أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - برهان غليون - الأزمة العربية الأمريكية: على نفسها وغيرها جنت براقش















المزيد.....

الأزمة العربية الأمريكية: على نفسها وغيرها جنت براقش


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 248 - 2002 / 9 / 16 - 02:49
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

أخبار الشرق - 15 أيلول 2002

عندما انفجرت الأزمة الدولية الكبيرة في أعقاب العمليات التي قيل إن منظمة القاعدة الاسلامية قامت بها في الحادي عشر من أيلول 2001, كان من الواضح أن الولايات المتحدة سوف تستثمرها أقصى استثمار في سبيل تصفية الحسابات القديمة التي لم تجد فرصة لتصفيتها مع جميع الأطراف الدولية الحكومية والأهلية من جهة وتوسيع دائرة هيمنتها العالمية وتأكيد قيادتها أو دورها القيادي على اتساع الكرة الأرضية من جهة ثانية.

كان هذا الميل واضحاً في الإدارة الأمريكية لدرجة كنا نشكك مع العديد من الأوساط الدولية الأخرى بأن لا يكون للبنتاغون أو للمخابرات المركزية ضلع ما فيها. وقد كنت أعتقد ولا أزال أن بعض أوساط الأمن الأمريكي كان على علم بأن عمليات إرهابية ما كانت في عداد التحضير ولكنها لم تتصرف بالسرعة الكافية إما لأنها كانت واثقة أكثر مما يلزم بأن أراضي الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون هدفاً لمنظمات إرهابية أو لأنها كانت تريد أن تستخدمها في سبيل تبرير انقلاب سريع في السياسات الأمنية القومية لكنها لم تكن تتصور أن تكون بالحجم والقوة التي كانت عليها.

وبهذا المعنى يمكن أن تكون قد وقعت هي نفسها في الفخ التي كانت قد نصبته لغيرها. لكن بصرف النظر عمن قام بهذه العمليات ومسئولية أجهزة الأمن الأمريكية, كان من الواضح من الأيام الأولى أن أمريكا لن تترك مثل هذه الفرصة تمر من دون أن تستغلها لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى تلقى معارضة كبيرة من قوى عالمية متعددة لم تهضم ولن تهضم استفراد واشنطن بالقرار الدولي بعد زوال الحرب الباردة وقطعها الطريق على تكوين نظام متعدد القطبية حتى لو لم يكن متساو أو متكافئ في المسئوليات. وهكذا قامت الادارة الامريكية الجديدة ببلورة مفهوم واستراتيجية الحرب الدولية ضد الارهاب لتجبر جميع الفرقاء الدوليين, الكبار والصغار, على الركوب معها في مركب واحد, والتعاون معها في إيصال المركب إلى الوجهة التي تريدها واشنطن وحدها, من دون سؤال ولا تردد ولا حتى التفات إلى الوراء.

وكان من الواضح كذلك أن المسرح الرئيسي للحرب العالمية ضد الارهاب لن تكون أوروبا ولا آسيا ولا أمريكا اللاتينية ولا أفريقيا، ولكن منطقتين رئيسيتين هما آسيا الوسطى والشرق الأوسط. فمن جهة أولى تحتوي المنطقتان على أهم مخزونات الطاقة العالمية وتحتلان مواقع استراتيجية استثنائية تجعلها موضع تنافس تاريخي بين القوى الدولية المتنافسة الآسيوية والأوروبية والأمريكية, ومن جهة ثانية لم تنجح أي منهما في تجاوز تفتتها وهشاشتها الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية. فهما منطقتا قلاقل واضطراب وعدم استقرار. وبالإضافة إلى ذلك فقد كانا المصدرين الرئيسين في العقود الثلاثة الماضية للمنظمات والحركات الموسومة بالارهابية ومركز الحضارة التي اعتبرها المنظرون الأمريكيون اليمينيون على أنها الحضارة التي لا تزال تقاوم الغرب وتتعارض في قيمها ومبادئها مع ثقافته وترفض التفاهم والحوار. إن صورتهما هي صورة المناطق المتمردة والعاصية على عهد السلام الغربي حلم خاصة الأمريكي.

ومما لا شك فيه أن الفوضى السياسية والاجتماعية والعقائدية التي تعم المنطقتين لأسباب مختلفة أهمها الحرب الاستعمارية الاستيطانية الاسرائيلية المستمرة منذ نصف قرن وإخفاق مشروعات التنمية والاصلاح الاجتماعي, والانقسام والتناحر المستمر بين الدول والبلدان, وعجز النخب المحلية الحاكمة والأهلية عن ايجاد حلول لأزمة المنطقتين المستمرة منذ ثلاث عقود متواصلة مع ما تنتجه من ظواهر تتحدى المعايير الحضارية وتصطدم بها, ما كان لكل ذلك إلا أن يقدم أفضل ذريعة لتيارات اليمين القومي الأمريكي المتطرفة كي تفرض سياساتها وتعزز الضغوط العسكرية والسياسية في اتجاه إعادة السيطرة المباشرة على المنطقتين.

والواقع أن الحكومات العربية والآسيوية لم تدرك حقيقة الطفرة التي طرأت على الاستراتيجيات العالمية بعد أحداث ايلول والنزعات الجديدة التي بدأت تسيطر عليها. فاعتقدت بسذاجة أن التعاون الايجابي مع واشنطن في الحرب الدولية ضد الارهاب والتمسك بشكليات القرارات الدولية وعدم الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي سيكون ذلك كله كافيا لدرء المخاطر والخروج من الأزمة من دون خسائر كبيرة. وهكذا لم تفعل الحكومات المعنية شيئاً يذكر لتعزيز دفاعاتها الاستراتيجية والسياسية والايديولوجية واستمرت تعيد إنتاج نفسها على المنوال السابق كما لو أن شيئا لم يتغير في العالم. بل إن الكثير منها ذهب أبعد من ذلك واعتقد أن من حقه هو أيضاً أن يستثمر الأزمة الدولية ذاتها واستراتيجية الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في سبيل تحقيق أهداف خاصة ومراكمة مرابح غير منتظرة من أهمها القضاء على استحقاقات التحول الديمقراطي والسعي إلى تصفية المعارضات الداخلية بتغطية دولية والالتفاف نهائياً على منظمات وجداول عمل حقوق الانسان المزعجة.

إن هدف الولايات المتحدة من الهجوم الاستراتيجي الشامل على منطقتي آسيا الوسطى والعالم العربي هو تحويل بلدانه ودوله الصغيرة والضعيفة إلى بيادق تستخدمها في لعبتها الدولية وصراعاتها العالمية الكبرى. وهي عازمة على ذلك بصرف النظر عن ولاءات هذه الدول التي لا تشك فيها وكذلك عن استعدادها الواضح والذي لا يمكن لواشنطن ان تشك فيه لتقديم جميع الخدمات التي تطلبها منها. فالولايات المتحدة ليست بحاجة كبيرة إلى هذه الخدمات ولا تعتقد أن انتزاعها من دول مثل دول المنطقة مسألة شاقة تستحق النقاش والحوار والصراع. إن ما يهمها هو أن تمسك هي نفسها بدفة القيادة في هذه الدول ذاتها حتى تستطيع أن تستخدما بصورة مستمرة ومتسقة في استراتيجية السيطرة الدولية وتأكيد القيادة العالمية. بل إن ما تريده ليس حكومات عميلة لها, كما يعتقد البعض, تسير بركابها وتنفذ سياساتها ولكن سيطرة مباشرة ومتصلة تضمن لواشنطن تسييرا فوريا ومضمونا لها يتفق مع حاجات مناورتها الاستراتيجية.

ما كان بإمكان الدول العربية والآسيوية الاسلامية التي ستشكل المسرح الرئيسي للحرب العالمية ضد الارهاب وهدفها المباشر معا أن تتجنب مخاطر التحول إلى بيادق في شطرنج الاستراتيجية الأمريكية الشاملة أو العولمية, إلا بالقيام بمبادرة سريعة وشاملة تضمن لها تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية. الهدف الاول جيوستراتيجي يرفع من قدرتها جميعا على المقاومة. والثاني سياسي يعيد ربط النظم القائمة بشعوبها ويوسع من دائرة القرار ويغير من طريقة صوغ القرار السياسي نفسه. والثالث اقتصادي يفتح أمام جميع البلدان الصغيرة فرص نمو اقتصادي واجتماعي سريع ومضمون يخفف من الضغوطات والاضطرابات الاجتماعية ويطمئن الدول الكبرى والأوربية منها بشكل خاص على إمكانية سيطرة هذه الدول على مصيرها وعدم انفجار الهجرات الجماعية. وأتذكر أنني قد ذكرت في أول تعليق لي على أحداث ايلول الكارثية أنه لم يعد أمامنا من خيار إذا أردنا تجنب الضغوطات الهائلة القادمة سوى العمل بسرعة وجدية على ثلاث محاور رئيسية تشكل دعائم الاصلاح المطلوب الذي يمكننا من الخروج من الأزمة: أولاً تكتل اقتصادي عربي يضمن إطلاق عملية التحديث والتنمية على أسس جديدة ويغير من وزن الاقتصاد العربي ككل في الجيواقتصادية العالمية. ثانياً تحويل ديمقراطي سلمي يزيد من سماكة الدول الهشة بسب نمط السلطة الفردية أو الشخصية ويغير من صورة المجتمعات العربية لدى الرأي العام العالمي الذي يكاد لا يمانع في أن تقوم الدول الكبرى بتوجيه ضربة قوية للدول الاستبدادية والفاشية لتغيير أنظمتها إن لم يعتقد بأن استبدادية الأنظمة هي تجسيد للانحطاط الأخلاقي للمجتمع نفسه. وثالثاً بناء اتحاد عربي سياسي من الدول العربية الرئيسية يضاعف الوزن الاستراتيجي العربي مرات ويجعل من الصعب ابتلاع العرب بسهولة أو من هضمهم كلقمة سائغة.

والحال أن الحكومات العربية بدل أن تقوم بذلك اعتقدت أن الظرف قد حان كي تتراجع عن الانفتاحات الجزئية التي اضطرت إليها في السنوات السابقة نحو بعضها البعض وفي اتجاه المجتمع واستمرت, بالعكس مما كان ينبغي أن تفعله, في تناحرها ورعاية انقساماتها وتعزيز نظمها الأحادية والاستبدادية, بما في ذلك في الدفاع عن النظام العراقي الذي كان عليها أن تعمل المستحيل لمساعدته على التغير وفك أزمة الشعب العراقي المحاصر في الواقع من طرف النظام وطرف الولايات المتحدة في الوقت نفسه. لكن هل كان بإمكانها أن تفعل ذلك أو تفكر به وهي لا تسعى إلى شيء آخر سوى الحفاظ على نمط النظام نفسه في بلادها ذاتها؟

مهما كان الأمر, ما كان من الممكن لهذه السياسات الساذجة واللاعقلانية واللامسئولية معاً إلا أن تقود إلى الوضع الذي نحن فيه. وهو الوضع الذي يجعل العالم العربي يقف مشلولاً أمام ما ينبغي أن نسميه بحق وموضوعية الاستعمار الأمريكي الجديد الزاحف. وللأسف ليست النظم القائمة هي وحدها المعرضة لدفع ثمن غال لسياساتها الخاطئة ولكن مصالح الشعوب العربية جميعها. وهذا ما ينبغي أن يدفع هذه الشعوب أكثر فأكثر إلى أن تدرك أن التساهل مع أنظمة فاسدة لا يقف عند حد التنازل عن الحقوق الأساسية وتكريس امتيازات النخب الاستبدادية ولكنه يمكن أن يقود إلى الدمار الشامل, وأن الثمن المطلوب لتغيير مثل هذه الانظمة, يبقى, مهما ارتفع, أقل بكثير من الثمن الذي سندفعه بسبب تركها تتصرف على هواها وتقرر المستقبل المظلم لجميع الأجيال. وفي هذا المجال ريما يستحق منا مثال العراق وشعبه الشهيد تأملاً أبعد من ذاك الذي تريد لنا نزعة تقمص الضحية الطبيعية للقوى الخارجية أن نغرق فيه.

__________ 

* كاتب وباحث سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بباريس

 



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انتهى ربيع دمشق؟
- القوة وحدها لا تكفي لبناء المجتمعات
- الإرهاب الإسرائيلي وسياسة الحرب الشاملة
- تحرير الإنسان هو الأصل
- أصل العنف في مجتمعاتنا ... والسياسات الدولية غير العادلة ذرا ...


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - برهان غليون - الأزمة العربية الأمريكية: على نفسها وغيرها جنت براقش