أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد قرافلي - احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 4)غ- أطباء الحضارة والاستغراق في تأصيل الحلم الحضاري















المزيد.....

احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 4)غ- أطباء الحضارة والاستغراق في تأصيل الحلم الحضاري


محمد قرافلي

الحوار المتمدن-العدد: 3665 - 2012 / 3 / 12 - 16:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غ- أطباء الحضارة والاستغراق في تأصيل الحلم الحضاري
قد لا ندرك سر هذا الجنون المحموم نحو تأصيل الأصالة خلفياته وشروط إمكانه وتجلياته وانعكاساته، ولعل البشرية كانت ولا تزال تدفع تبعاته خاصة الأبرياء منهم الذين كانوا يقدموا قربانا من اجل الدفاع عن تلك الخصوصية وتحصينها.إلى درجة أضحى الخطاب جله إن لم نقل كله إما ينتصر لصراع الحضارات وتصادمها أو مع تعايش الحضارات وتسامحها، والأولى المطلوب من أهل العرفان والتفلسف هو ضرورة الحفر في مقتضيات ذلك الخطاب وفي دوافعه ودلالاته ومالاته بدل تكريسه والتأسيس له والتقعيد مفاهيميا لرؤاه وأوهامه وإضفاء الشرعية عليه. فعن أية خصوصية نتحدث؟ خصوصية من؟ ومن يستفيد منها؟ ولماذا؟
تستبطن كل حضارة ناشئة رغبة دفينة في التماهي مع الحضارة المهيمنة ، وحينما تتحصل السيادة والتمكين فإنها بدورها تسعى إلى التهام الحضارات السابقة من خلال فرض نموذجها ودفع الحضارات الأخرى إلى تقمصه والتماهى معه،كما تختزن قرونا من القهر والاستعباد من الحضارات الغازية والمستوحشة، والتي تحتاج إلى إشباع نزواتها والى الثأر من قرون استعبادها السابقة، لذلك يكون رد فعلها أشد وحشية وأشد عنفا من سابقتها، حتى أنه لا يمكن فهم تطور الأدوات والمعارف والتقنيات إلا استجابة لهذا الدافع والداعي ، دافع الاستقواء والاستغوال وداعي الانتقام وسحق الآخر ويمكننا أن نوسع ذلك المنطق ليشمل حركة العصبيات والقبليات وبحثها المجنون عن أساليب تقوية شوكة تلك العصبيات من خلال استثمار كل ما أمكن من رأسماليات بشرية ومادية ورمزية. ويستعصي فهم حركة تناسل الحضارات إلا وفق ذلك المقياس إذ كل حضارة تشكل انعكاسا وتمردا على الحضارة أو الحضارات السابقة أو المجاورة والمنافسة إنها تشبه لعبة المرايا والانعكاس المراوي.ولعل ذلك ما ترسخ في الفترة الراهنة مع الحضارة المظفرة وما واكبها في غزواتها المستمرة وفي فتوحاتها خارج أوطانها وكان لزاما عليها كي تفعل حلمها التوسعي أن تعبئ وتستنفر الكل لخدمة مشروعها، وأن تمتطي روح حضارتها وتشحذ روح أصالتها وتزرعها في النفوس حتى تستنهض الهمم ويصبح الحلم عقيدة وكل شئ يمكنه أن يشكل حطبا ووقودا في سبيل ذلك المشروع المأمول، وكل شئ يهون في سبيل الخلاص الأبدي.
يعج تاريخ الإنسانية بشواهد ومنعطفات خطيرة لا تعد ولا تحصى من سيرورة الحضارات الإنسانية، حصل ذلك مع اليهود وجهودهم المستمرة في تحقيق الحلم الموعود وسعيهم الحثيث للتأصيل له واستغراقهم في الخصوصية إلى درجة اعتبروا نفسهم شعب الله المختار، وان الشعوب الأخرى عليها أن تقر بذلك وان دمها الملوث لن يتطهر إلا بالولاء لاصطفياء الإله. ويشكل حلم تطهير الأرض من الدم الملوث رسالة سماوية أوكلها الإله بمختاريه للنهوض بها. لاتزال اليوم فلسطين تدفع ضريبتها، وحصل ايضا مع الحضارة اليونانية والتي بعدما قهرت الالهة وانتزعت النار المقدسة من زيوس وقهرت العمالقة لم يبقى أمامها سوى ان تنقض من أعالي جبال الاولمب على الشعوب الهمجية وتستعبدها وتسقيها من كاس باخوس نبيذا معتقا وتنير ظلامها الدامس بشعلة حارقة من شمس ابولون، وتعيد ترتيب وتدبير مدنها الهمجية وغير الفاضلة بجمهورية أفلاطون من خلال خلق التناغم والانسجام واحترام ناموس الطبيعة وطبائع الانفس، وخصوصية كل معدن وكل عنصر وما هيأته الطبيعة له، فالشهواني يختلف عن العدواني وعن النوراني والترابي ولا يمكنه أن يرقى للذهبي أو للأثيري، ذلك ما تحقق مع الإسكندر وحلمه بملكوت الأرض ، حصل ذلك مع المسيحية وجهود نقل ملكوت الأب الذي يوجد في السماء إلى الأرض أو رفع ملكوت الابن في الأرض إلى ملكوت السماء، وما تلاه من حروب ودماء إلى حد تغيير جغرافية الأرض وخارطتها وابتداع لغة خاصة وجدولة خاصة للزمن وللاحتفال وطقوس أصيلة في العبادة والعيش وأساليب في التعامل وفنون في البوح والاعتراف والتطهير............وكذلك الفترتين الحديثة والمعاصرة لا تشكلان استثناءا !
قد لا نعدو الصواب إن قلنا أن الكل تم الزج به في هذه اللعبة بما فيهم من فلاسفة ومفكرين ورجال دين ومحترفي علوم وفنون إلا من شذ عن القاعدة وظل يغرد خارج السرب، منهم من أصابه الجنون، ومنهم من رمي في ظلمات السجون، ومنهم من استيقظ بعد فوات الأوان ومضى يصرخ في الفراغ ويلعن هذا الزمن الموحش ويبشر بقدوم الكارثة والنهاية المأساوية وانه لم يعد ثمة من مخرج سوى الانهمام بالذات والدعوة إلى خصوصية ثانية لكنها ليست بخصوصية حضارية أو خصوصية دينية أو خصوصية فلسفية أو عرقية حضارية .........إنها مجرد خصوصية شاعرية وذات أبعاد صوفية جمالية وفنية متجردة من نزوعات أنانية مفرطة في الأنانية لا تروم الذوبان في الآخر أو تقمصه ولا اختزاله ومحو كينونته وتجريده من مقوماته الإنسانية، وبعبارة أوجز تمثل شكلا من العزاء والمواساة لا اقل ولا أكثر.
والحال انه في دعوة الغالبية العظمى من أطباء الحضارة إلى الخصوصية ونزوعهم نحو التحرر والتجديد والتميز والفرادة لم ينتبهوا إلى السم المدسوس في عسل الخصوصية عن حسن نية وكرد فعل عفوي، أو بدافع رد الاعتبار للذات الجريحة، أو من شدة حلاوة عسل الخصوصية وتميزه، ونتيجة لبريقها الذي يعمي الأبصار. وبالتالي من حيث لا يحتسبوا سقطوا في شباك وفخاخ حماة الخصوصية وحكامها وسماسرتها ووكلائهم الذين لا يعدون ولا يحصون، وهي حالة عامة تعم مناخ الكوكب الأرضي واشد كونية من خطاب العولمة بل هي العولمة نفسها. فلا نستغرب إذا ما رأينا هذا التسابق المحموم بين الدول والحضارات كل منها يقدم نفسه على أنه النموذج الأمثل ويبشر بنمط حياة وفلسفة في الوجود وسياسة هي الأمثل، ينبغي على الشعوب الأخرى أن تحدو حدوه من اجل الخلاص. يمكنكم أن تجربوا النموذج التركي فهو الأقرب إلى خصوصيتكم والى تاريخكم الحضاري، فالمشترك أوسع ومجال التناقح والتلاقح اضمن وانسب يساعد على التخصيب والخلق والإبداع، في التعليم وفي التربية وفي الفنون والسياحة والتسويق..... وإذا لم يواتيكم المثال التركي فجاره الإيراني يغري ....أو استلهام الحلم الأصفر فان تكلفته اقل ويسترالعري ويسد الأفواه الجائعة، ويرد الفحولة ويحل العنوسة، كما يصنع بيوتا ورقية وأقفاصا بلاستيكية يمكن أن تحل أزمة السكن التي عجزتم عنها في قرون، في سنة، في يوم، في ساعة، أو في رمشة عين.....لا أحد يدرك إلى أين ستقود رحلة التأصيل للخصوصية والتي نجحت في نحت قاموس مفاهيمي اكتسح جميع المجالات، الفكرية والسياسية والدينية والاقتصادية.......وأصبح موضة العصر وديوان المنابر الإعلامية، وقناة تصريف الأحلام وتحقيق التنمية المنشودة وحبل نجاة من واقع التأزيم يكفي الرقص عليه والتعلق به للوصول إلى بر الأمان. فلا نندهش من إيقاعات الخصوصية والخصخصة والخوصصة والمخاصصة والتخاصص والتخصص والاستخصاص والخاص والخصصوصي...... والتي منبعها واحد وإن تلبست بمظاهر التجديد والتنويع وبصيحات الحداثة......وهي تحمل في احشائها أصولا عرقية وعصابا طائفيا ونزوعات استعمارية تسلطية يتم تصريفها اليوم في فلسفات ومشاريع تجارية عملاقة وفي ماركات عالمية مسجلة تنزع نحو التسلط والهيمنة.
كما أنها(دعوى التأصيل للحلم الحضاري المنشود والمنتظر والموعود) تبدو حجة مقنعة خاصة إذا تمثلنا الحضارة كمعدن أصيل أو كروح كونية تقيم هناك في البرزخ خارج الزمن وبعيدا عن قانون الكون والفساد وأنها في شباب دائم لا يفسدها الدهر أما إذا تبث العكس فان حال هؤلاء يكون كحال تلك العجوز التي ذهبت عند العطار تستجدي أمل استرجاع شبابها فكان جواب العطار أقوى وأفصح من وصفات أطباء اليوم ، وهل يعيد العطار ما أفسده الدهر. وحتى إن افترضنا أن البعض منهم يشبه الحضارة الأصيلة بعشيقة حرون ومتمنعة أو طليقة متدللة حصل الهجران بينهما ويكفي إظهار حسن النية وعربون الثقة ويغدو الميثاق اشد قوة وأكثر من ذي قبل لتعود روح الحياة وطعمها. في الحقيقة إنها ليست نفس الحبيبة وليست نفس الطليقة، وان الحضارة هشة كالمرأة وكالمرآة وكالزجاج لا يشعب كسره، وان سلطان الكون والفساد يأتي على كل شئ فقط لم نتعلم السياحة في الأرض والإنصات للريح. ولكن ما يشفع لدعاة الخصوصية والتأصيل ويضفي على حلمهم الاستمرارية والجاذبية ليس فقط كونية الخطاب ومصداقيته، بل في وظيفته التي تكمن في تأسيس الذاكرة الجمعية وترسيخها، وربط الحاضر بالماضي، وقدرته على تثبيت وتوطيد وتوطين الهوية والانتماء للجماعة، وفي قوته على تحقيق الضبط الاجتماعي واستنهاض الهمم وتحريك عجلة الحضارة واغنائها. للمبررات السالفة يصعب القفز عليه أو تجاوزه، فهو مثل الظل ولا احد يمكنه القفز على ظله، قدر ويظل مصير ومكتوب الإنسانية وقد يكون سر معاناتها وسبب هلاكها ونهايتها.



#محمد_قرافلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 3) ت- أطباء ال ...
- احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 2) ب- أطباء ال ...
- هكذا تحتفل النساء........
- احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 1) الاغراق في ...
- في حضرة الاحلام والرؤى


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد قرافلي - احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 4)غ- أطباء الحضارة والاستغراق في تأصيل الحلم الحضاري