أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - عجيبة بيت أبو بشارة















المزيد.....


عجيبة بيت أبو بشارة


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 22:25
المحور: الادب والفن
    


- عجيبة، يا أم بشارة .. استيقظي.. القديسة العذراء الممتلئة بالنعمة ... بارك الله اسمها... باركت بيتنا . استيقظي يا أم بشارة .. !!
انطلق صوت أبو بشارة من المفاجأة غير المتوقعة، لم يصدق ما تراه عينيه، واخذ يردد مبتهلا:
- مريم العذراء يا اُمي الحنونة ،كم من مرةٍ اخطأتُ وتُسامحيني
وكم من مرةٍ ابتعدتُ عنكِ وعندما أعودُ بكُلِ شوقٍ تستقبليني.
لم يسمع قط ان احداً التجأ إلى حمايتِك وطلب معونتكِ ورُدّ خائباً.
كان ينظر متفاجئا الى تمثال السيدة العذراء ، المثبت في زاوية احد عمدان البيت، غير قادر على تصديق ما تراه عينيه من زيت زيتون فاخر، يرطب قاعدة التمثال. في البداية لامس السائل بأصابعه، وطأطئا رأسه ليتأكد بالشم أيضا أن الزيت الذي يرطب قاعدة تمثال السيدة العذراء التي اختارها الله لتلد ابنه المخلص المسيح، هو زيت الزيتون المقدس حقا. كان الزيت يرطب قاعدة التمثال ونصف متر على الأقل تحت القاعدة التي نصب عليها تمثال السيدة العذراء داخل حفرة شقت خصيصا منذ أيام والده ليوضع فيها تمثال العذراء المكرمة.. والزيت يستمر بالتزايد ببطء شديد.. تأكد هذا حين جفف قاعدة التمثال بفوطة خوفا ان يكون ما يراه خدعة بصرية.
هو حقا زيت الزيتون المبارك كنسيا، تأكد له هذا الأمر باللمس والشم، بل وبلحسه لأطراف أصابعه لمزيد من التأكد.وبعدها انطلق ينادي زوجته لتقاسمه سعادته بما وهبته العذراء لبيتهم من تكريم عظيم..
ارتعشت قسمات وجهه ، وبانت السعادة على محياه من هذه المفاجأة في ذلك الصباح الربيعي المشرق. بات متأكد أن دعواته وصلواته هو وأهل البيت ، وقعت على آذان صاغية ترعاه وترعى أهل بيته، لأنها تعرف ما في القلوب والضمائر ولا تضللها المظاهر والخداع وصلاة الضجيج والصراخ. ها هو التأكيد يجيء من حيث لم يتوقع، زيت الزيتون المقدس يطفطف من تحت تمثال السيدة العذراء ويرطب قاعدته وعمود البيت حيث حُفرت زاوية العامود المقابل لمدخل البيت، ليتسع للسيدة أم المسيح ابن الله ليتبارك اسمها واسمه واسم الرب. كان تمثال العذراء يواجه مباشرة كل من يدخل بيت أبو بشارة.
لا يعرف إذا كان قد كرر ندائه لأم بشارة أكثر من مرة، فقد أيقظ صوته المنفعل مما يرى، والمرتعش من المفاجأة، وصلواته للسيدة العذراء بصوت مرتفع، جميع أهل البيت، فنزلوا إلى الديوان الرحب متثائبين من إيقاظهم ساعتان قبل الوقت، ومتوجسين من أمر غير مرغوب، مثل لوثة قد تكون اصابت اب البيت، فهم لم يستوعبوا من صرخة أب البيت إلا كونها صوتا مرتفعا يثير التوجس من مكروه،أو مفاجأة لا يعلمون وقعها،جعلت أب البيت الذي يستيقظ قبل الجميع بساعتين على الأقل يطلق صرخاته المنفعلة في ساعات مبكرة من ذلك الفجر الزاهي. ومن شدة مفاجأته بدأ يتلو صلوات للعذراء وهو بخشوع كامل. وكان التساؤل الكبير ما الذي حدث ليجعل أب البيت يخرج من جلده تهيجا وانفعالا؟
لم تمض إلا دقائق قليلة، حتى أصابهم ما أصاب أب البيت، عمدتهم، من المفاجأة السارة لمرأى السيدة العذراء تبارك بيتهم بزيت الزيتون المقدس، وهي علامة لاستجابة الرب لأبنائه المخلصين، كما كان يقول بتهدج وتوتر من السعادة، عمدة العائلة أبو بشارة.
أول من عرف بخبر العجيبة نسوان الحارة، وهن لمن لا يعلم، أفضل جهاز إعلامي عرفته البشرية. في ذلك الصباح أسرعت ام بشارة تدعوا جاراتها لتناول قهوة الصباح ورؤية عجيبة العذراء في بيتها. جئن بشيء من الاستهجان والظن ان أم بشارة أثر تقدمها في العمر على عقلها، فزمن العجائب قد ولى. ولكن ما شاهدنه بالعين ملأهن برهبة الإيمان وخشوعه، فتمتمن ب "السلام عليك يا مريم ، مباركة انت بين النساء..."، وتباركن بقطع قطن مبللة بالزيت المريمي دليل قاطع لمكرمة العذراء لبيت ابو بشارة، وتيمنا وأملا ان قطعة القطن بما تحمله من زيت مريمي مقدس هي أفضل مباركة لبيوتهم وأهلهم وكل من تطوله مسحة من هذا الزيت.
كادت أم بشارة تفقد توازنها وهي تحدث نسوان الحارة عن العجيبة ومعناها التي اختصهم بها الله. قالت كلاما عاقلا وكلام لا يدخل العقل ويصنف في ظروف أخرى "بكلام مجانين". ولكنها العجيبة التي أغلقت كل مسارات التفكير العاقل.. من شدة مفاجأتها، وإثباتها بالرؤية واللمس والتذوق لمن أراد مزيدا من الإثبات العملي.. وها هن نسوان الحارة تشل المفاجأة السنتهن ، فلم يتحدثن عن فلانة التي خطفت، وابنة فلان التي لم تبق شاب من شرها، وزوجة فلان "المشلطة" ، وابو جعفر، الله يستر، الذي يصرف ما يربح على بنات الشوارع في المدينة المجاورة.. وقصص لا يعلم الا الله مصدرها وصحتها. ولكنها اهم وجبة أخبار صباحية في لقاء الجارات صباحا على فنجان القهوة.
الزيت المقدس يزداد ببطء شديد تحت قاعدة تمثال العذراء، وهو نفسه الذي يستعمل في الكنيسة لجميع المناسبات. زيت تثبت رائحته وطعمه انه من النوع الفاخر، تماما مثل زيت كرم زيتونات أبو بشارة المعروف بجودة زيته. كل الدلائل العملية تبرهن إنها حقا عجيبة، وإشارة سماوية إلى رعاية العذراء لأهل بيته، اعترافا بإيمانهم الطاهر وطاعتهم لتعاليم المسيح. وكان قد شفي ابنه قبل نصف سنة من مرض خبيث يقال أن عدد من يشفيهم الطب من ذلك المرض الملعون، لا يتجاوزون ربع المرضى.وأن صلاتهم للعذراء والمسيح والإله في علاه قد أستجيبت. وها هي الإشارة الحاسمة تجيء بدون توقع في فجر ذلك اليوم الربيعي.
نساء الحارة تباركن بقطع قطن رطبنها بالزيت الذي يرطب قاعدة التمثال ،بعضهن رطبن قطعة كبيرة لتوزع على بيوت الأبناء. كان هذا برهانا لا يمكن نقضه ، ويعتمد عليه كمصدر إخباري موثوق، لحقيقة العجيبة التي اختص الله بها حارتهم، وأضحى شعورا بالفخر لكل أهل الحارة، وبدأت عملية انتشار تفاصيل العجيبة ، بطريقة تعجز عنها حتى الدعاية الصهيونية والإمبريالية التي تسيطر على وسائل الإعلام العالمية، كما قال احد كفار البلد الذي يسكن لحظهم السيئ في حارتهم، ويلقب ب "سمير الكافر" وهو يدعي في كل مناسبة ان الصلاة هي مضيعة للوقت، ولا تخدم مطالب السكان من السلطات المسؤولة، بل تخدعهم بأوهام ان الفرج سيأتي من السماء. ولكن من أين لكافر مثل سمير ان يغير حقائق الإيمان ورعاية الله لأبنائه المؤمنين؟ ولعله الآن امام هذه العجيبة المؤكدة سيصمت للأبد!!
أصبح الحدث الهام ،حديث البلد وبدأت تفاصيله المثيرة تصل للبلدات المجاورة، بل ويشاع أن اتصالات تلفونية من خارج البلاد تتوارد على الأقارب في البلد تستفسر حقيقة الخبر، وترجو تزويدها بالمعلومات الصحيحة، وانه إذا ثبتت صحة الخبر سيأخذون أول طائرة متاحة للوصول إلى البلاد وزيارة بيت أبو بشارة والتبارك بزيت العذراء المقدس. وان مصدر معلوماتهم يعتمد على ما بثته رويترز والبي بي سي وتلفزيون الجزيرة ووكالة الأنباء الفرنسية وغيرها من وسائل الإعلام الكبيرة، وان بعض وكالات الأنباء وشبكات التلفزيون، سيرسلون طواقم من المراسلين والمصورين لتسجيل عجيبة العذراء في بيت أبو بشارة المبارك من السماء.
اثار نشر وسائل الإعلام لخبر أولي عن عجيبة العذراء في بيت أبو بشارة، اعتمادا علي مصادر موثوقة ، مصدرها بالتأكيد نساء الحارة الحاصلات على قطع قطن رطبت بزيت العذراء المبارك، هيصة كبيرة قلبت كل الحياة الرتيبة في البلد والبلدات المجاورة.
انهالت الاتصالات التلفونية ذلك الصباح بكثافة غير عادية، مما سبب ضغطا على شركات التلفونات، ونشأ خوف حقيقي من انهيار شبكات الاتصالات التلفونية.
غرق البريد الالكتروني لوسائل الإعلام بكم هائل من الاتصالات والمراسلات تستفسر عن حقيقة الحدث ، فنشروا إعلانات ترجو من المتصلين بالتريث ومتابعة الأخبار على شبكاتهم التلفزيونية او مواقعهم الإنترنيتية وأن طواقمهم تعمل جاهدة للوصول إلى مكان الحدث لتغطيته ونقل التفاصيل الكاملة للمشاهدين.
الازدحام في الشوارع خاصة القريبة من الحارة الذي يقع فيها منزل أبو بشارة فاق التصور ، وانتشر الازدحام في الشوارع المحاذية، بل والبعيدة، بل شوارع البلد كلها ازدحمت وأصيبت حركة السير بانسداد في الشرايين.
البعض يقول انه سمع في نشرة أخبار الساعة الثامنة أن الشرطة توجهت للمواطنين ان لا يدخلوا البلدة بسياراتهم، وانها اتفقت مع شركات الباصات على زيادة عدد الباصات لنقلهم الى داخل البلد. لأنه لا يمكن إيجاد مكان حتى لربط حمار في هذا الازدحام غير المتوقع والشديد والمجنون.. ويقال ان الشرطة طلبت تعزيزات واسعة من مناطق مجاورة لضبط الأمور ولمنع وقوع حوادث وشجار بيت المتدفقين على بيت ابو بشارة.
أبلغ أبو بشارة خوري الطائفة على وجه السرعة عن العجيبة في بيته، كانت الساعة السادسة صباحا، أزعجه في أجمل ساعة نوم تسبق الاستيقاظ. فلم يكترث للأمر في البداية، بل شعر بامتعاض لهذا الاتصال المبكر. ولكن الشماس جاء بعد وقت قصير ليبلغه أن المسالة هامة وحركت البلد كلها، والمئات من كل الطوائف يتدفقون على الحارة، وبعض رجال الطائفة المحترمين تحققوا من الموضوع وأبلغوه انه على الخوري زيارة بيت أبو بشارة ليتأكد بحكمته ان العجيبة حقيقة لا جدال حولها.
صحيح ان النساء لسن مصدرا موثوقا للمعلومات، ولكن رجال الحارة أيضا يؤكدون صحة أخبار نساءهم. لأول مرة يتفق الجانبان على رواية واحدة. بل وتحول الحدث إلى خبر دولي تتناقله وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وانه ليس دعاية صهيونية إمبريالية معادية للعرب ، أو خبر انتصار من جهة عربية على الصهاينة لا يمكن وصفه الا بنصر أشر من هزيمة. حتى راديو إسرائيل أذاع الخبر بدون إضافة أو تزوير أو تدخل مقص الرقيب، او اضافة تجعل العجيبة انجازا للديمقراطية الإسرائيلية !!
امام هذه الحقائق الدامغة سارع الخوري، بعد ان أيقن من صحة ما نقله إليه الشماس، إلى ارتداء ملابسه الكهنوتية، والتوجه لبيت أبو بشارة، وهاله وهو في الطريق هذا العدد الهائل من التجمعات أمام البيت وعلى مدخل الحارة والسيارات التي أغلقت حركة السير، والكل يتحدث عن العجيبة.
أفسحوا للخوري الطريق بطيب خاطر، فسارع بخطواته شاعرا بأنه أمام حدث عظيم، وان الجميع ينتظرون مصدرا روحيا موثوقا لتأكيد حدوث العجيبة، وان الله خصه بدور بالغ الأهمية قد يساهم في ترقيته من خوري بلدة صغيرة إلى مطران كبير الأهمية في إحدى المدن الكبيرة، لأن حدوث العجيبة في بيت من بيوت ابناء رعيته يشير الى ان الخوري يضبط امور الدين والدنيا بشكل بارع.
كل ما استطاع الخوري ان يقوم به أمام تمثال العذراء المبللة قاعدته وحتى نصف متر تحت القاعدة بالزيت المقدس ، انه التقط قطعة قطن صغيرة رطبها بزيت العذراء،شمها مرتين أو أكثر، مسح بها كفة يده ، وشم كفة يده ، وأشرق وجهه بابتسامة كبيرة، صلب على وجهه ثلاثة مرات، وبدون مقدمات بدأ بصلاة قداس بارك فيها العذراء والسيد المسيح وأبيه الذي في السموات، وبيت أبو بشارة، الأمر الذي اعتبر تأكيدا نهائيا من الكنيسة لحقيقة العجيبة وأهميتها المقدسة. فالتهبت أكف المتجمعين خارج البيت بالتصفيق وشكر العذراء والصلاة لها ووجوه المئات تبكي فرحا وخشوعا.
نظم أبو بشارة وأولاده الدخول إلى البيت بنظام، للتبارك بزيت العذراء، ، فوفروا مئات قطع القطن الصغيرة ، وصندوق لوضع التبرعات كما أمر الخوري من أجل إقامة احتفال كبير يحضره سيادة البطريرك، وربما يتحمس الحبر الأعظم بابا الفاتيكان للحضور والوقوف على العجيبة بنفسه، وتكريم السيدة العذراء على إشارتها الواضحة انها لا تهمل المؤمنين الذين ضحى ابنها بحياته من أجلهم، وإنها راعيتهم وشفيعتهم عند الله.
ما حدث وصفته بعض الصحف بأنه أشبه بهزة أرضية من العيار الثقيل، وانه لو عاد ريختر الى الحياة لرفع سلمه بخمسة درجات جديدة لتلائم الهزة الإنسانية الهائلة التي سببتها عجيبة الزيت في بيت ابو بشارة.
امتلأت المتاجر بالزبائن الراغبين بشراء تماثيل للعذراء ، أو تماثيل للعذراء وابنها المخلص يسوع المسيح، أو صورا مقدسة، لنصبها في بيوتهم تيمنا بما حدث في بيت أبو بشارة، بل والبعض توجه للكنيسة ليبارك الخوري التمثال أو الصورة، ضمانا للطهارة والقداسة. ويمكن القول ان تماثيل العذراء أضحت أهم تجارة لمدة عدة أشهر، فاستوردت تماثيل العذراء من الصين الشيوعية بواسطة تجار يهود لأن سعر الصين ارخص اربعة مرات من التمايل المصنوعة في ايطاليا، وملأوا بها السوق ولكن بأسعار تزيد عشرة أضعاف على الأقل عن تكلفة استيرادها وتوزيعها في المحلات. بعض الفنانين العرب واليهود استغلوا الموقف ورسموا العذراء وطبعوا رسوماتهم ، وربحوا أضعافا مضاعفة من أي لوحة فنية باعوها سابقا .
ابن أبو بشارة البكر جاءته فكرة عبقرية، إذ التقت بالكاميرا البيتية صورة ملونة للعذراء ، والزيت واضح حول القاعدة وتحت القاعدة وهي أهم وثيقة عن العجيبة ، وطبع منها عشرات آلاف النسخ بحجم كبير، وبيعت كل النسخ بسرعة لم يتوقعها وأثمانها تكفل لكل أفراد العائلة جولة حول العالم في أفخر القوارب البحرية.. وهذا مكرمة من السيدة العذراء بدون ادنى شك.. لذلك طبع المزيد والمزيد من الصور.
الآف الأشخاص دخلوا للتبارك والحصول على قطع قطن مبللة بزيت العذراء، وما بخلوا عليها بشيء ، تبرعوا بالمال والذهب ، وانتشرت أخبارا عن شفاء العديد من المرضى بعد مسح جبينهم بقطنة الزيت، مما شجع المترددين الى حسم أمرهم وزيارة التمثال والتبارك بزيته، والحصول على قطنة مبلولة بالزيت المقدس ولسان حالهم يقول:"اذا لم يفد لا يضر".
امتلأ الصندوق أمام العذراء بالأموال وحلي الذهب، وافرغ عدة مرات، وهمس بشارة الابن البكر لوالده انهم هم أولى من الخوري بما يتبرع به الناس، لأن العجيبة حصلت في بيتهم وليس في بيت الخوري أو لتماثيل العذراء في كنيسته. ولهذا شأن رباني نحن لا نعلمه، ان طرق الله غير معروفة لنا نحن البشر، ويجب عدم التفريط بما يصل للعذراء من تبرعات، وان الكنيسة ليست فقيرة ليزيدوها غناء على غناء. وان ما طلبه الخوري، رغم قداسته واحترامه، كان متسرعا بسبب المفاجأة ، وانهم هم أهل بيت ابو بشارة، على استعداد لتبني الاحتفال ومصروفاته. كما كرمتهم العذراء يكرمونها بافضل قداس وأفضل احتفال.
ابنه الصغير يلح للحصول على مبلغ ليجدد سيارته. ولكن والده يشير عليه بالتمهل، إذ ليس من المناسب والآلاف يتدفقون على البيت ، والحكاية ما تزال في أوجها، ان يستعملوا التبرعات التي توهب للسيدة العذراء لأمورهم الشخصية، وأن الصبر مفيد في هذه الحالة.
الحكايات التي انتشرت بان قطعة القطن المبلولة بزيت العذراء المقدس حققت الشفاء لمرضى عجز الأطباء والمستشفيات من علاجهم ، وما قامت به بعض الصحف والمواقع الالكترونية، بنشر صور عشرات الأشخاص الذين شفتهم قطنة الزيت، وحكاياتهم مع إمراضهم العصية قبل الشفاء، أحدثت تدفقا غير متوقع لزيارة بيت أبو بشارة وعذرائه التي لا يجف زيتها ، بل وفي بعض الأحاديث ان التبرع للعذراء واجب من أجل ضمان الشفاء، لأن من لا يتبرع لا يشفى مريضه.
تكررت زيارات الكثير من الزائرين السابقين ليتبرعوا ويحظوا بقطعة قطن من جديد تساعد في شفاء أعزائهم. كان أبو بشارة كل ليلة بعد ان يستأذن العذراء ، يفرغ الصندوق من الأموال وقطع الذهب والفضة وغير ذلك من الأحجار الكريمة. وقد قر رأيه ان لا يسلم الخوري أي شيء.
امتعض الخوري ، ولكنه لم يتفوه بأي كلمة . ويبدو، حسب معلومات غير مؤكدة، ان الخوري بدأ بحملة مضادة لإقناع الناس ان وراء حكاية العذراء والزيت سرا لم يكشف بغد. فتمهلوا ولا تصدقوا الشائعات عن الشفاء من الأمراض فلا شيء مثبت، ووفروا اموالكم حتى نتحقق تماما من الحدث، الأمر الذي غير نظرة الاحترام الى الخوري واتهامه همسا بالجحود والحسد لأن العجيبة حصلت في بيت ابو بشارة وليس في بيته او كنيسته.
ومضت أيام وخف عدد القادمين للتبارك بزيت العذراء المقدس. وعادت الحياة رتيبة كما كانت قبل العجيبة.
ولكن الزيت لا يتوقف ، بل انتشر حول قاعدة التمثال ومن جانبيه بشكل متزايد وامتد نحو الأرض ، وتمثال العذراء وضع منذ أكثر من ستة عقود في فجوة أحدثت قي زاوية العمود الضخم جدا الذي يبلغ عمقه من كل جانب متر ونصف المتر. والعقد لارتفاعه الكبير ، أقيمت فيه علية حيث تخزن مؤونة البيت، وفي وقتنا لم يعد استعمال للعلية لتخزين مؤونة البيت كما كان الحال ايام زمان، وأصبحت العلية مخزنا لكل ما لا يستعمل يوميا. وهناك درج خشبي،بلصق حائط العقد يقود إلى العلية الواسعة ، التي لا ينفك ابنهم الأصغر يطالبهم بتحويل قسم منها إلى غرفة نوم ، وفتح نافذة خاصة للغرفة، ولكن الحال لم تكن ميسرة لهذا المشروع، وها هو ابنهم يعود، بعد ان غيرت العجيبة حالتهم المادية، ويصر أن يستقل بغرفة على قسم من علية العقد الواسعة.
انشغل أهل البيت كل في مشاريعه. والأب يحذرهم: "لا تنسوا السيدة العذراء. هذا خيرها الذي نزل علينا".
حكاية العجيبة أضحت أمرا عاديا. وخف التدفق الذي انهمر في الأشهر الأولى، ولكن زيارة بيت ابو بشارة للتبارك بزيت التمثال لم تتوقف. وكلما سؤل أبو بشارة في نادي المتقاعدين عن آخر أخبار العذراء والزيت يتحدث بفخر ان الزيت لا يتوقف بل يزداد تدفقا، وانه عندما جدد طرش البيت ، لم يطرش العمود بل حافظ عليه كما هو، لأنها مشيئة العذراء كرم الله وجهها.وانه بلل الكثير من الفوط بالزيت الذي بدأ يسح على الأرض ايضا، ويحتفظ بالفوط بمكان نظيف لأنها مبللة بالزيت المقدس، وان البعض يأتي لشرائها، خاصة السواح الأجانب الذين سمعوا عن عجيبة العذراء في بيته، ولكن السعر الذي يطلبه لا يشجع ابناء البلد على شراء تلك الفوط. وان السواح لا يجادلون حول السعر، لأن جيوبهم ملأى بالدولارات واليورو. وان سعر الفوطة مع الصورة الملونة للعذراء تكفي وجبة غذاء لأهل البيت في مطعم فاخر.
ولكن لم يعرف احد ان الوقت يخبئ لهم مفاجأة أغرب من الخيال.
أم بشارة صعدت للعلية لأخذ حاجتها من زيت الزيتون، من خابية (الخابية هي جرة كبيرة تتسع لأكثر من 50 - 80 لتر من الزيت كانت تستعمل في البيوت الفلسطينية القديمة لتحزين الزيت وما زالت بعض البيوت تستعملها حتى اليوم).
تفاجأت ام بشارة ان الخابية فارغة حتى النصف.
- أبو بشارة.. الخابية تقريبا فارغة.
- يا امرأة انا ملأتها بأربعة "تنكات" حتى العنق.. لم نستعمل بعد الا نصف تنكة؟
- انها نصف فارغة .. أين ذهب الزيت؟
- الله يستر.. ربما لا ترين جيدا.. مدي يدك .
- إنا في كامل قواي العقلية، لا تجعلني مجنونة وعمياء. لا أرى زيتا إلا في نصفها الأسفل.
- هل سرق زيتنا؟ هل يجوز ان ما ظهر تحت تمثال العذراء هو زيتنا؟
تحسست أم بشارة الجرة فوجدت سطحا كبيرا في مكان منخفض مرطبا بالزيت.وعلى أرضية العلية بقعة زيت كبيرة تماما فوق العمود الذي وضع في داخل حفرة فيه تمثال السيدة العذراء. احتارت هل تضحك أم تبكي على ضياع مخزون الزيت.
- كشفت سر زيت العذراء يا أبو بشارة.
- ماذا تخرفين يا امرأة؟
- الجرة "مسطوحة" والزيت يتسرب منها ببطء إلى عمود البيت ، والنقطة التي حفرت للتمثال داخل العمود ، خرج منها الزيت.
- إذن زيت العذراء هو زيت خابيتنا؟
تجمع الأولاد على صوت والديهما يتداولان حول المصيبة. قال الابن البكر مبتسما:
- هذا الكلام ممنوع ان يصل للناس . فاهمين؟ سنتهم ان فعلتنا بزيت العذراء مقصودة.
بعد تفكير قصير أثنى أبو بشارة على كلام ابنه، وأضاف:
- السلام عليك يا مريم، مبروك عليك أفخر زيت في البلد، يا أبنائي لا تظنوا ان الجرة فرغت من الزيت بالصدفة، انها مشيئة الله ،هل تطنون ان الله ينتج زيتا ليقدس المؤمنين به؟ هذا لا يغير شيئا من حقيقة العجيبة. لو شاء الله لفاضت الجرة وأغرقت ارض البيت.. ولكن حكمته أن يصل الزيت لتمثال العذراء. القصد الإلهي هنا واضح. انعم علينا بالعجيبة، وحسن أوضاعنا استجابة لصلواتنا ، فليكن اسمه مباركا!!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة غير معروفة للشاعر سالم جبران يبكي رحيل صديقه محمود درو ...
- صلاة القلب
- مساهمة في تكريم الأديب الناقد د. حبيب بولس
- الهرطقة الإسرائيلية والهرطقة الفلسطينية !!
- واقع اللغة هو انعكاس للواقع السياسي والاجتماعي
- الملح الفاسد (مسرحية)
- شبيحة العقل
- رواية -الركض- للفرنسي جان أشنوز تدفع القارئ للركض وراء التفا ...
- درس من التاريخ - يسار عربي أم صهيونية ماركسية من نوع جديد؟!
- لا طعم للقهوة ذلك الصباح
- نظرة على واقع الصحافة العربية في اسرائيل
- وداعا سالم جبران – شاعر كاتب ومفكر ترك بصماته القوية على واق ...
- -اوراق ملونة- لسليمان جبران بين السياسة والثقافة
- مراجعات ماركسية: ملاحظات حول الماركسية الغربية ونظرية الثورة
- الزكام
- الصراع الطبقي ومسائل ماركسية أخرى !
- كذاب ولا يطاق، وماذا بعد؟
- لا مستقبل للانتفاضة الاجتماعية بدون انتفاضة سياسية
- كمن يصطاد السمك في البحر الميت
- جسر الى أستراليا


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - عجيبة بيت أبو بشارة