أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق-الحلقة الاولى















المزيد.....

السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق-الحلقة الاولى


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1078 - 2005 / 1 / 14 - 10:27
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إن السبب الذي يجعل السياسي كثير التشدق بكلمات المقدس والدفاع عن المقدسات وما شابه ذلك يقوم أساسا في افتقاده المقدس. فالسياسة هي من بين الامور الاكثر بعدا عن المقدس بوصفه المجرد عن الابتذال. مع أن السياسة تتضمن مساعي تجسيد الحق والعدالة وغيرها من القيم التي تشكل المضمون الملموس لتجليات المقدس. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار كون كلمة المقدس من بين اكثر الكلمات تعقيدا بالنسبة للتفسير العقلاني والتأويل الوجداني وذلك بسبب صعوبة حصر مضمونها بأمور هي نفسها عرضة للزوال، من هنا يتضح تعقدها حال ربطها بالسياسة. إذ لا يمكننا عزل مضمون السياسة وأسلوب فعلها وكيفية تجسيد وظائفها عن المصالح. والمصالح مكون يتراكم ويجري التأسيس له بمعايير النفس والجسد في ظل تباين أو اختلاف أو تناقض القوى والأطراف والجهات. إضافة إلى الطبيعة المتغيرة نفسها للمصالح.
ومع أن اصل المصالح من المصلحة فإن ذلك لا يجعل منها في ميدان السياسة ومعاييرها العملية وغاياتها الفعلية رديفا للصالح والاصلح والصلاح. وذلك لان السياسة نفسها عادة ما تصبح جزءاً من لعبة المصالح. وهي لعبة تحكمها في نهاية المطاف قواعد هي بحد ذاتها مجموعة وسائل متبدلة متغيرة لا تحتكم إلى الأخلاق المطلقة. وهو أمر طبيعي لان السياسية جزء من الطبيعة المباشرة وليس من مكونات الروح المتسامي. من هنا استحالة تناسق السياسة والمقدس. فلكل منهما ميدانه ووسائله وغاياته. ومع أن أحدهما يحدد الآخر في ميدان القيم ومستوى تأسيسها النظري والعملي، الا أن ذلك يبقى جزء من ارتقاء أو انحطاط كل منهما. فليست السياسة فقط مستعدة للانحطاط والرذيلة، بل والمقدس أيضا عندما يصبح جزءاً منها.
فعندما ننظر إلى ما حولنا من مظاهر الوجود، فإنها تشير جميعا إلى أن كل ما في الكون عرضة للتغير والتبدل. ومن ثم فإن كل القيم التي تبدو في مظهرها شديدة الثبات تنحلّ كما لو أنها من مخلفات الماضي وبقاياه الميتة. وهي حالة تجعل من الضروري أيضا إعادة النظر النقدية بفكرة المقدس وتأويلها الوجداني بالشكل الذي يجعلها حية وإنسانية من حيث دوافعها وغاياتها. لاسيما وان الكثير من الأعمال الإجرامية التي جرى ويجري اقترافها في العراق حاليا عادة ما تؤطر وتقدم على انها جزء من تاريخ "مقدس".
فقد مارست التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مختلف أصناف الإرهاب الشامل تحت شعارات لا تتمتع بأية رؤية واقعية وتاريخية، ومع ذلك حاولت أن تعطي لها أبعادا ما فوق تاريخية من خلال ربطها "برسالة خالدة" لأمة لم تتكامل بعد! أما النتيجة فهي الإفساد الشامل لفكرة القومية العربية وتشويه محتواها وتخريبها الفعلي. وهي رؤية تشاطرها الكثير من الحركات الدينية والدنيوية، اليسارية واليمينية، القومية والاشتراكية في العراق. مما يعطي لنا إمكانية القول، بأن ضعف الرؤية الواقعية والتاريخية المشار إليه أعلاه يختبئ في معظم جوانبه وراء البحث عن صيغة أسطورية تلتهم كلمات "المقدس" من اجل تبرير ضعفها البنيوي في ميدان العمل السياسي وبالأخص فيما يتعلق منه ببناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني.
وهو ضعف لازم، في تاريخ العراق المعاصر، كيفية تشكل الدولة الحديثة وابتعادها المتزايد عن كينونتها السياسية ومضمونها الاجتماعي. مما جعل منها في نهاية المطاف كيانا مغتربا اغترابا تاما ومناقضا لوظيفتها السياسية والاجتماعية، بوصفها أداة لإدارة شئون الحياة. وضمن هذا السياق يمكن فهم "الجرأة" التي تميز كثرة من الأفعال الإجرامية التي يجري اقترافها وتقديمها على انها جزء من الدفاع عن "المقدسات". وهي أفعال تفترض الإدراك الواعي والمحدد ضد من يجري تنفيذه، وبالتالي، تتضمن قدرا من "الوجدانية" و"الروحية" و"التاريخية" في تنفيذه. بمعنى انها تحتوي على تأسيس فكري وأيديولوجي وسياسي لقيمتها الفعلية في الصراع الدائر في العراق. وهي أفعال تشير من حيث مقدماتها ومجرياتها ومغزاها إلى انها جزء من المعترك السياسي والاجتماعي والثقافي في العراق. وفي بصماتها تشير إلى قوى تتصف بمستوى عال من التعصب العقائدي، الذي اكثر ما يميز في ظروف العراق الحالية التيارات الراديكالية الشيعية والسنية، أو الاصولويات الجديدة فيه.
فمن الناحية الظاهرية والشكلية لم يكن تخريب وتدمير "الأماكن المقدسة" فعلا غريبا في تاريخ الدول والأمم والأديان، بما في ذلك في تاريخ الإسلام. فقد جرى هدم وتخريب الكعبة مرارا بدأ من الأموية وانتهاء بالوهابية. وبغض النظر عن اختلاف البواعث والغايات، الا أن النتيجة المعنوية كانت واحدة على الدوام، الا وهي هدر القيمة الوجدانية لفكرة "المقدس". ومع أن الإسلام لا يقر بقدسية المكان الجغرافي، الا انه يتضمنه سواء في موقفه من "وادي الطوى" و"بيت الله الحرام". لكن مضمون الموقف الإسلامي يقوم في رفع شأن الأبعاد المجردة للحق، كما في الآية القائلة "أينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله". وهي فكرة تجرد المقدس عن الحصر في مكان معين. بمعنى سموه عن الحصر والحشو والتجسيم. وليس مصادفة أن يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب هو يقبل الحجر الأسود، قوله بأنه يعلم بأنه مجرد حجر، ولولا انه لم ير النبي محمد يقبله لما قبله. وهو موقف يشير إلى تقليد الفعل الظاهري وقيمة التقاليد المعبرة عن معنى الانتماء الوجداني لا غير. وهي رؤية واقعية وعقلانية تتصف بعمق ثقافي هائل بالنسبة لتراكم القيم والمواقف التاريخية الاجتماعية. وليس الا الانحطاط التاريخي لعالم الإسلام وجمود ذهنيته الثقافية هو الذي جعل من الحجر الأسود مجرد حجر لا غير، وبالتالي تحويل شعائر الاقتراب منه إلى فعل مقدس، مع انه لا قدسية فيه كما هو. وليس مصادفة أن يدور بعض المتصوفة حول حجر يضعه في بيته ويتبرع بأموال سفره إلى الحج للأيتام والفقراء. وإلا فكيف يمكن فهم صرف الأموال الكبيرة من اجل تحسن شروط الحج، بينما تتكرر النتيجة سنويا، وهي موت العشرات والمئات وهم يرشقون حجرا بحجر! بينما لم يكن المعنى والمضمون الوجداني للرمي سوى رمي حجارة النفس أو وثنيتها من اجل تنقيتها باسم الحق.
فعندما نتأمل تاريخ الأحداث التي رافقت "قتل الشيعة" و"هدم أماكنهم المقدسة" في زمن التوتاليتارية والدكتاتورية واستمرار بعض نماذجها الإرهابية في الوقت الراهن، فإننا نستطيع العثور على قدر من التوليف المفتعل لتقاليد اتسمت تاريخيا بالتعصب والجمود ونفسية الانتقام المتربية بأحضان الاستبداد والانعزال الثقافي، أي كل ما يمكن دعوته بالوثنية الهمجية. وهي أيديولوجية تشكل في الواقع مضمون الفعل السياسي لمن يمكن دعوتهم بالغلاة الجدد!



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التيار الإسلامي ومهمة تأسيس البدائل العقلانية في العراق
- الحلقة الثانية-البروتوكولات الصهيونية-الماسونية اليهودية الص ...
- الحلقة الاولى - البروتوكولات الصهيونية - تقاليد قواعد العمل ...
- الفساد والإرهاب توأم الخراب في العراق المعاصر
- (4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3
- 2.الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق-الحلقة الاولى