أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد صلال - الا نانية اخلاق النبلاء















المزيد.....



الا نانية اخلاق النبلاء


سعد صلال

الحوار المتمدن-العدد: 3658 - 2012 / 3 / 5 - 12:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الأنانيـــة

الرَّجل والمرأة عدوان. طالما هما حيان

لقد خُلق الرَّجل والمرأة على أساس الاختلاف أولا وليس الاتفاق ولهذا فمن المستحيل القول من الناحية الأخلاقية الساذجة أنَّهما سوف يتفقان إلا في حالة واحدة هي الهدنة.
أمَّا ما يقال عن زواج، فهو ليس أكثر من هذه الهدنة التي اضطرتها ظروف الطرفين خلال حرب دائمة لا مجال للسلام بها.
لقد تعودنا النفاق الاجتماعي إلى حد انه أصبح سـنة سائدة.
إنَّ العنصر الأصيل بهذا الأمر منذ بدء الخليقة هو أنَّ الذكر عموماً قبل أنَّ يكون رجلاً، عبارة عن (وسيلة) بالنسبة للأُنثى عموماً قبل أنَّ تكون امرأة، أمَّا الأُنثى بالنسبة للذكر فهي (هدف).
يحاول الرَّجل أنَّ يرضي المرأة بأيَّة طريقة، إنْ لم يكن لشيء فمن أجل أنْ يُمارس معها الجنس، حيث الإحساس العميق منه باغتصابها دون رحمة، كما أنَّ المرأة لديها الإحساس ذاته من حيث الرَّغبة العميقة بأن تتعرض هي الأخرى للاغتصاب، ومن الغباء القول أنَّ النساء يردن الجنس بطريقة متحضرة.
الجنس بالنسبة للمرأة عبارة عن ممارسة اغتصاب رسمي، يجب أن تشعر معها أنَّها ضعيفة تستحق الرّعايـة وانها يجب أن تؤخذ أخذاً، ويجب أن لا تحترم أثناء ذلك ويجب أن تُعامل كجارية حقيرة.
ليس الأمر مني أو من سواي إساءة أو احترام بل هي الحقيقة العلمية التي تعترض النساء عليها، طالما أن ذلك لا يُناسب الذوق الاجتماعي المُتحضر رغم علميته وعمق تاريخه الانثروبولوجي.
وكما هو الحال بالنسبة للمرأة فإن الرَّجل هو الآخر، ليس أكثر من مفترس لا يفهم أي معنى لاحترام المرأة إلا في حدود اغتصابها واحتقارها أثناء هذا الاغتصاب، كما لو أنَّها لم تخلق بالنسبة له على الأقل إلا لهذه الغاية، أمَّا ما يبرره من أعذار أخلاقية، كالرَّغبة بالاستقرار المنزلي أو الإنجاب أو الستر على الحال، فليس أكثر من أكذوبة تاريخية عظمى وخيانة لا تغتفر للتاريخ الإنساني المحترم من التفكير.
الإنسان يعتقد إنَّه أبو واقعه والحقيقة أنَّها ابن الواقع.
كل هذا على افتراض انه كائن مسالم لا يريد الحقيقة (الفلسفة) بقدر إرادة الطمأنينة، وكذا الحال بالنسبة لي على الأقل حينما اعتقد بالوهم الحلو على حساب الحقيقة المرة.
إنَّ الحياة مع المرأة عبارة عن هدنة بين حرب دائمة، وقد تطول هذه الهدنة لسنة أو عدة سنوات ورُبَّما عمر كامل بين الزوجين مثلاً إلا أنَّ ذلك لا يعني انتفاء السبب، واقصد به الحرب بين الإثنين، فكلاهما يتربص بالآخر وكلاهما يعامل الآخر على انه متهم حتى تثبت براءته، وكلاهما لا يثق بالآخر طالما هما حيان، ولكن ما يبقي العلاقة بين الإثنين على ما هي عليه من سلام هش هو الظروف المحيطة بهما مثل المصلحة المشتركة لبقاء هذه العلاقة المزيفة، مثل وجود الأطفال كقاسم مشترك، يمثل منطقة الحرام بين العدوين اللدودين أو مصلحة خدمة احدهما للآخر، فالرَّجل يبحث عن الجنس ثم الخدمة المنزلية ثم الإحساس بأنه زعيم بأيَّة طريقة كانت، حتى لو كانت على حساب الاتفاق المؤقت مع هذا العدو مع الاستمرار بمحاولة بلفه بأيَّة طريقة رغم أن المرأة تعلم بسرها هذا الأمر تماما وتعلم سذاجة الرَّجل إذا اعتقد انها ساذجة أو غبية ولكن ما يمسك بها عن تركه هو نفس السبب مع اختلاف الظروف عنده بالنسبة لها واقصد بها ظرف مصلحتها هي الأخرى بوجود هذا المغفل معها على طول الخط، فتزعم تارة الضعف وأخرى الإخلاص وثالثة خدمته ورابعة خدمة أطفاله وما إلى ذلك من سيناريوهات كاذبة.
إنَّها تُمارس الدَّور نفسه معه، فهي تعتقد جازمة انه خائن مغفل وانه لا مفر له إلا الاعتراف بمملكتها السرية التي تعيشها وحدها فقط إلا من أطفالها الذين تحبهم أكثر من أي أمرٍ آخر، حتى أكثر من نفسها، وآخر ما يمكن التفكير بحبه هو أبوهم، فهو عبارة عن وسيلة غير مخلصة لها بقدر ما هو خادم ساذج، يتلصص على أية امرأة مهما كانت حتى لو مجرد عورة في حائط.
أمَّا هو فقد يُدرك هذه الحقيقة أيضاً ولكنه لا يستطيع الخلاص من استغلالها كحيوان (رُبَّما) يتحول يوماً ما إلى كائن أمين، وهذا مستحيل.
المرأة ليست وفية للرجل مهما زعمت وزعم. والسبب هو الجبلة التي خلقا عليها. فالتنافر الطبيعي بين الإثنين إلا من أحقية التناسل والإنماء ورعاية النسل، هو الدافع الحقيقي الوحيد لهذه العلاقة التاريخية المنحطة.
أمَّا الحب، فلا اغرب من ذلك خيانة لكل تاريخ الفكر الإنساني منذ بدء الخليقة. لأنه الغلاف الأكثر زيفا بتاريخ الإنسانية والأكثر استغراقا لوقتنا بتحليله وتركيبه والكتابة عنه رغم انه مجرد فبركة لاحتمال الم الارتباط بين الجنسين على أساس جنسي فقط، ومن غير المعقول قبول فكرة الحب الافلاطوني إلا على أساس عصابي مرضي من قبل أي شخص يتعرض له.
المحبون، حسب اعتقادهم، كالمصابين بانفصام الشخصية، حيث يسمعون ما لا نسمع ويعتقدون تماما انهم يسمعون اصواتا توجههم وترشدهم بل وتأمرهم، وهذه حقيقة علمية أو يرون ما لا نرى ويصدقون ذلك ومن العبث الطعن بما يعتقدون مهما حاولنا لأنهم فعلا يرون ما نرى ويسمعون ما لا نسمع، ولولا اننا عقلاء بما يكفي لصدقناهم.
الحب العذري عبارة عن شايزوفرينيا. بمعنى الكلمة.
أما الأنانية، فلا اعرف لماذا اعتبر مخطئا عندما أقول ان من حقي القول انني أناني، بينما من حق الآخر ان أقول عنه انه (انانك) وعن الآخرين انهم (انانهم) وليس (أنانيين) وبالتالي يجب تغيير هذا التعبير من ناحية ومن ناحية أخرى يجب تغيير المعنى المقصود بهذه اللفظة من محتوى سلبي إلى ايجابي.
لقد اتفق على ان لفظة (الأنانية) اجتماعيا وعبر كل مراحل التاريخ البشري، سلبية من الناحية الأخلاقية وهذا خطأ شائع لأنها روح الماكنة الإنسانية الدافئ بأي تفكير وأي سلوك.
ولتبيان ذلك وبأسلوب بسيط هو استقراء التجارب نستطيع التأكد من هذه الحقيقة وليس مجرد الواقع الذي قد يحمل الكثير من الموروث العقائدي غير الدقيق. وهنا لابد من تحمل المسؤولية ومواجهة هذا الواقع واستخراج حقيقته منه، قسرا.
عندما نعيش حياتنا اليومية فأننا لا نفكر كثيرا بالأسباب الأعمق لتفكيرنا ولا عن النتائج المترتبة على هذا التفكير ولكن لو حاولنا مخلصين ان نفهم هذه المبررات فأننا قد لا نجد ما نحب وهذا ليس مهما طالما ان الأمر لا يزال في حدود التحليل المنطقي.
الإنسان عموما يميل لنصر قليل الكلفة.
نستيقظ يوميا ونحن بحالة من (الآلية) المتكررة فنتصرف حسب قواعد معينة كغسل الوجه واليدين والطعام ثم الملابس فالخروج إلى المحيط العام والتعامل مع الآخرين والعودة للمنزل ثم النوم فالأحلام ثم الاستيقاظ ليوم آخر وهكذا دواليك. سلسلة من الأحداث المتكررة بغض النظر عن التفاصيل الصغيرة التي لا تتكرر ولكن بعد هذا كله أليس من المعقول السفر قليلا بالنفس الإنسانية التي تقوم بكل هذا ومحاولة تحليلها وكأنها كيان معزول عنا؟. فكم نحن مهمومون بالبحث والتقصي عن كل ما يحيط بنا سواء ما يتعلق بالطبيعة أو ما يتعلق بالمجتمع وكل الأواصر المتنوعة لهذا المجتمع بينما نحن اقل اهتماما بالعقل نفسه؟ الا يحق بل الا يجب ان نلتفت نحو العقل الذي يقوم بتحليل كل ما يحيط به. عربة تسحب كل ما عداه ولا تجد من يسحبها، لنقوم بعملية تحليله هو نفسه.؟
ان المبرر الأعمق لكل ذلك، هو الأنانية.
الإنسان يفكر بأنانية، ويتصرف بأنانية وليس له هدف محدد الا حبه لنفسه ومصلحته مهما تقنـّـع ومهما حاول ان يكون غيريا أو ان يدعي أخلاقاً رفيعة خارج هذه الحقيقة الأكيدة ومن العبث القول ان هناك أخلاقا عالية بحب الآخرين والإخلاص لهم.
لا يحب الإنسان الا نفسه، ونفسه فقط، وكل ما يتبع بعد ذلك هو سيناريو من الحلقات التمثيلية المزيفة التي يتسلى بها أمام الآخرين وأحيانا يصدقها هو نفسه.
انه عالم جميل هذا الذي يعتقده الإنسان، ووهم ممتع وواقع مريح الا انه ليس حقيقيا إلى الحد الذي يجعل الإنسان ضعيفا أمام أية مشكلة فوق طاقته الحقيقية طالما انه يعيش حالة من الغيبوبة الأخلاقية دون إرهاق نفسه بالمواجهة والدخول في حرب (البحث عن الحقيقة) من اجل غاية أسمى وأعلى هي (البحث عن الطمأنينة).
البحث عن الحقيقة أدنى أخلاقيا من البحث عن الطمأنينة.
وكيف نثبت ذلك؟
الإنسان كما هو – فيما لو نظرنا إليه وكأنه كائن تحت التجربة في مختبر بحثي أمامنا – عبارة عن جسم، وهو جسم حي، وهذه الحيوية تعطيه قدرا معينا من الحرية بالتبادل التأثيري بينه وبين ما يحيط به وليس مجرد قطعة من الأثاث ولو اجلنا ألان على الأقل البحث عن الصلة بين ما نطلق عليه الروح وبين الجسد فأننا سنجد انه يمتلك عقل وان موقع هذا العقل هو الجهاز العصبي على الأقل وفق ما وصل له العلم حتى الساعة وان هذا الجسد الذي يبدو لنا كما لو انه متميز بقوامه، ليس أكثر من عمارة كبيرة من الأعضاء التي هي بدورها عبارة عن خلايا وقد اثبت العلم حتى ألان كل هذه الحقائق.
إذن فالبنية الأساسية للجسد هي الخلية.
ان محاولتنا الان البحث عن الأنانية كموضوع من خلال البنية الأولى الأساسية للجسم ليست الا التقاط (الوسط) ثم الانطلاق نحو الأعلى والسبب هو انها الوحدة البنائية والوظيفية الواضحة لدينا على الأقل حاليا ودراسة سلوكها ثم الانتقال لتجميعها مع سواها تراكميا حتى الجسم ثم المجتمع ثم الوجود الشامل من خلال جمع الكائنات الحية مع الطبيعة.
انها طريقة معقولة للسير بالموضوع غير انها ليست الأمثل، ولو شيءنا الحقيقة المطلقة فعلينا الذهاب ببدايتنا لما هو أدنى من الخلية الحية نفسها حيث مركباتها البنيوية والوظيفية ولكن هذه العملية قد تقودنا إلى ما هو أدنى من ذلك مما لا يسمح العلم بتزويدنا إياه علميا للاعتماد عليه ولهذا فمن الأفضل البدء من هنا ثم الارتفاع.
والآن ما هي هذه الخلية؟
لنحاول ألان ان نتقدم خطوة بالبحث ونأخذ هذه الخلية ثم نضعها تحت الاختبار هذه المرة بعد ان كنا قد أخذنا الجسم كله قبل قليل.
الخلية كائن يمارس حياته وكأنه إنسان كامل من حيث البحث عن مصدر الطاقة التي يعيش عليها والقيام بالفعاليات الحيوية ثم إخراج النفايات عبر جدار الخلية.
انها تتصرف بعفوية.
انها تقوم بكل ذلك دون خوف، ولا أخلاق سلبية أو ايجابية ولا مبادئ مزيفة.
انها تأخذ ما لها وتعطي ما عليها تماما وبدقة متناهية.
انها لا تحارب ولا تسالم.
وبحكم التصاقها بسواها من الخلايا فإنها تتبادل معها (المنفعة) وإذا اقتضى الأمر ان تصارع من اجل ان تأخذ ما لها فإذا عجزت فإنها تستخدم أية وسيلة ممكنة لبلوغ ذلك وان اقتضى الأمر سحق كل ما يقف بطريقها من الخلايا دون رحمة، غير ان المبدأ هو هو.
التعايش حسب المنفعة.
غير ان هذه الخلية بالذات، جزء مع سواها من مجموع يشكل في نهاية الأمر عضوا ما من أعضاء الجسم الإنساني. أي انها تقوم بدور (تعاوني) كما يبدو في الظاهر على الأقل فيما بينها وبين سواها من الخلايا المحيطة بها لإكمال ما يسمى (عضوا) نظير العائلة مثلا في السلم الاجتماعي للإنسان، وبتعميم هذه القاعدة فان مجموع هذه الأعضاء سيؤلف الجسم الذي وقفنا عليه في بداية تجربتنا.
الجميع – كما يبدو – متعاون (بنائيا) لإنجاز تركيبة محددة المعالم هي الجسم الإنساني، و(وظائفيا) لإنجاز ماكنة متناغمة التأثير فيما بينها.
هكذا هو الأمر كما يبدو ونطلق عليه تحببا، التعاون. والحقيقة ان هذا التعاون ليس الا ثمرة عرضية من أساسه ويتلخص ذلك بان أية خلية إنما تقوم بما يناسبها هي، وهي بالذات، فإذا كان التبادل النفعي مع الخلايا المحيطة بها يسمى (تعاونا)، فلا بأس.
انه شعر ولكن ليس حقيقة.
ان الخلية الواحدة لكي تقوم بانجاز مصلحتها من اجل البقاء، عليها الالتزام بواجبات معينة ويدخل ضمن ذلك التعاون مع الخلايا الأخرى غير ان ذلك ليس هدفا بحد ذاته بل وسيلة وليس سببا بحد ذاته بل نتيجة، فما يبدو على السطح يجب ان لا يأخذ على انه السبب النهائي كـ(دافع) لهذه الخلية بالأخلاق فالتعاون ليس (هدفا) أخلاقيا بل (وسيلة) أخلاقية. وبالسير قدما نحو الأعمق من هذه السلسلة من النتائج والأسباب، نستطيع ان نصل إلى أعمق ما يسمح به العقل البشري من التحليل حتى أدنى ما يمكن وعندها فقط تتكشف الحقيقة وليس الواقع، حلوة أو مرة كانت، فالحقيقة حقيقة. وبالارتفاع تدريجيا من هذه الخلية مرورا بالعضو ثم الجسم نستطيع ان نعرف لماذا يفكر الإنسان بهذه الطريقة أو تلك ولماذا يتصرف بهذا الأسلوب أو ذاك.
لا توجد أخلاق سامية جاهزة عند أي منا مهما اعتقد انه نزيه عن هذه الحقيقة ما لم يتعصب لرأيه ولا يريد ان يكشف نفسه أمام نفسه على الأقل فكما هو ليس عيبا ان يكون لدى الإنسان مخرج للتغوط فليس عيبا ان يتذكر هذه الحقيقة ولو مع نفسه عندما يكون بمكان يأنف ان يتذكر ذلك فيه كأن يكون بحفلة أنيقة لا تسمح الا بالآداب اللائقة.
انه ليس مطالبا بان يصرح أمام الجميع بهذه الحفلة انه يمتلك مخرجا، وانه سوف يتغوط بعد دقائق أو ساعات بالرغم من كل أناقته.
عليه فقط ان يتواضع ويتذكر هذه الحقيقة الأكيدة كما هو متأكد من ان في بطنه أمعاء وان في داخل هذه الأمعاء نفايات ليست لائقة. وهي تخصه هو ولا تخص غيره وعليه تحمل مسـؤولية هذه الأمعاء وما بها.
لا بأس ان يسكت ولكن هناك بأسا كبيرا لو تملص مما فيه.
الخلية الحية عبارة من مرحلة دنيا من مراحل التجمع البنائي والوظيفي الحي لمرحلة أخرى هي جسم الإنسان الذي يمثل بدوره مرحلة أعلى من مراحل هذا التجمع البنائي والوظيفي الحي لمرحلة ثالثة أعلى هي المجتمع الإنساني كله كمرحلة حيوية لمرحلة رابعة مع المملكة الحيوانية والنباتية هي مرحلة الوجود الحي كله، لمرحلة الوجود العام الذي يشمل الطبيعة مع هذا الوجود الحي.
انه أمر معروف قديما.
الإنسان يتعامل مع الآخرين كما تتعامل الخلية الواحدة في جسمه وفق نفس السياق والمبدأ. فهو ليس متعاونا ما لم يضطر لذلك وهو ليس كريما ما لم يضطر لذلك وليس شجاعا ما لم يضطر لذلك. ولدينا قائمة طويلة من القيم الجميلة المعاني المتعارف عليها والتي هي ليست (غيرية) بل أنانية ولا يقوم بها الإنسان الا عندما تقتضي مصلحته ذلك.
ليس عيبا على الإنسان ان يكون أنانيا فهذه هي الطبيعة الأصيلة في أعماقه أما الادعاء بغير ذلك فهو نفاق. تماما كاستنكار احتواء الجسم الإنساني على أعضاء اقل لياقة من ان تذكر غير انها موجودة في الجسم بغض النظر عن الرضى أو الاستنكار.
ليس كل الجسم الإنساني عيونا جميلة، على بشرة ساحرة بل محاجر جمجمة على ألياف لحم يقطر دما وليس كل الجسم شفاها خلابة تبتدئ بها القناة الهضمية بل في نهاية القناة ما ليس لطيفا ذكره. الا انها حقيقة.
الإنسان يتعامل مع الجو المحيط به على أساس الأخذ والعطاء وفق قاعدة (خذ حتى تعطي) وليس وفق قاعدة (أعط حتى تأخذ) ولا حتى (خذ وأعطِ). أي انه لا يعطي الا إذا كان (مضطرا) لذلك. وهو لا يتوانى عن التعامل مع المحيط به وفق هذه القاعدة فحسب بل انه يطبقها على جسمه هو نفسه عندما تقتضي الضرورة ويتعامل مع جسمه بأسلوب أناني لإرضاء رغباته وكأن هذا الجسم، بهيمة لرغباته إذا اقتضت الضرورة. أي ان جسم الإنسان نفسه جزء من الجو المحيط بالإنسان، وبعض من المناخ الاجتماعي أيضا والمساحة التي يمارس عليها العقل الإنساني لعبة (الأنا).
فالإنسان الحقيقي، الحقيقي وليس الواقعي هو العقل، أما الجسم فهو غلاف أولي من ناحية التواجد التطبيقي للعقل في الطبيعة، فيما إذا تصورنا ان الغلاف الثاني مثلا هو العائلة والثالث هو الحي السكني والرابع هو المدينة أو القرية والخامس هو الوطن والسادس هو العالم والسابع هو الكون.
العقل متفرج من نافذة صغيرة في غرفة صغيرة يطل منها على كل ما يحيط به وأول هذا المحيط هو الجسم الخاص به ثم الآخرين حسب تسلسل متدرج بالاتساع وعلى قدر حب الإنسان لخدمة هذا الجسم، على قدر خدمته لعائلته مثلا أو على قدر خدمته لمدينته وهكذا، مع الأخذ بنظر الاعتبار القوة (المتناقصة) للأنانية في هذا التسلسل كلما توسعنا في هذه الدوائر ابتداء من الجسم نفسه وحتى الكون فأقوى أنانية ممكنة لدى العقل الإنساني هي أنانيته لجسمه ثم تنخفض تدريجيا بقوتها مع توسع دائرة الانتماء الأناني.
انها الحلقات الانتمائية للأنانية العادلة.
نستطيع مما سبق ان نستعرض وبسرعة القول:
1. ان العقل الإنساني كيان (شبه مستقل) عما يحيط به وبضمن ذلك الجسم الذي يتركب عليه.
2. انه يتعامل مع هذا المحيط على أساس (أناني).
3. ان هذا التعامل (ينخفض) قوة كلما اتسعت دائرة الانتماء.
والآن ما هو تعريف الأنانية؟
انها محاولة العقل القيام بعملية (اخذ).
وماذا يأخذ؟
انه يأخذ كل ما (يديم) حيويا الجسم الذي يتركب عليه.
ممن؟
من (كل) ما يحيط به، بلا استثناء ولا قواعد أخلاقية محددة مهما كانت هذه القواعد قوية وذات أصالة اجتماعية إذا اقتضت عملية (الأخذ) ضرورة ذلك.
ومتى تتوقف عملية الأخذ هذه وهل لديها حد معين تتوقف عنده؟ الجواب كلا على الإطلاق فيما إذا سمح للعقل بذلك الا ان (وجود) الآخرين في المجتمع مضافا إلى ذلك وجود الطبيعة هو العامل الأول والأخير الذي يفرمل هذه العملية (الاخذية) ولولا ان لهؤلاء الآخرين (من الناس) من العقول ما يمارسون هم أيضا به نفس مبدأ العملية أي الاستمرار بالأخذ، لما توقف العقل الإنساني عن الأخذ.
الآخرون هم الذين يفرملون ويعرقلون وأحيانا يعارضون، رغبة العقل الجامحة لأي منا منفردا بالأخذ حتى النهاية ودون رحمة. ولولا هذه الجدران المعارضة المحيطة بالعقل الإنساني لما توقف عن الذاتية المطلقة.
انه يتوازن بالضرورة الجبرية.
انها جبرية وجود الآخرين المحيطين به والذين لا يستطيع ان يعيش بدونهم بنفس الوقت ولهذا فهو واقع تحت تأثير عمليتي جذب وطرد بنفس الوقت تجعلان منه (متوازنا) وليس لأي مبرر أخر مهما كان الادعاء بأنه إنسان أخلاقي فوق الشبهات.
ان هؤلاء الآخرين الذين يفرملون على هذا العقل المستبد رغباته غير المتوقفة عند حد، هم أيضا ليسوا بحل عن الذاتية الأصيلة لان أيا منهم لا يقوم بعملية الفرملة هذه على سواه من اجل الحفاظ على التوازن العام بالنظام الاجتماعي أو الطبيعي ولكن لان عملية (الذاتية) التي يمارسها هو الآخر تتطلب هذه الفرملة وبالتالي فهناك اتفاق (لصوصي) بين جميع الأطراف المحترمين على هذه الفـرملة المتبادلة.
كل يريد ان يأخذ دون ان يعطي وبما أن ذلك أمر مستحيل فان عملية الأخذ لا تتم كاملة كما يريد أي منا ولهذا دخل (العطاء) كحل دبلوماسي لتناوب عملية الأخذ بين هؤلاء الأطراف.
العطاء لاحق. والأخذ سابق.
الباطل أصيل. والحق وكيل.
كلنا نحاول ان نعطي لكي نأخذ وليس نأخذ لكي نعطي. وهذا فارق أخلاقي كبير بين الإثنين وليس من السهل المرور عليه مرور الكرام. انه الفيصل بين الحق الأخلاقي والواجب الأخلاقي خلال كل دساتير العالم وخلال كل التاريخ.
الإنسان في مجتمعه الإنساني يعيش بحالة من الذاتية البرية غير المتوازنة لولا الضوابط وبما أنه لا يستطيع ان يخترق هذه الضوابط فانه (يدعي) احترامه للقانون أو المحـرمات أو الإيمان بالعقائد النبيلة.
الإنسان ليس نبيلا ولكنه يحاول.
انه ليس رأيا سـلبيا عن النفس الإنسانية الا انها الحقيقة. والحقيقة غير الواقع.
انها محاولة غير معروفة السبب، بل استحالة معرفتها عن (العلة) الأولى التي تحرك العقل نحو كل هذه القوة الجاذبة نحو الأنا الخاصة به.
كل عقل يعيش وكأنه الوحيد في هذا الوجود كأنه بحالة أقوى من العقلانية حيث انه يريد ان (يمتص) كل ما عداه من الناس والطبيعة ولا استطيع فهم النتائج المترتبة لو كان فعلا وحده في هذا الوجود غيران الواقع هو وجود عقول أخرى تشاركه الوجود ولا مفر من الرضوخ للأمر (الواقع) وليس الأمر (الحقيقي).
انها مشاركة اضطرارية كما يبدو.
أما عندما يحاول الإنسان ان يعطي هذه الصفة غير المحببة تاريخيا من الناحية الاجتماعية فأنه يغلفها بغطاء من الدستورية ثم يضع المعايير الخاصة به ليحترمها فيما بعد بل ويقدس هذه المعايير لكي (يطمئن) ولكن هل كل تفكير أو تصرف نقوم به لابد ان يكون ذا مغز أناني دون أي اعتبار للقيم الإنسانية سواء الأصيل منها في النفس الإنسانية أو المتوارث تاريخيا كالعادات والتقاليد؟
الجواب نعم وليس هناك أي استثناء أخلاقي على الإطلاق.
ان الإنسان يخدم نفسه حتى عندما يريد – مخلصا - ان يخدم سواه فلو لم يكن (هو) من يريد ذلك لما قام بذلك.
انه يحب ان يخدم.
انه هو الذي يحب ذلك بغض النظر عن المخدوم الذي وضعه المدعي الأناني واجهة أخلاقية له ليدعي انه (غيري) بل ويرفض أية محاولة صادقة من الآخرين عندما يحاولون تفنيد غايته الحقيقية بحجة النبل الأخلاقي الذي لا يسمح له الا بان يكون غيريا يحب الآخرين كما يحب نفسه.
انه يكذب دون ان يعلم بدلالة انه لو قرر عدم القيام بذلك مرة أخرى أي عدم القيام بالدَّور الخيـّر نحو الآخرين، فانه سوف لن يلتزم بقراره عند اقرب نقطة تستوجب منه إرضاء غروره والقيام ثانية بواجب غيري كما يبدو في الخارج الا ان باطنه وحقيقة أمره انه لا يستطيع الا ان يخدم نفسه من خلال خدمة الآخرين.
العفة ليست من شـيم الإنسان الأصيلة.
ان ما هو متعارف عليه بـ(التضحية) ليس الا لفظة اقتراحية أخذت قوتها مع الزمن حتى استقرت في عقولنا كمفهوم أخلاقي يخص (الإيجابية)على العموم والمقصود به عكس (الأنانية) ولو أمعنا النظر قليلا في أعماق هذه(التضحية) كتفكير وسلوك فإنها نابعة من عقل إنسان (يريد) ان يقوم بأداء عمل ما، نحو الغير. نحو الآخرين، لأنه كما يبدو يريد ان يقتنع أو ان يريد ان يقنع الآخرين أو كليهما معا، بأنه ليس أنانيا.
لم يكن هذا الشخص ليقوم بكل ذلك لو لم يكن مقتنعا بما يقوم به، وان هذا التفكير التضحوي أو السلوك التضحوي سوف يعود عليه بفائدة الراحة النفسية والطمأنينة. حتى لو اقتضى منه الأمر ان يقدم الكثير مما يملك وحتى قد يقدم نفسه قربانا لهذه الراحة النفسية التي سوف (هو) يتنعم بها قبل سواه ممن سوف يضحي لهم.
بحقيقة الأمر، ان هؤلاء الآخرين ليسوا أكثر من (وسيلة) يمر منها هذا الإنسان لتحقيق مآربه النفسية بالاستقرار والراحة كـ (هدف).
لا احد يضحي بلا سبب.
ان السبب الأول والأخير بأية تضحية، هو الأنانية.
ان أحدا سوى الإنسان نفسه لا يستحق الخدمة والتضحية. على الأقل هذا ما يتعامل به الإنسان الاعتيادي الذي لم يشذب بعد ولم يتعلم كيفية الوعي أولا ثم (التفكير) ثم (التصرف) لاحقا على أساس متوازن لا يخرج في أي حال من الأحوال عن هذه الأنانية ولكن بأنانية إنسانية وليست حيوانية أو نباتية أو طبيعية كما سيرد لاحقا التفريق بين هذه الألفاظ.الأنا، هي الأصل في كل تفكير حي أو تصرف حي، تماما كالسكين الا ان كيفية الاستخدام هي التي تحدد القيمة الأخلاقية لهذه السكين بين ان تكون بيد الجراح الخيـّر، أو القاتل المأجور.
انها الأصل في كل شيء فعندما نتحدث عن الحب بأي شكل من أشكاله المعروفة فليس له مبررا الا هذه الأنانية ولقد توسعت اللغة الإنسانية بحيث أصبحت من الاتساع ما هو عامل مربك أكثر مما كان هدفها عندما اخترعت في بواكير الالتقاء البشري، فلقد طور الإنسان على مر التاريخ مفردات هذه اللغة لتناسب ما يفصّله هو من رغبات إلى الحد الذي تداخلت معه هذه القوالب المؤقتة مع مرور الزمن وأصبحت صلبة الا انها ليست دقيقة إلى حد الوضوح فالتفكير (الخلوي)، اقصد للخلية الواحدة عندما تحدثنا عنه قبل قليل ثم ما يتبعه من تصرف هو كيان قائم بحد ذاته من (الفعل) سواء القينا نحن بنظرنا عليه أو لم نلق وسواء حللناه أو لم نحلله غير اننا عندما نريد القيام بذلك أي بتحليله فاننا مضطرون لسوء الحظ لاستخدام اللغة الإنسانية المتعارف عليها فنقول ان هذه الخلية اقتربت من تلك لميل ما أو رغبة ما أو ما إلى ذلك من الألفاظ وقد نطور هذه الألفاظ فنقول انه الحب. وقبل ذلك فانه الغريزة وهكذا.



الألفــــاظ.
انها كثيرة فعلا، هذه المعنية في هذا الشأن بالذات:
العاطفة، الغريزة، الحب، الحب العذري، الجنس، الكرة، الرَّغبة، الميل، الإحساس، وهكذا. كل هذه وما شابه ليست الا معنى واحد بدرجات متفاوتة و ضمن نفس المادة الخام. انها الأنا. أردناها كما تكون فكانت كما نريد، وهذا زيف.
ان العملية ببساطة تامة لا تعدو ان تكون (فعلا) قويا أصيلا يقوم به الكائن الإنساني والحي عموما لتحقيق بقاءه من اجل غاية ابعد هي الاستقرار وتجنب كل ما يثيره. لا أكثر ولا اقل أما إذا أضفنا لاحقا لهذه العملية الحقيقية أية مفردات فضفاضة فلا بأس بشرط ان لا تتغلب هذه الألفاظ على الحقيقة الأم وان لا يتحول القالب الشمعي لإله معبود على حساب الإله الحقيقي.
أي حب هذا الذي نتحدث عنه بين الحبيب والحبيبة، والأم وولدها والأب وابنته والصديق وصديقه والإنسان ووطنه وغير ذلك من الألفاظ غير الدقيقة (حقيقيا)، بالرغم من متعة استخدامها.
هناك فرق كبير بين ان نعرف اننا نكذب ونصدق أو ان نكذب ولا نصدق أما إذا جاء الدَّور علي أنا مثلا فسوف اضطر بحكم القصور اللغوي الإنساني إلى استخدام ألفاظ معينة ومحددة التعريف وطالما نحن في هذا المضمار بالذات فلا بأس من القول إنشائيا، ان العملية تعتمد على (الأنا) أما درجاتها - كمجمل - عام فيجوز ان نطلق عليها لفظة (الانتماء) لنعطيها طابعا متدرجا بقوته ومساحته وهذا اشرف التعريفات اللغوية خسـة.

الحـــب

انها لفظة اخترعها الإنسان تدريجيا عبر التاريخ للتعبير عن ميله لأمر ما بغض النظر عن المادة المعنية بهذا الحب أو المقصود به فقد تكون أمرا عينيا أو تجريديا (ولا بأس هنا من ان اذكر ان استخدام لفظتي تجريد وعينية عبارة عن اضطرار مؤقت للسرد الحالي الا أنهما أيضا يستحقان المناقشة لاحقا باعتبارهما أمر واحد هو المادة التي لا يفهم العقل الإنساني إلاها في حدود قصوره أمام الكمال الإلهي) فإذا كان هذا الشيء عينيا فقد يكون كل ما يحيط بالإنسان وضمن إحساساته وأعضاء حسه التي ستسمح له بالاطلاع عليها كأن يكون هذا الشيء إنسانا مثلا أو حيوانا أو نباتا أو كيانا طبيعيا، الا انه في كل الأحوال شيء عيني بالإمكان تحسسه والوصول لإدراكه من خلال الأعضاء الحسية ويدخل في هذا الباب (الإنسان) الأقرب حيث العلاقات التقليدية.
الإنسان يحب أمه وأبيه، ويحب أُنثى ما، وهي تحب ذكرا ما، وكلاهما يحبان أشخاصا آخرين محيطين بهما كالأصدقاء وهكذا هي قائمة طويلة من الحب وعناصره وممثليه والجميع في نهاية الأمر، منافقون.
يتصرفون صح ويفسرون خطـأ.
يتصرفون بعفوية الأنانية غير أنهم يحرفون تفسيرها لأنهم يخشون هذا التعريف. وكأن الحقائق الصحيحة مرعبة.
يريد الإنسان مصلحته فقط حتى عندما يحب أولاده وهذا حق والسبب في ذلك انه يشعر بأنهم جزء منه. منه هو شخصيا وبعض من جسمه وعقله ولهذا السبب فانه لا يشعر بالخسارة عندما يعطيهم، حتى لو لم يأخذ.
انه يعطي نفسه ولا يطالب هذه النفس. فمعادلة الخسارة والربح مع هؤلاء بالذات دون سواهم تعتمد على قاعدة أنهم له وهو لهم. بصرف النظر عن طبيعة نظرتهم لموقفه هذا وطبيعة ردود أفعالهم على أخلاقيته الغيرية هذه فمن المحتمل ان لا تكون ردود أفعالهم عليه كما هو مرجو أو كما يتأمل هو ولكن ذلك لا يغير من الأمر شيئا لأنه سوف لن يتوانى عن القيام ثانية وثالثة بخدمتهم وعطائهم. انه (هو) من يحب ان يخدم. وهم وسائل تحقيق هذا الحب الأناني. أنهم القنطرة التي يمر منها إلى طمأنينته وليس من المفروض ان يحملهم جميلا أو معروفا.
انه يخدم نفسه عندما يخدمهم.
الأم هي النموذج الأقرب للحديث هنا فهي عندما تحب أطفالها إنما تقوم بفكر وتصرف مفروض عليها لأنهم جزء منها حتى وان كانت ردود أفعالهم عليها اقل بكثير مما تطمح هي ورُبَّما ضدها في بعض الأحيان ومع ذلك فهي مستمرة على انجاز حبها لنفسها من خلال حبها لأطفالها تماما كما هي تحب عينها أو فمها أو يدها وكل الفرق بين حبها ليدها مثلا وحبها لأطفالها هو المسافة الانتمائية عن مركز الأنا فهم الحلقة الثانية بعد الجسم مباشرة ومع ذلك فان هذه المسافة ليست المقياس النهائي لقوة الحب عندها عندما تريد ان تضحي بل القوة النهائية تعتمد أيضا على العقل المضحي أي قد تضحي هي بيدها من اجل ان تكسب عينها بحكم أهمية العين على حساب اليد مثلا (على الأقل بالنسبة لها هي شخصيا في هذا المثال) وكذا هو حال الأم التي قد تضحي بجسدها كله من اجل أطفالها لأنها تعتبر هؤلاء الأطفال هم العين بينما جسدها هو اليد. والمبدأ واحد.
ان الأمومة هي الأنانية الوحيدة التي يكون فيها الأطفال (الذرية) جزء من الجسم. بالرغم من الاستثناءات غير انها القاعدة بدلالة ان إحساس الأب بذلك اقل لأنه ببساطة لم يحملهم في أحشائه، ومع ذلك فهي عاطفة الأنا التي تلي عاطفة الأم الأنانية مباشرة والتي لن تزيد عنها بالحالات الاعتيادية، كقاعدة أما ما يلي ذلك فيمر تدريجيا بالضعف وتصبح العاطفة الأنانية الإنسانية بخدمة الأنا الأولى، أي الأنا العقلية للإنسان نفسه والحلقات المحيطة به.
جسمه فأطفاله ثم المحيطين به، أما الزوجة بالنسبة للزوج فإنها ليست أكثر من وسيلة لتحقيق بعض هذه الأنانية وليس بالضرورة ان تكون هي الأقرب دون الخلق وكذا حال الزوج بالنسبة للام التي لا تعتبره الا قنطرة مناسبة تماما لتحقيق مآربها الأنانية، وأي ادعاء غير ذلك نفاق ومضيعة وقت. وليس هذا فحسب بل ان اللغة من المرونة بحيث لم تترك بابا عاطفيا الا ورمته بالحب، وهكذا هو حب الأهل والوطن والهوايات وحب الطبيعة وحب الحيوانات والعلاقات الإنسانية - كما تسمى - مثلا الصداقة.
انها جميعا تلتقي عند نقطة واحدة فقط بغض النظر عن الإسهاب بتعدادها وشرحها، وهذه النقطة هي (الأنا) ولا غير ذلك، فكل شيء يصب بالكيفية التي يريد معها الإنسان ان ينتمي وان يشعر بـ (الأنا) المريحة له، غيران عبث الإنسان بعد العقلانية قد أتاح له من المساحة ما جعله يعبث بها أي يعبث بهذه الأنا إلى الحد التي أصبحت فوضى أحيانا.ان القوة الأخلاقية بهذا الأمر هو ليس أكثر من نظرة عابرة على الطريقة التي تتعامل بها الحيوانات والنباتات مع المحيط بها سواء كان من صنفها أو من غيرها.
انها عادلة لحد كبير.
انها تأخذ على قدر حاجتها ولا تعطي الا تماما على قدر رغبتها بلا ضغوط اجتماعية استعبادية. ولو بحثنا في أي تفكير أو سلوك إنساني حتى جذوره الدنيا، فليس لنا الا الإيمان بالأنا.
انها الحقيقة أما الجنس فهو جزء من هذا المسلسل الغريب الغامض
انه جزء من هذه الأنا أيضا، ولا مبرر له الا ذلك. ومن غير المعقول القول ان غاياته الحفاظ على الأسرة والروابط الأسرية أو الإنجاب من اجل هدف حضاري.
انه رغبة أصيلة جدا في العقل الإنساني لبلوغ الأنا.

 

الحيويـــة واللا حيويــة
عندما نستطلع كل ما حولنا سنراه متألفا من الشخص المعني بالتفكير هنا كطرف أول، وكل ما يحيط به كطرف ثان.
انه عقل الإنسان المفكر من جانب ومن جانب آخر كل شيء عداه.
انه أسلوب أناني للرؤية ولكنه الواقع والحقيقة بأسلوب التفكير للتحليل.
ان هذا الـ(عداه) هو جسمه والبشر والحيوانات والنباتات والطبيعة وكل والوجود المحيط به.
انه يقيم علاقاته على هذا الأساس حيث عقله الذي يتفاهم مع كل شيء حوله.
والآن لو تركنا العقل مؤقتا، جانبا وبدأنا بشرح تعبير (كل ما عداه). انه يتألف أساسيا من كائنات حية (جسمه، الحيوانات، النباتات، ورُبَّما سواهم) وكائن غير حي (الطبيعة) أما القاسم المشترك بين القسم الأول (الكائنات الحية) فهو العقل (أو الروح كما يقول البعض ولا بأس بأية تسمية الا انه ولسهولة الشرح فاننا سنعتمد لفظة العقل (حاليا) أما القسم الثاني (الطبيعة) فهو الخالي من هذا العقل.
الكائنات الحية (عاقلة) والطبيعة (غير عاقلة).
الإنسان والحيوان والنبات، كائنات حية.
والآن لنبدأ بشرح الطبيعة غير العاقلة.
انها تتفاعل فيما بينها تفاعلا رياضياتيا تاما وتحدد القوانين الطبيعية المعروفة علميا نوعية ردود افعالها بأسلوب يخلو من تدخل مفرداتها أي الأجسام المادية غير الحية بهذه القوانين فليس للحجر الا ان يسـقط على الأرض عند رميه للأعلى بحكم الجاذبية الأرضية.
انه قانون طبيعي ولا يستطيع هذا الحجر ان يتردد أو ان يندفع.
ان يحب سقوطه أو ان يكرهه.
ان يعارض أو يؤيد. لأنه غير حي، ومحكوم بالقوانين الطبيعية المحيطة به.
انه محكوم بنفسه، فالمجموع العام لهذه المواد غير الحية المنتشرة في الوجود هي (السبب) الأول والأخير للقوانين التي تنظمها، إذ من المستحيل وجود القوانين الطبيعية بدون موادها فالمواد الطبيعية ليست خاضعة للقوانين التي تنظمها كما يبدو لنا في الظاهر الا ان الحقيقة هي ان القوانين الطبيعية نفسها هي التي تخضع للمادة ومفرداتها المنتشرة في الوجود.
انه فرق كبير بين الإثنين بالرغم من استحالة الأسبقية بينهما الا انه من الضروري معرفة التبعية على الأقل فالخواص التي تتمتع بها المادة وأجسامها المنتشرة في الوجود المادي كله، هي التي حددت قوانينها وليس العكس وبذلك نستطيع الرد على من يقول ان القوانين الطبيعية هي الله، وكأن هذه القوانين منعزلة عما تمارس أو سابقة لها أو لاحقة لها أو مستقلة عنها بينما الموقف تختلف تماما عن هذه النظرة الغريبة بعض الشيء فالمادة عند خلقها خلقت معها القوانين الطبيعية المادية
والقانون الطبيعي جزء من المادة، وكل هذا نتيجة، ولكن ما هو سبب هذه النتيجة؟
وما هو الخالق الذي جاء بالمادة وقوانينها؟
ان القصور العقلي الخالد للإنسان هو السبب ولهذا ينقطع الحديث عند هذه النقطة بالذات ويتوقف التداعي العمودي، ولا علل تحته.
الله الكامل نظير الإنسان القاصر.
ان هذا الحجر الرمز عن المادة في الطبيعة وما عداه من موجوداتها المادية، يؤلفون ما يسمى (الطبيعة) ويتعاملون فيما بينهم بقوانين هي القوانين الطبيعة ولكنهم يخلون من العقلانية التي تعطيهم بعض الحق بـ (الإرادة) كما هو الحال بالنسـبة للكائنات الحية، اللهم الا إذا أردنا القول ان القانـون الطبيعي هو الإرادة الخاصة بالمادة غير العاقلة ولا بأس بذلك ولكن على قدر التصرف اللغوي وليس حقيقة جادة.
ان هذه الموجودات تمارس فيما بينها العلاقات بأسلوب يخلو تماما من الإخلال بالقوانين. أنهم غير مشاكسين. قانونيون تماما.
هكذا على الأقل (نظرتنا) نحن عندما نريد فحصهم عن بعد من خلال التحليل باعتبارنا نعقلهم وهم لا يعقلوننا.
نحن المشاهدون لهذه الطبيعة، المحللون لها ولعلاقاتها نلاحظ كل هذا بعين الفحص والتحليل. فيبدون لنا عادلين بعلاقاتهم، متساوين بحقوقهم وواجباتهم، وكل حسب قدرته الخاصة (كالكتلة مثلا أو الجاذبية التي يتحلى بها) أما الكائن الحي فهو من يمتلك العقل والذي يتفاعل مع المحيط به تفاعلا ليس طبيعيا تاما.
انه يتعامل مع محيطه بردود أفعال ليست كما يتعامل الحجر عندما يرمى إلى الأعلى.
هناك نسبة (خصم) معين من (نوعية) و(كمية) رد الفعل المحتمل من قبل الكائن الحي على (الفعل) المسـلط عليه.
والآن لنناقش هذا المقدار من (الخصم) بين رد فعل الكائن غير الحي والكائن الحي.
انه أولا يقلل من (قانونية) العلاقة المتبادلة بين الكائن الحي وكل ما عداه سواء هذا الـ(ماعدا) كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو طبيعة. فردود الأفعال ليست مع نسبة الخصم هذه، تامة بل دخل العقل فدخلت (الإرادة) الحية التي يمتاز بها أي كائن حي على الإطلاق، فالإنسان والحيوان والنبات لا يتفاعلون بعفوية تامة مع المحيطين بهم كما لو أنهم حجر يجب ان يسقط على الأرض مهما كلف الأمر وليس له الإرادة الكافية للاعتراض على الأقل ان لم نقل تغيير مسلك رد الفعل من خلال الهروب مثلا أو الاعتراض كحد أدنى.
ان هذه الكائنات الحية تمارس نوعا من الحرية الخاصة بتحديد نوعية القرار الصادر منها كرد فعل، بالرغم من تواضعه أحيانا الا انه مهما كان فليس خاليا تماما من الإرادة كالحجر، ولكن هناك سؤال ضروري بالحديث هنا وهو، هل ان هذه الكائنات الحية متساوية بـ (نوعية) ردود افعالها طالما انها متشابهة بمبدأ الإرادة؟
والإجابة على ذلك انها ليست متساوية بل متفاوتة ويعتمد هذا التفاوت على سـلم معين بسيط هو ان النبات أدنى ما يمكن والإنسان أعلى ما يمكن وما بينهما الحيوان.
أي ان مبدأ وجود (رد الفعل الحيوي) يعني ببساطة ان جميع الكائنات الحية، تمتاز به. وهذا المبدأ يحتم إلزاما نسبة خصم من رد الفعل (الطبيعي) للجسم غير الحي على الأفعال المسلطة عليه من الخارج وإذا اتفقنا على ذلك ألان فان الخطوة التالية البقاء في حيز الكائنات الحية ثم تحليل درجة هذا الخصم لوجدناها (متفاوتة) بين الأنواع الثلاثة الرئيسية للكائنات الحية.
ان التفاوت العقلي بهذا السلم هو السبب بتفاوت درجة الإرادة بين الكائنات الحية وعلى قدر رقي العقل لدى أي منها على قدر ارتفاع مستوى الإرادة ولهذا فالإنسان أكثر إرادة، كما ونوعا، والنبات أدناها، وبما ان النبات هو أدنى المخلوقات الحية إرادة فانه اقل عبثا بالقوانين الطبيعية التي يتعامل معها ويكاد ان يقترب من حالة الحجر من انخفاض إرادته لولا انه كائن حي ومع ذلك فانه يتعايش مع القانون الطبيعي بعفوية شبه تامة وليست تامة كالحجر ولا يعبث بالقوانين الطبيعية كثيرا الا على قدر هذه الضآلة التي يمتلكها من الإرادة.
أما الحيوان فانه أكثر عقلانية وبالتالي أكثر إرادة من النبات، ولديه القدرة على التلاعب جزئيا مع المحيطين به بأسلوب إرادي أناني أعلى مما لدى النبات والحجر (اختيار الحجر هنا دلالة فقط للتوضيح عن أي كائن غير حي).
ولو ارتفعنا أكثر لوجدنا الإنسان. الأكثر عقلانية من الكائنات الحية والأكثر إرادة حية فاعلة والأكثر عبثـا أو تنظيما للمحيطين به بالرغم من ثبـوت عامل مشترك بين الجميع وهو الأنانية فان ردود الأفعال الصادرة من هذه الكائنات تعتمد على مقدار عقلانيتها المتفاوت ولكن المبدأ هو هو، من حيث البحث عن المصلحة الخاصة بهذا الكائن أو ذاك، فالجميع يبحثون عن مصالحهم ولكن كل على قدر ما يستطيع ان يفهم من المحيط به وعلى قدر الإرادة الحية مقدارا ونوعا فالحجر مثلا يتعامل هو الآخر مع المحيط به على نفس الأساس ولا يفرق بين كائن حي أو غير حي عندما يمارس تأثيره الأناني هذا طالما انه ليس صفرا بالمقياس الوجودي ولهذا فانه يمارس الجاذبية مثلا حتى على الإنسان وعلى الأحجار المحيطة به كما يمارس نفس الدَّور على النبات والحيوان بلا استثناء فالكرة الأرضية مثلا لا تعرف نوعية ممن تتعامل معه، إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا أو حجرا عندما يتعلق الأمر بالجاذبية وتحاول ان تجذب الجميع لها بأسلوب أناني كامل الا انها بنفس الوقت تتعامل مع الكواكب الأخرى وفق قاعدة التأثير المتبادل وبالتالي قد يكون هناك كوكب أو جرم أو نجم ما، يتعامل مع الكرة الأرضية كما تتعامل هي معنا وقد يؤثر عليها كما تؤثر هي علينا، والموضوع يعتمد على القوة، غير ان مبدأ الأنانية ثابت لدى الجميع وحتى الكواكب والأجرام والنجوم والمجرات.
كل هذا على مستوى التأثير الأناني، أما لو نزلنا لما كنا عليه وناقشنا التأثير المتبادل بين الكائنات الحية على الأرض والأرض نفسها فان ما يحدد الأمر هنا هو الإرادة العاقلة التي يتحلى بها الكائن الحي ولو أردنا ألان تعميم الألفاظ الإنشائية التي تتعامل بها اللغة البشرية، نستطيع القول ان الشمس مثلا (تحب) الأرض طالما انها تحاول جذبها غير ان الأمر ليس مجرد حب كما هو أو كما نريد نحن ان نطلق عليه بل ان الحقيقة الخالية من هذه الألفاظ والتعبيرات تقتضي مناقشة هذا الجذب على أساس (إرادة الأقوى).
انها أنانية الشمس على الأرض، وليس (حبا).

 

العقــل والإرادة

مما سبق ولمجرد التأكيد على هذه النقطة بالذات فان مقدار الإرادة، كما ونوعا يعتمد على مقدار العقلانية لدى هذا الكائن أو ذاك ولو أردنا التعميم ألان لقلنا ان كل ما في الوجود يمتلك (إرادة) ما حتى الأجسام غير الحية طالما ان لها (تأثيرا) ما على المحيطين بها، ولنتفق ألان على تسمية إرادة الكائنات غير الحية أي الطبيعة المادية بمجملها عدا الإنسان والحيوان والنبات بـ (الإرادة الطبيعة) أما الإرادة المرتبطة بالكائنات العاقلة فلنتفق على تسميتها بـ (الإرادة الحية).
ومن الجدير بالذكر هنا القول ان النبات والحيوان ليسا كائنين غير عاقلين أو ان العقل مرهون بالإنسان فحسب، قول ليس صحيحا فالنبات يمارس (أفعالا) عقلانية بسيطة تعتمد على المقدار الضئيل من عقله ثم الحيوان الذي يمتاز هو الآخر بمقدار معين من العقلانية وبالتالي من الإرادة الحية غير انها اقل من الإنسان وأكثر من النبات.
العقل موجود لدى أي كائن حي.
جميع الكائنات الحية عاقلة.
لا اعرف نوعية الارتباط بين العقل والروح ولا استطيع الجزم بوجود الروح على المستوى المادي على الأقل، ولا اعني بذلك انني انفي وجودها ولكنني اعني عدم معرفتي بذلك.
ومع ذلك فان التفريق هنا أثناء الشرح بين العقل والإرادة للتوضيح فقط، فالعقل هو الإرادة لولا لعنة اللغة البشرية الضبابية.
ان العلم وغيره لا يستطيعان حتى اليوم من تاريخ العقل الإنساني ان يحل سبب أفعال وردود أفعال النباتات والحيوانات بالرغم من الاعتراف الصريح بالقدرة الذكية لدى هذه الكائنات على التعامل مع المجتمع الخاص بها أو كل المحيط بها. ومهما يكن من أمر فان هذه ليست أفعالا صادرة عن حجر.
وتقارب أحيانا بحسن تنظيمها إلى القدرة الإنسانية وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك.
ان عدم وجود لغة إنسانية لدى الكلاب لا يعني انها لا تتفاهم مع بعضها البعض بلغة خاصة بها. بحيث انها تستطيع ان تميز الأمور بقدر معين من العقلانية التي ليست كافية لتكون إنسانية وليست ميتة مع ذلك، وليست (صفرا) من الحيوية لتكون حجرا.
الأمر كله يتعلق بنا نحن الذين لا نريد ان نعترف الا بالمملكة الإنسانية ولا نعترف الا باللغة الإنسانية ونريد ان نسحب الكائنات الحية لنا فمن لم يستطع ان يتحدث مثلنا فهو ليس عاقلا طالما نحن العاقلون فقط باعتبارنا القضاة الوحيدين في محكمة الوجود، وهذا ليس عدلا.
ان من حق الكلاب ان تعاتبنا لأننا لا نستطيع ان نتفاهم بلغة كلبية والنمل عندما لا نتحدث بلغة نملية. وحتى النباتات فأنها ليست خارج ساحة المناقشة هنا ولا يستبعد ان تكون هي الأخرى ذات لغة خاصة بها لولا جهلنا العلمي بها وهذا الجهل العلمي لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجودها. فالجهل بالشيء لا يعني عدمه.
العقل موجود طالما هناك حيوية.
لقد اثبت التجارب العلمية الكثيرة والتي ستتواصل مستقبلا لإثبات الكم الهائل من التنظيم الحيوي الذي تمتاز به الحيوانات والنباتات مما يدل على انها اكبر من مجرد كائنات غير عاقلة ولا اعرف السبب الذي سميت به هذه الحيوانات غير عاقلة إذ ليس لدينا أية تسمية أخرى على هذا النشاط الحيوي الذي تمتاز به الا(العقلانية) وإذا كان الأمر كذلك فمن السهل ألان القول ان هذه الطبيعـة الحيويـة التي يمتاز بها النبات والحيوان هي العقلانية لمجرد الاتفاق على هذه اللفظة الصحيحة الاستخدام والدقيقة التعبير.
الحيوية مقرونة بالعقلانية والعقلانية بالإرادة. صحيح انها إرادة موزعة على الأجسام التي تبدو شبه مستقلة بعضها عن بعض في الطبيعة عموما والوجود الطبيعي والحيوي بصورة اعم، وعلى قدر هذه النقطة ألان ولسهولة الشرح فاننا سنعتبرها إرادة أي جسم في الوجود وليس إرادة واحدة مكثفة تمثل كيانا واحدا مكثفا يبدو لنا كما لو انه موزع على الطبيعة وأجسامها من جهة وعلى الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات من جهة أخرى وعلى افتراض عدم وجود كائنات حية أخرى.!! تشاركنا هذا الوجود.
 
الفكــر والسلــوك
(الفرق بين التفكير والتصرف)
الكثير من الخلط يتم عندما نتحدث عن كائن ما وهو يقوم بنشاطه الاعتيادي ويبدو مما هو سائد ان الإنسان يفكر ثم يتصرف وهذا هو الصواب غير ان الجديد والجدير بالتذكير هنا هو الفصل بينهما بدقة أكثر لأسباب تتعلق بالكثير مما يلي لاحقا والجديد الوحيد في هذا الشأن القول ان العقل هو التفكير الذي يقوم بإنشاء الأوامر التي تنعكس على العالم الموضوعي (كله) لتنفيذها بغض النظر عن التسلسل أي ان الجسم الإنساني (والحيوي عموما حيث لا استثناء في ذلك عن الحيوان والنبات) هو جزء من هذا العالم الموضوعي وليس جسم الكائن الحي مع العقل في جانب وفي الجانب الآخر كل العالم الموضوعي.
أي لو تخيلنا الوجود الحيوي لوجدناه يتألف من العقل من جانب ومن جانب آخر كل ما عداه وبذلك ينفصل الجسم المرتبط بهذا العقل عن كونه تابعا، فعقل أي منا مثلا يمارس تأثيره على العـالم المحيط به و(بضمن) ذلك الجسم نفسه وكأنه جزء من العالم فمثلا أنا، عندما أمارس العملية العقلية فإنني أفكر. و(لابد) ان يتحول هذا التفكير إلى عملية مادية بحتة من (الفعل) من خلال السلوك الذي يمارسه هذا التفكير على العالم المحيط بهذا العقل بما ندعوه (السلوك) والخطأ الشائع هنا هو ان السلوك كما هو متعارف عليه يعني كيفية تصرف الجسم أي جسمي أنا هنا في المثال مع العالم المحيط به الا انه و لزيادة الدقة يجب القول ان التفكير يبدأ بالسلوك وهذا السلوك يبدأ أولا بالجسم نفسه ويمارس عليه عملية التصرف حتى قبل ان يتصرف الجسم في العالم المحيط به. فعندما أتعرض مثلا لإحراج عدواني يستلزم المجابهة فإنني أفكر أولا بكيفية الهجوم ثم اهجم بـ (جسمي) على العدو، وهذا ليس تمام الواقع، لان الواقع هو ان العقل عندما بدأ الهجوم وأراد تنفيذه من خلال وسيلة ما هي الجسـم ضد العالم الخارجي إنما بدأ فعليا الهجوم (أولا) على الجسم نفسه حيث بدأ التأثير العقلي على أعضاء الجسم نفسه وتحضيره هرمونيا ثم عضليا لتنفيذ ما أراده العقل منه بمعنى ان الجسم هو المنفذ الأول للفكر العقلي قبل ان ينطلق هذا الجسم بعد التحضير المطلوب لممارسة تأثيره هو هذه المرة أي الجسم على الجو المحيط به كأن تلتقط اليد سلاحا ما وبذلك يكون قد مضت عملية التنفيذ للمرحلة الثانية أو الحلقة الثانية من وسائل تنفيذ العقل لما يريد ورُبَّما هناك حلقة ثالثة وهكذا.
ان العقل منفصل عن جسمه هو عندما يتعلق الأمر بعملية تنفيذ الأفكار باعتبار ان العقل منفصل عن الجسم وان الجسم جزء من العالم الخارجي الذي سوف يتعرض للهجوم مثله مثل أي عدو محتمل.
أما الفرق بين هذا الجسم المرتبط بالعقل (جسمي أنا هنا في هذا المثال) وسواه فهو انه الحلقة المادية الأولى المتصلة بالعقل ويليها بالتدريج كل العالم المحيط فالجسم كيان مادي مثله مثل أي شيء يحيط بالعقل وليس للعقل ذلك الارتباط الأوحد بهذا الجسم أي ان عقلي أنا مثلا يعامل جسمي أنا بالذات وليس أجسام الآخرين على انه جزء من العالم الموضوعي، اللهم الا انه اقرب له من سواه، ولا أكثر ولا اقل.
ثانيا، ان الجسم المرتبط بالعقل (جسمي أنا بالنسبة لعقلي أنا وليس لعقل سواي) يستحق المنفعة الأولى قبل أي جسم آخر بحكم الأنانية التي تبدأ بالجسم الأول المرتبط بالعقل ثم الحلقات الأخرى المحيطة بهذا العقل كعقول وأجسام أفراد العائلة ثم عقول وأجسام الأصدقاء ثم المدينة ثم الوطن ثم العالم وهكذا والآن لنحاول تصور العلاقة بين العقل والعالم الموضوعي المحيط به.
ان عقل أي منا عبارة عن مشاهد مدلل، ينظر لكل العالم من خلال حلقات مادية، أولها الجسم الذي يرتبط به ثم المحيطين به من بشر وحيوانات ونباتات وطبيعة.
انه متفحص، متفرج، ناقد، مؤثر، أناني. يريد الاستقرار والطمأنينة بأية وسيلة كانت ويستخدم لذلك مطرقة لتفتيت صخور الواقع المادي المحيط به. والوسيلة الأولى هي جسمه هو، ثم كل ما حوله.
أما اهتمامه بالجسم المرتبط به فليس لحسنة ما في هذا الجسم بل لأنه المنفذ الأول لتأثير هذا العقل ولهذا يحرص العقل على خدمة هذا الجسم، محاولا ان يوفر له كل ما يناسبه من إمكانات الديمومة قدر الإمكان مع الاحتفاظ بالأولوية خاصة له على حساب سواه من حيث الأهمية بتوفير الخدمة وان كانت أولوية هشة فحينما يتعرض العقل لأي (فعل) اشـد من العادي فانه لا يتردد بان يضحي بالجسم المرتبط به وكأنه منديل ورقي يرمى به إلى المزبلة كما يحدث عندما ينتحر احدنا. هنا يدمر العقل الجسم المرتبط به لأنه (يريد) ذلك ولأنه سوف يستقر ويطمئن الا انها مرحلة متقدمة من استغلال العالم المحيط بالعقل فبدلا من ان يضحي هذا العقل بأي شيء في الوجود من اجله (لمصلحته هو بالتعاون مع الجسم المرتبط به، كالعادة) باستغلال عقول وأجسام الآخرين دون رحمة أو واعز أخلاقي فانه قد يشعر ان من الضرورة ان كان ذلك سيؤدي لراحته ان يضحي أيضا بالجسم المرتبط به.
العقل لا يعرف الا استقراره.
انه أناني إلى حد التضحية إذا اقتضى الأمر بجسمه هو.
ان أيا منا يعيش هذه الحالة وباستمرار ولا استثناء عن هذه القاعدة الأخلاقية على الإطلاق لدى أي من أبناء الأسرة الإنسانية أو الحيوانية أو النباتية.
وهكذا يبدو المشهد:
نحن عبارة عن عقول عائمة في هذا العالم. الا انها ترتدي بدلات مادية هي الأجسام وأي عقل من هذه العقول يتعامل مع العالم المحيط به تعاملا أنانيا منفردا ويريد لنفسه أكثر استقرار ممكن، وليس لديه لتنفيذ مخططاته الا باستخدام مطرقة مادية لتحويل الأفكار إلى واقع مادي والمطرقة الأولى في هذا المسعى هو اقرب جسم متصل به. ثم يحاول ان يسخر هذا الجسم المسكين إلى وسيلة استغلال الآخرين وتحويلهم لحزمة من المطارق المتجمعة لتعزيز التأثير وهكذا.
كل هذا من اجل أنانية العقل.
انه الأمر الواقع.
ان هذه النقطة بالذات لها من الأهمية ما يترتب عليه الكثير من المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والمتفق عليها خطأ أو شيوعا.
وانها الحقيقة.
فبغض النظر عن العشرات من الأمثلة المتصلة بهذه النقطة وكيفية تسلسل استخدام العقل لسواه بلا رحمة أو برحمة فالعقل عندما يستغل كل ما عداه أخلاقيا فليس بالضرورة ان يكون مدمرا بل يتفاوت هذا التأثير المطلوب بالنسبة له بين أقصى (السلب الأخلاقي) المتعارف عليه وأقصى (الإيجاب الأخلاقي) ولدينا الكثير من الأمثلة في حياتنا اليومية أو من خلال التراث التاريخي العريض عن أناس استخدم العقل عندهم أجسادهم لإرضاء حاجة أنانية فيه بل وبالغ بهذا الاستخدام إلى درجة التعذيب البدني وقد يمتد هذا التأثير لكي يكون مريحا أكثر لدى عقل احد هؤلاء إلى الحد الذي يطلب معه من أتباعه السير مثله باستخدام أبدانهم لتحقيق غاية أخلاقية ما ترتاح لها عقولهم أيضا أو على الأقل كما يريد (هو) من هؤلاء الأتباع وليس من جسده هو فقط. أي لكي يرتاح هو أنانيا، فلا يكتفي بان يفرض على جسده الزهد بل يمتد بمساحة تأثيره على الآخرين، ولا يرتاح الا إذا مارسـوا ما يمارسـه هو، إرضاء لأنانية في عقله (هو) وليس بالضرورة لسعادتهم (هم) كما يدعي، حتى وان لم يقصد ذلك بحكم حسن النية.
وبما اننا متفقون على تسمية هذا الفكر أو السلوك الصادر من قبل هذا الشخص أو أتباعه على انه فكر وسلوك أخلاقي (ايجابي) وانه (خير) فانا لا أراه كذلك، لان العقل لا يعرف الخير والشر كما نفهم نحن بل انه يمارس ما يراه مناسبا لأنانيته واستقراره وهدوئه، ولكننا نحن المشاهدون الناقدون لما يصدر عن هذا العقل، نحن الذين نضع القيم الموجبة أو السالبة فنقول مثلا ان هذا الفكر(خير) وذاك (شرير) أو ان هذا التصرف (خير) أو أنه (شرير) وبالتالي فان نظرتنا (اللاحقة) للفكر أو السلوك الصادر من سوانا هي التي تحدد كما يبدو (ايجابية) أو (سلبية) ذلك وهذا متفق مع الواقع، مخالف للحقيقة.
كل ما هو ضدنا، سالب وكل ما هو معنا موجب، بغض النظر عن الطبيعة الحقيقية لهذين، السالب والموجب معا.
أنهما لا ينظران لنفسيهما كما نراهم نحن فالانحراف مثلا كمفهوم، ليس منحرفا الا في عقولنا لأننا ضده، ولكنه ليس ضدنا والاستقامة، كمفهوم أيضا ليست مستقيمة مع نفسها لولانا نحن الذين كرمناها لأننا معها وليس بالضرورة ان تكون هي معنا.
الموجب والسالب الأخلاقي على قدر ما نضع نحن بالنسبة للصفر المركزي أخلاقيا فما كان على اليمين كان موجبا وعلى الشمال سالبا ولم نحاول مرة واحدة ان ننقلب لنرى كم من الموجب الأخلاقي المتعارف عليه، سالب، والعكس، ومع ذلك فان ما يحدد (شحنة) الفكر والسلوك الأخلاقي هو الله العظيم من خلال رسله وكتبه وبالرغم من ذلك فان المعيار النهائي القاصر على الأقل بالنسبة للعقل البشري، هو الطمأنينة التي تحدد أيهما عن شحنته ومع ذلك فان أحدا لا يستطيع أبدا ان يحدد بوصلة المواقع التي يجب ان نتخذها للجلوس أولا ثم لوضع الموجب يمينا والسـالب يسارا. فالمسألة نسبية بحتة وقطعية المعيار الأخلاقي مستحيلة بالتنصل عن الأمر الإلهي أو أمر الطمأنينة النفسية بعد الأنانية.
انه قصور معقول وانسحاب ليس كريما.
أفضل من الهزيمة.
الحقيقة ان العقل، عقل أي منا، يفكر ثم يعكس فكره على الجسم المعني به (المرتبط به) انعكاسا أمينا لما يدور في خلده من ردود أفعال تمثل (دائما) وليس أحيانا ولا غالبا، الحل الأمثل لاستقراره هو، وطمأنينته هو، فإذا جاء هذا التصرف على لسان حال الجسم تصرفا سليما خيـّرا فاننا نقول ان هذا التصرف خير ثم نضع مكافأة لهذا الشخص ونرفع منه أخلاقيا وإذا ما كان هذا التصرف – كما يبدو لنا نحن – انه تصرف سلبي أخلاقيا فاننا نعاقب عليه هذا الشخص ونحط من قدره وقد يصل الأمر لدرجة عقوبته ورُبَّما يصل الأمر إلى حد إعدامه. وفي كلتا الحالتين فان العقل يمارس بأمانة أنانية ما عليه ويمارس الجسم المسكين تنفيذ تعليمات العقل بغض النظر عن المناقشة ولا يعرف العقل ما هو الخير أو الشر فهو يعكس طلبه بالاستقرار والطمأنينة نحو العالم المحيط به من خلال جسمه بأمانة ومن المؤسف ان هذا الجسم قد يتلقى عقوبة ما على ذلك أو قد يتلقى مكافأة على ذلك وفي الحالتين فموقفنا ليس عادلا.
انها الحقيقة الأخلاقية الوحيدة.
ليس خيّرا ً من يزهد جسده وليس شريرا من يدلل هذا الجسد فكلا الإثنين يمارسان (فعلا) أنانيا يرضيهما ولو لم يكن الأول الزاهد سعيد بهذا الزهد لما مارسـه، بكل هذه البساطة، وكذلك الثاني لو لم يكن سعيدا ً بتدليل جسده ما مارس ذلك.
يجب ان نواجه الوقائع الأخلاقية المتوارثة بجرأة لأنها ليست حقائق أخلاقية بل وقائع فقط اتفق عليها وأصبحت صلبة مع الزمن ومع ذلك فان هذه الصلابة لا تعني بأي حال من الأحوال، أهليتها.
الأهلية تنبع من الحقيقة وليس من الواقع. ما لم نكن قد أدركنا ذلك وأمعنا بإدراكه ثم انتقلنا مرحلة أخرى (عن قصد) إلى الرضى بالتزييف المريح وهذا أمر مشروع على أية حال فـ (الطمأنينة مع الواقع) أعلى مرتبة أخلاقية أنانية من (القلق مع الحقيقة) كما سيلي لاحقا ذكره.
الطمأنينة من الواقع فوق القلق من الحقيقة.
ان كل ما ذكر مجرد عملية تحليلية بسيطة لما هو متعارف عليه مع محاولة من وضع النقاط على الحروف فالأصالة المزيفة في عقولنا رُبَّما قد تقدمت إلى الحد الذي أصبحنا لا نستغني عنها طالما انها مريحة لنا مثيرة لاستقرارنا، مطمئنة لنفوسنا. وهذا هو الأمر الأهم وليس المهم ان نبحث عن الحقيقة.
إذن فالفرق بين التفكير لدى الإنسان (أو سواه من الكائنات الحية كالحيوان والنبات) والسلوك، ليس مقصورا كما يتبدى لنا أو كما نعرف حاليا على انه مقصور على جسم ذلك العقل المعني هنا بالحديث بل يشمل تأثيره كل ماعداه والأمر الأهم بالحديث هنا هو ان عبارة (كل ماعداه) تعني الجسم المرتبط به هذا العقل مرورا لكل ما في الوجود وكأنه كيان واحد يمارس العقل عليه تأثيره وبالتالي فالجسم الإنساني ليس منفصلا عن العالم المحيط به بل متصل به.
انه أول حلقة وصل مادية لنظام التطبيق المادي الذي يمارسه العقل على الطبيعة.


الواقــع والحقيقــة

الواقع ليس منفصلا عن الحقيقة بل هو أبو الحقيقة، فلولاه لا يوجد ما يمكن الخروج به كحقائق. أما الحقيقة فهي النتاج النظيف لغربلة الوقائع من خلال مرشح (فلتر) عقلاني يتجرأ على الواقع فيحلله ثم يعيد تركيبه، وبعد هذا التركيب قد تكون النتائج متقاربة أو متباعدة مع الواقع، ومهما يكن من أمر فان النتائج الخارجة اصلب عودا وأقوى منطقا وأحق بالبقاء والاحترام من المادة الخام التي أنجبت منها. فالموروث الحضاري للإنسان (الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، العسكري، التربوي وغير ذلك من مسميات) تقع جميعا تحت ملف واحد هو التراث الإنساني لعلاقاته فيما بين أفراده، وبين أفراده والطبيعة وما عليها من كائنات حية، ممن ساهم بخلق هذه الحضارة، ونتاج هذه الحضارة هو هذا الموروث الذي تداخلت به ألاعيب العقل الإنساني فيما بينها فأصبح العرف قانونا، والقانون شذوذا أحيانا، وما كان مألوفا أصبح غريبا، وما كان غريبا أصبح مألوفا وهكذا هي حركة مستمرة عبر الزمان والمكان مع الإنسان ومن خلال كل هذا يبرز (الواقع) وفي خضم هذا الواقع الهلامي المتناسق مع نفسه تاريخيا والمتناغم مع احتياجات الإنسان حسب الشريحة الزمانية التي يعيشها وليس حسب قانون ثابت مستقر دائم على اختلاف الأزمنة، لابد من البحث عن الحقيقة، حتى وان كانت من خلال هذا الواقع الذي لا مفر الا منه وبه، ولهذا فلابد للعقل ان يجد مادته الخام من الواقع ليستنبط منها حقائقه.
الوقائع تتغير والحقائق ثابتة، وفي كل الأحوال فعملية البحث عن الحقيقة عمل جريء من قبل الإنسان أما مادة هذا البحث فهو الواقع كما ذكرنا ومن خلال هذه الحقائق قد يجد البعض من عباقرة التاريخ لهم عوالم خاصة بهم قد وقد لا تتفاعل ايجابيا مع الواقع الذي فيه قبل رحلتهم إلى الحقيقة (أي أنهم التقطوا الواقع ثم ذهبوا للحقيقة فوجدوا منها ما وجدوا ثم عادوا ثانية للواقع ولكن بقوة أعلى) ولهذا فلا غرابة من الاصطدام عادة بينهم وبين سواهم، أي بين الحقيقيين والواقعيين، وهذا الأمر أي الاتفاق أو الاختلاف كبير في مضمار الحقول الإنسانية مما هو عليه في الحقل العلمي ولهذا فان الآخرين لا يعترضون كثيرا على الحقيقة العلمية التي جاء بها رائد باحث عن الحقيقة الا بعد تردد بسيط مقارنة بالذي جاء بحقيقة اجتماعية مثلا.
بين الحقيقة والواقع صراع يقوده غرباء هذا العالم، العباقرة المناضلون، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن عندما يواصلون نضالهم ضد من يريدون لهم الخير والمصلحة، الواقعيون المبالغون بهذه الواقعية.
بين الواقع والحقيقة فاصل، وبين الوقائع والحقائق فاصل، وليس لهذا الفاصل الاضمحلال أبدا فالحياة لا تسمح بدمجهما معا، بل تقريبهما قدر الإمكان فكلما اقتربت وقائع معينة من حقائقها، برزت وقائع أخرى لم تجد لها حقائق، وهكذا هو الاستمرار بين الإثنين.
الحياة مصدر هذا الصراع.
ان عملية العودة للواقع هذه تعتمد على نوع الحقيقة المراد تطبيقها، فلو كان هذا الشخص الرائد ببحثه عن الحقيقة عالما فان مادة عودته ستكون اكتشافا ما، أو اختراعا ما، أو عقيدة ما.
العودة هنا ايجابية بغض النظر عن المادة التطبيقية التي يعود بها إلينا وبالتالي فان أصحاب العقائد ليسوا وحدهم الباحثين عن الحقيقة ثم إعادة بناء الواقع وفق رؤيتهم الجديدة، بل أي شخص يعيد الواقع بعد الحقيقة وإذا كان الموضوع يتعلق بصورة خاصة بهؤلاء المصلحين العقائديين فانهم قد وجدوا من الحقائق ما استطاعوا معها إعادة تركيبة وقائع الشعوب وقد نجح البعض، كثيرا مؤقتا، أو قليلا مؤقتا أو كثيرا دائما أو حتى قليلا دائما من خلال الأقليات التي لا تزال مؤمنة بأفكارهم النادرة وهم لا يزالون كما هم منذ مئات السنين على اعتناقهم لعقائدهم وثبوتهم عليها بسبب قوة هذه العقائد ولكن ليست مجردة من دون العباقرة الذين أعادوا تحليل (الموجود الواقعي) الحضاري ثم ركبوه (حقائق حضارية) وجدت لها أتباعها الذين استمروا عليها بالرغم من غياب الرواد الأوائل.
ان عملية إعادة تحليل الواقع وتركيبه - في حقيقة الأمر - ليست مقصورة على هؤلاء العباقرة والعظام من التاريخ بل ان أيا منا نحن الناس الاعتياديين، لنا أيضا حظ في هذه العملية ولكن على قدر إمكاناتنا، فأي إنسان يعيش بحالة دائمة من استلام الواقع المحيط به ثم يقوم بإعادة تركيبه كما يريد هو (بأسلوب أناني) ليطمئن، الا ان التأثير المطلوب من قبل هذا الإنسان أو ذاك يعتمد على إمكانية أي منا بتوسيع دائرة التأثير أو تضييقها فمنا من يكتفي بان يعيش عالما خاصا به هو ليناسبه هو بالذات دون سواه ولا يكترث ان كان احد غيره سيهتم به أو لا أو ان يتفاعل مع هذا المشروع الذي خلقه أو لا وهناك من لا يكتفي بأقل من ان يستفيد الآخرون مما ركبه لهم من عالم خاص (سوف) يسعدون به (كما يعتقد هو بحكم أنانيته) وان كانت نواياه حسنة مخلصة كما تبدو للوهلة الأولى والمهم بالموضوع هنا ان عملية استلام الواقع ثم إعادة تركيبه من قبل أي منا يعتمد أولا على المقدار الذي تسببه لهذا الشخص من الطمأنينة التي يسعد بها هو قبل سواه ويطمئن بها هو دون غيره، و ثانيا المساحة التي تؤثر بها على سواه من المحيطين به، عائلة كانت أو وطنا أو قومية أو البشرية جمعاء. ولكن يجب الاعتراف ان الهدف الأول لهذه العملية الخلاقة ليس البشر أنفسهم ابتداء من عائلته وانتهاء بالبشرية، بل الهدف الأول هو نفسه ومصالحه الخاصة جدا، حتى وان كانت هذه المصالح لا تعدو ان تكون مصالح نفسـية بحتة تتمثل بالإحساس العميق بالطمأنينة، وقد لا يكون ذلك على المستوى الحضاري الاجتماعي فحسب، أي عملية استغلال الواقع من اجل الحقيقة، بل قد يكون على مستوى مفردات حضارية اصغر حجما ولكن ذات تأثير عال على مستوى تقدم الفرد الإنساني، كالباحثين عن الحقيقة من خلال الواقع المادي وكما ذكرنا سابقا، كالمخترعين الذين استطاعوا ولا يزالون وسوف يستمرون، ان يعيدوا تحليل الواقع لتركيب ما هو أكثر حقيقية مما هو عليه كمادة خام فالطين الذين كان يستخدم للبناء قد يكون بيد رائد للحقيقة في مجال ما يستطيع ان يحوله إلى مواد أكثر نفعا وان يجد منه مركبات كيمياوية وأدوية وغير ذلك. أو ان يستحصل منه على المعادن التي تؤدي بالنهاية لصنع مركبة يركبها الإنسان أو طائرة. فما نراه يطير في السماء لم يكن قبل قرن من الزمان الا جزءا من الطين على الأرض. وهذا هو الفرق بين الواقع والحقيقة.
الحقيقة هي إعادة تركيب الواقع بما هو أكثر أنانية للإنسان.
ان أحدا لا يخدم أحدا لله بالله.
نفاق ان نعتقد ان الغيرية أصيلة في النفس الإنسانية والنفس الحية، عموما. فالأنانية هي الثابت، والغيرية هي الطارئ.
لا يعطي الإنسان الا إذا كان مضطرا.
يأخذ الإنسان (وكل كائن حي) طالما ان عملية الأخذ بالنسبة له هي القاعدة، والاستثناء هو العطاء.
الأخذ هو الحق والعطاء هو الباطل بالنسبة له.
انه يعطي عندما يشعر ان هذا العطاء احد الوسائل التي تبلغ به الطمأنينة وتريح نفسـه وبذلك فهو ليس متفضلا ولا منـّة لأحد على احد. ومما سبق يبدو بوضوح مقدار التداخل بين هذه المفردات، أي الأنا، الانتماء، الواقع، الحقيقة، العقل، العالم الموضوعي، الكائنات الحية، الطبيعة، الإرادة وغيرها مما جاء عرضا في سياق الحديث، ومهما تعددت هذه الألفاظ فإنها في نهاية الأمر تصب في جدول واحد، نحمد ونلعن اللغة التي وفرته لنا منها حول ما نعقل.



الواقــع الأخلاقـي
والحقيقــة الأخلاقيـــة

الواقع هو كل الواقع، ولكن لو أخذنا منه ما هو أخلاقي فانه الواقع الأخلاقي الرديف للحقيقة الأخلاقية.
لا توجد حقائق أخلاقية بالنظام الإنساني منذ كان تكوينه وحتى نهايته. فالأخلاق الواقعية رهينة الحياة العادية المستمرة والحقائق وليدة الصراع بين الخيـّرين والأشرار من البشر وفي كلا الحالين فان الخير ليس مرهونا بالناس الضعفاء والشر بالناس الأقوياء وليس لذلك مبرر الا ضعف الضعيف أو قوة القوي الا انه من الضروري تعميم القاعدة على الجميع، الأقوياء والضعفاء، حيث لا يوجد خير في هذا العالم الا لسبب ما في نفس المعني بهذا الخير وبالتالي فان المناداة بالخير ليس لسبب غيري على الإطلاق ويترتب على ذلك ان (سبب) وعلة المناداة بالخير مثلا، ليست مقرونة بالضعفاء فقط ولا بالأقوياء فقط بل انها ليست معتمدة على أي من هذا القياس أي الضعف أو القوة، فبالإمكان ان نجد قويا يريد الخير للآخرين كما بإمكاننا ان نجد ضعيفا يريد الشر بالآخرين ولهذا فلا يوجد فقراء ولا أغنياء (أخلاقيا) في عالم البشر ولكن ما يوجد هو أنانية تحدد أفكار أي منا فإذا كان الخير خادما لهذا الأنانية فان هذا الشخص خيـّر بغض النظر عن قوته من عدمها أو فقره من غناه، وإذا كان شـريرا فهو كذلك وبالتالي فان ما يحدد الخير من الشر لدى بني الإنسان هو طمأنينة أي منهم للمبرر الداخلي العميق بالانتماء والأنانية والطمأنينة الخاصة به. هو وحده فقط.
البشرية تعيش حالة من الواقع (المتوازي) مع حركة المجتمع ليبرز قادة يرفضون هذا المنطق المتوازي الكسول محاولين ان يجدوا حقائق أخلاقية أعلى من وقائعهم وقد يرفض منهم هذا الأمر وقد يقبل، الا انها حالة في نهاية الأمر من الحالات الأزلية.
ان الصراع بين الواقع الأخلاقي والحقيقة الأخلاقية، مستمر ولكن وفق نظام معين.

س م: الإيجاب الأخلاقي (ما هو مقبول أخلاقيا، اجتماعيا).
م ن: السلب الأخلاقي (كل ما هو غير لائق أخلاقيا).
ص ق: الحقيقة الأخلاقية.
س ن: كل الواقع الأخلاقي وكل الحقيقة الأخلاقية (الأخلاق).
س ص + ق ن: الواقع الأخلاقي المعارض للحقيقة الأخلاقية سواء ما كان منه مقبولا اجتماعيا أو ما هو غير مقبول.
م ج: الزمن.
س أ، ص ب، ق د، ن هـ: الزمن الأخلاقي.
من الرسم الافتراضي السابق نستطيع تصور ما يلي:
أولا: ان الخط (س ن) والخط (م ج) هما افتراض عن كوننا قد بدأنا ألان بعملية التحليل ألان وليس من الزمن الماضي لسهولة تصور الموضوع ونستطيع النزول نحو الماضي و قد ينتهي الأمر بنا لانتهاء الواقع والحقيقة الأخلاقية عند الصفر وهذا افتراض غير منطقي ولهذا تركت الخطوط مائلة، ولكن بنفس الوقت عدم الذهاب للما لانهاية الصغرى للخطوط باعتبارها خارج عن معرفتي ومعرفة سواي وهي في حيز الكمال الخالد لله والنقص الخالد للإنسان.
ثانيا: ان الحقائق التي تتفق مع الواقع ليست من المساحة الكبيرة كما هو مبين في الخط (ص ق) على الأقل ألان نسبيا والمهم هنا ان هناك اتفاقا ما بين الواقع والحقيقة الأخلاقية في أيامنا هذه و هناك الكثير من الحديث حول هذه النقطة مستقبلا كما هو مبين في الشكل.
ثالثا: ان كل ما هو واقعي سلبي بنظر الناس هو على الجانب الأيسر من الشكل وكل ما هو متفق عليه أي الأخلاق الايجابية على الجانب الأيمن من الشكل.
رابعا: ان امتداد الخط الواقعي للأخلاق سواء من خلال اتجاه الخط (س أ) الايجابي أو (ن هـ) السلبي يمثل توسعا تدريجيا مع الزمن لهذا الواقع الأخلاقي باعتباره ليس كمـّا محدودا.
خامسا: ان الزمن سيضمن اكتشاف الحقائق الأخلاقية التي سوف تتطابق مع الواقع الأخلاقي ولو بعد تردد من قبل المجتمع الذي سيرفض الحقائق الجديدة عليه لعلة التحفظ فيه، الا انها ستفرض نفسها على هذا الواقع تدريجيا وهذا الاتفاق بين الحقيقة الأخلاقية والواقع الأخلاقي الذي يتمثل بالشكل السابق من خلال الشكل المظلل (ص ق د ب).
أي ان الكثير مما نراه اليوم سلبا ايجابيا (ق ن) سيتقلص تدريجيا ليدخل في حيز الأخلاق العام (ص ق د ب) الذي يمثل اتفاق الحقيقة مع الواقع بدون خلاف أو صراع وكذا هو حال الإيجاب الأخلاقي الواقعي (س ص) إلى الحد الذي لا نجد فرقا بين ما هو خطأ أخلاقي نعتقده اليوم وما هو صح ولكن بعد حين من الزمان عندما يندمج هذان الواقعان، السلبي والايجابي معا بحيز واحد (ص ق د ب).
ان الكثير من الأخلاق الواقعية التي كانت خطأ بالنسبة للمجتمع قبل حين، لم تعد ألان خطأ، والكثير مما كان صحا أخلاقيا واقعيا، لم يعد ألان كذلك بل رُبَّما أصبح خطأ والسبب هو ان الزمان كفيل بدمج الواقع الأخلاقي السلبي والايجابي معا تدريجيا بالحقيقة الأخلاقية وعلى هذا الأساس فان الفارق بين الخطأ الأخلاقي والصح الأخلاقي سينحسر مع الزمن فإذا ما تصورنا مقدار هذا الدمج فاننا نستطيع توقع اقتراب سيادة الحقيقية الأخلاقية على الواقع الأخلاقي مع الزمن في المستقبل إلى حد اندماجهما كليا بحيث نستطيع تصور اليوم الذي تصبح كل الوقائع الأخلاقية، حقائق أخلاقيا أي تشابه الخطأ والصح وقبول المرفوض ورفض المقبول معا وبنفس الوقت، الا ان هذا مستحيل والسبب هو ان الواقع الأخلاقي بحد ذاته متوسع مع تقدم الزمن توسعا متوازيا لا يسمح بالحقيقة الأخلاقية ان تصبح سيدة مطلقة على الواقع.
ان التمييز بين السلب الأخلاقي وإيجابه، بين الخطأ والصح من الناحية الواقعية، نعمة على أنانية الإنسان وبالتالي لطمأنينته، وما عملية دمج هذا الصح بذلك الخطأ الا عملية أدنى من الإنسانية وان كانت منطقية لأنها مرتبطة بالحيوان والنبات وليس بالإنسان المفترض صناعة أخلاقه، وليس تسويقها كما هي أو كما تريد الحقيقة ان تفرض نفسها على وقائعنا المريحة المحترمة.
الأخلاق الايجابية ليست منطقية دائما.
ان اتساع عملية دمج الحقائق الأخلاقية بالوقائع، متوازية مع توسع مساحة هذه الوقائع إلى الحد الذي لا خوف معه من احتمال تحول الإنسان لحيوان أخلاقي.
ان الحنين الدائم للماضي وأخلاق الماضي من قبل أية شريحة تاريخية اجتماعية ليس الا خوفا مستمرا من قبل الإنسان خصوصا والمجتمع عموما من قبول هذه الحقائق الأخلاقية، وحالما يمر الزمن عليها لتأخذ طابعها الواقعي فإنها تقبل كواقع بدلا من كونها حقائق مستحدثة استفزازية وهكذا هو حال أي جيل من الأجيال ولا يوجد جيل مطلقا راض على الواقع الجديد عليه بالنسبة لما مضى من الناحية الأخلاقية، على كل مراحل التاريخ.
الجميع يتذمرون من الجديد أخلاقيا باعتباره حقيقة تحاول الاقتراب من الواقع.
الواقع المطمئن الذي يعيشه الإنسان بغض النظر عن ارتفاع أو انخفاض منطقيته فالإنسان ليس منطقيا من الناحية الأخلاقية ولكنه سعيد بما يطمئن له ولا يريد تغيير الوقائع حتى لو كان البديل حقائقا.
ان عملية دمج الحقائق الأخلاقية تدريجيا مع الزمن بالواقع ليست عملية محصورة على مرحلة ما من حياة البشرية وانها موجودة مستمرة طالما ان هناك حياة اجتماعية.
الإنسان يخشى التغيير عموما حتى لو كان لصالحه ولكنه لا يصمد طويلا أمام الضرورة الأخلاقية.
ان بعض الذين كانوا يعارضون سلوكا أخلاقيا معينا يوما ما من حياتهم القديمة لم يترددوا كثيرا بقبول نفس هذا المرفوض أخلاقيا من قبلهم بشرط ان يمر بعض الزمن عليه.
الجيل القديم حاليا يشتكي من الجيل الجديد وممارساته الأخلاقية غير اللائقة الا أنهم كانوا جيلا جديدا في حينها وقد اشتكى منهم الجيل السابق لهم بسبب ممارساتهم غير اللائقة أيضا بالرغم من تنوع مفردات هذه الممارسات الأخلاقية غير اللائقة؟
ان عملية اقتراب الحقائق من الوقائع واقتراب ما كان مرفوضا من القبول عبر كل مراحل التاريخ ولدى جميع الأمم والشعوب ليس بالضرورة عملية تمييع للواقع الأخلاقي خاصة عندما نجد ان الكثير من التراث الأخلاقي الرصين قد تغير واندمج بالواقع ولم تعد له هيبته ومع ذلك فهناك أمر يجب الأخذ به وهو عملية تصلب الواقع الجديد أيضا بالنسبة لبعض الحقائق الأخلاقية المتفق عليها سابقا أي ان الجيل الجديد ليس مميعا لما كان صلبا أخلاقيا فحسب وهذا أمر مفروغ منه، بل مصلب لما كان متميعا أيضا وبالتالي فليس لأحد من هذه الأجيال على احد فضل بالعملية الأخلاقية.
يجب عدم قبول تهمة ان الأجيال الجديدة قد قبلت بما كان مرفوضا فحسب لأنها رفضت ما كان مقبولا أيضا وليس من الضرورة ان كل ما هو جديد متميع وما هو قديم صلب فالحشمة الأخلاقية موجودة لدى الجيلين القديم والجديد كما ان العار الأخلاقي موجود لدى الجيلين أيضا ولأي جيل واقعه السلبي والايجابي.
أما الاستدراك الوحيد والمهم بهذا الأمر فهو الحنين للطمأنينة من خلال كل ما هو قديم باعتباره اقل استفزازا ممكنا ولهذا فان البحث عن الطمأنينة أهم من البحث عن الحقيقـة مهما كانت وبأي زمان وبأي مكان.
الطمأنينة فوق الفلسفة لان الأولى أنانية والثانية غيرية.



الانتماء
العقل والحلقات الانتمائية

بغض النظر عن نوعية التعاريف الكثيرة المقرونة بهذه اللفظة فان ما أراه مناسبا بتواضع هو انها الـ (وسيلة) المنطقية للعقل باستخدام كل ما يحيط به لتحقيق أعلى أنانية (متوازنة) ممكنة.
انه ينتمي ليستغل.
انه ليس أمينا الا مع نفسه بأي انتماء يختاره.
العقل انتهازي.
الإنسان انتهازي محترف بالفطرة.
ينتمي لماذا؟
وماذا يختار لينتمي؟
لماذا وماذا فلأنه يريد ان يظل قويا أطول مدة ممكنة خشية الإفلاس والضعف فيربط نفسه بسواه وليس أي (سوى) بل مع ما يعتقد هو انه قوي من الكفاية ما يضمن له الطمأنينة ويندرج ضمن قائمة المنتمى إليهم، كل ما في الوجود، البشر المحيطون به وعلاقاتهم والطبيعة الرابطة لهم كسياج فيقف لينتقي من هذه القائمة الطويلة ما يراه مناسبا له وما هو مناسب له هو بالقدر الذي يؤمن له أكثر ما يمكن من الاستقرار والطمأنينة واقل ما يمكن من الاستفزاز والقلق وتحت هذا الملخص نستطيع استطلاع كل ما نعرفه من الأواصر بين مفردات هذا المحيط بهذا الإنسان الأناني.
انه يعرف ما يختار لو ترك بعفوية ان يختار، ولكن بدون ضغوط أخرى، وعبارة (الضغوط الأخرى) هي كل ما تصلب من الأعراف الاجتماعية التي أصبحت تسود الإنسان السيد ليصبح عبدها وبذلك ضيع على نفسه فرصة اختياره لما يريد هو فعلا أو ما يريد له المجتمع ان يريد. وهناك فارق كبير بين الإثنين.
حيث السيادة وحيث العبودية.
ان الإنسان أكثر عبودية في هذا الشأن من الحيوان والحيوان أكثر عبودية من النبات والجميع أكثر عبودية من الطبيعة الميتة.
الحيوان أكثر حرية بتحديد نوعية انتمائه واتجاهه أما الإنسان فقد أصبح أكثر تحديا بحكم الإرادة الأقوى لديه بالنسبة لسواه من الحيوان والنبات ولكن أيضا وعلى قدر هذا (الفرق) بمقدار الإرادة الزائدة عن سواه، على قدر ما فقد من العفوية الانتمائية التي تؤمن له أكثر ما يمكن من الطمأنينة، فأصبح أكثر عبودية لحريته.
الانتماء طمأنينة.
عدم الانتماء قلق.
الانتماء، ليس من الضروري ان يكون منطقيا.
الانتماء فوق المنطق.
الإنسان يبحث عن استقراره بغض النظر عن العراقيل العادلة للعقل والحجج الكافية عن الحقيقة.
شك في نور أفضل من يقين في ظلام، ووهم في سعادة خير من حقيقة في نكد.
هكذا هو الإنسان المسكين.
انه متورط.
متورط بوجود القاصر الضئيل والكم الضيق من مساحة المناورة النفسية الا من واقع لا قدرة له عليه.
ان البعض منا ممن حاول جادا مخلصا ان يجد تفسيرا لما حوله وقد وجد لحد ما أو تاه في أنفاق هذه الرحلة القصيرة لم يجد في النهاية ما يسـتطيع معه الا الخوف.
الإنسان خائف من عدم التحلل من انتماءاته حتى وان كانت بلا معنى منطقي، غير انها معقولة، وسواء كانت أو لم تكن، فان الإنسان هو الوحيد القادر على فهم نفسه وما يريد بالضبط من حياته فينتمي ليجد سياجا من الحلقات الانتمائية الهادئة المريحة التي توفر له الحصانة ضد التفسخ العقلاني والقسوة الحقيقية حتى انسلاخ الجلد عن العظم.
ليس مهما ان أكون على حق، بل ان أكون سـعيدا.
انها ليست سمة مقرونة بالإنسان وحده على أي حال لأنها قاسم مشترك بين جميع الكائنات الحية، فأي كائن حي لو أردنا تحليل أسلوب تعامله مع المحيط به لوجدناه يحاول كل جهده ان لا يخسر هذا الانتماء مع الجدية العالية التي يبذلها للحصول على أعلى قدر ممكن من المكافأة والمتمثلة بالاهتمام والرّعايـة الخاصة به من قبل المحيطين به سواء كانوا بشرا مثله أو حيوانات أو نباتات ولا أدل على هذه الصورة المفلسة للبعض منا عندما يهتم بحيوان ما أو نبات ما (كائنات حية) أو كيانا ماديا شاخصا كقطعة أثاث فاخرة أو لوحة فنية راقية أو مخلفات قائد مشهور ورُبَّما الأمر اكبر قليلا من ذلك عندما ينتمي لما هو عقائدي من هذه الشواخص المادية كالأصنام مثلا وكل هؤلاء مندرجون تحت قائمة الانتماء لـ (كائنات غير حية) لمجرد الإحساس بالطمأنينة التي يوفرها اهتمامه هذا بسواه من اجل ان ينتظر المكافأة وهي ان يهتم به هذا الكيان (الحي أو غير الحي) ليشعر معه بالاستقرار.
يعطي، متأملا ان يأخذ.
يحب، منتظرا ان يُحب.
ويدخل في هذه الخانة كل المحبين للحيوانات الأليفة وأحيانا غير الأليفة وجميع المدافعين عن الحيوان أو المدافعين عن الغابات الطبيعية أو المدافعين عن الطبيعة والحرص عليها.
أنهم لا يفعلون ذلك حبا بالحيوانات ولا النباتات ولا الطبيعة ولا الأصنام الا لأنهم هم أنفسهم يريدون ان يحبوا أمرا ما ينتمون إليه ويشعرون معه بالاحتواء للأقوى.
انها عملية عرض اغتصاب بالمجان.!!
ان عملية ان ينتمي العقل لأمر ما، ليست كمالية.
انها أساسية لسعادة الإنسان وكل ما هو حي.
ولو أردنا ان نجرد الموضوع هذا بالذات من سـمته الرومانسية وحولناه إلى تعميم أعلى لقلنا ان كل ما في الوجود يحاول ان (يتفاعل) مع المحيط به. كل المحيط به بلا استثناء.
أما عملية التفاعل هذه فبالإمكان وصفها حسب الكائن الذي يتعامل مع محيطه. فإذا كان جسما طبيعيا فنحن نطلق على عمليات انتمائه إلى المحيط به (العالم الموضوعي) بالقانون الطبيعي ونناقش ذلك على أساس (علمي) بحت فنقول ان الجسم الفلاني (يتفاعل) مع سواه من خلال الكتلة التي تحدد جاذبيته بالنسبة للأرض وكتلتها وجاذبيتها الا ان هذين الجسمين (الحجر مثلا والأرض) بالرغم من تفاعلهما الخاص بهما ليسا بمعزل عن سواهما من الموجودات الكونية المحيطة بهما وإنهما كجسم واحد (يتفاعلان) مع الكواكب الأخرى أيضا كل حسب مواصفاته المادية الخاصة (من كتلة مثلا).
ان هذه العملية بالذات هي في (واقع) الأمر عملية (قانون) طبيعي ولكنها في (حقيقة) الأمر، عملية انتماء. فالحجر ينتمي للأرض وكلاهما ينتميان للشمس مثلا والجميع لسواهما وهكذا.
إذن لا توجد عملية حصر انتمائي بالتفاعل بين الأجسام المادية وإذا كنا متفقين على هذه الأمور لأنها مادية بحتة ولان القانون العلمي قد هضم العملية هذه هضما واضحا لعقولنا فان بالإمكان تعميم (نفس) القاعدة تماما على الكائنات الحية التي هي (تتفاعل) بدورها مع سواها من الكائنات.
الإنسان يتفاعل مع سواه من الناس والكائنات الحية والطبيعة وهو منتم ليس فقط للناس المحيطين به بل ان الإنسان منتم أصيل لكل ما يقع تحت طائلة العقل من موجودات، حية وغير الحية وليس هذا فحسب بل انه في نهاية الأمر لو أردنا التسـلسـل معه، منتم حتى لما هو
(تجريدي) من الأفكار، إضافة لما هو (عيني) ولهذا بالإمكان تقسيم الانتماء (للتوضيح) إلى قسمين اعتمادا على كروية الوجود المعرفي في العقل وهما الامتداد الأفقي والامتداد العمودي.
أما الامتداد الأفقي فهو سلسلة الدوائر التي يتعامل معها العقل المنتمي فمثلا وكما تحدثنا سابقا ينتمي أولا للجسم الذي يعيش فيه ويحاول ان يكون أنانيا بخدمته وتسخير كل ماعداه من اجله ثم يوسع الدائرة فتشمل العائلة حيث يتعامل معها كمفردة عقلية يشعر معها بأنه منتم لها ليستقر ولهذا يحاول أيضا تسـخير ما عداها لخدمتها (لخدمة هذه العائلة) بأنانية ذات دائرة عائلية لو صح التعبير ثم ينتمي لعشيرته أو مدينته أو فريقه الرياضي أو حزبه أو مذهبه أو طائفته أو زمرة أصدقائه ويحاول هنا أيضا ان يسخر كل ما عداها لخدمتها بأنانية خاصة بهذه (الحلقة) بالذات من الاتساع (وهي اكبر هنا من العائلة) وكما قلت قبل قليل انه امتداد أفقي من حيث اتساع الدائرة الأنانية للانتماء.
وهكذا الدوائر الأوسع حتى البشرية باعتبارها أوسع دائرة إنسانية ثم الدائرة الأوسع وهي الدائرة الحيوية التي ينتمي لها الإنسان أي انه يشمل الحيوانات والنباتات بدائرة انتمائه. ومن الجدير الذكر هنا ان هذه الدائرة كلما اتسعت فان خدمتها تكون قريبة بما هو اكبر منها لتسخيرها بخدمتها وليس العودة عكسيا نحو الداخل من الدوائر الأصغر ما لم يكن الانتماء من القوة بحيث يصبح الانتماء العائلي أوسع (أفقيا) مثلا من الانتماء للحزب وعندها تصبح الدائرة الأنانية الحزبية مثلا اصغر من الدائرة العائلية عندما يشعر الإنسان (هذا الإنسان بالذات) ان حزبه أهم عنده وأكثر راحة له واستقرارا من عائلته وفي كل الأحوال فان عملية توسع الدوائر الانتمائية الأنانية، هي ما اقصد به الامتداد الأفقي للانتماء.
ومن الضروري هنا التمييز بين دوائر الانتماء الحلقية المتوسعة وفق تسلسل معين لا خروج عنه كتسلسل، وبين قوة الانتماء الذي قد يكون مقرونـا بحلقة معينة ليسـت بالضرورة اقرب ما يمكن من العقل، بمعنى ان العقل الذي يعتبر الحلقات الانتمائية متسلسلة من الجسم الإنساني المرتبط بهذا العقل نحو العائلة التي تمثل دائرة أوسع إلى العائلة الأولى لهذا الشخص واقصد أباه وأمه وسواهم من عائلته ثم الحي فالمدينة فالوطن الأم ثم القومية ان كانت هناك قومية ثم العالم ثم الوجود كله.
ان هذا التسلسل وهذه المسميات ليست ثابتة كأسماء ولا مراكز انتمائية محددة، ولكنني اقصد مبدأ التقسيم الحلقي المتسع ابتداء من الجسم المرتبط بالعقل مرورا بالحلقات الأخرى حتى الوجود مما يدع المجال للكثير من التفاوت بين إنسان وآخر وكل حسب بيئته وظروفه النفسية وبالتالي فما يكون حلقة انتمائية ثالثة كالعشيرة بالنسبة لشخص ما، قد يكون بنفس هذه المرحلة من الانتماء بالنسبة لشخص آخر وفي موقع آخر من العالم هو الفريق الرياضي الذي يحبه ولهذا فان التشدد على ألفاظي بدقة في هذا المجال ليس ضروريا فالمهم هو الامتداد الأفقي لهذا الانتماء المتدرج توسعا من الداخل إلى الخارج، والاستدراك الأهم ألان هو (قوة الحلقة الانتمائية).
ان أي منا يعيش في وقت ما بحالة من هذا الانتماء الأقوى لحلقة (ما) من حلقات الانتماء الأنانية والتي قد تتغير مع الزمان ولكننا ألان بصدد موقعها.
قد يشعر الإنسان بفترة ما من حياته انه منتم إلى الحلقة الوطنية، أي ان انتماءه لوطنه أقوى عنده من أي انتماء آخر إلى الحد الذي لا يتردد معه من التضحية بنفسه (بجسمه) من اجل هذا الانتماء، وليس على استعداد ان يضحي بنفسه من اجل عائلته مثلا أو حتى ولده ومع ذلك فلديه الاستعداد بالتضحية من اجل وطنه.
ان هذا الموقف يعني ان الحلقة الانتمائية الأقوى هي الحلقة الوطنية التي تتصل بالعقل كحلقة أولى قوة ثم يليها حلقات أخرى وهذه الحلقات الأخرى ليست أيضا من التسلسل بالقوة بعد الحلقة الوطنية بحيث انها ضمن نفس التسلسل الاتساعي الذي أخذته جغرافيا كما ذكرنا قبل قليل عند الحديث عن تسلسلها من الجسم إلى الوجود فالجميع متفقون على هذا التسلسل الجغرافي الا ان التسلسل الانتمائي أمر آخر يحدد الإنسان نفسه، وعلى انفراد وبتميز كامل عن أي إنسان آخر في العالم.
ان ترتيب الحلقات الانتمائية بالنسبة لأي منا يعتمد على أنانيته هو. بحيث يعيد تسلسل هذه الحلقات وفق ما يناسبه هو فما هو حلقة انتمائية أولى بالنسبة لي، قد لا يكون لسواي، إضافة لتسلسل القائمة.
قد تكون الحلقة الانتمائية الوطنية هي الأولى يليها الحلقة الشخصية ثم العائلية ثم الحلقة الأممية ثم الحلقة الوطنية وهكذا، بالنسبة لشخص ما نظير تسلسل متفاوت تماما عما بالنسبة للأول حيث الشخصية أولا والعائلية ثانيا والقومية ثالثا والدينية رابعا وهكذا ورُبَّما الحلقة الدينية هي الحلقة الأولى ثم الحلقة الشخصية ثم الأممية وهكذا.
ان عدد الحلقات الانتمائية ليس محددا والأسماء ليست محددة أيضا، ولكن ما هو محدد ان هناك (تسلسلا جغرافيا) ما يبدأ من الجسم مرورا إلى الوجود وان هناك تسلسلا أنانيا يمثل درجة القوة التي تتحلى بها الحلقات الانتمائية جغرافيا.
بعد هذا لابد من ذكر الزمن الذي تمت به عملية التوزيع حسب القوة بين هذه الحلقات بعقل أي منا والسبب هو التغير بترتيب هذه الحلقات أنانيا فما كان لنفس الشخص حلقة انتمائية أولى قبل فترة من الزمن قد يتغير ألان لتأخذ حلقة انتمائية موقعها في الصدارة ثم يتبع ذلك التسلسل ذاته وقد يعيد الإنسان، نفس الإنسان المعني هنا بالحديث، عملية أولوياته بقوة هذه الحلقات كلها.
ان الفترة الزمنية التي يستغرقها الإنسان للثبوت على تسلسل ما، أنانيا لحلقاته الانتمائية ليس محل تحديد أيضا، فقد يتم هذا التغير خلال ساعات ورُبَّما يمتد لعقود ورُبَّما يمتد لعمره كله دون تبدل والسبب بهذا التبدل، سريعا كان أو بطيئا، هو البحث عن الطمأنينة وليس لأي سـبب منطقي واضح، بالرغم من الملف الكبير من المبررات المنطقية لسبب تبدلاته، غير انها جميعا في حقيقة الأمر تصب في خانة راحته النفسية الخاصة ليلحق بها هذه المبررات التي لا يتجرأ على ذكرها خشية ان يتهم بما هو أعظم ما فيه، الأنانية.
كل هذا في حدود الامتداد الأول. الامتداد الأفقي.
أما الامتداد الثاني، فهو الامتداد العمودي، واقصد به الطريقة التي يتصورها العقل لفهم هذا الانتماء وهي تنقسم هنا إلى قسمين:
الأول هو التصور العيني والثاني هو التصور التجريدي.
أما التصور العيني فهو ان العقل (الإنسان) يعيش حالة من تصور ما ينتمي إليه فإذا كان جسمه فهو يعلم ما تعني لفظة (الجسم) الخاص به وإذا كان المقصود العائلة فهو يعلم ما تعني من حيث عدد معين من أفراد هذه العائلة وأشكالهم وأجسامهم. أي انه يعيش حالة من تصور ما ينتمي إليه، وكذا حاله عندما يفكر بالمدينة التي تخصه ولكن بضبابية أكثر. وكذا الأمر في حالة حبه لكيان ما، وليكن إنسانا مثلا فهو (يتصور) هذا الإنسان الذي يحبه (الذي ينتمي إليه) كما انه يتصور الحيوان الذي يحبه أو النبات أو رُبَّما الإله (كما هي حالة الإنسان عندما يريد ان يخدم انتماءه لأله ما فانه (يشخص) المفهوم الغامض له بان يرسمه أو ان ينحته ليستطيع تصوره كمرحلة أولى ثم ينتمي إليه كمرحلة ثانية ومن خلال هذا التصور العيني يعيش حالة انتمائه لهذا الكيان.
أما القسم الثاني فهو التصور التجريدي، حيث ان العقل يعيش في حالة من الانتماء لـ (مفهوم) عقلي رسخ فيه، كمفهوم الوطن، أو مفهوم الخير أو مفهوم البشرية وهكذا. وقد يعيش حالة من الانتماء لعقيدة ما ويدافع عنها إلى الحد قد تصبح معها اقرب له من مدينته وأهلها واقرب من عائلته ورُبَّما اقرب له من جسمه بحيث ان العقل يعيش حالة من الأنانية لهذه العقيدة وكأنها الدائرة الانتمائية الأولى والأقوى على حساب الدوائر الأخرى وقد يضحي الإنسان (العقل) هنا بأي شـيء من اجل الحفاظ على هذه الدائرة الأنانية الأولى أي العقيدة، ورُبَّما بجسمه كما ذكرنا فالمهم ليس الضحية التي يريد ان يقدمها العقل من اجل استقراره بل المهم عدم التردد للتضحية بأي شيء من اجل طمأنينته حتى لو كان الجسم الذي يعايشه.
أي ان مبدأ (الأنانية) بالانتماء هو الأصل بغض النظر عن التفاصيل اللاحقة كنوع أو اسم أو مساحة الدائرة التي يتفاعل معها (ينتمي إليها) فذلك يعتمد على قوة الانتماء و المهم هنا (الأسلوب) الأخلاقي الذي يتعامل به عقل أي منا مع المحيط به باعتباره أنانيا إلى أقصى ما يمكن وان أي غلاف يدعي به هذا العقل من الخيرية والغيرية وما إلى ذلك من الألفاظ العـاطفية ليس صحيحا على الإطلاق أمام هذا المنافق الذكي.
العقل (الإنسان) يعيش عندما يريد ان ينتمي بحالة من العينية والتجريدية لكل ما حوله ويختار ما يناسبه بالرغم من تداخل التصور العيني والتجريدي بما هو صعب فصلهما لولا حاجتنا ألان للتوضيح.
ان اعتقادي راسخ كما قد يأتي ذكره لاحقا بأنه لا يوجد عالم تجريدي في العقل بل كل ما فيه عبارة عن عينيات محددة المعالم و تصورات يعتقد العقل بأنها تجريد والحقيقة انها من بنات الفكر العيني للعقل ومن (المستحيل) القول ان هناك عالما تجريديا محضا في العقل، الا اننا سنؤجل البحث في هذه النقطة بالذات ألان ونكتفي بالاتفاق ان هناك ما هو عيني وما هو تجريدي وان العقل يستخدمهما كالعادة لمصلحته من اجل الاستقرار وهذا كله على المستوى العمودي كما ذكرت قبل قليل أي التصور العيني والتجريدي وعلى المستوى الأفقي أي الدوائر التي نتصورها كالجسـم أو العائلة أو الوطن (جغرافيته وأبنيته وشوارعه وما إلى ذلك مضافا لذلك التصور التجريدي كمفهوم عام اسمه الوطن وكل ما يعنيه من تراث بعقل هذا الإنسان المعني بالحديث ألان).



العقــل أثنــاء النــوم

ان العقل أثناء النوم لا يمكن له ان يتخلص من إصراره الحثيث على البقاء في حالة الأنانية التي يمارسها عندما يكون الإنسان في حالة من اليقظة أي ان ما لا يستطيع الإنسان (المطرقة المنفذة الأولى للعقل) ان ينفذه له أثناء اليقظة فانه يقوم به أثناء النوم وفق مساحة كبيرة من التطبيق غير الواقعي ولكن بنفس المادة الواقعية الخام أي باستخدام نفس الصور العينية التي يعيشها العقل أثناء اليقظة.
أي انه يستخدم المطرقة المادية لتنفيذ رغباته بغض النظر عن مساحة هذه المطرقة التي قد تتجاوز الجسم المعني بهذا العقل ومن الآفاق ما يأخذ من الزمان والمكان كل ما بهما، وبالرغم من كل ذلك فهو لا يخرج على الإطلاق عن المحتوى المادي للعقل أثناء اليقظة.
انه يستخدم كل ما يمكن استخدامه من أدوات لذلك ولا يستثني أي شيء خاضع لمعرفته به من خلال السياق ذاته بحلقات الانتماء العمودي منها والأفقي وكل ما تقع عليه يده منصرفا تماما عما يحيط بالضوابط التقليدية لأنه لا يفهم أية قيم مستحدثة بل يعيش حالته الأصيلة الأولى من النظافة الوجودية محاولا تعويض النقص الذي لا يستطيع إكماله له الجسم الذي ارتبط به.
 

الأخــلاق

لقد طرحت هذه المفردة اللفظية كمفهوم متوارث بغموض كثير وكان لأي منا رأيه الخاص بها وقد اتخذها الكثيرون نقطة فاصلة بين الكثير من آرائهم التي لحقت بها بحيث أنهم أقاموا استنتاجاتهم على أساس ما يفهمون عنها ثم اتبعوا ذلك بحزمة من الاستنتاجات التي جاءت مطابقة لما بدؤوا به من تعريف لها ثم تشعبوا بهذه التحليلات حتى بلغوا مناطق نائية من الإبداع الخلاق، ولكن المتفرع إلى درجة من الصعب حصر ما يريده بها الكاتب أو المؤلف أو المصلح.
ومع تقدم الزمن أصبحت تعني جانبا أحاديا من الحديث أي الجانب الايجابي فقط. وتحولت إلى مفهوم يقصد منه السلوك الخير الايجابي للإنسان فمن لديه (أخلاق) لدية خير، وهو خيـّـر، والعكس صحيح. وأصبح التعبير عنها هو ان الشخص الفلاني لديه أخلاق والآخر ليس لديه منها.
ان المقصود حسب ما اعتقد هو، أولا انها لفظة ليس لها محل من الإعراب لو ارتفعنا بالتفسير لأقصى ارتفاع ممكن ولو حاولنا بلوغ هذا الارتفاع فهي ليست أكثر من نشاط عقلي بل هي النشاط العقلي بحد ذاته ولكن ما هو المقصود بـ (كل نشاط عقلي)؟
انه كل ما يدور في العقل ولهذا فالأخلاق تنقسم لقسمين: الأول هو (الفكر) العقلي الذي يظل في إطار المفـاهيم العقلية كالقيم والمبادئ، والثـاني هو ما يترجم إلى (سلوك) عبر جسم ذلك العقل. فالسلوك الجسماني لذلك الشخص المفكر، هو الشق الثاني الواضح (المتبدي) من عقله وليس من أخلاقه، فالأخلاق ليست بالضرورة مقرونة بالتصرف والسلوك الإنساني بل هي أيضا (فكر عقلي) يتحلى به الإنسان حتى قبل ان يتصرف أي شيء وحتى قبل ان يعبر عنه بتصرف أو سلوك مادي واضح حسب ما هو متعارف عليه علميا من حيث الحركة الصريحة لذلك الإنسان، فالأخلاق (أولا) عبارة عن فكر و(ثانيا) سلوك. ومن المستحيل القول بغير هذا التتابع والأولوية من حيث التناسق الزمني وحتى من حيث الأهمية، فما هو فكري أخلاقي هو الأصل بأخلاق الإنسان أما السلوك فهو الصورة الساذجة لهذا الفكر الأخلاقي، أو الأخلاق بمجملها لو توخينا الدقة. فالجسم ليس الا وسيلة عادية من وسائل التعبير ولهذا كانت أفضل العقائد هي التي تتعامل مع الفكر (العقلي) بالأخلاق أكثر من (الأجسام) وكانت بذلك اثبت قواما وأطول عمرا.
إذن فالأخلاق هي (أي) نشاط عقلي، سواء تبدى ظاهرا أو لم يتبد، وفي كلا الحالين فإنها حتى ألان ليست ايجابية (خيرا) وليست سلبية (شـرا).
أما المرحلة الثانية من الشــرح فهي مرحلة تحديد نوعية هذه الأخلاق.
انها ايجابية أو سلبية. خيرة أو شريرة.
ولكن ما هو المعيار الذي نعتمده لتحديد هوية هذه الأخلاق بالإيجاب أو السلب؟
ان الإجابة على هذا السؤال المهم تعتمد لحد كبير على التراث التاريخي للعقل الإنساني والحضارة الإنسانية فالكثير من الأمم والشعوب قد درجت على ان هذا الفعل (السلوك) من النوع الايجابي (الخير) وان ذلك الفعل من النوع السلبي (الشرير) بل تقدموا خطوة للأمام بالتفاصيل عندما جعلوا بينهما (صراعا) وظل هذا الصراع هدف الإنسان بالحديث عن الأخلاق وأقامت الكثير من العقائد قوامها الأساسي على ضوء هذا الصراع بحيث أصبح القضاء على الشر(الأخلاق السلبية) هو الهدف المركزي لها أمام أتباعها. وبصراحة شديدة لا اعرف كيف يمكن الفصل بينهما وهما أمر واحد. فالموضوع ليس خيرا أو شرا بل الموضوع هو ان العقل يقوم بفعالياته الخاصة به بعفوية تناسب أنانيته دون الاهتمام كثيرا لما يقال عنه أو لما يتعرض له من تحليل من قبل البعض (كما نحاول نحن ألان) ولولا الخوف من القلق لما توقفت عجلة العقل الأخلاقي عن أي رادع أو فرملة.
العقل، أخلاقي أولا ثم نحن نحلل ما ينتج عن هذه الأخلاق فنضع لها مسمياتها (الطارئة) غير الأصيلة عليه فنقول ان هذا الفكر أو السلوك ايجابي أو سلبي. خير أو شر.
ومع ذلك فلو أردنا الغوص أكثر في عملية جذور المعيار الذي بنينا عليه تقديراتنا لنوعية الأخلاق من حيث الخير أو الشر فيبدو انه معيار نقل الفكر الإنساني من حالة دنيا إلى حالة عليا.
ولكن كيف ذلك؟
انها حسب التسلسل الانتمائي الذي ذكرناه قبل قليل والمتمثل بالطبيعة أولا وهي أكثر الموجودات المعروفة أخلاقا لأمانتها الشديدة إلى درجة الكمال (حسب المنظور المادي على الأقل ألان) وانضباطها الشديد. فإذا انتقلنا سـلمة إلى الأعلى من سلالم التحليل فانه النبات الذي يقف بعد الطبيعة مباشرة من حيث أمانته الأخلاقية وشدة انضباطه، ثم الحيوان الأكثر تدخلا ثم الإنسان.
ان أمانة الطبيعة ككائن غير حي سوف نستثنيه ألان من الحديث ونكتفي بالحديث عن الكائنات الحية فقط لا يعني التخلي عن الأنانية في هذه الطبيعة اللهم الا في الدرجة التي تكتسبها أنانية الطبيعة بالنسبة لأنانية الكائنات الحية عموما.
انها أنانية (كاملة) عند الطبيعة مقارنة بالنبات الذي قد يقوم بشيء من الغيرية كما تراعي النخلة الفسيلة وتدفع لها بما ينميها ولو على حسابها وحسـاب حياتها ولو ارتفعنا لوجدنا الحيوان أكثر غيرية وأكثر وضوحا من حيث تنظيمه المقصود بإعطاء ما يشـاء إعطاءه ثم الإنسان.
النبات أكثر أمانة أنانية، واقل نبلا. والإنسان اقل أمانة أنانية وأكثر نبلا. فالتطبيق الأمين لقوانين الطبيعة من خلال النبات لا تعني من الناحية الأخلاقية الا الأمانة. ولو كان الأمر كذلك بغض النظر عن المناقشة الأخلاقية لكانت الطبيعة هي الأكثر أمانة، فالحجر لا يعرف الا (الأنا) وقوانينها، متفاعلا مع المحيط به وفق مبدأ خالد لا غبار عليه يتلخص بان (الأقوى هو الاعدل).
انه (توازن) طبيعي ممتاز ولكنه ليس توازنا أخلاقيا بل هو أعلى ما يمكن من التوازن الطبيعي وأدنى ما يمكن من التوازن الأخلاقي.
لا اعتراض على مشيئة الأقوى في الطبيعة بين موجوداتها فلا من مؤيد ولا من معارض ولا يتحكم بالعلاقات الطبيعية الا الأقوى فالأضعف ثم الأكثر ضعفا وهكذا.
انه توازن طبيعي يخلو من التدخل الأخلاقي.
أما الإنسان فانه اقل ما يمكن من التوازن الطبيعي بعلاقاته، فقد يضحي وقد يتردد وقد يؤيد وقد يعارض، وقد، وقد، بدون سبب منطقي وهكذا.
انها الإرادة الحية العليا لدى هذا الكائن الحي غير انه بنفس الوقت (يحاول) ان يعيش بحالة أكثر ما يمكن من التوازن الأخلاقي على حساب التوازن الطبيعي، لأنه ليس حجرا.
ان الحجر يتفاعل مع العالم الموضوعي بأسلوب بسيط هو (القانون الطبيعي) ولو تصورنا كيفية تعامله مع هذا العالم فانه أمين (كل) الأمانة بهذا التعامل فلا يأخذ الا على قدر ما يعطي، والذي يحدد هذا التوازن هو القانون الطبيعي كما ذكرنا قبل قليل بحيث انه من المستحيل تصور جسم مادي غير حي له القدرة على الحركة الذاتية المقرونة بإرادة مستقلة عن الأجسام التي تحيط به، ولو تصورنا اننا أخذنا هذا الحجر إلى الفضاء الخارجي ثم قذفنا به بسرعة ما، فان من المستحيل له ان يغيرها ما لم يتعرض لتأثير أخر من قبل جسـم مادي آخر.
انه سـيبقى بنفس سـرعته هذه دون توقف. وكما هو شـأن التمثال الذي نراه في المتاحف الذي لا حول له ولا قوة منذ ان تركه النحات. فلو تعرض مثلا لعملية ضرب بمطرقة فان ردة فعله هي التهشم ومقدار هذا التهشم من حيث الكم هو ما يعادل (تماما) الطاقة التي نزلت من المطرقة عليه.
انه ليس سلبيا، ولكنه ليس ايجابيا، أي انه من الناحية التحليلية يعيش حالة من التوازن الطبيعي تماما مع المحيطين به. وعلى قدر الأفعال المسلطة عليه على قدر ردود أفعاله.



الذاتية والغيرية والأنانية

قبل الدخول بتحليل هذه المفاهيم الغامضة وأسلوب ارتباطها فيما بينها يجب الذهاب إلى جذورها. فلو تصورنا الطريقة التي يفكر بها الإنسان لكي يتصرف إزاء عالمه الخارجي فإنها طريقة بسيطة تعتمد على احترامه الشديد لمصالحه الا ان لفظة (احترامه) هذه هي الأخرى غامضة بعض الشيء وتحتاج وضعها في محلها المناسب.
ما هو المقصود بـ (احترامه) لمصالحه؟
انها محاولة أصيلة في العقل البشري (والحي عموما) لسحب كل شيء نحوه. لأخذ كل شيء. لتسخير كل شيء. لاستغلال كل شيء في الوجود من اجله.
انها الأصل بالعقل.
إرادة سحب شاملة لا تعرف الرحمة. وليست طارئة عليه، بل أصيلة فيه، بل هي هو.
انها محاولة نحو الذهاب بكل ما هو في العالم الموضوعي نحو الذات. ذاته هو. نحو اصغر ما يمكن من الوجود الذاتي وكأنه يحاول، أي العقل أن يسحب كل العالم الخارجي ليصغره نحو ثقب اسود في العقل.
انه يمتص كل شيء له كعملية شـفط لانهائية.
رغبة جامحة بسحب الكون (عينيا وتجريديا) إلى هذا الثقب الأسود العقلي نحو مالا نهاية صغرى في العقل.
انه يحاول سحب المالانهاية الكبرى للوجود كله نحو المالانهاية الصغرى التي تخصه.
انها محاولة لسحب كل الغيرية نحو كل الذاتية.
انها رغبة عميقة الا انها ليست منفردة في هذا الوجود ولهذا فإنها تصطدم بالآخرين (كائنات حية وغير حية - الطبيعة -) والتي هي بدورها تحاول الأمر نفسه ولهذا يقف الجميع بحالة من الترقب حول من يكسب الجولة ويستطيع ان يسحب له كل ما حوله.
أنهم جميعا يشتركون بهذه الخصلة لأصالتها في عقولهم بل في وجودهم المادي والعقلي وبما ان ذلك ليس ممكنا على المستوى التطبيقي فان هناك معادلة من التوازن الجارية باستمرار بين الجميع.
انها معادلة التوازن الطبيعي والتوازن العقلي بين الكائنات غير الحية والحية.
لا يوجد احد منفردا في هذا العالم إلى الحد الذي يكون معه دكتاتورا، مهما كلف الأمر.
إنَّ (وجود الآخرين) بحد ذاته مهما كان طبيعيا أو حيويا، سلبيا أو إيجابيا هو العلة الأساسية بهذا التوازن.
إنَّ أيا من الكائنات الحية يحاول ان يكون ذاتيا بأكثر ما يمكن ويحاول العالم المحيط به ان يجعله موضوعيا أكثر ما يمكن.
إنَّها فرملة إجبارية.
الكائن الحي يحاول ان يكون ذاتيا، والعالم الخارجي يحاول ان يجعله موضوعيا، ويقع هو بين الإثنين في مركز (الأنا).
الكائن الحي (وبضمن ذلك الإنسان)، أناني بالضرورة. فهو بين الذاتية كأقصى ما يكون من طرف وبين الغيرية كأقصى ما يكون من طرف آخر.
بين الذاتية والموضوعية، يعيش أي كائن حي وغير حي. فالكائن غير الحي (الأجسام غير الحية من الطبيعة) هي الأخرى في حالة تقع في الوسط بين ذاتيتها والعالم الموضوعي وهذه الحالة الوسط هي (الأنا) الطبيعية لهذا الجسم غير الحي والتي تعرف حسب القوانين الطبيعية بـ (التوازن الطبيعي) لهذا الجسـم أو ذاك، أما لو طبقنـا هذه القاعدة البسيطة على الكائن الحي، فان وقوفه بالوسط بين هاتين القوتين يعني (الأنا).
إذن فالجميع في حالة من الوقوف الوسطي بين الذاتية والموضوعية، هذا على مستوى تعميم الحديث هنا كقاعدة، كائنات حية أو غير حية، ولكن لو أردنا ان نسبغ على ما يتعلق بالكائن الحي، مسحة رومانسية فنقول انه (التوازن العقلي) نضير (التوازن الطبيعي) لدى الكائن غير الحي.
الاثنان متفقان من حيث المبدأ على الصيغة نفسها بالشرح والتفسير ولا بأس بذلك فالتوازن الطبيعي أو التوازن العقلي هو المدخل المعقول لاستمرار أي حديث هنا للذهاب خطوة نحو الإنسان فيما بعد ومناقشة أخلاقه، ومع ذلك لابد من العودة بأي موضوع تحليلي لأصوله الأولى وجذوره.
إذن فالكائن الحي (يجب) ان يعيش في موقف من (التوازن العقلي) طالما هو كيان عاقل لكي يستقر كما هو حال أي جسم مادي (مستقر) لأنه بحالة من التوازن الطبيعي مع سواه وهنا أيضا لابد من التذكير ان عملية التوازن العقلي المطلوبة لدى الكائن الحي ليست اختيارية تماما كما هو الحال بالنسبة للجسم المادي غير العاقل أو غير الحي من حيث رغبته الأصيلة بسحب كل شيء نحوه لولا الفرملة (الطبيعية) التي
تمارسها الأجسام المادية الأخرى المنتشرة في العالم الخارجي عليه مثلما هو بالنسبة لسـواه منها. فالكائن الحي يحاول أيضا سـحب كل شـيء نحوه لولا الفرملة المعاكسة له من حيث السحب نحو ثقب اسود مفترض بعقله، من قبل الكائنات الحية الأخرى المحيطة به مضافا إليها العالم المادي غير الحي والذي يمارس عليه هو الآخر تأثيرا معاكسا باعتبار ان جسم الكائن الحي، جسم أيضا في نهاية الأمر، وله ما له وعليه ما عليه كأي جسم مادي غير حي من حيث التأثير والتأثير المتبادل مع الأجسام المادية غير الحية المنتشرة حوله. أي ان الكائن الحي يعاني من تأثيرين، الأول هو تأثير العالم الموضوعي الخارجي (غير) الحي عليه باعتباره جسما ماديا هو الآخر والثاني هو تأثير عالم الكائنات الحية (العقلي) غير المنظور أي عالم العلاقات الاجتماعية المحيطة به. وكلا هذين التأثيرين يمارسان على عقل الكائن الحي عملية فرملة على رغبته بسحب كل شـيء حوله، له.
هو يسحب ماديا وعقليا نحوه، وهما يسحبانه ماديا وعقليا نحوهما، وبينه وبينهما تقع (الأنا) لهذا الكائن الحي.
إذن لدينا الآن (الذاتية) وهي محاولة الكائن الحي وغير الحي بسحب كل شيء حوله له، سواء وفق القانون الطبيعي المتعارف عليه بالفيزياء التقليدية علميا، أو حسب القانون الاجتماعي الذي ينظم العلاقات بين الكائنات الحية ومنها على وجه الخصوص، القانون الاجتماعي الإنساني (باعتباره جزءا من القانون الاجتمـاعي الحيوي المتعلق بكل الكائنات الحية) وهي الحد الأقصى من علاقة الكائن الحي بسواه.
ومن الجدير الذكر هنا القول ان القانون الأعم هو القانون (الأعلى) حيث العلاقات الافتراضية التي يسيرها الله والقانون (العام) الذي تخضع له الطبيعة والكائنات الحية والقانون (الحيوي) حيث الكائنات الحية ثم القانون (الإنساني) عندما يتعلق الأمر بالإنسان فقط.
القانون الإلهي.
القانون العام (الطبيعي والحيوي).
القانون الحيوي (الإنساني، الحيواني، النباتي).
إضافة لذلك لدينا (الموضوعية) وهي مفهوم يتعلق بكل العالم الخارجي المحيط بهذا الكائن أو ذلك، حيا كان أو غير حي. وهي الحد الأقصى الآخر من العلاقة بين الكائن وسواه. ولدينا الـ (أنا) وهي الحد الوسط الذي (يجب) ان يكونه الكائن الحي تماثلا وتمشيا مع (القدوة) أي الجسم المادي غير الحي في الطبيعة والذي يعيش حالة من التوازن الطبيعي الهادئ.
ان ضريبة العقل لا تدع للكائن الحي الحياة الهادئة كما هو حال الكائن غير الحي لتعطيه مسافة إضافية من الحركة المقصودة بين هذين القطبين، الذاتية والموضوعية، فالجسم المادي غير الحي لا يحاول الاعتراض على الطريقة التي يؤثر بها ويتأثر معها من عالمه الخارجي بل يجد نفسـه (دائما) بحالة عادلة، فلا يظلم ولا ينظلم.
ولتوضيح ذلك بصورة أفضل، لنتصور أولا ان لدينا أربع كائنات، حجر ونبات وحيوان وإنسان.
ان الحجر يختلف عن الثلاثة الآخرين بأنه غير حي ومع ذلك فعند الحديث عن (الأنا) لابد من وضعه بنفس الخانة كما سيتوضح ذلك لاحقا.
والآن لنحاول تصور (الموقف) الأخلاقي لهذا الحجر بما يلي:

ان (م) هي النقطة التي يقع بها هذا الحجر، أما (أ) و (ب) فهما النقطتان اللتان تمثلان الحدين الأقصيين من التعامل السلبي أو الايجابي مع العالم الموضوعي، أي المحيطين به أخلاقيا.
ان الحجر معلق هنا من الوسـط فهو يميل لجذب كل شيء حوله، له، ولكنه معرض بـ (نفس) الوقت إلى قوة مسلطة عليه تمنعه من ذلك هي قوة الآخرين المحيطين به ولهذا فانه يعيش في هذا الوسط أي ان موقفه الأخلاقي (لو صح التعبير) هو البقاء في حالة من السـلبية غير الفاعلة أخلاقيا.
انه لا يأتي نحو اليمين ولا نحو اليسار وبالتالي فان موقفه العام هو الوسط.
ان مقدار انحرافه عن نقطة الوسط تمثل (مقدار إرادته) سواء باتجاه اليمين أو اليسار. باتجاه ذاته أو العالم الخارجي وبما ان تفاعله الذاتي (أي إرادته بانحرافه يمينا أو يسارا) غير موجود، فان هذا المقدار في مثال الحجر يساوي (صفرا) دائما وكأننا هنا نتصور ان هناك مسافة ما حول (م) لهذا الحجر الا انها غير موجودة بالنسبة له ككائن غير حي.
أما النبات وهو الكائن الثاني الذي سوف نتعامل معه في نفس المثال فأن موقعه هو موقع (م) أيضا، ومع ذلك فان الفرق بينه وبين الحجر هو ان لديه القدرة على التحرك يمينا أو يساراً، علماً بإنَّ هذه المسافة ليست كبيرة المقدار:

من الشكل السابق يتضح ان لـ(م) حرية من الحركة بالاتجاهين الذاتي والغيري، وهي ليست مسافة كبيرة، والواقع والحقيقة ان هذا المقدار يعتمد هو الآخر على مقدار الإرادة التي يتحلى بها (النبات) بالنسبة للحجر على الأقل.
انه كائن حي عاقل، ولو بنسبة منخفضة من العقلانية الا انها ليست صفرا مهما كانت صغيرة. فالنباتات تتعامل مع المحيط بها، ليس كما يتعامل الحجر مع المحيط به.
انها تمتلك قدرا معينا من الإرادة الفاعلة ببعض الاختيار الأناني لذاتها أو الغيري لسواها.
انها (ذاتية) بعض الشيء و(غيرية) بعض الشيء.
وكذا الحال بالنسبة للحيوان الا ان مسافة الحركة بالاتجاهين تزداد في هذه الحالة بحكم ارتفاع عقلانيته وبالتالي إرادته وعلى قدر ازدياد هذه المسافة على قدر ازدياد العبث المحتمل.
ان هذه المسافة المفترضة هنا في الشكل السابق تمثل أيضا المقدار الأخلاقي (لأنها ببساطة تمثل المقدار العقلاني) لهذا الكائن أو ذاك، بمعنى الأخلاق.
ومن الجدير بالذكر هنا انه كلما زادت المسافة من النقطة (م) سواء بالاتجاه الأيمن أو الأيسر أي نحو الذاتية أو الموضوعية في فكر أو سلوك الكائن الحي كلما زادت معه (السلبية الأخلاقية) لدى هذا الكائن. أي ان الحل الأمثل هو البقاء أطول مدة ممكنة في الوسط. صحيح ان حريته ستزداد ولكن على حساب استقراره وطمأنينته.
انها ايجابية الإرادة، سلبية الأخلاق.
الايجابية الأخلاقية أذن هي اقل ما يمكن من الحركة نحو اليمين أو اليسار، فلا مبالغة بالذاتية ولا مبالغة بالغيرية.
أما الإنسان وهو الكائن الأكثر حرية بالمسـافة بين (أ) و (ب)، والذي يكاد يقترب من هاتين النهايتين، فان حريته بـ (اختيار) النقطة التي (يريد) هي حرية كبيرة أو على الأقل هي (اكبر) حرية يمتاز بها كائن حي معروف حتى ألان على افتراض ان لا يوجد كائن حي أكثر حرية منه الا انها بنفس الوقت ليست حرية (كاملة) باعتبارها (قرينة) القدرة العقلية لديه، والقدرة العقلية لدى الإنسان على أي حال، ليست من السـعة ما يجعلها (مالا نهائية) بل محدودة وعلى قدر هذه الإمكانية الواسعة من القوة العقلية وعلى قدر هذه المحدودية فان حرية العقل الإنساني بالحركة بين (الذاتية والموضوعية) هي حرية كبيرة جدا (ليست مالا نهائية) أي ان موقف الإنسان كما يبدو في الشكل الآتي:

ان الرسم السابق افتراضي، إذ لا يمكن لأي إنسان ان يكون بحالة تامة الوسط بين الذاتية والموضوعية على الإطلاق، ليس لأنها مستحيلة بل ان الثبوت عليها مستحيل، إذ ان الحالة العقلية للإنسان لا تسمح له بالوقوف (مع الزمن) فترة طويلة بحالة الوسط لأنه يتنقل بين النهايتين المسموح له بهما (الذاتية والموضوعية) في أي موقف يمر به في حياته اليومية الاعتيادية، ذهابا وإيابا، فتارة هو ابعد ما يكون عن (م) الأنانية باتجاه ذاتيته وأخرى هو اقرب ما يكون عنها باتجاه هذه الذاتية، وثالثة بأبعد ما يكون عنها باتجاه الموضوعية ورابعة بأقرب ما يكون عنها باتجاه الموضوعية وخامسة متفاوتة بين هذه النقاط، وتدور العملية باستمرار على هذا النحو مع عقل أي إنسان وبصورة دائمة طالما هو حي.
لا يستقر الإنسان على حال محدد وهو مضطر على أية حال على هذه السفرة المكوكية بين الذاتية والموضوعية مرورا بالأنانية الأكثر صحة وسلامة له وهذه هي بالضبط (الأخلاق الأنانية) المطلوبة.
انها أخلاق الناضجين من البشر بعد معرفة ما لهم وما عليهم وبعد مواجهة الحقيقة ثم إعادة تطبيقها على الواقع.
الناضجون فقط هؤلاء هم الذين يعرفون هذه الأخلاق ويطبقونها بأمانة على نفوسهم العظيمة احتراما منهم لها أولا، وللآخرين ثانيا.
انها معادلة عادلة في عالم غير عادل وقوة في مصير لا يعرف الضعف.
انها أخلاق ذوي الدم الرمادي.
الرماديون.
الأخلاق إذن عملية انتقال الإنسان بين ذاتيته والعالم الموضوعي مرورا بأنانيته. والقاعدة ذاتها هي على أي كائن حي آخر.
الأنانية هي الوسط المثالي بين الذاتية والموضوعية. بين الذاتية والغيرية ولكن ما هو المطلوب هنا بعد ان بلغنا من التوضيح ما سمح به الموقف؟
المطلوب هو محاولة البقاء أطول مدة ممكنة في نطاق قريب من الأنانية. من المركز. من (م) حتى لو اضطر الإنسان مؤقتا السفر إلى ذاتيته أو إلى موضوعيته، إلى ما يخصه أو إلى ما يخص غيره. فمن الجبن الأخلاقي البقاء طويلا في نقطة قريبة من الذاتية ولمدة طويلة ومن الغباء الأخلاقي البقاء طويلا في حالة الموضوعية على حساب الأنا والتضحية بها من اجل الغير.
ان المشكلة الأزلية للإنسان انه لا يعرف أين يقف بالضبط من هذه المعادلة وإذا كان قد عرف فانه لا يستطيع ان يستمر عليها طويلا.
على الإنسان ان يقف بين ذاتيته والعالم.
ان يكون أنانيا وفيا لنفسه قدر الإمكان دون ان يصطدم بالعالم الخارجي، ومن خلال هذه الأنانية تتحدد أخلاقه النقية.
ان الحرية الحقيقية وليست الواقعية هي ان يعيش الإنسان أنانيا، يعرف ان كل شيء له، الا انه بحالة من الهدنة المسالمة مع العالم الموضوعي، ان لم يكن حبا منه لهذا العالم فتجنبا منه للاصطدام به طالما ان هذا الاصطدام قد يؤدي به لمتاعب. وبما ان الميل الأكثر أصالة لدى أي إنسان هو الاستقرار والبحث عن الطمأنينة فليس من مصلحة هذا الإنسان ان يعيش بحالة من السلم الهش مع الآخرين وعليه البدء بقتال نفسه أولا من كل ما تأمره به لتجعله عبد انحرافاته سواء نحو ذاتية مفرطة أو غيرية مفرطة.
على الإنسان ان يعرف أولا نفسه كما قيل يوما ما وكما سوف يقال دائما وان يتحرر من استنساخ الرَّغبة الاجتماعية له ليقيم نسخة أنانية لنفسه فليس كل ما يريده المجتمع منه على حق ورُبَّما يكون الأمر كذلك بالنسبة لسواه الا انه عندما يتعلق الأمر به هو نفسه فعليه ان يفصل قالبه الخاص به أولا ثم يطبقه على المجتمع، لا ان يستلم من المجتمع قالبا جاهزا ثم يفصل نفسه عليه.
ان مسايرة المجتمع، موضوعية زائدة عن الحد المسموح به أنانيا، وسوف يؤدي ذلك لنوع من العبودية المزعجة. بالرغم مما قد تؤدي له من نجاح، غير انه يظل نجاحا موضوعيا وكأنما الإنسان يمارس نفسه على شكل مطرقة لسواه وهو الأمر الناهي عليها ليستفيد الآخرون بينما الواجب عليه ان ينسحب من هذا اليسار الموضوعي لمركزه الأناني ويحاول الاستمرار به أطول مدة ممكنة ليكون هو نفسه وليس سواه بالرغم من ان ذلك قد يؤدي لانحسار النجاح (الموضوعي) وهذا سيحقق له نجاحا ذاتيا على حساب النجاح الموضوعي فإذا كان انسحابه إلى قدر المركز فانه نجاح أناني مشروع أما زاد عن ذلك وتحول بحكم الهستريا الأخلاقية إلى اليمين أي نحو الذاتية فانه يكون أسيرا هذه المرة لذاتية مثيرة للقلق (كما هو حال الإنسان عندما يمارس اللذة الرخيصة ليعتقد انه سعيد) وفي هذه الحالة أيضا، فان الإنسان عبد لنجاح ذاتي رخيص.
اللذة هي الذاتية، والغيرية هي الموضوعية وكلاهما عبودية، أما الحرية الحقيقية فهي الوقوف بينهما.
انها السعادة. السعادة وليست اللذة.
إنَّ الأنانية المقصودة بـ(الأخلاق الأنانية) هي تلك التي تؤدي بصاحبها إلى الثراء النفسي على حساب أي تسمية أخرى من الثراء الخارجي، كالثراء النقدي مثلا. وكل القيم القديمة والجديدة الايجابية هي التي تقع في هذا المضمار والتي ليس بالضرورة ان تكون ذات كلفة على صاحبها طالما انها ستجلب له الطمأنينة والسعادة.
كثيرون هؤلاء الذين ضحوا بما يعتقد انه ثمين دنيويا وأفلسوا على هذا الأساس من الناحية الموضوعية و ظلوا في نهاية الأمر سعداء بذواتهم الراقية لأنهم أثرياء بها وهي ثرية بهم.
الإنسان المتفوق هو الثري داخليا.
القيم النبيلة، رأسمال.
ان حرية الانتقال بعقل الإنسان على مسافة طويلة بين الذاتية والموضوعية كما جاء في الرسم السابق نحو الذاتية حينا (اللذة أو الغريزة) أو نحو المبالغة بالتضحية (الموضوعية)، أمر (واقعي) بلا شك بل هو أمر إجباري لا ناقة لنا به ولا جمل طالما ان الإنسان حي ولا بأس بذلك طالما هو أمر مفروض غير ان (عرض) هذه المسافة الأخلاقية بين الذاتية والموضوعية لابد ان يحمـّل هذا الإنسان عملية الاختيار المسموح به فيجب ان لا يكون حيوانا أو نباتا (بتقليص مسافة حركته) الأخلاقية ولا بالبقاء نحو أي منهما كمعتوه ولكن التملص قدر الإمكان من أية محاولة لسحبه نحو أي منهما.
عليه ان يبتعد كثيرا عن (م) الأنانية بين الذاتية والغيرية وعليه ان لا يبقى طويلا هناك فالسفر نحو أي قطب من هذين القطبين، الذاتية والموضوعية، ليس أمينا، وإذا كان لابد بحكم الهدنة مع الآخرين من هذا السفر فمن الضروري عدم البقاء مدة طويلة في أي منهما ولا قريبا منهما.
ان حياة الإنسان اليومية زاخرة بالأحداث التي تتطلب منه الذهاب نحو الذاتية أحيانا أو الموضوعية أحيانا أخرى ورُبَّما يكون مدفوعا دفعا إلى أي منهما تحت طائلة الترغيب أو الترهيب (كأن يقع فريسة إغراء جنسي ما ليعيش حالة من اللذة المؤقتة أو ان يعيش جوا وطنيا مبالغا به على حساب نفسه) ولا بأس بالحالتين طالما أنهما يؤديان لطمأنينته ولكن يجب العودة ثانية عندما يستلم زمام أموره بنفسه وتنخفض القوة المغرية أو الإرهابية التي مورست عليه ليعود لمركزه الخاص. الأنا الخاصة به.
من المشروعية ان يعيش الإنسان لذته بشرط ان لا تكون على حساب نفسه أي على حساب استقراره الداخلي فلا احد يستحق ذلك ومن المشروعية ان يكون غيريا وان يضحي بشرط ان لا يكون ذلك أيضا على حساب نفسه فلا احد يستحق ذلك أيضا.
انها الأنا العميقة السامية والأخلاق الرفيعة التي تليق بالإنسان الذكي المنصف لنفسه من سواه، والمنصف لسواه من نفسه.
انها الرقي الأخلاقي الأمثل.
الإنسان الأناني متفوق دائما.
ان نوعية الاضطرار ليست دائما مستوردة من الخارج بل رُبَّما يكون الباعث هو النفس الإنسانية فمن يريد ان يضحي فليضح من اجل نفسه لا من اجل احد على الإطلاق طالما ان هذه التضحية ستؤدي لراحة نفسية عالية وتجعل من هذا الأناني الشريف المدرك لما يفعل إنسانا مستقرا مطمئنا وهذا واقع أخلاقي ليس من صنعي ولا صنع احد بل هو الحقيقة بغض النظر عن النفاق الذي نمارسه أحيانا بتلافي ذكر هذه الحقيقة.
ليس مهما نوعية خيوط الحبل، فالمشنقة مشنقة. وليس مهما ان يقدم الجلاد تفسيرا أو اعتذارا عما يقوم به لأنه سوف يقوم بفعله كاملا وسـيقوم به.
ان اللف والدَّوران الأخلاقي الذي نمارسه بحياتنا اليومية من النوع المقرف فعلا عندما نصدق كذبنا. وبالمناسبة نحن لسنا مضطرين لذلك فإذا كان لابد ان نقوم بهذا الفعل أو ذاك فلا بأس ان نعي على الأقل القواعد الحقيقية لهذه اللعبة.
انها ليست تهمة ان يرى الإنسان مؤخرته!!
ان الأنانية مشـروعة بل هي ما نقوم به ألان وفي كل حين وفي كل مكان، ولكن المهم ان نعرف هذه الحقيقة ونقبلها كواقع أيضا. فمن الصعب تصور الإنسان وهو لا يزال بعد هذا الشوط من الحضارة الإنسانية خائفا من مواجهة وقائعه بحقائقه.
الإنسان لا يحب الا نفسه ولا يتعايش مع الآخرين، مجتمعا أو طبيعة الا من خلال هذه الأنانية وكل ما لدي من تعليق ألان هو كشف هذه الحقيقة الموجودة فعلا وإبرازها بوضوح أولا، وثانيا للتصرف حسب المعايير المنضبطة للبقاء في الوسط الأناني.
أمر يثير الاستغراب فعلا ان يعارض هذا الرأي فكلنا أنانيون، ولكن الكثير منا يرفض هذه الحقيقة بحكم القضاء الاجتماعي الذي يرفضها. انها حقيقة واقعة، وليست اقتراحا من احد.
ان أساليب التربية المتعارف عليها منذ بداية التاريخ وحتى اليوم مرهونة بيد القلة من المشرعين الذين هم بحد ذاتهم أطفال صغار يمارسون حرية تحليل كل ما يحيط بهم من الطبيعة والعقل ولكنهم يعتقدون أنهم ليسوا بمعزل عن ذكر أسبابهم للقيام بذلك، ولماذا هذه الرَّغبة الملحة لديهم بمساعدة الآخرين وهل هي فعلا كما هم يوردون ويؤكدون، أعمال خيرية؟
الجواب نعم، ان ما يقومون به خيري فعلا، و مبرره أناني وعليهم القبول بهذه الحقيقة الجافة (ليست المرة ولا الحلوة).
لماذا لا نعترف اننا أطفال خائفون وإننا بحكم السن والقدرة على تسيير شؤون الآخرين عندما نكون تربويين وأصحاب قرار فاننا لا نتصرف على ضوء هذا الخوف الأصيل في نفوسنا خشـية عدم الاستقرار وان نجد لأبسط تصرفاتنا مبررها الحقيقي وان نقبل بهذا الواقع الحقيقي ثم نحاول بعد هذه المجابهة الشريفة بان نعرف ما لنا وما علينا.
علينا ان نعرف ما هي اللذة وما هو تعريفها وكيفية القيام بها دون ان تصل بنا إلى الخط الأحمر من القلق. ومتى وكيف وأين يمكن ان نستخدمها وما تكون سعادة ومتى تكون قلقا مزعجا بالرغم من ان الفعل الميكانيكي المؤدي لها (كالجنس) مثلا، هو هو، في كل الأحوال واعتقد ان الجميع متفقون على ان الجنس مثلا عندما يمارس، فان له ظروفه الخاصة التي قد تسبب إزعاجا وقلقا في النفس الإنسانية، بينما عندما يتم بموقع آخر أو مع شخص آخر أو زمان آخر، يكون مدعاة للطمأنينة. بمعنى ان الفعل الأخلاقي بغض النظر عن نوعيته ليس هو بحد ذاته المقياس الذي يجب ان يعتمد لتحديد الأخلاق المترتبة عليه فالجنس مع الزوجة حلال ومع سواها حرام، وهو هو في الحالتين. والمرأة مع زوجها محترمة ومع سواه، زانية. أي ان الظروف المحيطة بالفعل الأخلاقي لا تقل عنه أهمية من حيث الناتج الأخلاقي الذي يعيشه الإنسان وهذا هو السبب الذي يجعل من نفس الفعل الأخلاقي، لذة مقلقة في حالة ما وسعادة في حالة أخرى.
وهذا يعني ببساطة ان هناك ظروفا معينة يجب ان يدخلها العقل الإنساني بالحسبان قبل الدخول بالتعايش مع الظروف المحيطة به مجتمعة أي ان يختار منها ما يراه مناسبا لطمأنينته هو، وهو بالذات دون سواه ثم يتصرف بعد ان وعى ان الموضوع برمته ليس أكثر من ممارسة أنانية، على ان يبقى قدر الإمكان منها في موقع الوسط الأناني.
انه سيكون اقرب للإنسان منه للحيوان أو النبات.
انه سيكون واعيا كيفية ان يعيش ولا شك ان هذا الوعي سيجعله اقل عفوية وأكثر نظافة من مشروع الحياة الملوث لحد كبير.
انها رحلة قصيرة، ومع ذلك فليس من النبل ان يكون الإنسان مجرد وجود عرضي، ولد لكي يموت دون ان يساهم على الأقل بـ (وعي) أكثر ما يمكن من هذا الوجود المستحيل المعرفة الكاملة.
من الشرف على الإنسان ان يعيش إنسانيا لا عفويا حيوانيا أو نباتيا.



العلاقــات الإنسانيــة
اعتماداً على ما جاء قبل قليل يمكن المرور بسرعة على بعض المفردات التي نتعامل بها والتي أخذت منا الكثير من الجهد بتنفيذها ولكن بقليل من الاهتمام بتحليلها. ومن أبرزها الحب والزواج.
الحب، لقاء بين أُنثى وذكر.
لماذا؟
لان الإثنين يريدان تبادل المنفعة.
كل منهما يريد من نظيره شـيئا ما. يحسب له الحساب ويخطط له بكل ذكاء ودقة.
الموقف اقرب ما يكون بساحة حرب وهو في حقيقة الأمر كذلك ولكن الواقع يقول غير ذلك بل ان الطرفين المعنيين بالأمر لا يريدان ذكر ذلك ولا تحليله ولا تصديقه إذا كانت النتيجة غير ملائمة لمزاجيهما. أما الحقيقة وهي بغنى عنهما وعن مزاجيهما فهي ان الإثنين، أنانيان كبيران، ومنافقان لا يشق لهما غبار.
أي حب هذا الذي يتحدثون عنه؟
ان أيا منهما عندما يلتقي بالآخر وعلى افتراض اتفاقنا ان احدهما يميل للآخر ميلا أكثر من مجرد اللقاء العابر فانه يريد في نفسه ان ينتقل من مركز الأنا في (م) إلى الذاتية نحو اليمين محاولا السير بهذا الاتجاه الأحادي فاما ان يعيش حالة من اللـذة بالجنس مع نظيره وبذلك يكون قد زحف نحـو النقطة (أ) ابتعادا من المركز الأناني اللائق (م) أو ان يكون قريبا منه. ليطمئن.
وسواء كانت السفرة نحو اليمين (الذاتية) من اجل اللذة أو القيام بالفعل نفسه أي الفعل الجنسي وهي ضمن الأنانية (أي النقطة م) فان العلة هي الأنانية ولا مفر من ذلك. أي ان الظرف الذي يحيط بالفعل الأخلاقي هو الذي يحدد قيمته فيما إذا كان لذة حيوانية أو طمأنينة إنسانية.
ان كليهما مستفيد بالتبادل من الطرف الآخر بالرغم من ادعاء الطرفين أنهما مخلصان لمبادئ الحب والحقيقة أنهما مخلصان لنفسيهما كل على انفراد من الآخر ولولا حاجة احدهما للآخر لما فكر به.
عندما يخلص المحب لحبيبه إنما هو يخلص لنفسه هو بغض النظر عن هذا الحبيب المغفل ولحسن الحظ فان هذا المغفل يقوم بالدَّور نفسه وبالتالي فإنها حلقة من اللصوصية المهذبة.
لا يوجد حب بمعنى الكلمة الا للنفس. ومن حق الإنسان ان يكون كذلك لأنه كذلك ومن المستحيل تغيير هذه الطبيعة الأصيلة فيه.
أما القول بالحب العذري فهذا جزء من البحث عن الطمأنينة لدى الإنسان، ليجدها بالطرف الآخر وكأنه مجرد وسيلة لراحة أعصابه أو علاج لقلقه.
الحبيب العذري يستخدم حبيبه كمنديل من الورق عندما تنتفي الحاجة منه فانه لا يتوانى عن رميه و بعد ان يضع من المبررات المعقولة أمام نفسه أو أمام الحبيب ما يكفي لهذا الانسحاب غير المشرف.
لقد وجد ضالته بأمر آخر استقر عليه فترك الحبيب الأول ورُبَّما لا يتركه بسهولة ولكن مع ذلك هناك مبرر كاف وليكن مثلا الخوف على نفسه من الاستمرار بهذه العلاقة أو الخشية على الحبيب كما يدعي وان لا يخدش مشاعره وكل ما إلى ذلك من القائمة الطويلة من الألفاظ.
قد يرحل الحبيب قليلا أو كثيرا باتجاه الموضوعية (الغيرية والتضحية) مؤقتا، بعيدا أو قريبا الا انه لن يطيل الإقامة لأنه سوف يعود ثانية نحو مركزه (م) بعلاقته مع الحبيب المزعوم وقد يعيش الموقف كما هو دون ان يقصد الكذب أو النفاق، غير ان الحقيقة انه كذب ونفاق.
انه يحاول اللذة (أ) أو الطمأنينة (م) وقد يغلف مسعاه هذا بشيء من الموضوعية (ب) غير ان الهدف الحقيقي من وراء كل ذلك معروف. وإذا كنت قد ذكرت ان الإنسان قد لا يكون على دراية بذلك وهذا ممكن بل وأكثر إمكانية من إدراك الأمر على علته فان الحيوان الذي يمارس الأمر ذاته وبنفس الأساليب لا يدرك ما يفعل إدراكا تحليليا ومع ذلك فانه يمارس هذه الأساليب من اجل الغايات نفسها التي يريدها الإنسان ولا فرق بين الإثنين الا بالمستوى العقلي والفن المزيف الراقي لدى الإنسان.
وكذا هو حال النبات وعلى قدرة عقلية اضعف من الإنسان والحيوان.
بالتحليل المجرد لا يوجد حب، بل (صفقة) عادية بين اثنين مستفيدين من هذه الصفقة وان كانا يرسمان لها جوا رومانسيا.
لا احد يهتم بأحد بلا حاجة، ولا حب الا لمن يستحقه بالنسبة للمحب وليس بالنسبة للحبيب، الوسيلة.
انها عملية تبادل وسائل من اجل غايات أنانية.
ومن إحدى نتائج هذا الحب، الجنس وهو احد ذرى الأنانية، حيث التكامل الوظيفي بين السالب والموجب. بين الذكر والأُنثى. بين الأنا والانا.
أما الناتج العرضي الذي ليس له محل من الأعراب الا بعقل المرأة فهو الحمل.
عندما يحدث الحمل لم يكن بنية الذكر ان يكون الأمر كذلك ولكنه بنية الأُنثى التي لا تهدف للجنس بنفسه فحسب ولكنها بطريقة غير واعية تحسب لهذا الحمل حسابه الدقيق.
انها تريد ان تحمل من الذكر للحفاظ على أمر ما، هو التناسل والاستمرار بالحياة الخالدة كما يظن كل كائن حي بطريقة غير مقصودة من خلال توفير بدائل الزوج كرعيل حماية محتمل أمام الخيانة الزوجية المحتملة دائما في عقل المرأة عن الرَّجل.
الرَّجل مشروع خيانة دائم في عقل المرأة.
ان حياة الأُنثى تبتدئ ببداية هذا الحمل، وتنتهي حياة الرَّجل بالنسبة لها. هذه هي الحقيقة غير ان الواقع يقول ان هناك ضوابط أخرى تحتم استمرار التعامل مع هذا الذكر المسكين من قبل الأُنثى خاصة ما يتعلق منه بالإنسان. فالتنظيم الجيد دون سواه من الكائنات جعل الأُنثى تفكر باستثمار الذكر أطول مدة ممكنة واستغلاله فترة أطول على الأقل كراعي حماية ان لم نقل كممول اقتصادي مستمر.
كل أُنثى ينتهي الرَّجل عندها بعد إكمال العملية الجنسية مباشرة، بشرط ان تطمئن ان القذف قد تم فيها وليس خارجا، باعتباره ممثلا للسبب الأعمق من حاجتها للرجل بالرغم من التغاضي عن هذا المطلب أحيانا بسبب معرفتها الأكيدة ان هناك ما يثير قلقها في حالة حملها كأن تكون مريضة أو ان ليس بصالحها هي هذا الحمل أو انها ضامنة أكيدة لوجود هذا الرَّجل بقربها متى شاءت كررت التجربة معه.
انه رجل تحت الطلب بالنسبة لها.
قد ترفض القذف فيها والتضحية بهذا الهدف النبيل بالنسبة لها أي الحمل، الا انها ليس على حساب نفسها فمتى ما شعرت ان هذا الحمل قد يؤدي لخسارة ما تتعلق بها هي شخصيا فإنها لا تتوانى أبدا عن رفض الحمل لأنها أهم من الحمل والوليد الذي يمثل حلقة الحب الأولى بالنسبة لها بل قد يصل الأمر عندما يتعلق الأمر بسلامتها ان تضحي دون اهتمام جدي به كما لو كان سلعة عرضية مكسورة. حتى لو كان وليدا وليس بالضرورة جنينا. كم هو مؤلم ان تتحقق الذاتية عندما نجد جثة وليد في مزبلة.
المرأة دائما تريد ان تكون الأولى أولا ولا باس ان يأتي الوليد ثانيا وكل شي لاحقا.
الرَّجل وسيلة بالنسبة للمرأة، لا أكثر ولا اقل.
انها لا تحب الا نفسها وما تحمله في بطنها ولا بأس ان تحب الرَّجل لاحقا أو بالدرجة الثالثة في أحسن الأحوال لأنها بعد ان نجحت بالحصول على ما تريد أي الجنس والحمل، فقد وقد لا يكون هذا الرَّجل (زوجا كان أو لم يكن) من الأهلية ليحتل المركز الثالث في نفسها بعد نفسها وأطفالها باعتبار ان انتمائها قد يكون أقوى لعائلتها الأولى التي جاءت منها أي والديها واخوانها وأخواتها. وحالما يكبر أطفالها تبتدئ بالالتفات لهم أكثر وتنخفض قوة انتمائها لعائلتها التي جاءت منها، وفي كل الأحوال فليس للرجل من هذه العملية الا ما كسب. فاما ان يرضيها باستمرار وبلا توقف وإلا فإنها لا ترى مبررا للاستمرار معه مهما كان رصيده الخدمي السابق لها أو تراثه الأخلاقي.
المرأة مقبرة عطاء.
لا يبتدئ عطاؤها ولا تنتهي مطالبها.
انها أحبته قبل العملية الجنسية لإتمامها، فإذا تمت، فلا مبرر لكل هذه الأبهة والاهتمام.
انها تبدأ حياتها بالبحث عن الرَّجل حالما تكبر بها العوامل الوظيفية جسمانيا والتي تنعكس على شخصيتها وتظل بعملية البحث هذه، لهاثا وهدوءا، ثورة وسكونا، حياء وصلافة، حتى تحين الفرصة المناسبة لوجود الضحية المناسبة فإذا وقع الرَّجل الضحية بالفخ تلقفته تلقف الكرة، واستحوذت عليه مدعية حينا التفاهم الزوجي أو التعاون على الحياة أو إكمال نصف الدين أو الصداقة الحرة النزيهة أو (أنت وأنا على الزمن) وما إلى ذلك من المسوغات السطحية المنافقة، والتي هي في حقيقة الأمر تواقة كل التوق لليلتها الكبرى حيث الحمل واصطياد الرَّجل بسلب ما عنده ثم الالتفات عنه لما بدأ يكبر في أحشائها.
ان أُنثى العقرب، أُنثى.!
أما استمراريتها على البقاء كما هي بدون الذهاب بعيدا، فله عندها مبررات جديدة طالما هي تعيش بحلقة لا تنتهي من المبررات غير الحقيقية حيث الادعاء بالمحافظة على الأسرة وخدمة الزوج.
ليس لهذا الزوج الخدمة، لو أردنا التعبير الدقيق بل عليه الخدمة.
انها لا تخدمه بلا مبرر. فهو الذي سوف يرعى اقتصاديا إنماء ما في بطنها من الطفيلي الجديد الذي سيصبح محبوبا لدى الزوج بحيث لا يمكنه الا نادرا، فك الارتباط بهذه العملية العجيبة الأخلاق.
ما يسمى الحب هو المقدمة الأولى لقناع المرأة، وحتى الرَّجل بالنسبة للمرأة، غير انها أعمق مما يعتقد الرَّجل، بالرغم من عدم تحميلها فوق طاقتها من النفاق فالأمر خارج عن درايتها المباشرة الواعية باعتبار ان ذلك في صلب وجودها السلبي الا انها ليست صفة أخلاقية خيانية.
كل التخطيط لدى المرأة هو الاستفادة من هذا الرفيق المثمر.
سوف تنجب فإذا تعثرت بتحقيق هذا الهدف تنطوي تحت ذرائع أخلاقية عديدة ليسـت أصيلة في كيانها بل ادعاء منظم مقصود أو غير مقصود.
الرَّجل يعيش في المرأة. والمرأة تعيش في رحمها.
ومن الملفت للنظر في كل هذا السيناريو الدقيق من الإجراءات الممتعة التي تسبق الزواج (أو ما شابه من النظم المرادفة له) انها سلسلة من ألاعيب غريبة وجميلة بنفس الوقت فهي على قدر عفويتها في كثير من الأحيان، ولدى الجنسين كـ(واقع)، فان الحقيقة ان المرأة تبتسم لأي انتصار بضم الرَّجل المتباهي إلى دائرة انتصاراتها الكبيرة.
انها عدو مهذب، وبلا هدنة.
فالهدايا والعبارات الجميلة والغزل، ليست شرطا بالنسبة لها، وإلا فهي مكتفية بقرارة نفسـها بالرَّجل لوحده، دون ان يتبعه احد من عائلته الأولى التي جاء منها، باعتبارهم مصادر تهديد مستمر لها وللمخطط العميق الذي ترسم له.
انها تحاول جاهدة تدمير كل العراقيل التي تقف أمام مخطط الإنجاب منه ثم استثماره لكي يمول مشروعها. وليس لديها استثناء في ذلك، حتى عائلتها هي نفسها واقصد الأب والأم والأخوان والأخوات لأنها تفكر بنفسها أولا وأطفالها ثانيا وعائلتها ثالثا وزوجها رابعا ومع تقدم الزمن ونمو الأطفال ينخفض اهتمامها بعائلتها الأولى تدريجيا، ولملء الفراغ، سيكون الزوج هو المرشح المناسب لتعويض انحرافها عن اهتمامها بعائلتها الأولى بعد ان أصبحت عائلتها هي (أي أطفالها) من السن ما يسمح لها بالالتفات لزوجها المنتظر على مسطبة الحب لعل الدَّور سـيأتيه يوما ما، وكل هذا على افتراض ان الزوج ذو أخلاق عالية، ووفاق تام معها.
أما إذا وجدت ان هذا الزوج ليس من الأخلاق الغيرية ومستوى التضحية المناسب فان الخيانة عندها لا تختلف كثيرا عن أية ممارسة مشروعة، وبما ان حذرها الأصيل من الحمل لا يزال حتى هذا اللحظة أمرا حساسا فان نوع خيانتها في العادة ليس من النوع الجنسي الصريح أي القيام بالفعل الجنسي (ميكانيكيا) بل من أنواع الخيانة الأخرى كالتقرب لرجال آخرين أو على الأقل عدم الممانعة من الغزل الخفيف على ان لا يزداد إلى الحد الذي قد يحرجها أمام احد ولكنها بنفس الوقت تعيش حالة من الاستمتاع بهذه الخيانة الشفافة غير المكلفة أمام القانون والمجتمع وفوق هذا كله، أمام نفسها.
ان الهدف المركزي من الزواج أو الارتباط بهذا الرَّجل أو ذلك، قد تم. والآن على الرَّجل ان يبذل قصارى جهده للاحتفاظ بماء الوجه من اجل عدم قيامها بخيانة ما من النوع القانوني وغير القانوني! سواء من خلال حسـن المعاملة أو من خلال الوقوف على ساق واحدة للبذل المالي.
ان الشكوى ليست جزءا أصيلا بالمرأة الا ان شكواها نابعة من قلة قناعتها بما يجرى حولها بعد ان حملت وإذا كانت من الهدنة بمكان فان السبب هو انتظار حمل آخر من نفس الرَّجل، ولكي يقوم بتأدية واجباته المالية برعاية الطفل الأول وحالما يكون للطفل الثاني ما كان للأول تبدأ بالتفكير للطفل الثالث، وهكذا يعيش الرَّجل حالة من الناعور الدائري ليسقي الأرض المزعومة، أما إذا اكتفت من الأطفال بما هو قليل فالسبب ببساطة ليس لمساعدة الزوج على تحمل أعباء الحياة المكلفة ولكن أما لان صحتها لا تسمح أو لأنها مطمئنة من ان زوجها تحت الطلب متى شاءت لتنفيذ مشروع حمل جديد أو لأنها تعرف بصورة أو بأخرى ان هناك بدائل كثيرة عن زوجها الشرعي في حالة تخليه عنها، من خلال ارتباطها الشرعي أو غير الشرعي بسواه.
انها تحسن اختيار توقيت وموقع المعركة. الا انها ليست كذلك في كثير من الأحيان بسبب عدم توفر الظروف المناسبة فإذا شعرت بذلك وأدركت عجزها المؤقت بدأت بإعلان النوايا الحسنة والقيم الأخلاقية العالية حتى يقع انفراج ما، يسمح لها بحركة جزئية وعندها فقط تنقلب إلى ما كانت تريد، ضاربة بعرض الحائط كل ما كانت تنادي به وقت الضيق.
انها صبورة أكثر مما يعتقد الرَّجل بكثير.
فالمبادئ لدى المرأة قرار طارئ، وليس طبيعة متأصلة فيها بحكم مشروعية تركيبتها الوظيفية أما الأصيل بها فهو التنقل حسب ما تخدم به مصالحها واستخدام الجميع بلا استثناء من اجل نفسها ثم من اجل أطفالها.
المرأة لا تحب فعلا الا نفسها وأطفالها. وكل ما عدا ذلك وسائل لخدمة هدفها.
ان معرفة ذلك ليس عيبا أو خللا بالتفكير أو السلوك النسوي طالما هي أُنثى تتفق مع جميع إناث الكائنات الحية بالميزة ذاتها، غير ان العيب ان لا تعي هي ثانيا والرَّجل أولا هذه المعادلة الاضطرارية التي يعيشها يوميا وبما انه مضطر لهذه المعايشة فمن الكرامة ان يعي هو على الأقل هذه الحقيقة وان يرضى بها بمحض اختياره وان يقنع من الحديث منها ما هو وهي عارفان تماما قواعده، فلهذه اللعبة قواعد جذرية وليست سطحية.
ان احد أسباب قوة الضوابط التي تحاصر المرأة هو الصعوبة البالغة بتلافي نتائج أية خيانة زوجية إضافة لذلك ان الهدف الأساسي للمرأة ليس الجنس من اجل الجنس المحض بل الجنس من اجل الحمل، ولهذا فاهتمامها بالخيانة الزوجية اقل من الرَّجل طالما ان هذا يسبب إرباكا لاستقرارها وطمأنينتها ولكنها عندما تجد الظرف المناسب خاصة قلة أو عدم حبها لزوجها ووجود الحبيب البديل ولو بحدود معقولة من الحب وليس بالضرورة حبا شديدا وفي حالة من الأمان وبلا فضيحة فإنها لا تتردد على الإطلاق، بالخيانة.
إذن فهي ليست ملتزمة لولا الظروف المحيطة بها.
ومن الثابت القول هنا ان بعض النساء اللواتي لا يربطهن بالالتزام غير العقيدة الدينية فهذا ممكن وواقعي ويؤدي لنتائجه فعلا وهنا مرة أخرى يصح القول ان هذه العقيدة الدينية هي الضابط (الطارئ) على المرأة الذي قد يكون من القوة التي تستقر معها المرأة إلى الحد الذي لا تقوم معه بالخيانة غير ان ذلك (طارئا) كما ذكرنا فإذا ما خف هذا الضابط أما بسبب نقصانه أو بسبب واعز جديد طارئ أيضا الا انه أقوى من العامل الديني فإنها أيضا لا تتوانى عن القيام بالخيانة الزوجية وقد يكون هذا الواعز حبيبا مثلا فالعملية إذن ليست بوجود أو عدم وجود الضابط الذي يربطها، بل بقوة هذا الضابط من ذاك والأقوى هو الذي يسود عليها وتنساق له.
ان الدين قد ضبط الكثير من هذه النزعات الحيوانية والنباتية لدى الإنسان على ان يبقى هو الأقوى فأية فرصة لضعفه لابد ان تؤدي لاحتلال سواه موقعه بدلا عنه ورُبَّما يكون هذا (السوى) من الخسة ما يجب احترام الدين معه ولهذا كرس كل الأنبياء القول بأهمية (الإيمان) للحفاظ على ما هو (طارئ) محترم عما هو (أصيل) غير محترم.
أما نوعية الخيانة الزوجية ان كانت المرأة متزوجة فهو على أنواع ويعتمد على نظرة المرأة للرجل فإذا ما قررت الخيانة فإنها ستخونه بأي أمر يتعلق به وقد تكون اهتماماته هي المقصود بالخيانة حيث لا تقيم وزنا جديا لها مع إهمال مقصود أو شبه مقصود أو ان لا تأبه كثيرا بالجهد الذي يبذله لجلب لقمة العيش بحيث تفوق مصاريفها ما يجب ان تكون عليه بالرغم من درايتها المقدار الهائل الذي بذله من اجل ذلك وأحيانا تمارس ذلك للذة في نفسها من اجل الاستخفاف والسخرية به بلا رحمة علما بأنه لا يعلم من الأمر شـيئا أو قد يكون على دراية غير ان الظروف العائلية والأطفال لا تسمح له بالقيام بهز العصا قليلا وبين الحين والآخر ولو كانت هي على معرفة بأنه قد يحاول ذلك لما تمادت. بل ان الكثير منهن يعرف تماما ان الرَّجل من الالتزام بحيث لا يسمح لنفسه بهز هذه العصا ولهذا فانهن بحالة من التراخي عن القلق المحتمل الذي قد يصدر من هذا الرَّجل المستور.
تعلم انه محترم، فلا بأس بالاستخفاف.
هذا كله عندما يكون الرَّجل ليس في المرتبة الثالثة بعد نفسها وأطفالها ولكنه عندما يكون بعيدا قليلا عن ذلك فالرَّجل لن يبلغ مهما كان شأنه أكثر من المرتبة الثالثة حيا أو ميتا.
ان الخيانة الزوجية تبدأ عندما ينحدر الرَّجل قليلا في نفسها عن هذه المرتبة حتى لو كان له العذر بهذا الانحدار سواء لظروف خارجة عنه أو قسرية فالمرأة لا تعرف المبررات أمام مطالبها خاصة إذا تيقنت ان الرَّجل لا يستطيع الاستغناء عنها. وقد يكون الظرف مثلا، ضيق الحال فالمرأة لا تفهم الا نادرا ان الحال ضيق لدى تسعة أعشار الرجال في العالم.
انها تتعلم الدلال بسرعة ولا ترضى بأقل من ذلك بل ان عملية تماديها بطلباتها عملية تصاعدية لا تتوقف عند حد ولهذا فان علمية الفرملة بهذا التسارع بالتعود على الصعود ضرورية وان كان فيها ما يحبطها ولكن من الضروري البدء به مرحليا وإلا فان الهبوط بها من أعلى السـلم مرة واحـدة إلى منتصفه قد يقصم ظهر الرَّجل وليس ظهر المرأة لأنها قد تفكر عندئذ بالخيانة والسبب هو الرَّجل نفسه فلقد كان عليه ان يحبطها قليلا قليلا كلما صعدت سـلمة واحدة أو اثنتين من سلالم الصعود بالمطالب لان ذلك لا يسبب لها من الفجيعة، كما هي ستشعر ما يجعلها عدوة. ومن الغباء الاعتقاد ان السيطرة على المرأة بالقوة هو الحل المثالي لأنها ستكون أكثر شراسة وأفظع خيانة بل قد تطور أساليب خيانتها من الخيانة النفسية إلى الخيانة البدنية إذا اقتضت الحاجة، انتقاما وليس حاجة. فالخيانة الزوجية أو حتى ليست الزوجية من قبل غير المتزوجات ضد الأب أو الأخ أو الوصي عليها، قد تكون نفسية فقط أي تخلو تماما من الفعل الميكانيكي التقليدي المعروف عن الخيانة وهذا خطأ شائع، فأي تعبير عن الخيانة، نفسيا كان أو بدنيا، هو خيانة حسب المبدأ الأرقى للإنسان المحترم، امرأة كان أو رجلا، وقد يكون (العرض بلا بيع) احد أشكال هذه الخيانة الجنسية النفسية التي لا تتعارض مع القانون ولا الأعراف عموما، فالإنسان يخاف المجتمع أكثر مما يخاف الله أو نفسه.
انها تمارس فعلا انتقاميا ورُبَّما جادا بعرض حيواني لقدراتها الطبيعية كأُنثى في سوق لا تأمل منه شراء ولا بيعا بل مجرد العرض لإثبات ذاتها الأنثوية المستعدة للفعل الجنسي واستعدادها متى شاءت هي لذلك، مؤمنة وهي جادة بان أحدا لا يستطيع فرض سيادته عليها.
انها عملية استعراض قوى ولكن من النوع الرخيص مهما كانت مبرراته.
انها خيانة عقلية من الناحية الأخلاقية وليس بالضرورة ترجمتها إلى واقع جسماني.
انها الرَّغبة بممارسة الجنس مع الآخرين وبنفس الوقت، دون السماح فعليا بالقيام بذلك وقد تكون المرأة جادة بعدم بيع نفسها للآخرين الا انها محاولة سحب الأقدام والاستعراض لعرض سلعة ثم الانسحاب دون البيع وعند هذا الحد قد تقنع المرأة نفسها ورُبَّما الرَّجل المرافق لها ان الأمر لا يعدو ان يكون فعلا عادياً، طالما ان الجنس البدني لم يتم وقد يكتفي الطرفان بالرضا من هذه الصفقة بهذا القدر من البيع أي العرض فقط، والحقيقة ان العملية نصف جنسية بالمعنى البدني للجنس، وان لم يتم.
انه أمر محير ان يسمح رجل متحضر محتشم بصفقة كهذه مع قرينته أو ابنته أو أخته أو أمه أو غير ذلك دون ان يرف له جفن من الغيرة والكرامة التي قد يمتاز بها بعض الحيوانات فقط، ما لم يكن شاذا.
بتجرد شديد، لقد كان الإسلام أمينا تماما بالوصول لهذه الأنفاق المظلمة من النفس الإنسانية وكان سيدا بمعنى الكلمة لمعالجة الموقف.
ان عرض المرأة لمفاتنها ليس تحضرا طالما المقصود به العرض الجنسي المبطن، فالحشمة معروفة تماما والفتنة معروفة تماما، ولدى جميع الأطراف. وان سكت الساكتون.
المرأة تعرف ان هذا الموقف الاستعراضي سوف يكون القصد منه العرض الجنسي البدني النفسي دون القيام بالجنس البدني الصريح والرَّجل أو الرجال المتلقون لهذا العرض المجاني يعرفون تماما ان جنسا صريحا بدنيا سوف لن يتم، الا انها خيانة.
الإغراء النسوي بأي شكل من أشكاله أصالة في عقل المرأة كأُنثى ولكن لو كانت أي أُنثى وليست أُنثى إنسانية، فالمرأة ليست مجرد أُنثى بل انها الأرقى في سلم الإناث الحية، أما الأُنثى النباتية والحيوانية فلهما ما يبرر لهما قلة الحشمة ويسمح لهما بأن يمارسا ما يشاءان كسبا للذكر كما يبدو لنا في الكثير من الدراسات التي ناقشت هذا الأمر، وعندما يكون موضوع الحديث عن المرأة الإنسانية فان عليها ان تكون إنسانة، عقلا وجسدا اللهم الا إذا أحبت البقاء في حالة من العقلانية الحيوانية بقميص إنساني.
المرأة تعيش أحيانا حالة من الأصالة الطبيعية أكثر مما تستحق الإنسانية فهي تمارس الكشـف عن مفاتنها بأسلوب مقصود على العموم وأحيانا بدون قصد منها لجذور حيوانية ونباتية قوية تبرز للسطح بين الحين والآخر وفي كلتا الحالتين فان هذا الاستعراض الذي تنوي المرأة من خلاله الرحيل إلى باحات الحيونة العميقة، ليس له الا هدف واحد فقط هو الكشف عن عضوها التناسلي.
انها تبدي القليل القليل إلى الحد الذي يسمح به الموقف العام حضاريا ودون ان يسبب لها قلقا على مملكتها المنزلية أو مكانتها الاجتماعية سواء متزوجة أو غير متزوجة بحيث تستطيع ان تؤمن لنفسها خطا أمينا فيما بعد للانسحاب ان لم تكن متزوجة، و لو استفسرنا عن هذا القليل القليل من العرض الجسماني الذي تقصده لوجدنا ان المقصود به السير قدما حتى كشف عضوها التناسلي ولو أتيحت لها الفرصة على ان لا يضر هذا بمصالحها الشخصية، فسوف لن تتوانى عن هذه النهاية المرجوة.
انها تأمل في أعماقها الكشف عنه الا انها تبدي من ذلك البعض أي البعض من مفاتن جسدها.
ان الملابس الداخلية للمرأة اقل حشمة مما لدى الرَّجل رغم ان المرأة بحاجة لهذه الحشمة أكثر من الرَّجل نسبيا. ورغم ان الرَّجل اقل قلقا على ما لديه مما للمرأة على الأقل من ناحية الأعضاء التناسلية لو أردنا الإنصاف.
الرَّجل أكثر حياء من المرأة في هذا الجانب.
عندما ترتفع الأصوات، ويفقد الرَّجل والمرأة بريق التحضر المصطنع ويعودان إلى أصليهما، فان صوت المرأة أعلى بكثير واقل خجلا بكثير جدا من الرَّجل الأكثر حياء وخجلا.
ولقد كان جزءا مركزيا من التعبير الفني عن هذه الرَّغبة التي لم تتح للحيوانات، هو الزي النسائي أو الملابس التي ترتديها وبالرغم من ان هذا الموضوع ليس مهما كما يبدو هنا للمناقشة الا انه في الحقيقة جزء أساسي مكمل لما نحن فيه حتى ألان، وله من الدلالات ما يسمح بالمرور عليه باختصار.
لقد مرت أزياء المرأة منذ بداية التاريخ الإنساني بمراحل متعددة ولو أتيحت فرصة لإحدى دور الأزياء بعمل بانوراما تاريخية لأزيائها منذ بداية الحضارة البشرية وحتى اليوم لاستطعنا ان نستقرئ منها أمرين مهمين:
الأول هو استنتاج ما ستؤول إليه هذه الأزياء في المستقبل بحيث نستطيع معها ان نعرف تقريبا ما ستكون عليه.
الثاني وهذا هو الأهم بالحديث ألان، فهو القاسم المشترك بين هذه الأزياء جميعا مقارنة بأزياء الرَّجل. والقاسم المشترك هو دغدغة الرَّجل جنسيا. بغض النظر عن الألوان أو التفاصيل الدقيقة للتصاميم أو كلفة النسيج.
انها بصورة أو بأخرى ترمي إلى الكشف المقنع لعورة المرأة ولكن بحذلقة سواء من المصمم شــخصيا، أو ممن ورثته المرأة (التراث الشعبي بالأزياء والذي ليس له اسم مصمم محدد تماما كالأغاني الشعبية التي لا نعرف مؤلفها أو ملحنها وهي راسخة على أية حال) وفي الحالتين فان هذه الأزياء لابد ان تنتهي إلى هذا الكشف المستتر لهذه العورة. أو على الأقل (ما يوحي) بذلك. أي ما يوحي بالجنس أو الرَّغبة به أو الدعوة إليه. أي ان الموضوع لا يخرج عن هذا الحيز المتأصل في أعماق النفس الإنسانية للمرأة وهذا ليس عيبا بل العيب هو عدم معرفتنا بهذه الحقيقة أولا، وثانيا عدم الإسراف بها أو تشجيعها أو التمادي بها لأنه تفكير وسلوك حيواني وليس إنسانيا رفيعا يليق بالإنسانية بل تقليد مشذب لتفكير وسلوك الحيوانات التي تغري بعضها البعض بأساليب شتى معلومة تماما ومقصودة تماما من قبل الأُنثى للذكر أما عندما يتعلق الأمر بالإنسان فلابد ان يكون على دراية بذلك وليس من الضروري (إلغاء) هذه الأصالة الشرعية بل من الضروري إبقاؤها ولكن بـ (نقلها) إلى الأعلى حيث الإنسانية واحترام النفس، مكانا وزمانا لائقين.
بعد ان أصبحت الأزياء التقليدية للمرأة ذات الطابع الجنسي الصريح، غير لائقة (!!) تحولت المرأة بأزيائها إلى (الإيماء) بذلك فبدأت تتفنن بفتح أزرار القميص، والارتفاع بارتفاع ملابسها عن قدميها إلى القدر الذي يلفت النظر قليلا ويثير فضول الرَّجل بالبحث عما هو أعلى قليلا من ذلك وبالمناسـبة فان الطرفين يعلمان تماما هذه اللعبة الطفولية الحمقاء و سعيدان بهذه التغطية الدبلوماسية والقابلة التطبيق اجتماعيا دون المساس بالقانون الوضعي للدولة والمجتمع ولا بوجود نص صريح برفض أو قبول هذه الدبلوماسية المقنعة من الناحية الدينية، فسـرح القطيع وانفكت الحبال، حتى بلغ الأمر أحيانا ان بعض الأزياء المحتشمة كما تعتقد المرأة أو مصممو أزيائها لا تخلو من مسحة الفتنة بتقسيم الملابس الخارجية المحتشمة على جسمها تقسيما لئيما ثم الوقوف بلا تردد أمام الجميع فالأزياء طويلة مثلا وليس هناك ما هو مكشوف منها اللهم التفصيل الدقيق على القوام الجسماني مرورا من تحت الرقبة فالصدر ثم البطن وهكذا.
انها دعوة من الوزن الثقيل!!
نحن نعلم ان هذا الإحساس النسوي عميق عمق الوجود الأنثوي، ونعلم انه حق حيواني ونعلم ان الأُنثى الحيوانية في اغلب الأحيان ليست ملتزمة بذكر واحد طالما هي حية، غير ان المرأة ليست مجرد أُنثى بل إنسانة راقية يفترض انها خرجت من هذه الحيونة من أمد وانها محترمة حتى بممارسة حقها الأصيل هذا ولكن مع رجل واحد محلل لها.
انه الزنى النفسي.
المرأة تزني أحيانا بنفسها من خلال هذه الدعوات المبطنة وليس بالضرورة كما ذكرنا سابقا ان يكون الزنى ميكانيكيا بدنيا صريحا فأية إيماءة توحي بذلك، زنى، ولا استثناء في هذا المضمار ولا تسامح اللهم الا الخطيئة، فان كانت فلا بأس من التوبة والاستغفار. ولكن بلا عودة.
لقد أصبحت دعوة المرأة بالخروج من المنزل تحت ذرائع متعددة أمرا مقبولا دون عمل محدد كالتسوق أو التنزه أو زيارة الأندية الرياضية أو الفنية أو غيرها. وفي أي حال من الأحوال لا تتخلى مطلقا عن التبرج مهما كان قليلا أو غير واضح ورغبتها الملحة بإبرازه فوق قدرتها على ضبط نفسها أمام الإحراج الأنثوي الدفين فيها.
انها تتبرج لإبراز ما يتيسر من المفاتن ويعتمد (كم) و (نوع) هذا الإبراز على ظروف كثيرة يقع أقواها بالإيمان الديني للنفس، فان أفلست منه، فرُبَّما لا يفرملها غير اللياقة الاجتماعية أو المصلحة الخاصة بعدم المضي بعيدا بهذا الاسـتعراض المقنع، وفوق هذا فإنها تختار من الملابس ما يكمل هذا السيناريو التصميمي بالفن الجنسي بغض النظر عن الحالة المالية التي تعيشها. ميسورة كانت أو لم تكن
فلدى المرأة القدرة العجيبة على إظهار الفتنة بملابسها حتى لو كانت أسمالا.
كما انها تفضل الأماكن المكتظة وخاصة المختلط منها مهما ادعت غير ذلك.
لماذا؟
هناك أكثر من (لماذا) فرعية في هذا الموضوع وجميعها تصب في جدول (حقيقي) واحد مهما تنوعت الأساليب الواقعية. انه الجنس. ولماذا؟
من اجل الإنجاب فالرَّجل مقرون عند المرأة بالإنجاب وطلب الحماية ليس من الرَّجل كما تدعي بل من خلال توليد قبيلة من الأطفال الذي يمثلون لها، هم أولا، الحماية المطلوبة حقيقيا في أعماقها الداخلية.
انها تشعر ان أطفالها حماية لها أكثر من الرَّجل.
ولو تصورنا الواقع المغلف هذا الذي نعيشه وحاولنا ان نضعه تحت التشريح الفكري وتصورنا المجتمع الذي نعيش به بدون هذه الرتوش كنظرة متجردة قدر الإمكان عن السفاسف التراثية والأخلاق الموروثة لتوضح لنا القدر المذهل من الحيوانية الإنسانية التي يمارسها الرَّجل والمرأة يوميا مع أكداس من الحجج والمبررات الذكية جدا والمعقولة جدا. الا ان الحقيقة هي الحقيقة. وإذا كان لا بأس فلا بد من ان نعلم ذلك أولا، وثانيا ان نقوم بعمليات ضبط تتناسب مع المستوى الإنساني العالي لفهم هذا الحق المشـروع أولا وثانيا عدم تلويثه.
عندما تجد المرأة بالصدفة نفسها واقعة بفخ لم تكن تتوقعه وليكن لقاء برجل أثار اهتمامها، ولو للمرة الأولى، فإنها تدخل بحالة من الإنذار العجيب. تضطرب قليلا ثم تتحرك بهدوء لإعادة ترتيب الأشياء في داخلها ثم في خارجها لتهيأ نفسها كأُنثى عائدة إلى الجذور الأولى محاولة ان تنفش عن ريش أنوثتها ثم كشف أي قدر ممكن مسموح به اجتماعيا أو دينيا من عورتها أو ما يعطي الانطباع بهذا الإحساس.
انها ليست صريحة ولكن من الذكاء ما يوحي بذلك خاصة وانها كأُنثى قبل ان تكون إنسانة من الذكاء ما تمارس به اللعبة على أصولها الصحيحة من حيث البدء بالاستعراض الجنسي المغلف (في حالة المرأة وليس أُنثى الحيوان أو النبات وبالمناسبة فالنبات يمارس الأمر ذاته تماما ولكن على قدر عقليته كما هو حال بعض الأزهار التي تفتح عن مواقع الإخصاب لديها تاركة الأمر للريح بالقيام بدور نقل عوامل التلقيح أو بعض الحشرات الزاحفة أو الطائرة) مع عرض كل الشروط المناسبة لطلب الذكر بالقدوم والقيام بعملية (الاغتصاب الطوعي). انها تهديه للصراط الأعوج. ثم تحاول الرفض، علما بأنها ليست جادة بهذا الرفض بل هي التي هيأت الظروف المناسبة.
كل هذا ورُبَّما ما يلي هو الهيكل الجاف غير اللطيف من علاقة المرأة بالرَّجل ولو أعدنا ألان كل الملابس المحتشمة لنظرتنا التي سبق وان جردنا المجتمع النسوي منها، لوجدنا. المجتمع!!!
المرأة مشروع جنسي دائم.
انها هي التي ابتدأت بالبحث عن العطر. لماذا؟ فإذا كان المفروض ان الرَّجل هو الذي يقوم بالأعمال الخارجية والتي تجعل من رائحته ليست مقبولة فالواجب ان تكون الأولوية للرجل بالبحث عن العطر. الا انها بالنسبة له عموما (كرجل) ذات أولوية ثانية وليست قطعة أساسية لا غنى عنها أمام المرآة كما هو حال المرأة.
المرأة لا تريد أي عطر. انها تبحث عن العطر الحقيقي. فالأُنثى عموما تبحث عن العطر الذي كان يمهد للعملية الجنسية وبالعودة لسلالة الإنسان الأولى فان هناك الكثير من التشابه بنوعية العطر المطلوب والذي تقوم الحيوانات عادة بإفرازه لجذب الذكر من مسافة كافية وأحيانا كبيرة. والسؤال هنا هل ان المرأة المعاصرة أو الأُنثى الإنسانية عموما تحاول دون دراية منها القيام بدور مشابه وعلى طريقة أكثر أناقة بعد ان قلت الحاجة لمثل هذا العطر الجنسي؟ وهل هي بحاجة فعلا لمثل هذا العطر بعد ان عرف الرَّجل الإنسان كيفية القيام بذلك دون الاستعانة بعطر ما؟
انها تبحث عن العطر الذي لا تزال تفرزه إناث الحيوانات لإغراء الذكر بالتزاوج وبما ان العضو التناسلي للمرأة منذ بداية التاريخ وحتى اليوم مغطى بملابس، إذن لابد من البحث عن وسيلة تعوض بها ما فاتها.
الأُنثى الحيوانية تفرز هذا العطر وبالمناسبة لا تفرز أية أُنثى حيوانية ولا نباتية، أي عطر آخر الا العطر الجنسي وبأوقات التزاوج فقط لسحب الذكر الذي قد تكون فاتته فرصة المشاهدة الصريحة لهذا العضو، بالسير قدما نحوها.
الحيوانات قد لا ترى فلا بأس من إفراز العطر المناسب للموضوع ولكن هل الأُنثى الإنسانية بحاجة جادة له؟ ليس هذا فحسب بل الأمر قد يكون أكثر مما تحتمل المناسبة أي ان استخدام المرأة للعطر لا يتوقف على فترة زمنية محددة بل قد تطول السنة كلها وسواء كان الموعد تزاوجيا أو لم يكن.
انها رائحة من نوع الرسالة المهذبة للذكر الحيواني والنباتي. وهي رسالة مهذبة للذكر الإنساني وليس هناك فرق كبير بين الإثنين اللهم الا انها أقوى وأطول استخداما عند المرأة مما لدى الحيوانات أو النباتات التي تعزف عادة عن هذه الممارسة بالفترات التي لا تزاوج فيها. فالعطر الجنسي الذي يفرزه العضو التناسلي الأنثوي لدى الحيوانات، مادة يتناغم إفرازها مع التغيرات الهارمونيـة لكل أجزاء العضـو التناسلي الداخلية والخارجية وبالتالي فهو ليس مقصودا للإساءة للأُنثى قصدا أخلاقيا منحطا بل جزء من القدرة الإلهية لخدمة التزاوج على أصول عضوية تركيبية معروفة بحيث ينسجم توقيت إفرازه مع إفراز سائل يمر عبر الممر التناسلي من الداخل إلى الخارج للأُنثى ليسمح بسهولة الإيلاج المفترض حصوله فإذا كانت الأُنثى بدون قصد منها تحاول ان لا تترك للصدفة محلا وان تهيأ كل الأجواء المناسبة لإتمام عملية التزاوج من حيث الرائحة الجنسية، والسائل اللزج، وإعداد الرحم (في حالة الكثير من الحيوانات القريبة من التركيب الإنساني لهذه الأعضاء) والمناطق الجنسية الثانوية كالثدي وغير ذلك، فلأن العملية الجنسية المطلوبة، مطلوبة فعلا على أصولها العضوية وليس هذا انتقاصا من تفكير هذه الأُنثى الحيوانية، أو سلوكها العفوي.
ان التعليق الأهم هو الذي يتعلق بالتحريف غير الأخلاقي لهذه القواعد من قبل المرأة التي لا تتوانى عن محاولة تقليد الأُنثى الحيوانية ولكن لسوء الحظ أو لحسنه بنشاط اكبر ونفاق أعلى، وقناع أدهى.
التبرج فوق المطلوب.زنى.
العطر النسائي الذي يتم اختياره من قبل المنتجين بدقة علمية عالية من اجل ان يسحب الرَّجل وتقصد المرأة شراءه حتى وان كان لا يعجبها هي من اجل الغرض إياه زنى أيضا.
النساء لا يفكرن كثيرا بما يحببن هن، بل ما يجب ان يحبه الرَّجل وكل هذه الحرب من اجل هذا الحمل.
الكثير من الحيوانات عفيفة. عفيفة جدا عن التسول الجنسي بغير الوقت المحدد. مقارنة بالأُنثى الإنسانية. بالمرأة.
ان لغة العطر لدى المرأة ليست جديدة ولا مستحدثة بل قديمة على قدم وجود الأُنثى الإنسانية وليس للأمر علاقة بالثراء من عدمه فالجميع تقريبا وفي كل زمان وحتى لدى أفقر النساء حالا. المثال هو هو.
المرأة سطحية بأهدافها الواقعية، عميقة بأهدافها الحقيقية.
انها تعرف ما تريد غير انها لا تعرف كيف، فالسير على اثنتين لا يعني ان الإنسان قد أختلف كثيرا عن الحيوان ومن الجدير بالذكر هنا أيضا ان الحركات الاعتيادية التي تتحلى بها المرأة حضاريا كما يسـمى وهي حركات تمثيليـة لطيفة ليست الا بإعطاء الانطباع بما يسمى (الأنوثة) أي التعبير عن الضعف النسوي. لماذا؟
المرأة من خلال التحليل العلمي لواقعها البدني لا تختلف كثيرا عن الرَّجل من حيث القدرة العضلية في الكثير من الأعمال الا انها تستمتع بممارسة حركات عادية أثناء الحديث مثلا أو المشي بأسلوب يعطي هذا الانطباع بوضوح إلى الحد الذي أصبح معه جزءا من كيان المرأة الأصولي غير انها قد تنساه أحيانا عندما تنسجم مع أعمال تثير اهتمامها أكثر من هذه الحذلقة المتكلفة كأعمال البيت مثلا أو التعامل مع أطفالها أو عندما تكون منفردة مع نفسها أو مع زوجها لتصبح اقرب للرجل منه للمرأة بنفس هذه الحركات الدخيلة.
انها تريد ان تبدو ضعيفة بل انها تكرس هذا المفهوم في كل مكان وزمان لا طلبا للحماية كما يعتقد بل لإظهار استعدادها للقبول بالفعل الجنسي أمام من يتجرأ على الأقدام على ذلك ومحاولة اغتصابها.
انه جزء من مكملات العرض الجنسي للنفس الأنثوية. فهي تريد بقصد أو دون قصد ان تبدو ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها أمام أية مغامرة غير محسوبة أو غير متوقعة، والحقيقة انها هي نفسها التي مهدت لها. تماما كما هي تحاول ان تلفت الاهتمام من خلال العرض المسرحي لحركات يديها أو ساقيها أو رقبتها أو تحريك شعرها أو تعديل ملابسها لجعلها أكثر حشمة.! والحقيقة انها تريد ان تكون اقل حشـمة لتنبه على ان هناك أُنثى، وانها بالانتظار.
كل هذا لا يعدو ان يكون ضمن السياج القانوني لهذا المجتمع أو ذاك ولكن المرأة تتفنـن بأي مجتمع كان بالتحايـل على النظم التقليدية للخروج من المأزق القانوني أو الاجتماعي والبقاء في حالة من الأمان من أي انتقاد خارج حدود المتعارف عليه من أصول ذلك المجتمع.
المرأة فنانة تمثيلية بالفطرة.
عندما تجد المرأة نفسها بمأزق جدي فإنها تختلف تماما عما هو متعارف عنها من حيث الرقة واللطف لتنقلب فجـأة إلى حقيقتها وتتحول إلى كائن يناقش الموقف الطارئ بدون أدنى رومانسية كأي كائن يتعرض لموقف حساس لا محل فيه للجنس. فالمرأة كاللبوة، أكثر هجومية عند الحاجة بينما يستلقي الأسد للاستمتاع بوجبة الصيد التي وفرتها اللبوة بأنيابها ومخالبها الحادة عندما تريد ان تكون صيادة شرسة وليست هي كذلك لو تولى الأسد الصيد نيابة عنها الا ان أصول التعامل بين الأسد واللبوة هكذا.
انه للحماية والجنس. والحقيقة ان التي تهاجم بكل هذه الشراسة لا تحتاج للحماية، ومن العبث القول ان بدن المرأة من الضعف ما لا يجعلها قادرة على كل شيء، وهناك الكثير من الأعمال التي يزاولها الرَّجل، هي نفسها التي تزاولها المرأة دون أي فارق بالكفاءة البدنية.
عندما تشعر المرأة انها مفلسة من مصدر الإنجاب المرجو هذا فإنها تتحول للبوة تسحق كل ما هو أمامها سواء كان ذلك ظاهريا أو مخفيا بحكم العادات الاجتماعية الراسخة التي قد تؤدي لتدمير هذه المرأة اللبوة المحبطة، لو أرادت التعبير حقيقيا عن انتقامها، ولكن هناك الأقوى من الظروف التي تجعلها تتلمس الأعذار وخاصة الأعذار الأخلاقية الراقية، تعففا كاذبا وسموا منافقا.
انها صدمت بالواقع الأقوى منها، وهذا كل ما في الأمر.
انها كيان يهدف دائما إلى ما هو ابعد من المنظور في الواقع، ودون قصد سلبي منها.
وبما انها تعرف ان الصدر، يمثل منطقة الرضاعة بالنسـبة للرجل فإنها تحـاول ان تعيده حيث ما يرغب بالعودة لصدر أمه والطمأنينة التي كان يتلقاها آنذاك فتحاول ان تبدع بإبراز هذا التصميم الفني المثير بأية وسيلة كانت حتى لو كانت قد غطته تماما عن الأعين.
انه صدر المرأة.
انه يشبه لحد كبير العضو التناسلي الأنثوي عندما تلم جانبيه، وهي تتعمد ان تشكله بطريقة توحي بهذا الشأن وقد خدم التاريخ هذه الصنعة من خلال الملابس الحالية التي نعتقد، سهوا أو عمدا، انها محتشمة بلم الصدر والحقيقة والواقع أيضا، ان صدر المرأة عبارة عن عضو تناسلي أنثوي من القطع الكبير، حتى ان الخط الفاصل بين الثديين يمثل في أسفله بداية الفتحة التناسلية ولهذا فإنها تتفنن بطريقة كشف هذا الخط والتأكيد عليه طالما انها أفلست من الكشف الصريح لعضوها التناسلي الأصلي محاولة عوضا عن ذلك برفع الصدر بثدييه إلى الأعلى قليلا من الأسفل لإعطائه طابعا مشابها لعضوها التناسلي وبنفس الوقت لملمة جانبيه لإبراز الخط الوسطي بينهما فإذا انعكس الضوء عليه أوحى بصورة أو بأخرى بما تريد في أعماقها كشفه.
انها في الغالب لا تقصد ذلك، ولكنها الحقيقة.
انها تحاول ان تصنع من صدرها مثلثا، قاعدته الخط الممتد بين عظمي الترقوة من أمام الصدر وقمته المقلوبة إلى الأسفل حيث منتصف الصدر (وهو بمنتصف عظم القص تقريبا) ثم ينطلق من رأس المثلث المقلوب هذا، خط إلى الأعلى باتجاه وسط الرقبة ويكاد يتلاشى كلما ارتفع نحو الأعلى وكأن المثلث المقلوب المتساوي الساقين قد انتصفت زاوية قمته بخط يرتفع من هذه الزاوية أمام عظم القص نحو قاعدة الرقبة. وهذا هو المطلوب تماما. خط بارز بالتضليل الضوئي يبدأ من الأسفل حيث ملتقى الثديين الملمومين ليفصل بينهما بوضوح ثم يرتفع ليتلاشى موحيا تماما بمثلث العضو التناسلي.
أما إذا حاولت إحداهن التحشم قليلا خاصة إذا كانت قاصدة لعبة الزنى الخفي المستور فإنها تغطيه تماما بملابسها وهي تبذل جهدا استثنائيا بتكوير الصدر بطريقة توحي بنفس المثلث الصدري المكشوف، ولكنه هذه المرة مثلث صدري مستور علما بان التصميم العام حتى في حالة تغطية ثدييها لا يختلف كثيرا عن المكشوف منه بل في كثير من الأحيان هو أكثر إثارة من المكشوف تماما أو شبه المكشوف بحكم الفضول الرجولي الذي يتمتع به الرَّجل الغاصب.
الصدر مستور في الخارج ولكنه لا يخرج عن دائرة التصميم الجنسي المنظم الذي تتعمده المرأة سواء كانت قاصدة أو لم تقصد وفي كل الأحوال فهذه أصالة طبيعية في ذات المرأة كأنانية حقيقية بالرغم من ان البعض منهن يعلمن بالفطرة أصول هذه اللعبة الجنسية فانهن يحاولن كبحها والتملص حتى مما هو مسموح به اجتماعيا وقانونيا وحتى دينيا أحيانا لأنها تعرف في حقيقتها وليس في واقعها ان الأمر في حالة تطبيقه بالرغم من عدم معارضة احد عليها، ليس الا زنى نفسي. ولهذا فإنها ترتفع بنفسها الحيوانية المتأصلة إلى سماء الرقي الإنساني فتتعفف.
انها (تتعمد) السير ضد القانون الطبيعي الحيواني للمرأة وترتدي ما لا يعطي انطباعا بالجنس المنشود قدر الإمكان وليس هذا محاولة مني أو من سواي بطمس حقيقة المرأة وأصالتها العضوية الا انها محاولة للارتقاء بها فوق الأنانية الحيوانية.
المرأة متحايلة على القانون الحضاري الذي يحاول ان يضبطها قدر الإمكان من طلب الجنس في أي زمان أو أي مكان كما هو حال التنين الذي في نفسها خاصة الأُنثى الإنسانية التي تتابع لديها الدَّورة الشهرية بحيث انها تريد ممارسة الجنس بالفترة الممتدة بين أي دورتين شهريتين وبما ان هذه الفترة قد تأخذ أسبوعا أو عشرة أيام فان الغالب من حياتها الخصبة جنسيا والممتدة من سن البلوغ وحتى سن اليأس تقريبا هي فترة شبه مستمرة من البحث الحثيث عن الجنس كأُنثى وليس بقصد أخلاقي ســلبي، أما بعد ذلك فالأمر لا يعدو ان يكون انحدارا
تدريجيا بهذه القدرة الجنسية واختفاء البويضات وانخفاض الهرمون الجنسي الأنثوي إلى الحد الذي تفقد به المرأة هذا الشيطان الهرموني من دمها فيقل اهتمامها عضوياً بالجنس بلا قصد لتجد نفسـها دون تدخل أخلاقي منها في حالة من التقاعد الجنسي وبموقف لا تبحث فيه بكل هذه الهمة عن فن اللهاث وراءه. وعندها فقط تبدأ بالإعلان عن تطبيق الأخلاق الإنسانية العالية منادية بها، مدعية ضرورة تطبيقها، مستنكرة كل ما يخرج عن قواعد الأخلاق الإنسانية دون ان تعلم ان انخفاض هذا الهرمون الجنسي فيها هو السبب المباشر لحكمتها المتأخرة وأخلاقها العالية، وليس لحكمة هبطت عليها فجأة.
لولا انخفاض هذا الهرمون لما تعففت المرأة من أنوثتها الحيوانية. أما موضوع الخبرة أو العقلانية أو ما إلى ذلك من ألفاظ فالحقيقة ان المرأة وحتى الرَّجل ولكن بدرجة اقل، هما ابعد ما يكون عن الحقيقة لولا هذا الهرمون الذي سـتر الجميع عندما انخفض مع الزمن. إناثا وذكورا.
ان الكثير من التبريرات التي نتلقاها نفاقا وادعاء من قبل الكثيرين منا وخاصة المرأة في مضمار السمو الأخلاقي، لها أصول عضوية وهرمونية، وحتى العلاقات الاجتماعية التي يتعامل بها البشر فيما بينهم على جميع المستويات التي لا تبدو لها علاقة بالأمر كالنشاطات العامة، هي ليست أكثر من ذيول طويلة الأطراف لجذور هذا الهرمون الخطير جدا.
وكما القينا نظرة عامة إلى الطريقة التي تفكر بها المرأة حول إبراز مفاتنها لجذب الرَّجل بأية طريقة كانت وبأي ثمن كان طالما لا يخل ذلك بسياجها الأمني الاجتماعي وليس بالضرورة الذاتي نستطيع المضي قليلا بتحليل ما هو ابرز لدى المرأة بعد العضو التناسلي الأصلي والصدر وهو، الفم.
المرأة تعتبر الفم، هو الشكل الخارجي المثالي الذي تمارس عليه دورها الأنثوي بعرضه كعضو تناسلي صغير. فهي لا تتلاعب بشفتيها فحسب من اجل ان تعطي الانطباع بان هناك حركة جنسية ضمنية بل انها تحاول ان تعطيه المظهر الخارجي أيضا من حيث الجوانب الأربعة الآتية:
الشكل واللون واللمعان والرائحة.
أما الشكل فإنها تحاول جعله شقا عرضيا مماثلا للشق الطولي للعضو التناسلي الأنثوي إلى الحد الذي بدأت معه محاولة بإخفاء الثنية الوسطية في الشفة العليا من خلال دغم هذه الثنية بالصبغ ليبدو أكثر وضوحا كما لو كان مقلوبا بعض الشيء مع الاحتفاظ بالفكرة ذاتها من حيث التلاعب به وكأنه عضو تحت الحركة التشنجية المتهيئة للفعل الجنسي. إضافة لذلك فهي تحاول جاهدة ان تغير قليلا من التناغم الطبيعي للشفتين من خلال إبراز الشفة السفلى إلى الخارج قليلا متكلفة بذلك بحيث لا يبدو وكأنه افتعال وقد أحيانا تبالغ إلى الحد الذي قد تبرز معه حتى الشفة العليا، ولكن لان عضلات الوجه لا تسمح بحركة هذه الشفة كما هو الحال بالنسبة للشفة السفلى فان المتعارف عليه هو العمل على هذه الشفة أكثر من العليا. والسبب هو إظهار هذا العضو وكأنه بحالة من التهيج الكافي للخروج قليلا بالغشاء المخاطي للفم تماما كما هو حال العضو التناسلي قبل الجنس مباشرة.
أما اللون فهو الحلقة الثانية التي تكمل هذه الصورة من خلال الاحمرار التي تحاول ان تركز عليه قدر الإمكان بدلالة ان هذا اللون هو السائد منذ أمد بعيد بتلوين الشفتين. وقد تحور به قليلا لتجعل منه وردي اللون، والأمر لا يزال ضمن الدائرة ذاتها من حيث التقرب قدر الإمكان من اللون الأصلي. أما تغيير هذا اللون لدى البعض من النساء إلى ألوان أخرى كما هو مستحدث حاليا فهي موضة ليست مستساغة من قبل اغلب النساء باعتبار ذلك لا ينفع الهدف الأصلي المنشود، فالمرأة ميالة جدا للون الأحمر لصبغ شفتيها أو ما هو اقرب من هذا اللون.
انها عادة حيوانية مرغوبة. ولزيادة التقرب بالأمر فقد أصبح لاحمر الشـفاه لمعـان وهو يمثل الإفرازات التي تسبق الفعل الجنسي. وكأنه بحالة من التهيؤ للموقف، فاللمعان يعني وجود الإفرازات على السطح الخارجي والتي تسهل عملية الإيلاج ثم أضافت له الرائحة التي تقرب الرَّجل له تماما كرائحة الأصل أثناء فترة التزاوج الحيواني وبذلك فقد حاولت كل جهدها.!
الفم. تحريكه، شكله، لونه، لمعانه، رائحته.
انها محاولة لا بأس بها من الجهد غير المقصود في الغالب. ولا يمكن كبتها بسهولة.
ان كل ما سبق ليس الا محاولة ما هو حضاري لإنعاش ما هو غير حضاري وليس القصد منها بالضرورة الفساد الأخلاقي كما يبدو للوهلة

الأولى من الحديث ألان الا انه عفوي كما هو حال الأُنثى أحيانا لدى بعض الحيوانات عندما تتخذ وضعا جنسيا معينا في حالة مداهمتها من قبل الذكر الأقوى منها. وعموما فان الوضع الذي تتخذه اقرب ما يكون بالوضع المستسلم للفعل الجنسي أو الإيماء ببطاقة دعوة، ليس من الضعف بالضرورة بل لإعطاء الفرصة لهذا المتوحش المرغوب به ان يتقدم. فالطريق ليست وعرة.!!
ان مراقبة تفكير وسلوك الحيوانات مثلا باعتبارها اقرب للإنسان من النبات بفهم بعض الحقائق التجريبية يؤكد الكثير مما يبدو وكأنه غريب الفهم علينا اتجاه السلوك الإنساني، أنثويا كان أم ذكريا. ومع ذلك فيجب عدم تهميش النباتات من كل ذلك باعتبار الأسلوب التعبيري الذي تحاوله هي الأخرى لجذب الذكر النباتي ليست بعيدة عما ذكرنا سابقا وبما اننا لسنا بصدد التدقيق كثيرا بهذا الأمر التخصصي من الناحية الفنية أكثر مما هو محور الحديث المتعلق بالأنانية فاننا سنكتفي من ذلك بشرط تعميم القواعد المذكورة أعلاه على جميع الكائنات الحية وبدون استثناء اللهم الأسلوب التعبيري الذي قد ينقص أو يزيد وقد يظهر أو قد يخفى، ولكن المبدأ هو هو. ولهذا فقد تشددت الكثير من العقائد الدنيوية أحيانا والدينية أحيانا أخرى بموضوع عدم إعطاء الفرصـة للتنين الجنســي بالعبث بالمرأة أكثر من الرَّجل بشأن احترام الإنسانية فيها على حساب الحيوانية. والواقع والحقيقة ان احد أعظم هذه العقائد المحترمة التي ناقشت هذا الموضوع على أصوله الأولى وبأسلوب لا يقبل اللف والدَّوران، هو الدين، الذي امسك بياقة الإنسان ووضعها بيد الله تاركا له الارتباط المباشر بينه وبين ربه دون عالم خارجي ولا مجتمع يؤثر على قراراته ولا قوانين دنيوية، تحابي أو تنافق على حساب الأخلاق. وسوف نناقش هنا ما جاء على لسان الإسلام كعينة نظيفة من التعاليم التي قد يشابهها دين آخر أو عقيدة أخرى غير انه أعطى لهذا الموضوع من الروحية الأخلاقية السامية ما يكفي الإنسان لو امسك بها حقا. فلقد منع الإسلام التبرج والزينة عند المرأة. اللهم الا لزوجها. وأثنى على كل من تقوم بواجبها الأخلاقي إنسانيا وكبت الحيونة النفسية في داخلها من خلال تعاليم واضحة إلى درجة التدخل بالمقدار الذي يسمح به الكشف أمام الآخرين منها من حيث الجسد ككشف الشعر أو الساقين أو الوجه وما إلى ذلك من التعاليم الدقيقة جدا بالتدخل إلى درجة مناقشة الزي والتصميم بالملابس. محاولة منه ضبط الأمور ومنع الانفلات الأخلاقي لدى المرأة طالما ان الرَّجل مرحب بأي انفلات على العموم وطالما ان الموضوع لا يمس اقرب عائلته، فأي مكسب من المرأة، غنيمة عند الرَّجل ولم يتوقف الإسلام عند هذا القدر بل ذهب إلى ما هو أعظم وأقوى عندما ترك موضوع (فتنة) المرأة للرجل بغض النظر عن الوسائل الأنثوية المتعددة التي ذكرناها قبل قليل، بيد المرأة في عقلها، وليس كما يراها المجتمع أي ترك العقاب والثواب بيد المرأة ذاتها. فما تعتقد (هي) انه خروج عن النظافة الإنسانية هو السلب الأخلاقي الذي يستحق العقوبة وما تعتقد (هي) انه اللوثة الحيوانية النباتية هو الإيجاب الأخلاقي الذي يستحق الإثابة.
ان عملية الالتفاف على عملية الحشمة الخارجية بالمظهر ليس عملا عبقريا من قبل المرأة لو أرادت، لأنها تستطيع ان تلبس ما هو محتشم خارجي وضمن الحدود المعقولة اجتماعيا ولكنه مثير للفتنة، محفز للإغراء الجنسي. فالقانون الوضعي لأي مجتمع لا يحكم على النوايا وليس باستطاعته محاسبة الملتفين عليه ومن هنا امسك الإسلام بتلابيب العملية كلها وربط الإنسان بقانونه الخاص وأقصد القانون الأناني (وليس الذاتي ولا الموضوعي) الذي يقع (تحت) القانون الديني عندما ارتفع فوق هذا القانون ودعمه وبذلك قطع الطريق على أية محاولة متذاكية من قبل المرأة وحتى الرَّجل ولكننا ألان بصدد المرأة وأنانيتها للذهاب نحو الحيوانية في النفس على حساب السمو الإنساني آخذين بنظر الاعتبار التسلسل التاريخي لتطور الإنسان فكرا وسلوكا وبضمن هذا السلوك الزي الخاص به أو بها حسب ظروف هذا الشعب أو ذاك وفي هذه المرحلة الزمنية أو تلك فما كان مرفوضا قد يكون مقبولا والعكس صحيح وفي كل الأحوال فان عملية تقدير (الزينة حتى الجنس) من ناحية التعريف، خاضعة للمعايير التاريخية والحضارية وفق البيئة التي تعيشها المرأة، وبما ان هذا التعريف من الميوعة ما يسهل استغلاله فان الدين قد ترك الأمر بيد صاحبة الشأن ان كانت امرأة أو صاحب الشأن ان كان رجلا، ضمن حدود (الحشمة) بغض النظر عن التفاصيل الخارجية للزي أو التصميم، فالفتنة المقصودة جنسيا بغير محلها، لا ترتبط بزي معين ولا بتاريخ معين، والإنسان المحتشم محتشم بكل زمان وكل مكان.
الإسلام يريد ان ينقل الإنسان من (الأصالة) الحيوانية النباتية الملوثة إلى (الطارئ) الإنساني النظيف. وبالرغم من ان هذا الهدف هو عملية نقل صعبة بعض الشيء لأنه انتقال مكلف على عقل الإنسان الذي يميل (طبيعيا تلقائيا) إلى الأصالة، فإنها مع ذلك محاولة عفيفة ولابد ان يقف الإنسان ليقرر. فاما أصالة الحيوان المنحطة، واما طارئ الدين السامي.
هناك الكثير من النساء المتحايلات على أصول الاحترام الذاتي من خلال تنفيذ تصاميم فنية بأزيائهن وتصرفاتهن وحركاتهن العادية بما يوحي بالإغراء الجنسـي، وهذا غالبا ما يكون على أساس مقصود وليس عفويا وأحيانا يتمثل الأمر بالنسبة لها وكأنه نوع من اللعب غير المؤذي أو غير المكلف فتسمح لبعض أحاسيسها الداخلية ان تتسلى في الخارج بالرغم من احتمال معارضتها لهذا اللعب ان زاد عن حده، والحقيقة ان هذا نوع من الزنى الخجول وهو رُبَّما لا يرقى إلى الزنى النفسي الكامل (الذي لا يقع فيه جنس بدني صريح) الا انه مع ذلك يظل في دائرة اللصوصية والزنى.
وكما ذكرنا سابقا فالزنى نوعان:
الأول هو الزنى البدني، والثاني هو الزنى النفسي.
أما الزنى النفسي، فهو المقصود هنا بالكثير من الحديث لأنه يتفاوت إلى مساحات واسعة معتمدا على النوايا فقط. فالمرأة قد تزني بالعين أو حركة اليد أو حركة الذراع أو الشفتين أو الساقين أو كشف ما يسمح به الموقف من كشف من جسدها بحجة التحضر أو غير ذلك ومهما يكن من أمر فان الأكيد هو ان أية محاولة من المرأة (قاصدة) ان تسحب بها الرَّجل وتلفت انتباهه جنسيا، هي زنى نفسي. ولا حاجة للقول ان أية مناقشة لتبرير ذلك، عبث.
هذا كله في حدود محاولتنا السعي نحو (الحقيقة) الإنسانية وليس تكريس (الواقع) الحيواني.
ان إفلاس بعض الأمم من العقائد السماوية أو تدينهم بما لا يأخذ هذا الأمر بجدية (كجزء من اهتمامات هذا الدين الأخرى التي ليس لنا محل بذكرها وسنحصر الحديث عن هذه النقطة بالذات دون سواها) هو عدم الاهتمام برفع الإنسان إلى مرتبة (الإنسانية) وتركه أمام نفسه ليلعب كما يشاء. ونتيجة لذلك أصبحت المرأة بحالة من الخلو العقابي نضير الأمل الاثابي، فأفلست ولم تعد تعيش كما هو مطلوب أخلاقيا على المستوى الإنساني بالرغم من تميز الغرب اليوم عموما بالحضارة (التقنية) الثرية.
انه الثراء العلمي المتوازي مع الإفلاس الأخلاقي.
ان استخدام المرأة جسدها في الغرب اللا إسلامي استخداما حيوانيا، جعلها لا تحترم نفسها مع الزمن.
الأمر ليس مقتصرا على الغرب اليوم بل رُبَّما يكون الشأن الشرق الغد. الأمر في النهاية مقرون بالإنسان عموما وإذا كان الغرب عن الشرق اليوم فمن المؤكد ان (الحتمية العالمية) قادمة وهذا ما يرفع من الوزر إلى حد التفكير بأسلوب إنساني لا محل به لخصوصيات إقليمية أو قومية ورُبَّما تنصهر الأديان بدين واحد، ولهذا فمن الأجدى عدم الأخذ بسلب الغرب اليوم خشية تلافي تغريب الشرق، وتشريق الغرب الآتيان لا محالة، ولكن طالما نحن أبناء اليوم فان المرأة في كثير من الأحيان، حيوانة جميلة.
وإذا كان ذلك مقبولا عند هذه المرأة تربويا في بيئة تعتبر هذا العرض الجنسي الرخيص، حضارة متقدمة، فمن المؤسف ان يحاول من لا يستسيغ هذه الأصول التربوية عندما يرتبط بهم، ان يأقلم نفسه على أوضاعهم.
انها دعارة أنيقة.
لقد احترم الإسلام هذه الزاوية المظلمة من النفس الإنسانية فطلب ان تحصن المرأة نفسها بنفسها، فما وجدته (هي) إغراء ومحاولة لسحب الرَّجل، فعليها تجنبه طالما ليس حلالا عليها وما وجدته مقبولا فلا بأس، والمرأة أدرى الناس بما هو مغر عندها وما هو غير ذلك ومن غير المعقول تصديق أية حكاية عن عدم استطاعة المرأة القيام بذلك أو تصديق مبرراتها بالغفلة أو السهو أو عدم الدراية وإلقاء اللوم على الرجال الذين يتربصون بها!!!
الرَّجل لا يتربص بامرأة محترمة.
المرأة تعرف جيدا ما لها وما عليها ولهذا فان أمر السلب أو الإيجاب الأخلاقي وحرية اختيار احدهما قرار خاص جدا بها ومن الصعب التدخل، فعالم المرأة شبه محكم الأطواق ومن الصعب جدا الوصول له حتى في حالة محاولتها ان تكون منبسطة بشرح نفسها فهي كائن مغلق حتى مع اقرب الناس لها وبحكم حذرها الفطري وهدفها الذي يعيش معها ليل نهار أي (الحمل)، فإنها ليسـت صريحة بكل ما تقول، على الإطلاق، وهناك دائما أوراق سرية ولو قليلة الا انها موجودة في أعماقها الواعية وليست تحت الوعي، محتفظة بها للنهاية ومن الصعب ان تفتح كل ما لديها بشأن أسرارها الداخلية.
انها بحالة طوارئ مسـتمرة حتى عندما تدعي التعاون خاصة مع الرَّجل الذي تحب وحتى ان كانت لديها الرَّغبة بكشف كل ما لديها فذلك عبث لأنه ضد طبيعتـها الداخلية الأعمق.
انها كائن متحفظ أناني يتعامل مع الحياة من اجل غرض ما هو كل ما لديها. ولهذا فان الإسلام بالذات قد ركز على هذه الأنا المنغلقة لدى
المرأة وحاول ان يصل لها بحذر تاركا الحرية لها بإعطاء ما يمكن من الأسرار أو الاحتفاظ بما تشاء غير انه ربطها أيضا بالله العظيم، وعندها فقط، خسرت المرأة بعض حريتها بالعبث الأخلاقي.
انها تعلم ان الله معها، حتى لو لم تكن مع الله وإذا كان من السهل تمرير أي مخطط غير نظيف، فانه الأعلم الأنظف. ولهذا فان باستطاعتها الانتقال إلى الإنسانية بدون المرور بموافقة أو عدم موافقة الرَّجل بعقابه أو بثوابه. فهي حرة أكثر ما يعتقد الرَّجل بكثير جدا. ولولا الله العظيم لما انضبطت المرأة أخلاقيا إلى حد الإنسانية وكل من لا تؤمن بالله ومخافته واحترامه ليست محصنة من هذا العبث الأخلاقي وليست من القدرة على تحمل الماكنة الجنسية باللهو في داخلها.
انها ضعيفة بدون الإيمان بالله والحياء منه.
أما مبرر المرأة بأن أناقتها لا تعني (الزنى النفسي) فهذا أمر يعتمد عليها هي. هي فقط. فان هي قدرت ذلك فعلا بعد ان يمر بالرقيب الخاص بها واثبت هذا الرقيب بدون محاباة ولا نفاق، ان هذه الأناقة ليست الا نظافة خارجية توحي بالإنسانية المتحضرة دون ان تجعل الرَّجل الاعتيادي بحالة من البحث جنسيا عنها لو التقاها، فلا بأس، بل من البأس ان لا تتأنق في مجتمعها أما لو كانت هي قبل غيرها على علم ولو يسير بـ (تمرير) مخطط ملوث فهي بلا شك ليست الا إنسانة حيوانية تستحق هذه الصفة، وانه ليس لوما أو عقابا أو احتقارا، لان أحدا لا يحق له ان يحتقر البقرة أو الكلبة أو الفأرة طالما أنهم حيوانات.‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‍‍
ان محور هذه المحاولات كلها وبضمن ذلك ما اسـتعرضناه قبل قليل في سـلوك الأُنثى الإنسانية هو الحمل والإنجاب وليس الجنس من اجل الجنس المحض وهذا مفترق طرق مهم بعملية البحث عن (الباعث العميق) لكل هذه المظاهر السلوكية لدى الإنسان خصوصا والكائن الحي عموما، فالجنس ليس بحد ذاته هدفا لدى المرأة. بل هو وسيلة.
الجنس عند المرأة وسيلة لهدف والجنس عند الرَّجل هدف لوسيلة وبهذا لا يجوز تعميم قاعدة ان (الباعث النهائي) للتفكير الإنساني عموما هو (الجنس) بل لابد من إعادة ترتيب الأمور حيث ان هذا الباعث يختلف من الأُنثى إلى الذكر فهو لدى الأُنثى وسيلة لهدف بينما هو لدى الذكر هدف لوسيلة. ومن غير الجائز تعميم قوة هذا الدافع على الجنسين تماما كما ذكر علماء النفس ومن الضروري هنا الذهاب قليلا بموضوع هذا الباعث والذي يعتبره البعض قرينا بـ (مفهوم الإرادة) وهو موضوع شائك من حيث كثرة المفكرين واختلافهم حول الدافع (الأولي) لكل هذه التداعيات الظاهرية، فكريا وسلوكيا، عند جميع الكائنات الحية وليس لدى الإنسان فحسب بالرغم من التشدد كثيرا على دراسة الإنسان خلال كل مراحل التاريخ بينما الحقيقة ان ما يتعلق بالإنسان ليس محصورا به لوحده عند هذه التحاليل بل كل ما هو حي من الكائنات المعروفة.
إنَّ إرادة الجنس ليست الإرادة الأعمق للإنسان (وكما ذكرت قبل قليل فهي أيضا لأي كائن حي) بل هي صحيحة فقط في حدود (سـلم الإرادات من خلال التداعي) لو جاز التعبير حيث ان هذا السلم الذي يمثل الأنواع المتفاوتة من(الإرادة) التي نادى بها المفكرون عبر التاريخ والتي وضعوها كما لو انها بحالة من التنافس (الأفقي) واختلفوا في هذا الموضوع فمنهم من قال ان الباعث الأول هو البحث عن القوة ومنهم من قال ان إرادة الإنسان الأعمق هي (البحث عن الحياة) ومنهم من قال انها (البحث عن الجنس) وما إلى ذلك، والحقيقة هنا ان هذه جميعا صحيحة بشرط ان توضع الواحدة منها فوق الأخرى بسلم عمودي وليس أفقيا، مهما يكن من أمر.
وعودة لحديثنا الأول فان الجنس هو (احـد) البواعث الأصيلة في النفس الإنسانية كما هو بالنسبة لجميع الكائنات الحية وهو واضح أكثر لدى المرأة من حيث الأسلوب الذي تتعامل به مع الواقع من اجل هذا الهدف الحيوي والمصيري بالنسـبة لوجودها.
ولهذا فان الجنس وان كان ألان ضمن سياق الحديث هو الباعث النهائي الا اننا لو استرسلنا أكثر بمعرفة تداعيات (الباعث النهائي للنشاط الحيوي) فاننا سنجده كما ذكر سابقا، ليس (نهائيا) بقدر ما هو احد مراحل (تداعيات) هذا الباعث وانه مجرد مرحلة وسطية في سلم البواعث. وبما ان البعض يتشدد على اعتبار ما يراه مناسبا أثناء سياق حديثه فيعتبر هذا السبب أو ذاك، نهائيا بهذا السلم فمن الضروري التركيز على ان هذه البواعث كلها صحيحة الا انها متسلسلة وان هذا التسلسل مرتبط بعضه إلى بعض وليس منفصلا بمعنى ان الجنس هنا لدى المرأة ليس الا احد البواعث الأولية غير انه ليس نهائيا والسبب الذي يليه وهو أعلى منه على أية حال، هو الحمل والحمل من اجل الإنجاب والإنجاب من اجل حفظ النوع من الانقراض وهذا الحفظ ليس مقصودا من قبل الإنسان أو سواه من الكائنات الحية بل مجرد سبب (علة) من العلل الأعمق للحياة، ولكن ما هو السبب أو العلة أو الباعث النهائي لهذه العملية الكفاحية التي يقوم بها الكائن الحي، أي عملية حفظ النوع؟
انها العلة الأولى.
انها احد أسرار الله العظيم.
وحفاظا على وحدة الموضوع الذي نحن فيه وخشية من التفرق كثيرا في هذا المضمار الشائك والذي يتعلق بمبدأ القصور والكمال فمن الأجدى التركيز هنا والاستـمرار بموضوع الأنانية.
المرأة لا تتعامل إذن مع الجنس بحد ذاته كمرحلة نهائية كما ذكرنا قبل قليل، غير ان احد الوسائل هو الآخر. ولهذا السبب فالمرأة لا تريد الجنس من الرَّجل بل تريد الرَّجل من الجنس. الإنجاب، ووجود هذا الرَّجل في رحمها لحمايتها واستمرار نوعها.
إذن فهي لا تسمح للرجل ان يمارس ما يعتقد انه حصل عليه من غنيمة بمجرد ان تطلق له المرأة شارة الإغراء الجنسي. فهو يعتقد انها مستقتلة على هذا الفعل الجنسي من اجله أو من اجل الجنس المحض.
ان هدفها أعلى من ذلك ولهذا قد يصاب الرَّجل أحيانا بالحيرة من تفكير وسلوك المرأة عندما تتردد بعد كل هذه المغريات التي شرحناها عنها وأساليبها لجذبه ثم في اللحظة الأخيرة تتردد بإعطائه نفسها.
لماذا؟؟
انها تعتبر الرَّجل مخلوق مغتصب. أي انه كائن يحاول اغتصابها. لأنها تدرك في أعماقها مقدار سطحية الرَّجل وان هدفه من الجنس ليس كهدفها.
انها أعمق منه بخطوة في سلم العلل أو البواعث أو الأسباب الحيوية للعملية الجنسية أو التلاحم الأنثوي الذكري عموما.
انها تقلق من أي رجل بل ان أية أُنثى حية، حيوانية كانت أو نباتية تعيش حالة القلق والتوجس من الذكر وليس الأمر مقصورا على أُنثى الإنسان.
ان رغبة المرأة بالجنس تنحصر في ذلك، بل مضطرة لخوض التجربة الإجبارية هذه لسبب فوق إرادتها المقصودة كما ذكر سابقا وحالما يتحقق لها الأمر وتشعر ان هناك احتمال ما سوف يتحرك في بطنها فإنها تعاود التوجس ولا استثناء أخلاقي في هذا المجال فحتى المنحرفات أخلاقيا لسن بأفضل حال من حيث مخاوفهن من الرَّجل عموما بالرغم من التسـليم البدني للرجال الا أنهن في دواخلهن خائفات.
قد تبدو المنحرفة أخلاقيا من النساء ليست ذات اهتمام بجسدها وانها لا تأبه حتى لو مشـت في الهواء الطلق عـارية تماما وأمام الجميع وانها لا تكترث لممارسة أي من الرجال على قارعة الشارع معها الجنس، ولكن ذلك ليس تفكيرا ولا سلوكا أصيلا فيها. فإذا احتكت بما هو فوق طاقتها أو إذا عادت ولو قليلا إلى أنوثتها، فإنها محتشـمة.
انها ليست كما تبدو أو تدعي كاشفة جسدها غير مبالية بل هي مبالية تماما الا انها تدعي عدم الاهتمام معتبرة ممارسة الجنس معها عملا لا يختلف عن السلوك التربوي الطارئ عليها كتعلمها غسل أسنانها، وليس من داخلها ما يؤيد ذلك ولهذا فان جميع المنحرفات، نادمات سلفا حتى وان لم يعلن هذا الندم أثناء حياتهن المنحرفة وليس بعدها فحسب، وجميعهن محبطات مما هن فيه، وجميعهن بلا استثناء يردن المرأة الأولى الحامل في دواخلهن. الا ان أحدا لا يسمح لهن فالواقع الخارجي أقوى دائما في هذه الحالات وليس أحيانا و لوترك الأمر للمرأة بظرف أفضل وصيانة تربوية أنظف لما بقيت زانية على الإطلاق وعلى كل مراحل التاريخ طالما ان الظروف التي تضطر المرأة للانحراف هي هي، في كل الأزمنة والأماكن.
لا ملامة على المرأة حيثما وجدت في هذا الاضطرار ففي كثير من الأحيان لا تجد المرأة من نافذة إنقاذ الا هذا السبيل المشؤوم. ومع ذلك فهذا هو الواقع وليس الحقيقة المطلوبة منها إذ ان الحياة ليست دائما ضغوطا خارجية منفردة من المجتمع بل لابد ان يقف الإنسان بحالة ضغط معارض وليحاول ولا بأس من بعض الخسائر فالسمو أرقى من الحياة نفسها وبما ان الإنسان، امرأة كان أو رجلا لا يستطيع دائما ان ينقل نفسه إلى هذه المرحلة من (الإنسانية) بل يميل للكسل الأخلاقي فتراه لا يمانع ان يعيش حيوانيا من الناحية الأخلاقية لأنه يستسيغ هذا الكسل.
انه الواقع الحيواني النباتي الرخيص على حساب السمو الإنساني الغالي لسوء الحظ.
لا توجد امرأة في العالم بل في التاريخ كله ترغب ان تكون مومسا على الإطلاق حتى وان كانت رخيصة جدا لأنها تبقى عندما تنعزل إلى نفسها تلك النادمة المحترمة ولو مؤقتا لتعود تمارس الدَّور نفسه بعد حين وفي كل مرة تعيش حالة الحزن العميق على نفسها وعلى عدم تحقيقها الهدف الأصيل فيها أي الحمل والإنجاب تحت ظل رجل بغض النظر ألان عن النظرة الأنانية التي تريد ان تنظر بها لهذا الرَّجل.
ان انحرافات المرأة الاجتماعية ليست أصيلة فيها. بل عرضية وقد يستمر هذا الدَّور العرضي في حياتها إلى ان تموت، متحولة من مومس مثلا إلى مسؤولة عن مومسات، مدعية القوة الأخلاقية وعدم الحياء وقلة الحشمة غير ان كل هذا نفاق وادعاء تحمي به نفسها لتعتقد هي أولا قبل سواها انها ليست بحاجة لأحد وخاصة الرّعايـة والحماية من قبل الرَّجل.
وطالما ان أحدا لا يرحب بها كسيدة بيت، فإنها لا تتوانى عن المضي بالحرب حتى النهاية.
انها كمقاتلة اجتماعية ليست كذلك عندما تكون منفردة مع نفسها فهي عندما تنعزل مع نفسها وتتاح لها فرصة التفكير سوف تجد النفق الحزين الذي آلت له والقلق الشديد الذي وصلته وان هذا الدَّور الناجح الذي تمارسه كمنحرفة اجتماعيا والذي يشهد لها به القريب والبعيد وهذا الإطراء الذي تسمعه من هنا وهناك، ليس الا كذبة كبرى، وان الذين قصدوا إطراءها صادقون بما يقولون، ومع ذلك فإنها لا تصدق ذلك طالما انها ابتعدت كثيرا عن الجادة الأنانية الأولى لها بالانتماء لنفسها من خلال الجنس الوسيلة، لأجل الهدف الحمل.
وهي مع ذلك لا تعامل حتى أفراد أسرتها الأقرب الا على هذا الأساس فالأقرب لها من عائلتها الأولى هي الأم وتشعر معها بالكثير من الطمأنينة لسبب فطري أيضا في نفسها مع علمها غير المدرك ان حب أمها لها من النوع الأصيل طالما انها هي نفسها أم. ومع ذلك فان هذا ليس على حساب نفسـها أو أطفالها فهي أولا ثم أطفالها أكثر قيمة لديها حتى من أمها. أما الأب، فبلا شك هو الخط الثاني مهما ادعت المرأة.
انه بالنسبة لها ضحية على مستوى عال.
مهيب طالما هو قانط ساكت. حنون لأنه وسيلة.
انها تعلم تماما ان هذا الوالد كان العربة التي استخدمتها أمها سابقا بل وطول العمر من اجلها هي واخوانها وان هذا الأب العزيز! مهم بالنسبة لها كخط دفاعي بعد أمها في حالة تعرضها لأي اضطراب من قبل زوجها ولهذا لا بأس من إبقائه على قائمة الانتظار حتى تستقر أمورها الشخصية في بيتها الجديد وتطمئن من هذا الضحية الأحدث على المسرح. زوجها. فان كان زوجها من النوع المطمئن لها، بدأت بشعارات التعاون الزوجي وان أسرتها الزوجية أهم ما لديها وان لم يكن زوجها كذلك، بدأت بدبلوماسية ذليلة بالتقرب أكثر لعائلتها الأولى، عطفا من الأم، واحتراما للأب لإبقاء خطوط الدفاع الاحتياطية عند الحاجة. بل انها عندما تشعر، ومجرد شعور ان زوجها ليس من النوع الخدوم إلى الحد المسموح به أو ليس من الثقة بمحل فإنها تبقي حتى علاقاتها بأخواتها واخوانها كاحتياط أيضا.
المرأة لا تثق بأحد.
الزوج تحت المراقبة الدائمة.
الرَّجل عدو محتمل بالنسبة للمرأة مهما كانت حسن نيته.
انه تحت المجهر فإذا رضيت عنه ابتسمت منتصرة أما ساخرة أو مشفقة وان لم ترض عنه، خانته.
انها لا تبتعد كثيرا عن أهلها، عائلتها الأولى في بداية ارتباطها بزوجها ما لم تكن علاقتها بعائلتها الأولى ضعيفة من الأصل وليس بسبب قوة علاقتها بزوجها أو ممن ارتبطت به كالزواج العرفي أو المدني وما شابه ذلك وكما هو حال ارتباطها بأمها وأبيها واخوانها وأخواتها فانها تبقي ارتباطها أيضا مع الأقربين من الأهل والأقارب ثم الأصدقاء والصديقات.
انها أطواق نجاة حسب التسلسل من القوة.
ليسوا هؤلاء جميعا من الأهمية بذواتهم بالنسبة لها،الا على قدر قوتهم وإخلاصهم لها على قدر أهميتهم.
الموقف جزء من أنانية طبيعية لدى الجميع.
لا يوجد عند المرأة شخص مهم الا في حدود مصلحتها. مهما كان وعلى الإطلاق. ومنذ لحظة الولادة وحتى الموت، شعوريا أو غير شعوري.
انها استفادت كثيرا من القوانين الوضعية في التاريخ، حيث كانت تسحب من شعرها، وها هي ألان تطالب بالمساواة مع الرَّجل. ولكن قبل الخوض بموضوع هذه المساواة لابد من السفر قليلا باتجاه الجذور الأولى قدر الإمكان بالعلاقة الوظيفية التي تنظم هذا التساوي أو عدمه. فما يبدو ظاهرا اجتماعيا من هذا الفارق، ليس الا ظاهرا. وبالعودة للأصول الأولى نستطيع التخلص من براثن الاستقرار الذي اتخذته هذه الظواهر وسواها في عالم الأعراف والتقاليد والتي تصلبت مع الزمن بالرغم من احتمال بل تأكيد مناقشتها على الأقل من حيث قوة مصداقيتها حاليا.
 
المبدأ العضوي بالمعيار القانوني

انه مبدأ لا ينطبق هنا على أمثلتنا أو نطاق حديثنا عن المرأة والرَّجل، ولا عن الأُنثى والذكر فحسب بل عن كل ما يمت بأي من هذه الكائنات الحية والدساتير التي اختاروها لحيواتهم عبر المسيرة التاريخية منذ نشوئهم وحتى اليوم والى ان ينتهي القدر بالجميع. فـ (المبدأ العضوي) هو الأساس الأول الذي يجب الاعتماد عليه بمعرفة أي صعوبة استفهامية بفكر أو سلوك أي من هذه الكائنات الحية وليس الأمر مقتصرا على الإنسان فقط طالما وسعنا الحديث بل هذا التوسيع من الضرورة ما لا تتم معه أية نتائج جيدة بالتحليل دون الاعتماد عليه والعودة له بين الحين والآخر كلما وجدنا صعوبة بفهم أسباب فكر أو سلوك الإنسان على الأقل طالما هو ألان محط أنظارنا وما عودتي هذه الا لإكمال ما بدأناه من (السطحية) بالتحليل عن الظواهر التي يتمتع بها الفكر والسلوك الإنساني ثم الارتفاع أكثر بهذه السطحية حيث مناقشة الظواهر المتعلقة بالمساواة مثلا بين الرَّجل والمرأة في نطاق العمل أو الأخلاق عموما. ويتلخص هذا المبدأ بـ (وحدة المعيار القانوني النهائية لدى الكائنات الحية جميعا) أي ان أصل القوانين التي تنظم الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية هو واحد من حيث (الروحية) والمبدأ، ثم بدأ بالتفرع تدريجيا بين المملكات الحية أي بين الإنسان والحيوان والنبات ثم تبدأ الفروع بالتفرع أكثر في نطاق المملكة الواحدة مرورا عكسيا بالنسبة للانتماء أي من الكل إلى الجزء أي من الكائنات الحية ثم المملكة الواحدة ثم القومية ثم الوطنية ثم العائلية ثم الفردية حتى الأنانية.
ان القانون الذي ينظم الحياة عموما، واحد في أصله الأعلى وكلما انحدرنا بالتخصص الحيوي كلما زادت خصوصية هذا القانون أو ذاك بالنسبة للكائن الحي حتى نصل إلى الكائن الفرد الواحد كالإنسان الفرد مثلا وبالنظر للعدد الهائل من الاحتمالات التي قد تشوب القانون كلما انحدرنا إلى الأسفل من المملكة إلى الفرد كلما ابتعد هذا القانون عن معياره الأصيل الواحد وكلما زادت الفتاوى التي تؤهـله لأعدل ما يمكن.
انه جزء من (التداعي)، فالقانون الإنساني الأعلى ليس كذلك بالعودة لأبيه واقصد القانون الحيواني وكذا حال القانون الحيواني بالنسبة للنباتي.
ان ما يقال عن أصل الأنواع والاحتمال الكبير بالتسلسل التطوري للإنسان عبر تاريخ النشوء والارتقاء، صحيح لحد كبير ليس على مستوى النظام العضوي أي على مستوى الجسم وكيفية تطوره مع الزمن فحسب بل على مستوى العلاقات الحيوية بين هذه الكائنات سواء فيما بينها أو ما بينها وبين سواها من الكائنات المزامنة لها بالحقبة التاريخية فما كان برمائيا مثلا من الكائنات الحية الأولى قد أصبح بريا كما هو حال بعض الحيوانات البرية المعاصرة وحتى بعض الطيور التي تمتلك من الأجنحة ما يماثل أسلافها لدى بعض الكائنات المائية والبحرية الحالية ولسنا هنا بصدد إيجاد أوجه الشبه الكبير بهذا التسلسل التطوري للكائنات وأجدادها والقواسم المشتركة بينها، بل هو واقع الأمر وحقيقته، بصدد استكمال نظرية النشوء والارتقاء على المستوى النفسي أيضا، وليس حصرا على المستوى العضوي. فالنظام الاجتماعي الذي يفكر به الإنسان ليس بعيدا عن أجداده كما هو حال التكوين الجسماني له وما تطور من هذا الجسم عبر التاريخ حتى وصل إلينا كما نحن عليه ألان هو خط مواز تماما للتكوين العقلي وبالتالي للنظام الحضاري العام الذي شهد هو الآخر درجة متكافئة موازية من التطور عليه بمعنى ان مفهوم الإبقاء للأصلح، قرين أيضا بالنظام الحضاري العام للإنسان كما هو حال جسمه وبالتالي فهو ليس بمعزل عن الحيوان والنبات الذي جاء منهما يوما ما.
عندما نريد ان نفهم سبب وجود العصعص لدى الإنسان المعاصر فاننا نستطيع ان نستشرف صورة الإنسان الأول من خلال القرد الذي يمتلك من العصعص ما كان عليه الإنسان الجد القريب من هذا القرد وإذا أردنا ان نستقرأ بعض أعضاء الجسم الإنساني الأخرى كالجمجمة مثلا أو سواها فاننا نستطيع ان نجد نسخة من أجدادنا بهذا القرد رابطين بين الإثنين مستنتجين بقدر أو بأخر الثغرة الممسوحة بين الإثنين وهذا ليس عملا مستحيلا ولكنه منطقي لحد كبير وكذا الحال بالنسبة لاستقرائنا أي (فكر) إنساني معاصر اعتمادا على القاعدة ذاتها من حيث التتابع لأجدادنا القردة مثلا.
ليس بالضرورة ان نحصر نطاق استنتاجاتنا على تطور الإنسان الـ(جسماني) حسب نظرية أصول الأنواع بل بتعميم هذه النظرية إلى درجة اعتمادها كمبدأ قانوني لــ(أخلاق) الإنسان المعاصر والتسلسل الذي مرت به هذه الأخلاق عبر تاريخ ارتقاء الإنسان، فما كان ارتقاء في جسم هذا الإنسان كان ارتقاء بفكر هذا الإنسان والاثنان واحد.
انه المبدأ العضوي بالمعيار القانوني.
عندما نقع بحيرة عضو جسماني ما في الإنسان، نستطيع معرفة أصوله من العودة إلى (جسم) اقرب حيوان لنا وعندما نقع بحيرة قانون أخلاقي ما في الإنسان المعاصر والمستقبلي أيضا (سياسي، اجتماعي، اقتصادي. الخ) نستطيع معرفة أصوله من العودة لـ(قانون) اقرب حيوان لنا وهكذا بالتسلسل حتى الحيوانات المجهرية والخلوية.
يجب ربط ما يسمى بالعلم بهذا الموضوع الذي يبدو عليه الانفصال ولكنهما في الحقيقة أمر واحد وذو جذور واحدة ومن ضيق الأفق فعلا عدم ربط القانون الحضاري الأخلاقي للإنسان أو أي نوع أخر من الحيوانات أو النباتات بالقانون العضوي لهذه الممالك والأنواع من الكائنات الحية.
انها وحدة الوجود الحي، عضويا وفكريا.
ان ظواهر الأجسام والأفكار الحالية للإنسان ذات أصول لا يزال بعضها موجودا حتى اليوم من خلال الحيوانات والنباتات وبالإمكان الاستفادة منها كـ (مرجعية قانونية) عند الحاجة لفرض أكثر عدالة ممكنة أمام الإرادة الواسعة للإنسان والتي تمثل سلاحا ذا حدين فاما ان تؤدي لسلطات غاشمة أو إمكانات ذليلة وفي الحالتين فإنها خروج مفضوح أمام القانون العضوي لسلسلة التطور والارتقاء.
ان عدد الممارسات التي يتفاعل بها الكائن الحي مع محيطه (بين عقله والمحيط الخارجي كله) عدد كبير جدا وبالنظر لوجود أفراد آخرين من نفس النوع كالبشر مثلا في حالة الإنسان فان الشبكة العنكبوتية التي تنظم هذه القوانين تحتاج لمعيار معين يجب الاعتماد عليه كلما زاد الاختلاف بوجهات النظر حول مصداقيته أو أهليته دون العــودة للتعسف بالرغم من اعترافنا سلفا والآن أيضا ان العدالة الكاملة مستحيلة في الحيز الحيوي عموما والبشري خصوصا الا من العدالة الإلهية الخارجة عن النطاق التطبيقي للكائنات الحية.
انها اقرب ما تكون بالشجرة التي يمثل جذعها المعيار العضوي ثم تتفرع تدريجيا مبتعدة عن هذا المعيار حتى تصل إلى تفاصيل صغيرة وخاصة جدا لدى أي كائن حي والإنسان بصورة خاصة طالما هو محل حديثنا ألان وبالنظر لذلك فان القوانين التي تمارس على هذا الإنسان ليست دائما مقبولة من قبل الإنسان طالما ان القانون العام يعني ان يكون بالمستوى الذي يمارس هذا القانون دوره فيه كأن يكون قانونا عائليا أو قانونا وطنيا أو امميا وهـكذا، وفي كل الأحوال فان القانون الذاتي الذي يعيشه الإنسان في نفسه (وحتى الحيوان في نفسه أو النبات في نفسه) ليس دائما بتوافق أو بتعارض مع هذه السلسلة المتصلة المتدرجة والمتفرعة بعضها من بعض من القوانين المذكورة أعلاه عن المعيار العام الذي ينظم الحياة كلها ولهذا فان اختلاف الإنسان بقانونه الذاتي مع القانون الوضعي العام (اجتماعيا أو سيـاسيا أو اقتصاديا أو سواهم من حيث نوعية القانون من جانب ومن جانب أخر ان كان عائليا أو وطنيا أو امميا من حيث المستوى الانتمائي) أمر حتمي وبما ان هذا الصراع القانوني دائم وبما ان الجميع لديهم الصراع ذاته فلقد أصبح من الضروري إيجاد معيار معين يعتمد عليه الإنسان وسواه لتنظيم (المرجعية) العليا دون العودة لاستخدام القهر. وليس هنا لدينا أية مرجعية (مادية) الا المبدأ العضوي بالمعيار القانوني.
انه أعلى ما يكون في موضوع المعيارية القانونية عندما نريد ان نعتمد عليه (ماديا) ولكننا نسـتطيع إيجاد المعيار الإلهي الجاهز لمن يريد الاعتماد عليه (دينيا) وهذا شأن آخر أكثر صلابة ومبدئية ولكنه ليس قانونا ماديا.
ان أية معضلة تمر بنا عندما نريد تحليل الفكر والسلوك الإنساني يجب العودة بها إلى جذورها العضوية ومقارنتها بما هو لدى الحيوان والنبات وكيفية تعاملهما معها فيما لو جرى أمر مشابه لهما منها آخذين بنظر الاعتبار الفارق بالعقلانية بينهم وبعد إيجاد الحل نعود ثانية لتطبيق ذلك على الإنسان وحسب نفس الفارق العقلاني والسـمو الأخلاقي الذي يجب ان يتحلى به.
انه المعيار الأكثر احتراما لنا كبشر طالما ليس لنا الا هو أخلاقيا على الأقل بالرغم من ان الأديان عموما قد اتخذت من المعيار الإلهي الأعلى قيمة قياسية أكثر صدقا فان البعض الذي لا يريد ان يؤمن بها لا يجد لديه الا هذا المعيار العضوي ركيزة منطقية مادية لتبرير أهلية ومصداقية قراراته اللاحقة. ومع ذلك فان الكثير من هذا المعيار السماوي يعتمد بدوره على هذا المعيار العضوي المادي. والعكس صحيح.
لا نعرف من هو الذي وضع الدستور لدى أي شعب من شعوب العالم ولو افترضنا اننا عرفناه فهناك اختلاف كبير أحيانا بين دستور هذا البلد أو ذاك وبين هذا الشعب أو الأمة أو تلك وبالرغم من ان الجميع بحالة من الوفاق فيما بينهم الا ان القانون العالمي ليس موجودا حتى اليوم وان قوانين الشعوب متفاوتة بنظرتها إلى الأحداث الجنائية مثلا فما يصح ان يكون حكما بالإعدام في بلد ما لا يصح ان يكونه في بلد آخر ونحن لا نعرف بالضبط من هو الأصح بينهم وكذا الحال بالنسبة للكثير من القضايا العالقة التي تتفاوت بل تتناقض أحيانا معها هذه القوانين المحلية الإقليمية بين بشرية اليوم.
لابد من معيار واحد ودستور واحد يحكم العالم مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الفوارق الحضارية بين الشعوب ولكن ليس على حساب قوة ووحدة هذا القانون العالمي الذي يجب ان يشمل العالم كله والبشرية كلها ثم تعميمه على أسلوب تعاملنا مع المملكة الحيوانية النباتية كأشقاء لنا.
ان منظمات الدفاع عن الحيوان ومنظمات الدفاع عن الطبيعة ليست بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة الأخلاقية العليا في هذا الشأن لولا قوة التسلط للقانون الوضعي الإنساني عبر التاريخ ولكن سوف يشهد المستقبل الكثير من الحرية والنضج بفهم وتطبيق المبادئ الأخلاقية العالية التي يجب ان يتحلى بها الإنسان كقائد لمسيرة الكائنات الحية وليس مجرد طرف مهم بين ثلاثة أطراف حية أو دكتاتور على الحيوان والنبات المظلومين حتى اليوم من قبل الإنسان.
أنهما كائنات حية مثلنا تماما ولهم ما لنا وعليهم ما علينا ومن التعسف المؤسف حتى هذه اللحظة ان يتعامل الإنسان بها مع أخويه، الحيوان والنبات على أساس النظرة الفوقية والاحتقار وأحيانا التضحية بهم دون سبب كاف فالقانون العضوي هو القانون السائد على الحياة كلها الإنسانية منها و الحيوانية و النباتية على الأقل في حالة عـدم الاعتماد على القوانين الإلهية أو على اقل تقدير في حالة عمل توليفة دنيوية من الإثنين للخروج من مأزق الإحراج الإنساني بأهليته كحاكم على الطبيعة حتى اليوم ما لم يشاركنا احد من الكائنات الحية الأخرى التي قد لا نتصل بها من خلال وسيلة ما ممكنة عبر التاريخ العلمي المعاصر القاصر في اغلب الأحيان.
رُبَّما ليس من المناسب ألان الخوض في هذه النقطة ولكنه المرور العابر إلى حقيقة (محتملة) مفادها ان الكائنات الحية التي نتحدث عنها ليست بالضرورة مقتصرة على الإنسان والحيوان والنبات بل رُبَّما هناك ما لا نستطيع إدراكه من كائنات حية أخرى لم تتح لنا أعضاؤنا الحسية القاصرة عن إدراكها.
ان مداخلة (المبدأ العضوي بالمعيار القانوني) مهمة هنا بالنسبة لمساواة المرأة بالرَّجل، وعودة إلى الموضوع.
المرأة أُنثى، وكأي أُنثى كائن حي، عليها الالتزام بالمبدأ العضوي للمعيار القانوني ولها الحق منه أيضا تماما. وكذا الحال أيضا بالنسبة للرجل، الذكر الحيواني أو النباتي وله ما له وعليه ما عليه وفق المبدأ العضوي نفسه.
انها القاعدة التي سنستند عليها قبل الخوض بما يلحق من مناقشة القوانين الوضعية لأي شـعب أو امة عبر التاريخ أو في العالم المعاصر.
ان القواعد الأساسية لتقييم أي وضع قانوني إنساني يجب ان تنبع أولا من الأصول العضوية للتعامل بين الكائنات الحية كما لو كانت بدون هذا الإنسان ثم محاولة نقل التجربة بعد (التصرف) بحيث تتلاءم قدر الإمكان مع الظرف الإنساني ثم محاولة إيجاد القاسم المشترك بينها ثم وضع القانون الإنساني أي انها عملية عودة للجذور ثم القدوم ثانية للسطح.
انها عملية تداعي.
وبعد عملية التنقية هذه نستطيع في آخر المطاف ان نضع اللمسة الأخيرة على ما انتهينا إليه لنحول القانون الإنساني الصادر بعد العودة من سـفرة العضوية القانونية إلى أخلاق (مفترضة) وليست طبيعية تماما أي لا تخلو من النقص حيث السمو الأخلاقي الذي يتناسب مع الإنسان وليس مجرد مع كائن حي اسمه الإنسان، يزيد عن سواه بدرجة كما لو كان خاضعا للتسلسل العادي من حيث الرقي عن الحيوان والنبات في سلم الكائنات الحية.
ان الفرق بين الأخلاق (المفترضة) وبين الأخلاق (الطبيعية) هو هذا التسلسل فما نراه (واجب) الحدوث في حالة الحيوان كرد فعل له أمام أي فعل خارجي لا تعليق لنا عليه طالما ان الكائن المعني بالأخلاق هنا هو حيوان وكذا الحال بالنسبة للنبات فردود أفعال هذه الكائنات معروفة، وبالإمكان استنتاجها سلفا على انها رد فعل مساو (تقريبا) بالمقدار للفعل الذي تأثر به وهذا هو الجو شبه الطبيعي للأخلاق الحية الدنيا أما في حالة الإنسان فان الأمر مشابه في حالة اعتباره مجرد كائن حي أرقى بمرحلــة واحدة من الحيوان وعند هذا الحد بإمكاننا الاكتفاء من الحديث عن الأخلاق طالما ان الإنسان قد قام بدوره العادي الطبيعي من حيث دقة وتساوي مقدار ردود أفعاله على الأفعال الصادرة من العالم الخارجي الذي يعيشه والمؤثرة عليه وبعد هذه المرحلة بالذات يدخل الإنسان نفسه كمصلح إذا أحب ليرتقي بأخيه الإنسان محاولا ان يصعد به خطوة إضافية هي السمو الأخلاقي الأناني. حيث الوقوف بين الذاتية والموضوعية وحيث احترام الأنا وما لها وما عليها وحيث اعتبار الإنسان ليس مجرد كائن أرقى من الحيوان بل أرقى من (الإنسان الحيوي) لو صح التعبير، أي إلى (الإنسان الانتمائي) الذي يعرف كيف ينظم الأنا الخاصة به أخلاقيا بدرجة أعلى مما هو مطلوب منه كانسان اعتيادي اقرب للحيوان منه للإنسان السامي.
عندما يروض احدنا كلبا فانه في واقع الأمر يحاول ان يرتفع به إلى مرحلة أعلى من درجة ردة الفعل الاعتيادية الأمينة من قبل الكلب ككلب جاعلا منه اقرب للإنسان بحسن ردود أفعاله، متحضرا، كما لو ان لدى الإنسان المروض لهذا الكلب الرَّغبة بخلق كيان أخلاقي إنساني لدى الكلب المعني بالحديث هنا.
الإنسان هنا يحاول ان يرتفع بالكلب إلى سلم الإنسانية، فكرا وسلوكا من خلال الترويض الايجابي، ولكن أليس له الحق أولا والواجب أخيرا ان يروض نفسه نحو سلم أرقى من مجرد الإنسان الحيوان حيث درجة الإنسان الإنسان؟
ان عملية ترويض هذا الكلب، اختزال جزئي لحريته ومساحة إرادته الأمينة مع القانون العام المؤثر عليه،غير ان محاولته هذه بنفس الوقت هي لبناء ما هو طارئ راق، نظير تدمير ما هو أصيل منحط.
المعادلة ذاتها عندما يمارس الإنسان على نفسه، عملية النبل الأخلاقي حيث الاختزال الطوعي لهذه الأصالة.
التفوق الأخلاقي أعلى من العفوية الطبيعية.
كل ما مضى لمجرد القول ان الكثير بل كل ما نراه في حياتنا اليومية من اتفاقات اجتماعية سواء ما اتخذ منها قالبا قانونيا دستوريا أو ما كان منها على شكل عرف أو تقليد اجتماعي، ليست الا غرفا على سطح. أما الأساس لها فهو القانون العضوي للحيوان ثم النبات ثم الطبيعة. ولهذا فعند تقييم أي قانون اجتماعي، يجب العودة لهذه الغرف التحتية ثم الأساس لمعرفة الكم والنوع الذي انحرفت به الغرف السطحية مع مرور الزمن عن أساساتها، فالتاريخ قد صلب الكثير من هذه الانحرافات التي بدت كما لو انها بحد ذاتها أسس لما عداها دون مناقشة قوة أهليتها. ولو خصصنا هذه المناقشة القصيرة على ما نحن فيه ألان من المرأة والرَّجل والمساواة بينهما فان هذا القانون العضوي يصح لتصـحيح الوضع القائم أو على الأقل لتنويرنا بما آلت إليه الأمور.
 

المساواة بين الرَّجل والمرأة
الرَّجل كذكر سيد الموقف التاريخي عبر كل الحضارة الإنسانية، ولم يكن للمرأة دور أساسي على الإطلاق في الحياة الفاعلة العامة الا عندما خرجت من المنزل. ولسنا هنا بصدد السرد الكثير عن التسلسل التاريخي التدريجي لهذا الانحراف عن جادة الحقيقة الطبيعية لوظيفة المرأة بل الواقع الموجود.
ان تعريف المساواة بحد ذاته مفهوم غير واضح، ولهذا لابد من التفرغ قليلا له.
ان مساواة المرأة بالرَّجل أمر مستحيل من الناحية الوظائفية فالأُنثى أُنثى والذكر ذكر ومن غير المعقول الاعتقاد ان هذا النظام الطبيعي سوف ينحسر يوما ما على الإطلاق واعتمادا على هذا الواقع والحقيقة فان التداعيات اللاحقة ليست خارج هذا التقسيم الطبيعي الذي لو شاء احدنا أو مجموعة منا أو عقيدة ما ان تحرفه فقد تستطيع لأسباب مؤقتة الا ان الإثنين في النهاية سيعودان إليها لأنها الأصل فبعض العقائد التي طالبت بمساواة المرأة والرَّجل على كافة المستويات قد نجحت مؤقتا بحكم الشحنة الأولى للثورة الاجتماعية المسببة لهذه المساواة ولكن حالما استقرت الأوضاع واستتبت الثورة عادت المرأة متباكية على الأيام الخوالي وعاد الرَّجل متذمرا من هذا الفساد الثوري.
التاريخ خليط غريب من التنقل بين الطبيعي الأصيل والآني الوكيل، وهنا الصراع الدائم بين النظام الطبيعي للوجود الحي وغير الحي، وبين تدخل الإنسان بالذات دون سواه من الكائنات الحية بهذا النظام الذي لا يفسده الا محاولة هذا الإنسان أحيانا بإصلاح الأمور ليفسدها وجزء من ذلك تدخله الفاضح بمساواة المرأة له أو بمساواته بالمرأة. انه كسـيد ليس ملزما بالمجاملة على حساب النظام الطبيعي. بل لو كان يحترمها فعلا لما شجعها على الانتقال لغير موقعها الطبيعي فلقد كانت المرأة منذ بداية تاريخ الحضارة الإنسانية فاعلة في أحيان قليلة جدا عندما يتعلق الأمر بالحياة العامة غير انها لم تكن سيدة بمعنى الكلمة عندما كانت تقوم بهذا الدَّور لوحدها، بل في ظل رجل ما. حاضرا كان لتكون هي ملكة أو غائبا ويكون قد ترك لها من الاستقرار السـياسي والبطانة النفعية المحيطة بها ما يجعلها تعتقد انها حاكمة فعلا.
ان الجو المحيط بها حتى في حالة كونها حاكمة فعلية ليس جوا أنثويا على الإطلاق بل ذكري تركه لها احدهم زوجا كان أو حبيبا أو ابنا أو نظاما موروثا معتمدا بأساسه الأول على الذكر.
لقد أقام الرَّجل لها العرش، فجلست.
انها في هذه الأحوال القليلة تاريخيا ليست الا ألعوبة بيد الجو المحيط بها وان كان من تستشير، فليس ذلك الا امتدادا لمن وضع لها حجر الأساس على طريق حكمها ولو اتفق وفلتت الأمور قليلا من يدها لسبب نفعي يعتقد معه هؤلاء المتلفون انها لم تعد من الكفاية فإنها لا تستطيع ان تعيد الأمور إلى نصابها على الإطلاق. فالجو السياسي التراثي للمرأة الحاكمة هو الحاكم الحقيقي. ومع تقدم التاريخ وانتقال المرأة تدريجيا من لعبة أنيقة مستفيدة من غباء الرَّجل الأقوى الذي مكنها من الحكم أو غفلته أو وفاته أصبحت المرأة أكثر احتكاكا بالواقع الخارجي لمنزلها. وبدأ هذا البعبع المخيف (المحيط الاجتماعي) يفقد هيبته أمامها. وكان للأنظمة الدستورية الوضعية وليس الإلهية أي التي جاء بها الإنسان وخاصة الذكر، الأثر الأكبر بفقدان هذه الهيبة خاصـة بعد ان تطور مفهوم الاقتصاد لدى الإنسان وأصبح يبحث عن لقمة عيشه مضافا لها قطعة (حلوى) مما دفع بالمرأة لتخفيف حدة هيبة الرَّجل، هو نفسه بعينها، وكانت قطعة الحلوى هذه التي أرادها الرَّجل لسوء الحظ هي المفتاح الأول لانحراف المرأة عن الحق الطبيعي. المنزل.
لم يكتف الرَّجل بلقمة العيش لان المرأة لا ترضى عنه إذا قال، لا. انها سوف تتهمه برجولته.
وبدأت المرأة خاصة خلال القرن العشرين بالنزول إلى الساحة القتالية للرجل من اجل لقمة العيش فحاولت ان تقرب الأمور لها دون ان تتقرب للأمور فأخذت بعرض ما تيسر لها من المفاتن الجسدية لعل بهذا ما يسهل الأمور وقد نجحت بذلك نجاحا باهرا ثم سمح لها الرَّجل وقوانينه المنافقة بالمضي أكثر وبدأت تدخل عالم السياسة والمال والاقتصاد وحتى العمل اليدوي الخشن بالرغم من عدم حاجتها لكل ذلك فيما لو اكتفت بالهدوء. بالرغم من عدم الاضطرار الحقيقي لذلك.
سالت إحداهن لماذا تركت المنزل وأنت امرأة، فقالت لأنه لا يوجد رجل.

المنـــزل

العـــالــم مجمـوعــة منـــازل

ان التقسيم التدريجي الذي اتخذته البشرية منذ نشوئها وحتى اليوم تقريبا بالنسبة للمرأة والرَّجل من الناحية العملية هو ان يتخذ الزوجان مساحة ما على هذه الأرض تتمتع هذه المساحة بأقصى خصوصية ممكنة من حيث إتمام عمليات وظائفية حيوانية ونباتية معينة تماما كما هو حال الحيوانات لشدة قربها من العالم الإنساني واقصد بذلك مفهوم التزاوج والحمل ورعاية الأُنثى بطريقة ما لحملها ثم اختيارها مكانا معينا خاصا لها ثم تولي الذكر المراقبة عن قرب لكل ما يجري ورُبَّما يساهم هو بدوره بهذه الرّعايـة الخاصة به وبقرينته أو على الأقل القيام بدور الراعي والممول في حالة انشغال الأم برعاية نفسها ثم صغارها بعد الإنجاب أو التفقيس (ويعتمد هذا على نوعية هذا الحيوان أو ذلك من حيث بعض الفوارق البسيطة بينهم الا انه كمبدأ فهو السائد حتى على الإنسان).
ان التركيبة الوظيفية للأُنثى تختلف عن الذكر.
ان هذه التركيبة الوظيفية هي بالضبط التي تحتم أي تفاوت أخلاقي بين الأُنثى والذكر مستقبلا عندما نريد التحدث عن الواجبات والحقوق بينهما وطالما ان الحديث ألان منصب بأغلبه على الإنسان فان من الضروري عدم بتر الموضوع التحليلي لهذا الإنسان والعائلة الإنسانية عموما عن إرجاعها لأصولها الأولى من الناحية التكوينية أي إرجاع كل ما يبدو لنا ظاهرا سطحيا للعيان من حيث الجانب الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي وشتى أنواع السلوك الإنساني إذا أردنا الدقة بالعودة به إلى هذه الجذور وعند ذاك فقط نستطيع مسك الخيوط الأولى لدوافع الإنسان كنوع ثم العودة ثانية إلى السطح وعندها يصبح من السهل علينا تتبع الحلقات التي قد تبدو غامضة بعض الشيء في السلوك الإنساني (المبدأ العضوي بالمعيار القانوني). فمناقشة الفكر والسلوك الإنساني (يجب) ان لا تكون بمعزل عن أصوله الأولى وإلا فسوف نقع بالكثير من الثرثرة اللغوية، والمتاهات.
ان العالم الحي، الإنساني والحيواني والنباتي، عالم واحد من حيث العقلية والسلوك ماعدا الدرجة التي يتحلى بها أي نوع منهم وعلى ضوء هذا التفاوت تتحدد أفكار وسلوكيات أي مملكة منهم عندما نريد ان نلقي نظرة سطحية عليهم. ولهذا يجب عدم الفصل بينهم عندما نريد تحليل احدهم ومعرفة القواسم المشتركة بينهم كخطوة أولى بمنتهى الضرورة ثم الانتقال إلى الخطوة اللاحقة بتحليل أي منهم لو أحببنا بشرط عدم ترك الخيوط سائبة لأي منهم حتى عندما نستغرق بالبحث والتحليل في فكر أو سلوك أي منهم، منفردا.
الإنسان جزء من هذا العالم الحي (الإنساني الحيواني النباتي) الذي لا يستحق هذا التشدد بالتقسيم لولا رغبة الإنسان الملحة بفصل أي منهم عن الآخر ولا بأس بشرط عدم الإسراف بهذا التقسيم أولا، وثانيا عدم نسيان الاتصال المصيري الخالد بينهم.
ان أهمية هذا الحديث هنا بالذات تنطلق من حاجتنا أحيانا لمعرفة طرائق تفكير الإنسان وسلوكه فإذا وجدنا ثغرة ما بتحليلنا أو نقصا ما بإمكاناتنا فلا بأس ان نرى نظيره من خلال الحيوان أو النبات إذا تيسر لنا معرفة الأمر المطلوب مناقشـته فيهما وكذا الحال بالنسـبة لأسلوب تفكير وسـلوك الحيوان حيث نستطيع العودة لأحد إخوانه (الإنسان أو النبات) فإذا تيسر لنا معرفة الثغرة المراد تحليلها بأي منهما فبالإمكان إعادة تطبيقها على الحيوان طالما أنهم جميعا، عائلة واحدة. والأمر ذاته بالنسبة للنبات عندما نريد ان نفهم الكيفية التي يفكر بها أو يتصرف بها ولا نستطيع ذلك وعندها نستطيع العودة أما للإنسان أو للحيوان وعندما نعرف كيفية تفكير الإنسان وسلوكه أو الحيوان فكرا وسلوكا في هذا الحقل أو ذاك نستطيع تعميمه أيضا على النبات ولكن بعد ضرب النتيجة بالعقلانية النباتية. والمبدأ هو هو.
إذن نستطيع ان نفهم احد هؤلاء من خلال الآخر إذا توفر لدينا الكم الكافي من المعلومات عن الآخرين.
ان المرأة تستحق ان تعيش أنوثتها كما هي، معدلة بالسمو الأخلاقي وهذا بالتأكيد ضد فكرة مساواتها بالرَّجل الا من حيث القيمة الإنسانية على ان تعرف مثلا انها ليست سلعة بيد الرَّجل وانها ليست مجرد استعراض جنسي بأي مكان أو زمان. علما بأنها في خضم التربية الناقصة قد تتحول لمجرد إنسان من النوع الطبيعي الأقرب للحيوان بينما المهمة الملقاة على عاتقها هي القيام بالدَّور الأعلى من هذا. فمفهوم المساواة كما يفهم حاليا وفي كثير من الأحيان بين المرأة والرَّجل مفهوم مشوه لسوء الحظ.
انه يعني مثلا ان تمارس العمل خارج المنزل وان تتخذ من المنزل مكانا ثانويا لها. وكما ذكرنا قبل قليل فان (مفهوم) المنزل قد تطور تاريخيا وهو ليس أكثر من رغبة الإنسان (الأُنثى والذكر) كالحيوانات باختيار موقع خاص بهما لممارسة التزاوج ثم رعاية الأطفال ولأجل القيام بهذه العملية تتم عملية تخصيص الواجبات بين الإثنين وعندما تترك الطبيعة لممارسة دورها بوضع الأسس المعتمدة لهذا التقسيم ونوعية الأعمال التي يجب ان يقوم بها أي منهما فان هناك تناغما هادئا لا يشوبه القلق بين الإثنين من جانب وبينهما وكل ما يحيط بهما من جانب آخر. وعندما دخل الإنسان هذه اللعبة الطبيعية وجد نفسه يمارس الدَّور نفسه بدون دراية منه فأصبح المنزل كالعش بالنسبة للطيور مثلا أو الوكر بالنسبة لبعض الحيوانات وبتجمع الأعشاش (لتكوين مجتمع طيور) أو الأوكار لتكوين مجتمع (حيوانات برية) مثلا والنباتات أيضا لها بيئتها الخاصة التي تتجمع بها من حيث ان الكثير من النباتات لا تعيش الا في بيئة مناخية وأرضية خاصة أيضا بعد هذا كله أصبح للإنسان مجتمع القرية ثم المدينة ثم الدولة وهكذا.
إذن فالتسلسل الطبيعي لهذا التراكم بالتجمع لم يكن وليد قانون إنساني جاء بعد هذا الإحساس بالألفة بل قبله ولهذا فان القانون الذي نظم عملية التجمع هو نفسه الأصل بالعملية وليس لاحقا لها.
هناك فرق بين ان تكون المرأة مساوية للرجل بالقيمة (الإنسانية) وبين ان تكون مساوية له بالقيمة (الوظيفية) وإذا اتفقنا على ان هناك فرقا وظيفيا فلابد من الاعتراف وبلا شك بان ما يترتب على هذا الفرق هو الذي يجب ان يأقلم نوعية العمل الذي يجب ان تساهم المرأة به.
ان موضوع جغرافية الموقع الذي تمارس به المرأة عملها ليس مهما فالمنزل ليس مقدسا جغرافيا باعتباره مجرد بقعة من الأرض ذات سقف وسياج ولكن لان هذا الكيان المسمى (منزل) هو في واقع وحقيقة الأمر عبارة عن رمز تاريخي طبيعي يفرق بين المرأة والرَّجل من حيث (موقع العمل) لا أكثر ولا اقل وان المرأة عاملة في معملها الخاص بها أي منزلها بينما الرَّجل يعيش في معمل اكبر يشمل جغرافية أوسع وكأن الجميع متفقون ان هناك معملين، الأول هو الذي يلتقي به الرجال والآخر الذي تنفرد به كل امرأة على حدة وهو المعمل النسائي والفرق بين الإثنين ان الأول أوسع ولكنه واحد، وهو المعمل الاجتماعي والثاني معمل أيضا الا انه متفرق على شكل معامل صغيرة لا يضمها الا المفهوم العام، أي المنزل. وكأننا بذلك نتصور ان هناك حديقتين كل منهما ذات سياج، الأولى كما هي بلا اسيجة داخلية وهي المحيط الخارجي للعمل والثانية ذات اسيجة داخلية تقسمها إلى حدائق صغيرة هي المنازل فالرَّجل عندما يعيش حالة المعمل الخارجي لا يعني ان هناك أفضلية له على حساب المرأة طالما انها تمارس بدورها عملا ما يتناسب مع تركيبتها الوظائفية.
ان خروج المرأة من المنزل إلى العمل الخارجي ليس كفرا ودخول الرَّجل إلى المنزل والعمل به ليس كفرا عندما يكون الطرفان على علم أولا بهذه المعادلة الطبيعية التي تنظم العمل أي عندما يكونان معا على دراية تامة ان الوضع الطبيعي هو الأساس وان الاســتثناء لم يكن قد استجد واخذ له موقعا لولا الظروف الاستثنائية وثانيا عندما تكون الظروف مناسبة للإخلال بهذا الوضع الطبيعي لأسباب إنسانية أعلى من مجرد التطبيق الحرفي الحيواني لإنسانية الإنسان بمجتمعه أي بوجود ظروف تجعل من عمل المرأة خارج منزلها عملا أخلاقيا ساميا تتطلبه ظروفها الخاصة وليس لسبب أخر مهما كان.
فلو تصورنا العالم كله بنظرة سريعة ولو تخلصنا قليلا ومؤقتا من التراث التقليدي للتعامل مع عالمنا فان ما نحصل عليه في هذا المضمار هو ان الناس مجتمعون اجتماعا غريبا بعض الشيء وكأنهم خلايا مستقلة بعضها عن البعض الآخر من خلال منازلهم، غير ان هذه الخلايا ليست مستقلة بالكامل فيما بينها بل ان هناك خيوطا تربطها بشبكة من الاتصالات وكأننا أمام شبكة عنكبوتية تتخللها عقد مكورة تمثل هذه المنازل. ثم لو تصورنا تقسيم الزمن من حيث الليل والنهار والكيفية التي يتعامل بها هؤلاء البشر مع هذه الشبكة العنكبوتية والطريقة التي يوزعون فيها أوقاتهم على مواقعهم أي مقدار الزمن الذي يقضونه ذهابا وإيابا على خيوط الشبكة أو الاستقرار مؤقتا في العقد المنتشرة على الخيوط. لوجدنا أنهم كمملكة حية لها أسلوب طبيعي تلقائي بالتعامل مع واقع هذه الشبكة بالرغم من محاولتهم الجادة بتغيير بعض الواقع.
الإناث والذكور. يتناوبون السير قدما خلال الشبكة. وبأسلوب ما يتعاملون مع العقد المنتشرة على الشبكة أي خلاياهم (منازلهم) وأنهم لا يستقرون على حال حتى في هذه العقد الخلوية التي تمثل مواقع راحة واستراحة لهم من السير على الخيوط أثناء النهار.
أنهم يأوون إلى العقد خلال الليل ويتنقلون خلال النهار، تاركيها مؤقتا وهكذا.
الإناث أكثر حظا بالبقاء في هذه العقد، والذكور أكثر حظا بالسفر اليومي المؤقت حتى ساعة العودة لخلاياهم.
يتزاوجون وتحمل الإناث ويخرج الذكور للبحث عن الرزق لديمومة حياة الإناث وصغارهم وهم أيضا.
كل هذا يجري.
انه يجري بلا توقف ولا هدوء.
انه الأسلوب الاعتيادي الطبيعي للحياة. لحياة هذه المملكة بالذات مثلها مثل أية مملكة حية أخرى من الكائنات الحية.
انه القانون الطبيعي للإنسان الحيواني. أما ما يجب ان يكون عليه الحال فهو البقاء قدر الإمكان في هذا النظام ولكن بعد الارتقاء بالأخلاق إلى درجة الإنسانية الراقية حيث البقاء مدة أطول في أنانية الفرد بالنسبة للفرد وأنانية المجتمع بالنسبة للمجتمع الأناني وليس الاستحواذ على الذاتية الاجتماعية أو الموضوعية الاجتماعية على حساب الأنانية الاجتماعية.
المجتمع فرد، الفرد مجتمع وما ينطبق على احدهما ينطبق على الآخر أما القول عن الأخلاق الإنسانية الراقيـة فهو التعامل مع (الواقع) الحيواني للإنسان بفكر وأسلوب أرقى فمثلا إذا كان الغزل بين الأُنثى والذكر والذي يسبق التزاوج على الطريقة الحيوانية بصورة جافة خاليا من الحشمة من قبل الأُنثى كما هو حال الأُنثى الحيوانية التي لا تكترث كثيرا إذا ما تكشف سترها أو لم يتكشف أمام الذكر قبل التزاوج وفي أي موقع أو أي زمان وإذا كان بحضور الآخرين أو بعدمه فان الأُنثى الإنسانية ترتفع عن هذا النمط من التطبيق أي إلى عالم من الحشمة بالرغم من الغزل هو هو من حيث أساسه ولكن يجب ان يكون غزلا إنسانيا وكذا الحال بالنسبة للعملية التالية حيث التزاوج والذي لا يكترث الحيوان كثيرا بحيثياتـه عندما يراد به ان يتم بينما يقوم الإنسان (أُنثى أو ذكر) للارتفاع فوق هذا المستوى بأسلوب عال حتى لو كان الطرفان على انفراد تام.
انه التعامل بين الأُنثى الإنسانية والذكر الإنساني وليس الحيوانين حيث الإنسانية فيه وليس مجرد ان يكونا تحت سقف واحد وان التزاوج قد تم وان احدهما قد اطلع على الآخر يعني هذا السماح لأي منهما بالمضي أكثر من ذلك أثناء التعامل النهاري إذ ان عليهما عدم نسيان نفسيهما بالضيافة. فكلاهما ضيف على الآخر ثم عليهما إدراك ان العملية كلها وبغض النظر عن نوعية الارتباط رسميا كان أو لم يكن شرعيا كان أو لم يكن وفي أي قانون وضعي معروف ليست أكثر من (رفقة) مؤقتة لا يسمح بها الوقت ولا الأخلاق الانتمائية الإنسانية ان يكونا كيانا واحدا كما هو شائع فليس الزوج هو الزوجة وليس العكس ولن يكونا واحدا على الإطلاق وكلاهما يحاول الاستفادة من الآخر وان هناك اتفاقا أخلاقيا صريحا الا انه مغطى بان الارتباط بينهما صفقة.
من خلال ما مضى يتضح المقدار الكافي لتأكيد مساواة الأُنثى بالذكر عموما والمرأة والرَّجل عموما من الناحية الأخلاقية وليس الوظيفية لان هذا مناف تماما لمنطق العقل العلمي على الأقل.
ان سبب اتفاق المرأة والرَّجل هو اختلافهما.
لابد من احترام هذا الاختلاف عندما يأتي الدَّور على وضع القوانين التي تنظم العلاقة بين الإثنين سواء على مستوى العلاقات العامة أو العمل. وإذا كان من السهل الحديث قليلا حول مبادئ هذا التفاوت بالطبيعة الوظائفية بين الأُنثى والذكر، فان من الصعب هنا الحديث عن الأمثلة المتعددة التي تترتب على هذه المبادئ من الناحية التطبيقيـة لطول سـردها وتنوعها.
ان ما ذكر قبل قليل هو الروح التي يجب ان يفهمها كلا الطرفين الأُنثى والذكر. فالمرور العفوي الذي مرت به المرأة عبر التاريخ من حيث موقفها من الرَّجل ومطالبتها له بالمساواة، عفوي فعلا.
هي وهو، يجب ان يعرفا تماما القانون الطبيعي الذي ينظم هذه العلاقة، اليوم وحتى نهاية العالم. ومن خلال هذا القانون تستطيع المرأة ان تستنتج ما لها وما عليها، وكذا الرَّجل عندما يحاول ان يساعد المرأة بالبحث عن موقعها الحقيقي أخلاقيا.
يجب ان لا يترك للتاريخ ان يتلاعب كثيرا بالنظام الطبيعي بصورة حيوانية من حيث الرأي للأقوى فحالما بدأت المرأة بالقوة الاجتماعية بدأت بخوض معارك لا طائل منها لمجرد انها امتلكت قوة الاختيار.
عليها ان تعي ان الفرملة أحيانا جزء من قوتها عندما تختار موقعها الطبيعي وان لا تعطي لا للرجل ولا لعفوية الأحداث التاريخية باختيار موقعها ولا حتى بالدعوات المتطرفة من قبل بعض أبناء جنسها للحرب الخطأ والتأبط شـرا.
انها الخاسر الأول عندما تنحرف والرَّجل ليس بعيدا عن هذه الحلقة العفوية أحيانا ولهذا لابد ان يعلم الطرفان ان العودة للمبدأ العضوي بالمعيار القانوني الذي ينظم العلاقة بين الحيوانات والنباتات هو الأصل في حياتنا نحن كبشر ثم إعادة تطبيق الروحية التي يتحلى بها هذا القانون على مفردات حياتنا التي لا تشبه حياة الحيوانات ولا النباتات في الظاهر ولهذا فعندما تباشر المرأة بممارسة عمل معين خارج المنزل فهو من باب الهواية حتى وان كان احترافا والرَّجل عندما يزاول العمل المنزلي فهو من باب الهواية حتى وان كان احترافا لان الأمر خروج على القانون الطبيعي فإذا علم الطرفان هذه الحقيقة يصبح من السهل لاحقا اختيار المواقع وتناوبها.
من حق المرأة مثلا ان تمارس العمل السياسي ولكن ضمن الرصيف المنزلي وضمن ما تحدثنا عنه بان هذا الدَّور مؤقت حتى تحين الفرصة لعودتها ثانية وقد تكون هذه العودة مستحيلة قبل وفاتها لسبب أو لآخر و يجب ان تكون النية الصادقة متوفرة في نفسـها حول العودة.
العودة لوطنها الأصلي. لعشها الأم.
وكذا الحال عندما تختار المرأة لأي سبب اضطراري ان تقتحم العمل الرجالي في المصانع أو التعليم وكأن الأمر تسلية اضطرارية مؤقتة حتى وان طالت العمر كله في حالة عدم انتفاء السبب الاضطراري. على ان لا يستخدم ذلك تسويفا.
ومما مضى نستطيع الخوض بالتفاصيل الكثيرة المتعلقة بهذا الأمر والكيفية التي يجب ان يتم بها بعد الإيمان بروحية القانون الطبيعي المنظم لما يلحق.
 
الرجــل

بعد الحديث عن المرأة سواء من الناحية الوظيفية أو الأخلاقية وقبل ذلك الظواهر الأخلاقية التي تمارسها بعفوية استعراضية أنانية غير منظمة أحيانا إلى درجة نسيان نفسها أمام العاصفة الجنسية التي تريدها بأي شكل من الأشكال إضافة لمحاولة إيقافها على حقيقة الأمر بالنسبة للواقع المبعثر لابد من الشرح قليلا حول الذكر.
الذكر الإنساني.
الرَّجل.
الكائن الآخر للمرأة. عضويا. وأخلاقيا.
الموجب المكمل لسـلبية المرأة والسالب المكمل لايجابية المرأة.
ان جوهر الذكر التقليدي هو السيادة.
السيادة بأي شكل من الأشكال. فإذا لم يحصل عليها من خلال علاقاته الاجتماعية مع الذكور الآخرين المحيطين به فانه يمارسها على المرأة.
انه جبان عندما تحين الفرصة بان لا يكون شـجاعا.
انه لا يفهم من حب المرأة الا الجنس وإذا كانت المرأة انتهازية فأن الرَّجل خائن.
انه لا يعرف بعد بلوغه سن الرشد الا الاتصال بالمرأة جنسيا وبغض النظر عن النتائج المترتبة.
انه لا يبحث عن الأمان كما يدعي من خلال الارتباط بالمرأة.
انه يكذب.
فيه ما يحركه لهذا الكذب.
انه روائي من الدرجة الممتازة عندما يتعلق الأمر بالوصول لعورة المرأة وليس لقلب المرأة كما يقول الشعراء.
رُبَّما يكون قلب المرأة ضمن الجسور التي يستخدمها لتنفيذ مخططة النهائي ولكن ليس لقلب المرأة المسكين، ناقة ولا جمل بهذا التدليل الفارغ. لا يستطيع الرَّجل ان يمر لعورة المرأة الا من خلال قلبها حتى وان كانت الوسيلة هي المال كأسلوب ما لتنفيذ هذا الجنس ولكنه وسيلة أيضا لكسب قلب المرأة من خلال هذا المال وفي كل الأحوال فان المرأة لا ترضى ان يمارس الرَّجل معها الجنس الا بوجود الحافز الذي يمر بقلبها ما لم تكن مغتصبة، وسواء كان هذا الميل عن طريق المال أو الرَّغبة الجنسية البحتة أو أي سبب آخر حتى لو كان الطمأنينة فهو بالنهاية مبرر كاف للمرأة كأُنثى ان تمارس العبث الأخلاقي بدون واعز، ما لم ترتفع.
ان الرَّجل عندما يصل سن البلوغ فان عملية بحثه عن أنثاه لا تنتهي حتى يمارس الجنس معها فإذا تفرغ انتظر قليلا حتى تعاد الدَّورة الجنســية في دمه ليعود يبحث عنها وعن الجنس ثانية. ومما يجعل
الموقف متناغما فان الأُنثى تعيش حالة خاصة بها بل مكملة لما يحدث عند الذكر باعتبار الإثنين من المملكة الإنسانية القريبة للمملكة الحيوانية.
الرَّجل ليس بعيدا عن الأنانية الحيوانية باعتبارها السبيل الطبيعي له غير ان طرائق تفكيره وسلوكه تختلف عن المرأة إذ لا ترتكز على موضوع الحمل والإنجاب كالمرأة.
انه يعيش ليمارس التزاوج فإذا تورط وأنجبت له المرأة ذرية فإنها الأقرب لنفسه منها.
كلاهما يستخدم هذه الذرية وسيلة للبقاء مع الآخر بغض النظر عن الحجج الواهية التي يقول بها الاثنان فعيون كليهما تتجهان نحو هذه الذرية كرابطة ثانية للرجل بعد الجنس وليست الأولى كما لدى المرأة.
الرَّجل يطلب الجنس أولا فإذا أنجبت المرأة فعن ناتج عرضي لفعلته أما المرأة فإنها تريد الإنجاب فإذا حملت فسوف تمارس الجنس ثانيا. قد تتمتع بممارسة الجنس خلال فترة حملها، ولكن ليس بنفس شحنة المرة التي تأملت الحمل فيها وتم لها ما أرادت.
الرَّجل والمرأة. كلاهما قائد حرب حاذق دون معرفة نوايا احدهما الآخر بالرغم من ادعاء الاتفاق القتالي حول خصم مجهول، ليس الا هما لبعضيهما.
عندما يتعامل الرَّجل مع المرأة فانه يتعامل معها على أساس خدمته الشخصية فهي استراحة التزاوج بالنسبة له أولا والراعية الأمينة لصغاره الذي جاؤوا عرضا له ثانيا ولهذا فان حب الرَّجل لصغاره أقوى من حبه لزوجته.
الزوجة بالنسبة للرجل مجرد وسيلة كما هو وسيلة لها فللاثنين نوايا متباينة تماما بالرغم من اتفاقهما على مبدأ النفاق فرغبة الرَّجل بالعودة لمنزله في نهاية اليوم أمر ينطوي على الحنين الأولي لمنزله الأول عندما كانت الأم هناك.
المنزل للرجل محل طمأنينة ما لم تنغص عليه المرأة هذه القاعدة فتقلب الطاولة على كل القيم التي يعرفها إلى درجة انحرافه عن القواعد المتعارف عليها. وعندها فقط لا يربطه بها الا الصغار أو القيم الاجتماعية التي لا تقل قسوة عليه في حالة تخليه عنها أو المصلحة الخاصة كالمال أو أي حافز دنيوي عادي آخر.
الرَّجل لا يعرف الحب على الإطلاق وإذا كان لدينا البعض من الرومانسية في هذا الحب عبر التاريخ الأدبي وحتى القصص التي نتناولها أحيانا في حياتنا اليومية فهي عن حاجة جنسية مبطنة بين اثنين يحاولان قدر الإمكان التقرب إلى بعضيهما البعض حتى لحظة الفعل الجنسي وأي محاولة لهذا التقرب مهما كانت الأعذار فإنها تصب بهذه الغاية الدفينة في نفسي العاشـقين وليس كما يدعيان أو ما نعتقد نحن عن العذرية.
لا عذرية مع الإنسان.
الإنسان حتى في أعلى مراحل إنسانيته لا يفهم للعذرية محلا بنفسه على الإطلاق.
انه كائن يميل للذاتية أكثر من الأنانية المتوسطة.
كل قصص الحب نفاق رخيص.
وكل الحب العذري كذب.
ان التعفف عن المرأة بالنسبة للرجل أو تعفف الرَّجل عن المرأة يجب ان يكون من القوة ما لقوة المحرمات حتى يكون عفيفا فعلا ومع ذلك فلدى الكثير من الناس من قصص الانحراف عن هذه المحرمات ما لا يذكرونه خشية الخجل الاجتماعي أو القلق بالنفس التي تأبى هذه الانحرافات بل ان البعض يعيشها في أحلامه عندما لا يكون بمقدوره الأخذ بها في يقظته.
انني لا اشـوه الإنسان الإنسان ولكنه حيوان قبل ان يكون كذلك ولهذا فلا يستعاب عليه ان يكون كذلك في حقيقته الطبيعية أما الإنسانية الراقية فهي تخليصه من هذه (الطبيعية) المنحطة أحيانا.
ان أي لقاء بين أُنثى وذكر عندما يلتقيان يمثل مشروعا جنسيا أوليا. فإذا ما تعزز بأية بادرة مالت الكفة لصالحه وكأنه التنين الملوث بالانتظار ولهذا فمن العبث الإيمان بالصداقة بين الرَّجل والمرأة مهما كان الادعاء بذلك.
انها فرصة لكلا الطرفين بممارسة تمرين من تمارين العفة ولا بأس بذلك شريطة الاستمرار على هذا التمرين وليس التنازل عنه أو الانحراف عنه عند اقرب مفترق طرق.
الصداقة على سموها، رمل على كونكريت.
شمع بين فكي قرش.
الحذر هو ان يحافظ أي منهما على هذا الاستثناء النظيف قدر الإمكان على افتراض تشابه الرَّجل والمرأة تماما قياسيا بالقيم الأخلاقية لكليهما أما إذا صح التفاوت بين احدهما عن الآخر فمن السـهل في كثير من الأحيان جر الطرف الصالح نحو الباطل على حساب الحق لان الحق في حالة كهذه اضعف من الباطل والباطل هنا هو القاعدة على حساب الحق، الاستثناء.
الباطل بالجنس هو القاعدة والحق هو الاستثناء.
الرجال ذئاب، بل الذئاب رجال.
لقد أدركت الأديان السماوية هذه الحقيقة العميقة بنفس الكائن الإنساني فحاولت الارتفاع به إلى المستوى الذي تطمح له غير ان هذا الطموح (يجب) ان يمر على جثمان الإنسان التقليدي القريب من الحيوان.
لقد ركزت هذه الأديان كثيرا على (كبت) الغريزة عنده ليس لقهره بل للتخفيف من الحيوانية الأكثر أصالة في النفس الإنسانية عن التعاليم الدينية السامية الأقل أصالة والأكثر نبلا بنفس الوقت ولابد ان نعي هذه الحقيقة كبشر أمام الواقع.
نعم ان هناك تعسفا، ولكن هناك سمو أخلاقي وعلى قدر هذا الكبت الذي يمارسه الدين على الإنسان والإنسان على نفسه على قدر المستوى الذي ارتفع له الإنسان بمحاولته للرقي بنفسه.
ان هذه النظرة المتجردة التي أتحدث بها ألان ليست وجهة نظري الخاصة بل هي التحليل الأكثر تجردا من محاباتي لهذا الطرف أو ذاك فالإنسان في نهاية الأمر حر بان يختار ما يريد. وأمامه ثلاثة خيارات سواء ما يتعلق بالموضوع ألان، حول الأنانية وهو مجرد محور واحد من مجموعة محاور أخلاقية أو ما يتعلق بالكل الأخلاقي له والخيار الأول هنا هو ان يظل عفويا يمارس الإنسانية فيه قريبة من الحيوانية اللهم الا ما هو خطر عليه من الناحية القانونية بحيث يستطيع ان يعيش دون ان يتعرض للأذى من قبل المجتمع أو الدستور فالكثير مما لدى باطن الإنسان الاعتيادي لم يجد النور له بعد بالتنفيذ طالما ان هناك ضوابط اجتماعية وقانونية تمنعه إلى حد ما أو كامل الحد كالشذوذ الجنسي مثلا أو حتى الممارسة الجنسية التقليدية، الا انه ليس مع أي كان أو أي كانت من الرجال والنسـاء ولا في أي وقت يشاء ولو ترك الحبل على الغارب لأي منا باستخدام هذه الصلاحية لتحولت المملكة الإنسانية، لزريبة، والحقيقة وليس الواقع ان لدى الإنسان الرَّغبة بتنفيذ هذا المخطط الشاذ لولا هذه الضوابط الاجتماعية والقانونية فالأعراف الاجتماعية والقوانين لم توضع لحسنة أصيلة في نفس الإنسان أي محاولة منه لمنع نفسه من الهجوم على الآخرين بل للدفاع عن نفسه وقد ارتضى ان يمنع نفسه عن الهجوم وهي رغبته الداخلية العميقة خشـية تعرضه لهجوم أقوى يؤدي به إلى الهزيمة فاكتفى بالادعاء برغبة الدفاع ثم طلا الأمر كله (من خلال الأعراف أو القانون) على انه أخلاق نجيبة. أي ان اختيار الإنسان لاحترام القانون الذي لا يسمح بالإباحية، ليس لأنه يحب ذلك فعلا أو يحترمه فعلا لأنه سوف يستمتع بالآخرين ولكن لأنه يخشى ان يستمتع به الآخرون!
الإنسان مدافع جيد لأنه مهاجم سيئ.
إذا اختار، فقد اختار الإنسان السمو الأخلاقي، على مضض.
يحب الإنسان عموما التمسك بالقانون لا حبا به بل هو قيد عليه وليدفع عن نفسه الأذى من احتمال هجوم الآخرين ولهذا فان الإنسان القوي لا يحترم القانون عموما ولو عاد إلى وضع اضعف مما كان عليه فانه يبدأ بالمهادنة والتفاوض ثم الرضوخ متسلحا بالعشرات من الأعذار الأخلاقية التي لم يكن يحترمها لولا ضعفه.
انها الحقيقة الحيوانية للإنسان مع الأسف. ولهذا فان الأديان عموما تؤمن بالتواضع بعد القوة واحترام القانون بعد القدرة وهي أخلاق قلما توجد بالعقائد المادية غير السماوية.
إذن فالخيار الأول للإنسان هو العيش كحيوان أو على الأقل تربص الفرصة لممارسـة رغباته الداخلية دون ضبط.
أما الخيار الآخر فهو شد الحزام على الدماغ والارتفاع من هذه الحيوانية إلى ما أقسى عليها بحيث ان العرف الاجتماعي والقانون الخارجي للدولة أو المنظمة التي ينضوي تحتها هذا الإنسان موجود في داخله. مضافا إليها رغبته الخالصة بالتعفف عن هذه الحيونة.
انه حال المؤمنين بالأديان السماوية عموما.
وعلى قدر (قوة) هذا الكبت على قدر (قوة) الإيمان.
الكبت والإيمان والعفة. انه الدين.
الدين والعفة عن الحيوانية.
الدين إنسانية أعلى من الإنسانية الطبيعية.
الدين ارتفاع عن مستوى اقتراب الإنسان من سلفه الحيوان ومع ذلك يظل الإنسان يحاول الارتفاع بهذا الكبت وتعتمد شـحنة هذا الكبت على نظرة أي منا لها. فهي أما ايجابية لدى احد منا أو انها سلبية لدى آخر.
قد يرى احدنا ان عملية الكبت الطبيعي للغرائز الإنسانية القادمة من الحيوان عملية غير قانونية باعتبارها ضد القانون الطبيعي للطبيعة ولا يعاني من العقد الأخلاقية عموما هو الحال الأنسب للإنسان وقد يرى
احد آخر ان عملية الكبت هذه صـعود نحو التفاهـة الحيوانية باتجاه
الإنسانية (المفترضة) وليس الموجودة في الواقع. وانها محض العفة. وان الكبت على سلبيته النفسية، نظافة.
انها النظرة الثانية، وانها الخيار الثاني.
أما الخيار الثالث أمام أي منا، فهو التفاوت بين الإثنين.
لا بأس ان يمارس أي منا الخيار الثالث وهو الحل الوسط بين الإثنين، بشرط مهم هو ان يعي هذه الخيارات الثلاثة أولا وان يختار منها الحل الثالث مثلا ثم يستقر عليه بخيار نهائي. وهذا يختلف عن شخص آخر لا يعرف ما يختار فيظل يتنقل بين الخيار الأول والثاني ولا يعرف ان كان يريد ان يكون حيوانا إنسانيا أو إنسانا إنسانيا فيندم من هذه أمام تلك مرة ومن تلك أمام هذه مرة أخرى وهذا النوع ليس له خيار محدد بالرغم من انه دون قصد منه قد اختار الخيار الثالث.
انها ليست عملية مشروعة أو محترمة ان يظل الإنسان متنقلا بين أقصى الإنسانية المفترضة أخلاقيا، والإنسانية الحيوانية الأصيلة.
على الإنسان في حالة كهذه ان يختار الحل الثالث وان يمارس ما يناسبه لا ما يسمح به العرف الاجتماعي أو القانون أي ان يمارس الخيار الثالث حسب ما يراه هو مناسبا له بدون ضغوط خارجية عليه. وليس في هذا مدعاة لإباحية عقلية، وتسريح عبثي بالإرادة بل حرية الطارئ العفيف من عبودية الأصيل الواطئ.
حرية الضغط الأناني على الذاتية الموضوعية معا وبالتساوي قدر الإمكان. على الإيثار الزائد والاستحواذ الزائد في حدود الطمأنينة وليس اللذة.
من خلال ما مضى نستطيع ان نعرف المساحة التي يسمح للإنسان ان يمارس بها لعبته الحية رجلا كان أو امرأة. وبتتبع هذه الأسس نستطيع ان نعرف لحد كبير الأسباب الخفية وراء الفكر والسلوك الإنساني وأسباب التفاوت الشديد والتنوع الكبير بين أي منا والآخر، إلى حد عدم وجود تشابه اثنين منا كبشر بنفس النظرة الأخلاقية فكرا وسـلوكا.



التاريـخ والهرمون الجنسـي

قد يبدو العنوان غريبا بعض الشيء، الا انها الحقيقة. فالذي صنع التاريخ هو هذا الهرمون بنوعيه الأنثوي والذكري. ولو تتبعنا هذه المسألة من جذورها لاستطعنا معرفة ذلك بوضوح ولسنا هنا بصدد دراسة التاريخ ولا فلسفة التاريخ ولا مقدار الصحة أو الزيف به غير انه اسـتعراض سريع لما يهمنا منه بالنسبة لموضوعنا الأساسي الأنانية.
عندما يولد الإنسان تولد معه الخلايا الجنسية وهذا جزء من التشكيل الهندسي الجيني له ثم تقوم هذه الخلايا بإنتاج الهرمون الجنسي وهو على نوعين الأنثوي والذكري. فإذا كان الوليد أُنثى فان نسبة الهرمون الأنثوي أكثر في الدم من الهرمون الذكري بقليل وإذا كان الوليد ذكرا كانت نسبة الهرمون الذكري أكثر من الأنثوي بقليل.
انها ليست نسبة متساوية مهما كان الفرق قليلا. أي ان كلا الهرمونين موجودان لدى أي من الجنسين، ذكرا كان أو أُنثى ومع تقدم العمر بهذين الوليدين حتى مرحلة البلوغ تزداد نسبة احدهما على حساب الآخر فترتفع نسبة إنتاج الهرمون الأنثوي زيادة كبيرة على حساب الهرمون الذكري في سن المراهقة لدى الأُنثى ويحدث العكس تماما لدى الذكر البالغ بنفس فترة المراهقة.
كانا قريبين لحد ما من بعضيهما قبل فترة البلوغ ثم بدأ كل منهما يبتعد تدريجيـا عن الآخر من خلال هذه الزيـادة الهرمونية في دمه فالأطفال قبل سن البلوغ متقاربون لبعضهم بالنسـب الهرمونية ومع ذلك فان للذكر الحصة الكبرى من الهرمـون الذكري وللأُنثى الحصة الكبرى من الأنثوي ولكن بنسـب ليست ذات فرق كبير أما بعد البلوغ فيحدث عاملان أساسيان:
الأول هو زيادة كبيرة بإنتاج هذه الهرمونات والثاني هو تباعد النسبة بين الهرمون الذكري والأنثوي لدى الطرفين فيصبح دم الذكر معبأ بالهرمون الذكري مقابل كمية قليلة من الهرمون الأنثوي والأُنثى على العكس تماما حيث تبدأ علامات الرجولة واضحة على الذكر الشاب في(الجسم) وفي (العقل) وكذا الحال بالنسبة إلى الأُنثى جسما وعقلا أيضا ولكن بسبب غزارة الهرمون الأنثوي هذه المرة.
ان عقل هذا الشاب بدأ يميل لنوع معين من الأسلوب بالتفكير سببه هذا الهرمون الذكري. وكما تغير جسده بسببه تغير عقله أيضا بسببه ويبدأ هذا الشاب بالنظر للحياة والمفردات المحيطة به ثم يبدأ بالتفاعل مع المحيط.
ان (طبيعة) هذا التفاعل تعتمد اعتمادا شبه كلي على نسبة هذا الهرمون في دمه. ويكبر الشاب ويصبح رجلا. كل الذكور في التاريخ هكذا ولا استثناء بهذه القاعدة ما لم تتغير مقادير إنتاج هذا الهرمون ونسبته بالنسبة للهرمون الأنثوي الموجود أيضا في دم نفس الذكر فإنتاج الهرمون الأنثوي لدى الرَّجل لا يتوقف أيضا حتى في عز رجولته ولكن بنسبة قليلة لا تسمح بأية غلبة على النسبة الكبيرة من الهرمون الذكري الغزير في هذه الفترة من حياة الرَّجل. واقصد بين سن البلوغ وحتى الخمسين مثلا من حياة الذكر الإنساني. على الأقل وفق ما متعارف عليه حاليا من الناحية العلمية.
ان (فكر) الرَّجل بعد سن البلوغ يعتمد على كمية هذا الهرمون الذكري في دمه أولا وثانيا على الفرق بين كميته وكمية الهرمون الأنثوي الموجود أيضا في دمه وبما ان هذه النسـبة عموما كبيرة فان الرَّجل رجل بتفكيره وسلوكه وشكله والمرأة امرأة بتفكيرها وسلوكها وشكلها فإذا حدث لأي سبب مرضي ان انخفضت نسبة إنتاج الهرمون الذكري لدى الرَّجل فان رجولته سوف تنخفض تبعا لذلك وعلى قدر هذا الانخفاض على قدر انخفاض رجولته وليس هذا وحده بل ان انخفاض إنتاج الهرمون الذكري سوف يقلص الفرق بينه وبين الهرمون الأنثوي الذي لم يتأثر إنتاجا، وعندها تنخفض الطبيعة الرجولية لديه فيبدو كما لو ان النزعة الأنثوية بدأت ترتفع تغلب على هذا الرَّجل المريض ويعتمد الأمر كما ذكرنا قبل قليل على هذه النسبة بين الإثنين لدى الرَّجل وقد يصل الأمر ان ينخفض إنتاج الهرمون الذكري بحيث لا يبقى في الساحة الا الهرمون الأنثوي وعندها يقترب الرَّجل من المرأة فكر وسلوكا وشكلا.
أي ان عامل الذكورة وعامل الأنوثة يتحدد بنسبة (الفرق) بين كمية الإثنين في دم أي منهما وليس بالضرورة على كمية أي منهما على انفراد.
الفرق بين الإثنين هو العامل الحاسم بالمعادلة وكلما زاد هذا الفرق نحو الهرمون الذكري كلما كان الرَّجل أكثر ذكورة والعكس صحيح وكذا حال النسبة بين الهرمون الأنثوي والذكري لدى المرأة.
ان ما يحدد رجولة الذكر الإنساني هو كمية الهرمون الذكري الموجود في دمه والفرق بين هذه الكمية وكمية الهرمون الأنثوي في دمه أيضا. فلو شاءت الصدف المرضية مثلا وبقي إنتاج الهرمون الذكري على حاله من حيث الكمية وهذا هو الشرط الأول و زادت كمية إنتاج الهرمون الأنثوي فان النسبة بين الإثنين سوف تقترب إلى درجة التساوي مثلا وعندها تحصل النتيجة نفسها وهي انخفاض رجولة الرَّجل واقترابه من الأنوثة.
لا توجد قاعدة ثابتة لهذا التوازن لدى أي رجل ولكن النسبة العامة ثابتة تقريبا وهذا ما يسري على كل رجال العالم بل كل رجال التاريخ.
أما ما يتعلق بالمرأة فهو النظير الآخر المشـابه تماما لما تحدثنا به عن الرَّجل من حيث ان الهرمون الرئيسي في دمها هو الهرمون الأنثوي وان نسبة إنتاج الهرمون الذكري في دمها من القلة بحيث لا تؤثر على قوة تأثير الهرمون الأنثوي المهمين على فكرها وسلوكها وشكلها. وحالما تختل هذه القاعدة المتوازنة من حيث كمية الهرمون الأنثوي في دمها من جانب ومن جانب أخر النسبة بينه وبين كمية الهرمون الذكري الموجود في دمها تختل معها اللواحق الأخرى كالفكر والسلوك والشكل الخارجي للجسم. ومن نافلة القول هنا ان الأعضاء التناسلية للذكر والأُنثى متشابهة لحد كبير خلال الحياة الجنينية بل أنهما كيان واحد لولا نسبة إنتاج الهرمون الذكري والأنثوي الذي يبدأ بتأثيره على هذه الأعضاء منذ الحياة الجنينية فيميز الذكر عن الأُنثى ثم يمر تأثيره بحالة من السبات النسبي وليس الكلي خلال الحياة التالية لكلا الطرفين، الأُنثى والذكر، حتى مرحلة البلوغ لتزداد كمية الهرمون الذكري عند الذكر والأنثوي عند الأُنثى ولهذا فعندما يبدأ الهرمون الأنثوي بالانخفاض إنتاجا بعد الأربعينات من عمر المرأة تبدأ بالتملص قليلا قليلا عن أنوثتها نحو الرجولة. بالرغم من ان كمية الهرمون الذكري في دمها لم تزدد ولكن النسبة بين الهرمون الأنثوي والذكري اختلفت لصالح الذكري.
بعد الأربعينات، تبدأ رجولة المرأة وأنوثة الرَّجل.
كلا الطرفين يعتقدان ان الأمر له علاقة بالحكمة وكلاهما على حق وليس كما يعتقدان من حيث الأسباب، إذ تزداد المرأة قوة بعد هذا السن عموما معتقدة انها اكتسبت من التجارب ما يؤهلها لخوض غمار ساحات العمل كالرَّجل وخاصة الأعمال المهمة ورُبَّما بلا عمل الا انها تبدأ بالمساهمة الفاعلة على الأقل على مستوى قرارات المنزل مع الرَّجل معتقدة ان الحياة قد أكسبتها خبرة كافية ألان وانها بلغت من العمر ما يؤهلها لذلك والحقيقة ان الهرمون الأنثوي انخفض بدمها فأصبحت أكثر رجولة ولا علاقة للحكمة بالعمر بل ان هذه الحكمة مرتبطة بالهرمون الأنثوي (الاستروجن). أما الرَّجل فلا يقل حالا عن هذه الغفلة الحسنة حيث يعتقد ان هدوء شخصيته وبالتالي الحلم الذي يمتاز به، سببه الحكمة والخبرة المتراكمة مع العمر والحقيقة ان انخفاض الهرمون الذكري (البروج ستروجين) هو الذي جعله أكثر أنثوية مما كان عليه فبدأت شخصيته تميل للتأني والهدوء.
ان مفتاح التمايز الاجتماعي بين الرَّجل والمرأة، عالميا وتاريخيا هو هذا الهرمون. فعندما يقل الهرمون الجنسـي عند الإنسان تبدأ التبدلات اللاحقة له والمرتبطة به بالظهور وعلى مستويات ثلاثة كما ذكرنا قبل قليل هي:
الفكر والسلوك والشكل.
ولنبدأ بأقلها أهمية، الشكل.
تبدأ المرأة شكلا خارجيا اقل نظارة مما كانت عليه سابقا من حيث الهندسة الخارجية لجسمها أي التوزيع الجنسي للصفات الخارجية أي الصدر وسواه بعد ان انتفت الحاجة لهذه التركيبة الجسمانية التي كانت متناغمة مع الوظيفة الداخلية لهذا الجسم.
لم تعد الأرض خصبة فلا داعي للفلاح.
الطبيعة تأمر بذلك وعلى المرأة أو سواها ان يحترم الأمر فالمحاولات الجادة التي تبذلها المرأة للخروج من هذا المأزق بتمديد مسـاحة الأنوثة الخصبة ليسـت قاصرة ولكنها محاولات. فالمبالغة بالتشبث لا محل لها من اللياقة. والأمر كذلك بالنسبة للرجل أما السلوك، فان تأثره بالأمر لا يعدو ان يكون (ذيلا) لاحقا كالعادة للفكر ولهذا فمن الأفضل تخطي هذا القميص والانتقال للفكر.
ان التحول الهرموني لدى الأُنثى سينعكس على فكرها فتبدأ بالتحول تدريجيا لما هو أكثر رجولة عما كانت عليه وان كانت لا تصل على الإطلاق لمقدار النسبة التي يزيد بها الهرمون الذكري على ما لديها من الهرمون الأنثوي ولكنه اختلاف النسبة وهذا الذي يجعل منها قريبة للرجولة عما كانت عليه ما لم يطرأ عارض مرضي يغير المعادلة بالكامل وهذا أمر استثنائي لا محل لذكره ألان.
ومن خلال هذا الفكر تبدأ المرأة بمزاولة مهنة أكثر رجولية وقيادية وعدوانية عما كانت عليه، قريبة بذلك من الرجال وبما اننا هنا لم نخصص بعد نوعية العمل الذي تمارسه المرأة باعتبارنا نتحدث عن عموميات تتعلق بكل النساء بل بكل إناث الكائنات الحية التي تمتلك الهرمون الذكري والأنثوي فان موقع المرأة البيئي هو الذي ستجد نفسها به وتمارس بالتالي دورها الجديد معه.
عندما كانت المرأة في منزلها سابقا فان هذا التحول الذي نذكره ألان سوف ينعكس على أفراد منزلها وان كانت قد مارست العمل الخارجي بجانب الرَّجل فان العمل نفسه سيتأثر بهذا التبدل. فقد تكون هذه المرأة ملكة مثلا. وهنا نستطيع ان نلمس هذه الطبيعة الرجولية قليلا لديها خاصة إذا علمنا ان تأثير الإنسان (رجلا كان أو امرأة) لابد ان ينعكس على الجو المحيط به من خلال عاملين. الأول هو القدرة الذاتية من القوة والثاني هو قوة ظرفه الخاص ومن حاصل ضرب هذين العاملين نستطيع ان نستنتج (القوة النهائية) التي يؤثر بها هذا الإنسان على محيطه. فليس مهما فقط ان يكون الإنسان قويا بذاته بينما ظروفه الخاصة ضعيفة إلى الحد الذي لو ضربنا معه الإثنين فسوف نحصل على ناتج (قوة تأثيرية نهائية) ليست بما يمكن أخذها
بالاعتبار، وكذلك ان كانت قوة ظروفه الخاصة عالية بينما قوته الخاصة قليلة وما بينهما التفاوت صحيح.
ان مواطنا قوي الشخصية بظرف تعيس لا يختلف عن ملك ضعيف الشخصية بظرف ملوكي. أما إذا اجتمع الاثنان معا أي القوة الذاتية والظرف الموضوعي المناسب فان قوة تأثير هذا الإنسان على الآخرين عالية بلا شك. ولكن المصيبة ان يكون العاملان ضعيفين، فلا قوة ذاتية ولا ظروف حسنة.
ان ما سبق ينطبق على المرأة مثلما ينطبق على الرَّجل. فالمرأة تصلح للقيادة أفضل فيما إذا تخطت حاجز سن اليأس كما يسمى والواقع ان هذا السن هو (سـن الأمل) بالنسبة لها كامرأة إنسانة كما يجب أكثر من كونها امرأة طبيعية قريبة من الأُنثى الحيوانية.
بعد هذا كله لا بأس من الانعطاف على الموضوع الرئيسي الذي بدأنا به وهو المرأة وتأثيرها على مسيرة التاريخ فهي بحكم الهرمون الذكري المنخفض عموما سواء في حالة حياتها أثناء فترة الإخصاب أي من سن البلوغ وحتى أواسط الأربعينات من عمرها أو حتى ما بعده وكل ما يحصل للمرأة هو الارتفاع النسبي للهرمون الذكري لها بعد هذا السن ومع ذلك يظل مستواه تحت مستوى الهرمون الذكري لدى الرَّجل عموما.
عندما بدأت الحياة، كان الإنسان يتعاملها على أساس ان هناك طرفين، الأول هو الطبيعة، والثاني هو كل ما هو حي عداه. ومع مرور الوقت بدأ يتآلف مع أبناء جنسه على حساب علاقته بالطبيعة والمملكة الحيوانية والنباتية ثم ازداد هذا التآلف حتى أصبح جبهة واحدة من المملكة الإنسانية بينما الطرف الآخر هو الطبيعة والحيوان والنبات، الذين لا يتوانى الإنسان عن استغلالهم جميعا.
كل هذا من طرف واحد ومن طرف آخر بدأت علاقته مع أبناء جنسه أيضا متوازية مع علاقاته الأخرى ولكنها علاقة قوامها السيادة أو العبودية أو ما بينهما والتفاوت في هذه العلاقة بالتناوب مع الزمن.
تشكل التاريخ البشري على هذا الأساس.
قامت العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية جميعا مع بعضها البعض وليس هناك أسبقية أحداها على حساب الأخرى وبما ان طرفي العلاقة في كل هذا الحديث هو الرَّجل والمرأة فإنهما بلا شك قد تقاسما كتابة التاريخ وصنعه وبما ان صلب علاقة الإنسان بالمحيط به كله طبيعة وبشرا وكائنات حية يعتمد على القوة بأي شكل من أشكالها فان الطرف الأعلى صوتا بهذه المعادلة هو الرَّجل وبما ان الرَّجل لا يختلف عن المرأة بشيء لولا الهرمون الذكري الذي حسم سبب قوته على حساب المرأة فان الرَّجل هو سـيد التاريخ بلا منازع. سابقا ولاحقا وحتى نهاية الحياة.
ان ما حدد للرجل قوته هو (الهرمون الذكري).
ان تفحص التاريخ البشري بمعزل عن الظواهر التي نسوقها كثيرا كاستعراض الحضارات والمعارك والحروب والمؤامرات وحتى الأديان لابد ان تعطينا فكرة عن هذه السيادة الرجولية غير ان أحدا لم يتطرق للسبب الأكثر (علمية) تحت هذه الظواهر التاريخية والمبرر العميق لها. فالموضوع ذو جذور ومن الصواب والصدمة أيضا ان يفقد هؤلاء القادة العظام هيبتهم أمامنا ألان عندما نعرف ان السبب الذي كانوا على أساسه كما نعرف عنهم هو هذا الهرمون وليس قدسية استثنائية.
انه الهرمون الذكري لدى هذا القائد أو ذاك خاصة إذا توفرت الظروف المناسبة لهذا الرَّجل باغتنام الفرصة بحيث يستطيع ان ينفذ ما يدور برأسه.
الرَّجل دائما على استعداد للحرب الا انها الظروف التي تجعله حملا وديعا منافقا.
الرَّجل بحكم الهرمون الذكري، قائد دائم مع وقف التنفيذ.
انها ظروف أي منا وعبر كل التاريخ التي حسمت للكثيرين من الأوائل ادوار القيادة والسيادة أو العبودية والضعف. فالمسألة ليست بالرَّجل عموما، ولكن بالظروف الوراثية والبيئية التي تحيط به والتي أما ان تجعله قائدا أو جنديا. أما سيدا أو مسودا.
السيادة هي الاستعداد الأصيل في الرَّجل، والعبودية هي الاستعداد الأصيل في المرأة.
ان يكون الرَّجل منقادا، فهذا استثناء قد يلازمه كل حياته غيران المبدأ بالأمر، هو سيادة الرَّجل الأكثر أصالة على حالة انقياده كشذوذ عن القاعدة فلو تصورنا التاريخ كله والرجال جميعا فيه وتصورناهم رجلا واحدا، فانه القائد الزعيم في التاريخ.
ان زعامة الرَّجل على التاريخ، ليست ايجابية دائما فهي على قدر قيادة المجتمع الإنساني عبر كل العصور نحو التقدم، على قدر قيادة المجتمع الإنساني عبر كل العصور على الدمار.
لقد كان وسيظل الرَّجل صاحب الكلمة العليا بكل باب من أبواب العلم وسيظل صاحب الكلمة العليا بكل حرب.
الرَّجل هو الذي يقود السياسة وهو صاحب جميع معارك وحروب التاريخ المدمرة خاصة إذا استمتع بحب الآخرين له وتمكنه من قدراتهم وقراراتهم لينقلب عليهم بغفلة من أمرهم ويسوقهم نحو مصيرهم الغامض المأساوي.
الحروب عموما صنع الرَّجل والسلام عموما صنع المرأة ومن الصعب تصور سـيادة المرأة والحرب معا.
ان وجود قيادة نسائية مؤثرة، حلم جميل.
وبما ان سبب سيادة الرَّجل التاريخية هي الهرمون الذكري فمن المستحيل تغيير مواقع اللعب بين الإثنين على مدى الدهر بالرغم من احتمال تعادل الأصوات والمواقع القيادية غير ان الظل الرجولي هو السائد الأعلى.
انها مشيئة الله جلت قدرته.
الهرمون الذكري هو السبب الخفي العميق لهذه السيادة الطبيعية ولو تتبعنا مسيرة التاريخ وتراث أي قائد تاريخي لوجدنا من خلال تربيته عوامل زعامته التي أثرت على مجرى التاريخ وسبب هذه التربية الأقوى هو هذا الهرمون الذكري وحتى الحروب التي غيرت الكثير من مسارات تاريخ البشرية لم تكن لو كانت المرأة هي سيدة الموقف بالتاريخ. ولكن الهرمون الذكري الذي يحرك هذا القائد أو ذاك مما يدعم الروح العدوانية لديهم بحيث تنعكس هذه الروح على قرارات يغلفونها بغلاف وطني أو قومي أو ديني لخلق الحروب أو للاستعداد لها على الأقل.
الرَّجل فنان بخلق مبررات السلام لحروبه. ولو صادف مثلا ان زرق بعض القادة التاريخيين الذي عرفوا بعدوانيتهم وغزواتهم وجروا الشعوب إلى حروب مدمرة لا مبرر لها، بهرمون أنثوي أو بما يخفف من تركيز الهرمون الذكري في دمائهم، لما حدث ما حدث.
أنهم كذابون عندما يجدون المبررات التي تبدو منطقية لخوض هذه الحروب فلو كانوا اقل عدوانية بانخفاض الهرمون الذكري لوجدوا أيضا المبررات الكافية للسلام تماما وبنفس الكفاءة التي وجدوا بها مبررات الحرب الكافية وقد يبدو مخجلا لقائد عسكري ان تقول له ان سبب كفاءتك هي مستوى الهرمون الذكري الذي في دمك وانه أعلى من مستواه عند سواك ولهذا فأنت كفء، ولكنه أمر عادي ان تقول له انك شجاع بغض النظر عن الأسباب.
انه لا يقبل الحقيقة العلمية ولكنه يرضى بالثناء السطحي.
حسنا، ما هي الأسباب.؟
قد يعزوها لعامل وراثي أو بيئي وهذا صحيح ليبقى الهرمون الذكري هو العامل الحاسم بالنسبة له هو شخصيا مهما كان تراثه الوراثي أو البيئي.
لم يقم احد بدراسة مستوى الهرمون الذكري عند الأشخاص العدوانيين ثم وضعها مقابل قراراتهم الشخصية عندما يصادفون مشكلة ما. فكيف لو كان هؤلاء الأشخاص ممن يسودون شعوبا كبيرة.؟؟
وهل يستطيع احد الاقتراح عليهم حتى بأخذ عينات من دمائهم إلى المختبرات لدراسة مقدار الهرمون الذكري فيه لتحديد هويته الهرمونية ثم وضع الخارطة المحتملة التي على ضوئها تقوم اغلب قرارات هذا الدكتاتور أو ذاك.
ان الرَّجل الاعتيادي بمستوى الهرمون الذكري في دمه معتدل عموما بين الحرب والسلام سواء كان هذا الشخص فلاحا أو معلما أو طبيبا أو قائدا عسكريا أو سياسيا أو زعيم شعب. فإذا ازداد هذا الهرمون عن مستواه العادي تحول هذا الرَّجل لوحش مع وقف التنفيذ. وقد يكون هذا الوحش الإنساني مواطنا اعتياديا لا حول ولا قوة له الا على نفسه ورُبَّما على عائلته الخاصة به فيمارس أحيانا عليها قوة من التسلط التعسفي ما ينتهي به إلى المحاكم الجزائية، مطلقا لزوجته، ظالما لأطفاله أو لصا أو قاتلا لسبب غير كاف أو ما شابه.
ورُبَّما يكون هذا الوحش الإنساني، ذا مركز ما في الدولة وعندها تتحول عدوانيته متى ما وجدت الفرصة المناسبة إلى عاصفة من السلبية السياسية حسب الموقف الذي تنفرز به هذه العدوانية. وبما ان الموقف لا يسمح له بتنفيذ كل هذه العدوانية المتأصلة في دمه الا لسبب كاف، فانه عادة ما يجد أفضل المبررات وأكثرها قبولا لدى الآخرين فإذا كانوا من نفس التشكيلة العدوانية بسبب ارتفاع الهرمون الذكري في دمائهم أيضا، توافق هذا القائد مع هؤلاء العصابيين وشكلوا زمرة من المتوحشين. فإذا كانوا مثقفين وضعوا لأنفسهم فلسفة خاصة لها مبرر معقول وعندها يستطيعون تنفيذ ما يغلي في دمائهم إلى واقع فإذا استلموا زمام شعوبهم أصبحوا جيوشا جرارة، لابد ان تضم بين جنباتها الناس الاعتياديين الأسوياء الذين سيكونون ضحاياهم عما قريب فإذا اعترض هؤلاء المسالمون فانهم يكونون قد تأخروا كثيرا على حكم إعدامهم وبما ان سلاح الرَّجل المسالم الكلمة، فمن غير الواقعي تصور انتصار قوة المسالمين على قوة السلاح التي جاءت بمجرد مجيء هؤلاء الزمرة الشاذة، فيضطر هؤلاء المسالمون للانسياق وراء الشاذين هرمونيا على مضض وفي كثير من الأحيان لا يستطيعون فعل شيء.
التاريخ ابن المتطرفين.
انه من صنع الرجال أولا.
الكثير من رجال التاريخ يتحكم بهم الهرمون الذكري ولا مبرر للقول ان فلسفاتهم لتبرير زعاماتهم لم تكن الا غطاء مزيفا لهذا السبب.
أنهم سيرفضون هذه الحقيقة بلا شك لأنها ستحط بهم وتقلل من النزعة الغيرية التي يدعون بها وتضعهم على حافة الإفلاس التراثي أمام أتباعهم.
ولكن ماذا بشأن محبي السلام من قادة التاريخ.؟
ان القادة الذين دعوا للسلام عبر التاريخ والذي اخلصوا له وافنوا حياتهم لهذا الهدف النبيل، ليسوا خارج هذه القاعدة على الإطلاق.
ان هؤلاء ليسوا استثناء عما ذكرناه قبل قليل الا ان مستوى الهرمون الذكري الذي بحوزتهم كان من القوة بحيث حولوها إلى هدف آخر هو السلام إلى الحد الذي (قاتلوا) معه من اجل السلام ولم يكونوا ذا طبيعة أنثوية متساهلة أمام تحقيقه بل كانوا من الصلابة والتصميم والتضحية ما يؤكد حقيقة المستوى العالي لديهم منه.
ليس مهما ان يكون الرَّجل الهرموني هذا (ذا المستوى العالي من الهرمون الذكري) رسول حرب أو رسول سلام فكلا الحرب والسلام يحتاجان له. أما موضوع العدوانية، فبلا شك ليس أمرا غائبا حتى عن هؤلاء الأخيار من أبناء البشرية، الا انها عدوانية ضد الشر والحرب.
لم تختر الشعوب أبدا، حربا واحدة في كل مراحل التاريخ، الا ان سرطان هؤلاء الأفراد العدوانيين الذي يطالبون بالحرب لأنهم يحبونها بغض النظر عن الأسباب ولولا الظروف التي جاءت بهم إلى سدة السيطرة على هذه الشعوب المسكينة لما أتيحت لهم فرصة تمرير إفرازاتهم السلبية هذه. فالكثير الكثير جدا منا، من نفس هذا الصنف وهؤلاء يعيشون العمر كله، ثم يقضون، وهم يحلمون بالسلطة من اجل السلطة فقط لتنفيذ عدوانيتهم، ولكن الظروف لم تسـمح لهم لحسن الحظ.
هؤلاء منتشرون بيننا وفي كل مجال وحتى بأبسط الوظائف ولدى ابسط الناس الذين يحيطون بنا غيران ليست الظروف لهم فإذا ما أتيحت لأحدهم سحب المحيطين به بحكم نفس هذه الظروف لما يدور في دمه من عدوانية لا مبرر لها. علما بان اغلب هؤلاء ليسوا من الشجاعة الحقة بمكان بحيث يستطيعون الوقوف وجها لوجه أمام الحرب الصريحة وان يكونوا وقـودا لها بل هم من الذكـاء والجبـن في الغالب ما يستفيدون معه من قوة تأثيرهم على الآخرين الذين سيكونون مادة عدوانيتهم لاحقا لتحقيق أهداف مدمرة بشرط ان يكونوا مشـرفين عليها دون ان تهتز مقاعدهم ودون ان يساهموا بها شخصيا قدر الإمكان لأنهم أكثر خسة مما نعتقد وحتى مما هم يعتقدون عن أنفسهم الضعيفة في حقيقتها الداخلية العميقة.
ان عملية ان يكون الإنسان مؤثرا في هذه الحياة ليست دائما عملية منظمة مقصودة ولا تعتمد في الغالب على الكفاءة بل على الظروف المناسبة التي تشكل العمود الفقري لصعود هؤلاء وارتفاع نجومهم هو الذي يرفع من تأثيرهم على سواهم وبصرف النظر عن نوعية هذا التأثير ومساحته. فقد يكون هذا الشخص مؤثرا على مستوى الفن ليكون رائدا في مجال معين ولكنها عدوانية الهرمون الذكري فيه وقد يكون اقتصاديا فيصبح رجل أعمال ناجح ليسحق كل ما تحته ويتسلق على أكتاف الآخرين وحتى الذين يساعدونه بالنجاح وقد يكون سياسيا وهكذا. ولو صح لي تسمية هذا الإنسان للسهولة بالرَّجل الهرموني فان هذا الرَّجل وما شاكله موجود في أي مكان وفي أي زمان.
ان لعبة الزعـامة في تاريخ البشـرية لا تزال تتحكم بها عوامل الصدفة.
لسنا بعد من التحضر ما نحترم به الإنسان الأكفأ.
هؤلاء الهرمونيون محل احترامنا ولكن عندما تتوجه شحناتهم العنيفة نحو السلام فقط.
السلام هو القاعدة التاريخية للبشرية المفترضة والحرب هي الاستثناء. ولابد من عدم السماح لهؤلاء العدوانيين المحبين للحرب من استلام سلطات معينة مهما كانت قليلة في البداية.
أنهم يطبخون على نار هادئة حتى إذا تمكنوا دفعوا بالناس للحرب على ان يراقبوا عن بعد ما يجري فإذا كانوا لخوضها مباشرة وإذا ما شعروا ان أوزارها قريبة من خيمهم الخاصة بدؤوا بالإعلان عن الرَّغبة بالسلام والحديث عن وقف إراقة الدماء ليتحولوا بقدرة قادر إلى ملائكة.
ان أي داعية حرب غير دفاعية، مجرم تاريخيا. مهما كان لقبه أو منصبه أو ماله أو جاهه.
لابد من وضع النقاط على الحروف وعدم تسليم هؤلاء المرضى مقدرات سواهم حتى لو كانت مساحة تأثيرهم على مستوى عوائلهم فقط فهم مجرمون لا يستحقون تحمل مسؤولية سواهم وان كانوا زوجات أو أطفالا فكيف إذا تمكنوا من استلام مسؤوليات أوسع.
ان بعض قادة التاريخ لم يكونوا نقمة على المحيطين بهم ممن ساهموا معهم بنزواتهم فحسب بل تركوا على التاريخ كله عيوبهم وأبخرتهم القاتلة.
من السهل ان يكون الإنسان قاتلا ولكن من الصعب ان يكون مقتولا.
ان تاريخ البشرية مليء بهؤلاء الخارجين عن القانون ولذلك يجب ان يتخذ الإنسان المعاصر القرار النهائي بعدم السماح للاستمرار بهذه الجريمة العملاقة وان يعرف انه كيان محترم وليس عبدا لهرمون هذا المريض أو ذاك فالشعوب أفراد والإفراد مجموعة فرد وعلى الفرد ان يكون مسؤولا عن البشرية ان كان إنسانا إنسانيا فعلا من خلال (الأنا) الخاصة به.
لقد تحكم الرَّجل بالتاريخ أكثر مما تحكمت المرأة وتحكم الهرمون الذكري بالرَّجل أكثر من عامل آخر بعد الظروف فإذا توفرت هذه الظروف تحكم الهرمون الذكري بمقدرات الآخرين وعلى قدر مساحة هذا التأثير على قدر مساحة الدمار أو الاعمار.
ليس من الحكمة ترك الأطفال يلعبون دائما.
لابد من مراقبة هذه الماكنات العملاقة حتى وان كانت حسنة النية طالبة للسلام فالبشرية ليست رهنا بمزاج هذا أو ذاك مهما كان تراثه الأخلاقي الا بعد موته وعندها فقط نستطيع الحكم على شخصيته.
من خلال ما مضى تتوضح صورة الرَّجل بالنسبة للمرأة من الناحية الأنانية. وكما تحول تأثير الهرمون الذكري في الرَّجل نحو الخارج فان تحوله الداخلي نحو المرأة ليس حبا بها ولا رغبة منه بالإنجاب.
الرَّجل يحب ان يمارس الجنس فقط بغض النظر عن النتائج المترتبة. وما يقوله عن إقامة أسرة ليس الا لإيجاد مملكة يمارس عليها صلاحياته التعسفية لو سمحت الظروف، وخدمة له.
انه يعتقد ان المرأة بالنسبة له جارية دون ان يدور في خلده ان المرأة تعتقد ان الرَّجل عبد لها.
لعبة حيوية لا تخلو من القذارة.
سمساران رابحان في لعبة خاسرة.
كائنان مسكينان في ساقية من الماء الصافي.
مكشوفان، مخفيان.
طفلان من الولادة حتى الموت.
بريئان، متحذلقان.
الله الأعظم، هو العالم العليم.
الأنانية هيكل.
واللحم والعظم، نفاق.
كرنفال من سلسلة أخطاء.
الإنسانية قرينة الصدفة والعدالة الشلل.
ناقصون قاصرون الا من الله الأكبر الأول الآخر.
أقوياء في حدود السطحية.
أصحاء حيثما كان الغرور.
الله. الله. الأعلى.
الخالد الخالد.
المتسامي عنا، المتسامح منا، المشرف الحي القيوم.
الحاكم الحكيم.
المدرك العلة الأولى، والسبب.
الأكمل عن كل تراهات القصور الحيوي.
الاعف عما يجيش في الأدمغة.
النائي القريب عن الطبيعة الميتة لولاه.
الزوجان اثنان.
الذكر والأُنثى.
الأنا والانا.
الله المتفضل على النقص بالإنسان.
اللوثة الأبدية في الحياة العادية ماعدا الاتصال به.
سـبحانه الذي خلق الإيجاب بالسلب والسلب بالإيجاب.
نفكر، والدائرة واسعة ولكنها ليست الله.
انه الأوحد الواحد.
قد لا نكون أبرياء، ولكننا لسنا جبناء.
لا يملك الإنسان العلة، بل العلة تملك الإنسان.
الإنسان متورط.
انه متورط.
لا مفر من التسليم والإسلام.
التفوق والقوة.
الله القوة والحق.
حيث ليس في الأنا مضمون، ولا عقل حتى.
احترام الحشمة الإلهية بالمفروض وليس الموجود.
الأخلاق اتصال بالله.
انه الأعلم، فرحماه وتقواه.
آن و حان وكان. وظل وسوف يظل.
علا وجل، وعز وقام.



الأنانية 5
الألفاظ 20
الحب 21
الحيوية واللاحيوية 25
العقل والإرادة 31
الفكر والسلوك 34
الواقع والحقيقة 41
الواقع الأخلاقي والحقيقة الأخلاقية 46
الانتماء 52
العقل أثناء النوم 62
الأخلاق 63
الذاتية والغيرية والأنانية 68
العلاقات الإنسانية 82
المبدأ العضوي بالمعيار القانوني 122
المساواة بين الرَّجل والمرأة 132
المنزل 135
الرَّجل 144
التاريخ والهرمون الجنسي 152



#سعد_صلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع الوسط المحافظ


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد صلال - الا نانية اخلاق النبلاء