أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - عودة أخرى إلى المشهد السوري















المزيد.....

عودة أخرى إلى المشهد السوري


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 3659 - 2012 / 3 / 6 - 19:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


سوريا في ظل حكم العائلة الأسدية
فساد ومجازر منذ اعتلائها السلطة

1-
لم يكد يمضي خمس سنوات على انقلاب الأسد الأب الذي سيطر بموجبه على مقاليد الحكم في سورية حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان , فدخلت القوات السورية إلى لبنان بقرار من الجامعة العربية تحت راية ما اتفق عليه في حينه "قوات الردع العربية" وبغطاء دولي وبضوء أخضر من الكيان الصهيوني لحماية اليمين اللبناني الفاشي المتمثل بحزب الكتائب والأرز وغيرها , ثم بعد مدة قصيرة من دخولها تواردت إلينا أخبار عن حصار القوات الأسدية وقوات الكتائب اللبنانية الفاشية لمخيم تل الزعتر الواقع على مشارف بيروت الشرقية في لبنان استمر دك سكانه الآمنين بقصف مدفعي متواصل من قبل الجيش السوري بعد قطع الكهرباء والماء والإمدادات الغذائية عن سكانه لأكثر من شهرين نفذت خلالها كل القطط والكلاب والفئران بسبب اضطرار سكان المخيم إلى أكل لحمها بل اضطرارهم أيضا لتناول بعضهم بعضا من لحم جثث قتلاهم دفعا بغريزة البقاء البشرية , ثم آلت الأمور في نهاية المطاف إلى سقوط المخيم بعد نفاذ ذخيرة مقاتليه في 12 آب 1976 بين أيدي المحاصرين الذين لم يكتفوا بسقوطه فاقتحموه ونفذوا مجازر بشعة بحق من تبقى من سكانه لإزالتهم من الحياة واغتصاب نسائه وقتل أطفاله ورجاله حتى أنهم كانوا يبقرون بطون الحوامل ليجهزوا على الأجنة , مازال عالق في ذاكرتي إحدى صور هذه المجازر كيف ربطت ميليشيا الكتائب إحدى المقاتلين الفلسطيني إلى سيارتين متعاكسة الاتجاه وكيف انفسخ إلى قسمين عندما انطلقتا بسرعة عكس بعضهما , ثم أزيل المخيم برمته من جغرافيا المكان وعلى مرأى من العالم وتكليف من أمريكا ورعاية من الأنظمة العربية الكولونيالية ذاتها التي تنافح اليوم بالتعاضد مع نظامها لإشعال حرب مذهبية للقضاء على الانتفاضة السورية وتمزيقها خدمة لمآرب الكيان الصهيوني.
ما أعادني إلى هذه الذاكرة اليوم عملية اقتحام القوات الأسدية الفاشية لحي بابا عمر الزعتري "الحمصي" وما يتوارد إلينا من أخبار استباحة من تبقى من أهله : قتلا للرجال والأطفال واغتصابا للنساء .
نعم لقد أزالت جرائم النظام في حمص اليوم غبار ما تراكم من زمن عن تلك المجزرة التي آلينا على أنفسنا تجاوز آلامها كرمى ذريعة "أولوية الصراع مع العدو الصهيوني" خطأََ ولنذكر بعض القومجيين واليسراويين العرب وخاصة الفلسطينيين منهم كيف بدأ النظام الأسدي نهج " الممانعة " الذي مازال قادرا على التضليل به السذج من أبنائنا , أما على المستوى الشخصي فقد مثل لي استدراكا مبكرا أن أنظمة الاستبداد هي حليف تخلفنا كعرب وكياناتها صنو الكيان الصهيوني وشرط بقائه , ولم يغب عن ساحة وعيي الوطني والسياسي ولو للحظة واحدة خاصة بعد امتلاكي آلية التفكير الجدلي العلمي وإيماني بعالمية الصراع الطبقي وقومية المعركة أن شرط وجود العدو الصهيوني وديمومته وإعادة إنتاجه تربض عوامله بين ظهرانينا حيث نقيم , هو استبداد يحكمنا بقوة الحديد والنار في جميع الدويلات العربية .
وانتظرت , وبعد امتلاك الوعي , دنو الفرصة المناسبة لنشر رأيي هذا بعد نضوجه في دراسة حملت عنوان " حول الكيان الصهيوني وكيان الدويلة الكولونيالية العربية" .
2-
كنت حديث العهد في إحدى المعتقلات التابعة لأمن سرايا الدفاع الواقع على أرض مطار المزة تحت إشراف المساعد المجرم أبو العز الذي قضى على يد أحد عناصره في كتيبة السجن وأحد ضحايا فساده . لم يكد يمض عندئذ سوى أيام على مجزرة سجن تدمر التي اقترفها النظام زمن حكم الأسد الأب على يد مجموعتين من سرايا الدفاع : المجموعة الأولى من اللواء 40 , كان يقوده حينئذ المجرم معين ناصيف برتبة رائد , ومجموعة أخرى من اللواء 138 , كان يقوده المجرم علي ديب برتبة مقدم , وقد قاد العملية المقدم سليمان مصطفى رئيس أركان اللواء 138 في حينه وشاركه في تنفيذ المذبحة الملازم أول ياسر باكير , منير درويش ورئيف عبد الله .
ساد مكان اعتقالنا في أحد الأيام هرج ومرج علمنا بعدئذ أن جلادو المعتقل يجرون تنقلات سريعة لعهدتهم من المعتقلين ذات التوجهات السياسية المختلطة لفرز من هم محتجزون على قائمة إخوان المسلمين من المعازل الجماعية والمنفردة , ثم سمعنا بعد فترة امتدت زهاء ساعتين طلقات نار غزيرة استمرت ما يقارب ربع ساعة استطعنا بعد لأي جهيد الاستنتاج أن ما جري هو عملية إعدام ميدانية جماعية لمن تم فرزهم فأصابنا بذعر شديد لظننا أن هذا الإجراء سيشملنا فسيطر علينا وجوم شديد بل أكاد أعترف أنه بكاء صامت ثم بدأنا بدأب نودع بعضنا قبل إعدامنا لكننا اكتشفنا فيما بعد , ولا أدري إن كان من حسن حظنا أو من سوئه , أن هذا الإجراء لن يطال سوى الموقوفين الذين اعتقلوا على قائمة الإخوان مع علمي من خلال الاحتكاك الذي جرى بيني وبين معظم الذين أعدموا أنهم لا يمتون بصلة إلى الطليعة المقاتلة لإخوان المسلمين وأن معظم من يتم القبض عليه كمقاتل كان يموت تحت التعذيب , فهم إما رهينة عن ذويهم الفارين أو الميتين تحت التعذيب , أو ألقي القبض عليهم متلبسين بأداء صلواتهم في مسجد ما أو ألقي القبض عليهم بجرم لحاهم الطويلة.
3-
عندما استباح النظام مدينة حماة في الثاني من شباط عام 1982 من القرن الماضي لتنفيذ مجزرة استمرت ما يقارب الشهر تقتيلا لأهلها كنا نقبع حينها في سجن القلعة البرج السادس وأذكر أنه قد تملكنا سخط اختلط بقهر عاجز لا حول لنا ولا قوة سوى اللطم والبكاء بصمت والشتم والدعاء على الظالم لمن اعتاد على الدعاء منا كوضعنا هذه الأيام في مواجهة ما يرتكبه النظام من مجازر مكررة في المدن والقرى السورية وخاصة في حمص .
4-
لا أدري إن كان من المجدي خدمة للموضوع المرور على ذاكرة حرب المخيمات التي دارت بين أيار 1985 و وتموز 1988 على يد منظمة أمل وميليشيا أحمد جبريل وقوات الصاعقة بدعم الكتائب الأسدية لطرد " فلول " عرفات كما سمونها في حينه توزعت إقامتنا أثناءها ما بين سجن الشيخ حسن وسجن عدرا .
5-
بالأمس , وفي سياق الانتفاضة السورية وأثناء هتاف أهل حمص لأهالي مدينة حماة أن "سامحينا" تحت عبء تأنيب ضمير جثم على صدورهم خوفا ثلاثين حولا يعيد النظام استنساخ نفس ما اقترف قبل ثلاثين عاما : الفرق هو أن ما جرى فيما مضى حدث خلف جدران مغلقة وكأنه نفذ بكاتم صوت , أما اليوم فلا حجة للصمت فإن عملية الذبح تجري أمام كل العالم , وأنا أسأل بدوري أبناء المدن السورية المستباحة إن اختلفت ردود الأفعال العالمية .
ثم ألا تتشابه المدد الزمنية المتداولة التي تقدمها "الجامعة العربية" ومجلس الأمن أو المهل الروسية التي تقدم للنظام لإنهاء الحراك الانتفاضي أو العصيان المدني هنا أوهناك في المدن السورية بالمهل التي أعطيت للكيان الصهيوني بالقضاء على الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة؟ . إنها تشبه مهلة الثلاثة أسابيع التي استغرقتها مجزرة مدينة أبي الفداء الأولى شباط 1982 لتنفذ كتائب الأسد مهمتها في القضاء على عصيان المدينة بتكلفة ما يقارب ثلاثين ألف شهيد ومثلها معاقين وضعفها مفقودين عدا المعتقلين , جرت في ظل صمت عالمي مطبق شارك فيه تقاعس حتى الأطراف السياسية السورية في حينه .
كيف يتحمل الضمير العالمي هكذا بكل بساطة عبء ما يشاهد من بث حي لتدفق دم الأطفال على أرصفة الشوارع وتناثر اللحم البشري على جدران المنازل ودموع الأمهات الثكلى وبكاء الرجال ويكتفي بمتابعة ما يجري جلوسا هكذا أمام شاشات العرض وبكل دم بارد؟ أم أن ما اقترفه ومازال الكيان الصهيوني بحق أهلنا في فلسطين ولبنان من مجازر وحصار وتجويع لأهل غزة قد دجن الضمير العربي والعالمي فاعتادوا مشاهد الدم ورائحة اللحم البشري المحروق؟ ربما نجد عذرا للعدو , أقول ربما , فما عذر الحاكم العربي بحق مواطنيه؟ فهل يتجرأ أحدكم بعد الآن أن يعترضني ويستهزأ برأيي إن أنا استنتجت أن الاستبداد الكولونيالي العربي الحاكم صنو الكيان الصهيوني بل أكثر إجراما منه وشرطا لبقائه وأن إسقاطه والتخلص منه هو شرط مسبق لإزالة الكيان الصهيوني والانتصار عليه وإعادة فلسطين ثانية إلى حضنها العربي؟ .

لقد أثارت المجازر المتدحرجة والمتوالية التي يرتكبها اليوم النظام السوري في المدن السورية الثائرة أمام أعيننا وعلى مدار عام كامل من الانتفاضة السورية ذكريات ما فاتنا من توثيقه من مجازر سابقة ارتكبها النظام مرارا بمباركة القوى الدولية نفسها راعية الكولونيال العربي .

لا يكتفي النظام بقتل السوريين وقصف أحيائها لتهديم منازل المواطنين وإثارة الفتن المذهبية والطائفية لإيصالها إلى حافة حرب أهلية لا تبقي ولا تذر بل وصلت صفاقته واستهتاره بالضحايا أن يجري انتخابات محلية زادها باستفتاء على "دستور" صيغ على مقاس رئيسه لإعادة إنتاج استبداده ويمهد لتوريث حافظ الصغير خارج صيغة "حزب" "البعث" الذي لم تتعدى وظيفته أصلا ومنذ انقلاب الأسد الأب (بضوء أخضر من ذات القوى الدولية والإقليمية التي تخشى اليوم عاقبة انهيار نظام ولده إن لو يودي سقوطه إلى تقسيم سوريا أو إيجاد حاكم بديل يتابع الحفاظ على صيانة أمن الكيان الصهيوني ) تضليل بعض من هانت عليهم أنفسهم من يسراويين وقومجيين , واستخدام شعاراته لتسويق سياسة " الممانعة" التي وهبت الكيان الصهيوني الهدوء والأمان الكافي لتمكينه من هضم ما احتل من هضبة الجولان عبر استيطانها وضمها نهائيا إلى الكيان بالرغم من أنه أثقل كاهل الشعب السوري والفلسطيني المقيم في سوريا باقتطاع ضريبة المجهود الحربي عدا مليارات الدولارات من المساعدات العربية التي تلقاها النظام منذ احتلال الجولان من أجل بناء جيش وأجهزة مخابرات أخطبوطية وكتائب أسدية استخدمها فقط في تنفيذ مهمات خاصة لذبح الشعب السوري والتجسس عليه والفلسطيني واللبناني , ثم راح يدعى بهتانا "مقاومة" العدو الذي يحتل أرضا قريبة منه جدا هي جزء من جغرافيا يحكمها ويتحمل مسؤولية وطنية وأخلاقية نحوها بسبب تفريطه هو نفسه بها عندما كان وزيرا للدفاع في حرب 1967 , ليساعد حليفا في تحرير أرض في لبنان وإعادة قرى احتلت في حرب 1967 في شبعا وغيرها هي أبعد بالنسبة لجيشه من أرضه الوطنية في الجولان , أو ليساعد حماس في تحرير فلسطين , متناسيا أن لسوريا أيضا أراض محتلة بما هو أكبر من فلسطين وجنوب لبنان ثلاث مرات , أم أن لبنان وفلسطين أرض عربية والجولان ليس , أم أن الشعب السوري لا يحتاجها؟ أو ليس للجولان أصحاب يحبونها ومستعدين لفدائها بأرواحهم ومن الواجب " العروبي " دعمهم ومساعدتهم في بناء مقاومة تمكنهم من تحريرها ليعودوا إلى منازلهم ومزارعهم فيها كما عاد اللبنانيون ؟ ألم يقتطع النظام من الشعب السوري والفلسطيني المقيم بجواره في سوريا ضريبة المجهود الحربي لشراء العتاد الحربي لتحقيق ذلك أم لقتلهم به؟! هل عدد وعتاد حزب الله وحماس وفدائهم لوطنهم أكبر من أهل الجولان أو أهل سوريا؟.

إننا نعتقد ومنذ استيلاء الأسد الأب على مقاليد السلطة في سوريا أن ليس لحزب البعث الذي لم تصدر منه اليوم ولو نأمة بسيطة كما قال الزميل ياسين الحاج صالح في إحدى مقالاته القريبة أي دور سياسي يذكر في تحديد أو القرار في آلية الحكم وأصحابه في سوريا , ولولا خشيتي من إثارة حفيظة رفاقي في مجموعة صلاح جديد لتجرأت وقلت منذ شباط 1963 واستيلاء مجموعة عسكرية ذات لون مذهبي واحد ومحدد على الجيش ومفاصل الأجهزة الأمنية . وإذا اكتفيت بما قاله الزميل ياسين حول تحليل طبيعة النظام السوري الحاكم منذ انقلاب الأسد الأب في تشرين 1970 وتوصيفه لآلية الحكم فيه فإنه لمن المهم أن أزيد عليه بأن الصفة الأساسية التي لازمت طبيعته منذ انقلابه وهي في الحقيقة من أهم خطاياه فترة "الأسدين" , الأب وأخيه والأصهار ثم الابن وأخيه والأصهار هو بما سعوا إليه من أجل إعادة إنتاج آليات سيطرتهم على السلطة في سوريا ووجودهم في سدتها والسعي لتأبيد هذا الوجود باجتراح فكرة توريث الحكم بتحويل الجمهورية إلى مملوكية هو باتباع سياسة تفتيت اجتماعي ممنهجة للبنية الشعبية السورية خطورتها أنها تحاذت مع خطوط التنوع المذهبي والطائفي والديني غطتها ممارسة أيديولوجية أطنب في صياغتها وترديدها خطاب سياسي وإعلامي مضلل من خلال اجترار مقولات لا يقصدها ولم يسعى إليها أصلا بل قام بانقلابه للانقلاب عليها من قبيل : "وحدة حرية اشتراكية" و" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " أو من قبيل "جبهة الرفض" و"الممانعة" و"المقاومة" . من هنا جاءت الحاجة للإبقاء على شعارات "البعث" من "قومية" أو"اشتراكية" . هذا يعني أنه لا يمكن الحديث عن دولة بمعنى ما تحويه الدولة من آلية حكم وإدارة من هيئات إدارية أو سياسية أو تشريعية أو دستورية أو نقابات أو اتحادات فترة حكم العائلة الأسدية لسوريا في ظل ما تعارف عليه العالم من دول , وللحقيقة نقول أن هذا لا يقتصر على النظام السوري وهو ليس فريدا في الوطن العربي وإنما يشترك بهذا مع كل الكولونياليات العربية الأخرى الحاكمة على الرغم من أن الأمور لدى الكولونيالية الأسدية السورية سكر زيادة.
لم يحتج النظام السوري منذ انقلاب الأسد الأب في تشرين 1970 لحزب البعث أو لأي حزب في "الجبهة التقدمية " الكراكوزية التي شكلها كمكياج لا غير , لانه اعتمد آلية لحكمه وسيطرته على سدة الحكم في سوريا على شبكة معقدة من الفساد والمحسوبية وانغلاق دائرة اتخاذ القرار على العائلة الأسدية , لم يخلو الأمر بالطبع حاجة وجود مستشارين وموظفين لتنفيذ الأوامر فسميت حكومات متعاقبة ورئيس وزراء ووزراء ومدراء ومجلس شعب وجبهة تقدمية , هذا هو الطابع العام الذي وسم الحياة الاجتماعية والسياسية لسوريا في ظل حكم العائلة الأسدية ومن لم يعجبه ذلك فقد اتسعت جغرافيا المملوكية لبناء سجون ومعتقلات كافية أو فليطرد خارج حدود المملوكية إلى المنفى . من هذا الواقع يمكن فهم آلية تنامى السخط على مدار سنوات حكم العائلة الأسدية لدى الفئات الاجتماعية المضطهدة المختلفة والمغلوبة على أمرها التي اضطرت إلى كظمه أربعين سنة ونيف خوفا وعندما زال هذا الخوف انتفضت.
أما فيما يتعلق بالطبقة الوسطى التي تميزت بها سوريا بعد الاستقلال فقد تآكلت رويدا رويدا حتى فقدت مواقعها ودورها السياسي في البنية المجتمعية السورية طردا مع نمو طبقة طفيلية وصولية اغتنت عن طريق نهب قطاع الدولة والاغتناء عن طريق العمل في سوق التهريب والسمسرة وفرض الأتاوة والخوة على جميع الأعمال مقابل ولائها التام للسلطة السياسية وطوع بنان الأجهزة الأمنية وأسوأ ما حدث من تحول اجتماعي هو ما يمكن تسميته بزواج متعة بين رجالات السلطة ورجال أعمال محدثين ربطتهم علاقة تنتفي عنها طبيعة نظام سياسي بقدر ما هي أقرب لنظام مافيا منها من علاقات السوق المتعارف عليها دوليا .
أما على المستوى الفكري فقد دأبت السلطة الأسدية في بداية حكمها على تشجيع نشاط فكر هجري فتحت الأبواب مشرعة لدعاته ورعته قابله ملاحقة وتضييق بالسجن أو النفي على القوى التقدمية التي تميز بها الشارع العام السوري بل الوطن العربي كله فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي .
ولكن شهر العسل لم يدم بينهما طويلا فقد قلبت السلطة لأصحاب الفكر الهجري ظهر المجن أواخر السبعينات من القرن الماضي عندما وصل بهم الأمر من التوسع للمطالبة باستحقاق سياسي يناسب انتشارهم الأفقي مما أدى إلى صدام مسلح ما ساهم في نشوء مناخ انتشار "علمانية" رثة هي أقرب إلى طائفية "أقلاوية" مضمرة وساقطة ترعاها عقلية أمنية إقصائية أدت إلى بروز نزعات طائفية صامتة وغير معلنة لدى أوساط واسعة عند "الأكثراوية" السنية مهيأة للانفجار في مواجهتها كرد فعل عليها . جرى ذلك على حساب فكر ديني متسامح يقبل التعايش المشترك , وتوجه علماني متعقل ديمقراطي هو من نتاج فترة ما بعد الاستقلال كصيغة متفق عليها كعقد اجتماعي بين الناس تميزت بها البنية الاجتماعية السورية المنفتحة وتوافقت مع طبيعة كيانها السياسي ذو التركيبة الفسيفسائية مذهبيا ودينيا وقوميا كأحد مفرزات اتفاقات سايكس-بيكو والتي فرضت عليه في الأصل من خارج إرادته بكل فئاته .
عام يكاد ينطوي على اندلاع الانتفاضة السورية حاول فيه ابن أبيه عبثا , وباستخدام كل ما ورّثه أبيه من أجهزة أمنية وكتائب طائفية و شبيحة و شبق الإيغال في دم المواطنين العزل عسا ينعش ذاكرة خوفهم المكتسبة مما اقترف أبيه سابقا من مجازر في حماة وغيرها من المدن السورية , لإعادة الشعب المنتفض إلى خنوعه السابق .
وعندما فشل في إعادة الشعب المنتفض إلى قمقم عبوديته راح يجهد ومنذ عدة أشهر بكل ما أوتي من مكر واستهتار وطني بالترويج لدى أبناء سوريا من الطائفة العلوية والدرزية والمسيحية ببعبع "الخطر السني" لإثارة حرب بل حروب مذهبية طائفية لتفتيت سوريا عاضده حماقة البعض من السوريين وخبث كولونيالي عربي محيط يسانده حماة الكيان الصهيوني الذين يتربصون بسوريا شرا .
يقترب العام من النفاذ ومازالت الانتفاضة السورية المتعطشة للوصول إلى بر الحرية والكرامة أكثر توهجا نجد من المفيد في هذا الصدد التأكيد على وحدة المعارضة السورية وتصعيد الكفاح الشعبي بكل الوسائل المشروعة والسعي الحثيث لانضمام كل الشعب للمشاركة بالانتفاضة وحمايتها وتصعيدها إلى ثورة شعبية للوصول إلى ذاك البر عبر إسقاط هذا النظام الدموي , وإفشال ما يخطط كل أعداء سوريا لتفتيتها وإفشال ثورتها .

عاشت الثورة السورية حتى النصر والموت للطغاة والرحمة للشهداء والحرية للمعتقلين والعودة للاجئين .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة صحفية مع أحد الشهود لمجزرة بورسعيد
- مجزرة تثير ذكرى مجزرة
- إلاما يومي بعض المعارضين السوريين من ترديد أغنية-ياوحدنا- , ...
- ما هي دلالات ومقاصد العمليات الانتحارية وتفجير السيارات المف ...
- مرة أخرى حول قوى اليسار في منطقتنا العربية
- بعد قرار الجامعة العربية سوريا إلى أين؟
- نداء إلى أحب بلاد العرب إلى قلبي
- تساؤلات حول مشهد الانتفاضة السورية
- مرة أخرى في ذكرى النكبة والنكسة
- إزالة آثار النكبة وحق العودة
- ليكف عجول السلفية عن توفير الغطاء للنظام لاستباحة الدم .
- ماذا بعد؟.......لكي لا يُهدر الدم السوري مرتين
- إطلالة على سورية ...ماض وحاضر
- هي شآم أحب بلاد العرب إلى قلبي
- تمرد الدم على السيف في درعا وانتزع الرّهاب من سوريا
- في بوادر الانتفاضة السورية
- الغرب الرأسمالي والنفط والانتفاضات العربية
- في تحرر المرأة
- في الانتفاضات العربية وأمريكا
- هل القذافي هو الشخص الأخرق الوحيد في ليبيا؟


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - عودة أخرى إلى المشهد السوري