أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حيدر نواف المسعودي - دراسة - نهضة المجتمعات والأمم وسقوطها















المزيد.....


دراسة - نهضة المجتمعات والأمم وسقوطها


حيدر نواف المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 3664 - 2012 / 3 / 11 - 01:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


دراسة
نهضة المجتمعات والأمم وسقوطها
حيدر نواف المسعودي

• مفاهيم قيمية وقانونية

في البدء لابد من الإشارة الى مجموعة مفاهيم أجد من الضروري للقارئ الإلمام بها وفهم مدلولاتها ولو بشكل موجز لأنها أركان هذه الدراسة وهي :
* القانون : الذي هو مجموعة قواعد السلوك الملزمة للأفراد في المجتمع
النظام:هو مجموعة المبادئ والتشريعات والأعراف وغير ذلك من الأمور التي تقوم عليها حياة الفرد، وحياة المجتمع وحياة الدولة و بها تنظم أمورها
* الأعراف :مجموعة من قواعد السلوك غير المكتوبة التي تعارف الناس عليها في مجتمع معين في زمان معين و تواتر العمل بها بينهم الى الحد الذي تولد لديهم الاعتقاد بإلزامها .
* القيم الاجتماعية: هي الخصائص أو الصفات المرغوب فيها من الجماعة وتوجه سلوكهم ,وهي التي تخبرهم الفرق بين الحلال والحرام أو الصحيح والخطأ والجيد والسيئ والتي تحددها الثقافة القائمة مثل التسامح والحق والعدل والأمانة والجرأة والتعاون والإيثار والقوة وهي أداة اجتماعية للحفاظ على النظام الاجتماعي والاستقرار في المجتمع.
* الأخلاق :وهي شكل من أشكال الوعي الإنساني كما تعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين.
* الضمير: هو القوة الخفية النابعة من نفس الإنسان، فتوضح له طريق الخير وتدفعه إلى سلوكه، وتبين له سبيل الشر وتحذره منه، ويشعر الإنسان براحة في طاعة هذه القوة الخفية، وبتأنيب عند عصيانها.
وتؤثر هذه المنظومة الكاملة من المفاهيم في تحديد وتوجيه وتشكيل تصرفات وسلوك الفرد إما مفهوم : *السلوك : بحسب علماء الاجتماع هو تلك الحوادث اليومية في حياة الإنسان ، والأنشطة التي يقوم بها الفرد ويتفاعل من خلالها مع مجموعة من الإفراد، ويتفاعلون معه والسلوك نوعان: الظاهري والداخلي (الباطني).

• القيم والقوانين في خضم الصراع
والآن ماهو دور هذه المنظومة في بناء الأمم والحضارات ورقيها وتقدمها وفي انهيارها وتلاشيها ، فهذه المنظومة تشكل كلا متكاملا في تحقيق ذلك فالأساس هو منظومة القيم والأخلاق ، فعندما يعجز الرادع الذاتي من قيم وأخلاق وضمير في منع الفرد او الجماعة او السلطة من ارتكاب الخطأ او الجريمة او التقصير والإضرار بالصالح العام يصبح للقوانين والأنظمة دور كبير وفاعل وذو أهمية في حماية امن وسلام المجتمع والحفاظ على القيم والأخلاق ومصالح الأفراد والجماعة وصون الحقوق والحريات، ومن هنا كان دور الأنظمة والقوانين في الحد من فوضوية الأفراد والمجتمعات أحيانا عند ضعف الرادع الأخلاقي والقيمي والإنساني ، وأكيد أن للأنظمة والقوانين دور كبير ومهم كعامل مساعد ومنظم لحياة الأفراد والمجتمعات والأمم عندما تتوافر الإرادة لدى هذه المجتمعات على البناء والتقدم والرقي ، والعكس صحيح ففي حالة تراجع قوة القانون عن حماية الفرد والمجتمع فان الأخلاق والقيم الفاضلة والضمير الإنساني تصبح هي وحدها المسؤل عن ضبط سلوكيات وحركة المجتمع والأفراد وعلاقاتهم.
ومن المؤكد أننا لاندعو هنا الى مدينة فاضلة كمدينة الفارابي او جمهورية كجمهورية أفلاطون فكلتاهما مثاليتان الى حد بعيد جدا وطوباويتان، ولكننا نطمح الى مجتمع ودولة وأمة يسود فيها النظام والقانون لينعم الجميع فيها بحقوق وفرص متساوية ، ويكون الجميع فيها سواسية في الحقوق والواجبات ، لا كما هو حادث الآن في بعض مجتمعاتنا العربية والشرقية على الاقل من فوضى بسبب اضطراب منظومة القيم والأخلاق وتراجعها وضعف دورها وتشوهها بسبب ما طرا عليها من قيم وافدة غريبة من جهة ، وبسبب ضعف منظومة الأنظمة والقوانين من جهة أخرى بسبب ضعف المؤسسات القائمة على القانون والنظام وبسبب ضعف أدواته التنفيذية وفسادها وبسبب وجود من يجرؤن على القفز فوق الأنظمة والقوانين كونهم يمتلكون السلطة او القوة او المال ، وبذلك تتحول الأنظمة والقوانين الى مجرد عصا لتخويف الضعفاء وسيفا مسلطا على رقابهم بيد من يمتلك الأنظمة والقوانين والتلاعب بها .
يقول عالم الاجتماع الأمريكي المعاصر لويس كوزر في كتابه وظائف الصراع الاجتماعي : إن الصراع هو مجابهة حول القيم او الرغبة في امتلاك الجاه والقوة او الموارد النادرة "
وفي هذا السياق للتعريف فان الأطراف المتصارعة لا ينحصر اهتمامها بكسب الأشياء المرغوب فيها فحسب بل إنها تهدف إلى وضع المناوئين إما في حالة حياد او أن يقع الإضرار بهم او القضاء عليهم .
• مابين الشرق والغرب
وفي خضم هذا الصراع وبسببه تنتهك القيم والأخلاق تارة والقوانين والأنظمة تارة أخرى ، وقد يكون الانتهاك من قبل أفراد او جماعات او من قبل السلطة، وحالات الانتهاك اكثر بروزا في مجتمعاتنا الشرقية بسبب أن المجتمعات المتقدمة تجاوزت هذه المرحلة ،فعلى سبيل المثال :
ـ لو اتهم مسؤول ما بجريمة سرقة او جريمة أخلاقية وافتضح أمره وأدين فان القضية تأول الى إنها إشاعات سياسية مغرضة او إنها تلفيقات من خصم سياسي بقصد الإهانة والتشهير والتشويه ويبرا المسؤول المدان ، إما حين يتهم المواطن الضعيف والبسيط فانه يدان ويتهم وتثبت عليه الجريمة وان كان بريئا.
ـ وحين تأتي سيارة المسؤول وتضرب طابور السيارات الطويل الواقف على محطة التزود بالوقود مثلا ، فان ذلك يعد أمرا بديهيا ، إما المواطن البسيط حين يقوم بذلك فانه يعد خرقا للنظام وفعلا غير أخلاقي .
ـ وحين يتغاضى عن تفتيش سيارات المسؤول وموكبه في نقاط التفتيش فان ذلك يعد أمرا قانونيا جائز ، إما إعفاء مواطن عادي لحالة إنسانية طارئة من التفتيش عند نقطة التفتيش يعد خرقا للأنظمة والقوانين بل وجريمة أحيانا .
ـ وحين يكون عدد من المراجعين في طابور في عيادة احد الأطباء ويأتي احدهم ويدخل قبل الجميع لانه منتسب امن او مخابرات مثلا ، فذلك جائز وبديهي ، إما لو حاول أي شخص آخر ذلك فانه يعد سلوكا لا أخلاقيا ولا إنسانيا .
ـ و لو دخل جماعة من المسؤولين الكبار الى مطعم ما واهتم بهم أصحاب المطعم مثلا على حساب الزبائن الآخرين ، فان ذلك يعد ضربا من الحفاوة والكرم وحسن الضيافة وان أهمل الآخرين ، حتى وان امتعض احد الزبائن وقال : ( نحن نعطي المال أيضا كما يعطونه هم).
ـ تعطيل الدستور او انتهاكه مثلا من اجل إضافة مادة تتيح للحاكم الحكم مدى الحياة او الترشيح الى الرئاسة الى ما لانهاية من المرات ، او توريث الجمهورية لأبنائه أمر جائز ،إما انتهاك المواثيق والمعاهدات الدولية فيما يخص حقوق وحريات الإنسان او الطفل او المرأة او حرية التعبير والصحافة فهي جائزة وبديهية بحجة حفظ الأمن والسلام والحفاظ على النظام والسلطة والدولة .
ـ استخدام أموال الدولة والشعب من قبل الحاكم لشراء القصور والسيارات والفلل والعمارات وإقامة المشاريع والاستثمارات ، والعيش في رخاء وترف ودعة وبذخ فاحش يعد أمرا طبيعيا ، إما المطالبة بتخصيص الأموال لمساعدة الفقراء والمعوزين وزيادة الرواتب وتحسين مستوى معيشة الفرد ورفع مستويات الخدمات للناس يعد تبذيرا لا مبرر له .
هذه الأمثلة التي تحدثت عنها ليست ضربا من الخيال بالمطلق ، فهي كثيرة الحدوث وبشكل يومي ومتكرر لدينا في بعض البلدان العربية والشرق ، بحيث تحولت الى أشبه بسلوك يومي طبيعي او بديهيات حياتية او أعراف اجتماعية مقبولة وأحيانا محترمة .
أكيد أن هذه السلوكيات قد تجاوزتها أمم مثل أوربا والأمم الأخرى المعاصرة وغادرتها الى الأبد ، لان احترام الأنظمة والقوانين في هذه الأمم أصبح ضميرا لدى هذه الشعوب ولايحتاج إلا نادرا الى وسائل وأدوات لفرضه بالقوة ، كما أن الالتزام بالضمير والأخلاق والقيم الإنسانية لدى هذه المجتمعات عال جدا ، طبعا بمفهوم وشكل الأخلاق والقيم التي حددتها هذه الشعوب هي لنفسها ، وهو على العكس تماما من التزامنا الأخلاقي والإنساني حتى بما فرضناه او اخترناه نحن لأنفسنا ومجتمعاتنا من قيم وأخلاق وأعراف ، أهملنا وضربنا بعرض الحائط التزامها واحتذائها ومغادرتها الى قيم غريبة ومبتدعة.
ولبيان الفرق فقط اضرب هذا المثل الذي جاء على لسان الكاتب الإيراني مجتبى موسوي اللاري في كتابه ( الإسلام والحضارة الغربية) ، حيث يقول :" كان كاتب هذه السطور طريح فراش المرض في إحدى المستشفيات الكاثوليكية في ألمانيا اضطراراً ، وكانوا يباشرون بمراقبتي الطبية وتوفير الخدمات لي بصفتي عالم دين إسلامي ، ولا أنسى حينما كنت بحاجة إلى تزريق الدم ، سألني رئيس المستشفى : أيّ دم يجوّز الإسلام تزريقه في المسلم ؟ فهل يجوز للمسلمين أن يفيدوا من دم غير مسلم ؟ وعلى أي حال فإنّا سنحضر لكم الدم وفقاً لدستور الإسلام !
وفي المجتمعات المتقدمة يعترف الناس بحدود للحرية ، ولا يسيئون الإفادة من الأدوات الحضارية ، فالتلفزيون مثلاً يبث سلسلة من الدروس أو الألعاب او أساليب المعيشة في بلدان بعيدة نائية ، والخلاصة أن أكثر بثه مما يفيد المعلومات العامة .
ولا يحق لأحد عندهم أن يرفع صوت الراديو بحيث يزاحم الجار أو العابرين بحجّة الحرية الشخصية ، ولا يحق لصاحب أي بيت أن يعقد مجالس خاصة للسهرة حتى منتصف الليل فيجعل بذلك جيرانه تحت الضغط والألم الروحي ، بل لا يُسمع صوت الراديو في أي ناحية من المدينة".
يؤكد علماء التاريخ أن الكثير من الأمم والحضارات الكبرى انهارت وتلاشت بسبب انهيار منظومتها الأخلاقية وانهيار النظم والقوانين واستشراء الفساد والظلم وقهر الحقوق والحريات ، مما أدى الى أن تعم الفوضى والاضطرابات وحالات اليأس والإحباط هذه الأمم وبالتالي الى سقوطها ، ونشهد اليوم مثالا واقعيا قريبا لانهيار وسقوط أنظمة ودول بسبب انهيار منظومة الأخلاق والقيم والقوانين ، وان كان يبدو للمشاهد عن بعد أن هذه الدول كانت تنعم باستقرار وهدوء وانسجام ظاهري ، لكن محاولات هذه الأنظمة عن طريق التعتيم وصرف الأنظار وإشغال الرأي العام وكبت الحريات وجعل الأنظمة والقوانين أداة مطاطية طيعة بيد هذه الأنظمة والحكام والمستفيدين من ورائها ، جعلها تبدو أنها كانت قوية آمنة مستقرة وهادئة.
• من النشوء الى السقوط
ويتجلى هذا المعنى بوضوح في مقدمة ابن خلدون من خلال تناوله لموضوع نشوء الأمم وانهيارها فبعد طور الولادة والنشوء يستعرض أطوار انحدار الأمم والدول نحو الانهيار والسقوط وهذه الأطوار هي:
الطور الأول: القيام والنشأة
والطور الثاني: هو ما يسميه طور الاستبداد والاستئثار بالسلطة والسلطان.
والطور الثالث: طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك.
والطور الرابع: طور الخنوع والمسالمة والتقليد للسابقين بحيث يقول الإنسان: أن ما كان عليه آباؤه وأجداده هو السليم.
والطور الخامس: هو الإسراف والتبذير واصطناع قرناء السوء وإبعاد الصالحين الناصحين،
وصولا الى الانهيار والسقوط التام .
ويؤكد علماء التاريخ والاجتماع أن من بين أهم أسباب تفشي الفوضى والفساد والظلم في المجتمعات والأمم وسقوطها هو تراجع دور الأخلاق والقوانين او انهيارها .
وقد ذكر المؤرخ البريطاني الكبير ارنولد توينبي هذا المعنى بقوله: حينما تعجز الدولة عن الاستجابة للتحديات وتفقد قوتها الأخلاقية والقيمية والروحية، فإنها ستنهار وتموت ماديا او معنويا والتي يسميها توينبي: "شرخ في الروح الذي يقود الى موت القدرة الروحية والأخلاقية على الإبداع والتجديد ومجابهة التحديات".
فالأمم والحضارات تموت أساسا بسبب عوامل داخلية. وفي القلب من هذه العوامل الداخلية انهيار القيم والقوة الأخلاقية. ولقد لخص هو بنفسه القضية برمتها في عبارة بليغة حقا عندما قال: (الحضارات لا تموت قتلا، وإنما تموت انتحارا).
إما المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت فأشار في مقال شهير له عنوانه "ما هي الحضارة"؟ الى أن مقومات الحضارة تقوم على أساس:
1. وجود نظام سياسي.
2. وجود شكل من أشكال الوحدة في اللغة كي تكون وسيلة اتصال وتفاعل عقلي وثقافي.
3.وجود معايير قيمية وأخلاقية متعارف ومتفق عليها كي تكون موجها وهاديا وحافزا
4. وجود عقيدة أساسية حاكمة.
5.وجود نظام تعليمي ينقل القيم والثقافة الى الأجيال الجديدة.
وفي رأي ديورانت، فان اختفاء او انهيار بعض هذه المقومات، وأحيانا انهيار واحد منها فقط يمكن أن يدمر الحضارة ويقود الى انهيارها.
وفي كتابات أخرى كثيرة يضع ديورانت الانهيار الأخلاقي في مقدمة عوامل سقوط الحضارة. يقول: "الحضارات العظيمة لا تنهزم إلا عندما تدمر نفسها من داخلها". والأسباب الأساسية لانهيار روما مثلا والحضارة الرومانية تكمن في شعبها وأخلاقياته، وصراع فئاته وطبقاته، والاستبداد الذي عرفته.
إما ادوارد جيبون، ففي كتابه "انهيار وسقوط الإمبراطورية الرومانية"، حدد بدوره خمسة أسباب تفسر في رأيه انهيار وموت الأمم. هذه الأسباب هي:
1. انهيار مكانة وقدسية البيت والأسرة باعتبار إنها هي أساس المجتمع الإنساني.
2. فرض الضرائب المرتفعة، وإنفاق المال العام على الكماليات والأمور المظهرية.
3.تحول المتعة الى أشكال من الجنون.
4. انهيار المسئولية الفردية، أي أحساس الفرد بمسئوليته تجاه المجتمع.
5. انهيار الأخلاق في المجتمع، باعتبارها قوة مرشدة وموجهة وهادية لأبناء المجتمع تفكيرا وقيما وسلوكا.
إما سبنسر فيقول : (ثمة مجتمعات تضعف بعد قوة ومدنا تتقوض وتنحل وتفقد مكانتها ، ودولا يحل بها الظلم والهوان والفقر والتخلف بعد مجد وسلطان ).
• ماقبل النهضة حتى الرقي
وأخيرا وفي قراءة سريعة وفق ماتقدم من رؤى ونظريات لواقع مجتمعاتنا نرى إننا نمر حقيقة في أزمة أخلاقية من جهة وأزمة في تطبيق القوانين والأنظمة والالتزام بها وتحقيق الغاية منها والمتمثلة في سيادة العدالة والحق وقيام مجتمعات تنعم بالحرية والأمن والسلام والاستقرار والرخاء ، في ظل حكومات عادلة منصفة تؤمن بحرية الإنسان وحقوقه وكرامته وانه أسمى وأقدس قيمة في الحياة ، ومن البديهي أن الفوضى لا تستطيع بناء او إقامة أمم او حضارة ومن هنا نجد اكثر من القيم والأخلاق هي ممارسات والتزامات فردية ذاتية يؤديها الإنسان بوازع ذاتي لا بالقوة والقسر، ولو خرج احدنا مثلا الى احد البلدان الأخرى المتقدمة يبهره ما هي عليه من حضارة ورقي وتقدم ويأسف لما عليه نحن من تراجع وتأخر وتخلف فيقول في قرارة نفسه ( لم لانصبح مثلهم ، او متى نصبح مثلهم ) وكان هذه المجتمعات قادمة من كوكب آخر او تملك عصا سحرية ، او إكسيرا سريا جعلها تصل الى ما وصلت إليه ، متناسيا أن هذه الأمم والشعوب مرت بادوار وعصور مظلمة اكثر تخلفا وتأخرا ، يقول ابن فضلان من ضمن وصفه لأحداث ومشاهدات رحلته الى بلاد الترك والبلغار والروس والبلدان الاسكندينافية : (فيصف قوما من الترك بأنه إذا مرض الرجل منهم ضربوا له خيمة يبقى فيها منفرداً إلى أن يموت، وإذا كان فقيراً رموه في الصحراء وتركوه، يصف أقوام الروس وعاداتهم وان من بينها وضعهم للرجل الفقير الميت في سفينة صغيرة ويحرقونها، أما الرجل الغني فيقسمون ثروته، فثلثها لأهله وثلثها يخيطون له بها ثياباً وثلث للنبيذ الذي يشربونه يوم تقتل جاريته نفسها وتموت مع مولاها، ثم يصف حياة شعوب الفايكنغ ( الدانماركيين) كان لملكهم روثغار قصر عظيم "خشبي ضخم، قوي البنيان، مهيب المنظر في مقابل ذلك، رأى بيوت المزارعين متواضعة مؤلفة من "جدران خشبية، الذي سدت الشقوق بين ألواحه بلصاق من طين مخلوط بالقش"أهالي المزرعة ينامون مع حيواناتهم داخل الغرف من أجل الحصول على الدفء الذي تشعّه أجسام هذه الحيوانات) ،( ويعتمد امتلاك السلطة الملكية على القوة، إذ لاحظ ابن فضلان أن الشماليين يفتقرون إلى "قاعدة ثابتة لاختيار زعيم جديد عندما يموت الزعيم القديم، إذ يعتمد الأمر على قوة السلاح اعتماداً كبيراً"(86). ورأى كيف أن أحد أولاد الملك روثغار قد قتل أخويه بين يديه)
وبدراسة الثورات الأوربية بدء بثورات العصور الوسطى التي بدأت في انكلترا في عام 1688والثورة الفرنسية في عام 1789 وما أعقبها من ثورات بين العامين 1820و 1824 تركزت في الجنوب الأوروبي. والثورات بين العامين 1829و 1834، ثم الثورة البلشفية في روسيا عام 1917يتبين أن أسباب هذه الثورات الى الاستبداد والقهر والظلم الذي عانته هذه الشعوب بسبب الانفراد والاستئثار بالسلطة والأموال والموارد وتاليه الحاكم وتوريث الحكم ، وفرض الضرائب العالية وأعمال السخرة وغلاء المعيشة وضعف القانون وتدهوره وعجزه عن حماية الفقراء والعمال والفلاحين والطبقات الكادحة وانتهاك الحقوق والحريات وتعطيل المؤسسات التشريعية من برلمان وغيره، وانشغال الطبقة الحاكمة وطبقة النبلاء باللهو والترف والمتع المختلفة في مقابل تفاقم الفقر والحرمان والأمراض والتخلف والجهل بين كافة فئات الشعب واحتكار الأراضي والثروات وسلب ثروات ونتاج الكادحين من عمال وفلاحين وغيرهم.
هكذا كان حال أوربا والشعوب التي تنعم اليوم بالخير والرفاه والديمقراطية واحترام الحقوق والحريات ، ولكن كيف وصلت الى ما وصلت إليه من رقي وتقدم واستقرار ورفاه ، أكيد ليس بالفوضى العارمة وانتهاك القوانين والأنظمة والأخلاق الإنسانية ، والقفز فوق القيم والقوانين والضرب بها بعرض الحائط ، والتي تودي بروح الولاء والانتماء ، وتدفع الى المزيد من اللامبالاة بكل شيء وفي مقدمتها المواطنة والتي تؤدي الى احداث الفوضى والهروب والانكفاء والاحباط ، بسبب شعور الفرد بحالة من اللا امان والحماية وانعدام العدالة وقوة القانون التي بها يشعر ان ثمة ما هو قادر على تامين حقوقه وحرياته وكرامته كاملة .
يربط سان سيمون بين مفهوم المواطنة وبين العدالة الاجتماعية بل انه ينحاز إلى مفهوم المواطنة معلنا في كتابه ( المسيحية الجديدة ) تخليه عن لقبه الكونت :
(لم يعد ثمة اسياد نحن جميعا متساوون، وأعلمكم بهذه المناسبة أنني أتخلى عن صفتي الكونت التي اعتبرها وضعية جدا أمام صفتي كمواطن ).
هذه هي البداية إذن الجميع سواسية أمام القانون الجميع مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات مهما كان وضع احدهم الاجتماعي او السياسي او السلطوي ، لان مبدأ المواطنة والعطاء هو المقياس الأساس ، ثم اعتقد أننا لا نحتاج الى قوة أخلاقية او قانونية او رقيب لنعلم أنفسنا الالتزام ببعض القيم والأخلاق والقوانين واحترامها ، فاحترام حرية الآخرين وأرائهم ، ومكانهم في الطابور ، والتحاور بصوت منخفض ، وإلقاء النفايات في مكانها واحترام الإشارة المرورية ، وقول آسف عند ارتكاب الخطأ ، والحفاظ على المال والأماكن والمرافق والمؤسسات العامة وأشياء أخرى غيرها لا تستدعي وجود قوة قانونية ملزمة لنلتزم بكل ماتقدم ، ولذلك فان بعض المجتمعات وصلت الى حدود التخلي عن دور الشرطي في الشارع او التخلي عن استخدام الإشارة المرورية وغير ذلك ، لان هذه المجتمعات تعلمت وعبر تجربة متنامية طويلة إن الالتزام بالقوانين والأنظمة والأخلاق هي سر التطور والتقدم والاستقرار لا الفوضى وتحطيم الذات والمجتمع ومقوماتهما .

6/آذار/2012

المراجع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. ويكيبديا الموسوعة الحرة : http://ar.wikipedia.org
2. الموسوعة العربية : http://www.arab-ency.com
3. الموسوعة العربية العالمية: http://www.mawsoah.net
4. مقدمة ابن خلدون – نسخة الكترونية
5. الإسلام والحضارة الغربية - مجتبى الموسوي اللاري - ترجمة: محمد هادي اليوسفي الفروي - مركز نشر الثقافة الإسلامية في العالم - ايران
6. مفهوم الصراع : دراسة فى الأصول النظرية للأسباب والأنواع - د. منير محمود بدوى مجلة "دراسات مستقبلية" ، العدد الثالث - يوليو 1997م
7. قصة الحضارة - ويل ديورانت - نسخة الكترونية – Foxit Software Company, 2004 - 2007 -موسوعة ترجماني - ترجمة هاني البدالي
8. دراسة للتاريخ – ارنولد توينبي – فؤاد محمد شبل – الهيئة العامة المصرية للكتاب - 1994
9. تاريخ البشرية ج1– ارنولد توينبي - ترجمة نيقولا زيادة – الاهلية للنشر والتوزيع – بيروت 1988



#حيدر_نواف_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصعيد الإسرائيلي في القدس .. التوقيت والنوايا والدلالات
- دراسة - المخاوف من حكم الإسلاميين و فشل التجربة او نجاحها
- المزيد من دماء العراقيين من اجل المزيد من تحقيق الاهداف
- خطاب بشار الجعفري تناقضات .. وفضائح..ومؤشرات على انهيار النظ ...
- ستنتصرون أيها السوريون برغم كل شيء ( الحلقة2)
- ستنتصرون أيها السوريون برغم كل شيء ( الحلقة 1)
- لن يصلح الصالحي ما أفسده المالكي
- الدعوة الى ثورة لتطهير دواخلنا وتصحيح وعينا قبل الثورة على ا ...
- وثائق ويكيليكس تكشف عن فوضى أمريكية لا خلاقة ونظام عالمي إجر ...
- لماذا تصر إيران وأمريكا على إبقاء المالكي ؟
- بوادر هزيمة الاحتلال الأمريكي إزاء الاحتلال الايراني
- الديمقراطية في العراق الجديد والاصابة بانفلونزا السلطة المزم ...
- (حكومة بالريموت كنترول ) إلى أين تريد إيران الوصول بالعراق
- يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية(1 ...
- يا لثارات كسرى ...!الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية (2 ...
- يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية ( ...


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حيدر نواف المسعودي - دراسة - نهضة المجتمعات والأمم وسقوطها