أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشيخ أحمد ربيعة - تراتيل العذاب والتحدي















المزيد.....



تراتيل العذاب والتحدي


أحمد الشيخ أحمد ربيعة

الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 00:50
المحور: الادب والفن
    



بداية أتوجه بالكلام والمحبة والإجلال من خلال هذه المقالة حول ذكرى السجون إلى روح أمي (نبيهة نجم النداف) المرأة المقدامة التي لم تطأطئ رأسها يوما أمام ظالم وقد اضطرت أن تكون زائرة السجون والمعتقلات، باحثة عن مصير الاحبة والاصدقاء. امي التي سرق الفاشيون والقتلة احلامها.

سبق وان كتبت أن بداية تشكيل ذاكرتي السياسية هو البيان الثاني لانقلاب شباط الأسود عام 1963 حيث اعلن اعدام عمي الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ أحمد مع الزعيم عبد الكريم قاسم في ستوديو دار الإذاعة العراقية . تحول بيتنا فيما بعد مقرأً لاجتماعات مجموعة من الشبان المتحمسين ضد الانقلاب وهي مجموعة من المدنين ومن ضباط الصف العسكريين في البصرة، امتدادا لحركة حسن سريع في بغداد. كما صارت حديقة دارنا مكانا لإخفاء بعض الأسلحة الشخصية للمجموعة. لم أكن استثناء في تلك الاجواء، فأنا واحد من جيل ٍ منحدر ٍبالذات من العائلات الشيوعية والديمقراطية تشكلت ذاكرته السياسية على مصطلحات الزعيم، شباط الاسود والحرس القومي ومقراته وجرائمه وانواع التعذيب من قلع الاظافر والعيون وهرس الاجساد وتعليقها بأذرع المراوح السقفية أو إجلاس المعتقلين على القناني ، وغيرها من الاساليب البشعة . في تلك الأيام سمعتُ وعرفتُ أسماء شيوعيين وديمقراطيين مختفين . كما سمعت أسماء السجون/ مثل نقرة السلمان، الحلة، العمارة، البصرة والموقف العام في بغداد وغيرها. جيل كان يحتقر ويتحدى السلطة القائمة آنذاك نتيجة انقلاب دموي. جيل كان يردد في ألعابهِ ( الما يزور السلمان عمره خسارة) او( حجي مشن، سفن اب، راح المرك جاب ك...)أو ( صعد لحم نزل فحم ) وغيرها.
عاش جيلي اللوحة الخلفية للانقلاب، وأول الصور التي تبقى في الذاكرة فيما يرتبط بنقرة السلمان هي سيارة نقل السجناء المشبـّكة إلى محطة قطار البصرة وهتافات واغاني السجناء ودموع المودعين الذين كان معظمهم من النساء وهلاهل بعضهم عند توديع السجناء في محطة قطار البصرة، حين يجلبون كل اثنين مقيدين إلى بعض.
في الذاكرة تبقى دموع النساء والاهل عند عودتهم من الانتظار عند ابواب مقرات الحرس القومي والاذلال الذي كانوا يتعرضون له، متسائلين عن الأحبة المغيبين وفيما بعد(الكوشرات) التي كانت تحمل المعلبات التي تخاط بخام اسمر مع الزائرين الى النقرة حيث عذابات الطريق الصحراوي غير المبلط وعواصف الرمال وسيارات النقل القديمة وغيرها، فرحة لقاءات بعض الاحبة في النقرة وتداول اخبار الاصدقاء من المعتقلين ومن سلم من حادلة الموت الشباطية، مصائر عوائل السجناء ومصائبهم وخاصة العوائل الفقيرة وذات الدخل المحدود وغيرها من الصور البشعة والماساوية التي تشكل هذه اللوحة.
هناك ظاهرة يعيشها مجتمعنا العراقي كما في مجتمعات اخرى وهو ان الاطفال هم شهود وبدون خيار على ما يحدث ، هم إما ضحايا مباشرين أو غير مباشرين لهذا القمع المجنون. زوار سجن، اولاد سجناء ومعدومين، طلاب حرموا من مدارسهم بسب زيارات السجون وغيرها من الصور التي عشناها او ما يعكسه مضمون كتاب عن إحداها وأعني سجن نقرة السلمان .
كان جيل الأطفال الصاعد يخزن صورة تلك الأيام السوداء وهذه المأساة وهذا التحدي، ليعيدها لاحقا قوة متمردة في وجه السلطة الغاشمة ومواصلة نهج الجيل السابق. جيل ترتسم امامه صورة الشيوعين يعبدون طريق المجد، مجد النضال من اجل الشعب والوطن، بالتحدي والصمود والاخلاص والمقاومة مقابل صورة مخزية لمنتسبي الحرس القومي الذين لم يعرفوا كيف يتواروا عن اعين السلطة المنقلبة عليهم في تشرين 1963، ملقين رشاشاتهم ( البور سعيد) التي ارتبطت باسمهم في الشوارع.
ليس غريبا ان ينتسب قسم كبير من هؤلاء الأطفال الى جيل يحمي الحزب الشيوعي في هجمة اواخر السبعنيات سواء في قوات الانصار او العمل السري في داخل الوطن.
قرأت بشغف وإمعان كتاب ( نقرة السلمان) الطبعة الثانية عن دار الينابيع 546 صفحة من الحجم الكبير الذي يتضمن نهايته مجموعة من صور سجناء النقرة فوجدته وثيقة حية عن مجازر انقلاب 8 شباط 1963 وعن صمود السجناء الشيوعين والديمقراطيين في سجن النقرة وفي معتقلات ومسالخ الحرس القومي. هو القطعة الادبية والسياسية الوحيدة من ادب السجون في تلك الفترة بهذه السعة والتفاصيل وصلت الينا. يتضمن الكتاب الفترة من 28-01-1964 الى الفترة 22-01-1967 والتي هي فترة بقاء الكاتب في هذا السجن قبل نقله الى سجن الحلة. ُكتب الكتاب داخل السجن وتم تهريب اجزائه الى خارج السجن ويعود الفضل في اخفاء وحفظ مسودات هذا الكتاب الى السجين الشيوعي سامي أحمد. فقدت من المسودات 200 صفحة، ولم يتم استعادة كتابتها من قبل الكاتب. أجريت على المسودات بعض التعديلات البسيطة قبل صدور الطبعة الاولى عليه.
يرتكز الكتاب على عدة اعمدة ابرزها هي.
1- الحزب الشيوعي والسجين السياسي.
2- القسوة الفاشية بحق السجناء.
3- دور المرأة، الأم والأخت والزوجة في إسناد السجناء.
4- الثقافة داخل السجن.
5- صفحات من تاريخ السجن وتاريخ النضال الثوري في البصرة وثورة تموز.
6- العرفان بالجميل.

ثانيا:
مؤلف الكتاب جاسم المطير حاكي وسارد كبير قادم من قاع المجتمع، يرتدي اسمال الفقراء وهموهم، تعتمد كتابته التسجيل و الملاحظة الدقيقة ومما ساهم في ذلك تجربته السياسية المتنوعة والغنية، فتبدو خبايا الفقراء والشرفاء من ابناء شعبنا واحتضانهم لمناضليه مادة كبيرة لهذا السرد فمن الاختفاء في صريفة محاطة باوحال الطين ، الى تجمعات العمال، الى اجتماعات الفلاحين في القرنة والعمارة والناصرية، بيوت بعض المناضلين الاغنياء، امهاتنا وانحيازهم لقضية ابنائهم العادلة،قضاة شيوعيون وديقراطيون، مفصولون سياسيون، يساريون، ديمقراطيون، شخصيات شعبية ممتلئة بروح النخوة والتحدي، بعض رجال الدين الوطنين، عسكريون، شيوعيون مابين سعة الافق وروح المرح واخرون مابين التجمد والمقاسات الفكرية المحدودة وغيرها من من الوجوه المتنوعة . جميعها تشكل مادة غنية ومتنوعة، اضافة لرغبته واصراره منذ فترة صباه على تطوير قابليتة وموهبتة الادبية ومنحت فترة السلمان فرصة كبيرة له كي يكون كما اراد. السجين جاسم المطير ذو الرؤية المتفائلة مهما اسودت الايام لا ينقل لنا الواقع بتفاصليه عبر رؤية جامدة، إنما ينقل انعكاس هذا الواقع في أدبه ولذلك ترى صوره تأخذ تراكيب متعددة ومستويات مختلفة. الصور الايجابية هي التي ترسم معظم المشهد السياسي في الكتاب وهي صورة غير مفتعلة . هذا الأمر يرتبط بالنظرة للمستقبل والثقة بانتصار قضيته وقضية السجناء باعتبارها قضية عادلة. هي تعبير عن التمسك بالحياة، التمسك بأفكار الشيوعية والعدالة الاجتماعية باعتبارها مشروعا تنويريا يعيد للعراقي ولوطنه كرامتهما وحريتهما والتمسك بحلم ان يكون لنا وطن جميل، نظيف، حنون، رحيم، متمسكا بكرامة الإنسان وادانة اذلاله سواء بافقاره أو تغييب وعيه أو تعذيبه او سجنه او اسقاطه سياسيا.

لغة الكتاب سهلة، سلسلة، شفافة لا تغوص في تراكيب وتضخيم مفردات اللغة. الحاكي لا يريد ان يركـّب او يصنع لنا حدثاً. انه يريد فقط ان يروي ما حدث لاوسع جمهرة من القراء معتمدا ثنائية الجلاد المهزوم رغم كل جبروته على الضحية السجين المسلوب من ادوات المقاومة إلا ارادته.
لم يترك الكتاب مكاناً إلا فضح فيه جلادي شباط الاسود. يروي الكاتب آلامه وعذابه في معتقلات الحرس القومي في البصرة عبر تجربته الحية، رغم ان حجم وشكل التعذيب وكما هو معروف ابشع من ذلك. يؤرخ تاريخ الجلادين فتحي حسين ( رئيس الحرس القومي في البصرة)، الملازم احمد العزاوي او ابو الجبن الذي قتل لاحقا في سوريا ، عبد المطلب أبو طالب، صورة الجلاد وروحه متناولا طعامه وهو يعذب ضحيتة في المعتقل او الزنزانة التي ( لا يؤذن فيه الا الألم والعذاب) أو صباح المدني وغيرهم من قادة الحرس القومي. صور مقرفة وسادية لجلادي الحرس القومي الباحث عن متعة الانتصار على ضحية عزلاء.

عبر سرده وروايته للعديد من الاحداث التاريخية التي هي تاريخ النضال في البصرة او العراق او الاحداث السجنية او عودتة للخلفيات التاريخية او ذكره لآلاف الأسماء، يسعى المطير عبر هذا السرد الذي يبدو في ظاهره عفوياً لجر القارئ الى جدل التاريخ والواقع. القارئ يجد نفسه وسط هذا الجدل الفلسفي وبالتالي امام اسئلة هي: لماذا حدث ذلك؟. كيف حدث ذلك،. هل كان من الممكن ان لا يحدث ذلك،, الم يكن لذلك بديل، واذا هناك بديل فما الذي اعاق ظهوره او انتصاره..؟ هذه الأسئلة وغيرها هي ذات طبيعة فلسفية تبحث عن العلاقة السببية لهذه الاحداث والنتائج التي افرزتها.

ان اسئلة الكاتب جاسم المطير مفتوحة تجر القارئ لتفعيل الذاكرة وأعمال العقل. هذه الاسئلة المفتوحة واقعية مملحة بالمرارة التي هي في جوهرها اسئلة الواقع والتي بقيت بدون اجوبة شافية، قادت العراق الى ماهو عليه الان، لعل أبرزها هو علاقة الدولة الوطنية الحديثة بالديمقراطية السياسية.

من هذا الكتاب نتلمس ازمة المشروع الوطني العراقي الذي ما زلنا نحن اليوم بامس الحاجة اليه اليوم.
ثورة 14 تموز نحرت نفسها حين قمعت وخنقت أخلص وأجرأ المدافعين عنها حين جعلت من ناشطيها وقادتها لقمة سهلة المنال لكلاب شباط وعملت على ايجاد توازن بين هولاء وأشد المتآمرين عليها. لا نستغرب وجود حمزة سلمان أو الشهيد شاكر محمود ( عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، اغتيل في 1972) او عبدالوهاب طاهر ، سامي أحمد العامري، الشهيد وعد الله النجار وغيرهم سجناء في النقرة او في سجون اخرى قبل حدوث الانقلاب.
ازمة المشروع القومي العربي الذي انحدر إلى أسفل مواقع الشوفينية والعنصرية ومعاداة المصالح الوطنية العراقية وغرقه في النهج الدموي الفاشي متحالفا مع قوى الظلام والرجعية من اقطاعين وبعض الظلاميين وكل المتضررين من ثورة تموز. ليصبح البعث العراقي رأس الحربة المسمومة لهذا التحالف المشوؤم، الذي لم يجد سوى القطار الامريكي ليحمله لكرسي السلطة، ولم يكن شباط الاسود سوى ذلك التعبير عن السقوط والمأزق السياسي – الأخلاقي - الفكري لهذا المشروع الذي مازال الشعب العراقي يدفع فواتيره لحد الان.
أزمة المشروع الديمقراطي. ازمة المشروع الشيوعي واضطرابه الذي زاد حدته، قتل واعدام وتصفية ابرز قادته وكوادره واعضائة. اضافة للسجون التي تشهد حتى صخورها لو نطقت على مدى العذاب والصمود الذي ابدوه.
ازمة المشروع القومي الكردي وانجرار قواه للقتال ضد ثورة تموز وتاثير القوى الاقطاعية فيه والتأييد اللاحق للانقلاب وشهر العسل الذي لم يستمر طويلا.

لقد دفع انقلاب شباط الاسود كل المشروع الوطني وبكل اتجاهاته باتجاه الاراضي الرملية المتحركة.
هذه الاسئلة المتلاطمة وغيرها تتسلل بشكل خفي للقارئ لترتفع به إلى التساؤل والبحث.

لا تمتد الكتابة لتوصف المكان الذي ربما يكون القارئ بحاجة له خاصة بعد مرور هذه السنين، فالمكان هو السجن الذي يشغل المساحة الاساسية في الكتاب سواء كان موقفا للشرطة،زنزانة في الامن‘ ملعبا رياضياً تحول لمعتقل، سجنا، مكان اختفاء.
كأن السجن مكاناً عاديأً وهو جزء من التحدي اليومي للسجين، كأنه جزء من الحياة القادمة ولهذا فأن عهود الاضطهاد قادمة وهامات الصمود تتحدى. كأن السجناء يقولون ان هذا المكان لن يطبق علينا ولن يستوعب وجودنا. بنفس الدرجة ينسحب هذا الامر على الزمان. فهو عند السجين زمان شباط الاسود ومابعده انه وقت المجزرة. كأن الكتاب بأمره هذا يهزأ بالمكان والزمان الذي يزحف بطيئا على صدر السجين. أنه اللاوعي في الكتابة الذي يجسد قدرة السجين الخلاقة ان يترك المكان والزمان خلف ظهره. يزدريه ولا يعبئ به ( السجن بطبيعته وبوجوده يعدم الزمان والمكان في عيون السجناء بما يحمله من مرارة وعذاب )ص 394. او ( العذاب هو الشئ الوحيد المؤذن في الغرفة) ص69 او كما يقول فاضل الروضان في (فلسفته)( الوقت في وادي السلمان في ازمة. نحن هنا مهزومون امام الزمن الذي يمضي للمستقبل اسرع منا. نحن ايضا في ازمة لا نعرف كيف نتقدم الى الامام ولا نفر الى وراء) ص 452

يقدم جاسم المطير شخصيات سجنية متنوعة لها طاقات مختلفة ومرتبطة بمصير واحد، لا يركز الكتاب على وصف السجين من ناحية مظهره الخارجي وانحداره وغيرها من المواصفات بحيث تكون لنا صورة قلمية لهذه الشخصيات وهي شخصيات ملحمية في واقع حياتها مثل الشهيد الضابط صلاح احمد، الشهيد وعد اله النجار، يحى قاف، عبداللة رشيد، الدكتور رافد بابان،هاشم الطعان، سامي أحمد، عبدالوهاب طاهر، عبدالواحد كرم، فاضل الروضان، صالح الشايجي، محمد الملا عبدالكريم، ام جاسم المطير، ام زهير الدجيلي، ام شاكر محمود، سميرة محمود وغيرها من الشخصيات، لكن الكاتب يعمد الى توصيف الحركة الداخلية للشخصية، توصيف كتلة العلاقات الداخلية للسجين من حرمانه وعذاباته، اشواقه، قدرته على تجدد اليات صموده، خيباته، ضعفه، تحديه، حبه للاخرين. كأنه يقول لنا ان هؤلاء السجناء عجنوا من طينة هذا الوطن وهذا الشعب. هم ليسوا خارج اطار هذا الزمان والمكان. هم فلذات قلوب العراقيات المعذبات ولكنهم في نفس الوقت اناس يترفعون على الجراح. لم يقدم الكتاب لنا كتلة حديدية صماء من العنف والصمود، انها صور متحركة لشخصيات ربما نفتقد لوجودها المكثف حاليا. هذا سامي أحمد المترفع فوق مرارته يغذي السجن بسعة صدره وحلمة وثقافته العالية ومودته وحبه للاخرين وقدرته للاستماع لهم.. يحي قاف النسر المزمجر بوجه الجلادين والطغاة ( انا يحى قاف يقول الحق ولا يخاف ) .. يحي قاف هذا السياسي المخضرم من زمن الاحتلال العثماني والقادم الى نقرة السلمان، لم يقو الجلادون يوما على كسره واذلاله. الضابط خالد حبيب، صراخات التوديع لوعد الله النجار لرفاقه متوجها ليرتقي منصة الاعدام متحديا، سعد خزعل الدجيلي الذي ( لم يكن شيوعيا منظما لكنه يقدم خدمات للحزب الشيوعي قل نظيرها ) 346، قدوري العظيم الانسان البسيط الذي بقى مشغولا في ان يكون شاعرا. مظفر النواب وتناقضات الموقف من شعره ومنه، جمعة اللامي، هندال جادر الذي يتعلم القراءة والكتابة في السجن ، حرامية الباجة،..الذين كانوا يخففون من صعوبة السجن والسجناء. ( القديس) ابو اسلم( سجين في السلمان بدون اوراق، بدون تحقيق، بدون محاكمة) انه صوره اخرى لبطل كافكا في ( المحاكمة) ،كاكا عمر السجين الذي تجاوز عمره الستين سنة الذي يعمل ولا يتكلم، عبدالقادر البستاني تلك الهامة السياسية والثقافية المنكسرة، زهير الدجيلي، سليم الفخري، نعيم بدوي وتلميذه عربي فرحان الخميسي، فريق العمال وفريق الفلاحين لكرة القدم، كلهم مناضلون يقابلون وجوها من الجلادين الخائبة.
انها شخصات محببة، اليفة، قوية، تعيش بين جوانح مجتمعنا. نتعاطف معها حتى لو كنا على غير اتفاق معها، ونكره ونرفض منطق جلاديها مهما طرح من مبررات لسلوكه الشاذ.

كل ما ذكر كان يلامس القلب ويفجر اقصى درجات الادانة لجلادي شباط وما بعده، عشرات من الصور والمواقف تستصرخ ضمير القارئ ( وهي في واقعها لا تعكس ما حدث الذي كان اسوء واعنف بكثير ) ليجعله يفتخر انه ينتمي لذلك الجيل او انه سلسل ذاك الجيل. انهم اولئك العراقيين الذين حلموا لنا بغد اجمل.
روعة الحكاية عن هذه الشخصيات تشعر القارئ انها تنتمي اليه او انه ينتمي اليها. عندما ينهي القارئ قراءة الكتاب، سيجد نفسه مشدودا لكي يعيد بين فترة واخرى قراءة فصل ما او اعادة فقرة ما او استرجاع شخصية ما او موقف ما. يلاحظ انه رغم السرد الواسع عن هذه الشخصيات تتميز وبلا وعي من الكتاب كتلتان من الشخصيات. الاولى هي شخصيات بصراوية تاتي عبر سرد التاريخ الشخصي ويوميات النضال في البصرة والكتلة الثانية هي شخصيات شيوعي الموصل ورغم كونها اربعة شخصيات( صلاح أحمد، وعد الله النجار، يحى قاف، هاشم الطعان) لكن لها اثرها الطاغي بعد القراءة.

ثالثا

لا يكتب جاسم المطير إلا وتكون المرأة ظل كلماته. باقة ورود جاسم المطير متنوعة الألوان، مختلفة ولكهن يشتركن في ميزة واحدة وهي كونهن سارية الشراع. هن النسغ الصاعد لصمود (هؤلاء المتمردين على الموت). كانت المرأة في تلك الأيام السود هي الذراع الاساسي في الحركة، فالكثير من العوائل لم يبقى فيها رجال بسب الاعتقالات، اضافة لخوف العوائل على رجالها من اعتقالهم ولمجرد الشبه او شمولهم بالتهم الموجه لاقاربهم او اصدقائهم ومعارفهم مما يعرضهم للاعتقال في اقبية الحرس القومي المهووس بالقتل والتعذيب، وبالتالي تفقد العائلة معيلها. النساء في تلك الايام السود كن جبروت اللوحة الخلفية لسجن نقرة السلمان وكل المعتقلات والسجون الاخرى. ظلت المرأة العراقية النجيبة تدفع فاتورة الانقلاب يوميا وفي هذه اللوحة الخلفية يمكن ان تجد او نتذكر مأساة مخيفة. فقد فقدت عوائل عديدة معيلها الوحيد ونكبت امهات باولادهن وبناتهن واقرب الناس الى قلوبهن. مأساة لم يروى منها وللاسف الا بعض النتف القليلة.
( نساء السلمان ) كرجاله لم يكن لهن توصيف سوى الصورة التي تترتسم في الذهن عن حركتها وفعلها في التاريخ والكتاب. هي صورة مقاربة في مخيلة القارئ لوجه عراقيات قد تكون امه او اختة او زوجة اخيه ام من المعارف والاصدقاء من اللاتي فرض عليهن السير في هذا الطريق المعبد بالعذاب. توصيفهم الاساسي هو تحديهن وصبرهن والقدرة عن كبت العاطفة الجياشة لتكون سندا حقيقيا للسجين. هن من اجيال وانحدارات وثقافات مختلفة، لا تقوى ظهورهن على التقوس او الانحناء، روؤسهن شامخة.
مقابل هذه الصورة الزاهية، هناك من يستصعب عذاب هذا النفق ويجد نفسه غير ملزم به، هناك صورة لنساء سواء التي اشار اليها الكتاب او مما هو معروف من ادرن ظهورهن لهذا الامر. هناك عذابات لاحقة للكثير من السجناء لاحقت حياتهم حتى بعد اطلاق سراحهم حين تحول السجن الى قوة تدمير متواصلة ليس لواقع الحياة اليومية انذاك وانما للمستقبل القادم. هناك من تركته زوجته او حبيبته، هناك من خطف الموت اعزاه.
تعالوا نلامس ورود جاسم المطير فهي ستتحدث عن نفسها عبر تسجيل حركتها داخل التاريخ والكتاب.
فطومة راهي تلك المرأة التي تتصدر مظاهرات البصرة بعبائتها السوداء، مكشوفة الوجه، قارئة للشعر في مظاهرات البصاروة في 1930. ماجدة الشهباز ( عضوة اللجنة النسائية في البصرة)، انعام العبايجي تتحدى الجلاد في مقر الحرس القومي في البصرة. الرفيقة سليمة االممرضة التى تسعى لتدبر هروب جاسم المطير ، عايدة ياسين( طالبة ثانوية_ صفيت من قبل النظام بعد اعتقالها في الثمانيات حيث كانت تقود تنظمات الحزب السرية)، زوجة زهير الدجيلى اعتقلت وهي حامل لمشاركتها في مظاهرات احلال السلام في كردستان واطلاق سراح السجناء وولادة ابنتها البكر (هدف) في السجن قبل 1963، والدة الفريد سمعان، ام الشهيد فيصل الحجاج وعذابات احلامها وامنياتها وحين تبقى عينها على الدرب بانتظار عودة ابنها الذي لم تعلم باستشهاده في قصر النهاية.
نفس المأساة تتكرر على ايدي البعث حين تبقى أمهات الشهاء ناهل( نجيب هرمز)، ابو شهدي (عطية زايد)، دكتور عادل واخيه ابو فيروز بانتظار اولادهم المقطوعة عنهم الاخبار.
أم شاكر محمود التي تختصر مسافة النقاش مع الجلادين الذين يسألون عن ابنها الهارب من ايديهم وفي مخلتف الفترات وهي تجيب على اسئلة المحققين : لا أعرف مكانه لكنني أعرف بانه يناضل.
ام طه ياسين ( كرب السكية) والمقصود ( كروبسكايا) ، نظيمة وهبي التي تسمي الكتب ( قوى العقل ) والنشرات ( محرك العقل ). ولنتوقف قليلا عند جسارة وعزة نفس أم السجين الشيوعي محمد منير سلمان ( ابن اخت يوسف كشمولة) الشخصية المتنفذة في الاوساط الحكومية انذاك حين يشمت أحد اخوتها ويتصور بانها ستطلب التدخل منهم لانقاذ ابنها عند ذاك ترفع نعالها صارخة ( ساقطع لساني بيدي ان تجاسر وطلب منكم الرحمة لولدي) ص 45 .
أم زهير الدجيلي الشاعرة والمناضلة المتحدية. تلك النخلة الباسقة من اراضي الناصرية التي يتلوى ناسها بالظلم والعذاب. امرأة تهرب لاولادها الشعر الشعبي بما يشحن معنوياتهم.
ام كلثوم زائرة السجين بدون دعوة او رغبة منها. مالكة المشاعر والعواطف المتفجرة، حين تختلي باغانيها يوم الجمعة بالسجين وترش الملح على اشواق اللقاء وترحل بالسجين في متاهات الذكرى. اها ياعذابات الذكرى واشواق اللقاء. نزيهة الدليمي وتواصل الاحاديث عنها بين السجناء . شمس الملوك ودموعها الناطرة عودة اخيها الدكتور عبد اللطيف عباس ، ام السجين موسى كاظم، ام السجين شاكر محمد الحيدر.
مع كل هذا تتواجد شخصية ام جاسم وزوجته الفقيدة سميرة شاكر كنخلة يتظلل في فيئها الكتاب، امه هي التي صاغت خطواته الاولى في هذا الطريق وتحملت عذاباته وشاركتة دربه وخياره، بل انها خاضت غمار هذا الخيار قبل ابنها، ايمانا منها بعدالة هذه القضية. عذابات لا يقوى على تحملها الا الام.
تواجد هاتان الشخصيتان كلازمة في اغنية السرد هذة، ويكتب جاسم المطير واحدا من الفصول الجميلة في بطولة امه ( السجين مقيد بالزمان اكثر من المكان )، انه اعتذار متاخر لعذاب امه التي لم يكن له فيه ذنب ذو سوى انه اختط طريق النضال المشرف من أجل شعب ووطن يحلم بالكرامة والامان. ومن منا من لايريد ان يقدم لامه هذا الاعتذار بسب خياره الواعي والمكفل بسب عنف وارهاب الجلادون المنفلت.
لم يكن من شئ من الغرابة ان يلتقط حس الشاعر المرهف والصامد مظفر النواب ليبدع في واحدة من اروع قصائدة ( البراءة ) لتكون صورة الام والاخت مادة حية توقف عمليات الانهيار التي كانت تقودها السلطة ولتصبح مشعل يشد العزيمة الى الامام.

رابعا
ان معادلة السجن بين الجلاد والمناضل تقوم على اساس ان يفرض الجلاد نظامه وسلطته على حياة المناضل السجين وتفاصيلها من اجل كسر تحديه واصراره ومن ثم انهياره. مثلا تجد كثيرا في الاعتقال ان يعذب المناضل من اجل النطق باسمه او ان يقول آه او ان يصرخ من الالم.
بنيما يسعى السجين السياسي لان يحول حياة السجن والتي هي خيار وعذاب مر الى حياة عادية رغم كل التعقدات المحيطة بها، يتآلف معا بعناد واصرار ثوري ( نحن كائنات طبيعية قبل دخولنا الى السجن وسنظل كائنات طبيعة داخله مهما بلغت قسوته) ص 37.
تكمن قوة السجين السلماني في تجديد ارادته وعزمه وخياره الواعي للنضال من اجل مصالح الشعب والوطن من خلال تنظيم الحياة السجنية والبحث عن سبل ازالة التوترات والسعي لرفع مستواه السياسي والتواصل مع الاحداث الساسية والثقافية والاجتماعية وغيرها خارج اطار السجن. بناء ثقافة متتعدة الجوانب تكون مواجهة لسلوك ونهج السلطة واسالبيها. هنا يجرى تحدي القسوة بالثقافة. كانت السلمان مدينة الثقافة البديلة لثقافة السلطة وعنفها، وللسجناء الشيوعيين كما هو تاريخ حافل في تنظيم الحياة السجنية. ارسى اسسه وضوابطه باني الحزب الشيوعي العراقي الخالد فهد. الحياة اليومية هنا منظمة على اساس الوعي باهميتها واهمية المشاركة بها سواء في المطبخ او جلب ماء الشرب وتوزيعه والاكل والطبابة التي تزخر بـ 18 طبيبا أخصائيا من خيرة الاسماء المعروفة في مجالات اختصاصهأ. ساعة الراحة، فرق الرياضة المتعددة ومسابقاتها، تنظيم الخفارات السجنية، مزرعة السجناء وغيرها من جوانب الحياة السجنية والتي يرسم الكتاب الكثير من جوانبها. في جمهورية السلمان الديمقراطية تنهض الثقافة بكل قامتها فدورات محو الامية تعطي السجين الأمي ما لم تعطية الدولة المصونة. دورات تعلم اللغات المتعددة، دورات الاقتصاد السياسي.
جريدة يومية تعتمد الانصات السري وتحوي غير الاخبار السياسية، اخبارا وتقاريرا ادبية وفيها صفحة ادبية اسبوعية في البداية وبعد فترة كانت الصفحة الادبية تصدر يوميا. بهذه الجريدة ارتبط نظام كامل من الفرق المتعددة. فريق الانصات، فريق التحرير، فريق الاستنساخ الذي كان يعد عشر نسخ من الجريدة والتي يجب ان توزع صباحا بين السابعة والسابعة والنصف، الافتتاحية التي تكتب من اشخاص محددين، قارئ الجريدة ( المذيع) داخل القاوش والذي يجب ان تتوفر فيه ثلاثة شروط. مكتبة تنمو وتتوسع ولها شروط التبادل والاستعارة بين السجناء، هنا بديع عمر نظمي يترجم بطلاقته المعهودة وهنا الشاب محمد الملا عبدالكريم لا يبخل باي معلومة على السجين السائل، انه مكتبة المعارف المتنقلة، هذا الكردي الضليع باللغة العربية. هنا سعدي الحديثي يخرج باغانية الناس من ظلمات السجن الى عالم النور. هنا عزيز سباهي وهاشم صاحب و فاضل ثامر، هنا سلمان العقيدي ( المترجم المختص بالادب الانكلزي) يدافع عن شعر مظفر( الشاعر محارب شجاع يتدرع بالرؤية والحركة والحياة.. دعوه يتحرك ويحيا)ص361 وغيرها من وجوه الثقافة والمعرفة والتي كان يزخر بها السجين.
الثقافة هنا ترسم حدودها مع الايدلوجية، وتهرب من سلطتها ورقيبها. هنا يتحول تسائل السجين جاسم المطير في بداية دخوله النقرة( ياترى هل يتاح لنا في هذه النقرة ان نتحرر من الجمود على ثقافة واحدة وان نعبر الى ثقافات اخرى) في الممارسة الى واقع ملموس.
في ظل هذه الاجواء من الديقراطية السجنية وتواجد نخبة واسعة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي وفي ظل واقع سياسي مرير وملتبس سواء على المستوى الحزبي الداخلي او عموم الوضع السياسي عراقيا وعربيا وعالميا. كل هذا وغيره يقود الى اعادة النظر بالعديد من المفاهيم والموقف وعلى كل المستويات. عموما يمكن إجمال هذا الأمر بسؤال واحد وعريض وهو حرية واستقلالية الرأئ والتفكير. صحيح انه في السلمان لم يجري إعداد مشروع وثيقة لتقيم ما حدث وبالذات بعد 14 تموز 1958 خوفا من يقود هذالامر الى انفجار الاوضاع الداخلية للسجن، الا انه في الواقع العملي كان يجري خوض مخاضات هذه الاسئلة التي تتعلق بالديمقراطية الحزبية وأساليب العمل، تقييم ثورة تموز، الديمقراطية الاشتراكية والديقراطية الغربية والتي يجد فيها السجناء القرب اليها، طبيعة التحولات الجارية في البلاد، الادب الوجودي، ولعل ابرز هذه الاسئلة هو الموقف من الابداع والذي تجسد بالموقف من ابداع الشاعر مظفر النواب وحريته في التعبير ما بين المساند والمعارض.
هذه الاشكالية في كيفية تعامل الحزب الشيوعي مع الابداع وبالذات الشعر في واقعها لم تكن جديدة وهي اشكالية قديمة ويظهر ان ظروف السجن ألقت بظلالها الوخيمة عليه، ولم يجري بتقديري صياغة موقف موحد وسليم، ظل الموقف في هذا المجال مضطربا الى نهاية تسعينيات القرن الماضي. وهو لحد الان بحاجة الى الكثير من الاغناء والتطوير وخلق الاجواء المناسبة بين الالتزام الحزبي او الفكري وبين الابداع.

خامسا
ان احد قيم الكتاب تكمن في محاولة اعادة النظر الحقيقة او جملة الحقائق التي مرت، ان التاريخ لا يكرر نفسه الا بشكل ساخر ولكن المطلب تدقيق وجهة النظر في تقيم هذا التاريخ. لقد أرخ الكتاب للقسوة التي كانت السلوك المطلق في شباط الاسود. قسوة السجن والصحراء والحرمان. قسوة الغربة في وطن تعشقه. قسوة مهزلة الايام والقدر التي جعلت من هولاء وغيرهم سادة بلد وشعب كالعراق.
عبر سيرته الذاتية وسيرة النضال العام ارخ الكاتب لتاريخ النضال الوطني في البصرة في خمسنيات وبداية وبداية ستنيات القرن الماضي والذي كان الشيوعيون في صلبة وفي أشد اعماقه. ارخ الكتاب لصفحات مهمة من ثورة تموز واضطرابتها
ارخ جاسم المطير مؤلف الكتاب لبطولات فردية وجماعية مغيبة عن وعي وتاريخ العراقين وهي عديدة. قطار الموت، قافلة الموت وهو امر غير معروف الا بشكل نادر حيث جرى نقل 500 سجين سياسي بعد فشل حركة حسن سريع من معسكر محمد القاسم في البصرة في عربات عسكرية عبر الصحراء الى سجن النقرة، كان الغرض الأساسي من ذلك، ابادتهم على نفس طريق قطار الموت. أتمنى على الصديق العزيز عباس كاطع الفياض ان يكتب عنها حيث كان احد ضحاياها. أرخ لحركة كان من المقرر ان يقوم بعض قطاعات البصرة مشابه لحركة حسن سريع وقبل موعد حركة سريع تنطلق من البصرة ولكن...
أرخ المؤلف لصفحات من التآمر على ثورة تموز من خارجها ومن داخلها، واعادة قراءة واحدة من صورها المأساوية وبصورة صادقة في الاحداث التي قادت لاعدام الشهيدين المغدورين عبداللة رشيد وكريم حسين اللذين اعدما وعلقت جثثهما في البصرة. عبر هذه التواريخ العديدة لم يفت جاسم المطير ان يذكر بالعرفان الشخصيات الجميلة والشريفة التي وقفت معه ومع مناضلي شعبنا في تلك الايام السوداء والتي تعكس الروح الشعبية الشهمة للعراقين، فيصل حمود الشخصية القومية المستقلة وصاحب مكتبة الفكر العربي في البصرة القديمة، الحاج عباس الانصاري، سلمان النجار ( ابو داود) صاحب معمل نجارة ذلك الرجل الشريف، الشهم، الرحيم والذي ترتسم صورته لحد الان امامي.
ارخ جاسم المطير للشخصيات العابرة والمنسية ومن عامة الناس، اولئك اللذين سعوا بكل صدق وشرف وبطولة ان يلعبوا دورا في صناعة الايام والمستقبل ولم يتوقف جاسم عند الاسماء الكبيرة والبارزة والمعروف. انه العرفان بالجميل لكل اولئك الامجاد الذين مر بهم.
حتى السجان لم يكن امامه جلاداً لكونه سجان فبين هولاء الكثير من الوجوه الطيبة، التي كانت تتعاطف وتساعد السجناء. (فالسجين والسجان هما في النقرة اسرى الصحراء والرمال رغم اختلاف وظائفهم ) ولا تجد في الكتاب صورة سوداء لمدير السجن او السجانين.

اذا هناك مايستطيع ان يكتبة جاسم عن طاعون شباط الاسود وبطولة التحدي والتصدي له وينقل لنا صور مفعمة بالحياة عن هؤلاء المعذبين والصامدين والمسكونين للاعماق باحلام الغد الوضاء، فماذا يستطيع ناشروا ذلك الطاعون الاسود ان يكتبوا عن تلك الفترة. هل يستطيع الجلاد ان يرفع عينه ليقرأ تاريخ شباط الاسود 1963؟ مهما ادار لسانه في فمه فانة لن يستطيع ان يصوغ كلمة شريفة لذاك التاريخ المجلجل بالخزي والعار. كتب البعض منهم ولكنه لم يجرؤ الا ليقول انه كان الاقل اجراما وقتلا. من اين جاءت قطعان شباط الاسود بتلك القسوة والاساليب المبتكرة في التعذيب البشع وهرس الاجساد ؟ اي خزين فكري وسياسي واخلاقي شكل القاعدة الاساسية لذلك السلوك المنحط.
انه تاريخ حددت اتجاهاته قوى الفاشية المتحالفة والمدعومة من اكبر القوى الرجعية داخليا وخارجيا .لقد دفع وما زال يدفع ابناء شعبنا فواتير تلك العذابات .

اتمنى ان اوفيت الكتاب وحضوركم حقة
شكرا لاستماعكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المداخلة ألقيت في ندوة توقيع كتاب ( سجن نقرة السلمان) في مدينة لاهاي- هولندا – قاعة المنتدى المندائي - يوم 24 – 2 - 2012



#أحمد_الشيخ_أحمد_ربيعة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل جبهة واسعة لاسقاط نظام المحاصصة
- حول الفدرالية3-3
- حول الفدرالية3-2
- حول الفدرالية
- دراما النضال من اجل يوم مشرق
- شمعة من اجل ضحايا الانفال
- الذكرى العاشرة لتاسيس اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في ...
- خراب الدعوة ام خراب البصرة
- ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدر ...
- ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدر ...
- ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدر ...
- هل فتح المالكي باب جهنم؟
- الشيوعي والعراقية، من ؟ خسر من؟
- الذكرى الثلاثون لاستشهاد الطالب الشيوعي جمال وناس
- هل ستستوعب الحركة القومية الكردية العراقية الدرس؟
- جند السماء ومحنة حقوق الأنسان
- الى اي حد سيدعم الشيوعين حكومة المالكي؟
- القراءة الخاطئة لبيان الحزب الشيوعي العراقي حول تضامنه مع ال ...


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشيخ أحمد ربيعة - تراتيل العذاب والتحدي