أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)















المزيد.....

استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


(تضمّن الجزء الثاني من برنامج تكريم الدكتور الراحل عبد الجبار عبدالله أربع فقرات رئيسية وهي كلمة العالم العراقي د. عبد العظيم السبتي، وكلمة مقتضبة للدكتور طارق العمادي. وإطلالة موسيقية للفنانة تارة الجاف، إضافة إلى الحلقة النقاشية التي تألفت من ثلاثة أساتذة معروفين وهم د. جاني كسّاب، د. إبراهيم الحيدري والدكتور غازي درويش.

لم يكرَّم في حياته
لابد من الإشارة إلى أن د. عبد العظيم السبتي، المختص من فيزياء الفلك، هو من أقرباء الراحل، وهو علامة فارقة في اختصاصه، إذ اكتشف قبل بضعة سنوات كوكباً يسمّى باسمه، لذلك فإن كلمته لها معنى خاص في هذه الاحتفالية. أكّد السبتي أن أهمية الاحتفال بالذكرى المئوية لولادة د. عبد الجبار عبدالله هي لاستذكاره أولاً، واستخلاص الدروس والعبر من مسيرته العلمية والأكاديمية والوطنية. يشعر السبتي، وربما كثيرون مثله، بغصّة لأن عبد الجبار لم يُكرَّم في حياته، وإنما كُرِّم بعد مماته، وهذا يدل من وجهة نظره (أنه رمز متميّز لا يقدّره مجتمعه إلا بعد وفاته). أشار السبتي إلى أن حياة عبد الجبار كانت قصيرة نسبياً، إذ توفي عن (58) عاماً، لكن إنجازاته العلمية والثقافية كانت كبيرة في حقل اختصاصه الذي جمع بين فيزياء الجو والرياضيات العالية جداً وخصوصاً فيما يتعلق بالمعادلات الناقصة الجزئية. توقف السبتي عند المراحل الدراسية لعبد الجبار عبدالله التي باتت معروفة، كما أشرنا سلفاً، ولكن لابد لنا من التنويه إلى مشاركته في تأسيس جمعيات وطنية ثقافية مع عدد من زملائه المعروفين مثل محمد حديد، حينما بعث لنيل شهادة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في بيروت، غير أن الدولة التي بعثته لم تستطع أن تجد له عملاً في حقل اختصاصه حيث عُيِّن مدرساً للغة الإنكليزية بعد تخرجه وعودته من لبنان حيث أتقن فيه اللغة الإنكليزية والفرنسية. يرى السبتي أن المرحلة المهمة في حياة عبد الجبار هي الفترة الممتدة من 1937-1941 التي قضاها كمساعد راصد جوي في مطار البصرة ويعتبرها شخصياً بأنها أحدثت تغييراً جذرياً في مسيرته العلمية. ذكر السبتي بأن حقبة الحرب العالمية الثانية 1939-1945 قد شهدت هجرة عدد هائل من العلماء، سواء من أوروبا أو بقية بلدان العالم إلى أميركا التي استقطبتهم، ورعتهم، وقدرّتهم حق تقديرهم ومنهم العالم الألماني ألبرت أنشتاين وغيره الكثير. وفيما يتعلق بعبد الجبار عبدالله فقد سافر إلى أميركا بزمالة عام 1946 واحتضنته أميركا متيحة له الفرصة لنيل درجة الدكتوراه في معهد ماسوتشوستس للتقنية (MIT)، وحاولت التمسك به غير مرة حيث أبقته كأستاذ وأستاذ زائر لعدد من السنوات ذلك لأن اختصاصه (الأعاصير القُمعية والزوابع) مهم جداً بالنسبة لبلد مثل أميركاً يتعرض غالباً لمخاطر هذه الأعاصير المدمرة. وعلى الرغم من المغريات الكبيرة التي قدّمتها أميركا له إلاّ أنه اختار الطريق الوطني وقرّر العودة إلى العراق لخدمة وطنه حيث عيّن في دار المعلمين العالية للفترة من (49 إلى 52 ومن 55 إلى 58) ثم عين لاحقاً أميناً عاماً لجامعة بغداد وبعدها فصل من الوظيفة في عام 1963 حيث تعرّض للاهانة والتعذيب على أيدي الجلادين البعثيين كما أشار أهله وذووه ومعارفه الذين تحدثوا في الجزء الأول من حفل التكريم. تحدث السبتي بشكل مختصر عن أسباب الأعاصير وكيفية حدوثها ولخّصها بأن التقاء الهواء البارد والساخن في منطقة معينة يسبب ظواهر جوية مدمرة. أما الآن فإن العديد من الأعاصير يمكن رصدها بواسطة الأقمار الصناعية، ولكن لا يمكن التنبؤ بها بدقة فحتى الآن يقولون بأن مسار هذا الاعصار قد يكون من هذه الجهة أو تلك! غير أن سرّ نجاح عبد الجبار عبدالله في تنبؤاته العلمية هو خلطه بين الفيزياء والرياضيات والأنواء الجوية. وقد درّس عبد الجبار الموجات الجوية، والطاقة المتولدة منها، والسرع الجماعية، وطبّق نماذج رياضية غير مسبوقة في حينه. أشار السبتي إلى أن عبد الجبار قد ركّز على (عين الإعصار)، سرعته، وحركته، وتوصل من خلال بحث رائع إلى صوت النغمة الموسيقية التي تنتج عن الإعصار. قرأ السبتي خلاصة بحث قصير ومكثف كتبه زميل له في جامعة (UCL) وهو البرفيسور ألين إيلوورد يوضح فيه كيفية حدوث هذه النغمة الموسيقية الطريفة التي تنتج عن عين الإعصار. تساءل السبتي عن سبب التركيز على العالِم عبد الجبار عبدالله بينما أنتج العراق العديد من العلماء والعباقرة في مختلف الاختصاصات؟ وكان جوابه على هذا التساؤل الذي يردده بعض العراقيين كالآتي: لقد هاجر العديد من علماء الدول النامية إلى أميركا، وقد قدموا خدمات جليلة للعالم وحصل بعضهم على جائزة نوبل. وفيما يتعلق بعبد الجبار عبدالله فقد هاجر أيضاً وقدم خدمات كثيرة لأميركا، كما قدّم الكثير من خبراته للعراق، وهذه هي ميزته الرئيسية أنه أنتج في الداخل والخارج، فلاغرابة أن يبقى في ذاكرة العراقيين جميعاً.
وقبل أن يختم السبتي حديثه قال إن هذه الصورة التي ترونها على الشاشة هي صورة لطالب مجتهد اسمه طارق العمادي وهو يتسلم شهادة التكريم من الدكتور عبد الجبار عبدالله آنذاك. وقال العمادي بأنه احتفظ بهذه الصورة لأن ( د. عبد الجبار إنسان عظيم حقاً، ليس بعلمه حسب، وإنما بإنسانيته فقد كان يأخذ الكفاءة ويضعها في مكانها الصحيح. وقد أفدت منه في مسيرتي العلمية والأكاديمية حيث طبّقت أسلوبه في التدريس والإدارة الجامعية).
شاركت الموسيقية العراقية وعازفة الهارب (القيثارة) تاره الجاف بتقديم عدد من المقطوعات الموسيقية العربية والكردية، وقد أضفت موسيقاها جواً رومانسياً مختلفاً على الحفل على الرغم من قصر المدة الزمنية التي كانت مخصصة لها.

تصنيف الجامعات
اشتملت الحلقة النقاشية على ثلاثة متحدثين كان أولهم الدكتور جاني كسّاب الذي قال بانه تعرّف على عبد الجبار عام 1956 بعد رجوعه من إنكلترا وتعيينه في قسم الرياضيات بكلية العلوم، ثم بدأ التدريس لمادة الإحصاء في دار المعلمين العالية وتعرف على المرحوم في فترات الغداء التي يجتمع فيها الأساتذة، وكان النقاش يدور حول جامعة بغداد التي أُسست حديثاً. الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن ينساه د. كسّاب، ويعتبره ثميناً، وربما خلاصة لأفكار عبد الجبار عبدالله هو ترسيخه لاستقلالية الجامعة، وإبعاد تدخّل السياسة في مجمل أمورها، خصوصاً وأن الصراعات السياسية بلغت ذروتها في منتصف خمسينات القرن الماضي. كما ركز الراحل على الإنتاج العلمي الرصين من قبل التدريسيين ونشره في المجلات العلمية العالمية. ثم تطرق إلى موهبته العلمية، وخصاله الحميدة، وجهودة منقطعة النظير لرفع أسم العراق عالياً في المحافل الدولية. لقد باغته الموت وخطفه وهو في ذروة عطائه العلمي والمعرفي ففقد العراق علماً من أعلامه المهمة التي يصعب تعويضها بسهولة. توقف كسّاب عند سيرة عبد الجبار الذاتية والعلمية طويلاً والتي بات يعرفها القارئ كما أشرنا سلفاً، لكن النقطة المهمة في هذا السرد الشيّق ذكر كسّاب أن عبد الجبار لم يكن منتمياً إلى أي حزب سياسي، بل كان ديمقراطي التوجه وتقدمياً بالتفكير، وقد تعرض إلى الاتهامات والتعذيب، كما فُصل من وظيفته، وسافر إثر ذلك إلى أميركا ليعمل كأستاذ في جامعة نيويورك قبل أن يتوفى في عام 1969. نشر عبد الجبار أكثر من 30 بحثاً علمياً وترجم خمسة كتب في الفيزياء وعلم الأنواء الجوية. أشار كسّاب لو أن الراحل عبد الجبار ظل رئيساً للجامعة لسنوات أخر دون أن يتغرب أو تباغته يد المنون لكانت الجامعات العراقية على غير ما هي عليه الآن من تطور وتقنيات علمية حديثة، ولربما كانت ضمن التصانيف المتقدمة للجامعات العالمية. قدّم كسّاب كشفاً (مروِّعاً) عن التسلسل الذي حصلت عليه الجامعات العراقية ضمن التصانيف العالمية التي ضمّت (12) ألف جامعة في سنة 2010 ولم تظهر جامعة بغداد في تلك السنة، بينما ظهرت جامعة الكوفة وكات تدرّجها يحمل الرقم (6097). كان تصنيف الجامعة التكنولوجية العراقية في سنة 2011 هو (8511)، بينما جاء تسلسل جامعة السليمانية (8527) وجامعة الموصل (9772)، أما جامعة بغداد فقد تدرّجها عام 2011 تحت الرقم (10673). أما تسلسل العراق ضمن تصنيف أحسن مئة جامعة عربية فقد جاء كالآتي: حصلت جامعة الكوفة على المرتبة (77)، والجامعة التكنولوجية (86)، وجامعة السليمانية (91). وهذا يعني أن تصنيف الجامعات العراقية خلال السنتين الماضيتين قد شهد تراجعاً مخيفاً ولافتاً للانتباه. دعا كسّاب في ختام ورقته إلى ضرورة عقد مؤتمر علمي تقوم به وزارة التعليم العالي وكل المؤسسات العلمية المعنية بالتربية والتعليم لدراسة أسباب هذا التأخر المروّع الذي تشهده جامعاتنا العراقية قاطبة، وما هي السبل الكفيلة بعودتها إلى مكانها الصحيح. كما أشار إلى أن (الحكومة ثرية، لكن الشعب فقير)، واستغرب أن يكون في العراق، هذا البلد الغني، سبعة ملايين إنسان يعيشون تحت مستوى خط الفقر، أي أن دخلهم لا يتجاوز الدولارين في أفضل الأحوال. وقال إن التعليم بكل مستوياته كفيل بأن يحسِّن مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، شرط أن يتحسن الأداء السياسي، وأن تتوزع الثروة بشكل عادل بين المواطنين العراقيين.

انهيار الثقافة العراقية
تمحورت كلمة الدكتور الحيدري على تطور التعليم الجامعي في العراق وتدهوره في العقود الثلاثة الأخيرة. فالجامعات العراقية تمثل من وجهة نظره مقياساً دقيقاً لتطور المجتمع العراقي وأنموذجاً لرقيّه العلمي والحضاري، (لذلك فإن الاهتمام بالجامعات العراقية وتحديثها إنما يمثل أهم الأولويات أمام الدولة العراقية الحديثة التي تواجه اليوم تحديات وأزمة عميقة الجذور). وهو يرى أن عجز المؤسسات التعليمية يبدأ من المناهج وطرق البحث والتدريس، مروراً بالبنى التحتية، والكوادر التدريسية، والتقنيات والأدوات المستعملة في العملية التربوية والتعليمية، وانتهاءً بانعدام الرؤية الفلسفية للتربية والتعليم بطريقة تنويرية معاصرة شاملة ومستدامة. أشار الحيدري إلى أن (تاريخ التربية والتعليم في العراق ناصع البياض، وكان العراق في مقدمة الدول العربية التي تمتلك نظاماً تعليمياً متقدماً ولها أعراف وتقاليد جامعية عريقة وقد خطا خطوات جادة نسبياً في محو الأمية وتحديث المجتمع وبناء مؤسسات مدنية وقانونية) وبحسب تقرير الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو فإن النظام التعليمي المجاني في العراق كان حتى نهاية الحرب العراقية- الإيرانية واحداً من أفضل المستويات التعليمية في الدول النامية. عاد الحيدري إلى زمن المصلح الكبير مدحت باشا وتوقف عند المدارس التي أنشأها آنذاك، ثم قدّم كشفاً بالمدارس والمعاهد والكليات التي أُنشأت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. انتقل الحيدري إلى عام 1979، وهو العام الذي أُسست فيه وزارة التعليم العالي التي بدأت هيمنتها الفعلية، ليس على الجامعات العراقية حسب، وإنما على الهيئات التدريسية والعملية التربوية برمتها، بحيث أفقدت كل الجامعات العراقية استقلاليتها. عاد الحيدري مرة أخرى إلى الوراء ليخبرنا بأن البعثات العلمية إلى أوروبا وأميركا قد لعبت دوراً مهماً في إرساء أسس التعليم في العراق، ورفده بكوادر واختصاصات علمية عالية بدأت من عام 1917 بسبعة أشخاص إلى أن وصلت إلى (1331) مبعوثاً عام 1953 ثم أخذ عدد المبعوثين في التزايد التدريجي لاحقاً. كانت مكانة المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي مرموقة بين أفراد المجتمع لأنهم كانوا يمثلون رموزاً للعلم والمعرفة، غير أن هذه المكانة العالية سوف تتدهور في العقود الثلاثة الأخيرة بحيث يضطر الأستاذ الجامعي لبيع كتبه على أرصفة الشوارع بغية تأمين هاجس الطعام. أشار الحيدري إلى عدد من الأساتذة والمربين الكبار الذين ترأسوا جامعة بغداد من بينهم د. متي عقراوي، وهو أول رئيس لجامعة بغداد عام 1957 ثم جاء من بعده د. عبد الجبار عبدالله الذي أسهم في تأسيس جامعة بغداد عام 1956، ثم تعيينه رئيساً للجامعة في 1959 حيث عمل جاهداً على تحديثها، وتكريس استقلاليتها، وارساء قيمها العلمية الرصينة التي جعلتها تقف في مصاف الجامعات العالمية المتقدمة. يرى الحيدري أن هيمنة الحزب لم تقتصر على السلطة حسب، وإنما تعدتها إلى الهيمنة على الدولة، ووسائل الإعلام، والتربية والتعليم العالي، كما ترك ألاف الطلبة والمدرسين والأساتذة الجامعيين مدارسهم وكلياتهم بسبب تدهور أوضاعهم المعيشية. وقد تراجعت المؤسسات التعليمية برمتها، كما يرى الحيدري، بسبب الحصار الاقتصادي الذي كسر ظهر العراق، وبسبب العزلة التامة عن العالم بحيث لم يعرف الطالب والأستاذ ما هو الحاسوب، وما هو الإنترنيت؟ إضافة إلى توقف وصول الكتب والمجلات بمختلف أنواعها إلى العراق، وحرمان الأساتذة من المشاركة بالمؤتمرات العلمية التي كانت تحيطهم بكل ما هو جديد في العلم والمعرفة. ساهمت السياسة القمعية للنظام الشمولي السابق بسقوط صورة الأب والمعلم في عيون الأولاد والطلبة، كما انهارت العديد من القيم التربوية والثقافية والاجتماعية في عموم البلاد وحلّت محلها قيم الجهل والتخلف المريعين. توقف الحيدري في نهاية كلمته عند دراسة ميدانية حول المستوى الثقافي الذي تراجع خلال تسعينات القرن الماضي وكشف بواسطة الاستبيان الذي يجب أن ينسبوا فيه أعمالاً أدبية وفنية وتاريخية إلى أصحابها بأن 50% من طلبة الجامعة نسبوا رواية (الجريمة والعقاب) إلى أسماء وهمية، وأن 10% فقط نسبوها إلى ديستويفسكي، و أن 96% منهم نسبوا رواية (النخلة والجيران) إلى أناس متفرقين، وأن 4% فقط نسبوها إلى غائب طعمة فرمان وهلّم جرا الأمر الذي يكشف مستوى الانحدار الذي وصلت إليه الثقافة في العراق. ويرى الحيدري أن احتلال بغداد من قبل قوات التحالف وسقوط البلد في فوضى عارمة قد أدّى إلى تراجع التربية والتعليم العالي، كما ساهم انقسام الهوية العراقية، والتحاصص الطائفي المقيت، في تعزيز هذا الدمار الثقافي الذي شهده العراق غب الاحتلال. قدّم الحيدري في خاتمة ورقته كشفاً بأعداد الناس الذين تعرضوا للاغتيالات من دون أن يتوصل المسؤولون في الحكومة العراقية إلى الكشف عن الجناة الحقيقيين الذين ارتكبوا هذه الجرائم المروعة، أو منْ يقف خلفهم. وتوصل الحيدري إلى أن واقع التربية والتعليم متردٍ جداً، ولا يتوفر على فلسفة حداثية متكاملة للنهوض بالعملية التربوية والتعليمية بسبب تردي الكوادر التعليمية، وضعف المناهج الدراسية، وسوء الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك.

الوظيفة المعرفية
أعرب الدكتور غازي درويش عن رغبته في الحديث عن نقطتين أساسيتين لهما علاقة بالراحل عبد الجبار، الأولى هي تعيينه بجامعة بغداد عام 1959 في اليوم الثاني من عودته من بريطانيا، والثانية حضوره لمؤتمر علمي في طوكيو عام 1961 حيث تحملت الجامعة أجرة تذكرة الطائرة، وتعهد هو بتغطية تكاليف إقامته التي تتضمن السكن والإعفاء من رسوم المؤتمر، فوافق د. عبد الجبار على سفره، فيما حصل درويش على السكن المجاني من جامعة طوكيو بعد مكاتبها، كما تم إعفائه من رسوم المؤتمر. لا شك أن تعيين د. درويش في اليوم الثاني من عودته إلى بغداد عام 1959 يكشف عن عزم الجامعة وإدارتها على الإفادة من الكفاءات العلمية العائدة من الخارج، أما وزارة التعليم العالي الحالية التي تقدّم لها د. درويش نفسه في عام 2004 بغية العودة إلى جامعته بهدف التدريس وتقديم خبراته العلمية والمعرفية فقد استغرقته أربع سنوات ولم يحصل على نتيجة مرْضية لحد الآن! وإن دلّ هذا التصرّف على شيء فإنما يدل على الدوّامة التي يعيش بها بلدنا بعد التغيير. ركّز د. درويش على عدد من المؤشرات التي نستطيع أن نبني بواسطتها الجامعات العراقية ونطورها نحو الأحسن، ولعل أبرز هذه المؤشرات هي الوظيفة المعرفية، وهو يعني التمكن من المعرفة والذي يشمل كل منتسبي الجهاز الجامعي بمختلف مستوياته العلمية. عاد د. درويش أيضاً إلى الوراء حينما تعيّن حديثاً في قسم الكيمياء عام 1959 وكان رئيس القسم قد أخبره بأن لديهم مبلغ (250) ألف دينار عراقي (كانت قيمة الدينار آنذاك تساوي أربعة دولارت)، ولا يعرف ماذا يفعل بها؟ فاقترح عليه د. درويش أن يوزعها على كل أقسام الكلية، وكانت حصة قسم الكيمياء هي (50)ألف دينار. وبالتشاور مع زملائه التدريسيين أشتروا أحدث الأجهزة في ذلك الوقت، وأسسوا مختبراً للقياسات الطيفية. أما مبلغ الـ (50) ألف دينار الذي كان مخصصاً للمكتبة فقط، فقد أسس به مكتبة علمية قيّمة هي الأولى من نوعها في العراق آنذاك، واستطاع أن يقتني المجلات العلمية من أعدادها الأولى التي صدرت في القرن التاسع عشر إلى أعدادها الأخيرة. وصارت لديهم سمعة طيبة مع دور النشر ومجهزي الكتب والمجلات الذين كانوا يزودونهم بالأعداد الجديدة ويستوفوا ثمنها لاحقاً. وحينما تعمقت العلاقة معهم صاروا يقدمون الأعداد الزائدة التي لم تشترها الجامعة هدية إلى أعضاء الهيئة التدريسية، ولكن حينما تدهور التعليم العالي في الثمانينات من القرن الماضي أوقف أحد العمداء 80% من هذه المجلات (التي لا يقرأها أحد على حد زعمه). وفي عام 2007 جُمعت هذه المكتبات وخزنت في الطابق الأرضي للمكتبة المركزية لجامعة بغداد لتصبح عرضة للرطوبة والتلف.
وفي الختام لابد من إبداء ملاحظتين أراهما مهمتين جداً في هذا الصدد: الأولى، أن بعض السادة المتحدثين قد ابتعدوا كثيراً عن جوهر الموضوع، فجيمع الأوراق التي تقدّم بها المشاركون في الحلقة النقاشية كانت مهمة جداً، ولكن كان يجب أن تصب جميعها في ذكرى الراحل عبد الجبار عبدالله ولا تشتط عنه كثيراً إلى موضوعات أخر قد تكون ملائمة لأية ندوة ثقافية أو فكرية أخرى. والثانية هي التركيز على السيرة الذاتية التي أوقعت غالبية المتكلمين في فخ الاجترار والتكرار المملين.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)
- السخرية السوداء واللغة المبطنة في روايات الداودي
- الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران
- الأحزاب الدينية والسينما العراقية
- الشخصية المنشطرة وتعزيز الأمكنة الافتراضية
- الحقوق المائية
- رواتب البرلمانيين العراقيين
- القرصنة والابتزاز


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)