أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)















المزيد.....

استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3659 - 2012 / 3 / 6 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


لمناسبة الذكرى المئوية للعالِم العراقي الدكتور عبد الجبار عبدالله نظّمت جمعية الأكاديميين العراقيين بلندن حفلاً تكريمياً له تثميناً لمآثره ومنجزاته العلمية الكبيرة. ونظراً لطول فقرات الحفل التكريمي وتعددها فستقتصر هذه التغطية على الجزء الأول منها، وسوف نخصص مقالاً آخر لتغطية الجزء الثاني منها. تضمّن الجزء الأول ثماني فقرات غالبيتها تحيات ورسائل، وبعضها خطابات بصرية وفنية رطبت الجو العلمي الصرف وخففّت من غلواء تنظيراته التي تجاوزت حدود العلم والمعطيات الفكرية للمُحتفى به إلى دهاليز السياسة وتأثيراتها السلبية على هذا العالِم الكبير الذي قدّم خدمات علمية جليلة ليس إلى العراق حسب، وإنما للعالم برمته.
أُستهل الحفل بعرض فلم وثائقي عن العالم عبد الجبار عبدالله عنوانه (أعاصير الغربة والحنين)، وهو من إنتاج الهيئة الإدارية لنادي التعارف. وسوف نتوقف عند تفاصيل هذا الفلم الوثائقي الناجح في مناسبة أخرى، لكن عرضه في حفل التكريم أمدّ الحاضرين بمعلومات قيمة عن حياة عبد الجبار الشخصية ومنجزاته العلمية الكبيرة في ثلاث وعشرين دقيقة لا غير!
أول الغيث
لا شك في أن غالبية العراقيين في المملكة المتحدة يعرفون الإعلامي القدير فلاح هاشم الذي يتوفر على ملَكَة صوتية متفرِّدة لا تُخطئها الأذن المرهفة، ولكن كلمته الافتتاحية بدت طويلة جداً وكانت تصلح أن تكون مادة من مواد المتحدثين في حفل التكريم لما تنطوي عليه من معلومات جيدة أعطت صورة شبه متكاملة عن حياة الراحل عبدالله، لكن هذه المعلومات لا تخرج بشكل أو بآخر عن المعلومات الدقيقة التي قدّمها الفلم الوثائقي الرصين، وسوف يتكرر ذكر بعض الوقائع سواء في حديث الأستاذ فلاح هاشم أو الدكتورة عالية الحمداني مثل حادثة حمل الدكتور عبدالله للمظلة التي تكررت ثلاث مرات في مواضع متفرقة، غير أن ورودها على لسان فلاح هاشم منحها نكهة أخرى لأنه قدّمها بصيغة أدبية مرموقة حيث قال: ( كان في بغداد رجل يحمل مظلّة حارَ في شأنه من رآه، أهي لدرء الشمس أم لدرء المطر؟ فشمس الشتاء لذيذة والسماء ليست ملبدة بالغيوم فما السر في حمله للمظلة؟ قال ستمطر السماء وضحك الحاضرون ضحكة لم تدم طويلاً حيث انهمر مطر مفاجئ بعد قليل). ثم يمضي الأستاذ فلاح هاشم في كلمته القيّمة إلى أن (هذا الرجل الناحل القادم من قلعة صالح في العمارة، ليس عرّافاً ولا ضارباً في الرمل، إنما هو معني بالأنواء الجوية). يمهِّد هاشم في حديثه عن الإرث الاستبدادي الذي نتوفر عليه تاريخياً على مرّ العصور، فلا غرابة أن يُزّج بالدكتور عبد الجبار إلى السجن وينكَّل به أسوأ تنكيل على أيدي جلادي 8 شباط 1963. فهذا هو دأب الأنظمة المستبدة التي تخطف البلاد والعباد في رابعة النهار و ( ترجم بالحجارة نازعي الغبار عن أعين الناس، وترميهم بالزندقة، وتشوّه تاريخهم، وتحاول طمس آثارهم)، لكنها لن تفلح في مسعاها الخائب، لأن أعمار الطغاة قصيرة مهما استطالت، وأن الشعوب هي الباقية على مرّ التاريخ. يمكن اختتام كلمة الاستاذ فلاح هاشم بقوله المعبِّر (إن تاريخ الإنسانية مليء بالمبدعين الذين أحدثوا ثقوباً في جدار الظلمة)، بل أن عبد الجبار لم يكتفِ باختراق الظلمة فقط، وإنما أوقد أكثر من شمعة لإزالة حجب الظلام، وأكثر من ذلك فقد كان عراقياً أصيلاً يسيّد هويته الوطنية على أي توصيف ديني أو مذهبي أو عرقي، فلا حاجة إلى ذكر طائفته التي نعتز بها في زمن الاصطفافات الطائفية المقيتة المتخلفة.
عبقري الجيل
قال الدكتور سعدي النجار، رئيس جمعية الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة مخاطباً أبناء عائلة العالِم الراحل عبد الجبار عبدالله والحاضرين: (يحق لكم أن تفخروا بوالدكم فإنه نِعم الأب والمربِّي، ويحق لنا جميعاً أن نكون فخورين بابن شعبنا البار الفذ ونعتبره مثالاً يُحتذى به). كان عبد الجبار علَماً بارزاً بين أقرانه وزملائه المنهمكين في أبحاث الفيزياء الجوية، إذ نشر العديد من الأبحاث الأصيلة والمتميزة التي تجاوزت الثلاثين بحثاً، خصوصاً بعد أن نال شهادة الدكتوراه من الـ (MIT)، وهو يعني معهد ماساتشوستس للتقنية، هذا المعهد الأميركي الذي درّس فيه العديد من العلماء والأستاذة المتميزين، ويكفي أن نشير هنا إلى أن عدد العلماء الذين نالوا جائزة نوبل من هذا المعهد قد بلع (64) عالِماً. أشار النجّار إلى (أن أبحاث الدكتور عبد الجبار عالجت معضلات جمّة وتنبأ بواسطتها عن حدوث الأعاصير والزوابع قبل وقوعها، واستخدم في أبحاثه قدرته الفائقة في الرياضيات، حيث أخذ عنه الكثير من الباحثين على الصعيد العلمي). ثم توقف النجّار عند دور الدكتور عبد الجبار الرائد في التعليم والتعليم العالي حيث قام بتأليف وترجمة الكتب المنهجية مثل (نظرية الصوت)، و(الفيزياء الذرية والنووية) لمؤلفه هنري سيمات الذي ترجمه عن الإنكليزية مع ملحق إضافي. لا نريد أن نكرر نفس المعلومات التي وردت في الفقرات السابقة عن دوره في تأسيس الجامعات العراقية ودفاعه المستميت عن الحرم الجامعي، وحرية الأساتذة والطلبة الجامعيين، (وأن تكون الكفاءة والمقدرة أساساً في شَغل المناصب). وذكّر النجّار بضرورة قراءة (مقدمة دليل جامعة بغداد) التي تعطي فكرة وافية لآراء د. عبد الجبار وأطاريحه الثقافية والعلمية في آنٍ واحد. وقد استشهد بمقالة د. طارق الخضيري الذي وصفه في العنوان المعبِّر (عبد الجبار عبد الله عبقري الجيل). واختتم النجار كلمته بالتأكيد على استقلالية الجامعات، وتمنى على الحاضرين، وجلّهم من الأساتذة والمتخصصين الأكاديميين أن يثبتوا وجودهم بمآثرهم وإنجازاتهم العلمية التي تخلّد الإنسان، تماماً كما فعل الدكتور الراحل عبد الجبار، الغائب الحاضر الذي يعيش في ضمائرنا وقلوبنا وعقولنا.
عقليات فذّة
استهلّ الدكتور عبد الرزاق العيسى، المستشار الثقافي العراقي بلندن كلمته التي نابَ فيها عن وزير التعليم العالي الأستاذ علي الأديب بتحية القائم بالأعمال العراقي الدكتور محي الدين حسين عبدالله، كما حيّا الحضور بكامل ألقابهم العلمية والمهنية الرفيعة. وقال بأنه وجّه دعوة جمعية الأكاديميين العراقيين بلندن إلى معالي الوزير فكان ردّه بالشكر والثناء الكبيرين على مبادرتهم الكريمة في تنظيمهم هذا الحفل التكريمي المهيب. وأضاف العيسى بأنه يقف مستذكِراً مع هذا الجمع الخيّر (علَماً من أعلام الفكر والعلم من الذين أنجبتهم تربة بلدنا العراق الحبيب). أشار العيسى بأن العراق يتوفر على (عقليات فذة، وذهنيات وقّادة) يستفيد منها الوطن، كما تنتفع منها البلدان المجاورة، وكذلك المهاجر الإجبارية والاختيارية على حد سواء، وربما تكون بريطانيا هي الأنموذج الأمثل للإفادة من طاقة الكفاءات والخبرات العراقية المهاجرة. لا يفوّت المستشار الثقافي فرصة في تذكير نفسه أو هزّ ذاكرة الآخرين (بحجم ما أصاب علمائنا ومفكرينا من تقتيل وتشريد وإقصاء وتهميش في زمن العقود المظلمة البائدة التي خيّم ظلها الثقيل على مجتمعنا منذ عقود السبعينات حتى نهاية الدكتاتورية البعثية عام 2003، في وقت شهِد العالم قفزات متسارعة في النمو الاقتصادي والعمراني والعلمي بمختلف المستويات). فما إن تداعى الحكم الاستبدادي في العراق حتى اكتشفنا الفارق المروِّع بيننا وبين البلدان المتحضرة التي قطعت أشواطاً طويلة في التقدم والبناء. وحثّ العيسى كل المعنيين في الحكومة العراقية الموقرة على اللِحاق بركب الأمم المتقدمة وذلك من خلال بناء معاهدنا التخصصية ومؤسساتنا العلمية بغية ردم الهوّة الكبيرة، وتجاوز الخسارة الزمنية الفادحة التي أضاعها النظام الاستبدادي السابق في حروبه العبثية داخل العراق وخارجه. أشار العيسى إلى أن اليأس لن يعرف طريقه إلى مفاصل حياتنا الجديدة وطالبَ كل أبناء العراق الأعزّاء أن يضعوا في أذهانهم قائمة طويلة من الأسماء اللامعة ( كالمُحتفى به الأستاذ الدكتور عبد الجبار عبدالله، والأستاذ الدكتور علي الوردي، والأستاذ الدكتور طه باقر) وغيرهم، هذا إضافة إلى الصفوة المباركة من أعلام العراق الذين كانوا حاضرين في حفل التكريم. أكدّ العيسى بأن هؤلاء الأعلام العراقيين قادرون على اختصار الزمن، وردم الهوة، وتعويض ما فاتنا من العلوم والمعارف من خلال (وضع استراتيجية دقيقة لاختيار العناصر الكفوءة المبتعثة من الشباب من جهة، ومحاولة استقدام الكفاءات العراقية من مختلف أنحاء العالم من جهة أخرى) والعمل على ترصين أسس البحث العلمي في جميع المعاهد والجامعات العراقية. استذكر العيسى، ابن الجنوب العراقي الذي كان متفوقاً في مختلف مراحله الدراسية، ومؤهلاً لرئاسة جامعة بغداد عام 1958، لكن العصابات البعثية التي خطفت السلطة في عام 1963 وقفت حاجزاً أمام قدراته العلمية المتميزة، ونزوعه الوطني الخالص فلاغرابة أن يصبح مهاجراً عام 1964 تتناوشه أعاصير الغربة وينتابه الحنين الممض إلى الوطن العزيز. يُدرك العيسى أهمية العقول المهاجرة وينبِّه من خسارة بقائها في المنافي البعيدة عن الوطن، ويحثّ على استقدامهم بأي شكل من الأشكال بغية إعادة التعليم العالي في العراق إلى نصابه الصحيح، كما يشدّد على ضرورة (أخذ الحيطة والحذر من الذين يدّسون السمّ بالعسل) وحرّض على أن يكون هذا (الاحتفال دافعاً للتمسّك بعراق يعلو فيه صوت العلم والمثقف والمفكر، لا أصوات الاستبداد والتمييز) وختم العيسى مشاركته بالثناء على الجهود التي تبذلها جمعية الأكاديميين العراقيين بلندن في مجمل أنشطتها الثقافية ونقلَ خالص عزائه لأسرة المغفور له الراحل عبد الجبار عبدالله، وتوجّه بالدعاء إلى الله أن يحفظ العراق وشعبه من كل مكروه.
شهادات عائلية
قدِمت الدكتورة ليلى الرومي من غلاسكو لكي تمثِّل عائلة المُحتفى به د. عبد الجبار عبدالله، وقد شكرت جمعية الأكاديميين على تنظيم هذا الحفل، كما نقلت المشاعر العميقة والجيّاشة لأبناء عبد الجبار (سنان وهيثم وثابت) إلى جميع الحاضرين، واعتذارهم عن حضور الحفل لظروف خارجة عن إرادتهم، وتمنياتهم بنجاح المؤتمر. وقالت بأنها لا تريد أن تتطرق إلى حياته الشخصية خشية أن تكون عاطفية في طرحها، ثم أن التفاصيل معروفة لمعظم الحاضرين. وأضافت بأن منْ يريد الاطلاع على التفاصيل فبإمكانه أن يقتني الكتب المُؤلفة عن د. عبد الجبار ويقرأها، خصوصاً وأنها مكتوبة من قبِل أدباء وعلماء عراقيين وغير عراقيين ملمّين بحياة عبد الجبار الشخصية وبنظرياته ومنجزاته العلمية والثقافية. ذكرت الرومي بأن احتفالنا بعبد الجبار هنا، أو في أي مكان آخر من العالم ليس لكونه عالِماً فيزيائياً، وصاحب نظريات متطورة في علم الأنواء الجوية حسب، وإنما لكونه رمزاً للأكاديميين والمثقفين العراقيين، وأنموذجاً لتحرر وتطور العقل العراقي في حقبتي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وقدوة تحتفي به الأجيال التي جاءت بعده. (تساءلت الرومي عن سبب بقاء اسم عبد الجبار عبدالله حياً في أذهان العراقيين كل هذه العقود؟ وأجابت بأن الدور الذي لعبه في بناء وتطوير وتثبيت استقلالية جامعة بغداد بعد أن عُيِّن عميداً للجامعة في الشهر الثالث لسنة 1959 كان السبب وراء بقائه في الذاكرة الجمعية). شوّقت الرومي الحاضرين حينما قالت بأنها (ستروي قصتين جديدتين في هذه المناسبة، الأولى أنهم حينما ناقشوا في مجلس الوزراء قضية ترشيح عبد الجبار لمنصب عميد الجامعة اعترض نجيب الربيعي، رئيس مجلس السيادة آنذاك، لأن عبد الجبار ينتمي إلى طائفة الصابئة المندائيين، فردّه أحمد يحيى محمد، وزير الداخلية آنذاك قائلاً: (سيدي احنا نريد رئيس جامعة، مو إمام جامع). وقد حسم الرئيس عبد الكريم قاسم المسألة حينما وقع اختياره على عبد الجبار على أساس مؤهلاته الشخصية، ومنزلته العلمية، وكفاءته التعليمية. وقال بما معناه بأن الثورة لا تفرّق بين دين وآخر، ومذهب وآخر، بل هي جاءت لكي تضع كل إنسان عراقي مهما اختلف دينه وشكله وقوميته في المحل المناسب). وهذا هو نفس الأسلوب الذي كان يتبعه عبد الجبار في تعامله مع الكوادر التدريسية والطلاب، إذ تلعب المؤهلات العلمية والثقافية دوراً كبيراً في حسم أية مسألة من هذا النوع، ولا دخل للميول السياسية أو الانتماءات الدينية والطائفية في ذلك. كما كان يركز على استقلالية الجامعة وأن تكون لها ميزانية خاصة. لا أظن أن القصتين اللتين روتهما الرومي جديدتان، إذ قرأْتُهما غير مرة في أكثر من منبر، ولكن تبدو تفاصيل قصة سجنه هي الجديدة، فحتى مقدِّم الحفل فلاح هاشم ذكر بأن د. عبد الجبار قد سجن في (قصر النهاية) سيء الصيت، ولكن الحقيقة هي غير ذلك، فإن الذي ذهب إلى (قصر النهاية) هي ليلى الرومي نفسها، وليس عبد الجبار عبدالله. فقد أُعتقل عبد الجبار في الملعب الرياضي بالأعظمية، وبعد أن أهانوه بدنياً نقلوه إلى معسكر الرشيد فأرسلَ من هناك رسالة إلى زوجته في شباط 1963 يطمئنها على حياته ونتائج محاكمته لأنه هدفه هو خدمة الناس، وأنه لم يؤذِ أحداً. وهذا ما قالته الرومي حرفياً. ذكرت الرومي بأنها ومن خلال تجربتها الشخصية( كانت تعرف بأن عبد الجبار كان يشجع على تثقيف البنات، ويحرّض على دخولهن الجامعة، ويدعو إلى تنمية قابلياتهن العلمية، وكان لا يفرّق بين الفتى والفتاة في قبولهم في الجامعة، فالمعدل هو الذي يحسم أمر القبول). أشارت الرومي بما معناه بأن عبد الجبار كان يطبق حقوق الإنسان قبل أن تُدوّن هذه الحقوق عام 1949. ومن الأمور الطريفة التي أوردتها الرومي أنها سألت سناناً قبل كتابة هذه الكلمة: ما أهم صفات والدك؟ فأجاب بعبارة واحدة (خوش آدمي). وحينما سألت ولده الثاني ثابت عن أهم إنجازات والده؟ فقال: تثبيته لاستقلالية الجامعة العراقية. وقبل أن تنهي حديثها قالت بأنها استلمت هذا الصباح إيميلاً بالإنكليزية من ثابت عبد الجبار عبدالله يطلب منها أن تقرأه بغية تصحيح بعض المعلومات الخاطئة عن والده الراحل. ومن بين هذه المعلومات (أن والده لم يدْرس على يد ألبرت أنشتاين، لأن أنشتاين كان في برنستون، بينما حصل عبد الجبار على شهادة الدكتوراه في العلوم من أم آي تي. كما كان أنشتاين متخصصاً بالفيزياء النظرية، بينما كان تخصص والده علم الأرصاد الجوية أو علم الظواهر الجوية). ويمضي ثابت في رسالته الأليكترونية (إلى أن والده عبد الجبار لم يستلم أية ميدالية أو جائزة من الرئيس ترومان، أو أي رئيس أميركي آخر. وكان دائماً فخوراً جداً بجنسيته العراقية، عاش ومات وهو يحمل جنسية واحدة، وظل مواطناً عراقياً. ولهذا السبب لم يستلم أية جوائز من الحكومة الأميركية على الرغم من أنه حصل على مُنَح بحثية كبيرة من شركات أميركية). أما النقطة الثالثة التي تستحق التصحيح فهي (أن بعضاً من الناس يقول بأن عبد العزيز الدوري كان صديقه، ولكن هذا ليس صحيحاً. فالدكتور عبد الجبار عبد الله هو الذي ساعد الدوري عندما قُبض عليه بسبب القيام بأعمال تخريبية في أثناء حقبة عبد الكريم قاسم وقد تأكد من إخلاء سبيله وأُعيد إلى وظيفته في الجامعة لأنه شعر بأن الحكومة يجب أن لا تتدخل في استقلالية الجامعة). وحينما (قُبض على عبد الجبار بالخطأ بعد انقلاب 1963 لم يحرّك الدوري ساكناً لمساعدته). يرى ثابت عبد الجبار بأن كل ما قيل عن إنجازات والده العلمية كان مهماً حقاً، لكنه يعتقد بأن أهم إنجازاته على الإطلاق (هو دوره الأكبر في تأسيس جامعة بغداد ووضع الأسس للتعليم العالي في العراق). كما ساهم في تأسيس جامعتي البصرة والموصل إضافة إلى عدد من المعاهد في مختلف أنحاء العراق. كان عبد الجبار يحلم بتوفر العراق على 3-4 جامعات ذات كفاءة عالية وعدد من المعاهد المتخصصة التي تلبي حاجات الوطن غير أن حكم البعث، وفي حقبة صدام حسين تحديداً، نفّذ إستراتيجيات معاكسة تماماً، فالعراق يتوفر الآن على عدد كبير من الجامعات ذات المستوى الهابط وتخرّج طلبة بمستويات متدنية جداً. يكرر الابن ثابت قصة سجن أبيه من قبل جلادي 8 شباط، وهو يرى بأن الانقلابيين قد وضعوا حداً لطموح والده بإنشاء أفضل المعاهد والجامعات، وهو الشخص الذي ساعد على تطوير التعليم العالي في العراق على الرغم من أنه لم يكن ناشطاً سياسياً. يختم ثابت رسالته بالقول (بأن أباه كان فخوراً بخلفيته المندائية، إلاّ أنه رفض أن يعرّف نفسه بأي شيء آخر غير مواطنتة العراقية). ولهذه الأسباب كلها يعتقد ثابت بأن ذكرى والده قد عاشت في قلوب العراقيين جميعاً.
رسائل وعزف منفرد على أوتار الروح
قرأتْ عالية الحمداني الرسالة الموجهة من طارق الخضيري التي تكشف عن اهتمامات عبد الجبار العلمية المبكرة، وخاصة بالأنواء الجوية، حيث كان يجري بعض التجارب في منزله، ويستعمل المحرار، ومقياس الضغط الجوي وما إلى ذلك. ونعرف من خلال هذه الرسالة بأن الخضيري التقى بعبد الجبار مرتين، ولم يتسنَ له أن يتعرف عليه من كثب، ولكنه لمس مزاياه العلمية والإنسانية عن طريق النهج الإداري الذي كان يتبعه في رئاسة الجامعة وتأكيده الصارم على استقلاليتها.
أضفت عازفة الفلوت، الفنانة سوزان خالد جواً حميماً على الاحتفالية، إذ عزفت أول الأمر أغنية (عاللي جرا) للفنانة التونسية المعروفة عليا، كما عزفت لاحقاً أعنية (حنّا السكران) للسيدة فيروز. وكنت أتمنى أن تُفرَد لهذه الفنانة المبدعة جلسة خاصة تتوفر على مجمل الاشتراطات الإنصاتية شبه المقدسة كي توصل رسالتها إلى شغاف المستمعين وتلامس مخيلاتهم المجنّحة.
اختتمت السيدة فوزية العلْوجي، نائب رئيس المنتدى العراقي بلندن الجزء الأول من الحفل بكلمتها القيّمة عن الراحل عبد الجبار عبدالله وتأسفت لأننا (نكرِّم علمائنا ومبدعينا بعد فوات الأوان). كما تطرقت إلى مزاياه العلمية وخصالة الشخصية، وتمنت أن يُقام له نصب، وأن يقترن اسمه ببعض الجوائز العلمية الرصينة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السخرية السوداء واللغة المبطنة في روايات الداودي
- الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران
- الأحزاب الدينية والسينما العراقية
- الشخصية المنشطرة وتعزيز الأمكنة الافتراضية
- الحقوق المائية
- رواتب البرلمانيين العراقيين
- القرصنة والابتزاز
- مُحفِّزات أعمال الشغب والعنف في بريطانيا


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)