أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - السياسة والإبداع















المزيد.....

السياسة والإبداع


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 08:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نجح بعض الكتاب فى تسويق أعمالهم المسطحة ، بمقدرتهم المالية أو بمهارتهم المهنية ، أو بالإثنتين . ووزّعوا سماجتهم على النقاد ، فانسحر ( من السحر ) بعضهم بالكرم المادى أو بالخدمة المهنية ، فانبهروا بهذه السماجة التى حوّلوها فى كتاباتهم الى موهبة فذة وعبقرية فى الإبداع . سيطرت علىّ هذه الحقيقة بعد قراءتى لرواية الكاتب محمد القصبى ( عراف السيدة الأولى ) الصادرة عن نادى القصة عام 2001
فى هذه الرواية يدخل الكاتب إلى حقل ألغام ، مسلحًا بلغة الفن : فنجد لغم الرأسمالية العالمية التى لم تعد تكتفى بأساليب النهب التقليدية ، واستنزاف موارد الدول الخاضعة لهيمنتها ( فرض صفقات أسلحة بمليارات الدولارات ولا تستخدم ، فرض سلع استهلاكية ومعمرة لها نظيرمحلى، ترسيخ آلية الاعتماد على الاستيراد حتى فى مجال السلع الغذائية ، القضاء على المحاصيل الزراعية الاستراتيجية ، مثل القمح والقطن ، لصالح الفلاح الأمريكى ، اغتيال الصناعة الوطنية مثل النسيج والدواء الخ لصالح الشركات عابرة القارات ، تسييد الأنشطة الخدمية والصناعة النمطية والتجميعية للقضاء على أية محاولة لخلق نهضة صناعية مؤسسة على قاعدة علمية ) هذا اللغم يجاوره ألغام أخرى ، مثل لغم غياب الديموقراطية فى البلد المنهوب ، ولغم الجمع بين سلطة المال وسلطة إتخاذ القرار السياسى .
تدور أحداث الرواية فى دولة متخيلة أطلق عليها المؤلف اسم ( أفريكاسيا ) التى سيطرت عليها عصابة تطلق على نفسها ( تجمع رجال الأعمال ) الذين تمكّنوا من شراء شركات وبنوك الدولة بأقل من القيمة الاسمية ، مقابل عمولة حصل عليها المسئولون . وكذلك سرقة أموال البنوك العامة تحت مسمى ( القروض ) بالمليارات والتى تطير إلى أمريكا وأوروبا وبلا عودة . ووصل الأمر إلى درجة أنهم (( بقروض البنوك اشتروا القطاع العام )) كما ذكر رئيس دولة (أفريكاسيا) فى لحظة مكاشفة مع الذات ( ص 36 ) .
كانت هذه ( البروفة ) فى نهب أصول وموارد الدولة ، هى التمهيد للفكرة الجهنمية التى طرحتها الرأسمالية العالمية على أحد عباقرة الشر فى دولة ( أفريكاسيا ) ليروّج لها ويقنع رئيس الدولة بها . إنّ الحل والمخرج من الأزمة الاقتصادية هو (( طرح مناقصة عالمية لإسناد شئون الدولة إلى شركة مقابل نسبة من الموارد )) ( ص 57 ) وبالتالى يتم تحويل (( الجمهورية إلى شركة مساهمة عملاقة )) كما كتب أحد كبارالكتاب الحائزعلى صفة كاتب كبير( ص 64 ) ولكى يضمنوا موافقة رئيس دولة ( أفريكاسيا ) فإنهم سوف يضعون ابنه عبد الطيب على رأس مجلس الادارة ( ص 68 )
أول من مهّد لهذه الفكرة هوبطل الرواية (منذرعبد المهيمن) عبقرى الشربمهارة ، الذى تدرج من طالب فقيرفى الستينات من القرن العشرين إلى مليارديريعيش فى قصرفاخر ويرتدى قناع فيلسوف . ويدّعى أنّ له قدرة على التنبؤ وقراءة الكف وتحريك الأشياء من مكانها . بل وله قدرة خروج الجسد الأثيرى من الجسد المادى . والسفربهذا الجسد الأثيرى عبرالزمان والمكان . وله قدرة التواصل مع الأشخاص عن بعد . وكانت السيدة الأولى وبعض المسئولين فى دولة (أفريكاسيا) يذهبون إلى قصره ليقرأ لهم الكف ويطلعهم على مستقبلهم الشخصى وعلى مستقبل البلد السياسى والاقتصادى .
كانت بداية صعود منذرعبد المهيمن العمل مع الأمن ، براتب شهرى ، مقابل التجسس على زملائه فى الجامعة . وكتابة التقاريرعن أنشطتهم . وأقنع نفسه فى بداية العمل مع الأمن أنه يقوم (بمهمة وطنية مقدسة) (ص 104) وفى الجزء الأخيرمن الرواية يعترف منذرعبدالمهيمن للسيدة الأولى زوجة الرئيس أنه هوالحاوى الذى أخرج الحية من جرابه (والحية التى أعنيها سيدتى هى الشركة) (ص 141) أى تحويل الجمهورية إلى شركة عالمية .
واذا كان (المندوب السامى) أثناء فترة الإحتلال العسكرى المباشر،هوالممثل لسلطة الإحتلال فإنّ الرأسمالية العالمية طوّرت نفسها وأصبح مندوبها السامى هوصندوق النقد والبنك الدولى والمؤسسات المالية العالمية التى تفرض شروطها على الدول التابعة ، مثل بيع أصول الدولة المملوكة للشعب لصالح عصابة مجمع (رجال الأعمال) وإلغاء مجانية التعليم وخصخصة كل المرافق الحيوية التى تخدم المواطنين ، مثل الصحة ورفع أسعارمياه الشرب والرى الخ .
تتناول الرواية موقف الأحزاب السياسية فى دولة (أفريكاسيا) فنجد أنّ بعض الشيوعيين يدخلون مسرح الأحداث . حيث يسمح النظام لهم بتأسيس الحزب الشرعى المعبرعنهم . وفى هذه الرواية نرى تجسيدًا للتحالف الذى تم بين الحزب اليسارى والحزب الدينى . وتحالف الجميع مع السلطة الحاكمة. يعرى المؤلف هذه العلاقة فى مشهد جمع بين وجدى الحناوى رئيس حزب الإخلاص الشيوعى وبين الشيخ عبد الرحمن التميمى رئيس الحزب الدينى . فى هذا الحواريتم التنسيق بينهما لتوحيد موقفهما عند مقابلة رئيس الدولة. ورغم الاختلاف العقائدى بين الإثنين ، فإنّ المصلحة الشخصية تربطهما فى سلسلة واحدة . وعندما خاطب الشيخ عبد الرحمن (رئيس الحزب الدينى) وجدى الحناوى (رئيس الحزب اليسارى) ب يا ( أخى ) قال له وجدى ((أخوك فى الدين أم فى الدنيا يا فضيلة الشيخ ؟ )) فيرد الشيخ عليه (أخى فى المصائب التى تداهمنا) ولأنّ وجدى يتمتع بروح الفكاهة فإنه يقول للشيخ عبدالرحمن (( إننى أخشى أنْ يسمعك أحد من رجال حزبك وأنت تنادينى ب يا أخى فيقيمون عليك الحد )) وعندما يقترح عليه كلمة (رفيق) فإنّ الشيخ يرد بعصبية (رفيق.أسطى. معلم. سندرس هذه الأمورفيما بعد. المهم الآن دعوة الرئاسة) ولا ينسى الشيخ أنْ يحدد إطارالعلاقة بينهما فيقول (إياك يا رجل أنْ تظن أنّ ما بيننا يرقى إلى العلاقات الإنسانية. إنها مصالح) (ص 20 ، 21)
وعندما اقترح ممثل صندوق النقد الدولى رفع سعر الماء ، فإنّ الشيخ عبدالرحمن يفسرذلك بأنها دعوة خبيثة تؤدى إلى التكاسل عن الوضوء أولانتطهربعد أنْ نأتى نساءنا . إنها دعوة خبيثة لهدم ديننا الحنيف. فيقول له وجدى الحناوى أنّ مستر(بتلر) ممثل الصندوق سوف يصدر فتوى بجواز التيمم ( 38 ، 39 )
*****
يعتمد رئيس دولة ( أفريكاسيا ) على مستشارخبيرفى إدارة التوازنات . رئيس الدولة يصف رجال الأعمال ب ( المافيا ) ويسأل مستشاره عن موقف رؤساء الأحزاب من رجال العمال ، فيقول له (أمامهم طريقان : إما أنْ يتحالفوا (أى رؤساء الأحزاب) مع فخامتكم ضد رجال الأعمال ، أويقفوا فى الخندق المواجه) فيرد الرئيس (لإسقاطنا) ولكن المستشارالمحنك يلخص لعبة التوازنات قائلا (سقوط مؤسسة الرئاسة سيغرق البلد فى بحرمن الدماء. وليس لأحد مصلحة فى هذا. الكل سيخسر. ولكن تحت مظلة الرئاسة ( حتى ولوكانت ضعيفة ) تبقى قواعد اللعبة. يتصارعون بحدود ليستفيدوا بغيرحدود) (ص 36 ، 37) هذا المستشاريثق فيه الرئيس فيعينه رئيسًا لمجلس الوزراء . ثم يتضح أنه أحد مروّجى تحويل الجمهورية إلى شركة . فيقول له الرئيس (يبدوأنك يا أمين تستعد لمرحلة ما بعد الانهيار) (ص 66)
ولكن ما هو موقف الشعب من تحويل الدولة إلى شركة ؟ إتفق الخبراء فى دولة أفريكاسيا على أنّ الشعب يمثل الأغلبية الصامتة. وأنّ الناس انشطروا بين مؤيد ومعارض . وكالعادة هناك الأغلبية الصامتة. وصمتها بالطبع لصالح المشروع (ص 70)
*****
تطرح الرواية أزمة رئيس دولة أفريكاسيا ، الذى سمح للثعابين (= المافيا) أنْ تبنى أوكارها بمباركته ، ثم يأتى الوقت الذى يتمنى فيه التخلص منهم . وعندما يقول ابنه أنه تبرّع بمليون دولارلجمعيات رعاية المعاقين والطلاب الفقراء فى المدارس والجامعات ، فإنّ الرئيس يرد عليه (تكفيرًاعن أطفال المدارس الذين أصيبوا بالتسمم من الأغذية الفاسدة التى تورّدهــــا لهم) (40) وهورئيس يتكلم عن الحرية وتعدد الأحزاب ، ومع ذلك يؤكد أنّ ديموقراطيته لها أنياب. ويضع أكثرمن ثلاثة آلاف مواطن من كل الأعمارومن كل ألوان الطيف السياسى ، فى السجون دفعة واحدة. وعندما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا تعبّرفيه عن قلقها من انتهاكات حقوق الإنسان فى دولة أفريكاسيا ، فإنّ رئيس الدولة يصدرأوامره بإصداربيان عن انتهاكات حقوق الإنسان فى أمريكا . ورغم ذلك فإنه عندما يشتد الحصارحوله يوافق على تحويل الجمهورية إلى شركة مساهمة. ويرى أنّ ذلك أفضل من تدبيرانقلاب تخطط له وتنفذه المخابرات الأمريكية . كما فعلت فى دول كثيرة ، بحكم خبرته مع الأمريكان .
*****
رغم أنّ الخط الأساسى فى الرواية يتناول خطط النهب المنظم لدولة ما. ودورالصحافة فى تضليل الشعب. وتقلّب الصحفيين من الدفاع عن الاشتراكية إلى الدفاع عن بيع الوطن. ولعبة الأحزاب. والاقتصاد العائلى. وزواج المال بالسلطة. واستغلال النفوذ، مثل دورشقيق زوجة الرئيس فى الرواية ، رغم كل ذلك فإنّ الرواية بها الكثيرمن عناصرالجذب ، خاصة وأنّ المؤلف ذكربعض الوقائع والأسماء التى يستطيع القارىء (المصرى) التعرف عليها بسهولة. كما أنه إهتم بالدخول فى أعماق الشخصيات النفسية والعقلية ، سواء فى صراعها مع نفسها أومع الآخرين. ولاعجب أنْ ينتهى أمرهذه الدولة إلى مجرد شركة يسيطرعليها الأجانب . بعد أنْ سيطرالرأسمال الطفيلى فى السنوات السابقة ، والذى فرض سياسة بيع أصول المال العام . ولا عجب أنْ يكون هذا هومصيرالدولة التى كان المسئولون فيها يستشيرون العرافين لمعرفة المستقبل الشخصى والسياسى. إنها رواية جديرة بالقراءة. وقد ظلمها المناخ الردىء الذى يروّج للمسطح من الأعمال . ويمتلك أصحابها سطوة المال ومهارة الدعاية .
يتمتع المؤلف بأسلوب روائى بديع ، جمع فيه بين العام والخاص ، خاصة الجزء الثانى الذى خصصه للفيلسوف، العراف، الدجال، عميل المباحث، منذرعبدالمهيمن، والذى يعتبرأنّ رسالته إلى زوجة رئيس دولة أفريكاسيا ، نوع من التطهرالنفسى ، لذلك ترك لنفسه حرية أنْ تستخرج المكبوت من العواطف والعواصف .
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ مصرمن ساويرس إلى عبدالعزيزجمال
- هديل الحمام - قصة للأطفال
- نزوات الموج - قصة قصيرة
- ميتافيزيقا الاستشراق
- الإعلام العروبى والإسلامى : إيران نموذجًا
- توأم الروح - قصة قصيرة
- المرأة المصرية والعربية بعد الثورات
- قارئة ودع - قصة قصيرة
- موسيقى من السماء - قصة للأطفال
- عادل لا يقول الحقيقة - قصة للأطفال
- الأحادية المصدرالرئيسى للتعصب
- الغموض الفنى فى مذاق الدهشة
- سمير عبدالباقى وحكاياته مع معتقلات عبدالناصر
- أمونه تخاوى الجان وتوظيف التراث
- عبد العزيز جمال الدين واللغة المصرية
- لقاء البهجة والتوتر - قصة قصيرة
- عادل مطلوب للشهادة - قصة للأطفال
- ثنائية الكمان والبيانو: قصة قصيرة
- الحرية أو الموت : شعار الأحرار
- روح الفراشة - قصة قصيرة


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - السياسة والإبداع