقية للمساعدات ذات إنفاق عسكري منخفض أسهم ذلك بتفعيل الإمدادات والمساعدات المقدمة لها ، أما إذا كانت الدول المتلقية للمساعدات ذات اهتمام كبير في مجال الإنفاق العسكري ، أدى ذلك إلى تقليل حجم المساعدات المقدمة من الدول والمنظمات المانحة سواء في المجالات الاقتصادية أم الاجتماعية المختلفة .
2- المسالة الثانية هي أن السمة الأساسية في طبيعة التغير الحاصل في إطار التهديدات والمخاطر المسلحة وغير المسلحة، تتطلب معرفة بيانات الإنفاق على الأمن سواء لمواجهة التهديدات والمخاطر الداخلية أم الخارجية ومقارنتها بالإنفاق الخاص بالتهديدات غير المسلحة.
لذا تعد بيانات الإنفاق العسكري ضرورية لتحديد ذلك فضلا عن أهمية البيانات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية ، من هنا يعد الاهتمام بالإنفاق العسكري من حيث الحجم والتوجه والتأثير في قدر كبير من الأهمية لما يؤديه من دور في تحقيق الأمن من جانب أو قد يعوق عملية التنمية من جانب آخر .
أولا :التوزيع الإقليمي للإنفاق العسكري العالمي .
يظهر تطور الإنفاق العسكري سواء لتحقيق الأمن ضد المخاطر والتهديدات أم لتعزيز القدرات الهجومية ضد الآخرين من خلال الزيادة الحاصلة بقيمة هذا الإنفاق ، إذ ارتفع الإنفاق العسكري العالمي من 420 مليار دولار عام 1960 إلى 620 مليار دولار عام 1970 بنسبة تغير 4.3% . عند عام 1980 ازداد ليبلغ 755 مليار دولار، ثم ارتفع إلى أعلى مستوى له عام 1987 إذ تجاوز 970 مليار دولار بنسبة تغير 4% ، هذا يعني إن العالم ينفق يوميا ما مقداره 2.650 مليار دولار عام 1987 مما يؤدي إلى التأثير بطبيعة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية للدول وعلى وجه التحديد النامية منها.
انخفض الإنفاق العسكري إلى 885 مليار دولار عام 1990 يعزى هذا الانخفاض إلى انتهاء الحرب الباردة ، إذ استمرت عملية تخفيض الإنفاق العسكري لقطبي هذه الحرب ( الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق) كذلك بقية الدول المتقدمة، فضلا عن الدول النامية التي تمثلت بإيقاف المساعدات الموجهة لبناء القدرات الدفاعية . أبرز المؤشرات على انخفاض حجم الإنفاق العسكري والتسلح جاء بتقرير وزارة الطاقة الأمريكية إذ أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أوقفت 11000 رأس حربي نووي عن العمل مقابل 10000 رأس حربي نووي أوقفها الاتحاد السوفيتي ( السابق ) خلال عقد التسعينات من القرن الماضي كجزء من إستراتيجية تقليص الإنفاق العسكري وكدلالة على انتهاء الصراع والحرب ، فضلا عن إجراءات مماثلة قامت بها الدول المتقدمة التي كانت حليفة للطرفيين.
يشير تقرير التنمية البشرية لعام 1993 إلى بعض المؤشرات المهمة التي أظهرت بوادر انخفاض حجم الإنفاق العسكري منها تسريح أكثر من مليوني شخص من أفراد القوات المسلحة
منذ بداية التسعينات ، فضلا عن القيام بتخفيض عدد العاملين في قطاعات الصناعة العسكرية بمقدار الربع لغاية عام 1998 مع توجيه التخصيصات الدفاعية لإغراض التنمية البشرية وتحويل الإنتاج العسكري إلى الإنتاج المدني ، يرافق ذلك العمل بصورة عاجلة على نزع الأسلحة من الدول النامية لأن هذه الدول إذا ما خفضت إنفاقها العسكري سيكون بمقدورها توفير الإمكانات المالية اللازمة لتحقيق التنمية وإحداث التغيير بكل المؤشرات والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ثم بلوغ الأمن والاستقرار.
تأكيدا لذلك أشارت الأمم المتحدة إلى انه من خلال عمليات نزع الأسلحة تتمكن الدول المتقدمة من توفير 810 مليار دولار مقابل 125 مليار دولار للدول النامية خلال المدة 1987- 1999 ، فضلا عن تخفيض الإنفاق العسكري لكل دول العالم بنسبة 3% سيحقق تراكمات مالية قدرها 460 مليار دولار.

أن الإنفاق العسكري العالمي تطور وعلى وفق المناطق الجغرافية، فهو يظهر التفاوت الكبير في هذا التوزيع الذي يعكس الطابع الاقتصادي والاجتماعي والعسكري غير المتماثل للنظام العالمي ، إذ احتلت الأمريكيتان وأوربا الموقع الأول من حيث حجم الإنفاق العسكري مقابل المستوى المتدني لإفريقيا وآسيا والشرق الأوسط فقد كان الأنفاق العسكري العالمي لعام 1995 هو 789 مليار دولار ازداد عام 2000 ليصل إلى 907 مليارات دولار ، بلغت نسبة الأمريكيتين وأوربا منه 73% جاءت هذه الزيادة ضمن إطار إستراتيجية أمريكية ـ أوربية لبلوغ الأمن العالمي من خلال قرار حلف الشمال الأطلسي بتوسيع مهمات الحلف لإدارة الأزمات العالمية سواء داخل دول الحلف أم خارجه ، لتشمل دول الشرق الأوسط وجنوب وجنوب شرق ووسط آسيا كونها تمثل مناطق تهديد محتملة للأمن والاستقرار في أوربا والعالم ، لهذا اختط الحلف مهمات أساسية منها مواجهة النزاعات العرقية والإقليمية ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل خصوصا في الدول النامية فضلا عن العمل بمبدأ التدخل الإنساني مما أدى إلى ارتفاع مستوى الإنفاق العسكري.

استمر الإنفاق العسكري العالمي يتصاعد ليتجاوز حاجز التريليون دولار عام 2004 إذ بلغ 1075 مليار دولار بنسبة تغير 5% عن عام 2003 . جاءت هذه الزيادة في الإنفاق العسكري العالمي متوافقة مع الإحداث الدولية والعالمية منها اجتياح النظام السابق للكويت ومن قبله الحرب في أفغانستان فضلا عن مواجهة الإرهاب العالمي مع ما تتطلبه إجراءات إدامة القدرات العسكرية وتعزيزها من اجل تحقيق الاستقرار في العالم.
ارتفع الإنفاق العسكري العالمي في عام 2005 إلى 1123 مليار دولار كانت نسبة الأمريكيتين من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي حوالي النصف إذ بلغت 49% ولأوربا 27.5% أما آسيا و أفريقيا فقد بلغت نسبتهما 15% و1.4% على التوالي في حين كانت نسبة الشرق الأوسط 6.3% ، لتستمر زيادة الإنفاق العسكري العالمي ليبلغ 1153 مليار دولار عام 2006 بنسبة تغير للأمريكيتين 4.7% ولأوربا 0.3% أما آسيا فقد بلغت نسبة تغيرها 3.3% مقابل انخفاض الإنفاق العسكري لأفريقيا والشرق الأوسط بنسبة تغير سالبة بلغت 12.5 % و 1.4% على التوالي ، وصل بعد ذلك الإنفاق العسكري العالمي إلى1212.8 مليار دولار عام 2007 مع بقاء الأمريكيتين وأوربا في المقدمة لتشكل نسبة إنفاقهما 75.5% من إجمالي الإنفاق مقابل 16.5% لآسيا بإنفاق بلغ 200 مليار دولار أما أفريقيا فنسبتها كانت 1.3% في حين بلغت النسبة للشرق الأوسط 6.5% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي .
تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على الحصة الأكبر والنسبة الأعلى من حيث حجم الإنفاق العسكري في حين جاءت السعودية بالمرتبة التاسعة ، ففي عام 2001 مع ظهور فكرة الحرب على الإرهاب وبعد وقوع أحداث 11 أيلول مما جعل الإنفاق العسكري الأمريكي يصل إلى أكثر من 344 مليار دولار شكل أكثر من ربع الإنفاق العسكري العالمي، في حين كانت نسبة الإنفاق العسكري لبقية الدول التسع الأكثر إنفاقا عسكريا نحو 42.6 %من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي. بعد ذلك استمرت زيادة الإنفاق العسكري لهذه الدول ليتجاوز 800 مليار دولار عام 2004 ليبلغ ثلاثة أرباع الإنفاق العسكري العالمي إذ سجلت الولايات المتحدة الأمريكية نسبة تغير 9% عن عام 2003 في حين كانت نسبة التغير للدول الأوربية الواردة في الجدول 1.6% مقابل 7.6% لروسيا والصين أما السعودية وكوريا فقد سجلت نسبة تغير 11.1 % و4.4% على التوالي .
فضلا عن أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خصصت مبالغ إضافية للحرب على الإرهاب والحرب في العراق وأفغانستان بلغت 88 مليار دولار لعام 2003 ازدادت التخصيصات لتصل إلى 110 مليارات دولار في عام 2004. تجاوز الإنفاق العسكري الأمريكي نصف تريليون دولار عام 2005 في حين ظهرت بوادر انخفاض الإنفاق العسكري للدول الأوربية بنسبة تغير سالبة مقدارها 1.7% مع استمرار بقية الدول بزيادة الإنفاق العسكري بنسبة تغير 9.4% ، بعد ذلك لم تتغير ملامح الإنفاق العسكري لهذه الدول إذ استمرت بالزيادة لتصل إلى 886 مليار دولار عام 2006 ، فقد زادت الولايات المتحدة الأمريكية إنفاقها بأكثر من 24 مليار دولار في حين انخفض الإنفاق العسكري للدول الأوربية ما يزيد عن 5 مليارات دولار ، مقابل زيادة الإنفاق العسكري للدول الأخرى بنحو 13 مليار دولار، مع وجود تخصيصات إضافية من قبل الولايات المتحدة للحرب على الإرهاب والحرب في العراق وأفغانستان بلغت 120 مليار دولار لعام 2006 . مقابل ذلك يظهر تطور الإنفاق العسكري العالمي عن طريق حجم ومقدار إنتاج الأسلحة ودرجة مساهمته في ميدان التجارة العالمية، كذلك من خلال حجم الإرباح التي تحققها صناعة السلاح.
حققت الشركات المتخصصة بإنتاج الأسلحة مبيعات مقدارها 265.5 مليار دولار عام 2004 وحققت الشركات الأمريكية مبيعات وصلت إلى 166.8 مليار دولار في حين بلغت مبيعات الشركات الأخرى نحو 99 مليار دولار ، لتزداد عام 2005 مبيعات هذه الشركات بأكثر من 24 مليار دولار ليبلغ 289.9 مليار دولار بنسبة تغير 9.2% .
يتضح من ذلك أن الشركات الأمريكية تعد المصدر الأكبر والاهم في مجال إنتاج وتصدير الأسلحة في العالم ، فهي تستحوذ على 30% من إجمالي التجارة الخارجية للأسلحة وتصدر مبيعاتها إلى 68 دولة موزعة على مختلف أرجاء العالم ، فالشرق الأوسط يستورد 39% من مبيعات الأسلحة الأمريكية مقابل 26% تستوردها أوربا ومثلها آسيا.

فضلا عن ذلك تظهر بيانات عام 2004 زيادة بحجم مبيعات الأسلحة وارتفاع مساهمتها في قيمة التجارة الخارجية، فبعد أن تعرضت تجارة الأسلحة إلى الانخفاض الطفيف أواخر التسعينات من القرن الماضي ثم الانخفاض الآخر الذي حدث خلال عامي 2002-2003 إلا أن تجارة الأسلحة عادت للارتفاع مرة أخرى لتشكل عام 2004 ما نسبته 0.5 % إلـى 0.6 % من إجمالي التجارة العالمية، أما عام 2005 فقد بلغت نسبة تجارة الأسلحة ما بيـن 0.4 % إلى 0.5%.
أن هذه النسب لا تبين حقيقة مساهمة تجارة الأسلحة إلى التجارة الدولية إذ أن الكثير من تجارة الأسلحة تسجل تحت تسمية التجارة السلعية أو تحت فقرة السهو و الخطأ في ميزان المدفوعات وعدم التصريح بحقيقتها لسرية الصفقات الناتجة عن التدابير الأمنية التي تتخذها الدول في إطار سباق التسلح وتعزيز القدرات العسكرية ، الأمر الذي جعل نسبة مساهمة تجارة السلاح إلى التجارة العالمية بهذا المستوى المتدني .
تبرز أهمية الإنفاق العسكري أيضا من خلال الأرباح المتحققة للشركات المنتجة للأسلحة فقد بلغت هذه الأرباح لعام 2005 أكثر من 57 مليار دولار حصلت الشركات الأمريكية على 36.9 مليار دولار بنسبة 64% من إجمالي الأرباح مقابـل 3 مليارات دولار للشركات الفرنسية و2.9 مليار دولار للشركات البريطانية ، أما الشركات الروسية والايطالية فقد حققت 170 مليون دولار و 830 مليون دولار على التوالي. هذه الأرقام هي الأخرى قد لا تبين حقيقة الأرباح المتحققة من الصناعات العسكرية لأن المبيعات العسكرية لا تخضع لإجراءات العرض والطلب أو لحساب التكاليف إنما تتأثر بالعوامل السياسية والعسكرية أكثر من العوامل الاقتصادية .
يظهر مما تقدم المسار المتصاعد للإنفاق العسكري العالمي، إذ ما يولده الإنفاق العسكري المتزايد يؤثر بصورة كبير في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ، ويقلل من فرص مواجهة التهديدات غير العسكرية التي تتعرض لها الدول خصوصا النامية منها ، فضلا عن أن هذه الزيادة لم تستطع لحد الآن من تحقيق الأمن والاستقرار في العالم .

ثانيا : أسباب تطور الإنفاق العسكري العالمي وزيادته.
ازداد الإنفاق العسكري العالمي متأثرا بالعديد من العوامل الدولية والتي منها:
1- الحرب الباردة التي امتدت من عام 1947-1989 وما أحدثته من تطور وسباق للتسلح مما اثر ذلك في بلوغ الأمن والاستقرار ، إذ ارتفع الإنفاق العسكري خلال الحرب الباردة بصورة غير مسبوقة فقد استخدمت موارد اقتصادية كبيرة بالقدر الذي تجاوز الاستخدام السابق لهذه الموارد في مجال تعزيز القدرات العسكرية ، فضلا عن أن هذه الحرب دفعت كل دول العالم دون استثناء إلى رفع مستوى الإنفاق العسكري على أساس التحالفات السياسية والاقتصادية كذلك العسكرية لدول العالم مع قطـبي الحـرب البـــاردة ( الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية ).
2- تأثرت الدول النامية هي الأخرى بالحرب الباردة مما زاد من إنفاقها العسكري، إلا أن ثمة أسباب إضافية دفعتها إلى رفع مستوى إنفاقها من أهمها نشوب النزاعات والحروب الداخلية والخارجية ضمن إطار الأقاليم ، وانتشار حركات التحرر الوطنية التي اعتمدت مبدأ زيادة القدرات العسكرية و التسليحية لتحقيق الاستقرار والمحافظة على كيان الدولة ليكون بالإمكان تحقيق التنمية.
3- ظهور وانتشار أحداث ومتغيرات عالمية أسهمت برفع مستوى الإنفاق العسكري أكثر من المستوى الطبيعي لزيادته ، من أهم هذه الإحداث ما جرى في 11 أيلول 2001 وهي ما أدت إلى ظهور ثلاثة متغيرات أساسية زادت من التحدي على الرغم من اختلافها في القوة والأهمية بين الدول والأقاليم، أولها تراجع نمط النزاعات والحروب التقليدية بين الدول وظهور نمط الحروب الأهلية التي تعد أكثر تعقيدا من حيث الأسباب والنتائج من الحروب التقليدية، المتغير الثاني هو التركيز المتزايد على تهديد الإرهاب ضد الدول الذي أصبح خطراً مشتركاً يهدد اغلب دول العالم ، وأخيرا تبني دول العالم اتجاهين أساسيين في مجال السياسية الخارجية هما الأمن العسكري وما يمثله من إنفاق وتسليح ، فضلا عن التنمية وما تحتاجه من موارد مالية تنعكس نتائجها على الأمن الإنساني وتقليل مستوى المخاطر والتهديدات.

ثالثا - العبء الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العسكري العالمي .
1- العبء الاقتصادي.
يعد الكشف عن العبء الاقتصادي من خلال مؤشراته المختلفة الإجراء العملي لمعرفة حجم الموارد التي تسحب من الاستخدامات المدنية لتذهب للاستخدام العسكري على شكل إنفاق حكومي لهذا القطاع ثم تأثير ذلك على البرامج والخطط التنموية خصوصا في الدول النامية، المؤشرات المستخدمة لقياس العبء الاقتصادي هي نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي أو إلى الإنفاق العام، إذ استنزف هذا الإنفاق الجزء الأكبر من التخصيصات المالية ولمختلف دول العالم.
بلغت نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي وخلال عقدي السبعينات والثمانينات نحو 5.6% للدول النامية مقابل 3.8% للدول المتقدمة ، في حين كانت منطقة الشرق الأوسط صاحبة أعلى نسبة للإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي فبلغت 11.6% للمدة ذاتها ، أما نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام للمدة 1972-1988 نحو 14.3% للدول المتقدمة مقابل 20% للدول النامية ، أما دول الشرق الأوسط فقد بلغت نسبتها 23% في حين بلغت النسبة لآسيا وأفريقيا 27.2% و15% على التوالي. يتبين من هذا أن الإنفاق العسكري يستنزف جزءا مهما من الإنفاق العام للدول النامية.
إذ بلغت متوسط هذه النسبة عام 1995 نحو 3.5% جاءت منطقة الشرق الأوسط بأعلى نسبة إنفاق عسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي إذ بلغت 8.8% مقابل 1.2% كأقل نسبة سجلت وكانت من نصيب الأمريكيتين ، بعد ذلك انخفض متوسط النسب لكل مناطق العالم عند عام 2000 ليبلغ 2.9%، مع بقاء مستوى النسب عند وضعها الطبيعي لكل مناطق العالم باستثناء أفريقيا التي سجلت زيادة في نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 3.2%. استمر متوسط النسبة عند المستوى نفسه لغاية عام 2004 لتنخفض مره أخرى إلى 2.6% بنسبة تغير سالبة بلغت 10.3% ، بالرغم من أن الإنفاق العسكري العالمي قد تجاوز التريليون دولار ، حافظ بعدها متوسط النسب على المستوى نفسه الذي كان عليه لعام 2005 .
أما طبيعة تأثير الإنفاق العسكري كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لكل منطقة من المناطق التي حددها الجدول للمدة 1995- 2005، فقد جاءت الأمريكيتان بأقل متوسط نسب إذ بلغت 1.4%، في حين بلغ متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي لأوربا 1.9%، بالمقابل جاءت منطقة الشرق الأوسط بنسبة 6.4% وهي الأعلى بين كل المناطق مع أن متوسط إنفاقها العسكري للمدة ذاتها بلغ 56.7 مليار دولار بنسبة 5.7% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي ، أما آسيا وأفريقيا فقد بلغ متوسط نسبتهما 2.2% و2.6% على التوالي .
يتبين من ذلك انه كلما حققت الدول ناتجا محليا كبيرا استطاعت أن تخفف من العبء الاقتصادي للإنفاق العسكري من خلال انخفاض نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن انخفاض تأثير الإنفاق العسكري على طبيعة الإنفاق العام.
2- العبء الاجتماعي.
يمثل العبء الاجتماعي المقياس الآخر لمعرفة أثر الإنفاق العسكري على طبيعة النشاطات الاجتماعية التي تقوم بها الدولة على الرغم من إن هذا الإنفاق غايته تأمين الدفاع وتوفير الأمن للدولة والأفراد إلا أن الإنفاق الاجتماعي هو الآخر يعمل على توفير الخدمات لكل شرائح المجتمع ، هذا يعني إجراء عملية إعادة توزيع الموارد فضلا عن دعم التعليم والصحة والإعانات الحكومية . إذ يعد الإنفاق على الصحة والتعليم الأكثر استخداما لتقييم حجم الإنفاق الاجتماعي خصوصا للمقارنة مع الإنفاق العسكري وذلك متأتٍ من مساهمته في توفير الاحتياجات الأساسية و تقليل حجم الأخطار والتهديدات التي قد تتعرض لها حياة الأفراد.
أن الدول ذات الدخل المرتفع والمتوسط قد أعطت الاهتمام الأكبر للإنفاق على التعليم والصحة مقابل الإنفاق العسكري، إذ خصصت الدول ذات الدخل المرتفع كنسـبة متوسطة للمدة 1999 -2003 ما مقداره 11.6% من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق الاجتماعي( الصحي والتعليمي) بالمقابل كان متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال المدة ذاتها قد بلغ 2% وهي تمثل اقل من نصف نسبة الإنفاق التعليمي وثلث الإنفاق الصحي .
مع أن نسبة الإنفاق التعليمي والصحي لهذه الدول قد وصل أعلى مستوى لها عام 2003 فبلغت 5.9% و 6.4 %على التوالي مما يعكس الأهمية الكبيرة التي يحتلها الإنفاق الاجتماعي لدى الدول ذات الدخل المرتفع ، إذ يعد هذا الإنفاق جزءاً مكملا للإنفاق الموجه للقطاع الاقتصادي لغرض تحقيق التطور والنمو فضلا عن الاستقرار والأمن ،
أما الدول ذات الدخل المتوسط فقد خصصت كمتوسط نسبة من ناتجها المحلي الإجمالي إلى الإنفاق الاجتماعي للمدة ذاتها 8.1% توزعت بين الإنفاق التعليمي بنسبة 4.7% والإنفاق الصحي بنسبة 3.4% مقابل 1.9% هو متوسط نسبة ما خصصته هذه الدول من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري ، مما يجعلها في مسار الدول ذات الدخل المرتفع نفسه من حيث الاهتمام بالإنفاق الاجتماعي بوصفه الجزء المهم في مواجهة التهديدات والمخاطر غير المسلحة .
يلاحظ أيضا أن الدول ذات الدخل المنخفض وهي من الدول النامية قد خصصت للإنفاق الاجتماعي كمتوسط نسبة حوالي 5.9% خلال المدة 1999 – 2003 وهو يشكل تقريبا نصف ما خصصته الدول ذات الدخل المرتفع لهذا الإنفاق لذات المدة، إذ جاء الإنفاق الصحي بنسبة متوسطة بلغت 2.1% مقابل 2.5% هو متوسط نسبة ما أنفقته هذه الدول على القطاع العسكري من ناتجها المحلي الإجمالي ، بالمقابل أولت الدول ذات الدخل المنخفض الاهتمام للإنفاق التعليمي إذ بلغ كمتوسط أكثر من مرة ونصف من الإنفاق العسكري وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا لهذه الدول .
يظهر مما تقدم أن للإنفاق العسكري آثاراً تزاحميه تتمثل بالعبء الاقتصادي والاجتماعي فضلا عن أن تنامي الإنفاق العسكري يولد المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي قد تشكل تهديدا للأمن والاستقرار ، فعدم الاهتمام بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية يعني ظهور التهديدات غير المسلحة التي تعد من أهم ما يقوض الأمن والاستقرار فضلا عن إنها تعوق العملية التنموية وخصوصا في الدول النامية .
المبحث الثاني: طبيعة الإنفاق العسكري العربي وعبؤه.
تعد الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي من أكبر المجموعات الإقليمية بالنسبة للدول النامية إنفاقا عسكريا بسبب ما تعرضت أو قد تتعرض له من مخاطر وتهديدات ، فضلا عن إبرامها الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية التي من خلالها يتم تدوير الأموال العربية والنفطية على وجه الخصوص لصالح الدول المتقدمة. إن هذا الإنفاق يستنزف القدرات العربية التي لو تم توجيهها إلى المجالات الاقتصادية والاجتماعية لتحقق الكثير في مجال التنمية ثم بلوغ الأمن و الاستقرار اتجاه كل المخاطر غير المسلحة المنتشرة بالعديد من الدول العربية بمستويات مختلفة.
أولا : تطور الإنفاق العسكري العربي.
بعد أن تحررت الدول العربية ونالت استقلالها دأبت على تعزيز قدراتها العـــسكرية و التسليحية حالها في ذلك حال الدول النامية الأخرى، الهدف من ذلك كان لتحقيق الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء الملائمة لتنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، مما تطلب تحديد طبيعة ومسار الإنفاق العسكري للدول العربية .
ارتفع الإنفاق العسكري للدول العربية من 2.7 مليار دولار عام 1970 ليصل إلى 12.9 مليار دولار عام 1975 بنسبة تغير 48% ، هذه الزيادة جاءت بسبب الارتفاع الأول لأسعار النفط عام 1973 فضلا عن اندلاع حرب تشرين التي خاضها العرب ضد الكيان الصهيوني مما دفعهم إلى تعزيز القدرات العسكرية تحسبا لحروب جديدة ضد هذا الكيان .
أخذ الإنفاق العسكري العربي عام 1980 بالارتفاع بشكل كبير إذ بلغ أكثر من 51 مليار دولار وهو اكبر أربع مرات من إنفاق عام 1975 ليشكل نسبة 6.7% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي الذي كان قد بلغ 755 مليار دولار، جاءت هذه الزيادة متوافقة مع الارتفاع الثاني لأسعار النفط عام 1979 واندلاع الحرب العراقية الإيرانية ، مما صعدت من حدة التوتر والتهديدات خصوصا بمنطقة الخليج العربي الأمر الذي دفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة الإنفاق العسكري إذ بلغت نسبة التغير لهذه الدول 39%، مع زيادة الإنفاق لكل الدول العربية الأخرى باستثناء مصر التي حققت انخفاضا بنسبة تغير سالبة بلغت 5%.
يعود ذلك إلى انتهاء حالة التوتر والتهديدات بينها وبين الكيان الصهيوني بعد توقيع اتفاقية السلام عام 1977، أما لبنان فهي الأخرى انخفض إنفاقها العسكري ليصل إلى النصف عما كان عليه عام 1975 السبب هو ما تعانيه من تردي أوضاعها الاقتصادية فضلا عن استمرار الحرب الأهلية فيها.
عام 1985 مع توسع الإحداث والمخاطر التي تتعرض لها الدول العربية و استمرار الحرب بين العراق وإيران، ازداد الإنفاق العسكري العربي ليصل إلى أعلى مستوى له فتجاوز 63 مليار دولار بنسبة تغير 5.4% .
انخفض بعد ذلك الإنفاق العسكري العربي تدريجيا إلى 54.3 مليار دولار عام 1990 ثم وصل إلى 33.4 مليار دولار عام 1995، فضلا عن ذلك تحملت دول مجلس التعاون الخليجي إنفاقا عسكريا مضافا قدره 82 مليار دولار كتكاليف للقوات الأجنبية التي جاءت إلى المنطقة بعد غزو النظام السابق للكويت ، فقد كانت حصة دول مجلس التعاون الخليجي من أجمالي التكاليف نحو 90% ، فضلا عن تكاليف التدمير والخراب التي خلفها الغزو مع ظهور مشكلتين رافقت هذه الإحداث وهي تردي العلاقات العربية ـ العربية، والعربية ـ العراقية أما المشكلة الأخرى فهي مرتبطة بالتكاليف الاقتصادية بعد توقف إنتاج النفط وتصديره في العراق والكويت.
خلال عام 2000 وما رافقه من زيادة نشاط الحركات الإرهابية المتطرفة في المنطقة العربية والعالم ، الأمر الذي دفع الدول العربية إلى زيادة إنفاقها العسكري خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز وحماية الاستثمارات النفطية والتجارية الكبيرة مما جعل الإنفاق العسكري العربي يتجاوز 44 مليار دولار بنسبة تغير 4.8% .
أخذ بعدها الإنفاق العسكري العربي عام 2001 يحافظ على مستوى متقارب ليتجاوز عام 2004 حاجز 50 مليار دولار، جاء ذلك بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عندها بلغ الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي 30.8 مليار دولار مقابل 11.4 مليار دولار للدول المجاورة للكيان الصهيوني* ، التي كان إنفاقها العسكري أكثر تأثرا بالتهديدات والمخاطر الصهيونية خصوصا سوريا إذ تجاوز إنفاقها العسكري 7 مليارات دولار عام 2004 فضلا عن تعرضها للتهديدات الأمريكية ، أما دول المغرب العربي فكان إجمالي إنفاقها العسكري لعام 2004 نحو 6.2 مليارات دولار.
لم يختلف الحال كثيرا عام 2005 إذ ارتفع الإنفاق العسكري العربي عما كان عليه عام 2004 بنسبة تغير 12.4%، عند عام 2006 ازداد الإنفاق العسكري ليصل إلى 58.8 مليار دولار ليشكل نسبة 5% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
يتبين من ذلك أن الإنفاق العسكري للدول العربية قد ارتبط بالإمكانات المالية والثروات العربية فضلا عن التهديدات التي تواجهها لذلك حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على صدارة الدول العربية من حيث حجم الإنفاق ، كانت السعودية أكثر الدول العربية إنفاقا إذ تجاوزت نسبتها 40% من إجمالي الإنفاق العسكري للدول العربية كمتوسط لكل السنوات،جاء ذلك نتيجة المخاطر التي تحيط بها من أبرزها قدرات الحرب غير التقليدية التي توافرت لدى إيران وإسرائيل ، فضلا عن الإرهاب الداخلي الذي أخذ يتوسع داخل دول مجلس التعاون الخليجي وما يشكله من تهديد للاستثمارات النفطية والبنية الارتكازية الضخمة و المشاريع التجارية الواسعة ، كما تولد شعور في دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية تحديدا بضرورة بناء القدرات العسكرية و التسليحية المستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001. بالمقابل كان تطور الإنفاق العسكري للدول العربية الأخرى في الغالب ضمن الإطار الطبيعي للإحداث التي تعرضت لها سواء الداخلية أم الخارجية.
تتضح طبيعة تطور الإنفاق العسكري للدول العربية بصورة كاملة بعد معرفة طبيعة الإنفاق العسكري لأهم الدول المجاورة * للدول العربية والكيان الصهيوني ومدى تأثير سباق التسلح على أداء المجموعتين (الدول العربية ودول الجوار العربي ) بهذا المجال.
أما دول الجوار العربي فقد أخذت مسار الدول العربية نفسه في طبيعة الإنفاق العسكري وتطوره ، فإنفاقها يرتفع وينخفض على وفق طبيعة الأحداث والتهديدات التي تمر بها المنطقة وما يرافق ذلك من سباق التسلح مع الدول العربية. لذلك بلغ الإنفاق العسكري لدول الجوار عام 1970 أكثر من 4 مليارات دولارات ، ليرتفع عام 1975 إلى 10.8 مليارات دولار بنسبة تغير 28% ، وهو ما جاء متوافقا مع التطور الحاصل في إنفاق الدول العربية .


عند عام1985 بلغ مجمل إنفاق دول الجوار أكثر من 12.4 مليار دولار ليمثل 19% من الإنفاق العسكري للدول العربية الذي تجاوز 63 مليار دولار، كانت النسبة الأعلى في الزيادة من نصيب الكيان الصهيوني إذ بلغت نسبة تغيرها 24%.
استمر بعد ذلك إنفاق دول الجوار يتصاعد بصورة تدريجية، إلا أن عام 2000 شهد قفزه كبير ليصل إلى أكثر من 31.5 مليار دولار بزيادة 12.8 مليار دولار عن عام 1995 ، مع بلوغ تركيا أعلى إنفاق لها فقد تجاوز 15 مليار دولار بنسبة 48.5 % من إجمالي إنفاق دول الجوار في حين بلغت نسبة الكيان الصهيوني 30% مقابل 21% لإيران. السبب الرئيس في هذه الزيادة هو نشاط حركات التمرد الداخلية في تركيا و توسع دائرة التهديدات الأمريكية لإيران
فضلا عن دور الكيان الصهيوني كحليف إستراتيجي لأمريكا وأهم من ينفذ سياستها في المنطقة. استمر بعدها الإنفاق من عام 2000 إلى 2004 دون 30 مليار دولار، ليزداد عام 2005 إلى 31.8 مليار دولار بنسبة 2.9% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي وبنسبة 55.5% من إجمالي الإنفاق العسكري العربي ، الأمر الذي يبين مقدار التطور الحاصل في الإنفاق العسكري العربي الذي قد بلغ ضعف الإنفاق العسكري لدول الجوار لهذا العام .
شهد الإنفاق العسكري لدول الجوار ارتفاعا عام 2006 إذ حققت تركيا وإيران نسبة تغير 9.6% و 8.5% على التوالي، في حين انخفض الإنفاق العسكري الصهيوني ليصل إلى 11.3 مليار دولار .
يتضح من ذلك أن دائرة الصراع وسباق التسلح فضلا عن طبيعة المنطقة وامتلاكها لخزين استراتيجي من الثروات الطبيعية مع احتلالها موقعا جغرافيا مهما ، كل هذه جعلت من المنطقي أن يأخذ الإنفاق العسكري الجزء الأكبر والحيز الأوسع في الخطط والبرامج سواء للدول العربية أم لدول الجوار ، وهو ما اثر في مختلف مؤشرات التنمية سواء الاقتصادية أم الاجتماعية مع إن هذا الإنفاق قد ساهم بشكل كبير في تعزيز حالة عدم الاستقرار وغياب الأمن سواء في الدول العربية أم في دول الجوار .
ثانيا : أسباب تطور الإنفاق العسكري العربي .
اتضح من خلال طبيعة الإنفاق العسكري للدول العربية وتطوره ، أن هناك عوامل ومعطيات قد أثرت في زيادة حجم التخصيصات المالية الموجهة للقطاع العسكري مما أدى إلى عرقلة الخطط والبرامج التنموية للعديد من الدول العربية منها :
1- الارتفاع الكبير لأسعار النفط الذي حدث في عقد السبعينات من القرن الماضي فقد شهد ارتفاعين الأول عام 1973 والمتزامن مع حرب تشرين إذ ارتفع سعر برميل النفط من 3.05 دولارات إلى 10.73 دولارات بنسبة تغير 251% ، أما الارتفاع الثاني فكان عام 1979 نتيجة الاضطرابات في إيران مما أدى إلى زيادة أسعار النفط إلى 17.25
دولار بعد أن كان 12.7 دولار عام 1978، ليستمر بعدها الارتفاع بأسعار النفط لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال القرن الماضي وذلك عام 1981 إذ بلغ 32.51 دولار، هذه الزيادة أدت إلى الوفرة المالية لدى الدول العربية النفطية مما أسهم بزيادة إنـفاقها العسكري.
2- الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي الذي يتمتع به الوطن العربي فهو يتحكم بأهم الممرات التجارية الدولية وأنه يتحكم في مداخل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، فضلا عن انه قريب نسبيا من الاتحاد السوفيتي السابق كذلك أوربا والولايات المتحدة الأمريكية . هذا الموقع المهم جعل الدول العربية عرضة للاحتلال والتهديدات مما دفعها إلى زيادة الإنفاق العسكري والتسلح للمحافظة على كيانها واستقرارها .
3- الثروات الطبيعية المتعددة المتوافرة في الوطن العربي التي أصبحت الأساس في معظم الأنشطة الاقتصادية والتجارية أهمها النفط والغاز والمعادن، ودورها برفع مستوى التسلح لغرض المحافظة وحماية هذه الثروات.
4- ظهور حركات التحرر الوطنية وانتشارها قد عزز من القدرات العسكرية للمحافظة على كيان الدول العربية ضد المخاطر والتهديدات الخارجية أو الداخلية، مع ما رافق ذلك من سباق للتسلح الذي جرى ويجري بين الدول العربية ودول الجوار وأهمها الكيان الصهيوني.
5-الحروب التي خاضها النظام السابق أسهمت بشكل كبير في رفع مستوى الاهتمام في القطاع العسكري خصوصا لدول مجلس التعاون الخليجي.
6- موقف الدول المتقدمة من إيران ودورها في المنطقة بعد تطويرها لترسانة أسلحتها التقليدية فضلا عن التطور الحاصل في برنامجها النووي ، مع ما رافق ذلك من دور للحركات الإرهابية المتطرفة التي جزء منها كانت الدول العربية نقطة انطلاقها ، فكل هذه الإحداث تعد عوامل إضافية لزيادة الإنفاق العسكري خصوصا لدول مجلس التعاون الخليجي ودول الجوار الإسرائيلي .


ثالثا العبء الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العسكري العربي .
1- العبء الاقتصادي.
يظهر العبء الاقتصادي للإنفاق العسكري للدول العربية من خلال العديد من المؤشرات التي أهمها.
أ- نسبة الإنفاق العسكري للناتج المحلي الإجمالي .
وهو احد أهم المؤشرات وأكثرها استخداما فهو يشير إلى أن متوسط هذه النسبة للدول العربية لعام 1970 كانت 8%. ازدادت عام 1975 لتصل إلى 11.2% جاءت عمان بأعلى نسبة إذ استحوذ إنفاقها العسكري على ثلث الناتج المحلي الإجمالي في حين سجلت مصر نسبة قدرها 30.4%، سبب ذلك هو ارتفاع حدة التوتر بين العرب وإسرائيل خصوصا بعد حرب تشرين، أما متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول الجوار لعام 1975 فقد بلغت 15.2%، وهو ما يبين مقدار وحجم التخصيصات المالية الكبيرة التي يستحوذ عليها القطاع العسكري سواء في الدول العربية أم في دول الجوار.
بقي متوسط النسب عند المستوى نفسه ليصل عام 1980 إلى 10.7%، مع انخفاض نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 6.5% مقابل ارتفاع هذه النسبة للسعودية إلى 16.6%، كذلك الحال مع الدول الأخرى ( السودان ، اليمن، الصومال، جيبوتي، العراق ) فقد سجلت نسبة مقدارها 38.8%. لم يتغير الحال عام 1985 إذ ارتفعت النسبة إلى أعلى مستوى لها لتبلغ 14.1% مع استنزاف الإنفاق العسكري لأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للدول الأخرى مقابل بلوغ السعودية النسبة الأعلى خلال كل تاريخها لتصل إلى 22.% الذي تزامن مع انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بأكثر من 10 مليارات دولار عن ما كان عليه عام 1984.أخذ بعد ذلك متوسط النسب بالانخفاض ليبلغ 13.7% عام 1990 سجلت سوريا أعلى نسبة إذ بلغت 32% لتحافظ على موقعها لغاية عام 2005 على أنها ذات النسبة الأعلى للإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي بين الدول العربية، مع بقاء الإنفاق العسكري يستحوذ على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للدول الأخرى عند عام 1990.
انخفض متوسط النسب بعدها إلى 9 % هذا الانخفاض جاء متوافقا مع انخفاض الإنفاق العسكري للدول العربية إذ بلغ 33.4 مليار دولار بعد أن كان عام 1990 أكثر من 54.3 مليار دولار. استمر بعد ذلك متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي بالانخفاض التدريجي ليصل عام 2001 إلى 7.1% ثم إلى 6.7% عام 2002 ، بعدها بلغ متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي أدنى مستوى له فكان 5 % عام 2006 على الرغم من زيادة الإنفاق العسكري للدول العربية بنسبة تغير بلغت 2.6% ، عن عام 2005 بعد أن رافقته زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بنسبة تغير 18.5 %.
يظهر من خلال الجدول أن دول مجلس التعاون الخليجي ودول الجوار الإسرائيلي و الدول الأخرى هي أكثر تأثرا بتغيرات الإنفاق العسكري إلى ناتجها المحلي الإجمالي من دول المغرب العربي التي حافظت خلال مدة الجدول على أدنى مستوى من النسب خصوصا تونس ، وهذا مرتبط بالدرجة الأساسية بالإحداث والمعطيات المحلية والإقليمية التي تعيشها الدول العربية ، لهذا فان العبء الاقتصادي و على وفق هذا المؤشر يبين إن الإنفاق العسكري قد يستنزف الكثير من القدرات والإمكانات لصالح التسلح والعسكرة من الدول العربية ، لو تمت مقارنة نسبتها مع دول العالم الأخرى.
ب- نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام .
يعد هذا المؤشر هو ثاني أهم الوسائل التي تبين العبء الاقتصادي للإنفاق العسكري الذي عام 1970 نحو24.7%. انخفضت عام 1975 إلى 19.8% مع إن الإنفاق العسكري العربي ازداد حوالي خمس مرات عن ما كان عليه عام 1970 ، مما يدل على الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام للدول العربية الذي بلغ 74.2 مليار دولار ، جاء ذلك متزامنا مع ارتفاع أسعار النفط فضلا عن التحسن الملحوظ في أداء الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية في تلك المدة .
عام 1980 كان متوسط النسبة قد بلغ 25.3% أي أن الإنفاق العسكري العربي يستنزف ربع الإنفاق العام، هذه الزيادة جاءت متأثرة باندلاع الحرب بين العراق وإيران من جهة وزيادة التوتر بين الدول العربية وإسرائيل من جهة أخرى.
استمر بعد ذلك تصاعد متوسط النسبة ليصل إلى 27.2% عام 1985 حدث ذلك نتيجة انخفاض الإنفاق العام للدول العربية بنسبة تغير سالبة بلغت 5% ، لتأخذ متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام بعدها بالانخفاض التدريجي إذ بلغت عام 1990 نحو 26.4% ثم إلى 22.9% عام 2000، فضلا عن ارتفاع الإنفاق العام للدول العربية بنسبة تغير بلغت 13% ، سجلت سوريا أعلى نسبة للإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام على مر السنين إذ بلغت 94.9% عام 2000 بسبب الانخفاض في مستوى إنفاقها العام الذي لم يتجاوز 5.76 مليارات دولار.
انخفض بعد ذلك متوسط النسبة إلى 18.5% عام 2005 إذ بلغ متوسط نسب الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام لدول مجلس التعاون الخليجي 19.8% مقابل 28.% لدول الجوار الإسرائيلي في حين كان متوسط نسبة دول المغرب العربي 8% مع 14.8% للدول الأخرى. عند عام 2006 انخفض متوسط النسبة إلى 16 % مع أن الإنفاق العسكري ارتفع ليبلغ أكثر من 58.7 مليار دولار. مقابل ذلك ازداد الإنفاق العام بنسبة تغير بلغت 15.7%.
يتضح من ذلك مقدار ما يستحوذ عليه الإنفاق العسكري من الإنفاق العام الذي يعد من المؤشرات المهمة لمعرفة العبء الاقتصادي.
ج- نصيب الفرد من الإنفاق العسكري .
يمكن أن يظهر العبء الاقتصادي للإنفاق العسكري أيضا من خلال نصيب الفرد من هذا الإنفاق الذي يعد احد المؤشرات الإضافية لمعرفة اثر التسلح والعسكرة في النشاط الاقتصادي، عن طريق مقارنته بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لتظهر من خلالهما الأهمية
النسبية للإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد. إذ بلغ نصيب الفرد العربي من الإنفاق العسكري عند عام 1995 نحو 134 دولاراً في حين كان نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي 1887 دولاراً ليصبح نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إلى نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي نحو 7.1% ، ومع التطور والزيادة الحاصلة سواء بالإنفاق العسكري أم بالناتج المحلي الإجمالي مما جعل نصيب الفرد من الإنفاق العسكري يزداد عند عام 2006 ليصل إلى 184 دولارًا مقابل زيادة نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من الضعف إذ بلغ 3892 دولاراً، ليكون عند ذلك نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إلى نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي قد بلغ 4.7%
أما على صعيد الدول العربية فإن دول مجلس التعاون الخليجي تحتل أعلى نصيب للفرد من الإنفاق العسكري ، تأتي من بعدها دول الجوار الإسرائيلي وأخيرا دول المغرب العربي ، إلا أن ذلك لا يظهر العبء الحقيقي للإنفاق العسكري فعلى سبيل المثال يبلغ معدل نصيب الفرد من الإنفاق العسكري للكويت 1461 دولاراً و السعودية 969 دولاراً خلال المدة 1995 – 2006 ، في حين يبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للمدة ذاتها حوالي 22250 دولاراً للكويت مقابل 10765 دولاراً للسعودية ، مما يعني أن نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إلى متوسط دخله لهاتين الدولتين تكون للكويت 6.5% وللسعودية 9% وهو ما يعكس العبء الحقيقي .
أما لدول الجوار الإسرائيلي فقد بلغ نصيب الفرد فيها من الإنفاق العسكري في سوريا 324 دولاراً والأردن 135 دولاراً، في حين أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول للمدة نفسها بلغ لسوريا 1347 دولاراً والأردن 2040 دولاراً، بالتالي فأن نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إلى متوسط دخله سيكون لسوريا 24% وللأردن 6.6%.
بلغ معدل نصيب الفرد من الإنفاق العسكري في دول المغرب العربي على سبيل المثال للجزائر 76 دولاراً وتونس 41 دولاراً، مع أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كان
للجزائر 2274 دولاراً ولتونس 2562 دولاراً ، مما يجعل نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إلى متوسط دخله في هذه الدول للجزائر 3.3% و تونس 1.6%.
يتضح مما سبق الأثر الحقيقي للإنفاق العسكري على النشاط الاقتصادي من خلال نصيب الفرد منه، إذ تعد سوريا صاحبة أكبر عبء عسكري يتحمله دخل الفرد فهو يستنزف ربع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من بعدها السعودية ثم الأردن والكويت فيما كانت الجزائر وتونس بأقل عبء عسكري لنصيب الفرد، لهذا تعد معرفة نصيب الفرد من الإنفاق العسكري مع متوسط دخل الفرد مقياساً للعبء الاقتصادي وأحد أدواته المهمة.


د- نسبة الاستيرادات العسكرية إلى إجمالي الاستيرادات .
يقاس العبء الاقتصادي للإنفاق العسكري أيضا عن طريق التجارة الخارجية وهو من المؤشرات المستخدمة لمعرفة هذا العبء ، من خلال معرفة قيمة ونسبة الاستيرادات العسكرية إلى الاستيرادات الإجمالية للدول.
أن قيمة الاستيرادات العسكرية العربية لعام 2000 قد بلغت 2063 مليون دولار وهي تشكل 4.6% من إجمالي الإنفاق العسكري للدول العربية ، مقابل 1.3% هي نسبتها من إجمالي الاستيرادات العربية ، سجلت سوريا أعلى قيمة للاستيرادات العسكرية إذ بلغت 420 مليون دولار بنسبة 20% من إجمالي الاستيرادات العسكرية للدول العربية ، في حين جاءت السعودية بأقل قيمة للاستيرادات العسكرية إذ بلغت 68 مليون دولار بنسبة 3.2%. ازدادت بعدها قيمة الاستيرادات العسكرية للدول العربية عام 2001 لتبلغ 2164 مليون دولار لتشكل نسبة 1.3% من إجمالي الاستيرادات العربية ، مما يعني أن نسبة الاستيرادات العسكرية للدول العربية أقل بحوالي عشر مرات من الاستيرادات الغذائية التي بلغت نسبتها إلى الاستيرادات الإجمالية 13.6% ، فضلا عن أن هذا العام قد شهد انخفاض الاستيرادات العسكرية لسوريا بنسبة تغير 97% عما كان عليه، مقابل ذلك ازدادت الاستيرادات العسكرية لمصر لتبلغ 819 مليون دولار بنسبة تغير 99% .
عام 2002 بقيت مصر والسعودية بأعلى قيمة للاستيرادات العسكرية إلى إجمالي الاستيرادات العسكرية للدول العربية إذ بلغت نسبتها 26.2% و 24.4 % على التوالي . ارتفع بعدها إجمالي الاستيرادات العسكرية للدول العربية ليبلغ 2277 مليون دولار عام 2003 ليشكل نسبة 1.1% من إجمالي الاستيرادات العربية التي قد بلغت 202.3 مليار دولار. جاءت بعد ذلك الإمارات بأعلى مبلغ خصص للاستيرادات العسكرية في عام 2004 الذي بلغ 1323 مليون دولار ليستحوذ على نصف إنفاقها العسكري تقريبا البالغ 2629 مليون دولار ،مما جعل نسبتها إلى إجمالي الاستيرادات العسـكرية للدول العربية تبلغ 39.6%.
وصلت بعدها الدول العربية إلى اكبر مقدار من الاستيرادات العسكرية إذ بلغت 4526 مليون دولار عام 2005 ، إلا أنها شكلت نسبة 10% من قيمة استيراداتها الغذائية. عام 2006 انخفضت قيمة الاستيرادات العسكرية بنسبة تغير سالبة بلغت 4.9% لتشكل نسبة 7.3% من إجمالي الإنفاق العسكري العربي.
2- العبء الاجتماعي.
يعد العبء الاجتماعي المؤشر الآخر لمعرفة أثر الإنفاق العسكري في طبيعة النشاطات الاجتماعية للدولة وتأثير ذلك في الحياة الاقتصادية من خلال استحواذه على الجزء المهم من
التخصيصات المالية ،إذ تظهر المزاحمة التي يولدها الإنفاق العسكري اتجاه مؤشرات العبء الاجتماعي من خلال مايلي:
أ – نسبة الإنفاق الصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام .
أن متوسط نسبة الإنفاق الصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام قد أخذ مستويات متقاربة ، إذ حققت الجزائر أعلى متوسط نسب للمدة 1970 – 1980 وهو ما يعد من المؤشرات الايجابية ، فقد كان متوسط نسبتها للإنفاق الصحي من الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام نحو 9.5% و20.4% على التوالي وهو أكبر من متوسط نسبة إنفاقها العسكري للمدة ذاتها الذي كان قد بلغ 2% للناتج المحلي الإجمالي و 10.2% للإنفاق العام. في حين سجلت سوريا اقل متوسط نسب للإنفاق الصحي الذي بلغ 0.6% للناتج المحلي الإجمالي و1.1% للإنفاق العام ، وهو أقل من متوسط نسبة إنفاقها العسكري للمدة نفسها الذي بلغ 15.1% للناتج المحلي الإجمالي و35.7% للإنفاق العام.
بقي بعد ذلك متوسط نسبة الإنفاق الصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام للمدة 1980 – 1990 عند مستويات متقاربة عن ما كانت عليه للمدة السابقة ، مع بعض الارتفاع والانخفاض في متوسط النسب للدول العربية ، فقد احتفظت الجزائر بأعلى متوسط نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي على الرغم من انخفاض نسبتها بنسبة تغير سالبة بلغت 12.6% مقابل ارتفاع نسبتها إلى الإنفاق العام بنسبة تغير بلغت 6.3%. شهدت بعدها المدة 1990 – 1997 تسجيل لبنان لأعلى متوسط نسبة للإنفاق الصحي سواء للناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 10% أم للإنفاق العام فقد بلغ 35.5% أي أكثر من ثلث الإنفاق العام، ويعزى ذلك إلى الاهتمام بالقطاع الصحي في لبنان خصوصا بعد انتهاء الحرب الأهلية في بداية التسعينات من القرن الماضي، ثم جاء بعدها الأردن بمتوسط نسب للإنفاق الصحي للناتج المحلي الإجمالي بلغ 7.9% أما للإنفاق العام فكان 24%.
تغيرت الأمور خلال المدة 2001 -2004 إذ شهدت متوسطات نسبة الإنفاق الصحي للناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام بصورة عامة انخفاضا ملحوظا، كانت لبنان من أكثر الدول انخفاضا في متوسط نسبتها إذ بلغت بنسبة تغير سالبة 70% للناتج المحلي الإجمالي و76.4% للإنفاق العام ، في حين سجلت تونس أعلى متوسط للنسب سواء للناتج المحلي الإجمالي أم للإنفاق العام الذي كان في الوقت نفسه أعلى من متوسط نسبة الإنفاق العسكري التونسي للمدة ذاتها إذ بلغ 1.6% للناتج المحلي الإجمالي و5.2% للإنفاق العام
ب – نسبة الإنفاق التعليمي إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام .
الجانب الآخر الذي يظهر العبء الاجتماعي يكون من خلال التخصيصات المالية الموجهة لقطاع التعليم الجزائر جاءت أيضا بأعلى متوسط نسب للإنفاق التعليمي للمدة 1970 – 1980 سواء إلى الناتج المحلي الإجمالي أم إلى الإنفاق العام ، مقابل ذلك كانت الإمارات قد حققت أقل متوسط للنسب فقد بلغت % للناتج المحلي الإجمالي و 3 % للإنفاق العام في حين بلغ متوسط نسبة إنفاقها العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي 3.1% وللإنفاق العام 25.5% للمدة ذاتها ، الأمر الذي يبين حجم المزاحمة المتولدة من الإنفاق العسكري اتجاه الإنفاق التعليمي .
أستمر بعدها متوسط النسب بالمسار نفسه للمدة 1980 – 1990 مع بعض التغير إذ بقيت الجزائر بأعلى متوسط نسب مع تقدم الإمارات وعمان لتحقق ارتفاعا كبيرا في متوسط نسبة الإنفاق التعليمي للإنفاق العام عن ما كانت عليه في المدة السابقة لتبلغ هذه النسبة نحو 12.5% للإمارات و 13.7% لعمان. عند المدة 1997 – 2000 دخلت السعودية في إطار الدول ذات النسب العالية للإنفاق التعليمي فكان متوسط تخصيصاتها المالية لهذا القطاع نحو 14 مليار دولار، لتسجل متوسط نسبة الإنفاق التعليمي إلى للناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام نحو 8.5% و25.6% على التوالي ، في حين كانت ليبيا صاحبة أقل متوسط نسب للإنفاق التعليمي إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام إذ بلغت نحو 2.5% و7.6% على التوالي و بتخصيص مالي مقداره 807 ملايين دولار للإنفاق التعليمي، على الرغم من ذلك فهو اكبر من متوسط إنفاقها العسكري للمدة الذي ذاتها قد بلغ 365 مليون دولار.
لم تتغير الأوضاع عند المدة 2001 – 2004 فحافظت كل الدول العربية على زيادة نسبة الإنفاق التعليمي إلى الناتج المحلي الإجمالي أو للإنفاق العام وهو ما يعد من المؤشرات الايجابية باتجاه زيادة الاهتمام بالجوانب الاجتماعية، باستثناء الجزائر والدول الأخرى ( السودان ، اليمن ، الصومال، جيبوتي ، العراق ) إذ انخفضت للجزائر إلى نسبة 4.5% للناتج المحلي الإجمالي و13.8% للإنفاق العام ، في حين بلغت نسبتها للدول الأخرى نحو 3.4% للناتج المحلي و9.1% للإنفاق العام .
يتضح مما تقدم أن اهتمام الدول العربية بالجوانب الاجتماعية قد تفاوت من دولة إلى أخرى ، ويظهر ذلك من التذبذب الحاصل في متوسطات النسب التي تعكس مستوى التخصيصات المالية للإنفاق سواء الصحي أم التعليمي، الذي ارتبط بدرجة كبيرة بمستوى الزيادة والتطور الحاصلة للناتج المحلي الإجمالي ثم بالإنفاق العام للدول العربية ، فضلا عن درجة اهتمام الدولة بالقطاع العسكري.
يظهر أثر الإنفاق العسكري في المؤشرات الاجتماعية بصورة كاملة من خلال مقارنة نسب الإنفاق العسكري بالإنفاق التعليمي والصحي، أن متوسط نسبة الإنفاق العسكري للمدة 1970 – 1980 ازدادت مرتين عن متوسط نسبة الإنفاق التعليمي وأكثر من ثلاث مرات عن الإنفاق الصحي، جاء ذلك متوافقا مع ما توافر من ظروف وأحداث أسهمت بهذه الزيادة منها ارتفاع أسعار النفط والحرب التي خاضها العرب ضد إسرائيل فضلا عن سباق التسلح الذي حصل بين الدول العربية ودول الجوار، مما جعل مجموع متوسط نسبة الإنفاق التعليمي والصحي للمدة ذاتها 7.5% إلى إجمالي الناتج المحلي مقابل 9.3% للإنفاق العسكري.
شهدت بعدها المدة 1980 – 1990 ارتفاعا بمتوسط نسبة الإنفاق العسكري مع تغير متوسط نسبة الإنفاق التعليمي والصحي ارتفاعا وانخفاضا، إذ حقق الإنفاق العسكري نسبة مقدارها 12.1% مقابل ارتفاع نسبة الإنفاق التعليمي لتصل إلى 4.8% على الرغم من هذا الارتفاع البسيط في نسبة الإنفاق التعليمي، إلا أن المؤشرات التعليمية للدول العربية ارتفعت إذ ازداد معدل القيد للتعليم الابتدائي والثانوي والتعليم العالي من 59% و 22% و 5% على التوالي خلال حقبة السبعينات لتصل في الثمانينات إلى 76% هي نسبة القيد للتعليم الابتدائي و41% للتعليم الثانوي مقابل 8% للتعليم العالي ، أما الإنفاق الصحي فعلى الرغم من
. انخفاض نسبته إلى2.5 % إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث بعض التحسن في الوضع الصحي الذي يعد قليلا بالمقارنة مع الإمكانات المتوافرة لدى الدول العربية إذ بلغت نسبة السكان الذين يحصلون على. المياه المأمونة نحو 81% خلال حقبة الثمانينات بعد أن كانت نسبتهم 74% في السبعينات، فضلا عن أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة قد انخفض إلى 91 حالة وفاة لكل 1000 ولادة خلال حقبة الثمانينات بعد أن كانت 113 حالة وفاة في السبعينات.
أما المدة 1990 – 1997 فقد تضمنت انخفاض متوسط نسبة الإنفاق العسكري بحوالي ربع ما كان عليه في المدة السابقة لتبلغ 9.9% وهذا الانخفاض تزامن مع انخفاض مستوى التهديدات التي تتعرض لها الدول العربية بالتحديد من قبل العراق وإيران كذلك الكيان الصهيوني إلا أن الإنفاق العسكري كمتوسط للمدة قد بلغ أكثر من 51.9 مليار دولار وهو ما يعد كبيرا بالمقارنة مع ما يخصص للإنفاق الاجتماعي. استمر بعد ذلك متوسط النسب للإنفاق العسكري بالانخفاض ليصل إلى 5.2 % للمدة 2001 – 2004 الذي جاء متوافقا مع الانخفاض في حجم الإنفاق العسكري للدول العربية إذ بلغ نحو 46.6 مليار دولار، بالمقارنة مع المدة السابقة فضلا عن ارتفاع متوسط نسب الإنفاق التعليمي لتبلغ 6.0% في حين انخفض الإنفاق الصحي ليصل إلى 2.6%. الأمر الذي يبين تدني مستوى التخصيصات للقطاع الصحي لدى الدول العربية على العكس من الاهتمام الذي يحظى به هذان القطاعان عند الدول المتقدمة إذ بلغت نسبة إنفاقها التعليمي والصحي للناتج المحلي الإجمالي لذات المدة نحو 5.8% و6.4% على التوالي، مع الأخذ بنظر الاعتبار كبر حجم ومقدار الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول بالمقارنة مع الدول العربية.

قد لا تختلف الأسباب التي أدت إلى التغير الحاصل في متوسط النسب سواء للإنفاق العسكري أم التعليمي أم الصحي عن ما جرى من أسباب ومعطيات أدت إلى التغير بمتوسط النسب لهذه الأنواع من الإنفاق في الجدول السابق . إذ أن زيادة الإنفاق العسكري مقابل الإنفاق التعليمي والصحي للمدة 1970 – 1980 يظهر من خلال متوسط النسب المتحققة إذ بلغت للأنفاق العسكري 21.9% وهي اكبر من مجموع متوسط النسب للإنفاق التعليمي والصحي البالغة 12.3 % و6.1% على التوالي للمدة ذاتها. شهدت بعد ذلك المدة 1980 – 1990 زيادة في حجم التخصيصات المالية للإنفاق العسكري لتصل إلى أكثر من ربع الإنفاق العام الذي بلغ كمتوسط للمدة 56.3 مليار دولار ، مما جعل متوسط نسب الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام تزداد لتصل إلى 26.3% عن المدة السابقة، مما يعني أن الإنفاق العسكري كنسبة إلى الإنفاق العام يزداد بمقدار الضعف تقريبا عن الإنفاق التعليمي ويزداد عن الإنفاق الصحي بأكثر من أربع مرات. مقابل ذلك ازداد متوسط نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الإنفاق العام إذ بلغت هذه النسب للإنفاق التعليمي 13.7% و للإنفاق الصحي 6.3%، مع هذا الارتفاع البسيط إلا انه حقق بعض النتائج الايجابية في المؤشرات التعليمية والصحية فقد ازداد معدل الإلمام بالقراءة والكتابة عند الكبار من 27% عام 1970 ليصل إلى 58% عام 1990 ،فضلا عن زيادة معدل توقع الحياة عند الولادة من 53% خلال حقبة السبعينات إلى 65% خلال الثمانينات. ارتفع بعدها متوسط النسب للإنفاق التعليمي إلى الإنفاق العام عند المدة 1997 – 2000 مقابل انخفاض متوسط نسبة الإنفاق العسكري إلى 19.5%، الذي جاء متوافقا مع الانخفاض الحاصل للإنفاق العسكري إذ بلغ كمتوسط للمدة أكثر من 35.9 مليار دولار، في حين أن متوسط الإنفاق العام للمدة ذاتها كان قد بلغ أكثر من 183.6 مليار دولار.

تضمنت بعد ذلك المدة 2001 – 2004 ارتفاعا بمتوسط نسبة الإنفاق التعليمي لتبلـغ 21.3 % مع بقاء متوسط نسبة الإنفاق الصحي عند 8 %، مما اظهر بعض التحسن في المؤشرات التعليمية والصحية إذ انخفاض نسبة الأمية في الدول العربية لتبلغ 23.4% عام 2004 بعد أن كانت 40.5% عام 1990 ، أي أن معدل الأمية انخفض إلى النصف. أما التحسن بالمؤشرات الصحية فيظهر من خلال زيادة نسبة السكان الذين يحصلون على الصرف الصحي إذ ازدادت نسبتهم من 70% عام 1990 لتصل إلى 78%عام 2004، في حين ازدادت نسبة السكان الذين بإمكانهم الحصول على المياه المأمونة من 76 %عام1990 إلى 85% عام 2004 ، فضلا عن انخفاض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 159 لكل1000 طفل عام 1970 إلى 34 حالة لكل 1000 طفل عام 2004.
يتضح من ذلك إن الإنفاق العسكري قد أثر بشكل كبير في الإنفاق التعليمي والصحي والظاهر من خلال العبء الاجتماعي، فبالرغم من التحسن الحاصل في هذين القطاعين إلا انه لا يوازي القدرات والإمكانات العربية ، فقد استحوذ القطاع العسكري على الجزء الأكبر من التخصيصات المالية للدول العربية بالمقارنة مع ما خصص للتعليم والصحة.
يتبين مما تقدم أن زيادة الإنفاق العسكري وتطوره للدول العربية أسهمت به دوافع اقتصادية فضلا عن الدوافع والأحداث السياسية والجغرافية ، فقد كانت الرؤية العامة لزيادة الإنفاق العسكري قائمة على أساس المحافظة على القدرات الاقتصادية المتزايدة لدى أغلب الدول العربية والنفطية منها على وجه التحديد، فهذه الزيادة في الإنفاق العسكري ستؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار ثم تهيئة الأجواء الملائمة لتنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، إلا أن الواقع أظهر أن الإنفاق العسكري استنزف الكثير من الإمكانات والقدرات العربية مما أدى إلى عرقلة التطور الاقتصادي والاجتماعي، مع زيادة حجم ومستوى التهديدات غير المسلحة الموجهة ضد الدول العربية خصوصا تلك التي لا تتمتع بالإمكانات المالية الكبيرة .

المبحث الثالث: واقع الإنفاق العسكري العراقي.
اهتم العراق بصورة عامة بالمؤسسة العسكرية التي تعد أول مؤسسة حكومية عراقية تم إنشاؤها ويعود ذلك إلى عام 1921 مما جعلها تأخذ المكانة المتميزة في كل الحكومات العراقية المتعاقبة سواء في الفترة الملكية أم الجمهورية ، فضلا عن أن اغلب رؤساء الحكومات أو رؤساء الدولة هم من القادة العسكريين .
يعد العراق من أهم الدول العربية وأكثرها اهتماما بالإنفاق العسكري ليس فقط من حيث الحجم أو القيمة بل من خلال التعاطي مع الإجراءات التسليحية والعسكرية، وهذا متأتٍ من الثورات والانتفاضات الداخلية فضلا عن الحروب التي خاضها العراق وبالتحديد بعد تسلم النظام السابق الحكم فيه.

أولا : تطور الإنفاق العسكري للعراق.
تطور الإنفاق العسكري للعراق متأثرا بالعديد من العوامل والمعطيات الداخلية والخارجية مما جعلته عبئاً ثقيلا على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية خصوصا الخطط والبرامج التنموية ، فضلا عن انه قد أسهم بانتشار العنف وجعل حالة اللجوء إلى السلاح أمرا طبيعيا سواء في حالات الفرح أم الحزن بين أبناء المجتمع ، وهو ما يعد نتيجة طبيعية لعسكرة المجتمع من خلال الحروب وطبيعة تعامل النظام السابق مما عزز من حالة عدم الاستقرار وغياب الأمن .

ارتفع الإنفاق العسكري العراقي من 700 مليون دولار عام 1970 ليصل إلى 3.1 مليارات دولار عام 1975 بنسبة تغير 45% ، جاءت هذه الزيادة نتيجة لارتفاع أسعار النفط من جانب وزيادة مستوى التوتر والتهديدات بين العرب وإسرائيل التي نتجت عنها حرب تشرين عام 1973، فضلا عن زيادة نشاط الحركة الكردية في شمال العراق من جانب آخر.
ازداد بعد ذلك الإنفاق العسكري العراقي عام 1980 بأكثر من ست مرات عن ما كان عليه عام 1975 وهو ما جاء متوافقا مع اندلاع الحرب ضد إيران ليشكل نسبة 38.5% من إجمالي الإنفاق العسكري العربي و2.6% من الإنفاق العسكري العالمي .
استمر الإنفاق العسكري بالارتفاع عند عام 1984 محققا أعلى مستوى له خلال كل تاريخ العراق إذ بلغ 25.9 مليار دولار بنسبة 42.8% من الإنفاق العسكري العربي و2.8% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي الذي كان قد بلغ 905 مليار دولار. السبب في ذلك هو الاتجاهات الجديدة للحرب إذ أخذت مسار التدمير الاقتصادي وهدم البني الارتكازية بضرب المنشآت النفطية والصناعية والمدن السكانية، مما دفع العراق إلى استيراد المزيد من الأسلحة المتطورة في مجال الطائرات فضلا عن تطويره لبعض الصناعات العسكرية وتحديدا في مجال الصواريخ بعيدة المدى .
أخذ الإنفاق العسكري للعراق بعدها بالانخفاض عام 1986 الذي جاء متزامنا مع انخفاض أسعار النفط إذ انخفض سعر برميل النفط من 27.01 دولاراً عام 1985 ليصل إلى 13.53 دولاراً عام 1986 ، مع دخول الحرب مرحلة الاستنزاف مما جعل الإنفاق العسكري ينخفض إلى أكثر من النصف إذ بلغ 11.6 مليار دولار ليبلغ نسبة 20.7% من إجمالي الإنفاق العسكري العربي، السنة الأخيرة للحرب أي في عام 1988 كان الإنفاق العسكري قد ارتفع ليصل إلى 12.9 مليار دولار بنسبة تغير 11.2% ليشكل نسبة 1 %من الإنفاق العسكري العالمي الذي كان قد بلغ 1195 مليار دولار.
من المؤشرات المهمة التي مكنت العراق من الاستمرار بهذا المستوى المرتفع من الإنفاق العسكري ، هو أن دول مجلس التعاون الخليجي بالذات السعودية والكويت أسهمت بشكل كبير بتقديم الدعم للعراق ، سواء عن طريق المساعدات الفورية أم عن طريق إنتاج حوالي 1.3 مليون برميل نفط يوميا من المنطقة المحايدة وتسويقها لصالح العراق ، مع قيام السعودية بتعزيز الجدارة الاقتراضية أو إسناد محاولات العراق في الحصول على القروض من أسواق المال العالمية.
عند عام 1990على الرغم من انتهاء الحرب وما خلفته من آثار اقتصادية واجتماعية في العراق إلا أن ظهور بوادر الأزمة مع الكويت جعلت الإنفاق العسكري يستمرعند معدلاته نفسها للسنوات الأخيرة للحرب ليبلغ 12.5 مليار دولار ليشكل ربع الإنفاق العسكري العربي تقريبا.
ازدادت الأمور سوءا بعد اجتياح العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991 وما خلفته من عقوبات اقتصادية استمرت إلى عام 2003 ، إذ تغير نظام الحكم في العراق بعد ذلك من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،ومن ثم تعيين الحاكم المدني بول بريمر الذي أصدر أمراً بحل الجيش العراقي مع ما يرتبط به من مؤسسات كذلك حل الأجهزة الأمنية. مما أدى إلى تدهور الوضع الأمني وانتشار الفوضى ودخول الإرهاب للعراق ، فضلا عن انتشار المجموعات المسلحة الأمر الذي دفع إلى إعادة تشكيل جيش عراقي جديد بإنفاق عسكري غير منسجم مع طبيعة المرحلة إذ بلغ 1.5 مليار دولار عام 2004 .
ارتفع بعد ذلك الإنفاق العسكري إلى 3.25 مليارات دولار عام 2005 بنسبة تغير 116% ليشكل نسبة 5.6% من الإنفاق العسكري العربي مقابل 0.2% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي. مع قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتخصيص المبالغ الكبيرة لتعزيز وتطوير القدرات القتالية والتسليحية للجيش العراق ، فقد بلغت هذه التخصيصات 46 مليار دولار لعام 2003 و68 مليار دولار عام 2004 و 53 مليار دولار عام 2005 مع مبلغ 14 مليار دولار لتطوير القوات الأمنية المحلية للمدة 2003-2005.
واصل بعدها الإنفاق العسكري العراقي الارتفاع ليبلغ 6 مليارات دولار عام 2006 ليشكل ضعف الإنفاق العسكري عن العام الذي سبقه تقريبا، مع تخصيصات مالية إضافية من الولايات المتحدة بلغت 93 مليار دولار وهي أكبر من الإنفاق العسكري العراقي بخمس عشرة مرة. أما عام 2007 فقد ارتفع الإنفاق العسكري إلى 7.25 مليارات دولار إلا أن نسبته إلى الإنفاق العسكري العربي قد انخفضت بنسبة تغير سالبة بلغت 10.7% مع محافظته على المستوى نفسه بالمقارنة مع الإنفاق العسكري العالمي إذ بلغت نسبته 0.5%.
يتبين مما تقدم أن الاهتمام بالإنفاق العسكري في العراق أصبح حالة مسيطرة على طبيعة الحياة سواء السياسية أم الاقتصادية أم الاجتماعية، نتيجة الأوضاع والعوامل الداخلية و الخارجية التي أسهمت بتعزيز الفكر العسكري والتسلح داخل المجتمع العراقي.
ثانيا : أسباب تطور الإنفاق العسكري للعراق .
لا يختلف العراق كثيرا عن بقية الدول العربية من حيث أسباب تطور وزيادة الإنفاق العسكري ، إلا انه خلال حقبة النظام السابق قد دخل في مواجهات مسلحة وحروب على المستوى الفردي كدولة أكثر من كل الدول العربية ، لهذا يمكن تحديد أسباب زيادة وتطور الأنفاق العسكري للعراق بوصول النظام السابق للحكم مع ما يحمله من أفكار تدعو للتسلح معسكرة المجتمع ، فضلا عن الانتفاضات والثورات الداخلية خصوصا ما حدث عامي 1974 – 1975 من قبل الحركة الكردية ثم اندلاع الحرب ضد إيران التي استمرت ثماني سنوات وما تلاها من غزو الكويت وحرب الخليج الثانية علم 1990-1991. كذلك ما جرى من ارتفاع لأسعار النفط خلال عقد السبعينات من القرن الماضي مما زاد من الوفرة المالية إذ ارتفعت قيمة الواردات النفطية من 1.09 مليار دولار عام 1970 إلى 8.2 مليارات دولار عام 1975 لتبلغ هذه الإيرادات عام 1980 نحو 26.4 مليار دولار، وهو ما حفز العراق لزيادة الإنفاق العسكري، فضلا عن سباق التسلح بين العراق والدول العربية من جهة والعراق ودول الجوار خصوصا إيران وإسرائيل من جهة أخرى، مع الأخذ بنظر الاعتبار التهديدات الأمريكية للعراق وعده عاملاً مهماً في عدم الاستقرار والأمن في المنطقة بالتحديد بعد حرب الخليج الثانية .
ثالثا : العبء الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العسكري العراقي .
1- العبء الاقتصادي.
يظهر عبء الإنفاق العسكري في الحياة الاقتصادية من خلال درجة تأثيره بالمؤشرات الاقتصادية سواء للدولة أم للإفراد التي تتبين عن طريق مايلي:
أ – نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام .
استحوذ الإنفاق العسكري في العراق على الجزء الكبير من حجم التخصيصات المالية، مما انعكس على نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام أن نسبة الإنفاق العسكري عام 1970 بلغت 19.4% من الناتج المحلي الإجمالي فضلا عن انه استنزف ثلث الإنفاق العام، مع زيادة الإنفاق العسكري عام 1975 ارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 22.5% بنسبة تغير 3.7%، على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 1975 قد ازداد بأكثر من 10 مليارات دولار عن عام 1970 ، مقابل ذلك ارتفعت نسبة الإنفاق العسكري إلى نحو نصف الإنفاق العام لتبلغ نحو 49.8%. عند عام 1980 مع اندلاع الحرب ازدادت التخصيصات المالية للقطاع العسكري مما جعل نسبة الإنفاق العسكري تستحوذ على ثلث الناتج المحلي الإجمالي. أما نسبته للإنفاق العام فقد بلغت الثلثين تقريبا بالرغم من أن الإنفاق العام قد تجاوز 30 مليار دولار. استمرت بعدها نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام تزداد كنتيجة طبيعية لاستمرار الحرب لتصل التخصيصات التي استحوذ عليها لعام 1982 ما نسبته 57.4% من الناتج المحلي الإجمالي و 67.2% من الإنفاق العام . بعدها وصل العراق إلى أعلى مستوى من الإنفاق العسكري بحلول عام 1984 إلا أن نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت بنسبة تغير سالبة بلغت 5.2%، جاء ذلك متوافقا مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 47.5 مليار دولار بعد أن كان 40.1 مليار دولار عام 1982، مقابل ذلك ارتفعت نسبة الإنفاق العسكري ليستحوذ على ثلاثة أرباع الإنفاق العام تقريبا محققا أعلى نسبة للإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام للمدة 1970 – 2007 .
عام 1986 نتيجة دخول الحرب مرحلة الاستنزاف للقدرات سواء المادية أم المالية التي انعكست على حجم التخصيصات العسكرية التي انخفضت إلى النصف، مما أدى إلى انخفاض نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام بنسب تغير سالبة بلغت 55.5% و47.1% على التوالي . عند السنة الأخيرة للحرب أي عام 1988 على الرغم من زيادة الإنفاق العسكري إلا أن نسبته للناتج المحلي الإجمالي استمرت بالانخفاض مقابل ارتفاع نسبته إلى الإنفاق العام . مع نهاية الحرب وما خلفته من خسائر اقتصادية كبيرة والمقدرة بأكثر من 452 مليار دولار الناجمة عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي والخسائر المتراكمة بسبب تدهور القطاع النفطي وقطاع الطاقة والمواصلات وكذلك القطاع الصحي، فضلا عن انخفاض الإيرادات النفطية وفقدان الاحتياطي من النقد الأجنبي. انخفضت بعد ذلك نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام لتصل إلى أدنى مستوى لها خلال حقبة النظام السابق عند عام 1990 لتبلغ 16.2% للناتج المحلي الإجمالي مقابل 26.6% للإنفاق العام .
بعد التغيير الذي حصل في العراق انخفض الإنفاق العسكري عام 2004 مما جعله يشكل نسبة 4.5% إلى الناتج المحلي الإجمالي و11.1% إلى الإنفاق العام. لترتفع هذه النسب كنتيجة طبيعية للزيادة الحاصلة في حجم التخصيصات المالية للقطاع العسكري عند عام 2005
إذ ازدادت نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تغير 64.4% مقابل زيادة نسبته إلى الإنفاق العام بنسبة تغير 54%، على الرغم من مضاعفة حجم الإنفاق العسكري عام 2006 تقريبا إلا أن نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي لم تتغير كثيرا فيما ارتفعت نسبته إلى الإنفاق العام لتبلغ 20 %. عند عام 2007 بالرغم من بلوغ الإنفاق العسكري 7.25 مليارات دولار ، إلا أن نسبته من الناتج المحلي انخفضت نتيجة زيادة قيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز 88 مليار دولار بعد أن كان 68.5 مليار دولار عام 2006 ، مقابل ذلك ارتفعت نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام تصل إلى 22% .
يظهر مما تقدم أن الإنفاق العسكري شكل عبئاً كبيرا على مجمل جوانب الحياة التي زادت من عبئه الاقتصادي المتمثل باستحواذه على الجزء المهم من الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام خصوصا في حقبة النظام السابق .
ب – نصيب الفرد من الإنفاق العسكري والناتج المحلي الإجمالي.
المؤشر الآخر لقياس العبء الاقتصادي للإنفاق العسكري يتمثل بنصيب الفرد من هذا الإنفاق فضلا عن نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي ثم إيجاد الأهمية النسبية للإنفاق العسكري. بلغ نصيب الفرد العراقي من الأنفاق العسكري عام 1970 نحو 7.5 دولارات في حين نصيبه من الناتج المحلي بلغ 378 دولاراً لتكون الأهمية النسبية للإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد حوالي 2%، مع زيادة الاهتمام بالقطاع العسكري والتسلح منتصف السبعينات مما جعل نصيب الفرد من الإنفاق العسكري يزداد بنسبة تغير 147% مقابل زيادة نصيبه من الناتج المحلي بنسبة تغير 34%.
عند بداية الحرب ضد إيران كان من الطبيعي أن يزداد نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إذ ازداد خمس مرات عن عام 1975 ، لتكون الأهمية النسبية للإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد العراقي حوالي 37%. لترتفع بعد ذلك الأهمية النسبية للإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد إلى أعلى مستوى لها عام 1982 لتبلغ 57.4% فضلا عن انخفاض نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تغير سالبة 22.8%.
تغيرت الأمور عام 1984 إذ انخفض نصيب الفرد من الإنفاق العسكري بنسبة تغير سالبة بلغت 3.7% مقابل زيادة نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تغير 1.6% ، لينعكس
ذلك على نسبة نصيب الفرد من الإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد إذ انخفضت إلى 54.%. بعدها بسبب ما جرى من أحداث سواء في مسار وطبيعة الحرب أم من انخفاض لأسعار النفط عند عام 1986 ليؤدي ذلك إلى انخفاض الإنفاق العسكري وبشكل كبير مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 44.7 مليار دولار ، مما جعل كل المؤشرات تنخفض سواء نصيب الفرد من الإنفاق العسكري أم من الناتج المحلي الإجمالي.
لم تتغير الأوضاع كثيرا بعد ذلك إلا عام 1990 إذ بلغ نصيب الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي أعلى مستوى له بعد عام 1980، مما أدى إلى انخفاض الأهمية النسبية للإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد لتبلغ 20 % وبنصيب 694 دولاراً للفرد من الإنفاق العسكري .
بعد إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية من جديد ومنها المؤسسة العسكرية وتحديدا عند عام 2004 على الرغم من تواضع حجم الإنفاق العسكري إلا أن نصيب الفرد من الإنفاق العسكري بلغ 55.5 دولاراً، مقابل 1214 دولاراً كنصيب من الناتج المحلي الإجمالي الذي قد بلغ 32.9 مليار دولار. نتيجة استمرار عدم الاستقرار و ضياع الأمن كانت المحصلة الطبيعية ارتفاع الإنفاق العسكري عام 2005، الذي انعكس على زيادة نصيب الفرد من الإنفاق العسكري بنسبة تغير 109% مقابل زيادة نصيبه من الناتج المحلي وبنسبة تغير 28%.
سجلت بعدها كل المؤشرات ارتفاعا عند عام 2006 ليبلغ نصيب الفرد من الإنفاق العسكري 208 دولارات فضلا عن 2378 دولاراً كنصيب من الناتج المحلي، لتبلغ الأهمية النسبية للإنفاق العسكري إلى متوسط دخل الفرد 8.7%. إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 8.2% عام 2007 بعد أن ازداد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من اثنتا عشرة مرة عن نصيبه من الإنفاق العسكري.
يتضح مما سبق تأثير الإنفاق العسكري في مستوى دخول الأفراد أو نصيبهم من الناتج المحلي الإجمالي، فهو يستنزف الجزء الأكبر الذي قد بلغ في بعض السنوات أكثر من النصف، عند تغيير النظام وإعادة ترتيب الأوضاع ولأن الإنفاق العسكري العراقي تتحمل جزأه الأكبر قوات التحالف الأمر الذي جعله يظهر بنسب إنفاق منخفضة إلا أنها ذات تأثير في الإفراد بسبب تدني وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
ج – نسبة الاستيرادات العسكرية إلى الاستيرادات الإجمالية .
يظهر تأثير الإنفاق العسكري ومعرفة عبئه الاقتصادي عن طريق استخدام مؤشر التجارة الخارجية. أن قيمة الاستيرادات العسكرية في العراق تمثل 20% من إجمالي الاستيرادات لعام 1970 التي بلغت 100 مليون دولار، لتزداد بعد ذلك خمس مرات عن ما كانت عليه لتبلغ نصف مليار دولار عام 1975 بنسبة 11.9% من الاستيرادات الإجمالية . مع اندلاع الحرب عام 1980 بلغت قيمة الاستيرادات العسكرية 2.4 مليار دولار بنسبة 12.1% من إجمالي الإنـفاق العسكري ، فضلا عن أنها بلغت أكثر من مرتين ونصف من قيمة الاستيرادات الغذائية التي كانت قيمتها نحو 900 مليون دولار ، ليستمر بعدها مسار الارتفاع لقيم الاستيرادات العسكرية إذ بلغت ثلث الاستيرادات الإجمالية عام 1982 . ارتفعت بعدها نسبة الاستيرادات العسكرية لتصل إلى أعلى مستوى لها عام 1984 لتبلغ نسبة 82.9% من إجمالي الاستيرادات في حين أن نسبة الاستيرادات الغذائية لم تتجاوز نسبة 12.6% بمبلغ 1.4 مليار دولار ، مما يعني أن القطاع العسكري يستحوذ على الجزء الأكبر والاهم من حجم الاستيرادات الإجمالية التي تعد من الروافد المهمة لتأمين المستلزمات الضرورية للتنمية خصوصا لدولة مثل العراق.
شكل عام 1986 نقطة تحول سواء في مسار الحرب أم في إنفاقها، مما جعل كل المؤشرات في الجدول تنخفض بقيم مختلفة إذ انخفضت قيمة الاستيرادات العسكرية بمقدار 3.5 مليار دولار تقريبا، مقابل انخفاض الاستيرادات الإجمالية بمقدار 2.4 مليار دولار لتصبح النسبة 65.5% ، ليستمر الانخفاض في قيم الاستيرادات العسكرية إلى الاستيرادات الإجمالية للعراق وهو ما كان متوافقا مع الانخفاض الحاصل في الإنفاق العسكري للمدة ذاتها.
عام 2004 جاءت قيم الاستيرادات العسكرية بشكل منخفض جدا إذ بلغت 530 مليون دولار وهذا لا يتوافق مع ما يمر به العراق من عدم استقرار، إلا أن ذلك قد يكون مرتبطاً بمستوى الإنفاق العسكري المنخفض نسبيا بالمقارنة مع ما كان ينفقه العراق على القطاع العسكري خصوصا في حقبة النظام السابق.
حافظت نسبة الاستيرادات العسكرية بعدها على الانخفاض بالتحديد عام 2005 فكانت نسبة تغيرها سالبة بلغت 45.2% وهو ما جاء مخالفا لطبيعة الأحداث التي يمر بها العراق، مقابل ارتفاع قيمة الاستيرادات الإجمالية ليصل إلى 22 مليار دولار بنسبة تغير 10.5%، السبب في ذلك هو زيادة عدم الاستقرار وغياب الأمن الذي أدى إلى التوقف شبه الكامل لكل القطاعات الاقتصادية سواء الصناعية أم الزراعية أم الخدمية، مما دفع إلى تعويض النقص الحاصل خلال الاستيراد سواء من قبل القطاع العام أم الخاص الأمر الذي زاد من تدهور
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لم تتغير الأمور كثيرا عام 2006 إذ استمرت قيم الاستيرادات الإجمالية بالارتفاع لتصل إلى 26.2 مليار دولار مقابل انخفاض قيم الاستيرادات العسكرية إلى 200 مليون دولار، هذا الانخفاض في قيم الاستيرادات العسكرية للعراق قائم على أساس أن اغلب التجهيزات المخصصة للقطاعات الأمنية بصورة عامة والقطاع العسكري بصورة خاصة وما يرافقه من عمليات التدريب والتسليح يتم تأمينها من قبل قوات التحالف والدول المانحة.
يظهر من ذلك أن قيم الاستيرادات العسكرية تعد من المؤشرات التي تبين العبء الاقتصادي لما تنفقه الدولة عمليا للقطاع العسكري والتسليح ، فهو يستنزف جزءاً مهما من القدرات والإمكانات تجلى ذلك خلال حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، إذ استحوذت الاستيرادات العسكرية في العراق على المبالغ الكبيرة التي لو تم توجيهها إلى البرامج والخطط التنموية، من خلال رفد القطاعات المختلفة بهذه الإمكانات سواء المالية أم المادية فضلا عن الإمكانات البشرية ، لتحقق التطور والنمو ثم التنمية مما يؤدي إلى الأمن و الاستقرار.
2- العبء الاجتماعي.
تظهر الآثار الاجتماعية للإنفاق العسكري من خلال مؤشرات تتعلق بطبيعة المزاحمة الناتجة عن هذا الإنفاق اتجاه النفقات الاجتماعية ويتبين ذلك عن طريق:-
أ – نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي .
أن نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق قد بلغت 6% و1.4% على التوالي عام 1970، لتنخفض عام 1975 بنسبة تغير سالبة بلغت 7.9% للإنفاق التعليمي و 19% للإنفاق الصحي، في حين أن نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي حققت ارتفاعا بنسبة تغير بلغت 16% عند عام 1975.
استمر بعدها الانخفاض سواء للإنفاق التعليمي أم الإنفاق الصحي بالتحديد عام 1980 إذ ابتدأت الحرب التي أدت إلى تدهور مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في العراق واستنزاف القدرات المالية والمادية والبشرية، على الرغم من زيادة الناتج المحلي الإجمالي الذي قد بلغ 51.5 مليار دولار محققا ارتفاعا بنسبة تغير 40.3%.
عام 1985 ونتيجة استمرار الحرب إلا أن التخصيصات المالية لقطاعي التعليم والصحة أخذت بالارتفاع كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي إذ بلغت 4% للقطاع التعليمي و2.8% للقطاع الصحي ، هذا الارتفاع جاء متوافقا مع الانخفاض الحاصل في حجم الإنفاق العسكري إذ انخفض من 25.9 مليار دولار عام 1984 إلى 19 مليار دولار عام 1985.
حافظت نسب الإنفاق التعليمي والصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي على ارتفاعها عند عام 1990 إذ بلغت 4.2% لقطاع التعليم مقابل 3% للقطاع الصحي، في حين انخفضت نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 16.2% بعد أن كانت 27.5% عام 1985.
مع تغيير الأوضاع في العراق بحلول عام 2004 وعلى العكس مما كان متوقعا استمرت نسبة الإنفاق التعليمي والصحي عند مستويات منخفضة فكانت 2.8% للقطاع التعليمي و 3.8% هي نسبة القطاع الصحي ، في حين حافظ الإنفاق العسكري على النسبة الأعلى إذ بلغت 4.5% . التي قد تكون منخفضة بعض الشيء مع طبيعة الأحداث حينذاك لتنخفض
بعدها نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2005 بنسبة تغير سالبة بلغت 28.5% للقطاع التعليمي و 7.1% للقطاع الصحي.
شهد عام 2006 ارتفاع الإنفاق التعليمي إذ بلغت تخصيصاته المالية 1.46 مليار دولار بعد أن كان 670 مليون دولار، مقابل انخفاض المبالغ المخصصة للقطاع الصحي لتبلغ 1.06 مليار دولار بعد أن كانت 1.16 مليار دولار عام 2005 ، في حين ازداد الإنفاق العسكري للمدة نفسها بحوالي 2.75 مليار دولار. بعدها ونتيجة تحسن الأوضاع الأمنية وظهور الاستقرار النسبي الذي حصل عام 2007 مما أدى إلى زيادة نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تغير 42.8% للتعليم و 33.3% للصحة ، مقابل انخفاض نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تغير سالبة بلغت 5.7%.
ب – نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الإنفاق العام .
بلغ الانفاق التعليمي والصحي ما نسبته 12% للإنفاق التعليمي و 2.8% للإنفاق الصحي إلى الإنفاق العام في العراق عند عام 1970. انخفضت بعدها نسبة الإنفاق التعليمي والصحي عام 1975 بنسبة تغير سالبة بلغت 6.4% و 17.4% على التوالي، إلا أن هذا الانخفاض لم يكن متوافقا مع زيادة الإنفاق العام الذي ازداد بنسبة تغير بلغت 36.2%، السبب في عدم التوافق هذا يعود إلى زيادة الإنفاق العسكري ليستحوذ على نصف الإنفاق العام بنسبة 49.8%.
استمرت نسب الإنفاق التعليمي والصحي إلى الإنفاق العام في العراق بالانخفاض نتيجة اندلاع الحرب عام 1980 في حين أن الإنفاق العام ازداد خمس مرات تقريبا عن عام 1975 ليبلغ 30.1 مليار دولار ، الأمر الذي يبين حجم المزاحمة التي يولدها الإنفاق العسكري اتجاه النفقات الاجتماعية. وعلى الرغم من استمرار الحرب إلا أن بعض التحسن قد طرأ على الإنفاق التعليمي والصحي عام 1985 إذ بلغت نسبتهما 6.5% و 4.5% على التوالي، وهو ما جاء متماشيا مع انخفاض نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام لتبلغ58% بعد أن كانت 73% عام1985.

أخذت بعد ذلك التخصيصات المالية لقطاعي التعليم والصحة تزداد وبالتحديد عام 1990 إذ ارتفعت نسبتاهما إلى الإنفاق العام بنسبة تغير 1.1% للإنفاق التعليمي مقابل 2.6% للإنفاق الصحي.
نتيجة ما جرى من أحداث والتغيير الذي حصل عند عام 2004 بلغت نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الإنفاق العام 5.3% و 7.3% على التوالي، فضلا عن أن الإنفاق العام كان قد بلغ 13 مليار دولار. انخفضت عام 2005 نسبة الإنفاق التعليمي والصحي إلى الحد الذي بلغ فيه مجموع النسبتين حوالي نصف نسبة الإنفاق العسكري إلى الإنفاق العام التي
كانت قد بلغت 17.1% ، بحلول عام 2006 اختلفت طبيعة نسب الإنفاق التعليمي والصحي إذ شهد الإنفاق التعليمي ارتفاعا بنسبة تغير بلغت 37% مقابل انخفاض نسبة الإنفاق الصحي بنسبة تغير سالبة بلغت 7.8%، ليشهد عام 2007 ارتفاعا في نسب الإنفاق التعليمي والصحي كذلك العسكري إلى الإنفاق العام الذي توافق مع التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية فكانت نسبة التغير للقطاع التعليمي قد بلغت 68% في حين بلغت نسبة التغير للقطاع الصحي 57% مقابل 10% هي نسبة التغير للقطاع العسكري.
يتبين مما تقدم أن الاهتمام بالإنفاق العسكري يؤثر في طبيعة الإنفاق الاجتماعي وتطوره المتمثل بالإنفاق التعليمي والصحي اللذين يعدان من ضرورات الحياة فدورهما لا يقل أهمية عن الإنفاق العسكري في تحقيق وبلوغ الأمن و الاستقرار ، ومساهمتهما في الحد من التهديدات والمخاطر غير المسلحة التي تعرض لها العراق ومازال هو تحت وطأة هذه التهديدات، خصوصا في مجال الأمية والأمراض والتشرد مع ما يعانيه من الاختلالات البيئية والفساد، فضلا عن دور الإنفاق التعليمي والصحي في تهيئة الأجواء الملائمة لبلوغ التطور ثم التنمية فتحسين المستوى التعليمي والأوضاع الصحية من المؤشرات الأساسية لتحسين الأحوال المعيشية وتعزيز الرقي الإنساني الذي يعد أهم أداة لتحقيق الأمن ومن بعدها التنمية.



#نبيل_جعفر_عبد_الرضا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الامن والتنمية في العراق -- الحلقة الاولى
- البيئة الاستثمارية في البصرة
- اللامركزية في العراق
- رؤية إستشرافية للدولة الريعية في العراق
- مفهوم الدولة الريعية
- منظمات الأعمال في البصرة :
- الآثار الاقتصادية لتحرير التجارة الخارجية في العراق
- إستراتيجية مقترحة لمعالجة الفساد في الاقتصاد العراقي
- مناخ الاستثمار النفطي
- بيئة الاعمال في البصرة
- مخاطر الاستمرار بتثبيت الدينار العراقي
- التجارة في البصرة
- القدرات التصديرية المستقبلية للغاز الطبيعي في العراق
- البصرة تعوم على اكبر بحيرة نفط في العالم
- الأهمية النفطية لبحر قزوين
- نحو إستراتيجية جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى العراق
- المنافذ الحدودية في البصرة
- دور هيئات الاستثمار في جذب الاستثمار المحلي والأجنبي
- الآثار السلبية للاغراق التجاري على الصناعة في العراق
- الموازنة الاتحادية في العراق لعام 2012


المزيد.....




- -ستاندرد آند بورز- تخفض تصنيف إسرائيل الائتماني
- البنك المركزي المصري يعلن القضاء على السوق السوداء للدولار
- أسعار النفط تقفز وسط تقارير عن ضربات إسرائيلية على إيران
- أسواق آسيا تلونت بالأحمر والذهب ارتفع.. كيف تفاعلت الأسواق م ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- مفاجأة جديدة اليوم|.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 ...
- شويغو يتفقد مصنعا لإنتاج الدبابات وقاذفات اللهب الثقيلة (فيد ...
- ارتفاع أسعار النفط بعد أنباء عن هجوم إسرائيلي على إيران
- بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر بلجيكا تستأنف استيراد الماس من روس ...
- مطار حمد الدولي ينتزع الصدارة في قائمة أفضل مطارات العالم


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نبيل جعفر عبد الرضا - جدلية الامن والتنمية — الحلقة الثانية