|
جمالية الحوار في - مطعم اللحم الآدمي - للقاص المغربي الحسن بنمونة.
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 13:00
المحور:
الادب والفن
جمالية الحوار في " مطعم اللحم الآدمي " للقاص المغربي الحسن بنمونة. ما الذي يجعل قصة قصيرة أكثر نضجا من مثيلتها؟ طبعا تختلف الإجابة على هذا السؤال من ناقد إلى آخر و من قاص إلى آخر ، لكن يبقى في تقديري المتواضع أن تكنيك الكتابة هو الفيصل في تفضيل قصة عن أخرى ، فالموضوعات لا تحدد قيمة النص بل طريقة كتابه ، و أعتقد أن هذا التكنيك يروم بالدرجة الأولى ابتعاد الكاتب - قدر الإمكان عن التجريد و الغنائية المفرطة و البوح و التداعيات ، و لا يتحقق كل ذلك إلا بتجسيد الأحداث ، و النزوع نحو الدرامية و تعدد الأصوات ن، فكلما تحقق للنص شيء من ذلك استطاع نيل إعجاب قارئه. و يعد الحوار من بين التقنيات المفيدة في هذا المجال ، إذ يسمح - إن حسن توظيفه- للشخصيات بأن تكون وجها لوجه مع الملقي دون أن ينوب عنها السارد أو القاص ، ليحكي له ما تفكر فيه أو ما ترغب القيام به .و الحوار تقتبسه القصة من الكتابة المسرحية ، التي لا يخفى على أحد مدى الدرامية التي تتمتع بها ، حتى أن هناك من يطلق عليها الدراما هي نفسها ، و هذه الدرامية ليست سوى الصراع في أبسط تعريف لها. و قد فطن القاص المغربي حسن بنمونة في مجموعته القصصية "مطعم اللحم الآدمي " إلى أهمية الحوار في الكتابة القصصية ، فجعل منه تكنيكا غالبا و مهيمنا في الكثير من قصصه ، و قد استهواه ذلك حتى جعل منه اللحمة الأساسية و المكون الرئيس لنصوص بعينها ، كما هو الشأن في قصص انقلابات ثقافية- آه منا نحن النعامات - حوار صامت- خدمات- سحابة صيف- كن يقظا.. و يتخذ الحوار في المجموعة القصصية أشكالا عدة ، فقد يساهم- مثلا- في بناء الحدث و ينوب عن السرد في ذلك ، كما هو الحال في قصة المحو ، يقول القاص في ص 31 زار رجل شيخا هرما في بيت اعتلى ربوة تطل على القرية تعج بالحياة - مابك يا بني؟ - ارتكبت خطايا ..و انا أريد محوها. -ماذا ارتكبت؟ - قتلت رجلين ، و سرقت بيوتا آمنة و وشيت بأبرياء صاح في وجهه غاضبا - كفى .كف..أهذا كل شيء؟ أجل مولاي أمسك به ثم اتجها صوب بئر بدت مهجورة . دفعه من خلف فسقط فيالحضيض....
و في قصص أخرى يعمد القاص إلى توظيف الحوار للكشف عن مكنونات الشخصيات و ما تفكر فيه ، لهذا كان الحوار استكشافيا لا يساهم بالضرورة في تطوير الأحداث كما هو الشأن في قصة الدمى البشرية التي يقول فيها في الصفحة 27 قبلت ظهر يده شكرا و امتنانا ، فالكتاب كلهم يقولون إنه أبوهم الأدبي - ماذا تكتب؟ - أكتب قصصا. - للااأطفال -لا للكبار - و ما شأنك بالكبار؟ - لأنني كبرت - لم توهم نفسك أنك فتى؟ - سأفعل إن شاء الله. أحيانا يخيل إليك أنك تكتب للأطفال . قد يحدث العكس. لا أحد يرسم قدره
- أنا؟ لست أدري . ما كتبته كان لعبا بالدمى ، أعني الدمى البشرية.... و قد يصبح هذا الحوار عجائبيا أو غرائبيا، يجري على لسان الحيوانات ، تماهيا مع قصص كليلة و دمنة ، و فابلات لافونتين ، كما حدث في قصة " آه منا نحن النعامات " التي أثبت القاص في تصديرها تأثيره بالقاص التركي الساخر عزيز نيسين ، و خاصة بقصته " آه منا نحن الحمير ، يقول القاص في ص 41. - انظري ..يا لهول ما أرى..غريمي. - من ؟ أهو صياد النعام؟ - زوجي الذي يهددني بالرجوع إلى بيت الزوجية.. أمقته مقتا شديدا .. أود لو أقطعه إربا إربا - هوني على نفسك يا أختاه. - إنه يدنو منا.. آه منكم أيها النعام المصاب بالجرب. - لا تدعي الغضب يشل بدنك.. ادفني رأسك في التراب. - لو كان ركلا لهان الأمر.. و لكنه تراب. و يستمر هذا الحوار العجائبي في حوار صامت بين إله الخصب و إله القحط ، يقول القاص في ص 45 - لا أدري ما أصاب هؤلاء البشر؟ أنا إله الخصب أرسل إليهم المطر لأرى النبات يشق التراب ، فلا أكاد ألمح شيئا يذكر. - فهل تتهمني بالخيانة ، و كأنني أنا إله القحط من يقتل زرعهم ؟ - أريد أن أعرف السبب .. ماذا يجريهناك؟ - لن أكتمك سرا إذا قلت لك إنني عطلت أفعالي الدنيئة .. لم أعد أهتم بالبشر.. صرت مشغولا بمرضي و عوزي. و إذا كان القاص الحسن بنمونة قد اختار تغليب كفة الحوار على السرد و الوصف في كثير من قصصه ، فإنه قد التجأ في قصص أخرى إلى خلق نوع من التوازن بين هذه المكونات ، حتى لا تفقد القصة القصيرة هويتها و هذا ما نجده مثلا في قصة "فاوست" ص 61 ، حيث يقول السارد " ها هو صاحب المنزل يخف إلى الباب زاعقا في أولاده و أحفاده .. يطالعه وجه غير مكترث بما يدور حوله ، ينبعث منه الألم ..و لكنه غير مبال. - سيدي .. جئت لأقول لك.. - من أنت ؟ - ألا تذكرني؟ - كلا سيدي .. من أنتظ - قبل ثلاثة عقود أقرضتني مالا.. أ لا تذكر هذا؟ - لا أذكر شيئا. - جئت لأكفر عن ذنبي . أعرف أنني آلمتك لأنك أحسنت إلي.. و لكن لنعقد اتفاقا يقضي بأن تمهلني سنة كلما وقع بصرك علي. و تمضي نصوص المجموعة على هذا المنوال توازي بين السرد و الوصف و الحوار حينا و تغلب كفه أحدها حينا آخر ، لكن تبقى ميزة توظيف الحوار في هذه المجموعة الجميلة جلية و معبرة ن و قد منحت الكثير من النصوص بعدا دراميا واضحا فعمق البعد الموضوعي للقصص و منحها تعددا في الأصوات و الرؤى تحاشيا لهيمنة الصوت الواحد و الوحيد الذي غالبا ما تسقط في شباكه الكثير من القصص.و القصاصين.
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلاغة الارتياب في -شبه لي- للشاعرالسوري سامي أحمد.
-
غواية الرجل و فتنته في -رعشات- للقاصة سناء بلحور
-
الاحتفاء بالتفاصيل في المجموعة القصصية -مملكة القطار- للقاص
...
-
شطحات صوفية في -طيف نبي- للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس
...
-
الفصل الأول من رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.
-
حماقات السلمون أو حينما يعانق الشعر ابتهاجه
-
بلاغة الصورة الشعرية في عتبات العناوين عند الشاعرة رشيدة بوز
...
-
وحي ذاكرة الليل إصدار جدد للأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ.
...
-
متعة أدب الرحلة في -من القلعة إلى جنوة- للكاتب المغربي شكيب
...
-
إصدار جديد للشاعرة رشيدة بوزفور ..تقديم مصطفى لغتيري
-
القصيدة العربية بين البعد الشفوي و الكتابي
-
شهادة مصطفى لغتيري ضمن ملف الرواية المغربية في مجلة سيسرا ال
...
-
المبدعون المغاربة والنقد... أية علاقة؟
-
مرور عشر سنوات على صدور مجموعتي القصصية الأولى -هواجس امرأة-
-
حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها
...
-
الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصي
...
-
**هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
-
المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
-
لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
-
مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
المزيد.....
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|